312969798123456789101112

الإحصائيات

سورة مريم
ترتيب المصحف19ترتيب النزول44
التصنيفمكيّةعدد الصفحات7.30
عدد الآيات98عدد الأجزاء0.30
عدد الأحزاب0.65عدد الأرباع2.60
ترتيب الطول27تبدأ في الجزء16
تنتهي في الجزء16عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 10/29كهيعص: 1/1
سورة طه
ترتيب المصحف20ترتيب النزول45
التصنيفمكيّةعدد الصفحات9.70
عدد الآيات135عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول19تبدأ في الجزء16
تنتهي في الجزء16عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 11/29طه: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (96) الى الآية رقم (98) عدد الآيات (3)

ختامُ السورةِ بذكرِ أحوالِ المؤمنينَ، وأنَّه سيغرسُ محبَّتَهم في قلوبِ العبادِ، وبيانِ تيسيرِ القرآنِ، ثُمَّ الإنذارِ بإهلاكِ المشركينَ كما أهلكَ من قَبْلَهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (1) الى الآية رقم (8) عدد الآيات (8)

نزولُ القرآنِ ليس لإتعابِ النفسِ بالعبادةِ، وإنَّما هو كتابُ تذكِرةٍ، ثُمَّ الإخبارُ عن كمالِ عظمةِ مُنزِلِ القرآنِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (9) الى الآية رقم (12) عدد الآيات (4)

القصَّةُ الأولى في هذه السورةِ: قصَّةُ موسى عليه السلام لمَّا ناداه ربُّه بالوادي المقدَّسِ طُوًى.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة مريم

رحمة الله بعباده/ توريث الدين للأبناء/ إثبات الوحدانية ونفي الولد والشريك وإثبات الوحي والبعث/ سورة المواهب

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هي مريم؟:   مريم هي أم نبي الله عيسى. وهي أفضل نساء العالمين (من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة) بالقرآن والسنة. في القرآن: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42[، فقوله تعالى: «اصطفاك» أي: اختارك واجتباك وفضلك. وفي السنة: • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عن ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَيِّداتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرْيَمَ بنتِ عِمْرَانَ: فَاطِمَةُ، وَخَدِيجَةُ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ» . • فترتيب أفضل النساء: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية.
  • • لماذا مريم هنا؟:   السورة مليئة بالأنبياء الرجال، فقد ذُكر فيها: إبراهيم وزكريا ويحيي وموسى وعيسى وغيرهم، فلماذا سميت باسم المرأة الوحيدة التي ذُكرت فيها؟ وكأن الله يقول لنا: إن المرأة قد تصل مثل الرجل، وأن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا، ولكي يعرف الجميع دور المرأة الخطير، وقدرة المرأة علي الوصول إلي الله والسبق إلي الله سبحانه وتعالي.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «مريم».
  • • معنى الاسم ::   هي مريم بنت عمران عليها السلام أم نبي الله عيسى عليه السلام.
  • • سبب التسمية ::   لأنه بسطت فيها قصة مريم وولادتها عيسى من غير أب، ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت بعد ذلك في المدينة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ل«سورة كهيعص»؛ لافتتاح السورة بها، وتقرأ هكذا: (كاف ها يا عين صاد).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   تنزيه الله تعالى عن الولد والشريك وإثبات وحدانيته تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا.
  • • علمتني السورة ::   على قدر البلاء يكون العطاء، مريم ابتلاها الله بأمر شديد، ولكن العاقبة أنها أصبحت أم نبي، ومن سيدات أهل الجنة.
  • • علمتني السورة ::   أن الصمت علاج ودواء، إذا كنتَ مُحاطًا بأهل القيل والقال: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة مريم من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أكثر سورة تكرر فيها اسم (الرحمن)، تكرر 16 مرة.
    • احتوت السورة على السجدة الخامسة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم.
    • هي أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- يُذكَر فيها لفظ (كلا) في آيتين منها (79، 82)، وذكر هذا اللفظ في السورة يدل على أنها مكية.
    • سورة مريم هي السورة التي قرأ جعفر بن أبي طالب صدرها على النجاشي فأسلم، وهذا أثناء الهجرة للحبشة.
    • جرت عادة السور التي تبدأ بالحروف المقطعة (وهي: 29 سورة) أن يأتي الحديث عن القرآن الكريم بعد الأحرف المقطعة مباشرة؛ إلا أربع سور، وهي: مريم والعنكبوت والروم والقلم.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم كل من حولنا: الكبير والصغير، القريب والبعيد، الذكر والأنثى.
    • أن نورث أبناءنا حب الدين، وأهمية العمل للدين.
    • ألا نيأس؛ فالسورة بدأت بقصة زكريا عليه السلام وقدرة الله في إعطائه الولد بعد أن شاب رأسه وعقمت امرأته، فلا نيأس بعد ذلك أبدًا.
    • أن نلجأ إلى الله بالدعاء دائمًا: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ... فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا﴾ (2-5).
    • ألا نعلّق قلوبنا بالأسباب ونغفل عن المسبِّب؛ فقد يجعل الله من المستحيل ممكنًا، ومن الممكن مستحيلًا: ﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ (9).
    • أن نكثِر من ذكر الله تعالى في الصباح والمساء: ﴿فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (11).
    • أن نأخذ بالأسباب، مع علمنا بأن الرزق من عند الله وحده: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ (25).
    • ألا نتعجلَ في إصدارِ الأحكامِ على النَّاسِ، فلعلَّ هناك ما يَخفَى علينا: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ (27).
    • ألا نقنط أبدًا، ففي الوقت المناسب يُنزل الله على عبده الصابر أنوار الفرَج شريطة أن يُديم الثناء على الله: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ (30).
    • ألا نأنف من أخذ العلم عمن صغر سِنُّه، أو قلت درجته عنا: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ (43).
    • أن نعتزل أماكن الفساد والشر، ولا نتساهل في ذلك: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ﴾ (48).
    • أن نحرص على الصدق في أقوالنا، وأفعالنا، ومواعيدنا، وعهودنا؛ فهذا من أخلاق الأنبياء: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ (54).
    • أن نأمر إخواننا وأهل بيتنا بالصلاة والصدقة، ونذكرهم بأدائها في وقتها: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (55).
    • أن نسارع بالتوبة وعمل الصالحات إذا وقعنا في معصية الله: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ (59-60).
    • أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم؛ فقد ثبت ورودنا لها، لكن لم يثبت لنا النجاة منها: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾ (71).
    • أن نكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فهي من الباقيات الصالحات: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ (76).
    • ألا نقول إلا ما يرضي الله سبحانه، ونتذكر قول الله تعالى: ﴿كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ (79).
    • أن ندعو الله تعالى أن يحشرنا في زمرة المتقين: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا﴾ (85).
    • أن نتذكر أننا سنأتي الله يوم القيامة فرادى؛ ونعمل لذلك اليوم: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ (95).
    • أن نحمد الله على الأول، ونجتهد بالثاني، لنكسب الثالث: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ (96).
سورة طه

رالإسلام سعادة لا شقاء/ تقوية النبي ﷺ لحمل الرسالة والصبر عليها/ طغيان من أعرض عن هدي الله عز وجل

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • الإسلام هو منهج السعادة::   وقال عنه أيضًا: «وَاللَّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَطْيَبُ عَيْشًا مِنْهُ قَطُّ، مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وخلاف الرَّفَاهِيَةِ وَالنَّعِيمِ بَلْ ضِدِّهَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَطْيَبُ النَّاسِ عَيْشًا وأشرحهم صَدْرًا, وَأَقْوَاهُمْ قَلْبًا وَأَسَرُّهُمْ نَفْسًا، تَلُوحُ نَضرَةُ النَّعِيمِ عَلَى وَجْهِهِ، وَكُنَّا إذَا اشْتَدَّ بِنَا الْخَوْفُ، وَسَاءَتْ مِنَّا الظُّنُونُ، وَضَاقَتْ بِنَا الأَرْضُ أَتَيْنَاهُ، فَمَا هُوَ إلا أَنْ نَرَاهُ وَنَسْمَعَ كَلامَهُ فَيَذْهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ, وَيَنْقَلِبَ انْشِرَاحًا وَقُوَّةً وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً». هل تعلم ما السر الذي جعل كدر الدنيا عند شيخ الإسلام ابن تيمية سعادة؟ هذا ما سنعرفه من خلال سورة طه.
  • • كيف تشقى مع الرحمن؟:   رسالة السورة تظهر من البداية: ﴿طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَى﴾ (1-2). ومعنى ذلك أن هذا الدين وهذا المنهج ليسا لشقاء الناس، بل إن الإسلام هو منهج السعادة، فلا شقاء مع الإسلام، رغم كل الظروف والصعوبات التي تواجهنا، لكن الشقاء يكون في ترك طريق الله. إن أردت أن تنهي الشقاء من حياتك؛ فعليك بالقرآن: ﴿طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَى﴾ (1-2). إنّ أكثر من يستفيد برسالة هذه السورة هم الشباب البعيدون عن التدين، أو الذين يريدون الالتزام، لكنهم يخافون من أن التزامهم بمنهج الله تعالى سوف يمنعهم من السعادة، ويجلب عليهم الحزن والكآبة ويحرمهم من متع الحياة وأسباب اللهو والترفيه، هذا المفهوم خاطئ جدًا، لذلك تأتي السورة لتؤكد لنا أن الإسلام هو منهج السعادة. كيف ترينا سورة طه هذا المعنى؟ تعال معنا لنعيش مع آيات السورة من أولها.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «طه».
  • • معنى الاسم ::   حرفان من حروف الهجاء، وتنطق: (طاها).
  • • سبب التسمية ::   لافتتاح السورة بهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة موسى»، و«سورة الكليم»؛ لاشتمالها على قصة موسى مفصلة، وسمى الكليم؛ لأن الله تعالى كلَّمه.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام سعادة لا شقاء.
  • • علمتني السورة ::   دع المخلوق وتوجه دائمًا وأبدًا بحاجاتك للخالق، الناس لا تملك شيئًا، لكن الله بحوزته السماوات والأرض: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن على الزوج واجب الإنفاق على الأهل (المرأة) من غذاء، وكساء، ومسكن، ووسائل تدفئة وقت البرد: ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العمل على كسب العيش وفعل الأسباب من سنة الأنبياء عليهم السلام: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة طه من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • جو السورة هو جو الرحمة والمن والطمأنينة والرعاية بالمختارين، فلذا جاء نظم ألفاظها سهلًا يشبه سورة مريم السابقة.
    • يذكر العوام أن «يس» و«طه» من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا غير صحيح
    • قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وليس «طه» و«يس» من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في أصح قولي العلماء، بل هما من الحروف المقطعة في أوائل السور؛ مثل «ص» و«ق» و«ن» ونحوها.
    • قال البقاعي: «ومن أعظم فضائلها (أي سورة طه): أن قراءة أولها كان سببًا لإسلام عمر بن الخطاب ...». والصحيح: أن ما ورد أن سورة «طه» كانت سببًا في إسلام عمر بن الخطاب لم يصح رغم شهرته.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نلزم القرآن، فهو من أعظم أسباب السعادة: ﴿طه (1) مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ﴾ (1، 2).
    • أن نتذكر دومًا أن الله تعالى مطّلع على السرائر والخفيّات, فلا تقل ولا تفعل ما يسخطه سبحانه: ﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ (7).
    • أن نحذر من مصاحبة من اتبع هواه فإنها تعدي وتردي!: ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ﴾ (16).
    • أن نجوّدْ عبارتنا: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ۞ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ (27، 28)، ففصاحة لسان الداعية إلى الدين والواعظ المنذر تعين على تدبر ما يقول وفِقهه.
    • أن نحافظ على أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وعند النوم: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ۞وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ (33، 34).
    • أن نسأل الله أن يلقي علينا محبة منه, وأن يضع لنا القبول في الأرض, كما أنعم على أوليائه: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ (39).
    • أن نحرص على القولِ الطَّيبِ مع كل الناس: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا﴾ (44).
    • أن نتواضع؛ لأننا مهما ملكنا، ومهما علونا، ومهما تكبرنا، فيبقى أصلنا من تراب، وإليه سنعود!: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ (55).
    • ألا نتعب أنفسنا مع المعاند؛ لأن في رأسه فكرة لا يريد تغييرها، فهي بنظره الصواب وما سواها هراء!: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ﴾ (56).
    • أن ننكر المنكر: ﴿قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ (61).
    • أن نحذر من مقولة: «أنا عبد المأمور»، فنحن مؤاخذون بأعمالنا، فالجنود لما أطاعوا فرعون: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ (78).
    • ألا نهتم كثيرًا بغضب المخلوق، المهم ألا يغضب علينا الخالق!: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ﴾ (81).
    • ألا نتردد في العودة إلى الله مهما لوثتنا الذنوب والخطايا، فالذي سترنا تحت سقف المعصية لن يخذلنا ونحن تحت جناح التوبة: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ (82).
    • أن نحرص على دخول المسجد قبلَ الأذانِ، فالأعجلُ إلى الطَّاعةِ أحرى بالرِّضا: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾ (84).
    • ألا نواجه الغاضبَ بغضبٍ مثله، بل نتلطَّف في الرَّدِ عليه، فكم من هجرٍ وفراقٍ طويلٍ كان سببُه غضبٌ بسيطٌ لم يجدْ مَن يحتويه، قال هارون لموسى: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ (94).
    • أن نقبل على القرآن الكريم تعلمًا، وتعليمًا، وعملًا؛ ففيه النجاة: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ۞ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ (99، 100).
    • أن نكثر من الدعاء بزيادة العلم: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (114).
    • أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ونعوّذ أهلنا وأولادنا منه: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ (117).
    • أن نحــرص على معـرفة سـيـرة مـن ينصحنا قبـل أن نقبـل نصيحتــه: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾ (120).
    • ألا نتمنى ما عند غيرنا من زهرة الحياة الدنيا؛ فإنها إلى زوال: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ ﴾ (131).

تمرين حفظ الصفحة : 312

312

مدارسة الآية : [96] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ..

التفسير :

[96] إن الذين آمنوا بالله واتَّبَعوا رسله وعملوا الصالحات وَفْق شرعه، سيجعل لهم الرحمن محبة ومودة في قلوب عباده.

هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، أن وعدهم أنه يجعل لهم ودا، أي:محبة وودادا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل، ولهذا ورد في الحديث الصحيح:"إن الله إذا أحب عبدا، نادى جبريل:إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء:إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض "وإنما جعل الله لهم ودا،لأنهمودوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه.

أى: إن الذين أمنوا بالله- تعالى- حق الإيمان، وعملوا الأعمال الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ في دنياهم وفي آخرتهم وُدًّا أى: سيجعل لهم محبة ومودة في القلوب، لإيمانهم وعملهم الصالح، يقال: ود فلان فلانا، إذا أحبه وأخلص له المودة.

روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله- تعالى- إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: يا جبريل إنى أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل. ثم ينادى في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه. قال: فيحبه أهل السماء. ثم يوضع له القبول في الأرض، وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال: يا جبريل إنى أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل ثم ينادى في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه.

قال: فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض» .

يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهي الأعمال التي ترضي الله - عز وجل - لمتابعتها الشريعة المحمدية - يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه . وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه .

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل ، إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل " . قال : " ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلانا " . قال : " فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل ، إني أبغض فلانا فأبغضه " . قال : " فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه " . قال : " فيبغضه أهل السماء ، ثم يوضع له البغضاء في الأرض " .

ورواه مسلم من حديث سهيل . ورواه أحمد والبخاري ، من حديث ابن جريج ، عن موسى بن عتبة عن نافع مولى ابن عمر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ميمون أبو محمد المرئي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي ، عن ثوبان ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن العبد ليلتمس مرضات الله ، فلا يزال كذلك فيقول الله - عز وجل - لجبريل : إن فلانا عبدي يلتمس أن يرضيني; ألا وإن رحمتي عليه ، فيقول جبريل : " رحمة الله على فلان " ، ويقولها حملة العرش ، ويقولها من حولهم ، حتى يقولها أهل السماوات السبع ، ثم يهبط إلى الأرض "

غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا شريك ، عن محمد بن سعد الواسطي ، عن أبي ظبية ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المقة من الله - قال شريك : هي المحبة - والصيت من السماء ، فإذا أحب الله عبدا قال لجبريل ، عليه السلام : إني أحب فلانا ، فينادي جبريل : إن ربكم يمق - يعني : يحب - فلانا ، فأحبوه - وأرى شريكا قد قال : فتنزل له المحبة في الأرض - وإذا أبغض عبدا قال لجبريل : إني أبغض فلانا فأبغضه " ، قال : " فينادي جبريل : إن ربكم يبغض فلانا فأبغضوه " . قال : أرى شريكا قد قال : فيجري له البغض في الأرض " . غريب ولم يخرجوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو داود الحفري ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد ، وهو الدراوردي - عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أحب الله عبدا نادى جبريل : إني قد أحببت فلانا ، فأحبه ، فينادي في السماء ، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قول الله ، عز وجل : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )

رواه مسلم والترمذي كلاهما عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال : حبا .

وقال مجاهد ، عنه : ( سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال : محبة في الناس في الدنيا .

وقال سعيد بن جبير ، عنه : يحبهم ويحببهم ، يعني : إلى خلقه المؤمنين . كما قال مجاهد أيضا ، والضحاك وغيرهم .

وقال العوفي ، عن ابن عباس أيضا : الود من المسلمين في الدنيا ، والرزق الحسن ، واللسان الصادق .

وقال قتادة : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) إي والله ، في قلوب أهل الإيمان ، ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .

وقال قتادة : وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقول : ما من عبد يعمل خيرا ، أو شرا ، إلا كساه الله - عز وجل - رداء عمله .

وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن البصري ، رحمه الله قال : قال رجل : والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها ، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي ، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج ، فكان لا يعظم ، فمكث بذلك سبعة أشهر ، وكان لا يمر على قوم إلا قالوا : " انظروا إلى هذا المرائي " فأقبل على نفسه فقال : لا أراني أذكر إلا بشر ، لأجعلن عملي كله لله - عز وجل - فلم يزد على أن قلب نيته ، ولم يزد على العمل الذي كان يعمله ، فكان يمر بعد بالقوم ، فيقولون : رحم الله فلانا الآن ، وتلا الحسن : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )

وقد روى ابن جرير أثرا أن هذه الآية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف . وهو خطأ ، فإن هذه السورة بتمامها مكية لم ينزل منها شيء بعد الهجرة ، ولم يصح سند ذلك ، والله أعلم .

يقول تعالى ذكره: إن الذين آمنوا بالله ورسله، وصدّقوا بما جاءهم من عند ربهم، فعملوا به، فأحلوا حلاله، وحرّموا حرامه ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) في الدنيا، في صدور عباده المؤمنين.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا شريك، عن مسلم الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: محبة في الناس في الدنيا.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ ، عن ابن عباس، في قوله: ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: حبا.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: الودّ من المسلمين في الدنيا، و الرزق الحسن ، واللسان الصادق.

حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا شريك ، عن عبيد المُكْتِبِ، عن مجاهد، في قوله ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: محبة في المسلمين في الدنيا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله : ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: يحبهم ويحببهم إلى خلقه.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عليّ بن هاشم، عن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يحبهم ويحببهم.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن قتادة، في قوله ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: ما أقبل عبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه. وزاده من عنده.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) : إي والله في قلوب أهل الإيمان. ذُكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن عثمان بن عفان كان يقول: ما من الناس عبد يعمل خيرًا ولا يعمل شرًّا، إلا كساه الله رداء عمله.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: محبة. وذُكر أن هذه الآية نـزلت في عبد الرحمن بن عوف.

حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي، قال: أخبرنا يعقوب بن محمد، قال: ثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن أمه أمّ إبراهيم ابنة أبي عبيدة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيها، عن عبد الرحمن بن عوف، أنه لما هاجر إلى المدينة، وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة، منهم شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، فأنـزل الله تعالى: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ).

التدبر :

وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ ما أعظم عطاءه! حتى الحب لا يدعك تتعب في استجدائه، بل يخلقه لك في قلوب الناس.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمنُ وُدًّا﴾ أعمالك الصالحة بنية خالصة لله تغرس الود والحب فى قلوب من حولك.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم!
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ (ودًا): يدافع عن سمعتك (استمرارك بعملك).
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ (ودًا): أقبلوا على الله فأقبل الله بالناس عليهم.
عمل
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ احمد الله على الأول، واجتهد بالثاني، لتكسب الثالث.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ هل هناك من مودة أعظم من أن تكون لك مودة مع الله ﷻ؟
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ أجمل الهِبات في الحياة أن يزرع الله لك حبًا وقبولًا في القلوب.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ أي يلقي بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضًا فيتراحمون ويتعاطفون.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ من معانيها: قد يجعل لهم الوُدّ بعد موتهم أكثر من ذي قبل.
وقفة
[96]‏ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ كم نكافح لإبقاء حبال المودة مع من نحب وعمل صالح في الخفاء يغنينا عن ذلك التعب والكفاح.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ بقدر إيمانك وعملك الصالح يزرع الله لك ودًا في قلوب العالمين.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ مودة الرحمن: هذا سر أننا نحب البعض قبل اللقاء به.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ قال مجاهد: «يحبهم الله، ويحببهم إلى عباده المؤمنين»، قال هرم بن حيان: «ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه؛ حتى يرزقه مودتهم».
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ يجعل لهم ودًا: أي: محبة وودادًا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ودٌ تيسر لهم كثيرٌ من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات، والدعوات، والإرشاد، والقبول، والإمامة ما حصل.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ أي: القرآن؛ يعني: بيناه بلسانك العربي، وجعلناه سهلًا على من تدبره وتأمله.
عمل
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ أرسل رسالة تبين فيها أقرب طريق وأيسره ذكرته الآية لنيل حب الناس.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ كم من مؤمن بالله عز وجل ترى عيون الخلق تعظمه وألسنتهم تمدحه، ولا يعرفون لِمَ؟ ولا يقدرون على وصفه؟
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أي: محبة الناس في الدنيا»، القلوب النقية تحب العبد المؤمن لإيمانه، ولو لم يكن منه إحسان، فكيف سيكون الحبُّ لو اقترن به إحسانٌ إلى الخلق؟!
عمل
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ اسعَ في كسب ودّ من في السماء؛ ليحبّك من في الأرض.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ تخبرك أن المودة ماهي إلا شيء خفي، تجد أثره في النفوس، كان نتيجة عمل صالح، انعكس أثره على الروح، فقابلته الأرواح بالمحبة، وهذا من بركة الطاعة.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ تفرغت قلوبهم للإيمان بربهم والعمل لإرضائه؛ فهيأ لهم قلوب عباده، وسخر لهم مودته؛ لتنشرح صدورهم أنسًا بالإخوة الصادقة.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ أي حبًّا عظيمًا في قلوب العباد، من غير تودد منهم، ولا تعرض للأسباب التي تكسب بها الناس مودات القلوب، من أحسن ما بينه وبين الله؛ كفاه اللهُ ما بينه وبين الناس.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ الحبُّ منحةٌ سماوية لا ينالها إلا مؤمن.
عمل
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ أحسن في ما بينك وبين الله وسيجعل الله لك قبولًا في قلوب عباده.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ ودّ بينهم وبين خالقهم يحبهم ,يحفظهم ينصرهم , يؤيدهم , يوفقهم وهم يطيعونه يحبونه يعبدونه وودّ مع المؤمنين يتناصرون , يتناصحون , يتواصون بالتقوى , يتراحمون.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ وداً يشيع في الملأ الأعلى, ثم يفيض على الأرض والناس فيمتلىء به الكون كله ويفيض.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ قبول الناس ومحبتهم هبات ربانية، ومن أعظم أسبابها نقاء السريرة ومحبة الناس وتمني الخير لهم.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ وإذا أحب الله عبدًا يسر له الأسباب، وهون عليه كل عسير، ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه بالمحبة والوداد.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ حين تتأزم علاقتك بأحبتك، بوالديك، بزوجتك، بأصدقائك؛ اعمل صالحًا يخلق الله ودك فى قلوبهم.
وقفة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ مقياس الإيمان الحقيقي العمل، أقصر طريق لتحقيق الود: الإيمان والعمل الصالح، اقتران اسم الله الودود بالرحمة والمغفرة.
لمسة
[96] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ نعيم معنوي دقيق يلقي بظلاله النفيسة الرقيقة على الوجوه، فالنعيم قوامه الودّ السامي بين الرحمن والمؤمنين، وللتعبير بالودّ في هذا الجو نداوة رخيّة تمس القلوب لا يماثله أيّ نعيم مادي محسوس.
وقفة
[96] من ثمرات الإيمان الصادق والعمل الصالح: أن يحبَّ اللهُ عبده المؤمن، ويتولاه، ويدافع عنه، وينصره، قال تعالى: ﴿إن الله يدافع عن الذين آمنوا﴾ [الحج: 38]، فإذا أحب الله عبده وضع له القبول في الأرض فأحبه الناس، قال تعالى: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدَّاً﴾.
وقفة
[96] أحيانًا نتساءل عن سر القبول والمحبة الكبيرة لشخص معين، فتأتي الإجابة في هذه الآية: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا﴾، لا يُـقاس حـب الأشخاص بكثرة رؤيتهم، فـهنـاك أشخـاص يدخلون القلب ويستوطنون فيه دون استئذان، فما أروع الحب في الله وما أروع قلوبكم الصافية.
عمل
[96] لا تحقرنّ من المعروف شيئًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾، أي محبة الناس والرزق الحسن
وقفة
[96] قَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ لِأَبِي حَازِمٍ: «يَا أَبَا حَازِمٍ، مَا أَكْثَرَ مَنْ يَلْقَانِي فَيَدْعُو لِي بِالْخَيْرِ مَا أَعْرِفُهُمْ، وَمَا صَنَعْتُ إِلَيْهِمْ خَيْرًا قَطُّ»، قَالَ لَهُ أَبُو حَازِمٍ: «لَا تَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِكَ، وَلَكِنِ انْظُرِ الَّذِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ فَاشْكُرْهُ»، وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾ إن كُتِب لك القبول في الناس فلن يملك أحد نزعه منهم؛ ﻷنه هبة الله لك بلَّغها جبريلَ فأحبك، فبلَّغها أهلَ السماء فأحبوك، فوَضع لك القبول في اﻷرض.
وقفة
[96] ﴿سيجعل لهم الرحمن ودا﴾ فيضع له القبول في اﻷرض، ويحبه من رآه، وتأتيه الألطاف من حيث ﻻ يحتسب، فتمتلئ روحه حبورًا وامتنانًا.
تفاعل
[96] ﴿سيجعل لهم الرحمن ودا﴾ قل: «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُني حُبَّكَ».
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ بعض الصالحين بمجرد أن تسمع عنه، تشعر أن شيئًا نورانيًا تسلل إلى فؤادك، فلا تنتبه إلا وأنت تحبه.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ وإذا الكريم مضى وولى عُمره كفَل الثناء له بعُمر ثان.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ يجعل لك ودًا معه، يتجلى على قلبك، يطمئنك، أنت آمنًا والناس خائفون، موقنًا والناس متشككون، راضيًا والناس ساخطون.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ إذا أحببتَ إنسانًا للهِ وأنت لا تدري ما السببُ، فاعلمْ أنَّ اللهَ يحبُّه، وأمر قلبــَك بحبـِّه.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ من نعمه على عباده الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح أنه يجعل لهم ودًا، أي محبة في قلوب أوليائه وأهل السماء والأرض.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ إذا أحب الله عبده غرس له أنبل الحب في قلوب عباده! ولو تباعدت أجسادهم فأرواحهم قريبة من بعضهم.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ تأتي المحبة من السماء، إن الله إذا أحب عبدًا قذف حبه في قلوب الملائكة، وقذفته الملائكة في قلوب الناس.
وقفة
[96] ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ كم من إنسان في غابر الزمان وحاضره نحبه ولم نراه.
وقفة
[96] أقبل على الله بقلبك وجوارحك، بطاعته ومحبته، وسيطرح الله لك قبولًا ومحبة في قلوب الناس، ويقبلون عليك، فلا تعجب من محبتك لشخص دون أن تدري ما السبب ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾.
وقفة
[96] في الحياة: مؤمنٌ بأن الأشياءَ الجميلةَ‏ لا تحتاج إثارةً ولا ضجّةً لِتَظهر، ‏الجمالُ له هالَةٌ ‏﴿سيجعل لهم الرحمنُ "ودّا"﴾، ‏الجمال يتحدث عن نفسه ‏ولو صامتًا ‏﴿وجعلنا له نورا يمشي به﴾ [الأنعام: 122].

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إنّ».آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وعملوا: معطوفة بالواو على «آمنوا» وتعرب إعرابها. والجملة الفعلية «آمنوا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ:
  • مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. السين: حرف استقبال-تسويف-. يجعل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا:
  • جار ومجرور متعلق بيجعل و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. الرحمن: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. ودا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والجملة الفعلية «سيجعل وما بعدها» في محل رفع خبر «إن» بمعنى: سيحدث لهم الله في قلوب الناس محبة أو مودة. '

المتشابهات :

البقرة: 277﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
يونس: 9﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ
هود: 23﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
الكهف: 30﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
الكهف: 107﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا
مريم: 96﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا
لقمان: 8﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ
فصلت: 8﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
البروج: 11﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
البينة: 7﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [96] لما قبلها :     ولَمَّا عمَّ هذا الوعيد -وما فيه من خوف- الطائعَ والعاصي؛ التفتت الآيات إلى المؤمنين بكل لطف وعطف؛ لتطمئن قلوبهم، وتزيل ما يمكن أن يعلقَ بها من خوف، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ودا:
1- بضم الواو، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة أبى الحارث الحنفي.
3- بكسرها، وهى قراءة جناح بن حبيش.

مدارسة الآية : [97] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ..

التفسير :

[97] فإنما يسَّرنا هذا القرآن بلسانك العربي أيها الرسول؛ لتبشر به المتقين من أتباعك، وتخوِّف به المكذبين الشديدي الخصومة بالباطل.

يخبر تعالى عن نعمته تعالى، وأن الله يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يسر ألفاظه ومعانيه، ليحصل المقصود منه والانتفاع به،{ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والآجل، وذكر الأسباب الموجبة للبشارة،{ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} أي:شديدين في باطلهم، أقوياء في كفرهم، فتنذرهم. فتقوم عليهم الحجة، وتتبين لهم المحجة، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

ثم بين- سبحانه- الحكمة التي من أجلها جعل القرآن ميسرا في حفظه وفهمه فقال:

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ، وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا.

أى: إننا أنزلنا هذا القرآن على قلبك- أيها الرسول الكريم- وجعلناه بلسانك العربي المبين، وسهلنا حفظه وفهمه على الناس، لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ الذين امتثلوا أمرنا واجتنبوا نهينا وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا أى: ذوى لدد وشدة في الخصومة بالباطل، وهم مشركو قريش فقوله لُدًّا جمع ألد ومنه قوله- تعالى-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ «2» أى أشد الناس خصومة وجدلا.

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .

وقوله : ( فإنما يسرناه ) يعني : القرآن ، ( بلسانك ) أي : يا محمد ، وهو اللسان العربي المبين الفصيح الكامل ، ( لتبشر به المتقين ) أي : المستجيبين لله المصدقين لرسوله ، ( وتنذر به قوما لدا ) أي : عوجا عن الحق مائلين إلى الباطل .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قوما لدا ) لا يستقيمون .

وقال الثوري ، عن إسماعيل - وهو السدي - عن أبي صالح : ( وتنذر به قوما لدا ) عوجا عن الحق .

وقال الضحاك : هو الخصم ، وقال القرظي : الألد الكذاب .

وقال الحسن البصري : ( قوما لدا ) صما .

وقال غيره : صم آذان القلوب .

وقال قتادة : ( قوما لدا ) يعني قريشا .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( قوما لدا ) فجارا ، وكذا روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد .

وقال ابن زيد : الألد الظلوم ، وقرأ قول الله : ( وهو ألد الخصام ) [ البقرة : 204 ] .

وقوله ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ) يقول تعالى ذكره: فإنما يسَّرنا يا محمد هذا القرآن بلسانك، تقرؤه لتبشر به المتقين الذين اتقوا عقاب الله ، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه بالجنة ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) يقول: ولتنذر بهذا القرآن عذاب الله قومك من قريش، فإنهم أهل لدد وجدل بالباطل، لا يقبلون الحق. واللدّ: شدة الخصومة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (لُدًّا) قال: لا يستقيمون.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وتنذر به قوما لدا ) يقول: لتنذر به قومًا ظَلَمة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) : أي جدالا بالباطل، ذوي لدة وخصومة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) قال: فجارا.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( قَوْمًا لُدًّا ) قال: جدالا بالباطل.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) قال: الألدّ: الظلوم، وقرأ قول الله وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ .

حدثنا أبو صالح الضراري (1) . قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار، قال: ثنا مهدي ميمون، عن الحسن في قول الله عزّ وجلّ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) قال: صما عن الحقّ.

حدثني ابن سنان، قال: ثنا أبو عاصم، عن هارون، عن الحسن، مثله.

وقد بيَّنا معنى الألدّ فيما مضى بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.

التدبر :

وقفة
[97] تَعَلُّم اللغة العربية عبادة؛ لأنها توصل لفهم القرآن الكريم ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ﴾.
وقفة
[97] ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ﴾ في القرآن آيات تشعر كأنها تخاطبك وتلمس جرحًا فتضمده، وتبث في نفسك الأمل أن الله لن يتركك.
عمل
[97] يسر الله القرآن على لسانك؛ فاجعله سبيلك لدعوة الناس، تأمل: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ﴾.
لمسة
[97] ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا﴾ عبّر الله تعالى عن المؤمنين بصفة المتقين؛ لأن بها من القوة والجمال ما يعجز لفظ المؤمنين عن تجسيده، فالتقوى تعني الطاعة والامتثال لأمر الله، وهذا الموقف يقابله موقف الألدّ الذي يعني العصيان والمكابرة والمراء.
وقفة
[97] القرآن ميسر من عند الله ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾.
عمل
[97] اقرأ سورة مريم، واستخرج منها بشارتين ونذارتين ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا﴾.
وقفة
[97] ﴿وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا﴾ القوم اللد هم صم آذان القلوب.
لمسة
[97] ﴿لُّدًّا﴾ في وصفهم بالألدّ تعريض بأن كفرهم عن عناد مع علمهم أن ما جاء به النبي هو الحقّ.

الإعراب :

  • ﴿ فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ:
  • الفاء: استئنافية. انما: كافة ومكفوفة. يسر: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. بلسان: جار ومجرور متعلق بيسر والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. بمعنى: فإنما سهلنا هذا القرآن بانزاله بلغتك وهو اللسان العربي المبين. ويجوز أن يكون الجار والمجرور «بلسانك» متعلقا بحال محذوفة من الهاء في «يسرناه» بتقدير منزلا.
  • ﴿ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ:
  • اللام: حرف جر للتعليل. تبشر: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. به: جار ومجرور متعلق بيسرناه. المتقين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. وجملة «تبشر به المتقين» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيسرناه بمعنى لتبشر به الذين يتقون ربهم.
  • ﴿ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها. وعلامة نصب «قوما» الفتحة الظاهرة.
  • ﴿ لُدًّا:
  • صفة-نعت-لقوما منصوبة مثلها بالفتحة بمعنى: قوما أشداء الخصومة والمعاندة وهي جميع لدود. '

المتشابهات :

مريم: 97﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا
الدخان: 58﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [97] لما قبلها :     ولَمَّا اشتملت السورةُ على قصص وعبر، وبشارات ونذر؛ جاء هنا بيان الحكمة التى من أجلها جُعِلَ القرآن ميسرًا في حفظه وفهمه، قال تعالى:
﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [98] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ ..

التفسير :

[98] وكثيراً أهلكنا -أيها الرسول- من الأمم السابقة قبل قومك، ما ترى منهم أحداً وما تسمع لهم صوتاً، فكذلك الكفار من قومك، نهلكهم كما أهلكنا السابقين من قبلهم. وفي هذا تهديد ووعيد بإهلاك المكذبين المعاندين.

ثم توعدهم بإهلاك المكذبين قبلهم، فقال:{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} من قوم نوح، وعاد، وثمود، وفرعون، وغيرهم من المعاندين المكذبين، لما استمروا في ظغيانهم، أهلكهم الله فليس لهم من باقية.

{ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} والركز:الصوت الخفي، أي:لم يبق منهم عين ولا أثر، بل بقيت أخبارهم عبرة للمعتبرين، وأسمارهم عظة للمتعظين.

تم تفسير سورة مريم، ولله الحمد والشكر.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بهذه الآية التي تخبر عن سنة من سننه في الظالمين فقال: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً.

أى: وكثير من القرى الظالمة التي سبقتك- أيها الرسول الكريم- قد أهلكناها وأبدناها وجعلناها خاوية على عروشها.

والاستفهام في قوله هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ للنفي: أى: ما تحس منهم أحدا ولا ترى منها ديارا. يقال: أحس الرجل الشيء إحساسا، إذا علمه وشعر به.

وقوله أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً معطوف على ما قبله، والركز. الصوت الخفى. ومنه قولهم: ركز فلان رمحه، إذا غيب طرفه وأخفاه في الأرض. ومنه الركاز للمال المدفون في الأرض.

والمعنى: أهلكنا كثيرا من القرى الظالمة الماضية، فأصبحت لا ترى منهم أحدا على الإطلاق، ولا تسمع لهم صوتا حتى ولو كان صوتا خافتا ضعيفا وإنما هم في سكون عميق، وصمت رهيب، بعد أن كانوا فوق هذه الأرض يدبون ويتحركون.

وهذه سنتنا التي لا تتخلف في الظالمين. نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ نعوذ بالله- تعالى- من ذلك.

وبعد: فهذا تفسير لسورة مريم، نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وقوله : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن ) أي : من أمة كفروا بآيات الله وكذبوا رسله ، ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) أي : هل ترى منهم أحدا ، أو تسمع لهم ركزا .

قال ابن عباس ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وابن زيد : يعني صوتا .

وقال الحسن ، وقتادة : هل ترى عينا ، أو تسمع صوتا .

والركز في أصل اللغة : هو الصوت الخفي ، قال الشاعر :

فتوجست ركز الأنيس فراعها عن ظهر غيب والأنيس سقامها

آخر تفسير سورة مريم ولله الحمد والمنة ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة طه ولله الحمد.

يقول تعالى ذكره: وكثيرًا أهلكنا يا محمد قبل قومك من مشركي قريش، من قرن، يعني من جماعة من الناس، إذا سلكوا في خلافي وركوب معاصي مسلكهم، هل تحسّ منهم من أحد: يقول: فهل تحسّ أنت منهم أحدًا يا محمد فتراه وتعاينه ( أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) يقول:

أو تسمع لهم صوتا، بل بادوا وهلكوا، وخلت منهم دورهم، وأوحشت منهم منازلهم، وصاروا إلى دار لا ينفعهم فيها إلا صالح من عمل قدّموه، فكذلك قومك هؤلاء، صائرون إلى ما صار إليه أولئك، إن لم يعالجوا التوبة قبل الهلاك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) قال: صوتا.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) قال: هل ترى عينا، أو تسمع صوتا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) يقول: هل تسمع من صوت، أو ترى من عين .

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ( أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) يعني: صوتا.

حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: ركز الناس: أصواتهم. قال أبو كريب: قال سفيان: ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) قال: أو تسمع لهم حسا. قال: والركز: الحس.

قال أبو جعفر: والركز في كلام العرب: الصوت الخفيّ، كما قال الشاعر:

فَتَوجَّسَــتْ ذِكْــرَ الأنِيسِ فَراعَهـا

عَـنْ ظَهْـرِ غَيْـبٍ والأنِيسُ سَـقامُها (2)

التدبر :

وقفة
[98] ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ عجيبة هذه الدنيا! كم عاش فيها من أناس كانوا ملء السمع والبصر، والآن ولا أنهم كانوا هنا.
وقفة
[98] ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ أين الأباطرة والجبابرة؟! أين القياصرة؟! كلهم الآن لا تحس منهم بحركة أو تسمع لهم صوتًا، وهذا مصير جميع الخلق، عظماء أو حقراء، طال العمر بهم أو قصر.
تفاعل
[98] ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ استعذ بالله الآن من عقابه.
وقفة
[98] ﴿وَكَم أَهلَكنا قَبلَهُم مِن قَرنٍ هَل تُحِسُّ مِنهُم مِن أَحَدٍ أَو تَسمَعُ لَهُم رِكزًا﴾ هكذا كانوا، وسيكون مثلهم عاجلًا أو آجلاً حال كل الظالمين على مر الأزمنة، لن يحس بهم أحد، ولن يُسمع لهم ركزًا.
وقفة
[98] تأمل في الأمم الغابرة التي أهلكها الله تعالى؛ هل تسمع لهم صوتًا؟! هل ترى لهم أثرًا؟! ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾.
وقفة
[98] ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ ستذوب هذه الأوثان، وسيتلاشى هذا الطغيان، ويلتهمهم شبح النسيان، ويبقى الواحد الديان.
وقفة
[98] لا ينقضي العجب من اليائسين من إصلاح أوضاع الأمة؛ بسبب ما يرونه من طغيان ومكر كبار، فاستسلموا للذل والهوان، مع أنهم لو تساءلوا: أين بعض عتاة الظالمين، الذين كانوا قبل عدة أشهر؛ يسومون المستضعفين من شعوبهم سوء العذاب؟ ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ:
  • أعربت في الآية الكريمة الرابعة والسبعين. وفي الكلام تخويف لهم وانذار بمعنى: كانوا أشد من هؤلاء القوم خصومة وأكثر أعوانا وانصارا.
  • ﴿ هَلْ تُحِسُّ:
  • هل: حرف استفهام لا عمل له. تحس: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «أحد» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. من: حرف جر زائد للتوكيد. أحد: اسم مجرور لفظا منصوب محلا بتحس بمعنى هل ترى. ويجوز أن يكون التقدير بأحد على معنى: هل تشعر منهم بأحد.
  • ﴿ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً:
  • معطوفة بأو على ما قبلها وتعرب إعرابها. و «ركزا» مفعول به صريح منصوب بتسمع وعلامة نصبه الفتحة بمعنى: أو تسمع له أو لهم صوتا خفيفا؟ . '

المتشابهات :

الأنعام: 6﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ
السجدة: 26﴿أَوَ لَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ
ص: 3﴿كَمۡ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ
مريم: 74﴿وَكَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا
مريم: 98﴿وَكَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرۡنٍ هَلۡ تُحِسُّ مِنۡهُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا
طه: 128﴿أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ
يس: 31﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَيۡهِمۡ لَا يَرۡجِعُونَ
ق: 36﴿وَكَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [98] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز و جل أنه يَسَّرَ القرآنَ للنَّبي صلى الله عليه وسلم ليبشر المتقين وينذرَ الكافرين؛ بَيَّنَ هنا أن المكذبين من الأمم السابقة أهلكهم الله، ولم يبقَ لهم أثر؛ تحذيرًا من فعلهم، قال تعالى:
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تحس:
1- بضم التاء، مضارع «أحس» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح التاء وضم الحاء، من: «حسه» ، إذا شعر به، وهى قراءة أبى حيوة، وأبى بحرية، وابن أبى عبلة، وأبى جعفر المدني.
تسمع:
وقرئ:
1- بضم التاء، مبنيا للمفعول، مضارع «أسمعت» ، وهى قراءة حنظلة.

مدارسة الآية : [1] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ طه

التفسير :

[1] ﴿ طه ﴾ سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.

{ طه} من جملة الحروف المقطعة، المفتتح بها كثير من السور، وليست اسما للنبي صلى الله عليه وسلم.

تعريف بسورة طه

1- سورة «طه» من السور المكية. وكان ترتيبها في النزول بعد سورة مريم.

قال الآلوسى: «وتسمى- أيضا- بسورة الكليم.. وآياتها- كما قال الداني- مائة وأربعون آية عند الشاميين ومائة وخمس وثلاثون عند الكوفيين، ومائة وأربع وثلاثون عند الحجازيين» .

وقال القرطبي: «سورة طه- عليه السلام- مكية في قول الجميع، نزلت قبل إسلام عمر- رضى الله عنه-، فقد قيل له: إن ختنك وأختك قد صبوا- أى: دخلا في الإسلام- فأتاهما وعندهما رجل من المهاجرين.. يقال له: خباب وكانوا يقرءون «طه» ..» .

2- وقد افتتحت السورة الكريمة بخطاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وببيان وظيفته، وببيان سمو منزلة القرآن الكريم: الذي أنزله عليه ربه الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.

قال- تعالى-: طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى. الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى....

3- ثم فصلت السورة الكريمة الحديث عن قصة موسى- عليه السلام- فبدأت بنداء الله- تعالى- له، وباختياره لحمل رسالته. ثم تحدثت عن تكليفه- سبحانه- لموسى، بالذهاب إلى فرعون.

قال- تعالى-: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي. وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.

4- ثم حكت السورة ما دار بين موسى وبين فرعون من مناقشات ومجادلات، وكذلك ما دار بين موسى وبين السحرة الذين جمعهم فرعون لمنازلة موسى- عليه السلام- وكيف أن السحرة انتهى أمرهم بالإيمان، وبقولهم لفرعون: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ

وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا، وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ، وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى.

5- ثم بينت السورة الكريمة ما فعله بنو إسرائيل في غيبة موسى عنهم، وكيف أن السامري قد أضلهم بأن جعلهم يعبدون عجلا له خوار ... وكيف أن موسى رجع إليهم غضبان أسفا.. فحطم العجل وأحرقه وألقاه في اليم وهو يقول: إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً.

6- وبعد أن فصلت السورة الكريمة الحديث عن قصة موسى- عليه السلام- عقبت على ذلك ببيان وظيفة القرآن الكريم، وببيان جانب من أهوال يوم القيامة، وسوء عاقبة الكافرين، وحسن عاقبة المؤمنين.

قال- تعالى-: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً.

7- ثم ساقت السورة في أواخرها جانبا من قصة آدم، فذكرت سجود الملائكة له، ونسيانه لأمر ربه، وقبول الله- تعالى- لتوبة آدم بعد أن وسوس له الشيطان بما وسوس..

قال- تعالى-: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً. وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى. فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى.

8- ثم ختمت السورة الكريمة بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصبر وبالإكثار من ذكر الله- تعالى- وبعدم التطلع إلى زهرة الحياة الدنيا، وبأمر أهله بالصلاة. وبالرد على مزاعم المشركين، وبتهديدهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا على ضلالهم..

قال- تعالى-: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى.

9- هذا عرض إجمالى لأهم المقاصد التي اشتملت عليها سورة طه. ومن هذا العرض نرى: أن القصة قد أخذت جانبا كبيرا منها. وكذلك الحديث عن القرآن الكريم وعن يوم القيامة، وعن أحوال الناس فيه.. قد تكرر فيها بأسلوب يهدى للتي هي أقوم..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

افتتحت السورة الكريمة بلفظ ( طه ) ، وهذا اللفظ أظهر الأقوال فيه أنه من الحروف المقطعة التى افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم .

وقد بينا بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس . . . . آراء العلماء فى المقصود بهذه الحروف .

وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى افتتاح بعض سور القرآن الكريم ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه والتعجيز لمن عارضوا فى كون القرآن من عند الله - تعالى - ، أو فى كونه معجزة للنبى - صلى الله عليه وسلم - دالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه .

وقيل : إن هذا اللفظ بمعنى يا رجل فى لغة بعض قبائل العرب . .

وقيل : إنه اسم للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو للسورة . . . إلى غير ذلك من الأقوال التى رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها .

تفسير سورة طه هي مكية .

روى إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب " التوحيد " ، عن زياد بن أيوب ، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار ، عن عمر بن حفص بن ذكوان ، عن مولى الحرقة - يعني عبد الرحمن بن يعقوب - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما سمعت الملائكة قالوا : طوبى لأمة ينزل عليهم هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسن تتكلم بهذا " .

هذا حديث غريب ، وفيه نكارة ، وإبراهيم بن مهاجر وشيخه تكلم فيهما .

تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة " البقرة " بما أغنى عن إعادته .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي ، حدثنا أبو أحمد - يعني : الزبيري - أنبأنا إسرائيل عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : طه يا رجل . وهكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ومحمد بن كعب ، وأبي مالك ، وعطية العوفي ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن أبزى أنهم قالوا : " طه " بمعنى : يا رجل .

وفي رواية عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير والثوري أنها كلمة بالنبطية معناها : يا رجل . وقال أبو صالح هي معربة .

وأسند القاضي عياض في كتابه " الشفاء " من طريق عبد بن حميد في تفسيره : حدثنا هاشم بن القاسم عن ابن جعفر ، عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى ) طه ) ، يعني : طأ الأرض يا محمد ، ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) . ثم قال : ولا خفاء بما في هذا من الإكرام وحسن المعاملة .

القول في تأويل قوله تعالى : طه (1)

قال أبو جعفر محمد بن جرير: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طَهَ) فقال بعضهم: معناه يا رجل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، عن الحسن بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: طه: بالنبطية: يا رجل.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس.

قوله ( طه مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) فإن قومه قالوا: لقد شقي هذا الرجل بربه، فأنـزل الله تعالى ذكره (طَهَ) يعني: يا رجل ( مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ).

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن مسلم، أو يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير أنه قال: طه: يا رجل بالسريانية.

قال ابن جريج: وأخبرني زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، بذلك أيضا. قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد، ذلك أيضا.

حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عمارة عن عكرمة، في قوله (طَهَ) قال: يا رجل، كلمه بالنبطية.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد الله، عن عكرمة، في قوله (طَهَ) قال: بالنبطية: يا إنسان.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، عن قرة بن خالد، عن الضحاك، في قوله (طَهَ) قال: يا رجل بالنبطية.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حُصين، عن عكرمة في قوله (طَهَ) قال: يا رجل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (طَهَ) قال: يا رجل، وهي بالسريانية.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله (طَهَ) قالا يا رجل.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، يعني ابن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (طَهَ) قال: يا رجل.

وقال آخرون: هو اسم من أسماء الله، وقسم أقسم الله به.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (طَهَ) قال: فإنه قسم أقسم الله به، وهو اسم من أسماء الله.

وقال آخرون: هو حروف هجاء.

وقال آخرون: هو حروف مقطعة يدلّ كلّ حرف منها على معنى، واختلفوا في ذلك اختلافهم في الم .

وقد ذكرنا ذلك في مواضعه، وبيَّنا ذلك بشواهده.

والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال: معناه: يا رجل، لأنها كلمة معروفة في عكَّ فيما بلغني، وأن معناها فيهم: يا رجل، أنشدت لمتمم بن نويرة:

هَتَفْـتُ بِطَـهَ فِـي القِتـالِ فَلَـمْ يُجِبْ

فَخِــفْتُ عَلَيْــهِ أنْ يَكـونَ مُـوَائِلا (3)

وقال آخر:

إنَّ السَّــفاهَةَ طَــهَ مِـنْ خَـلائِقكُمْ

لا بـارَكَ اللـهُ فِـي القَـوْمِ المَلاعِينِ (4)

فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين.

فتأويل الكلام إذن: يا رجل ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى، ما أنـزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل، وذُكِر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النَّصب والعناء والسهر في قيام الليل.

* ذكر من قال ذلك:

---------------------------------

الهوامش :

(3) البيت لمتمم بن نويرة كما قال المؤلف . وفيه ( اللسان : طهطه ) : الليث في تفسير ( طه ) مجزومة أنها بالحبشية : يا رجل ، قال : ومن قرأ ( طه ) فحرفان . وبلغنا أن موسى لما سمع كلام الرب عز وجل استفزه الخوف ، حتى قام على أصابع قدميه خوفا ، فقال الله عز وجل : ( طه ) أي اطمئن . الفراء : ( طه ) حرف هجاء . قال : وجاء في التفسير ( طه ) يا رجل : يا إنسان . قال : وحدث قيس عن عاصم عن زر ، قال : قرأ رجل على ابن مسعود ( طه فقال له عبد الله : ( طه ) بكسرتين ، فقال الرجل : أليس إنما أمر أن يطأ قدمه ، فقال له عبد الله : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الفراء : وكان بعض القراء يقطعها ( ط . هـ ) وروى الأزهري عن أبي حاتم قال : ( طه ) : افتتاح سورة ، ثم استقبل الكلام فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . وقال قتادة : ( طه ) بالسريانية : يا رجل . وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هي بالنبطية : يا رجل ، وروي ذلك عن ابن عباس . أه . ( اللسان ) .

(4) هذا الشاهد كالذي قبله ، على أن معنى ( طه ) في كلام العرب : يا رجل ولم أقف على قائل البيت .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[1] ﴿طه﴾ طه: ليس من أسماء النبي ﷺ، بل هي من الحروف المقطعة، وقيل المعنى: (يا رجل).
وقفة
[1] ﴿طه﴾ ابتدأت سورة طه بحرفين، هل هي نداء للنبي ﷺ؟ أم مثلها كمثل (يس، ص، ق)؟ الجواب: (طه) هي أحرف هجائية، كغيرها من الأحرف المقطعة التي ابتدأت بها سور كثيرة في القرآن الكريم، وليست اسمًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقفة
[1، 2] سورة طه تضمنت عددًا من المقاصد: أجلاها ذكر أصول السعادة، حيث ذكر في مفتتحها: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾، ثم ذكرت تفاصيل السعادة في تضاعيفها، كتوحيد الله، والدعوة إلى سبيله، والإكثار من ذكره، ثم أجملت في آخرها: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ [123، 124].
وقفة
[1، 2] القرآن من أظهر أسباب السعادة: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾، وتركه من أعظم أسباب الشقاء: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [124].
وقفة
[1، 2] عجز أقوام عن تحصيل السعادة فأقنعوا أنفسهم أنَّ ﻻ حقيقة لها وأنَّها خيال يبتدعه الوهم، وأمثال هؤﻻء عمو عن قول الله: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[1، 2] ينشغل كثير من الناس بما يجلب لهم الهمَّ والحزن دون فائدة تُرجى، بينما يغفلون عن أصل السعادة، ونور القلوب: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[1، 2] الشقاء لا يجتمع بثلاث:‏ لا يجتمع الشقاء مع الدعاء: ﴿ولم أكن بدعائك رب شقيا﴾ [مريم: 4]، ﴿وأدعوا ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً﴾ [مريم: 48]،‏ ولا يجتمع الشقاء مع القرآن: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾، ولا يجتمع الشقاء مع البِر: ﴿وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا﴾ [مريم: 32].

الإعراب :

  • ﴿ طه:
  • جاء في كتب التفسير أن معناها: يا رجل على لغة بني عك وهم أفراد قبيلة عربية مساكنهم في تهامة اليمن شماليّ جدة. وقيل: أصلها: طأها. على أنه أمر لرسول الله بأن يطأ الأرض بقدميه. فقد كان (صلّى الله عليه وسلّم) يقوم في تهجده على إحدى رجليه. وقد أبدلت الألف من الهمزة والهاء كناية عن الأرض. وقيل أنه أمر بالوط‍ ء وانّ الأصل طأ فقلبت الهمزة هاء أو الفا ثم بني عليه الأمر فيكون كما يكون الأمر من «يرى» ثم ألحق هاء السكت فصار طه. أما اعرابها فهو إن جعلت تعديدالأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهي ابتداء كلام وإن جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها وهي في موضع المبتدأ.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [1] لما قبلها :     بدأت السورة بالحُروفِ المُقطَّعة؛ للإشارة إلى إعجازِ القُرآنِ؛ إذ تشير إلى عجزِ الخَلْقِ عن معارَضَتِه بالإتيانِ بشيءٍ مِن مِثلِه، مع أنَّه مُركَّبٌ من هذه الحُروفِ العربيَّةِ التي يتحدَّثونَ بها، قال تعالى:
﴿ طه

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [2] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى

التفسير :

[2] ما أنزلنا عليك -أيها الرسول- القرآن؛ لتشقى بما لا طاقة لك به من العمل.

{ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} أي:ليس المقصود بالوحي، وإنزال القرآن عليك، وشرع الشريعة، لتشقى بذلك، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين، وتعجز عنه قوى العاملين. وإنما الوحي والقرآن والشرع، شرعه الرحيم الرحمن، وجعله موصلا للسعادة والفلاح والفوز، وسهله غاية التسهيل، ويسر كل طرقه وأبوابه، وجعله غذاء للقلوب والأرواح، وراحة للأبدان، فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والإذعان، لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والآخرة .

وقوله- سبحانه-: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى.

استئناف مسوق لتسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من المشركين، والشقاء يأتى في اللغة بمعنى التعب والعناء، ومنه المثل القائل «أشقى من رائض مهر» أى: أتعب. ومنه قول أبى الطيب المتنبي:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

أى: ما أنزلنا عليك القرآن- أيها الرسول الكريم- لكي تتعب وتجهد نفسك هما وغما بسبب إعراض المشركين عن دعوتك، كما قال- تعالى-: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً.

وإنما أنزلناه إليك لتسعد بنزوله، ولتبلغ آياته، ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فأنت عليك البلاغ ونحن علينا الحساب.

ومنهم من يرى أن المقصود بالآية النهى عن المغالاة في العبادة، فقد أثر عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قام الليل حتى تورمت قدماه فيكون المعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لكي تهلك نفسك بالعبادة، وتذيقها ألوان المشقة والتعب، فإن الله- تعالى- يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج.

ومنهم من يرى أن الآية مسوقة للرد على المشركين، الذين قالوا: ما أنزل هذا القران على محمد صلّى الله عليه وسلّم إلا ليشقى، فيكون المراد بالشقاء ما هو ضد السعادة.

قال القرطبي ما ملخصه: «وأصل الشقاء في اللغة العناء والتعب، أى: ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب، بسبب فرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم.. أى: ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر..

وروى أن أبا جهل والنضر بن الحارث قالا للنبي صلّى الله عليه وسلّم إنك لشقى لأنك تركت دين آبائك، فأريد الرد على ذلك بأن دين الإسلام، وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها.

وروى أنه- عليه الصلاة والسلام- صلى بالليل حتى اسمغدّت قدماه- أى: تورمت- فقال له جبريل: أبق على نفسك فإن لها عليك حقا، أى: ما أنزلنا عليك القرآن لتنهك نفسك في العبادة، وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة.. .

ويبدو لنا أن الآية الكريمة وإن كانت تتسع لهذه المعاني الثلاثة، إلا أن المعنى الأول أظهرها، وأقربها إلى سياق الآيات الكريمة، فإن قوله- تعالى- بعد ذلك: إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى بيان للحكمة التي من أجلها أنزل الله- تعالى- هذا القرآن.

وقوله ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) قال جويبر ، عن الضحاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله ، قام به هو وأصحابه ، فقال المشركون من قريش : ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى! فأنزل الله تعالى : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى ) .

فليس الأمر كما زعمه المبطلون ، بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرا كثيرا ، كما ثبت في الصحيحين ، عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .

وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال :

حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا العلاء بن سالم ، حدثنا إبراهيم الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن ثعلبة بن الحكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده : إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ، ولا أبالي " .

إسناده جيد وثعلبة بن الحكم هذا هو الليثي ذكره أبو عمر في استيعابه ، وقال : نزل البصرة ، ثم تحول إلى الكوفة ، وروى عنه سماك بن حرب .

وقال مجاهد في قوله : ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) : هي كقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من ) [ المزمل : 20 ] وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة .

وقال قتادة : ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) : لا والله ما جعله شقاء ، ولكن جعله رحمة ونورا ، ودليلا إلى الجنة .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) قال: هي مثل قوله فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ فكانوا يعلقون الحبال في صدورهم في الصلاة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) قال: في الصلاة كقوله: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ فكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) لا والله ما جعله الله شقيا، ولكن جعله رحمة ونورا، ودليلا إلى الجنة.

التدبر :

وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ عن قتادة: «لا والله، ما جعله الله شقيًا، ولكن جعله الله رحمة ونورًا ودليلًا إلى الجنة»، فتأمل الآية وتعليق هذا الإمام عليها، ثم لك أن تتعجب أن يتقلب مسلم في الشقاء وكتاب الله بين يديه!
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ بل لتسعدَ، قيلَ لأحدِ السلفِ: «بقدرِ كم نقرأُ من القرآنِ؟»، قال: «بقدرِ ما تريدُ من السَّعادةِ».
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ الشَّقاءُ والقرآنُ لا يلتَقِيانِ.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ حاشَ لله؛ بل لتسعدَ ويسعدَ أتباعك، وما وقعت البشرية في تِيهِ الشقاء؛ إلا يوم أن أعرضت عنه.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ القرآن: من رُزِق تلاوته فقد زالت شقاوته.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ القرآن والشقاء لا يجتمعان أبدًا.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ كلام ربك سلوى لنفسك، وبه من الرسائل التي تبشر قلبك وتبث به الأمل؛ فمن تمسك به أمسك به السعد.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ من أراد أن يتصور حياة الشقاء فهي (الحياة بلا قرآن).
وقفة
[2] إن كنت تشعر بالشقاء وأنت تتلو القرآن؛ فأنت لم تعرف ماذا تقرأ بعد، فهو لم ينزل لأجل هذا يا صديقي ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ متى تقتنع أنَّ أوامر القرآن هي لسعادتك لا لشقائك، ولو خالفت هواك؟!
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ لن تشقى والقرآن معك.
عمل
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ رافق القرآن؛ لن يعتم قلبك، ولن يستضيق أمرك.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ كيف يشقى من كان القرآنُ أنيسه رفيقه! حياته، وقومته، ونومته وهو بين يديه؛ لا والله لن يشقى.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ بشارة إلهية لكل من أقبل على كتاب الله تعالى بالسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة .
وقفة
[2]‏ ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ مَن خَلَقك هو أعلم بمنبع سعادتك.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ الشقاء: هو الحياة بلا قرآن.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ وإن أطبقت الدنيا في وجهك، فلا شقاء باتباع القرآن وسنة محمد ﷺ ، بل هو نور وهدى وإن استصعبت ذلك الأهواء.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ أتضيق بنا الدُنيا، أتثقلنا هموم وأكدار، وبين أيدينا أعظم كتاب للراحة والإطمئنان والسعادة والأمان؟!
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ قال الشنقيطي في الأضواء: «وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لِتَشْقَى﴾ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِيَسْعَدَ».
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ والتذكرة: الموعظة التي تلين لها القلوب، فتمتثل أمر الله، وتجتنب نهيه، وخص بالتذكرة من يخشى دون غيرهم لأنَّهم هم المنتفعون بها.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ القرآن والشقاء لا يجتمعان أبدًا؛ بمنطوق الآية.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ من دلائل الآية: أنَّ من رزق تلاوة القرآن والعمل به فقد زالت شقاوته.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ ليس إنزال القرآن العظيم لإتعاب النفس في العبادة، وإذاقتها المشقة الفادحة، وإنَّما هو كتاب تذكرة ينتفع به الذين يخشون ربهم.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾، ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ [123] السعادة مع الله، فالشريعة سهلة توصل للسعادة والفلاح.
لمسة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ كل السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة التي ذُكِر في بدايتها القرآن وحده ولم يُذكر الكتاب تتردد لفظة القرآن في السورة أكثر من لفظة الكتاب والعكس صحيح، وإذا اجتمعا في آية يتردد ذكرهما بصورة متقابلة بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر إلا بلفظة واحدة في السورة كلها، وهنا بلفظة فقط وهنا بدأت بلفظة القرآن وترددت ثلاث مرات في السورة، بينما ترددت لفظة الكتاب مرة واحدة.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ ما أروعه من استفتاح! وما أبرعه من استهلال! حيث تبيَّن من خلاله أنَّ القرآن وما فيه من أوامر ونواهٍ وإرشادات وقصص وأحكام وأخبار؛ إنَّما أنزل لمحض السعادة، وهو من أعظم مقاصد هذه السورة.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ علامة الشقاء: البعد عن القرآن.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ يبحثون عن السعادة وهم له هاجرون!
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ مهما أصابك من كبد ومكر وضيق وشدة وكرب وبلاء وخذلان من الناس وإعراض وصد وسخرية؛ فأنت سعيد بالقرآن.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ أزل الشقاء بالقرآن، فلم ينزل لنستمر فيه.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ إذا دخل القرآن بأنسه قلبًا؛ خرجت الدنيا بشقائها من ذلك القلب.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ القرآن رحمة لا شقاء لأهله، القرآن سعادة لمن امتثله والتزمه وقرأه واستمع إليه وتدبره وعمل بما فيه.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ التقيد بالأحكام الشرعية هو عين اليسر والرحمة.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ البشرية ما وقعت في تيه الشقاء إلا لما أعرضت عن القرآن.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ بقدر مصاحبة العبد للقرآن يحقق السعادة.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ من فقد السعادة؛ فليراجع علاقته مع القرآن.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ السعادة من أعظم حِكَم إنزال القرآن.
وقفة
[2] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ من تأملها أدرك أن القرآن هو السعادة ‏هو الراحة ‏هو الأمان.
وقفة
[2] ﴿ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى﴾ لا شقاء فى معية القرآن، وأجد فى هذه الآية سلامًا مع النفس وسكينة واطمئنانًا، وهذا فى حد ذاته درسًا.
وقفة
[2] أمتنا خير أمة، وهي وسط بين اﻷمم، فلا إفراط وغلو، ولا تفريط وجفاء، وكتاب الله وسنة نبيه ﷺ طريقنا للوسط، ومخالفتهما شقاء ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[2] سورة طه أولها: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾، وآخرها: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [124]؛ إن لم تتنعم بالأولى أصابتك الثانية.
وقفة
[2] كلما زاد تعلقك بالقرآن وإقبالك عليه؛ زادت سعادتك وزال شقاؤك، تأمل جيدًا ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[2] من استوحش صدره وشقي والقرآنُ بين يديه فهو إّما ضعيف الصلة به أو قاطع له، وربنا يقول: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾!
وقفة
[2] كيف يتطرق إلى مسلم شقاء وهو متمسك بما مدحه الله وأثنى عليه ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
عمل
[2] «الصديق وقت الضيق» عبارة نسمعها كثيرًا هل تريد تجربتها؟ كن صديقًا للقرآن وسيأتيك في وقت الضيق، وتأمل: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[2] أصول السعادة لمن أراد الحديث عنها اجتمعت في سورة طه؛ وأعظمها القرآن عملًا وتلاوةً وسماعًا: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ .
وقفة
[2] لن يشقى صاحب القرآن ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[2] قال الله ﷻ: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ نزل الوحي بالقران وفيه شرائع سهلة وميسرة، وليس فيه شقاء؛ فإذا أردت الراحة والأنس والسعادة،؛ فعليك بالقرآن تلاوةً وتدبرًا وعملًا.
وقفة
[2] تريد الهداية؟ عليك بالقرآن: ﴿إن هذا القرآن يهدي﴾ [الإسراء: 9]، تريد السعادة؟ عليك بالقرآن: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾، تريد البركة؟ عليك بالقرآن: ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك﴾ [ص: 29].
وقفة
[2، 3] ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى﴾ يتعظ العبد بالقرآن وينتفع به بقدر ما وقر في قلبه من تعظيم الله وخشيته.

الإعراب :

  • ﴿ ما أَنْزَلْنا:
  • ما: نافية لا عمل لها. أنزل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى:
  • عليك: جار ومجرور متعلق بأنزلنا. القرآن: مفعول به منصوب بالفتحة. لتشقى: اللام: حرف جر للتعليل و «تشقى» فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة و «أن» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأنزلنا وجملة «تشقى» صلة «أن» المضمرة لا محل لها بمعنى لتشقى به.'

المتشابهات :

النحل: 64﴿وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ
طه: 2﴿مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ
العنكبوت: 51﴿أَوَ لَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ
الزمر: 41﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ما أنزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ قالَ مُقاتِلٌ: قالَ أبُو جَهْلٍ والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إنَّكَ لَشَقِيٌّ بِتَرْكِ دِينِنا. وذَلِكَ لِما رَأوْا مِن طُولِ عِبادَتِهِ وشِدَّةِ اجْتِهادِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ الحارِثِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الشَّيْخِ الحافِظُ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو يَحْيى، قالَ: حَدَّثَنا العَسْكَرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو مالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: لَمّا نَزَلَ القُرْآنُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قامَ هو وأصْحابُهُ فَصَلَّوْا، فَقالَ كُفّارُ قُرَيْشٍ: ما نَزَلَ هَذا القُرْآنُ عَلى مُحَمَّدٍ إلّا لِيَشْقى بِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿طه﴾ [طه: ١] . يَقُولُ: يا رَجُلُ: ﴿ما أنزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [2] لما قبلها :     وبعد ذكرِ الحُروفِ المُقطَّعة؛ يأتي ذكرِ القرآن أو الكتاب على عادة القرآن، فبَيَّنَ اللهُ أن نزولَ القرآنِ ليس للشقاء وإتعابِ النفسِ بالعبادةِ، قال تعالى:
﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ما أنزلنا:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ما نزل، بنون مضمومة وزاى مكسورة، مشددة، مبنيا للمفعول، وهى قراءة طلحة.

مدارسة الآية : [3] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى

التفسير :

[3] لكن أنزلناه موعظة؛ ليتذكر به مَن يخاف عقاب الله، فيتقيه بأداء الفرائض واجتناب المحارم.

{ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى، فيتذكر ما فيه من الترغيب إلى أجل المطالب، فيعمل بذلك، ومن الترهيب عن الشقاء والخسران، فيرهب منه، ويتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة، التي كان مستقرا في عقله حسنها مجملا، فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله، ولهذا سماه الله{ تَذْكِرَةً} والتذكرة لشيء كان موجودا، إلا أن صاحبه غافل عنه، أو غير مستحضر لتفصيله، وخص بالتذكرة{ مَن يَخْشَى} لأن غيره لا ينتفع به، وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار، ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة؟ هذا ما لا يكون،{ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى* وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى* الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى}

أى: ما أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن لتتعب من فرط تأسفك على كفر الكافرين، وإنما أنزلناه من أجل أن يكون تَذْكِرَةً أى موعظة تلين لها قلوب من يخشى عقابنا، ويخاف عذابنا، ويرجو ثوابنا.

وما دام الأمر كذلك فامض في طريقك، وبلغ رسالة ربك، ثم بعد ذلك لا تتعب نفسك بسبب كفر الكافرين، فإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء.

وخص- سبحانه- التذكرة بمن يخشى دون غيره، لأن الخائف من عذاب الله- تعالى- هو وحده الذي ينتفع بهدايات القرآن الكريم وآدابه وتوجيهاته وأحكامه ووعده ووعيده.. كما قال- تعالى-: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ وكما قال- سبحانه-: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها أى: الساعة.

( إلا تذكرة لمن يخشى ) : إن الله أنزل كتابه ، وبعث رسله رحمة ، رحم بها العباد ، ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه .

وقوله ( إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) يقول تعالى ذكره: ما أنـزلنا عليك هذا القرآن إلا تذكرة لمن يخشى عقاب الله، فيتقيه بأداء فرائض ربه واجتناب محارمه.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) وإن الله أنـزل كتبه، وبعث رسله رحمة رحم الله بها العباد، ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله، وهو ذكر له أنـزل الله فيه حلاله وحرامه، فقال تَنْـزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) قال: الذي أنـزلناه عليك تذكرة لمن يخشى.

فمعنى الكلام إذن: يا رجل ما أنـزلنا عليك هذا القرآن لتشقى به، ما أنـزلناه إلا تذكرة لمن يخشى.

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب تذكرة، فكان بعض نحويي البصرة يقول: قال: إلا تذكرة بدلا من قوله لتشقى، فجعله: ما أنـزلنا عليك القرآن إلا تذكرة، وكان بعض نحويي الكوفة يقول: نصبت على قوله: ما أنـزلناه إلا تذكرة، وكان بعضهم ينكر قول القائل: نصبت بدلا من قوله (لِتَشْقَى) ويقول: ذلك غير جائز، لأن (لِتَشْقَى) في الجحد، و ( إِلا تَذْكِرَةً ) في التحقيق، ولكنه تكرير، وكان بعضهم يقول: معنى الكلام: ما أنـزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى، لا لتشقى.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[3] ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ إلا ليتذكر به من يخشى الله، فيتذكر ما فيه من الترغيب إلى أجل المطالب، فيعمل بذلك، ومن الترهيب عن الشقاء، فيرهب منه.
وقفة
[3] ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ التذكرة: خطور المنسي بالذهن؛ فإنَّ التوحيد مستقرّ في الفطرة والإشراك مناف لها، فالدعوة إلى الإسلام تذكير لما في الفطرة، أو تذكير لملّة إبراهيم عليه السلام.
وقفة
[3] ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ المحرومون من خشية الله محرومون من الانتفاع بالتذكرة.
وقفة
[3] ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ القرآن أعظم تذكرة ووسيلة لتحقيق خشية الله.
وقفة
[3] ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ الذي يسمع عظة القرآن ولا يتعظ في قلبه خلل.
وقفة
[3] ﴿إِلّا تَذكِرَةً لِمَن يَخشى﴾ نقب عن الخشية فى قلبك، فبها تعى وتفهم وتعرف طريقك المستقيم.
وقفة
[3] ﴿إِلّا تَذكِرَةً لِمَن يَخشى﴾ الخائف من عذاب ربه هو الذى يتنفع بكتاب الله.
وقفة
[3] ﴿تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ مواعظ القرآن أكثر ما تؤثر بالقلوب المذعنة لله، فنفوسهم واحة خضراء، كلما هطل عليها الذكر أينع شجر الإيمان بداخلها.
وقفة
[3] ﴿تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ إذا أثمرت فيك قراءةُ القرآن رغبةً ورهبةً وامتثالًا؛ فلتهنكَ خشيةُ الله تعالى.
لمسة
[3] ﴿تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ لم يقل: (يخاف)، لأنَّ القرآن يرزق صاحبه (خوف مع علم) وهي الخشية.

الإعراب :

  • ﴿ إِلاّ تَذْكِرَةً:
  • إلاّ: أداة استثناء. تذكرة: مستثنى بإلاّ-استثناء منقطعا- بمعنى لكن تذكرة أو تكون «الاّ» أداة حصر لا عمل لها على معنى: أنزلناه تذكرة فتكون «تذكرة» على هذا المعنى «حالا منصوبة بالفتحة» ويجوز أن تكون «تذكرة» مفعولا له-لأجله أو من أجله-على معنى: أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ.
  • ﴿ لِمَنْ يَخْشى:
  • جار ومجرور متعلق بتذكرة أو بصفة محذوفة منها. و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. يخشى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «يخشى» صلة الموصول لا محل لها وحذف مفعول «يخشى» اختصارا لأنه معلوم بمعنى: لمن يخشى الله أو لمن يخشى تنزيل الله.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [3] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز و جل أن نزولَ القرآنِ ليس للشقاء وإتعابِ النفسِ بالعبادةِ؛ بَيَّنَ هنا السببَ الذي لأجله أنزلَ القرآن: «تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى»، قال تعالى:
﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [4] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ ..

التفسير :

[4] هذا القرآن تنزيل من الله الذي خلق الأرض والسموات العلى.

ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم، وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات، المدبر لجميع المخلوقات، أي:فاقبلوا تنزيله بغاية الإذعان والمحبة والتسليم، وعظموه نهاية التعظيم.وكثيرا ما يقرن بين الخلق والأمر، كما في هذه الآية، وكما في قوله:{ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وفي قوله:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} وذلك أنه الخالق الآمر الناهي، فكما أنه لا خالق سواه، فليس على الخلق إلزام ولا أمر ولا نهي إلا من خالقهم، وأيضا فإن خلقه للخلق فيه التدبير القدري الكوني، وأمره فيه التدبير الشرعي الديني، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة، فلم يخلق شيئا عبثا، فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل وحكمة وإحسان. فلما بين أنه الخالق المدبر، الآمر الناهي، أخبر عن عظمته وكبريائه

ثم بين- سبحانه- مصدر القرآن الذي أنزله- تعالى- للسعادة لا للشقاء فقال:

تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى.

وقوله تَنْزِيلًا منصوب بفعل مضمر دل عليه قوله ما أَنْزَلْنا ... أى: نزل هذا القرآن تنزيلا ممن خلق الأرض التي تعيشون عليها، وممن خلق السموات العلى، أى:

المرتفعة. جمع العليا ككبرى وكبر، وصغرى وصغر.

وقوله : ( تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا ) أي : هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك رب كل شيء ومليكه ، القادر على ما يشاء ، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها ، وخلق السماوات العلا في ارتفاعها ولطافتها . وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره . أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام .

وقد أورد ابن أبي حاتم هاهنا حديث الأوعال من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه .

القول في تأويل قوله تعالى : تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هذا القرآن تنـزيل من الربّ الذي خلق الأرض والسموات العلى ، والعُلَى: جمع عليا.

واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (تَنـزيلا) فقال بعض نحويي البصرة: نصب ذلك بمعنى: نـزل الله تنـزيلا وقال بعض من أنكر ذلك من قيله هذا من كلامين، ولكن المعنى: هو تنـزيل، ثم أسقط هو، واتصل بالكلام الذي قبله، فخرج منه، ولم يكن من لفظه.

قال أبو جعفر: والقولان جميعا عندي غير خطأ.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[4] ﴿تَنزيلًا مِمَّن خَلَقَ الأَرضَ وَالسَّماواتِ العُلَى﴾، وفى غيره من المواضع: ﴿خلق السماوات والأرض﴾ [المائدة: 121]؟ فبدأ بالسماوات فلماذا؟ الجواب: لموافقة رءوس الآى، ولأنَّه الواقع لأنَّ خلق الأرض قبل السماء، وأيضًا: لما ذكر أنَّ إنزال القرآن تذكرة لمن يخشى، وهم سكان الأرض ناسب ذلك البداءة بالأرض التي أنزل القرآن تذكرة لأهلها، وأما البداءة بالسموات: فلشرفها وعظمها.
وقفة
[4] ﴿تَنزيلًا مِمَّن خَلَقَ الأَرضَ وَالسَّماواتِ العُلَى﴾ لا تنس أنَّه الخالق لكل شيء؛ فلا تعبد سواه.
وقفة
[4] في جميع القرآن تتقدم (السموات) على (الأرض) إلا في خمسة مواطن، فحيث تقدمت الأرض فالسياق في شأن أهل الأرض، كقوله: ﴿تَنزيلًا مِمَّن خَلَقَ الأَرضَ وَالسَّماواتِ العُلَى﴾، وتتقدم السموات في الحديث عن الخلق والملك والساعة والرزق.
لمسة
[4] قال الله في القرآن: ﴿تَنزيلًا مِمَّن خَلَقَ الأَرضَ وَالسَّماواتِ العُلَى﴾ هذا تعظيم لشأن القرآن، وإنَّما عظّم القرآن ترغيبًا في تدبره والتأمل في معانيه وحقائقه، وذلك معتاد في الشاهد؛ فإنَّه تعظم الرسالة بتعظيم حال المرسِل ليكون المرسل إليه أقرب إلى الامتثال.
وقفة
[2-4] ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ * تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى﴾ قَرَن الله بين الخلق والأمر، فكما أنَّ الخلق لا يخرج عن الحكمة؛ فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل وحكمة.

الإعراب :

  • ﴿ تَنْزِيلاً:
  • مفعول به ليخشى: أي أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله أو يكون مفعولا مطلقا منصوبا على المصدر بأنزلنا. أي أنزلناه تنزيلا والجار والمجرور بعدها متعلق بصفة محذوفة منها.
  • ﴿ مِمَّنْ:
  • مكونة من «من» حرف جر و «من» اسم موصول مدغم مبني على السكون في محل جر بمن والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. أءذا
  • ﴿ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى:
  • خلق: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الأرض: مفعول به منصوب بالفتحة. والسموات: معطوفة بواو العطف على «الأرض» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الكسرة بدلا من الفتحة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم. العلى: صفة-نعت-للسماوات منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى: العليا والكلمة جمع العليا وتأنيث الأعلى.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [4] لما قبلها :     وبعد بيان السبب الذي لأجله أُنزلَ القرآن؛ جاء هنا بيان مصدره، وأنه تنزيل من عند الله الذي خلق السماوات والأرض، قال تعالى:
﴿ تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تنزيلا:
وقرئ:
تنزيل، بالرفع، على إضمار «هو» ، وهى قراءة ابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [5] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى

التفسير :

[5] الرحمن على العرش استوى، أي:علا وارتفع، استواء يليق بجلاله وعظمته.

{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} الذي هو أرفع المخلوقات وأعظمها وأوسعها،{ اسْتَوَى} استواء يليق بجلاله، ويناسب عظمته وجماله، فاستوى على العرش، واحتوى على الملك.

ثم مدح- سبحانه- ذاته بقوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أى: الرحمن- عز وجل- استوى على عرش ملكه استواء يليق بذاته بلا كيف أو تشبيه، أو تمثيل.

قال الإمام مالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وقد ذكر لفظ العرش في إحدى وعشرين آية من آيات القرآن الكريم.

قال بعض العلماء: «أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة- ومنهم الأئمة الأربعة- إلى أنه صفة لله- تعالى- بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه- تعالى- بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه- تعالى- عما لا يليق به: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وأنه يجب الإيمان بها كما وردت، وتفويض العلم بحقيقتها إليه- تعالى-.. .

وقوله ( الرحمن على العرش استوى ) : تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف ، بما أغنى عن إعادته أيضا ، وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف ، إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تمثيل .

وقوله ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) يقول تعالى ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا.

وقد بيَّنا معنى الاستواء بشواهده فيما مضى وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وللرفع في الرحمن وجهان: أحدهما بمعنى قوله: تنـزيلا فيكون معنى الكلام: نـزله من خلق الأرض والسموات، نـزله الرحمن الذي على العرش استوى ، والآخر بقوله ( عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) لأن في قوله استوى، ذكرا من الرحمن.

التدبر :

لمسة
[5] ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ اختار (الرحمن) ليبيِّن لنا أنَّه يحكم بالرحمة، بل كتب على نفسه الرحمة، ووسعت رحمته كل شيء، سبحان الرحمن.
وقفة
[5] ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ العرش أوسع المخلوقات, والرحمة أوسع الصفات, فتعالى من استوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات.
وقفة
[5] ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلائق، في أرزاقهم، وأسباب معاشهم، ومصالحهم، وعمّت المؤمن والكافر والبر والفاجر.
وقفة
[5] ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ قال مالك بن أنس: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة».
وقفة
[5] ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ ذكر الاستواء باسمه (الرحمن) ليعم جميع خلقه برحمته.
وقفة
[5] ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ العرش أعظم وأول مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى.
وقفة
[5] ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ رحمة الله وسعت جميع الخلائق.
وقفة
[5] النمام تفضحه آيات النميمة، والكذاب تفضحه آيات الصدق، فالجهم بن صفوان منكر الصفات قال عن آية: ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ وددت لو حككتها من المصحف!
وقفة
[5] ﴿الرَّحمنُ عَلَى العَرشِ استَوى﴾ سبحانه وتعالى ذكر اسم (الرحمن)؛ تهدئة لنفوس توجل من استوائه سبحانه على العرش، والله أعلم.
لمسة
[5] في طه: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ الوحيدة في القرآن بتقديم (على العرش) على (استوى)، وهذا أسلوب حصر وقصر؛ لأنَّ صدر سورة طه كله جاء على نسق هذا الإسلوب، وفي غيرها: ﴿استوى على العرش﴾ [الأعراف: 54] ست مرات، على الأصل وهو تقدم العامل الفعل (استوى) على الجار والمجرور (على العرش).
وقفة
[5، 6] ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ﴾ أشار الله إلى ملكه بقوله: ﴿الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾، والملك لا يتم إلا بالقدرة والعلم، فأما القدرة فهي في هذه الآية؛ لأنَّه سبحانه مالك هذه الأقسام الأربعة: مالك لما في السموات، ومالك لما في الأرض، ومالك لما بينهما من الهواء والمخلوقات، ومالك لما تحت الثرى من معادن نفيسة وثروات.

الإعراب :

  • ﴿ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى:
  • مرفوع على المدح بتقدير: هو الرحمن. أي خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. مرفوع بالضمة. أو مبتدأ وخبره الجملة الفعلية بعده. على العرش: شبه جملة متعلق باستوى لأن المعنى «فوق العرش» فعلى هنا: ظرف مكان بمعنى فوق. استوى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ «الرحمن» أو خبر ثان للمبتدإ المقدر «هو» بمعنى استولى على ملكه وتدبيره. والعبارة فيها كناية أي استيلاؤه على الملكوت وتصرفه فيه بحكمته.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [5] لما قبلها :     وبعد بيان أن القرآن تنزيل من عند الله الذي خلق السماوات والأرض؛ عَرَّفت هذه الآية به سبحانه، وأنه مَلِك الكون، استوى على العرش استواءً يليق به سبحانه، قال تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [6] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا ..

التفسير :

[6] له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الأرض، خَلْقاً ومُلْكاً وتدبيراً.

{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} من ملك وإنسي وجني، وحيوان، وجماد، ونبات،{ وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} أي:الأرض، فالجميع ملك لله تعالى، عبيد مدبرون، مسخرون تحت قضائه وتدبيره، ليس لهم من الملك شيء، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

ثم أكد- سبحانه- شمول ملكه وقدرته فقال: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من كائنات وموجودات ملكا وتصرفا وإحياء وإماتة، وله ما بَيْنَهُما من مخلوقات لا يعلمها إلا هو وله ما تَحْتَ الثَّرى والثرى: هو التراب الندى. يقال: ثريت الأرض- كرضيت- إذا نديت ولانت بعد أن كانت جدباء يابسة.

والمقصود: وله- سبحانه- بجانب ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، ما وراء الثرى وهو تخوم الأرض وطبقاتها إلى نهايتها.

وخص- سبحانه- ما تحت الثرى بالذكر، مع أنه داخل في قوله: وَما فِي الْأَرْضِ لزيادة التقرير، ولتأكيد شمول ملكيته- سبحانه- لكل شيء.

وقوله : ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) أي : الجميع ملكه وفي قبضته ، وتحت تصريفه ومشيئته وإرادته وحكمه ، وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه ، لا إله سواه ، ولا رب غيره .

وقوله : ( وما تحت الثرى ) قال محمد بن كعب : أي ما تحت الأرض السابعة .

وقال الأوزاعي : إن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعبا سئل فقيل له : ما تحت هذه الأرض ؟ فقال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض . قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : صخرة . قيل : وما تحت الصخرة ؟ قال : ملك . قيل : وما تحت الملك ؟ قال : حوت معلق طرفاه بالعرش ، قيل : وما تحت الحوت ؟ قال : الهواء والظلمة وانقطع العلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا عبد الله بن عياش ، حدثنا عبد الله بن سليمان عن دراج ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ، والعليا منها على ظهر حوت ، قد التقى طرفاه في السماء ، والحوت على صخرة ، والصخرة بيد الملك ، والثانية سجن الريح ، والثالثة فيها حجارة جهنم ، والرابعة فيها كبريت جهنم ، والخامسة فيها حيات جهنم والسادسة فيها عقارب جهنم ، والسابعة فيها سقر ، وفيها إبليس مصفد بالحديد ، يد أمامه ويد خلفه ، فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه " .

هذا حديث غريب جدا ورفعه فيه نظر .

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا أبو موسى الهروي ، عن العباس بن الفضل قال : قلت : ابن الفضل الأنصاري ؟ قال : نعم ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن محمد بن علي ، عن جابر بن عبد الله قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فأقبلنا راجعين في حر شديد ، فنحن متفرقون بين واحد واثنين ، منتشرين ، قال : وكنت في أول العسكر : إذ عارضنا رجل فسلم ثم قال : أيكم محمد ؟ ومضى أصحابي ووقفت معه ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر ، مقنع بثوبه على رأسه من الشمس ، فقلت : أيها السائل ، هذا رسول الله قد أتاك . فقال : أيهم هو ؟ فقلت : صاحب البكر الأحمر . فدنا منه ، فأخذ بخطام راحلته ، فكف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أنت محمد ؟ قال : " نعم " . قال : إني أريد أن أسألك عن خصال ، لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سل عما شئت " . فقال : يا محمد ، أينام النبي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنام عيناه ولا ينام قلبه " . قال : صدقت . ثم قال : يا محمد ، من أين يشبه الولد أباه وأمه ؟ قال : ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأي الماءين غلب على الآخر نزع الولد " . فقال صدقت . فقال : ما للرجل من الولد وما للمرأة منه ؟ فقال : " للرجل العظام والعروق والعصب ، وللمرأة اللحم والدم والشعر . قال : صدقت . ثم قال : يا محمد ، ما تحت هذه ؟ يعني الأرض . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق " . فقال : فما تحتهم ؟ قال : " أرض " . قال : فما تحت الأرض ؟ قال " الماء " قال : فما تحت الماء ؟ قال : " ظلمة " . قال : فما تحت الظلمة ؟ قال : " الهواء " . قال : فما تحت الهواء ؟ قال : " الثرى " . قال : فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، وقال : " انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق ، أيها السائل ، ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فقال : صدقت ، أشهد أنك رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، هل تدرون من هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هذا جبريل صلى الله عليه وسلم .

هذا حديث غريب جدا ، وسياق عجيب ، تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا ، وقد قال فيه يحيى بن معين : " ليس يساوي شيئا " وضعفه أبو حاتم الرازي ، وقال ابن عدي : لا يعرف .

قلت : وقد خلط في هذا الحديث ، ودخل عليه شيء في شيء ، وحديث في حديث . وقد يحتمل أنه تعمد ذلك ، أو أدخل عليه فيه ، فالله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)

يقول تعالى ذكره: لله ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرى، ملكا له، وهو مدبر ذلك كله، ومصرّف جميعه. ويعني بالثرى: الندى.

يقال للتراب الرطب المبتلّ: ثرى منقوص، يقال منه: ثريت الأرض تثرى، ثرى منقوص، والثرى: مصدر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) والثَّرَى: كلّ شيء مبتلّ.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) ما حفر من التراب مبتلا وإنما عنى بذلك: وما تحت الأرضين السبع.

كالذي حدثني محمد بن إبراهيم السليمي المعروف بابن صدران (5) . قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا محمد بن رفاعة، عن محمد بن كعب ( وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) قال: الثرى: سبع أرضين.

-----------------------------

الهوامش :

(5) في الخلاصة للخزرجي : محمد بن إبراهيم بن صدران بضم المهملة الأولى ، الأزدي ، بتحتانية بعد اللام المكسورة .

التدبر :

عمل
[6] ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ دع المخلوق وتوجه دائمًا وأبدًا بحاجاتك للخالق، الناس لا تملك شيئًا، لكن الله بحوزته السماوات والأرض.
عمل
[6] في لحظة تأمل ضع أمنياتك وطموحاتك، ومخاوفك وجراحك أمام هذه الآية: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾، ستزداد ثقة بكفايته، وستستمطر هباته.
عمل
[6] تعرف على صفات الله تعالى الواردة في سورة طه، وادع الله بمقتضاها؛ فقل: «يا رحمن ارحمني، يا غني ارزقني»، ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾.
وقفة
[6] ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ﴾ كل الكون ملكه ﷻ، وتحت تصرفه ﷻ، ومحيط به ﷻ، فإياك أن يلتفت قلبك؛ أو يفزع لغيره ﷻ.
اسقاط
[6] ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ﴾ مَنْ هذا مُلكه كيف يخاف وليُه؟!
وقفة
[6] ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ﴾ على العبد أن لا يعلق قلبه بمخلوق.
وقفة
[6] إله استوى على العرش فلن يكون إلا مالكٌ ﴿لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَما بَينَهُما وَما تَحتَ الثَّرى﴾، سبحانه وتعالى جل شأنه.
وقفة
[6] ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ﴾ ليبين ملكه لما سيخرج من رزق من تحت التراب المبتل.

الإعراب :

  • ﴿ لَهُ ما فِي السَّماواتِ:
  • جار ومجرور للتعظيم أي لله في محل رفع خبر مقدم.ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. في السموات:جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره: استقر. وجملة «استقر في السموات» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما:
  • معطوفتان بواوي العطف على ما فِي السَّماااتِ» وتعربان إعرابها. بين: ظرف مكان متعلق باستقر منصوب على الظرفية وهو مضاف. الهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم: عماد والألف علامة التثنية لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَما تَحْتَ الثَّرى:
  • معطوفة بالواو على ما فِي السَّماواتِ» وتعرب إعراب وَما بَيْنَهُما» الثرى: أي التراب النديّ: مضاف اليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى: لا يخفى عليه شيء مهما كان مستورا.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     وبعد أن عَرَّفت الآية السابقة به سبحانه، وأنه مَلِك الكون؛ أكدَ اللهُ عز و جل هنا شمول ملكه وقدرته، فله وحده ما في السماوات وما في الأرض وما تحت التراب من مخلوقات، قال تعالى:
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [7] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ..

التفسير :

[7] وإن تجهر -أيها الرسول- بالقول، فتعلنه أو تخفه، فإن الله لا يخفى عليه شيء، يعلم السر وما هو أخفى من السر مما تحدِّث به نفسك.

{ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ} الكلام الخفي{ وَأَخْفَى} من السر، الذي في القلب، ولم ينطق به. أو السر:ما خطر على القلب.{ وأخفى} ما لم يخطر. يعلم تعالى أنه يخطر في وقته، وعلى صفته، المعنى:أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، دقيقها، وجليلها، خفيها، وظاهرها، فسواء جهرت بقولك أو أسررته، فالكل سواء، بالنسبة لعلمه تعالى.فلما قرر كماله المطلق، بعموم خلقه، وعموم أمره ونهيه، وعموم رحمته، وسعة عظمته، وعلوه على عرشه، وعموم ملكه، وعموم علمه، نتج من ذلك، أنه المستحق للعبادة، وأن عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع والعقل والفطرة، وعبادة غيره باطلة

وقوله- سبحانه-: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى بيان لشمول علمه بكل شيء، بعد بيان شمول قدرته.

والجهر بالقول: رفع الصوت به. والسر: ما حدث به الإنسان غيره بصورة خفية.

وأخفى أفعل تفضيل وتنكيره للمبالغة في الخفاء.

والمعنى: وإن تجهر- أيها الرسول- بالقول في دعائك أو في مخاطبتك لربك، فربك- عز وجل- غنى عن ذلك، فإنه يعلم ما يحدث به الإنسان غيره سرا، ويعلم أيضا ما هو أخفى من ذلك وهو ما يحدث به الإنسان نفسه دون أن يطلع عليه أحد من الخلق.

قال- تعالى-: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .

وقال- سبحانه-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .

ومنهم من يرى أن لفظ أَخْفى فعل ماض. فيكون المعنى: وإن تجهر بالقول في ذكر أو دعاء فلا تجهد نفسك بذلك فإنه- تعالى- يعلم السر الذي يكون بين اثنين، ويعلم ما أخفاه- سبحانه- عن عباده من غيوب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما سيفعله الإنسان من أعمال في المستقبل، قبل أن يعلم هذا الإنسان أنه سيفعلها.

قال الجمل: وقوله: أَخْفى جوزوا فيه وجهين: أحدهما: أنه أفعل تفضيل. أى:

وأخفى من السر. والثاني: أنه فعل ماض. أى: وأخفى الله من عباده غيبه، كقوله:

وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً .

وقوله : ( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ) أي : أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلا ، الذي يعلم السر وأخفى ، كما قال تعالى : ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) [ الفرقان : 6 ] .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يعلم السر وأخفى ) قال : السر ما أسر ابن آدم في نفسه ، ( وأخفى ) : ما أخفى على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه فالله يعلم ذلك كله ، فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد ، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة ، وهو قوله : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ لقمان : 28 ] .

وقال الضحاك : ( يعلم السر وأخفى ) قال : السر ما تحدث به نفسك ، وأخفى : ما لم تحدث به نفسك بعد .

وقال سعيد بن جبير : أنت تعلم ما تسر اليوم ، ولا تعلم ما تسر غدا ، والله يعلم ما تسر اليوم ، وما تسر غدا .

وقال مجاهد : ( وأخفى ) يعني : الوسوسة .

وقال أيضا هو وسعيد بن جبير : ( وأخفى ) أي : ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)

يقول تعالى ذكره: وإن تجهر يا محمد بالقول، أو تخف به، فسواء عند ربك الذي له ما في السموات وما في الأرض ( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ ) يقول: فإنه لا يخفى عليه ما استسررته في نفسك، فلم تبده بجوارحك ولم تتكلم بلسانك، ولم تنطق به وأخفى.

ثم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله (وأخْفَى) فقال بعضهم: معناه:

وأخفى من السرّ، قال: والذي هو أخفى من السرّ ما حدّث به المرء نفسه ولم يعمله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: السرّ: ما عملته أنت وأخفى: ما قذف الله في قلبك مما لم تعمله.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) يعني بأخفى: ما لم يعمله، وهو عامله; وأما السرّ: فيعني ما أسرّ في نفسه.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: السرّ: ما أسرّ ابن آدم في نفسه، وأخفى: قال: ما أخفى ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله، فالله يعلم ذلك، فعلمه فيما مضى من ذلك، وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة، وهو قوله: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ .

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: السرّ: ما أسرّ الإنسان في نفسه; وأخفى: ما لا يعلم الإنسان مما هو كائن.

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو، قالا ثنا أبو عاصم، عن عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: أخفى: الوسوسة، زاد ابن عمرو والحارث في حديثيهما: والسرّ: العمل الذي يسرّون من الناس.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (وأخْفَى) قال: الوسوسة.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: أخفى حديث نفسك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: ثنا أبو كُدَينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: السرّ: ما يكون في نفسك اليوم، وأخفى: ما يكون في غد وبعد غد، لا يعلمه إلا الله.

وقال آخرون: بل معناه: وأخفى من السرّ ما لم تحدّث به نفسك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا ابن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، في قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: السرّ: ما أسررت في نفسك، وأخفى من ذلك: ما لم تحدّث به نفسك.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) كنا نحدّث أن السرّ ما حدّثت به نفسك، وأن أخفى من السرّ: ما هو كائن مما لم تحدث به نفسك.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: يعلم ما أسررت في نفسك، وأخفى: ما لم يكن هو كائن.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: أخفى من السرّ: ما حدّثت به نفسك، وما لم تحدث به نفسك أيضا مما هو كائن.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) أما السرّ: فما أسررت في نفسك، وأما أخفى من السرّ: فما لم تعمله وأنت عامله، يعلم الله ذلك كله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه يعلم سرّ العباد، وأخفى سرّ نفسه، فلم يطلع عليه أحدا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال: يعلم أسرار العباد، وأخفى سرّه فلا يعلم.

قال أبو جعفر: وكأن الذين وجهَّوا ذلك إلى أن السرّ هو ما حدّث به الإنسان غيره سرّا، وأن أخفى: معناه: ما حدّث به نفسه، وجهوا تأويل أخفى إلى الخفيّ. وقال بعضهم: قد توضع أفعل موضع الفاعل، واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر:

تَمَنَّـى رِجـالٌ أنْ أمُـوتَ وإنْ أمُـتْ

فَتِلْـكَ طَـرِيقٌ, لَسْـتُ فِيهـا بـأوْحَدِ (6)

والصواب من القول في ذلك، قول من قال: معناه: يعلم السرّ وأخفى من السرّ، لأن ذلك هو الظاهر من الكلام; ولو كان معنى ذلك ما تأوّله ابن زيد، لكان الكلام: وأخفى الله سرّه، لأن أخفى: فعل واقع متعدّ، إذ كان بمعنى فعل على ما تأوّله ابن زيد، وفي انفراد أخفى من مفعوله، والذي يعمل فيه لو كان بمعنى فعل الدليل الواضح على أنه بمعنى أفعل. وأن تأويل الكلام: فإنه يعلم السرّ وأخفى منه. فإذا كان ذلك تأويله، فالصواب من القول في معنى أخفى من السرّ أن يقال: هو ما علم الله مما أخفى عن العباد، ولم يعلموه مما هو كائن ولم يكن، لأن ما ظهر وكان فغير سرّ، وأن ما لم يكن وهو غير كائن فلا شيء، وأن ما لم يكن وهو كائن فهو أخفى من السرّ، لأن ذلك لا يعلمه إلا الله، ثم من أعلمه ذلك من عباده.

---------------------------------

الهوامش :

(6) ورد هذا البيت في مقطوعة خمسة أبيات كتب بها الوليد بن عبد الملك لما مرض وقد بلغه عن أخيه سليمان أنه تمنى موته ، لما له من العهد بعده ، فعاتبه الوليد في كتابه وفيه هذه الأبيات ، وأولها : " تمنى رجال . . . إلخ " . ذكرها المسعودي في ( مروج الذهب ، طبعة دار الرجاء 3 : 103 ) والشاهد في قوله بأوحد ، فإنه بمعنى : بواحد .

التدبر :

وقفة
[7] ﴿وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى﴾ خواطر نفسك بكل تفاصيلها، يعلمها الله علمًا دقيقًا محيطًا، ومن رحمة الله بنا أنه عفا عن خواطر السوء ما لم يتكّلم بها المرء، أو يعمل بموجبها.
عمل
[7] تذكر أن الله تعالى مطّلع على السرائر والخفيّات, فلا تقل ولا تفعل ما يسخطه سبحانه ﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾.
وقفة
[7] من عيوب النفس: أن تسترسل مع الخواطر السيئة التي تمرُّ بذهنها، فتترسخ فيها، ودواء ذلك: أَن يورد تلك الخواطر في الابتداء، ويدفعها بالذكر الدائم، ويتذكر أنَّ الله مطلع على سريرته، وأن يعيش مع قول الله: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [القصص: 69]، ﴿وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى﴾.
اسقاط
[7] ﴿وَإِن تَجهَر بِالقَولِ فَإِنَّهُ يَعلَمُ السِّرَّ وَأَخفَى﴾ كل حالك لا يخفى على خالقك، فهل تعى ذلك جيدًا؟ مجاهرًا بفعلك وقولك، أم أسررت به لغيرك، أو أخفيته فى نفسك.
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ من رحمة الله: أنَّ أسرارنا وخفايانا عند الله.
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ ما من شيء يغيب عن ربك مهما صغر، فهواجسك وخلجات نفسك وحديثها يسمعها، ومطلع على أدق تفاصيلها، فراقب خطراتك.
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ إحساسك أنَّك مكشوف عند الله مهمٌ في تربية ذاتك، السر: ما تحدث به نفسك، أخفى: مالم تحدث نفسك به بعد!
وقفة
[7]‏ ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ حتى تلك الآلام الغامضة التي تسكن في قاع قلبك ولا تفهم سببها ولا تستطيع أن تعبر عنها؛ ربك أعلم بها منك.
اسقاط
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ هي أمور أخفى من السر الله يعلمها؛ فأين نذهب؟!
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ أسرارنا نعرفها، لكن في ضمائرنا خبايا، نتحسسها تُؤلمنا تُفرحنا تُقلقنا، إنَّها الأخفى لا نعلمها، الله سبحانه يعلمها.
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ يعلمه فيعفو عنه ويستره، فلا ندري أنعجب من حلمه بعد قدرته أم من ستره بعد علمه.
لمسة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ السر ما تسر في نفسك، وأخفى من السر ما يلقيه عز وجل في قلبك من بعد، ولا تعلم أنك ستحدّث به نفسك؛ لأنَّك تعلم ما تسر به اليوم، ولا تعلم ما تسر به غدا، واللّه يعلم ما أسررت اليوم، وما تسر به غدًا.
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ قال ابن عباس: «السر: ما أسرَّه ابن آدم في نفسه، وأخفى: ما خفي عن ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه، فإنَّه يعلم ذلك كله»، فتأمل يا ابن آدم سعة علم الله بك وبخواطرك!
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ والمراد بـ(أخفى) أي أخفى من السر، وهو ما يتكلمه الإنسان من حديث النفس ونحوه.
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ سبحان من هذا علمه وإحاطته! تأمل: (وأخفى).
وقفة
[7] ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ (وَأَخْفَى) أي أنه يعلم ما سيكون في النفس قبل أن يكون.
تفاعل
[7] حتى لو لم تستطع التعبير عن حاجتك لله؛ ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾، اللهم إنك تعلم حاجتنا فأعطنا سؤلنا.
لمسة
[7] ﴿وَأَخْفَى﴾ أخفى يعنى أدق وأصغر، الذى لم يصل إلى السر بعد، أنت الآن هل تعلم ما سوف تسرّ بعد ساعتين؟ لا، إذًا هذا مخفى فهو أخفى من السر، فالله يعلم ليس فقط السر، ولكن قبل أن يحصل السر يعلم الله ماذا سأسرّ، فالله يعلم بهذا قبلك، عندما يأتى صار سرًا، ولكن قبله أخفى من السر، فالله يعلم ما لا يعلمه الإنسان في نفسه قبل أن يصل إليه، فالجهر أعلمه أنا ويعلمه غيرى، والسر أعلمه أنا ولا يعلمه غيرى، و(ما أخفى من السر) يعلمه الله ولا أعلمه، لا أنا ولا غيرى.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ:
  • ا لواو: استئنافية. ان: حرف شرط‍ جازم. تجهر:فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بإن وعلامة جزمه: سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. بالقول: جار ومجرور متعلق بتجهر بمعنى وان تجهر بذكر الله من دعاء أو غيره فاعلم أنه غني عن جهرك.
  • ﴿ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: واقعة في جواب الشرط‍.ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إنّ» يعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:هو. والجملة الفعلية يَعْلَمُ السِّرَّ» في محل رفع خبر «إنّ».السر: مفعول به منصوب بالفتحة. وأخفى: معطوفة بواو العطف على «السر» منصوبة مثلها بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر أي وما أخفى من السر. ولم تنون الكلمة لأنها على وزن-أفعل-صيغة تفضيل وبوزن الفعل. وقيل عن بعضهم: إن «أخفى» فعل ماض بمعنى: أنه يعلم السر أي أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه هو سبحانه.'

المتشابهات :

طه: 7﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَـ إِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
الأعلى: 7﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     وبعد بيان شمول ملكه لكل شيء؛ جاء هنا بيان شمول علمه بكل شىء، فالمُلكُ لا ينتظمُ غايةَ الانتظامِ إلَّا بإحاطة العلم، والمَلكُ من الآدميين قد لا يعلمُ أحوالَ أقصى ملكِه كما يعلمُ أحوالَ أدناه، لاسيما إذا كان واسعًا، ولذلك يختلُّ بعضُ أمرِه، واللهُ بخلافِ ذلك، قال تعالى:
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [8] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ..

التفسير :

[8] الله الذي لا معبود بحق إلا هو، له وحده الأسماء الكاملة في الحسن.

{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي:لا معبود بحق، ولا مألوه بالحب والذل، والخوف والرجاء، والمحبة والإنابة والدعاء، وإلا هو.

{ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي:له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى، من حسنها أنها كلها أسماء دالة على المدح، فليس فيها اسم لا يدل على المدح والحمد، ومن حسنها أنها ليست أعلاما محضة، وإنما هي أسماء وأوصاف، ومن حسنها أنها دالة على الصفات الكاملة، وأن له من كل صفة أكملها وأعمها وأجلها، ومن حسنها أنه أمر العباد أن يدعوه بها، لأنها وسيلة مقربة إليه يحبها، ويحب من يحبها، ويحب من يحفظها، ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها، قال تعالى:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}

ثم أثنى- سبحانه- على ذاته بما هو أهل له فقال: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.

أى: هو الله- تعالى- وحده الذي يجب أن يخلص الخلق له العبادة والطاعة ولا أحد غيره يستحق ذلك، وهو صاحب الأسماء الْحُسْنى أى: الفضلى والعظمى، لدلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والنهاية في السمو والكمال.

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة» .

قال- تعالى-: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .

وقال- سبحانه-: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.. .

ثم ساقت السورة الكريمة بشيء من التفصيل جانبا من قصة موسى، التي تعتبر أكثر قصص الأنبياء ورودا في القرآن الكريم، حيث جاء الحديث عنها في سور: البقرة، والمائدة.

والأعراف. ويونس. والإسراء، والكهف، والشعراء، والقصص.

وقد بدأت السورة حديثها عن قصة موسى ببيان اختيار الله- تعالى- له لحمل رسالته، وتبليغ دعوته قال- تعالى-:

وقوله : ( الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ) أي : الذي أنزل القرآن عليك هو الله الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا .

وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة " الأعراف " ولله الحمد والمنة .

وأما قوله تعالى ذكره ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) فإنه يعني به: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له ، يقول: فإياه فاعبدوا أيها الناس دون ما سواه من الآلهة والأوثان ( لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى ) يقول جلّ ثناؤه: لمعبودكم أيها الناس الأسماء الحسنى، فقال: الحسنى، فوحَّد، وهو نعت للأسماء، ولم يقل الأحاسن، لأن الأسماء تقع عليها هذه، فيقال: هذه أسماء، وهذه في لفظة واحدة; ومنه قول الأعشى:

وَسَــوْفَ يُعْقِبُنِيـه إنْ ظَفِـرْت بِـهِ

رَبّ غَفُــورٌ وَبِيــضٌ ذاتُ أطْهـارِ (7)

فوحد ذات، وهو نعت للبيض لأنه يقع عليها هذه، كما قال حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ومنه قوله جلّ ثناؤه مَآرِبُ أُخْرَى فوحد أخرى، وهي نعت لمآرب، والمآرب: جمع، واحدتها: مأربة، ولم يقل أخر، لما وصفنا، ولو قيل: أخر، لكان صوابا.

----------------------

الهوامش :

(7) في ( اللسان : عقب ) يقال : أعقبه الله بإحسان وخيرا . والاسم العقبى ، وهو شبه العوض . واستعقب منه خيرا أو شرا : اعتاضه ، فأعقبه خيرا ، أي عوضه وأبدله . والشاهد في البيت أن قائله وصف البيض وهو جمع بيضاء ، بكلمة ( ذات ) وهي واحد ، ولم يطابق بين النعت والمنعوت في العدد . وتأويل ذلك عند المؤلف أنه كلمة البيض وإن كانت جمعا فإنها يشار إليها بكلمة هذه وهذه في الأصل إشارة للواحدة فلما جاز أن يشار بهذه إلى الجمع جاز أن أن ينعت البيض بذات التي هي للواحدة ، وذلك نظير قول القرآن : " له الأسماء الحسنى" ، والأسماء جمع ، والحسنى صفتها وهي واحدة .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[8] ﴿اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي: لا تنبغي العبادة والإنابة والذل والحب إلا له؛ لأنه المألوه لما له من الصفات الكاملة والنعم الموجبة لذلك.
عمل
[8] ﴿اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ دعها تستقر في نفسك وتتغلغل في فؤادك؛ أن الله لا ند له، ولا شريك له، ولا معقب لحكمه، ما أراده كان وما لم يرده لن يكون.
وقفة
[8] ﴿اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ قال السعدي: «من حُسنها: أنَّها ليست أعلامًا محضة، وإنَّما هي أسماء وأوصاف، ومن حُسنها: أنَّها دالة على الصفات الكاملة، وأنَّ له من كل صفة أكملها وأعمها وأجلها، ومن حُسنها: أنه أمر العباد أن يدعوه بها؛ لأنَّها وسيلة مقربة إليه، يحبها، ويجب من يحبها، ويحب من يحفظها، ويحب من يبحث عن معانيها، ويتعبد له بها».

الإعراب :

  • ﴿ اللهُ:
  • لفظ‍ الجلالة: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. مرفوع للتعظيم بالضمة.أو مبتدأ خبره: لا إله إلاّ هو. والجملة الاسمية لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» خبره الثاني. ويجوز أن تكون لا إِلهَ إِلاّ هُوَ» جملة اعتراضية لا محل لها. والجملة الاسمية لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى خبر لفظ‍ الجلالة.
  • ﴿ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ:
  • لا: نافية للجنس إله اسم «لا» مبني على التعظيم على الفتح في محل نصب. إلا أداة استثناء أو أداة حصر. هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع بدل من موضع لا إِلهَ» لأن موضع «لا» وما عملت فيه رفع بالابتداء. ولو كان موضع المستثنى نصبا لكان إلاّ إياه.
  • ﴿ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى:
  • الجملة الاسمية أعرب موضعها. ويجوز أن تكون في محل رفع بدلا من موضع «لا إله» و «له» جار ومجرور للتعظيم في محل رفع خبر مقدم الاسماء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الحسنى: صفة-نعت- للأسماء مرفوعة مثلها وعلامة رفعها: الضمة المقدرة على الألف للتعذر.'

المتشابهات :

الأعراف: 180﴿ وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا
الإسراء: 110﴿أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَـ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ
طه: 8﴿اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ
الحشر: 24﴿هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     وبعد بيان عُلُوِّه تعالى على عَرشِه، وعُمومِ مُلكِه، وعُمومِ عِلمِه؛ نتَج مِن ذلك أنَّه المستحِقُّ للعبادةِ، وأنَّ عبادة غيرِه باطِلة، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [9] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى

التفسير :

[9] وهل أتاك -أيها الرسول- خبر موسى بن عمران عليه السلام، وهو قادم من «مَدْيَن» إلى «مصر»؟

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام التقريري والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها:{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} في حاله التي هي مبدأ سعادته، ومنشأ نبوته، أنه رأى نارا من بعيد، وكان قد ضل الطريق، وأصابه البرد، ولم يكن عنده ما يتدفأ به في سفره.

قال ابن كثير- رحمه الله-: «من هاهنا شرع- تبارك وتعالى- في ذكر قصة موسى، وكيف كان ابتداء الوحى إليه وتكليمه إياه، وذلك بعد ما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم وسار بأهله، قيل: قاصدا بلاد مصر بعد ما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين، ومعه زوجته فأضل الطريق، وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلا بين شعاب وجبال، في برد وشتاء، وسحاب وظلال وضباب، وجعل يقدح بزند معه ليورى نارا، كما جرت العادة به، فجعل لا يقدح شيئا، ولا يخرج منه شرر ولا شيء، فبينما هو كذلك، إذ آنس من جانب الطور نارا.

من ههنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه وذلك بعد ما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم.

القول في تأويل قوله تعالى : وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مسليه عما يلقى من الشدّة من مشركي قومه، ومعرفه ما إليه بصائر أمره وأمرهم، وأنه معليه عليهم، وموهن كيد الكافرين، ويحثه على الجدّ في أمره، والصبر على عبادته، وأن يتذكر فيما ينوبه فيه من أعدائه من مُشركي قومه وغيرهم، وفيما يزاول من الاجتهاد في طاعته ما ناب أخاه موسى صلوات الله عليه من عدّوه، ثم من قومه، ومن بني إسرائيل وما لقي فيه من البلاء والشدة طفلا صغيرا، ثم يافعا مترعرعا، ثم رجلا كاملا( وَهَلْ أَتَاكَ ) يا محمد ( حَدِيثُ مُوسَى ) ابن عمران

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[9] ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ﴾ هي أكثر القصص ورودًا في القرآن؛ وفي ذكر قصة موسى بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي ﷺ عما لقي في تبليغه من المشقات وكفر الناس؛ فإنَّما هي له على جهة التمثيل في أمره.
وقفة
[9] ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ﴾ طفل رضيع تقذفه أمه باليم، يلتقطه عدوه، يغدو شابًا، تدفعه الأقدار ليكلم ربه، حديث موسى باختصار: الحق يعلو لايعلى عليه.
لمسة
[9] ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ﴾ من براعة الاستهلال البدء بسؤال للتشويق وإثارة الذهن.
وقفة
[9] ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ﴾ فيه تشويق السامع وتحفيزه قبل إلقاء الكلام المهم على مسامعه.
وقفة
[9] ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ﴾ أراد الله سبحانه وتعالى من إيراد قصة موسى عليه السلام أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله قد أرسل رسلًا إلى قومٍ معينين ولزمن معين، وقد لاقوا متاعب ومشاق، فصبروا وتحملوا، وأنت يا محمد صلى الله عليه وسلم مرسلٌ إلى الناس كافة، ولكل الأزمنة، فسيأتيك تعب ومشاق أكثر مما جاءهم، فوطن نفسك على الصبر والتحمل، كما فعل الأنبياء من قبلك.
لمسة
[9] ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ﴾ ابتدأ الله تعالى نبيّه بالسؤال عن معرفته بحديث موسى، مع أنَّه لا علم مسبق له بذلك؛ للتشويق إلى الخبر، وليس المراد الاستفهام الحقيقي، وزاد من هذا التشويق قوله تعالى في الآية التالية: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا﴾.
وقفة
[9، 10] ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ إن قلتَ: كيف حكى الله تعالى قول موسى عليه السلام لأهله، عند رؤية النَّار هنا، وفي النمل، والقَصَص بعباراتٍ مختلفة، وهذه القصة لم تقع إلاَّ مرَّة واحدة، فكيف اختلفت عبارة موسى فيها؟! قلتُ: قد مرَّ في الأعراف في قصة موسى عليه السلام، مثلَ هذا السؤال، مع جوابه، وجوابُه ثَمَّ يأتي هنا.

الإعراب :

  • ﴿ وَهَلْ أَتاكَ:
  • الواو: استئنافية. هل: حرف استفهام لا محل له. أتى:فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ حَدِيثُ مُوسى:
  • حديث: فاعل مرفوع بالضمة. موسى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لعجمته وقد منع من ظهور الحركة على الألف التعذر.'

المتشابهات :

طه: 9﴿وَ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
النازعات: 15﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز و جل أنه ما أنزلَ القرآنَ على نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم ليشقى؛ قَصَّ اللهُ عليه هنا قصَّة موسى عليه السلام، وكيف أنقذه اللهُ من قبضةِ فرعونِ؟ فكانت النبوة سعادة ورفعة لشأنه، ونجاة لقومه، وفي قصَّة موسى عليه السلام أيضًا تسلية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليتأسى به في تحمل أعباء الدعوة، قال تعالى:
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [10] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ ..

التفسير :

[10] حين رأى في الليل ناراً موقدة فقال لأهله:انتظروا لقد أبصرت ناراً، لعلي أجيئكم منها بشعلة تستدفئون بها، وتوقدون بها ناراً أخرى، أو أجد عندها هادياً يدلنا على الطريق.

{ فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ} أي:أبصرت{ نَارًا} وكان ذلك في جانب الطور الأيمن،{ لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} تصطلون به{ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} أي:من يهديني الطريق. وكان مطلبه، النور الحسي والهداية الحسية، فوجد ثم النور المعنوي، نور الوحي، الذي تستنير به الأرواح والقلوب، والهداية الحقيقية، هداية الصراط المستقيم، الموصلة إلى جنات النعيم، فحصل له أمر لم يكن في حسابه، ولا خطر بباله.

أى: ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم:

... امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أى: شهاب من نار.. .

والاستفهام في قوله- سبحانه-: وَهَلْ أَتاكَ.. لتقرير الخبر وتثبيته، وهذا أبلغ عن مجيئه بصورة الخبر المجرد. لأن في الاستفهام التقريرى تطلع واشتياق لمعرفة الخبر.

والجملة الكريمة مستأنفة لتأكيد ما سبق الحديث عنه من وحدانية الله- تعالى- ولتسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه. ببيان جانب من جهاد أخيه موسى- عليه السلام-.

والمعنى: لقد أتاك- أيها الرسول الكريم- خبر أخيك موسى، وقت أن رأى نارا وهو عائد ليلا من مدين إلى مصر فَقالَ لِأَهْلِهِ أى لامرأته ومن معها امْكُثُوا أى:

أقيموا في مكانكم ولا تبرحوه حتى أعود إليكم.

وجملة إِنِّي آنَسْتُ ناراً تعليل للأمر بالمكوث، وآنست من الإيناس بمعنى الإبصار الواضح الجلى. أى: إنى أبصرت إبصارا بينا لا شبهة فيه نارا على مقربة منى، فامكثوا في أماكنكم لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ.

والقبس: الشعلة التي تؤخذ من النار في طرف عود أو نحوه. ووزنه فعل- بفتح العين- بمعنى مفعول أى: لعلى آتيكم من هذه النار بشعلة مقتبسة منها، ومأخوذة عنها.

وقوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً معطوف على ما قبله.

أى: امكثوا في مكانكم حتى أذهب إلى النار التي شاهدتها، لعلى آتيكم منها بشعلة، أو أجد عندها هاديا يهديني الى الطريق الذي أسلكه لكي أصل إلى المكان الذي أريده.

فقوله هُدىً مصدر بمعنى اسم الفاعل أى: هاديا.

وقد دلت آية أخرى على أن موسى قد ذهب إلى النار ليأتى منها بما يدفئ أهله من البرد.

وهذه الآية هي قوله- تعالى-: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً. قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ « .

وسار بأهله قيل : قاصدا بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ، ومعه زوجته ، فأضل الطريق ، وكانت ليلة شاتية ، ونزل منزلا بين شعاب وجبال ، في برد وشتاء ، وسحاب وظلام وضباب ، وجعل يقدح بزند معه ليوري نارا ، كما جرت له العادة به ، فجعل لا يقدح شيئا ، ولا يخرج منه شرر ولا شيء . فبينا هو كذلك ، إذ آنس من جانب الطور نارا ، أي : ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه ، فقال لأهله يبشرهم : ( إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس ) أي : شهاب من نار . وفي الآية الأخرى : ( أو جذوة من النار ) [ القصص : 29 ] وهي الجمر الذي معه لهب ، ( لعلكم تصطلون ) [ القصص : 29 ] دل على وجود البرد ، وقوله : ( بقبس ) دل على وجود الظلام .

وقوله : ( أو أجد على النار هدى ) أي : من يهديني الطريق ، دل على أنه قد تاه عن الطريق ، كما قال الثوري ، عن أبي سعد الأعور ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( أو أجد على النار هدى ) قال : من يهديني إلى الطريق . وكانوا شاتين وضلوا الطريق ، فلما رأى النار قال : إن لم أجد أحدا يهديني إلى الطريق آتكم بنار توقدون بها .

( إِذْ رَأَى نَارًا ) ذكر أن ذلك كان في الشتاء ليلا وأن موسى كان أضلّ الطريق; فلما رأى ضوء النار قَالَ لأَهْلِهِ ما قال.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما قضى موسى الأجل، سار بأهله فضلّ الطريق. قال عبد الله بن عباس: كان في الشتاء، ورُفعت لهم نار، فلما رآها ظنّ أنها نار، وكانت من نور الله قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه اليماني، قال: لما قضى موسى الأجل، خرج ومعه غنم له، ومعه زند له، وعصاه في يده يهشّ بها على غنمه نهارا، فإذا أمسى اقتدح بزنده نارا، فبات عليها هو وأهله وغنمه، فإذا أصبح غدا بأهله وبغنمه، فتوكأ على عصاه، فلما كانت الليلة التي أراد الله بموسى كرامته، وابتداءه فيها بنبوّته وكلامه، أخطأ فيه الطريق حتى لا يدري أين يتوجه، فأخرج زنده ليقتدح نارا لأهله ليبيتوا عليها حتى يصبح، ويعلم وجه سبيله، فأصلد زنده فلا يوري له نارا، فقدح حتى أعياه، لاحت (8) النار فرآها، ( فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ). وعني بقوله: ( آنَسْتُ نَارًا ) وجدت، ومن أمثال العرب: بعد اطلاع إيناس، ويقال أيضا: بعد طلوع إيناس، وهو مأخوذ من الأنس.

وقوله ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ) يقول: لعلي أجيئكم من النار التي آنست بشعلة.

والقَبَس: هو النار في طَرَف العود أو القصبة ، يقول القائل لصاحبه: أقبسني نارا، فيعطيه إياها في طرف عود أو قصبة ، وإنما أراد موسى بقوله لأهله ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ) لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ) قال: بقبس تَصْطَلون.

وقوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) دلالة تدلّ على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) يقول: من يدلّ على الطريق.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: هاديا يهديه الطريق.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) أي هداة يهدونه الطريق.

حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدّث، عن قتادة، عن صاحب له، عن حديث ابن عباس، أنه زعم أنها أيلة ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) وقال أبي: وزعم قتادة أنه هدى الطريق.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: من يهديني إلى الطريق.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: هدى عن علم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: كانوا أضلوا عن الطريق، فقال: لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون.

-----------------------

الهوامش :

(8) المقام يقتضي أن يقول : حتى إذا أعياه ، لاحت . . . إلخ أو : فلاحت ، ثم لاحت .

التدبر :

وقفة
[10] ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا﴾ التقى به ربه ليلًا، لا يزال الليل أنس المحبين.
وقفة
[10] ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ المروءة بالشخص تعرفها من غيرته على أهله، وحرصه وحمايتهم لهم من أي أذى؛ لأنَّه يرى نفسه سياج أمان لهم.
عمل
[10] ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ لا تغامر بأسرتك، اجعل بينها وبين مخاطر الحياة حاجزًا من الحذر، فهي أهم ما تملك.
عمل
[10] صحح مسارك؛ ليمنحك الله الأمان في طريق المخاطر ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾.
وقفة
[10] ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ ذهب موسى يلتمس نورًا، فرجع بمناجاة الله، عطاء الله لا تحده الحدود، وفوق ما تتصور من ألوان الجود.
عمل
[10] ﴿إِذ رَأى نارًا فَقالَ لِأَهلِهِ امكُثوا إِنّي آنَستُ نارًا لَعَلّي آتيكُم مِنها بِقَبَسٍ أَو أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى﴾ أحسن الظن تبهرك العطايا.
وقفة
[10] ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ من حق زوجتك أن تعرف إلي أين تذهب.
عمل
[10] ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ فضّل أن يترك زوجته في ظلام الصحراء على أن يخوض بهم في مكان قد يكون غير آمن، في معيّة أهلك قَدِّم الحذر.
وقفة
[10] ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ فيه النأي بالأهل عن ما يخاف الإنسان عاقبته.
وقفة
[10] ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ عندما تجتمع الشجاعة والرحمة.
وقفة
[10] ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ جميل أن تخبر زوجتك إلى أين أنت ذاهب!
وقفة
[10] ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ مستوحش وليس معه ما يوقد به بليلة باردة وتائه للطريق، فكانت آخر ليلة بؤس في حياته.
وقفة
[10] على الزوج واجب الإنفاق على الأهل (المرأة) من غذاء، وكساء، ومسكن، ووسائل تدفئة وقت البرد ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾.
وقفة
[10] رأى موسى نارًا فقال: ﴿لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم﴾ (امكثوا) لئلا تحضر زوجته معه لقاء الرجال.
وقفة
[10] ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ لقد كان أهله معه؛ لكنه رأى النار وحده، عيون المتفائلين تستقبل إشارات الفرج بكفاءة.
عمل
[10] ﴿لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ إذا خرجت لأمر مجهول العاقبة, فطمّن قلبًا يخاف عليك.
وقفة
[10] ﴿لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ يا لها من أقدار مباركة! موسى يتلمس في تلك الليلة نار تدفئه، أو تدله للطريق، فيجد الله يكلمه.
وقفة
[10] ﴿لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ في ليلة مظلمة باردة، في برية موحشة، بدا له نور بعيد، كان غاية أمنياته أن يجد قبسًا من نار، أو كلمة تدله على الطريق، فكلمه الله، لحظتك الخالدة ربما تولد في ليلة حزينة أو ساعة بائسة.
وقفة
[10] ما الفرق بين الشهاب والقبس والجذوة؟ (الشهاب) هو شعلة من النار ساطعة فيها لهب، (القبس) أي شيء يؤخذ من النار، سواء كان جذوة أم شهاب، قبس تقبسه تأخذه، شهاب قبس أي قطعة مشتعلة تأتي بعود على النار فيلتهب تأخذه صار شهابًا قبسًا، (الجذوة) هي الجمرة بغض النظر عن الحجم، عود فيه نار بلا لهب هذه جذوة.
وقفة
[10] ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ وجد هدى، وأي هدى!

الإعراب :

  • ﴿ إِذْ:
  • ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق بحدث المؤول على المعنى من «حديث».
  • ﴿ رَأى ناراً:
  • الجملة: في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «اذ» الظرف. ويجوز أن تكون «إذ» اسما مبنيا على السكون في محل نصب مفعول به لفعل مضمر تقديره «اذكر» رأى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. نارا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى: شاهد نارا.
  • ﴿ فَقالَ لِأَهْلِهِ:
  • الفاء: سببية. قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لأهله: جار ومجرور متعلق بقال والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ امْكُثُوا:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ إِنِّي آنَسْتُ ناراً:
  • بمعنى: امكثوا مكانكم إني أبصرت نارا. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «إنّ».آنس: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. نارا: مفعول به منصوب بالفتحة. والجملة الفعلية «آنست نارا» في محل رفع خبر «إن».
  • ﴿ لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ:
  • حرف مشبه بالفعل بمعنى الرجاء أو يفيد الترجي وهو توقع الممكن والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «لعلّ» آتي: خبر «لعل» مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور.منها: جار ومجرور متعلق بآت أو بحال محذوفة من «قبس» أي من النار.بقبس: جار ومجرور متعلق بآت أو بفعله بمعنى بشعلة أو بجمرة.والأصوب اعراب «آتيكم» فعلا مضارعا بمعنى «أأتيكم» والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور والجملة الفعلية «آتيكم» في محل رفع خبر-لعل-.
  • ﴿ أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ:
  • أو: حرف عطف للتخيير. أجد: معطوفة على «آتي» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة الظاهرة. على النار: جار ومجرور متعلق بأجد.
  • ﴿ هُدىً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة للتعذر على الألف قبل تنوينها لأن الكلمة اسم مقصور نكرة بمعنى «هاديا يهديني الطريق» أو قوما ينفعونني بهداهم. أو ذوي هدى لأنه إذا وجد الهداة فقد وجد الهدى.'

المتشابهات :

طه: 10﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى
النمل: 7﴿إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
القصص: 29﴿قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     ولَمَّا افتتحت الآية السابقة قصَّة موسى عليه السلام بذكر اسمه، ولم تذكر من قصته شيئًا؛ بدأت هنا أحداث القصة بعودة موسى عليه السلام ليلًا من «مَدْيَنَ» إلى «مِصْرَ»، قال تعالى:
﴿ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لأهله امكثوا:
وقرئ:
1- بضم الهاء، وهى قراءة الأعمش، وطلحة، وحمزة، ونافع، فى رواية.
2- بكسرها، وهى قراءة الجمهور.

مدارسة الآية : [11] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى

التفسير :

[11] فلما أتى موسى تلك النار ناداه الله:يا موسى،

{ فَلَمَّا أَتَاهَا} أي:النار التي آنسها من بعيد، وكانت -في الحقيقة- نورا، وهي نار تحرق وتشرق، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره "فلما وصل إليها نودي منها، أي:ناداه الله، كما قال:{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}

ثم بين- سبحانه- ما حدث لموسى بعد أن اقترب من النار فقال: فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً.

أى: فلما أتى موسى- عليه السلام- إلى النار، واقترب منها.. نُودِيَ من قبل الله- عز وجل- يا مُوسى

يقول تعالى : ( فلما أتاها ) أي : النار واقترب منها ، ( نودي يا موسى ) وفي الآية الأخرى : ( نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله ) [ القصص : 30 ]

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)

يقول تعالى ذكره: فلما أتى النار موسى، ناداه ربه (يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ).

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه، قال: خرج موسى نحوها، يعني نحو النار، فإذا هي في شجر من العليق، وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة، فلما دنا استأخرت عنه، فلما رأى استئخارها رجع عنها، وأوجس في نفسه منها خيفة; فلما أراد الرجعة، دنت منه ثم كلم من الشجرة، فلما سمع الصوت استأنس، وقال الله تبارك وتعالى (يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) فخلعها فألفاها.

واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه، فقال بعضهم: أمره بذلك، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدس، وأراد أن يمسه من بركة الوادي.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي قلابة، عن كعب، أنه رآهم يخلعون نعالهم ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) فقال: كانت من جلد حمار ميت، فأراد الله أن يمسه القدس.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) قال: كانتا من جلد حمار ميت.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعد، عن قتادة، قال: حدثنا، أن نعليه كانتا من جلد حمار، فخلعهما ثم أتاه.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) قال: كانتا من جلد حمار، فقيل له اخلعهما.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُريَج. قال: وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفيان، عن معمر، عن جابر الجعفي، عن عليّ بن أبي طالب ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) قال: كانتا من جلد حمار، فقيل له اخلعهما. قال: وقال قتادة مثل ذلك.

وقال آخرون: كانتا من جلد بقر، ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه، ليصل إليه بركتها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال الحسن: كانتا، يعني نعلي موسى من بقر، ولكن إنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض، وكان قد قدس مرتين. قال ابن جُرَيْج: وقيل لمجاهد: زعموا أن نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة، قال: لا ولكنه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض.

حدثني يعقوب، قال: قال أبو بشر، يعني ابن علية، سمعت ابن أبي نجيح، يقول في قوله: ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: يقول: أفض بقدميك إلى بركة الوادي.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي، إذ كان واديا مقدسا.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لأنه لا دلالة في ظاهر التنـزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنجاستهما، ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة، وإن في قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) بعقبه دليلا واضحا، على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا.

ولو كان الخبر الذي حدثنا به بشر قال: ثنا خلف بن خليفة عن حميد بن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود، عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، قال: " يَوْمَ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى، كانَتْ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وكساءُ صُوفٍ، و سَرَاوِيلُ صُوفٍ، وَنَعْلانِ مِنْ جِلْدِ حِمارٍ غيرِ مُذَكّى " صحيحا لم نعده إلى غيره، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[11] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾ إذا أردت العطايا من رب الأرباب، اسـع لهـا وابـذل الأسـباب!
وقفة
[11] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾ أي شرف رفيع، وأي تكريم، وأي منزلة عالية، وأي غبطة شعر بها موسى وهو يسمع حروف اسمه ينطقها الله!
وقفة
[11] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾ لن تنال العطايا حتى تسعى لها وتبذل.
وقفة
[11] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾ أعظم نداء سمعه بشر؛ ولذا استحق أن يسمى موسی کليم الله، تشريفًا وتكريمًا، وهل هناك أشرف من هذا الاصطفاء؟!
وقفة
[11] ﴿فَلَمّا أَتاها نودِيَ يا موسى﴾ هناك قلوب لها القدرة على تحمل مواقف لا قِبَل لغيرهم بها.
وقفة
[11] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾ كان من الممكن أن يجد النار في طريقه, لكن جرت سنة الحياة أنَّه لابد من خطانا.
لمسة
[11] ﴿نُودِيَ﴾ البناء للمجهول هو نوع من التعظيم والتفخيم لله سبحانه وتعالى الذي نادى.
وقفة
[11] ﴿نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾، ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ﴾ [17]، ﴿أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ﴾ [19]، ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ﴾ [36]، ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ﴾ [40]، 5 مرات يناديه: (يَا مُوسَىٰ) في مناجاة واحدة، رب ما ألطفك!
وقفة
[11] ﴿نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾ ليس هينًا أن يسمع إنسان من لحم ودم اسمه يناديه به جبار السماوات والأرض.
وقفة
[11، 12] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ ليلة مظلمة، في مكان غريب، وحده، وقد فقد الطريق، ونداء يسمعه لأول مرة، ولم يخف أي نداء هذا! نداء الله.
وقفة
[11، 12] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ ما من اسم من أسماء الله الحسنىٰ أقرب إلى الإنسان من كلمة رب.
وقفة
[11، 12] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ بذل الأسباب والسعي يوصل للعطايا.
عمل
[11، 12] رسالة للسعى: إذا لاح لك باب خير ورزق فاقصده، ولا تحقره عن صغر في عينيك، فإن من ورائه الخير والرزق الأكبر، ذهب موسى صلى الله عليه وسلم يقتبس النار فكلمه العزيز الجبار ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمّا أَتاها:
  • الفاء: استئنافية. لما: بمعنى «حين» اسم شرط‍ غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب. أتى:فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وجملة «أتاها» في محل جر مضاف اليه لوقوعها بعد «لمّا».
  • ﴿ نُودِيَ:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى: ناداه الله. وجملة «نودي» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ يا مُوسى:
  • يا: أداة نداء. موسى: اسم معرفة مفرد منادى بأداة النداء مبني على الضم المقدر على الألف للتعذر في محل نصب.'

المتشابهات :

النمل: 8﴿ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا
طه: 11﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ
القصص: 30﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     ولَمَّا رأى موسى عليه السلام نارًا موقدة وسار إليها؛ بَيَّنَ اللهُ هنا ما حدث له عندما أتى تلك النار، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [12] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ..

التفسير :

[12] ، إني أنا ربك فاخلع نعليك، إنك الآن بوادي «طوى» الذي باركته، وذلك استعداداً لمناجاة ربه.

{ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} أخبره أنه ربه، وأمره أن يستعد ويتهيأ لمناجاته، ويهتم لذلك، ويلقي نعليه، لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم، ولو لم يكن من تقديسه، إلا أن الله اختاره لمناجاته كليمه موسى لكفى، وقد قال كثير من المفسرين:"إن الله أمره أن يلقي نعليه، لأنهما من جلد حمار "فالله أعلم بذلك.

أى: فلما أتى موسى- عليه السلام- إلى النار، واقترب منها.. نُودِيَ من قبل الله- عز وجل- يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ الذي خلقك فسواك فعدلك.. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ تعظيما لأمرنا. وتأدبا في حضرتنا.

وقوله إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً تعليل للأمر بخلع النعل، أى: أزل نعليك من رجليك لأنك الآن موجود بالوادي الْمُقَدَّسِ أى: المطهر المبارك، المسمى طوى: فهو عطف بيان من الوادي.

وقال هاهنا ( إني أنا ربك ) أي : الذي يكلمك ويخاطبك ، ( فاخلع نعليك ) قال علي بن أبي طالب ، وأبو ذر ، وأبو أيوب ، وغير واحد من السلف : كانتا من جلد حمار غير ذكي .

وقيل : إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبقعة .

قال سعيد بن جبير : كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة .

وقيل : ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافيا غير منتعل . وقيل غير ذلك ، والله أعلم .

وقوله : ( طوى ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو اسم للوادي .

وكذا قال غير واحد ، فعلى هذا يكون عطف بيان .

وقيل : عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه .

وقيل : لأنه قدس مرتين ، وطوى له البركة ، وكررت ، والأول أصح ، كقوله ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ) [ النازعات : 16 ] .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والبصرة ( نُودِيَ يا مُوسَى أنّي ) بفتح الألف من " أني"، فأنّ على قراءتهم في موضع رفع بقوله: نودي، فإن معناه: كان عندهم نودي هذا القول، وقرأه بعض عامة قرّاء المدينة والكوفة بالكسر: نودي يا موسى إني، على الابتداء، وأن معنى ذلك قيل: يا موسى إني.

قال أبو جعفر: والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله " يا موسى "، وحظ قوله " نودي" أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله " يا موسى "، وذلك أن يقال: نودي أن يا موسى إني أنا ربك، ولا حظ لها في " إن " التي بعد موسى.

وأما قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) فإنه يقول: إنك بالوادي المطهر المبارك.

كما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) يقول: المبارك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد، قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: قُدِّس بُورك مرّتين.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: بالوادي المبارك.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طُوًى) فقال بعضهم: معناه: إنك بالوادي المقدس طويته، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه، كأنه قال: طويت الوادي المقدس طوى.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) يعني الأرض المقدسة، وذلك أنه مرّ بواديها ليلا فطواه، يقال: طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل، وارتفع إلى أعلى الوادي، وذلك نبيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: مرّتين، وقال: ناداه ربه مرّتين; فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه، وذلك أن معناه عندهم: نودي يا موسى مرّتين نداءين ، وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى، أنه بمعنى مرّتين، قول عديّ بن زيد العبادي:

أعـاذِل إنَّ اللَّـوْمَ فِـي غَـيْرِ كُنْهِـهِ

عَــليَّ طَـوَى مِـنْ غَيّـكِ المُـتَرَدّدِ (9)

وروى ذلك آخرون: " عليّ ثنى ": أي مرّة بعد أخرى، وقالوا: طوى وثنى بمعنى واحد.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) كنا نحدّث أنه واد قدّس مرّتين، وأن اسمه طُوًى.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه قدّس طوى مرّتين.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال الحسن: كان قد قدِّس مرّتين.

وقال آخرون: بل طُوى: اسم الوادي.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (طُوى) : اسم للوادي.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: طُوى: قال: اسم الوادي.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: ذاك الوادي هو طوى، حيث كان موسى، وحيث كان إليه من الله ما كان، قال: وهو نحو الطور.

وقال آخرون: بل هو أمر من الله لموسى أن يطأ الوادي بقدميه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا صالح بن إسحاق، عن جعفر بن برقان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله تبارك وتعالى ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: طأ الوادي.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا الحسن، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله (طُوًى) قال: طأ الوادي.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن سعيد بن جبير، في قول الله (طُوًى) قال: طأ الأرض حافيا، كما تدخل الكعبة حافيا، يقول: من بركة الوادي.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (طُوًى) طأ الأرض حافيا.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة ( طُوَى) بضم الطاء وترك التنوين، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي، كما قال الشاعر:

نَصَـــرُوا نَبِيَّهُــم وَشَــدُّوا أزْرَهُ

بحُــنْينَ حِــينَ تَــوَاكُلِ الأبْطـالِ (10)

فلم يجرّ حنين، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي: ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القرّاء وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ وكما قال الآخر:

ألَسْــنا أكْــرَمَ الثَّقَلَيْــنِ رَحْــلا

وأعْظَمَهُــمْ بِبَطْــنِ حــرَاءَ نـارَا (11)

فلم يجرّ حراء، وهو جبل، لأنه حمله اسما للبلدة، فكذلك طُوًى " في قراءة من لم يجره حمله اسما للأرض. وقرأ ذلك عامَّة قراء أهل الكوفة: (طُوى) بضم الطاء والتنوين; وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل; فأما من أراد به المصدر من طويت، فلا مؤنة في تنوينه، وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي، فإنه إنما ينونه لأنه اسم ذكر لا مؤنث، وأن لام الفعل منه ياء، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذ كان حنين اسم واد، والوادي مذكر.

قال أبو جعفر: وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك، وإن كان مصدرا أو مفسرا، فكذلك أيضا حكمه التنوين، وهو عندي اسم الوادي. وإذ كان ذلك كذلك، فهو في موضع خفض ردًّا على الوادي.

---------------------

الهوامش :

(9) البيت لعدي بن زيد ( اللسان : طوى ) . قال : وإذا كان طوى وطوى ( بكسر الطاء وضمها ) وهو الشيء المطوي مرتين ، فهو صفة بمنزلة ثني وثني ( بكسر الثاء وضمها ) ، وليس بعلم لشيء وهو مصروف لا غير ، كما قال عدي بن زيد : " أعاذل " إن اللوم . . البيت " ، ورأيت في حاشية نسخة من أمالي ابن بري أن الذي في شعر عدي : على ثنى من فيك ، أراد اللوم المكرر .

(10) البيت لحسان بن ثابت ( اللسان : حنن ) . والشاهد فيه أن حنين غير مصروف ، لأنه جعله اسما للبلدة ، كما قال المؤلف أو لبقة .

(11) البيت في ( اللسان : حرى ) قال الجوهري : لم يصرف حراء لأنه ذهب به إلى البلدة التي هو بها ، وفي الحديث " كان يتحنث بحراء " مصروفًا ، وهو جبل من جبال مكة ، وفي رواية اللسان : طرا ، في موضع ، رحلا

التدبر :

وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ الناس يلمعون أحذيتهم للدخول على العظماء في الأرض، ومراسم لقاء ملك الملوك أن تكون حافيًا.
وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ وقف موسى حافيًا أمام ربه في ليلة باردة، الافتقار والتذلل لله ﷻ يأتي لك بالسـعادة .
وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ وقف حافيًا أمام ربه في ليلة باردة؛ الله يحب منظر العبد المفتقر المتذلل.
وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ لأن بساط حضرة الملوك لا يوطأ بالنعال.
وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ الحكمة من خلع النعلين: حتى تكون كل ذرة من ذرات جسمك ملتصقة بهذا الوادي المقدس الطاهر.
وقفة
[12] ﴿فَاخلَع نَعلَيكَ﴾ ربما حفظًا لطهارة المكان المقدس، أو امتثالًا لأوامر علىِّ قدير، وتواضعًا لله عز وجل، والله أعلم.
وقفة
[12]‏ أيها الراجي عفو مولاه إن لاح لقلبك لحظات إخبات ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾، و﴿أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ﴾ [القصص: 31]، وخض غمار السعادة الحقيقية لتكون ﴿مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: 31].
وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ تعليم الأدب من قضايا الوحي الكبرى.
عمل
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ قبل أن تناجيه، اخلع ذنوبك بالتوبة، فهي أشد اتساخًا من نعليك.
وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ كلم الله موسی کلامًا غير معتاد، وغير الله عوائد الأكوان، فلم يصدر الكلام عن شخص مشاهد، ولا عن طريق ملك يتولى تبليغ الكلام، بل قال عن هذه المعجزة: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 114].
وقفة
[12] ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ فيه لزوم تهيئة النفس قبل دخول الأماكن الفاضلة.
وقفة
[10-12] في الأزمات: ربما كان أقصى ما يريده موسى عليه السلام نارًا تضيء له ظلامَ الليل، أو بيتًا يضيّفه في تلك الليلة الباردة: ﴿لعلي آتيكم منها بقبس﴾، ولكن شاءَ الله أن يهبه أعظم عطاء: ﴿نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ كما قيل: أنت تحلم بقمر، ولا تدري أن الله قد أعدّ لك مجرّةً بنُجومها.

الإعراب :

  • ﴿ إِنِّي:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل في محل نصب اسمها. و «انّ» مع اسمها وخبرها في محل نصب مفعول لفعل مضمر بتقدير: ناداه الله وقال له إنّي. أو نودي فقيل يا موسى إنّي أو لأن النداء ضرب من القول فعومل معاملته.
  • ﴿ أَنَا:
  • ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل نصب توكيد لضمير المتكلم في «إني».
  • ﴿ رَبُّكَ:
  • خبر «إن» مرفوع للتعظيم بالضمة. والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالإضافة. ويجوز أن يكون الضمير «أنا» في محل رفع مبتدأ و «ربك» خبره. والجملة الاسمية أنا ربك «في محل رفع خبر إن».
  • ﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ:
  • الفاء: سببية لأن الحفوة تواضع لله. اخلع بمعنى «انزع» فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.نعليك: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى وحذفت النون للاضافة والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل بمعنى التعليل والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب اسمها.بالواد: جار ومجرور متعلق بخبر «انّ» وحذفت الياء خطا واختصارا أو للوصل أو لالتقاء الساكنين أي بالوصل. المقدس: صفة-نعت-للوادي مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة.
  • ﴿ طُوىً:
  • منصوب على المصدر-مفعول مطلق-بمعنى «ثنى» أي نودي نداءين أو قدس الوادي كرة بعد كرة. وقد نون بتأويل المكان.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     وبعد أن أخبرَ اللهُ عز و جل أنه نادى موسى عليه السلام؛ بَيَّنَ هنا مضمون هذا النداء، قال تعالى:
﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إنى:
قرئ:
1- بكسر الهمزة، على إضمار «القول» عند البصريين، وعلى معاملة النداء معاملة «القول» عند الكوفيين، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتحها، على تقدير: بأنى أنا ربك، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
طوى:
قرئ:
1- بكسر الطاء، منونا، وهى قراءة الحسن، والأعمش، وأبى حيوة، وابن أبى إسحاق، وأبى السمال، وابن محيصن.
2- بضمها، منونا، وهى قراءة الكوفيين.
3- بضمها غير منون، وهى قراءة الحرميين، وأبى عمرو.
4- بكسرها، غير منون، وهى قراءة أبى زيد، عن أبى عمرو.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف