35012345678910

الإحصائيات

سورة النور
ترتيب المصحف24ترتيب النزول102
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات9.70
عدد الآيات64عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول16تبدأ في الجزء18
تنتهي في الجزء18عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 6/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (1) الى الآية رقم (3) عدد الآيات (3)

الزَّانيةُ والزَّانِي اللذانِ لم يسبقْ لهما الزَّواجُ عقوبةُ كلٍّ منهما مائةُ جَلدَةٍ بالسَّوطِ (وثبتَ في السُّنَّةِ مع هذا الجَلْدِ تغريبُ عامٍ)، وتحريمُ نكاحِ الزَّانيةِ وإنكاحِ الزَّانِي.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (4) الى الآية رقم (5) عدد الآيات (2)

بعدَ بيانِ حكمِ من فَعَلَ الزِّنا بَيَّنَ هنا حُكْمَ من رمى غيرَه بالزِّنا (القَذْفِ)، يُجْلدُ ثمانينَ جلدةً، وتُرَدُّ شهادتُه ويصيُر فاسقًا ما لم يتبْ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (6) الى الآية رقم (10) عدد الآيات (5)

بعدَ بيانِ حكمِ قذفِ النساءِ الأجنبياتِ بَيَّنَ هنا حكمَ قذفِ الزوجاتِ (آياتُ اللِعَانِ).

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النور

شرع الله نور المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • بداية السورة: بداية شديدة لجريمة شديدة::   حادثة الإفك ، واتهامهم إيّاها بالزنا. وما جرى في هذه الحادثة هو أن عائشة رضى الله عنها خرجت مع النبي ﷺ في غَزوةِ بَنِى الـمُصْطَلَقِ ، ولما توقف الجيش للراحة ذهبت عائشة لتقضي حاجة لها، فجاء الرجال وحملوا الهودج الذي كانت فيه دون أن يشعروا بعدم وجودها فيه لصغر وزنها، ولما عادت عائشة وجدت أن الجيش قد سار وأصبحت وحيدة في الصحراء. وكان من عادة النبي ﷺ أن يبقي رجلًا خلف الجيش ليحمل ما سقط من المتاع، فجاء صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فوجد عائشة؛ فنزل عن راحلته وطلب منها أن تصعد، ولما ركبت الناقة انطلق بها مولّيًا ظهره لها، ولم يكلمها حتى دخل بها المدينة، فاستغل المنافقون هذا الأمر وبدأوا بإشاعة الفتنة واتهموا عائشة وصَفْوَان بن الْمُعَطَّل، وبدأ المجتمع يلوك هذا الكلام الباطل، ووقع بعض المؤمنين في هذا الخطأ، وانقطع الوحي مدة شهر كامل، وكان ذلك اختبارًا للمجتمع كله. وظل الوحي محبوسًا عن النبي ﷺ حتى يخرج المجتمع ما عنده، وكان اختبارًا صعبًا، حتى نزلت آيات سورة النور لتعلن براءة عائشة رضى الله عنها من فوق سبع سماوات: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (11). فهذه الآية تعلن صراحةً براءة عائشة، وأن ما حصل إنما هو إفك، أي كذب شديد وافتراء شديد لا برهان عليه، وكل من ينشر مثل هذه الأكاذيب في المجتمع (وعلى رأسهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ زعيم المنافقين) لهم عذاب عظيم.
  • • فماذا كان أول هذه الأحكام؟:   فكيف بدأت السورة؟ لقد بدأت بداية غير معهودة فيما قبلها من السور القرآنية: ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا ...﴾ (1)، وهي بداية شديدة، ولكن كل سور القرآن أنزلت وفرضت، فلماذا بدأت السورة بتلك البداية؟ وكأن هذه السورة تريد أن تضع سياجًا شديدًا لحماية المجتمع، فكان لا بد لهذا السياج من مقدّمة قوية للفت الأنظار إلى أهمية الأحكام القادمة.
  • • إلى النور (شرع الله هو نور المجتمع)::   ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱلله إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱلله وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ (2).ومع أن الأصل في ديننا هو الرحمة والرأفة، لكن الآية قالت: ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱلله﴾.ومع أن الإسلام يحثنا على الستر؛ لأن الله تعالى ستير يحب الستر، لكن في حد الزنا تقول الآية: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النور».
  • • معنى الاسم ::   النور: الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار.
  • • سبب التسمية ::   : لما ‏فيها ‏من ‏إشعاعات ‏النور ‏الرباني ‏بتشريع ‏الأحكام ‏والآداب ‏التي تحفظ المجتمع، ولكثرة ذكر النور فيها، فقد تكرر فيها 7 مرات (في الآيتين 35، 40).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن شرع الله نور المجتمع.
  • • علمتني السورة ::   تجنب الكلام في أعراض الناس: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   ضرورة التثبت تجاه الشائعات: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا﴾
  • • علمتني السورة ::   وجوب الاستئذان عند دخول بيوت غيرنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ»، وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء. • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النور من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • امتازت سورة النور بالافتتاح بآية تنصّ على أنها سورة، وتنبه على ما تحتويه من أحكام مهمة، ولا يوجد سورة في القرآن افتتحت بمثل ذلك.
    • احتوت على قصة الإفك، وأكدت على براءة عائشة رضى الله عنها مما قذفت به.
    • أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النور)، تكرر 7 مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نجعل هذه السورة والآداب التي تضمنتها نورًا لنا في مجتمعنا، ونحافظ على شرع الله لننوّر به مجتمعنا، ونتحرّك به إلى الناس كلهم لننشر النور في البشرية كلها.
    • أن نحذر من فاحشة الزنا أو الاقتراب منها: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ...﴾ (2-3).
    • أن نحذر من قذف المحصنات والتكلم في أعراض الناس: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ...﴾ (4).
    • أن نثق في الله ولا نقنط؛ ﻷن سفينة الأمل لا تحمل اليائسين، ولن يركبها إلا متفائل، فإن في قذف عائشة رفعةً لها وفضحًا للمنافقين: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (11).
    • أن نحذر من إشاعة الفاحشة ونشرها بين الناس: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ...﴾ (19).
    • أن نحذر من خطوات الشيطان؛ فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ (21).
    • أن نطلب من الله ونلح عليه أن يزكي نفوسنا: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (21).
    • ألا نحلف على قطيعة رحم أو ترك معروف، وإذا حلفنا رجعنا في اليمين، وكفِّرنا عنها: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ ...﴾ (22).
    • أن نعفو ونصفح عمن أخطأ في حقنا، أو أساء إلينا، أو ظلمنا: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (22).
    • أن نتذكر تكلم الجوارح، وشهادتها على أقوالنا وأعمالنا يوم القيامة: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (24).
    • أن نطبق آداب الاستئذان عند الدخول على غيرنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ...﴾ (27-29).
    • أن نغض أبصارنا عما حرّم الله: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ...﴾ (30).
    • أن نسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره: ﴿يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾ (35).
    • أن نقدم حكم الله ورسوله على القوانين الوضعية: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ (51).
    • أن نجعل تحيتنا الدائمة للناس هي التحية التي شرعها الله: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (61).

تمرين حفظ الصفحة : 350

350

مدارسة الآية : [1] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ..

التفسير :

[1] هذه سورة عظيمة من القرآن أنزلناها، وأوجبنا العمل بأحكامها، وأنزلنا فيها دلالات واضحات؛ لتتذكروا -أيها المؤمنون- بهذه الآيات البينات، وتعملوا بها.

أي:هذه{ سُورَةٌ ْ} عظيمة القدر{ أَنْزَلْنَاهَا ْ} رحمة منا بالعباد، وحفظناها من كل شيطان{ وَفَرَضْنَاهَا ْ} أي:قدرنا فيها ما قدرنا، من الحدود والشهادات وغيرها،{ وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ْ} أي:أحكاما جليلة، وأوامر وزواجر، وحكما عظيمة{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ْ} حين نبين لكم، ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها

مقدمة وتمهيد

1- سورة النور من السور المدينة، وعدد آياتها أربع وستون آية، وكان نزولها بعد سورة النصر.

وقد اشتملت هذه السورة الكريمة، على أحكام العفاف والستر. وهما قوام المجتمع الصالح. وبدونها تنحط المجتمعات. ويصير أمرها فرطا، ويصبح الفرد إلى الحيوان الأعجم، أقرب منه إلى الإنسان العاقل.

قال الآلوسى: «روى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نساءكم سورة النور» .

وعن حارثة بن مضرب قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب، أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور» .

2- وتبدأ هذه السورة الكريمة ببدء فريد، تقرر فيه وجوب الانقياد لما فيها من أحكام وآداب فتقول: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها، وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

ثم تقبح فاحشة الزنا تقبيحا يحمل النفوس على النفور منها، وعلى نبذ مرتكبيها، وعلى تنفيذ حدود الله- تعالى- فيهم بدون شفقة أو رأفة.

قال- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

3- ثم تبين السورة الكريمة بعد ذلك، حكم الذين يرمون النساء العفيفات بالفاحشة، وحكم الذين يرمون أزواجهم بذلك، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم.

قال- تعالى-: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ. فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ.

4- ثم ذكر- سبحانه- في ست عشرة آية قصة الإفك، على الصديقة بنت الصديق، ومن بين ما اشتملت عليه هذه القصة: تنبيه المؤمنين إلى العذاب العظيم الذي أعده الله- تعالى- لمن أشاع هذا الإفك، وحض المؤمنين على التثبت من صحة الأخبار، وعلى وجوب حسن الظن بالمؤمنين، وعلى تحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان.

ثم ختمت القصة ببراءة السيدة عائشة من كل ما اتهمت به، قال- تعالى-: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.

5- وبعد أن أفاضت السورة الكريمة في بيان قبح فاحشة الزنا، وفي عقوبة من يقذف المحصنات الغافلات.. أتبعت ذلك بحديث مستفيض، عن آداب الاستئذان، وعن وجوب غض البصر بالنسبة للرجال والنساء على السواء، وعن تعليم الناس الآداب القويمة.

والأخلاق المستقيمة، حتى يحيا المجتمع المسلم حياة يسودها الطهر والعفاف والنقاء.

قال- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ، حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

وقال- سبحانه-: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ....

6- ثم حببت السورة الكريمة إلى المؤمنين والمؤمنات الزواج من أهل الدين والصلاح، دون أن يمنعهم من ذلك الفقر أو قلة ذات اليد، فإنهم إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ وعلى الذين لم يتيسر لهم وسائل الزواج، أن يعتصموا بالعفاف، حتى يغنيهم الله- تعالى- من فضله.

قال- تعالى-: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ- أى زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ، إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ، يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ، وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ 7- وبعد أن ساقت السورة الكريمة تلك التوجيهات السامية، التي من شأنها أن تسلح الأفراد والجماعات، بسلاح الطهر والعفاف والتستر والآداب الحميدة.. أتبعت ذلك ببيان أن الله- تعالى- هو نور العالم كله علويه وسفليه، وهو منوره بآياته التكوينية والتنزيلية الدالة على وحدانيته وقدرته، وأن أشرف البيوت في الأرض، هي بيوته التي يذكر فيها اسمه والتي يسبح له فيها بالغدو والآصال رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ. يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

تلك هي عاقبة المؤمنين الصادقين. الذين «لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله» أما الكافرون فأعمالهم «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب» .

8- ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله- تعالى- في هذا الكون، وأن المتأمل في هذا الوجود، يرى مظاهر قدرته- سبحانه- ظاهرة في هذا السحاب الذي يتحول إلى مطر لا غنى للناس عنه، وفي تقلب الليل والنهار. وفي خلق الدواب على أشكال مختلفة.

قال- تعالى-: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

9- ثم كشفت السورة الكريمة للمؤمنين عن جانب من رذائل المنافقين، لكي يحذروهم.

فقال- تعالى-: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا، أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ، بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

10- وبعد هذا التوبيخ للمنافقين على سلوكهم الذميم، وعلى نكوصهم عن حكم الله- تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلّم جاء وعد الله- تعالى- للمؤمنين، بالاستخلاف في الأرض، وبالتمكين في الدين، وبتبديل خوفهم أمنا، فقال- تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.

11- ثم عادت السورة مرة أخرى إلى الحديث عن آداب الاستئذان، فأمرت المؤمنين أن يعودوا مماليكهم وصبيانهم الذين لم يبلغوا الحلم، على الاستئذان في الدخول عليهم ثلاث مرات

افتتحت سورة النور بافتتاح لم تشترك معها فيه سورة أخرى من سور القرآن الكريم .

وقوله - سبحانه - : ( سُورَةٌ ) خبر لمبتدأ محذوف ، أى : هذه سورة .

والسورة القرآنية : هى مجموعة من الآيات المسرودة ، لها مبدأ ولها نهاية ، وجمعها : سُوَر .

وكلمة سورة مأخوذة من سور المدينة ، وكأن السورة القرآنية سميت بهذا الاسم لإحاطتها بآياتها إحاطة السور بما يكون بداخله .

أو أنها فى الأصل تطلق على المنزلة السامية ، والسورة القرآنية سميت بذلك لرفعتها وعلو شأنها .

قال القرطبى : والسورة فى اللغة : اسم للمنزلة الشريفة ، ولذلك سميت السورة من القرآن سورة . قال النابغة :

ألم تر أن الله أعطاك سُورَة ... ترى كلّ مَلْكٍ دونَها يتذبذب

وقوله - تعالى - : ( وَفَرَضْنَاهَا ) من الفرض بمعنى القطع . وأصله قطع الشىء الصُّلْب والتأثير فيه .

والمراد به هنا : تنفيذ أحكام الله - تعالى - على أتم وجه وأكمله .

والمعنى هذه سورة قرآنية . أنزلناها عليك - أيها الرسول الكريم - ، وأوجبنا ما فيها من أحكام ، وآداب وتشريعات ، إيجابا قطيعا ، وأنزلنا فيها آيات بينات واضحات الدلالة على وحدانيتنا ، وقدرتنا ، وعلى صحة الأحكام التى وردت فيها ، لتتذكرها وتعتبروا بها وتعتقدوا صحتها وتنفذوا ما اشتملت عليه من أمر أو نهى .

وجمع - سبحانه - بين الإنزال والفرضية فقال : ( أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ) لبيان أن الغرض منها ليس مجرد الإنزال وإنما الإنزال المصحوب بوجوب تنفيذ الأحكام والآداب التى اشتملت عليها ، والتى أنزلت من أجلها .

ومعلوم أن إنزال السورة كلها . يستلزم إنزال هذه الآيات منها فيكون التكرار فى قوله - تعالى - ( وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) لكمال العناية بشأنها ، كما هى الحال فى ذكر بالخاص بعد العام .

و " لعل " فى قوله - تعالى - ( لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) للتعليل . أى : لعلكم تتذكرون ما فيها من آيات دالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى سمو تشريعاتنا ، فيؤدى بكم هذا التذكر إلى عبادتنا وطاعتنا .

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك حد الزانى والزانية ، وقبح جريمة الزنا تقبيحا يحمل عل النفور ، وحرمها على المؤمنين تحريما قاطعا ، فقال - تعالى - : ( الزانية . . . ) .

سورة النور وهي مدنية .

يقول تعالى : هذه ( سورة أنزلناها ) فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها .

( وفرضناها ) قال مجاهد وقتادة : أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي ، والحدود .

وقال البخاري : ومن قرأ " فرضناها " يقول : فرضنا عليكم وعلى من بعدكم .

( وأنزلنا فيها آيات بينات ) أي : مفسرات واضحات ، ( لعلكم تذكرون ) .

قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: ( سُورَةٌ أَنـزلْنَاهَا ) وهذه السورة أنـزلناها. وإنما قلنا معنى ذلك كذلك؛ لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذا لم تكن جوابا، لأنها توصل كما يوصل الذي، ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة، فيستقبح الابتداء بها قبل الخبر إذا لم تكن موصولة، إذ كان يصير خبرها إذا ابتدئ بها كالصلة لها، ويصير السامع خبرها كالمتوقع خبرها، بعد إذ كان الخبر عنها بعدها، كالصلة لها، وإذا ابتدئ بالخبر عنها قبلها، لم يدخل الشك على سامع الكلام في مراد المتكلم. وقد بيَّنا فيما مضى قبل، أن السورة وصف لما ارتفع بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.

وأما قوله: ( وَفَرَضْنَاهَا ) فإن القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأه بعض قرّاء الحجاز والبصرة: " وفَرَضْناهَا " ويتأولونه: وفصَّلناها ونـزلنا فيها فرائض مختلفة. وكذلك كان مجاهد يقرؤه ويتأوّله.

حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا ابن مهدي، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حميد، عن مجاهد، أنه كان يقرؤها: " وَفَرَّضْناهَا " يعني بالتشديد.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: " وَفَرَّضْنَاها " قال: الأمر بالحلال، والنهي عن الحرام.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يوجه إلى أن معناه: وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشأم ( وَفَرَضْنَاهَا ) بتخفيف الراء، بمعنى: أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم، وألزمناكموه وبيَّنا ذلك لكم.

والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن الله قد فصلها، وأنـزل فيها ضروبًا من الأحكام، وأمر فيها ونهى، وفرض على عباده فيها فرائض، ففيها المعنيان كلاهما: التفريض، والفرض، فلذلك قلنا بأية القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب.

*ذكر من تأوّل ذلك بمعنى الفرض، والبيان من أهل التأويل.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( وَفَرَضْنَاهَا ) يقول: بيَّناها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( سُورَةٌ أَنـزلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ) قال: فرضناها لهذا الذي يتلوها مما فرض فيها، وقرأ فيها: ( آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ).

وقوله: ( وَأَنـزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) يقول تعالى ذكره: وأنـزلنا في هذه السورة علامات ودلالات على الحقّ بينات، يعني واضحات لمن تأمَّلَها وفكَّر فيها بعقل أنها من عند الله، فإنها الحقّ المبين، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج: ( وَأَنـزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) قال: الحلال والحرام والحدود ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) يقول: لتتذكروا بهذه الآيات البينات التي أنـزلناها.

التدبر :

وقفة
[1] سورة النـور مدنيَّة، وأهم مقاصدها: ذكر وسائل العفاف وآداب البيوت وما يتعلق بذلك من أحكام، ومن أبرز موضوعاتها: حادثة الإفك.
وقفة
[1] إن أردنا أن نبني أسوار العفة حول أبنائنا وبناتنا؛ فلا بد أن نتعلم كيف نعلل لنقنعهم بضرورة العفة، سورة النور ملأها الحكيم سبحانه بالتعليل.
وقفة
[1] حجاب النساء ليس خيارًا لهن، وعلاقة الرجل والمرأة مثلًا ليست بخيارهم، وحماية الأعراض مفروضة علينا استجابة لقوله تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾.
وقفة
[1] تأمل بداية سورة النور ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾، ففيه توطئة لما سيأتي في مضامين السورة من الحدود والآداب، فينبغي على الناس أن ينقادوا لها انقيادًا كاملًا؛ لأنها ليست أفكارًا بشرية، ولا تخضع للاجتهادات؛ بحيث يدلي كل إنسان بوجهة نظره فيما يتعلق بالاختلاط، ولباس المرأة، وخروج المرأة، فليس لأحد أن يعترض على حدود الله بحجة أنها قضايا شخصية!
وقفة
[1] لما للعِرض من خطورة، ولما لحفظ ذرائعه من أهمية؛ فقد خصه الله بسورة النور مفتتحة بلفظ الفرض ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾.
وقفة
[1] ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ترجمة سورة النور للغرب سيزيل نظريات اجتماعية ويصحح مفاهيم نفسية؛ فيتعين ذلك.
وقفة
[1] ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ التمهيد للحديث عن الأمور العظام بما يؤذن بعظمها.
وقفة
[1] ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ كتب عمر t إلى أهل الكوفة: «علِّموا نساءكم سورة النور»، لأن مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر وصون العرض.
وقفة
[1] ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ هنا تبكي أقلام الأُدباء.
وقفة
[1] ﴿سورَةٌ أَنزَلناها وَفَرَضناها وَأَنزَلنا فيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ استهلال بديع قوى وجاذب بشدة لسورة تحوى كثيرًا من الأحكام الخاصة، لبناء مجتمع قادر على التصدى لما يواجهه من عقبات.
وقفة
[1] تميزت سورة النور بأنها السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي بدأت بكلمة: (سورَةٌ).

الإعراب :

  • ﴿ سُورَةٌ:
  • خبر مبتدأ محذوف بتقدير: هذه سورة. والجملة الفعلية بعدها أَنْزَلْناها» في محل رفع صفة-نعت-ويجوز أن تكون سُورَةٌ» مبتدأ وخبره محذوفا بتقدير: فيما أوحينا اليك يا محمد سورة. وجاء المبتدأ نكرة لأنه موصوف.
  • ﴿ أَنْزَلْناها:
  • بمعنى: أوحيناها: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي العطف على «أنزلناها» وتعربان إعرابها. فيها: جار ومجرور متعلق بأنزلنا بمعنى: وفصلناها وأوحينا فيها.
  • ﴿ آياتٍ بَيِّناتٍ:
  • مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. بينات: أي واضحات وهي صفة-نعت-لآيات منصوبة مثلها بالكسرة للسبب نفسه.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ:
  • لعل: حرف مشبه بالفعل من أخوات «إنّ» الكاف ضمير المخاطبين مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. تذكرون: أي تتذكرون حذفت احدى تائيه تخفيفا بمعنى: تعتبرون: وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية تَذَكَّرُونَ» في محل رفع خبر «لعل».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [1] لما قبلها :     بدأت السورة ببداية فريدة، تبين وجوب العمل بالأحكام التي وردت بها، قال تعالى:
﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سورة:
وقرئ:
بالنصب، وهى قراءة عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وعيسى بن عمر الثقفي البصري، وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي، وابن أبى عبلة، وأبى حيوة، ومحبوب، عن أبى عمرو، وأم الدرداء.
وفرضناها:
1- بتخفيف الراء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتشديد الراء، وهى قراءة عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وقتادة، وأبى عمرو، وابن كثير.

مدارسة الآية : [2] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ ..

التفسير :

[2] الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج، عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط، وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام. ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها، إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر العقوبةَ عدد

هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة، وأما الثيب، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة، أن حده الرجم، ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [بهما] في دين الله، تمنعنا من إقامة الحد عليهم، سواء رأفة طبيعية، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله، فرحمته حقيقة، بإقامة حد الله عليه، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه، فلا نرحمه من هذا الجانب، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة، أي:جماعة من المؤمنين، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع، وليشاهدوا الحد فعلا، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل، مما يقوى بها العلم، ويستقر به الفهم، ويكون أقرب لإصابة الصواب، فلا يزاد فيه ولا ينقص، والله أعلم.

فقوله- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي.. شروع في تفصيل الأحكام، التي أشار إليها- سبحانه- في الآية الأولى من هذه السورة، وهي قوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها....

والزنا من الرجل معناه: وطء المرأة من غير ملك ولا شبهة ملك ومعناه من المرأة: أن تمكن الرجل من أن يزنى بها.

والخطاب في قوله- تعالى-: فَاجْلِدُوا ... للحكام المكلفين بتنفيذ حدود الله- عز وجل-.

قال الجمل: «وفي رفع «الزانية والزاني» وجهان: أحدهما- وهو مذهب سيبويه- أنه مبتدأ خبره محذوف. أى: فيما يتلى عليكم حكم الزانية، ثم بين ذلك بقوله:

فَاجْلِدُوا.. والثاني: - وهو مذهب الأخفش وغيره- أنه مبتدأ. والخبر جملة الأمر، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط..» .

فإن قيل: ما الحكمة في أن يبدأ الله في فاحشة الزنا بالمرأة، وفي جريمة السرقة بالرجل، حيث قال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ... ؟.

فالجواب: أن الزنا من المرأة أقبح، فإنه يترتب عليه فساد الأنساب، وإلحاق الدنس والعار بزوجها وأهلها، وافتضاح أمرها عن طريق الحمل، وفضلا عن ذلك، فإن تمكينها نفسها للرجل: هو الذي كان السبب في اقترافه هذه الفاحشة، فلهذا وغيره قدمت المرأة هنا.

وأما جريمة السرقة، فالغالب أن الرجال أكثر إقداما عليها، لأنها تحتاج إلى جسارة وقوة، واجتياز للمخاطر ... لذا قدم الرجل على المرأة فيها.

وقوله- تعالى- وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ.. نهى منه- سبحانه- عن التهاون في تنفيذ حدوده، وحض على إقامتها بحزم وقوة، والرأفة: أعلى درجات الرحمة.

يقال: رؤف فلان بفلان- بزنة كرم- إذا اشتد في رحمته، وفي العناية بأمره.

أى: أقيموا- أيها الحكام- حدود الله- تعالى- على الزانية والزاني بأن تجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، دون أن تأخذكم شفقة أو رحمة في تنفيذ هذه الحدود، ودون أن تقبلوا في التخفيف عنهما شفاعة شفيع، أو وساطة وسيط، فإن الله- تعالى- الذي شرع هذه الحدود. وأمر بتنفيذها بكل شدة وقوة، أرحم بعباده وبخلقه منكم. والرحمة والرأفة في تنفيذ أحكامه، لا في تعطيلها. ولا في إجرائها على غير وجهها.

وقوله- سبحانه-: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.. تأكيد لما قبله، وإلهاب لمشاعرهم، لتنفيذ حدود الله- تعالى-.

أى: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا حقا، فأقيموا حدود الله، واجلدوا الزانية والزاني مائة جلدة، لا تأخذكم بهما رأفة أو شفقة في ذلك.

وقوله- سبحانه-: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بيان لما يجب على الحكام أن يفعلوه عند تنفيذ العقوبة والأمر بشهود عذابهما للاستحباب لا للوجوب.

والمراد بعذابهما: إقامة الحد عليهما، والطائفة في الأصل: اسم فاعل من الطواف، وهو الدوران والإحاطة. وتطلق الطائفة عند كثير من اللغويين على الواحد فما فوقه.

قال الآلوسى: «والحق أن المراد بالطائفة هنا، جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص فرب شخص يحصل تشهيره وزجره بثلاثة. وآخر لا يحصل تشهيره وزجره بعشرة وللقائل بالأربعة هنا وجه وجيه» .

ولعل السبب في وجاهة رأى القائلين بالأربعة أن هذا العدد هو الذي يثبت به الزنا.

أى: وليشهد إقامة الحد على الزانية والزاني، عدد من المؤمنين، ليكون زيادة في التنكيل بمن يرتكب هذه الفاحشة، وأدعى إلى الاعتبار والاتعاظ وأزجر لمن تسول له نفسه الإقدام على تلك الجريمة النكراء.

ثم قال تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد ، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع; فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا ، وهو الذي لم يتزوج ، أو محصنا ، وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح ، وهو حر بالغ عاقل . فأما إذا كان بكرا لم يتزوج ، فإن حده مائة جلدة كما في الآية ويزاد على ذلك أن يغرب عاما [ عن بلده ] عند جمهور العلماء ، خلافا لأبي حنيفة ، رحمه الله; فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام ، إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب .

وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين ، من رواية الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ، في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما : يا رسول الله ، إن ابني كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته ، فافتديت [ ابني [ منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم ، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام . واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " . فغدا عليها فاعترفت ، فرجمها .

ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج ، فأما إن كان محصنا فإنه يرجم ، كما قال الإمام مالك :

حدثني ابن شهاب ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن ابن عباس أخبره أن عمر ، رضي الله عنه ، قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فإن الله بعث محمدا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو الحبل ، أو الاعتراف .

أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا وهذا قطعة منه ، فيها مقصودنا هاهنا .

وروى الإمام أحمد ، عن هشيم ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : حدثني عبد الرحمن بن عوف; أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول : ألا وإن أناسا يقولون : ما بال الرجم؟ في كتاب الله الجلد . وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . ولولا أن يقول قائلون - أو يتكلم متكلمون - أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت .

وأخرجه النسائي ، من حديث عبيد الله بن عبد الله ، به .

وقد روى أحمد أيضا ، عن هشيم ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال : لا تخدعن عنه; فإنه حد من حدود الله ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده ، ولولا أن يقول قائلون : زاد عمر في كتاب الله ما ليس فيه ، لكتبت في ناحية من المصحف : وشهد عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وفلان وفلان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده . ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا .

وروى أحمد أيضا ، عن يحيى القطان ، عن يحيى الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم .

الحديث رواه الترمذي ، من حديث سعيد ، عن عمر ، وقال : صحيح .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا ابن عون ، عن محمد - هو ابن سيرين - قال : نبئت عن كثير بن الصلت قال : كنا عند مروان وفينا زيد ، فقال زيد : كنا نقرأ : " والشيخ والشيخة فارجموهما البتة " . قال مروان : ألا كتبتها في المصحف؟ قال : ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب ، فقال : أنا أشفيكم من ذلك . قال : قلنا : فكيف؟ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فذكر كذا وكذا ، وذكر الرجم ، فقال : يا رسول الله ، أكتبني آية الرجم : قال : " لا أستطيع الآن " . هذا أو نحو ذلك .

وقد رواه النسائي ، عن محمد بن المثنى ، عن غندر ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جبير ، عن كثير بن الصلت ، عن زيد بن ثابت ، به .

وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها ، وبقي حكمها معمولا به ، ولله الحمد .

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة ، وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير . ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية . وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلدهم قبل الرجم . وإنما وردت الأحاديث الصحاح المتعددة الطرق والألفاظ ، بالاقتصار على رجمهم ، وليس فيها ذكر الجلد; ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، رحمهم الله . وذهب الإمام أحمد ، رحمه الله ، إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة ، كما روي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه لما أتي بشراحة وكانت قد زنت وهي محصنة ، فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، ثم قال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد روى الإمام أحمد ومسلم ، وأهل السنن الأربعة ، من حديث قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر ، جلد مائة وتغريب سنة والثيب بالثيب ، جلد مائة والرجم " .

وقوله : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) أي : في حكم الله . لا ترجموهما وترأفوا بهما في شرع الله ، وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية [ ألا تكون حاصلة ] على ترك الحد ، [ وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد ] فلا يجوز ذلك .

قال مجاهد : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قال : إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان ، فتقام ولا تعطل . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح . وقد جاء في الحديث : " تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب " . وفي الحديث الآخر : " لحد يقام في الأرض ، خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا " .

وقيل : المراد : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) فلا تقيموا الحد كما ينبغي ، من شدة الضرب الزاجر عن المأثم ، وليس المراد الضرب المبرح .

قال عامر الشعبي : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قال : رحمة في شدة الضرب . وقال عطاء : ضرب ليس بالمبرح . وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن حماد بن أبي سليمان : يجلد القاذف وعليه ثيابه ، والزاني تخلع ثيابه ، ثم تلا ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) فقلت : هذا في الحكم؟ قال : هذا في الحكم والجلد - يعني في إقامة الحد ، وفي شدة الضرب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا وكيع ، عن نافع ، [ عن ] ابن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر : أن جارية لابن عمر زنت ، فضرب رجليها - قال نافع : أراه قال : وظهرها - قال : قلت : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قال : يا بني ، ورأيتني أخذتني بها رأفة؟ إن الله لم يأمرني أن أقتلها ، ولا أن أجعل جلدها في رأسها ، وقد أوجعت حيث ضربت .

وقوله : ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) أي : فافعلوا ذلك : أقيموا الحدود على من زنى ، وشددوا عليه الضرب ، ولكن ليس مبرحا; ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك . وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال : يا رسول الله ، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ، فقال : " ولك في ذلك أجر " .

وقوله : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) : هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس ، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما ، وأنجع في ردعهما ، فإن في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا .

قال الحسن البصري في قوله : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) يعني : علانية .

ثم قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) الطائفة : الرجل فما فوقه .

وقال مجاهد : الطائفة : رجل إلى الألف . وكذا قال عكرمة; ولهذا قال أحمد : إن الطائفة تصدق على واحد .

وقال عطاء بن أبي رباح : اثنان . وبه قال إسحاق بن راهويه . وكذا قال سعيد بن جبير : ( طائفة من المؤمنين ) قال : يعني : رجلين فصاعدا .

وقال الزهري : ثلاثة نفر فصاعدا .

وقال عبد الرزاق : حدثني ابن وهب ، عن الإمام مالك في قوله : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) قال : الطائفة : أربعة نفر فصاعدا; لأنه لا يكون شهادة في الزنى دون أربعة شهداء فصاعدا . وبه قال الشافعي .

وقال ربيعة : خمسة . وقال الحسن البصري : عشرة . وقال قتادة : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، أي : نفر من المسلمين; ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا بقية قال : سمعت نصر بن علقمة في قوله : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) قال : ليس ذلك للفضيحة ، إنما ذلك ليدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة .

يقول تعالى ذكره: من زنى من الرجال أو زنت من النساء، وهو حرّ بكر غير محصن بزوج، فاجلدوه ضربا مئة جلدة، عقوبة لما صنع وأتى من معصية الله.( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره: لا تأخذكم بالزاني والزانية أيها المؤمنون رأفة، &; 19-91 &; وهي رقة الرحمة في دين الله، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحد عليهما على ما ألزمكم به.

واختلف أهل التأويل في المنهيّ عنه المؤمنون من أخذ الرأفة بهما، فقال بعضهم: هو ترك إقامة حدّ الله عليهما، فأما إذا أقيم عليهما الحد فلم تأخذهم بهما رأفة في دين الله.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: جلد ابنُ عمر جاريةً له أحدثت، فجلد رجليها، قال نافع: وحسبت أنه قال: وظهرها، فقلت: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) فقال: وأخذتني بها رأفة؟ إن الله لم يأمرني أن أقتلها.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول: ثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر، أن عبد الله بن عمر حدّ جارية له، فقال للجالد، وأشار إلى رجلها، وإلى أسفلها، قلت: فأين قول الله: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: أفأقتلها؟ .

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) فقال: أن تقيم الحدّ.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: لا تضيعوا حدود الله.

قال ابن جُرَيج: وقال مجاهد: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ) : لا تضيعوا الحدود في أن تقيموها، وقالها عطاء بن أبي رباح.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبد الملك وحجاج، عن عطاء ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: يقام حد الله ولا يعطل، وليس بالقتل.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني محمد بن فضيل، عن داود، عن سعيد بن جبير، قال: الجلد.

حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: الضرب.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت عمران، قال: قلت لأبي مجلز: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا )... إلى قوله: ( وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل حدًّا، أو تقطع يده قال: إنما ذاك أنه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم الحدّ.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: لا تقام الحدود.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ) فتدعوهما من حدود الله التي أمر بها وافترضها عليهما.

قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، أنه سأل سليمان بن يسار، عن قول الله: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) أي في الحدود أو في العقوبة؟ قال: ذلك فيهما جميعا.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: أن يقام حد الله ولا يعطَّل، وليس بالقتل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر في قوله: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: الضرب الشديد.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ) فتخفِّفوا الضرب عنهما، ولكن أوجعوهما ضربا.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن أبي بكر، قال: ثنا أبو جعفر، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال: الجلد الشديد.

قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن حماد، قال: يحدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما. وأما الزاني فتخلع ثيابه. وتلا هذه الآية: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) فقلت لحماد: أهذا في الحكم؟ قال: في الحكم والجلد.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: يجتهد في حدّ الزاني والفرية، ويخفف في حدّ الشرب. وقال قَتادة: يخفف في الشراب، ويجتهد في الزاني.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا تأخذكم بهما رأفة في إقامة حدّ الله عليهما الذي افترض عليكم إقامته عليهما.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لدلالة قول الله بعده: " في دين الله "، يعني في طاعة الله التي أمركم بها. ومعلوم أن دين الله الذي أمر به في الزانيين: إقامة الحد عليهما، على ما أمر من جلد كل واحد منهما مئة جلدة، مع أن الشدّة في الضرب لا حدّ لها يوقف عليه، وكل ضرب أوجع فهو شديد، وليس للذي يوجع في الشدة حدّ لا زيادة فيه فيؤمر به. وغير جائز وصفه جلّ ثناؤه بأنه أمر بما لا سبيل للمأمور به إلى معرفته، وإذا كان ذلك كذلك، فالذي للمأمورين إلى معرفته السبيل، هو عدد الجلد على ما أمر به، وذلك هو إقامة الحد على ما قلنا. وللعرب في الرأفة لغتان: الرأفة بتسكين الهمزة، والرآفة بمدها، كالسأمة والسآمة، والكأبة والكآبة. وكأن الرأفة المرّة الواحدة، والرآفة المصدر، كما قيل: ضؤل ضآلة مثل فعل فعالة، وقبح قباحة.

وقوله: ( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يقول: إن كنتم تصدّقون بالله ربكم وباليوم الآخر، وأنكم فيه مبعوثون لحشر القيامة، وللثواب والعقاب، فإن من كان بذلك مصدّقا، فإنه لا يخالف الله في أمره ونهيه؛ خوف عقابه على معاصيه. وقوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول تعالى ذكره: وليحضر جلد الزانيين البكرين وحدّهما إذا أقيم عليهما طائفة من المؤمنين. والعرب تسمي الواحد فما زاد: طائفة.( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: من أهل الإيمان بالله ورسوله.

وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ عدد الطائفة الذي أمر الله بشهود عذاب الزانيين البكرين، فقال بعضهم: أقله واحد.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الطائفة: رجل.

حدثنا علي بن سهل بن موسى بن إسحاق الكنانيّ وابن القوّاس، قالا ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: الطائفة رجل. قال عليّ: فما فوق ذلك; وقال ابن القواس: فأكثر من ذلك.

حدثنا عليّ، قال: ثنا زيد، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الطائفة: رجل.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: قال ابن أبي نجيح: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال مجاهد: أقله رجل.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، في قوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: الطائفة: الواحد إلى الألف.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد في هذه الآية: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: الطائفة واحد إلى الألف . وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا .

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، قال: الطائفة: الرجل الواحد إلى الألف، قال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا إنما كانا رجلين.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: سمعت عيسى بن يونس، يقول: ثنا النعمان بن ثابت، عن حماد وإبراهيم قالا الطائفة: رجل.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: الطائفة: رجل واحد فما فوقه.

وقال آخرون: أقله في هذا الموضع رجلان.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن أبي نجيح، في قوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: قال عطاء: أقله رجلان.

حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة قال: ليحضر رجلان فصاعدا.

وقال آخرون: أقلّ ذلك ثلاثة فصاعدا.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال: الطائفة: الثلاثة فصاعدا.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة، في قوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: نفر من المسلمين.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، قال: ثنا أشعث، عن أبيه، قال: أتيت أبا برزة الأسلمي في حاجة، وقد أخرج جارية إلى باب الدار، وقد زنت، فدعا رجلا فقال: اضربها خمسين! فدعا جماعة، ثم قرأ: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى، عن أشعث، عن أبيه، أن أبا برزة أمر ابنه أن يضرب جارية له ولدت من الزنا ضربا غير مبرح، قال: فألقى عليها ثوبا وعنده قوم، وقرأ: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا )... الآية.

وقال آخرون: بل أقلّ ذلك أربعة.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: فقال: الطائفة التي يجب بها الحدّ أربعة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: أقل ما ينبغي حضور ذلك من عدد المسلمين: الواحد فصاعدًا؛ وذلك أن الله عمّ بقوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ ) والطائفة: قد تقع عند العرب على الواحد فصاعدا.

فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن الله تعالى ذكره وضع دلالة على أن مراده من ذلك خاص من العدد، كان معلوما أن حضور ما وقع عليه أدنى اسم الطائفة ذلك المحضر مخرج مقيم الحدّ مما، أمره الله به بقوله: ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) غير أني وإن كان الأمر على ما وصفت، أستحب أن لا يقصر بعدد من يحضر ذلك الموضع عن أربعة أنفس عدد من تقبل شهادته على الزنا; لأن ذلك إذا كان كذلك، فلا خلاف بين الجمع أنه قد أدّى المقيم الحدّ ما عليه في ذلك، وهم فيما دون ذلك مختلفون.

التدبر :

وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ قَدَّمَ هنا الزانية على الزاني؛ لأن المرأة هي من تغري الرجل وتدعوه إلى الزنا، فهي من تسهل له ذلك، وفي شأن السرقة قدم السارق على السارقة، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38]؛ وذلك لأن الرجل مكلف بمؤنة الحياة والسعي لمن هم تحته، وإن كان هذا لا يمنع أن تكون المرأة سارقة، وإنما الغالب أن الرجل هو من يسرق، فقدمه في الذكر.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ إن قلتَ: لمَ قدَّم المرأةَ في آيةِ حدِّ الزنى، وأُخّرتْ في آيةِ حدِّ السرقة؟ قلتُ: لأن الزِّنى إنما يتولد من شهوةِ الوقاع، وهي في المرأة أقوى وأكثر، والسَّرقةُ إنما تتولَّد من الجسارة، والقوَّة، والجرأة، وهي من الرجل أقوى وأكثر.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ الزنا فصلت أحكامه في سورة النور؛ فمن زنا محى الله النور من قلبه ووجهه.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ تقديم الزانية يدل على أن الزنى من المرأة أقبح، فهو عار لا يمحوه زمان.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ افتتاح حازم بالحكم ينبئ عن شناعة هذا الفعل المشين، إنه كاف في الزجر عن الزنا.
لمسة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ بدأ بالمرأة؛ لأنها الداعي الأول إلى جريمة الزنا، فلو تعففت لتعفف الرجل، ولو ضعفت واجترأت لتجرَّأ، بعكس السرقة التي فيها ذكر الرجل أولًا: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38]، إذ الرجل مكلَّف بالإنفاق والحصول على المال.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ قُدم ذكر الزانية على الزاني للاهتمام بالحكم؛ لأن المرأة هي الباعث على زنى الرجل، وبمساعفتها الرجل يحصل الزنى، ولو منعت المرأة نفسها ما وجد الرجل إلى الزنى تمكينًا، فتقديم المرأة في الذكر لأنه أشد في تحذيرها.
وقفة
[2-4] سورة النور هي الوحيدة التى جاء بها حكم الجلد مرتين: الأولى: ﴿الزّانِيَةُ وَالزّاني فَاجلِدوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلدَةٍ﴾، والثانية: ﴿وَالَّذينَ يَرمونَ المُحصَناتِ ثُمَّ لَم يَأتوا بِأَربَعَةِ شُهَداءَ فَاجلِدوهُم ثَمانينَ جَلدَةً﴾، والمتأمل في الآيتين يجد الفرق عشرين جلدة فقط، بين الزانية والزانية وبين الذين يرمون المحصنات إفتراء؛ لبيان هول هذا القذف وعظم شأنه، وفداحة جرم من يأتيه.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِﱠ﴾ من المعلوم أن ألم العلاج النافع، أيسر وأخف من ألم المرض الباقي.
وقفة
[2] لو كان السجن للزاني يقوم مقام الجلد لما كان لتحديد العدد فائدة ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾، فلا خيار إﻻ باﻻمتثال.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ هذا في الحقيقة من رحمة الله بعباده؛ فإن الله إنما أرسل محمدًا رحمة للعالمين، وهو سبحانه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، لكن قد تكون الرحمة المطلوبة لا تحصل إلا بنوع من ألم وشدة تلحق بعض النفوس.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ رد على كل من أبطل بعض اﻷحكام ﻷن فيها قسوة وشدة وغلظة.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ مفهومها: في غير (الحدود) لتأخذكم بالمؤمنين (رأفة).
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ الرأفة هي أرق الرحمة؛ فينبغي ألا توجد في المحاربين.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد؛ فلا يجوز ذلك.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ الزاني يفقد الاحترام والرحمة في المجتمع المسلم.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ ليس في إقامة الحدود شدة أو غلظة، بل فيها الخير الكثير؛ لأنها تردع من تسوِّل له نفسه بالعدوان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» [النسائي 4920، وحسنه الألباني].
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ إذا كان الزاني قد أمر الله بإقامة الحد عليه مع التغليظ مع أنه قد يكون قد تاب توبة صادقة ؛ كماعز والغامدية رضي الله عنهما، فكيف بمن شتم الله ورسوله؟ فمن تمام (الرحمة) بالأمة جمعاء إقامة حد الردة عليه دون رأفة في دين الله، حتى لا يسلك سبيله أحد.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِﱠ﴾ العواطف جانبًا أمام أحكام الله.
وقفة
[2] ﴿وَلا تَأخُذكُم بِهِما رَأفَةٌ في دينِ اللَّه﴾ التغاضى عن تنفيذ العقوبة قد يفتح بابًا للتساهل.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ نهانا هنا عن (اللين)، فقه التيسير هو الوقوف عند أحكام (العليم القدير).
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ نهى عن التهاون في إقامة العقوبات عمومًا، والفواحش خصوصًا؛ لأن مبناها على المحبة والشهوة؛ فيزين الشيطان انعطاف القلوب على أهلها، حتى يدخل كثير من الناس في الدياثة وقلة الغيرة، وربما ظن أن هذا رحمة ولين جانب، وإنما ذلك مهانة وضعف إيمان، وإعانة على الإثم والعدوان، وترك للتناهي عن الفحشاء والمنكر.
وقفة
[2] ﴿وَلا تَأخُذكُم بِهِما رَأفَةٌ في دينِ اللَّهِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَليَشهَد عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ﴾ عندما يتواجد الإيمان الصحيح يتواجد العدل ويطبق شرع الله.
وقفة
[2] كل عذاب في القرآن العظيم: فالتعذيب, إلا ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا﴾: فالضرب.
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل: (الفاسقين)؛ لأن حضورهم لا يقع به الزجر عند الزناة بخلاف حضور المؤمنين.
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لعل من حكمة ذلك أن أهل الإيمان لن يخوضوا في عرض من أقيم عليهما الحد.
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ليشتهر، ويحصل بذلك الخزي والارتداع.
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ مُشاهدةُ تنفيذِ أحكامِ اللهِ مِن اﻹيمانِ، فكيف (بتطبيقِها).
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ مشاهدة تنفيذ أحكام الله مقصود شرعي يحدِث أثر الردع في قلوب من شاهده .
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ذكر الله أن عقوبة الرجم لا يشهدها عامة الناس سواء بالحضور أو التصوير.

الإعراب :

  • ﴿ الزّانِيَةُ وَالزّانِي:
  • الزانية: مبتدأ مرفوع بالضمة. والزاني: معطوفة بالواو على الزّانِيَةُ» مرفوعة مثلها بالضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل. وخبر المبتدأ محذوف بتقدير: فيما فرض عليكم الزانية والزاني. أو بمعنى: مما يتلى عليكم حكم. الزانية والزاني. فحذف المبتدأ المضاف «حكم» وحل محله المضاف إليه الزّانِيَةُ» أي جلدهما. وقيل يجوز أن يكون الخبر فَاجْلِدُوا» وانما دخلت الفاء لكون الألف واللام في الزانية والزاني بمعنى «الذي» وتضمينه معنى الشرط‍.تقديره: التي زنت والذي زنى فاجلدوهما كما يقال: من زنى فاجلدوه. كما ورد في الآية الرابعة: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم. هذه بعض وجوه اعرابها ولكن الوجه الأول من الإعراب أصوب.
  • ﴿ فَاجْلِدُوا:
  • الفاء: سببية والجملة بعدها استئنافية لا محل لها. اجلدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ كُلَّ ااحِدٍ مِنْهُما:
  • كل: مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف.واحد: مضاف إليه مجرور بالكسرة. منهما: جار ومجرور. الميم علامة الجمع أو عماد. والألف علامة التثنية لا محل لها. بمعنى: فعاقبوهما بالجلد أي فاضربوهما. والجار والمجرور مِنْهُما» متعلق بصفة محذوفة من كُلَّ».
  • ﴿ مِائَةَ جَلْدَةٍ:
  • مائة: نائبة عن المصدر-المفعول المطلق-لبيان العدد وقد أضيف الى المصدر الحقيقي. جلدة: مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو في الأصل تمييز حقيقي جر هنا لوقوعه بعد مائة.
  • ﴿ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة.تأخذكم: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره. والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. بهما: تعرب اعراب مِنْهُما».رأفة: فاعل مرفوع بالضمة. بمعنى: ولا تأخذكم عليهما رحمة أو شفقة و بِهِما» متعلق بتأخذ.
  • ﴿ فِي دِينِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بتأخذ. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة بمعنى: في سبيل مناصرة دين الله: فحذف المجرور المضاف وحل المضاف إليه محله.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ:
  • إن: حرف شرط‍ جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. وجواب الشرط‍ محذوف لتقدم معناه.تؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة تُؤْمِنُونَ» في محل نصب خبر «كان».
  • ﴿ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بتؤمنون. واليوم:معطوف بالواو على لفظ‍ الجلالة مجرور وعلامة جره الكسرة. الآخر: صفة -نعت-لليوم مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة.
  • ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما:
  • الواو عاطفة. اللام لام الأمر. يشهد: فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه سكون آخره. عذاب: مفعول به مقدم منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة والألف علامة التثنية لا محل لها. بمعنى: وليحضر معاقبتهما.
  • ﴿ طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. من المؤمنين: جار ومجرور وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد أي جماعة من المؤمنين ليتمنعوا بهذه المشاهدة والجار والمجرور مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» متعلق بصفة محذوفة من طائِفَةٌ».'

المتشابهات :

النساء: 59﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا
النور: 2﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [2] لما قبلها :     وبعد بيان وجوب العمل بالأحكام التي وردت في هذه السورة؛ بدأت الأحكامُ هنا بحد الزنا، فالزَّانيةُ والزَّانِي اللذانِ لم يسبقْ لهما الزَّواجُ عقوبةُ كلٍّ منهما مائةُ جَلدَةٍ بالسَّوطِ (وثبتَ في السُّنَّةِ مع هذا الجَلْدِ تغريبُ عامٍ)، قال تعالى:
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الزانية والزاني:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئا:
2- بالنصب، على الاشتغال، أي: واجلدوا، وهى قراءة عيسى الثقفي، ويحيى بن يعمر، وعمرو ابن فائد، وأبى جعفر، وشيبة، وأبى السمال، ورويس.
3- والزان، بغير ياء، وهى قراءة عبد الله.
تأخذكم:
1- بالتاء، لتأنيث «الرأفة» لفظا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة على بن أبى طالب، والسلمى، وابن مقسم، وداود بن أبى هند، عن مجاهد.
رأفة:
1- بسكون الهمزة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة ابن كثير.
3- بألف بعد الهمزة، وهى قراءة ابن جريج.

مدارسة الآية : [3] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً ..

التفسير :

[3] الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى، أما العفيفون والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب،

هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه، ما لا يفعله بقية الذنوب، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء، إلا أنثى زانية، تناسب حاله حالها، أو مشركة بالله، لا تؤمن ببعث ولا جزاء، ولا تلتزم أمر الله، والزانية كذلك، لا ينكحها إلا زان أو مشرك{ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ْ} أي:حرم عليهم أن ينكحوا زانيا، أو ينكحوا زانية.

ومعنى الآية:أن من اتصف بالزنا، من رجل أو امرأة، ولم يتب من ذلك، أن المقدم على نكاحه، مع تحريم الله لذلك، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فذاك لا يكون إلا مشركا، وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه، فإن هذا النكاح زنا، والناكح زان مسافح، فلو كان مؤمنا بالله حقا، لم يقدم على ذلك، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب، فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات والازدواجات، وقد قال تعالى:{ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ْ} أي:قرناءهم، فحرم الله ذلك، لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد، الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها، مما بعضه كاف للتحريموفي هذا دليل أن الزاني ليس مؤمنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "فهو وإن لم يكن مشركا، فلا يطلق عليه اسم المدح، الذي هو الإيمان المطلق.

ثم أضاف- سبحانه- إلى تقبيح أمر الزنا تقبيحا آخر أشد وأخزى فقال: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ...

والظاهر أن المراد بالنكاح هنا: العقد الذي تترتب عليه المعاشرة الزوجية، لأن أكثر ورود لفظ النكاح في القرآن. أن يكون بمعنى العقد، بل قال بعضهم إنه لم يرد إلا بهذا المعنى.

أى: أنه جرت العادة أن الشخص الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة وكذلك المرأة الزانية لا تميل بطبعها إلا إلى الزواج من رجل زان مثلها أو من رجل مشرك وذلك لأن المؤمن بطبعه ينفر من الزواج بالمرأة الزانية، وكذلك المرأة المؤمنة تأنف من الزواج بالرجل الزاني.

فالآية الكريمة تحكى بأسلوب بديع ما تقتضيه طبيعة الناس في التآلف والتزاوج، وتبين أن المشاكلة في الطباع علة للتلاقي، وأن التنافر في الطباع علة للاختلاف.

وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وبدئ هنا بالزاني، لأن الآية مسوقة للحديث عن النكاح، والرجل هو الذي يتولاه، وهو الأصل فيه، لأنه هو الذي يلتمسه عن طريق الخطبة وما يتبعها من خطوات توصله إلى إتمام عقد الزواج، والمرأة- في هذا الباب- تكون في العادة مطلوبة لا طالبة، ومرغوبة لا راغبة.

وجمع- سبحانه- بين رغبة الزاني ورغبة الزانية لتأكيد ما يليق بكليهما من الميل الدنىء.

والطبع الوضيع. والسلوك الخبيث. وأن كل واحد منهما ألعن من صاحبه في ولوج الطريق القبيح.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعود على الزنا. وعلى الزواج من الزواني، لما فيه من التشبيه بالفاسقين، ومن التعرض للعقوبة وسوء السيرة.

أى: وحرم ذلك الذي نهيناكم عنه- وهو الزنا والاقتران بمن يرتكبه- على المؤمنين الأطهار، الذين ينزهون أنفسهم عن الوقوع في السوء والفحشاء.

هذا. وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما رواه الترمذي وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: كان رجل يقال له «مرثد بن أبى مرثد» كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة. قال: وكانت امرأة بغىّ بمكة يقال لها «عناق» وكانت صديقة له- أى في الجاهلية- وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال:

فجاءت «عناق» فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إلى عرفتني، فقالت: مرثد؟

فقلت: مرثد فقالت: مرحبا وأهلا. هلم فبت عندنا الليلة. فقال: فقلت: يا عناق.

حرم الله الزنا. فقالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية ودخلت الخندمة- أى جبل بمكة- فانتهيت إلى غار ... فأعماهم الله- تعالى- عنى. ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته إلى المدينة، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ - مرتين-، فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يرد شيئا حتى نزلت هذه الآية: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

يا مرثد. الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فلا تنكحها.

هذا. ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى:

1- ظاهر قوله- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ..

يفيد أن هذا الجلد لكل من ارتكب هذه الفاحشة سواء أكان محصنا أم غير محصن.

ولكن هذا الظاهر قد فصلته السنة الصحيحة. حيث بينت أن هذا الحد، إنما هو لغير المحصن. أما المحصن- وهو المتزوج أو من سبق له الزواج- فإن حده الرجم حتى يموت.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: «هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد» .

وللعلماء فيه تفصيل ونزاع، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا: وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا: وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل.

فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية. ويزاد على ذلك أن يغرّب عاما عند جمهور العلماء.

وحجتهم في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة، أن أعرابيين أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني كان عسيفا- أى أجيرا- عند هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبرونى أن على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس- وهو رجل من قبيلة أسلم- إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها، فاعترفت فرجمها.

ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلده مائة. إذا كان بكرا لم يتزوج فأما إذا كان محصنا فإنه يرجم.

وثبت في الصحيحين من حديث مالك- مطولا-، أن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قام فخطب الناس فقال: «أيها الناس، إن الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف» .

وقد رجم النبي صلّى الله عليه وسلّم ما عزا والغامدية، إلا أن جمهور الفقهاء يرون أنه يكتفى بالرجم، ولا يجلد قبل الرجم، لأنه لم ينقل عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه جلد أحدا من الزناة المحصنين قبل أن يرجمهم، ومن الفقهاء من يرى أنهم يجلدون ثم يرجمون بعد ذلك وقال بعض العلماء ما ملخصه: اعلم أن رجم الزانيين المحصنين، دلت عليه آيتان من كتاب الله- تعالى-، إحداهما: نسخت تلاوتها وبقي حكمها، والثانية: باقية التلاوة والحكم.

أما التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فهي قوله- تعالى-: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة- وقد ورد ذلك في روايات متعددة- وتدل هذه الروايات على أن الصحابة قرءوها ووعوها. وعقلوها. وأن حكمها باق لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعله، والصحابة فعلوه من بعده.

وأما الآية التي هي باقية التلاوة والحكم، فهي قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ، على القول بأنها نزلت في رجم اليهوديين الزانيين بعد الإحصان، وقد رجمهما النبي صلّى الله عليه وسلّم وقصة رجمه لهما مشهورة، ثابتة في الصحيح. وعليه فقوله: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ أى: عما في التوراة من حكم الرجم، وذم المعرض عن الرجم في هذه الآية.

يدل على أنه ثابت في شرعنا فدلت الآية- على هذا القول- أن الرجم ثابت في شرعنا.

وهي باقية التلاوة ...

2- كذلك أخذ العلماء من قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ...

أنه لا تجوز الشفاعة في الحدود، كما لا يجوز إسقاط الحد لأن في ذلك تعطيلا لتنفيذ شرع الله- تعالى- على الوجه الأكمل.

قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..

أى في طاعته وإقامة حده الذي شرعه. والمراد النهى عن التخفيف في الجلد. بأن يجلدوهما جلدا غير مؤلم، أو بأن يكون أقل من مائة جلدة. أو بإسقاط الحد بشفاعة أو نحوها.

لما صح أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنكر على حبّه أسامة بن زيد حين شفع في فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية، التي سرقت قطيفة أو حليا، وقال له: «يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله- تعالى-، ثم قام صلّى الله عليه وسلّم فخطب فقال: «أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله- تعالى- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .

وكما تحرم الشفاعة، يحرم قبولها، فعن الزبير بن العوام- رضى الله عنه- قال: «إذا بلغ الحد إلى الإمام، فلا عفا الله- تعالى- عنه إن عفا»

3- يرى كثير من الفقهاء أن التحريم في قوله- تعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ للتنزيه، وعبر عنه بلفظ «حرّم» للتغليظ والتنفير من الإقدام على زواج المؤمن من الزانية، أو على زواج المؤمنة من الزاني.

ويرى آخرون أن التحريم على ظاهره، وأنه لا يجوز للمؤمن أن يتزوج بالزانية. وكذلك لا يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالزاني.

وقد فصل القول في هذه المسألة بعض العلماء فقال ما ملخصه: اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف بالزانية ونكاح العفيفة بالزاني.

فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة- أبو حنيفة ومالك والشافعى- إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية.. لأن الله- تعالى- قال: ... وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ .. وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة.

وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: لا يجوز تزويج الزاني العفيفة، ولا عكسه، وهو مذهب الإمام أحمد. وقد روى عن الحسن وقتادة.

ومن أدلتهم الآية التي نحن بصددها، وهي قوله- تعالى-: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً لأنها قد حرمت في نهايتها أن يتزوج التقى بالزانية، أو التقية بالزاني .

وعلى أية حال فالمتدبر في هاتين الآيتين يراهما، تشددان العقوبة على من يرتكب جريمة الزنا، وتنفران من الاقتراب منها وممن يقع فيها أعظم تنفير، لأن الإسلام حرص على أن ينتشر العفاف والطهر بين أفراد المجتمع الإسلامى، وشرع من وسائل الوقاية ما يحمى الأفراد والجماعات من الوقوع في هذه الرذيلة.

وبعد أن نفر- سبحانه- من جريمة الزنا أعظم تنفير، وأمر بتنفيذ عقوبته في مرتكبها بدون رأفة أو تساهل ... أتبع ذلك بتشريعات أخرى من شأنها أن تحمى أعراض الناس وأنفسهم من اعتداء المعتدين، فقال- تعالى-:

هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة . أي : لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة ، لا ترى حرمة ذلك ، وكذلك : ( الزانية لا ينكحها إلا زان ) أي : عاص بزناه ، ( أو مشرك ) لا يعتقد تحريمه .

قال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) قال : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلا زان أو مشرك .

وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد روي عنه من غير وجه أيضا . وقد روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، والضحاك ، ومكحول ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد ، نحو ذلك .

وقوله تعالى : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) أي : تعاطيه والتزويج بالبغايا ، أو تزويج العفائف بالفجار من الرجال .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) قال : حرم الله الزنى على المؤمنين .

وقال قتادة ، ومقاتل بن حيان : حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا ، وتقدم في ذلك فقال : ( وحرم ذلك على المؤمنين )

وهذه الآية كقوله تعالى : ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [ النساء : 25 ] وقوله ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) الآية [ المائدة : 5 ] ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة صحيحة; لقوله تعالى : ( وحرم ذلك على المؤمنين )

وقال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر بن سليمان قال : قال أبي : حدثنا الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، أن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها : " أم مهزول " كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه - قال : فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو : ذكر له أمرها - قال : فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .

وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو قال : كانت امرأة يقال لها : " أم مهزول " وكانت تسافح ، فأراد رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ، فأنزل الله عز وجل : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .

[ و ] قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا روح بن عبادة بن عبيد الله بن الأخنس ، أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له " مرثد بن أبي مرثد " وكان رجلا يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة . قال : وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها " عناق " ، وكانت صديقة له ، وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله . قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، قال : فجاءت " عناق " فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ، فلما انتهت إلي عرفتني ، فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد فقالت : مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة . قال : فقلت يا عناق ، حرم الله الزنى . فقالت يا أهل الخيام ، هذا الرجل يحمل أسراكم . قال : فتبعني ثمانية ودخلت الحندمة فانتهيت إلى غار - أو كهف فدخلت فيه فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا ، فظل بولهم على رأسي ، فأعماهم الله عني - قال : ثم رجعوا ، فرجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه أكبله ، فجعلت أحمله ويعينني ، حتى أتيت به المدينة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ - مرتين - فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد علي شيئا ، حتى نزلت ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا مرثد ، ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة [ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ] ) فلا تنكحها " ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقد رواه أبو داود والنسائي ، في كتاب النكاح من سننهما من حديث عبيد الله بن الأخنس ، به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مسدد أبو الحسن ، حدثنا عبد الوارث ، عن حبيب المعلم ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " .

وهكذا أخرجه أبو داود في سننه ، عن مسدد وأبي معمر - عبد الله بن عمرو - كلاهما ، عن عبد الوارث ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن أخيه عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار - مولى ابن عمر - قال : أشهد لسمعت سالما يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يدخلون الجنة ، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث . وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان بما أعطى " .

ورواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يزيد بن زريع ، عن عمر بن محمد العمري ، عن عبد الله بن يسار ، به .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن قطن بن وهب ، عن عويمر بن الأجدع ، عمن حدثه ، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : حدثني عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث الذي يقر في أهله الخبث " .

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا شعبة ، حدثني رجل - من آل سهل بن حنيف - ، عن محمد بن عمار ، عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة ديوث " .

يستشهد به لما قبله من الأحاديث .

وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سلام بن سوار ، حدثنا كثير بن سليم ، عن الضحاك بن مزاحم : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول ] " من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا ، فليتزوج الحرائر " .

في إسناده ضعف .

قال الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في كتاب " الصحاح في اللغة : " الديوث القنذع وهو الذي لا غيرة له .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب " النكاح " من سننه : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن علية ، عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة وغيره ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير - وعبد الكريم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس - عبد الكريم رفعه إلى ابن عباس ، وهارون لم يرفعه - قالا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة [ هي ] من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس قال : " طلقها " . قال : لا صبر لي عنها قال : " استمتع بها " ، ثم قال النسائي : هذا الحديث غير ثابت ، وعبد الكريم ليس بالقوي ، وهارون أثبت منه ، وقد أرسل الحديث وهو ثقة ، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم . .

قلت : وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ، وقد خالفه هارون بن رئاب ، وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي . لكن قد رواه النسائي في كتاب " الطلاق " ، عن إسحاق بن راهويه ، عن النضر بن شميل عن حماد بن سلمة ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس مسندا ، فذكره بهذا الإسناد ، رجاله على شرط مسلم ، إلا أن النسائي بعد روايته له قال : " وهذا خطأ ، والصواب مرسل " ورواه غير النضر على الصواب .

وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود ، عن الحسين بن حريث ، أخبرنا الفضل بن موسى ، أخبرنا الحسين بن واقد ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وهذا إسناد جيد .

وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعف له ، كما تقدم ، عن النسائي ، وكما قال الإمام أحمد : هو حديث منكر .

وقال ابن قتيبة : إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا . وحكاه النسائي في سننه ، عن بعضهم فقال : وقيل : " سخية تعطي " ، ورد هذا بأنه لو كان المراد لقال : لا ترد يد ملتمس .

وقيل : المراد أن سجيتها لا ترد يد لامس ، لا أن المراد أن هذا واقع منها ، وأنها تفعل الفاحشة; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها . فإن زوجها - والحالة هذه - يكون ديوثا ، وقد تقدم الوعيد على ذلك . ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد ، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها . فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها; لأن محبته لها محققة ، ووقوع الفاحشة منها متوهم فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

قالوا : فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ، كما قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم رحمه الله :

حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن ابن أبي ذئب ، قال : سمعت [ شعبة ] - مولى ابن عباس ، رضي الله عنه - قال : سمعت ابن عباس وسأله رجل قال : إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حرم الله عز وجل علي ، فرزق الله عز وجل من ذلك توبة ، فأردت أن أتزوجها ، فقال أناس : إن الزاني لا ينكح إلا زانية . فقال ابن عباس : ليس هذا في هذا ، انكحها فما كان من إثم فعلي .

وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب . قال : ذكر عنده ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) قال : كان يقال : نسختها [ الآية ] التي بعدها : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) [ النور : 32 ] قال : كان يقال الأيامى من المسلمين .

وهكذا رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الناسخ والمنسوخ " له ، عن سعيد بن المسيب . ونص على ذلك أيضا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: نـزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كنّ معروفات بالزنا من أهل الشرك، وكن أصحاب رايات ، يكرين أنفسهنّ، فأنـزل الله تحريمهن على المؤمنين، فقال: الزاني من المؤمنين لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، لأنهن كذلك; والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان من المؤمنين أو المشركين أو مشرك مثلها، لأنهن كن مشركات.

( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فحرم الله نكاحهن في قول أهل هذه المقالة بهذه الآية.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثني الحضرمي، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمرو: أن رجلا من المسلمين استأذن نبي الله في امرأة يقال لها أم مهزول، كانت تسافح الرجل وتشترط له أن تنفق عليه، وأنه استأذن فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر له أمرها، قال: فقرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم: ( وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) أو قال: فأنـزلت ( الزَّانِيَةُ ).

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني هشيم، عن التيمي، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمرو في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: كنّ نساء معلومات، قال: فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهاهم الله عن ذلك.

قال: أخبرنا سليمان التيمي، عن سعيد بن المسيب، قال: كنّ نساء موارد بالمدينة.

حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية: ( وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: نـزلت في نساء موارد كنّ بالمدينة.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: ثنا معتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن سعيد، بنحوه.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن رجل، عن عمرو بن سعيد قال: كان لمرثد صديقة في الجاهلية يقال لها عناق، وكان رجلا شديدا، وكان يقال له دلدل، وكان يأتي مكة فيحمل ضعفة المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقي صديقته، فدعته إلى نفسها، فقال: إن الله قد حرّم الزنا، فقالت: أنَّى تبرز، فخشي أن تشيع عليه، فرجع إلى المدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كانت لي صديقة في الجاهلية، فهل ترى لي نكاحها؟ قال: فأنـزل الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: كنّ نساء معلومات يدعون: القيلقيات. (1)

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت مجاهدا يقول في هذه الآية: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: كن بغايا في الجاهلية.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن عبد الملك، عمن أخبره، عن مجاهد، نحوا من حديث ابن المثنى، إلا أنه قال: كانت امرأة منهنّ يقال لها: أمّ مهزول; يعني في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: فكنّ نساء معلومات، قال: فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوّج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهاهم الله عن ذلك. هذا في حديث التيمي.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً ) قال: رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زوانٍ بغايا متعالمات، كنّ في الجاهلية، فقيل لهم هذا حرام، فأرادوا نكاحهن، فحرّم الله عليهم نكاحهن.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: بغايا معلنات، كنّ كذلك في الجاهلية.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي وابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس، قال: كنّ بغايا في الجاهلية، على أبوابهنّ رايات مثل رايات البيطار يعرفن بها.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: نساء بغايا متعالمات، حرّم الله نكاحهن، لا ينكحهنّ إلا زان من المؤمنين، أو مشرك من المشركين.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قال: كانت بيوت تسمى المَواخير في الجاهلية، وكانوا يؤاجرون فيها فتياتهن، وكانت بيوتا معلومة للزنا، لا يدخل عليهنّ ولا يأتيهنّ إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان، فحرّم الله ذلك على المؤمنين.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: بغايا متعالمات كن في الجاهلية، بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان، فأنـزل الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فحكم الله بذلك من أمر الجاهلية على الإسلام. فقال له سليمان بن موسى: أبلغك ذلك عن ابن عباس؟ فقال: نعم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول في ذلك: كن بغايا متعالمات، بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان، وكنّ زواني مشركات، فقال: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قال: أحكم الله من أمر الجاهلية بهذا. قيل له: أبلغك هذا عن ابن عباس؟ قال: نعم.

قال ابن جريج: وقال عكرمة: إنه كان يسمِّي تسعا بعد صواحب الرايات، وكنّ أكثر من ذلك، ولكن هؤلاء أصحاب الرايات: أمّ مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، وأم عُلِيط جارية صفوان بن أمية، وحنة القبطية جارية العاصي بن وائل، ومَرِية جارية مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وحلالة جارية سهيل بن عمرو، وأمّ سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي، وسريفة جارية زمعة بن الأسود، وفرسة جارية هشام بن ربيعة بن حبيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عامر بن لُؤَيّ، وقريبا جارية هلال بن أنس بن جابر بن نمر بن غالب بن فهر.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وقال الزهري وقتادة، قالوا: كان في الجاهلية بغايا معلوم ذلك منهنّ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهنّ، فأنـزل الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )... الآية.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وقاله الزهريّ وقَتادة، قالوا: كانوا في الجاهلية بغايا، ثم ذكر نحوه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن القاسم بن أبي بَزّة: كان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية التي قد علم ذلك منها يتخذها مأكلة، فأراد ناس من المسلمين نكاحهنّ على تلك الجهة، فنهوا عن ذلك.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، قال: قال القاسم بن أبي بزّة، فذكر نحوه.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا سليمان التيميّ، عن سعيد بن المسيب ، قال: كنّ نساء مَواردَ بالمدينة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جُبير: أن نساء في الجاهلية كنّ يؤاجرن أنفسهنّ، وكان الرجل إنما ينكح إحداهنّ يريد أن يصيب منها عَرَضا، فنهوا عن ذلك، ونـزل: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) ومنهنّ امرأة يقال لها :أمّ مهزول.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن الشعبيّ، في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: كنّ نساء يكْرِين أنفسهن في الجاهلية.

وقال آخرون: معنى ذلك: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك. قالوا: ومعنى النكاح في هذا الموضع: الجماع.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن حُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: لا يزني إلا بزانية أو مشركة.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يَعْلَى بن مسلم، عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الآية: ( وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: لا يزني الزاني إلا بزانية مثله أو مشركة.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن شُبْرُمة، عن سعيد بن جُبير وعكرمة في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قالا هو الوطء.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد، عن معمر، قال: قال سعيد بن جُبير ومجاهد: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قالا هو الوطء.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم وشعبة، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قالا لا يزني الزاني حين يزني إلا بزانية مثله أو مشركة، ولا تزني مشركة إلا بمثلها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: هؤلاء بغايا كنّ في الجاهلية، والنكاح في كتاب الله الإصابة، لا يصيبها إلا زان أو مشرك، لا يحرم الزنا، ولا تصيب هي إلا مثلها.

قال: وكان ابن عباس يقول: بغايا كنّ في الجاهلية.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير، قال: إذا زنى بها فهو زان.

حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله أو مشركة، قال: والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة. ثم قال: ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ).

وقال آخرون: كان هذا حكم الله في كلّ زان وزانية، حتى نسخه بقوله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ ، فأحل نكاح كلّ مسلمة وإنكاح كل مسلم.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قال: يرون الآية التي بعدها نسختها: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ قال: فهن من أيامى المسلمين.

حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: نسختها التي بعدها: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وقال: إنهن من أيامى المسلمين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: وذكر عن يحيى، عن ابن المسيب، قال: نسختها: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ .

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: نسختها قوله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى .

حدثني يونس، قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن يحيى، قال: ذكر عند سعيد بن المسيب: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: فسمعته يقول: إنها قد نسختها التي بعدها، ثم قرأها سعيد، قال: يقول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) ثم يقول الله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ فهنّ من أيامى المسلمين.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عنى بالنكاح في هذا الموضع الوطء، وأن الآية نـزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات; وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أنه لم يُعْن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة، وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحلّ الزنا أو بمشركة تستحله.

وقوله: ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: وحرّم الزنا على المؤمنين بالله ورسوله، وذلك هو النكاح الذي قال جلّ ثناؤه: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً )

------------------------

الهوامش:

(1) كذا جاءت هذه الكلمة في الأصول . ولعل أصلها : القلقيات ، نسبة إلى القلق ، وهو ضرب من القلائد المنظومة باللؤلؤ ، كن يلبسنه يستهوين به الرجال . أو نسبة إلى القلق ، لكثرة اضطرابهن وتحركهن . ( انظر التاج : قلق )

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[3] ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ ما انتشر الشرك في بيئة إﻻ وظهر الزنا، فالتوحيد مطهرة للأعراض.
وقفة
[3] ليس شيئ من الذنوب أشنع في تدنيس سمعة صاحبه مثل الزنا -عياذًا بالله- تأمل: ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ لأن سمعته مدنسة.
وقفة
[3] ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ هذا يماثل المثل القائل: «الطيور على أشكالها تقع».
وقفة
[3] ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ الحصار الاجتماعي على الزناة وسيلة لتحصين المجتمع منهم، ووسيلة لردعهم عن الزنى.
وقفة
[3] ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه وعرض من قارنه ومازجه ما لا تفعله بقية الذنوب.
وقفة
[3] اقتران وصف الزاني والزانية بالمشرك والمشركة في النكاح فيه تنفير شديد من الزنا ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
عمل
[3] اكتب مقالة، أو أرسل رسالة عن خطر الزنا على الفرد والمجتمع ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
عمل
[3] بَيِّن بمقالة أو رسالة أضرار منهج النفاق الذي يدعو -عبر الإعلام- إلى نزع حجاب المرأة، واختلاط النساء بالرجال، واتخاذ الصداقات المحرمة عوضًا عن الزواج ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[3] ﴿وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ طلب مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ من النبيﷺ أن يتزوج امرأة اسمها عَنَاق، فهو ما زال يحبها وهي بغي، كان يأتيها في الجاهلية، ما زالت على فجورها وجاهليتها، فنزلت هذه الآية.

الإعراب :

  • ﴿ الزّانِي لا يَنْكِحُ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. لا: نافية لا عمل لها. ينكح: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة لا يَنْكِحُ» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً:
  • الاّ: أداة حصر لا عمل لها. زانية: مفعول به منصوب بالفتحة. أو: حرف عطف للتخيير. مشركة: معطوفة على زانِيَةً» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة
  • ﴿ وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها. و «ها» ضمير متصل-ضمير الغائبة-في محل نصب مفعول به مقدم. وعلامة رفع زانٍ» الضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة لأنه اسم منقوص نكرة.
  • ﴿ وَحُرِّمَ ذلِكَ:
  • الواو استئنافية. حرم: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل. اللام للبعد والكاف للخطاب. أي ذلك النكاح من زان أو زانية.
  • ﴿ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بحرم وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة وعليه أن يتصون عنها.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿الزّانِي لا يَنكِحُ إلّا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: قَدِمَ المُهاجِرُونَ المَدِينَةَ وفِيهِمْ فُقَراءُ لَيْسَتْ لَهم أمْوالٌ، وبِالمَدِينَةِ نِساءٌ بَغايا مُسافِحاتٌ يُكْرِينَ أنْفُسَهُنَّ، وهُنَّ يَوْمَئِذٍ أخْصَبُ أهْلِ المَدِينَةِ، فَرَغِبَ في كَسْبِهِنَّ ناسٌ مِن فُقَراءِ المُهاجِرِينَ، فَقالُوا: لَوْ أنّا تَزَوَّجْنا مِنهُنَّ، فِعِشْنِا مَعَهُنَّ إلى أنْ يُغْنِيَنا اللَّهُ تَعالى عَنْهُنَّ. واسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وحُرِّمَ فِيها نِكاحُ الزّانِيَةِ صِيانَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ.وقالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتِ الآيَةُ في نِساءٍ بَغايا مُتَعالِناتٍ بِمَكَّةَ والمَدِينَةِ، وكُنَّ كَثِيراتٍ، ومِنهُنَّ تِسْعُ صَواحِبِ راياتٍ، لَهُنَّ راياتٌ كَراياتِ البَيْطارِ يُعْرَفْنَ بِها: أُمُّ مَهْزُولٍ جارِيَةُ السّائِبِ بْنِ أبِي السّائِبِ المَخْزُومِيِّ، وأُمُّ عِلْيَطٍ جارِيَةُ صَفْوانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وحَنَّةُ القِبْطِيَّةُ جارِيَةُ العاصِ بْنِ وائِلٍ، ومزنةُ جارِيَةُ ابْنِ مالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السَّبّاقِ، وجلالةُ جارِيَةُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وأُمُّ سُوَيْدٍ جارِيَةُ عَمْرِو بْنِ عُثْمانَ المَخْزُومِيِّ، وشريفةُ جارِيَةُ زَمْعَةَ بْنِ الأسْوَدِ، وفرسةُ جارِيَةُ هِشامِ بْنِ رَبِيعَةَ، وفَرْتَنا جارِيَةُ هِلالِ بْنِ أنَسٍ، وكانَتْ بُيُوتُهُنَّ تُسَمّى المَواخِيرَ في الجاهِلِيَّةِ، لا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ ولا يَأْتِيهِنَّ إلّا زانٍ مِن أهْلِ القِبْلَةِ، أوْ مُشْرِكٌ مِن أهْلِ الأوْثانِ، فَأرادَ ناسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ نِكاحَهُنَّ لِيَتَّخِذُوهُنَّ مَأْكَلَةً، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، ونَهى المُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ، وحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ.أخْبَرَنا أبُو صالِحٍ مَنصُورُ بْنُ عَبْدِ الوَهّابِ البَزّازُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدانَ، قالَ: أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الجَبّارِ، قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قالَ: حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ الحَضْرَمِيِّ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أنَّ امْرَأةً كانَ يُقالُ لَها: أُمُّ مَهْزُولٍ، كانَتْ تُسافِحُ، وكانَتْ تَشْتَرِطُ لِلَّذِي يَتَزَوَّجُها أنْ تَكْفِيَهُ النَّفَقَةَ، وأنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ أرادَ أنْ يَتَزَوَّجَها، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿والزّانِيَةُ لا يَنكِحُها إلّا زانٍ أوْ مُشْرِكٌ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [3] لما قبلها :     وبعد بيان حد الزنا؛ جاء هنا تحريمُ نكاحِ الزَّانيةِ وإنكاحِ الزَّانِي، قال تعالى:
﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وحرم:
1- مشددا، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للفاعل، أي الله، وهى قراءة أبى البرهسم.
3- بضم الراء وفتح الحاء، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [4] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ ..

التفسير :

[4] والذين يتهمون بالفاحشة أنفساً عفيفة من النساء والرجال مِن دون أن يشهد معهم أربعة شهود عدول، فاجلدوهم بالسوط ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الخارجون عن طاعة الله.

لما عظم تعالى أمر الزانيبوجوب جلده، وكذا رجمه إن كان محصنا، وأنه لا تجوز مقارنته، ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر، بين تعالى تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ْ} أي:النساء الأحرار العفائف، وكذاك الرجال، لا فرق بين الأمرين، والمراد بالرمي الرمي بالزنا، بدليل السياق،{ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ْ} على ما رموا به{ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ْ} أي:رجال عدول، يشهدون بذلك صريحا،{ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ْ} بسوط متوسط، يؤلم فيه، ولا يبالغ بذلك حتى يتلفه، لأن القصد التأديب لا الإتلاف، وفي هذا تقدير حد القذف، ولكن بشرط أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا، وأما قذف غير المحصن، فإنه يوجب التعزير.

{ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ْ} أي:لهم عقوبة أخرى، وهو أن شهادة القاذف غير مقبولة، ولو حد على القذف، حتى يتوب كما يأتي،{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ْ} أي:الخارجون عن طاعة الله، الذين قد كثر شرهم، وذلك لانتهاك ما حرم الله، وانتهاك عرض أخيه، وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به، وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان، ومحبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وهذا دليل على أن القذف من كبائر الذنوب.

وبعد أن نفر - سبحانه - من جريمة الزنا أعظم تنفير ، وأمر بتنفيذ عقوبته فى مرتكبها بدون رأفة أو تساهل . . . أتبع ذلك بتشريعات أخرى من شأنها أن تحمى أعراض الناس وأنفسهم من اعتداء المعتدين ، فقال - تعالى - : ( والذين يَرْمُونَ . . . ) .

قوله - تعالى - ( يَرْمُونَ ) من الرمى ، وأصله القذف بشىء صلب أو ما يشبهه تقول : رمى فلان فلانا بحجر . إذا قذفه به . والمراد به هنا : الشتم والقذف بفاحشة الزنا ، أو ما يستلزمه كالطعن فى النسب .

قال الإمام الرازى : وقد أجمع العلماء على أن المراد هنا : الرمى بالزنا .

وفى الآية أقوال تدل عليه . أحدها : تقدم ذكر الزنا . وثانيها : أنه - تعالى - ذكر المحصنات ، وهن العفائف ، فدل ذلك على أن المراد بالرمى رميهن بضد العفاف ، وثالثها : قوله ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ) يعنى على صحة ما رموهن به ، ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا بالزنا ، ورابعها : انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمى بغير الزنا . فوجب أن يكون المراد هنا هو الرمى بالزنا . . . " .

و " المحصنات " جمع محصنة ، والإحصان فى اللغة بمعنى المنع ، هذه درع حصينة ، أى : مانعة صاحبها من الجراحة . ويقال هذا موضع حصين ، أى : مانع من يريده بسوء .

والمراد بالمحصنات هنا : النساء العفيفات البعيدات عن كل ريبة وفاحشة .

وسميت المرأة العفيفة بذلك . لأنها تمنع نفسها من كل سوء .

قالوا : ويطلق الإحصان على المرأة والرجل ، إذا توفرت فيهما صفات العفاف . والإسلام ، والحرية ، والزواج .

وأنما خص - سبحانه - النساء بالذكر هنا : لأن قذفهن أشنع ، والعار الذى يلحقهن بسبب ذلك أشد ، وإلا فالرجال والنساء فى هذه الأحكام سواء .

وقوله - تعالى - : ( والذين يَرْمُونَ المحصنات . . . ) مبتدأ ، أخبر عنه بعد ذلك بثلاث جمل ، وهى قوله : " فاجلدوهم . . . ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ، وأولئك هم الفاسقون " .

والمعنى أن الذين يرمون النساء العفيفات بالفاحشة ، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يشهدون لهم على صحة ما قذفوهن به ، فاجلدوا - أيها الحكام - هؤلاء القاذفين ثمانين جلدة ، عقابا لهم على ما تفوهوا به من سوء فى حق هؤلاء المحصنات ، ولا تقبلوا لهؤلاء الفاسفين شهادة أبدا بسبب إلصاقهم التهم الكاذبة بمن هو برىء منها . وأولئك هم الفاسقون . أى : الخارجون على أحكام شريعة الله - تعالى - وعلى آدابها السامية .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد عاقب هؤلاء القاذفين للمحصنات بثلاث عقوبات .

أولاها : حسية ، وتتمثل فى جلدهم ثمانين جلدة ، وهى عقوبة قريبة من عقوبة الزنا .

وثانيتها : معنوية ، وتتمثل فى عدم قبول شهادتهم ، بأن تهدر أقوالهم ، ويصيرون فى المجتمع أشبه ما يكونون بالمنبوذين ، الذين إن قالوا لا يصدق الناس أقوالهم ، وإن شهدوا لا تقبل شهادتهم ، لأنهم انسخلت عنهم صفة الثقة من الناس فيهم .

وثالثتها : دينية ، وتتمثل فى وصف الله - تعالى - لهم بالفسق . أى : بالخروج عن طاعته - سبحانه - وعن آداب دينه وشريعته .

وما عاقب الله - تعالى - هؤلاء القاذفين فى أعراض الناس ، بتلك العقوبات الرادعة ، إلا لحكم من أهمها : حماية أعراض المسلمين من ألسنة السوء ، وصيانتهم من لك ما يخدش كرامتهم ، ويجرح عفافهم .

وأقسى شىء على النفوس الحرة الشريفة الطاهرة ، أن تلصق بهم التهم الباطلة . وعلى رأس الرذائل التى تؤدى إلى فساد المجتمع ، ترك ألسنة السوء تنهش أعراض الشرفاء ، دون أن تجد هذه الألسنة من يخرسها أو يردعها .

هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ، وهي الحرة البالغة العفيفة ، فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، ليس في هذا نزاع بين العلماء . فأما إن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله ، رد عنه الحد; ولهذا قال تعالى : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) ، فأوجب على القاذف إذا لم يقم بينة على صحة ما قاله ثلاثة أحكام :

أحدها : أن يجلد ثمانين جلدة .

الثاني : أنه ترد شهادته دائما .

الثالث : أن يكون فاسقا ليس بعدل ، لا عند الله ولا عند الناس .

يقول تعالى ذكره: والذين يَشْتمون العفائف من حرائر المسلمين، فيرمونهنّ بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون، عليهنّ أنهنّ رأوهن يفعلن ذلك، فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها.

وذُكر أن هذه الآية إنما نـزلت في الذين رموا عائشة، زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم بما رموها به من الإفك.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو السائب وإبراهيم بن سعيد، قالا ثنا ابن فضيل، عن خصيف، قال: قلت لسعيد بن جُبير: الزنا أشدّ، أو قذف المحصنة؟ قال: لا بل الزنا. قلت: إن الله يقول: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ) قال: إنما هذا في حديث عائشة خاصة.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)... الآية في نساء المسلمين.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) قال: الكاذبون.

التدبر :

وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ فيها تحريم القذف، وأنه فسق، وأن القاذف لا تقبل شهادته، وأنه يجلد ثمانين جلدة إذا قذف محصنة عفيفة, وفيه أن الزنا لا يقبل فيه إلا أربعة رجال لا أقل ولا نساء.
عمل
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ هل أنت من الذين يقعُون في أعراضِ المسلمين؟
وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ الرمي بالأقوال لا يقل خطرًا عن رمي السهام. جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا الْتِئَامُ ... وَلَا يَلْتَأمُ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ
وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ أحصَنَت نفسَهَا فتولَّى اللهُ أمرَهَا وعاقبَ عدوَّها.
وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ تنويع عقوبة القاذف إلى عقوبة مادية (الحد)، ومعنوية (رد شهادته، والحكم عليه بالفسق) دليل على خطورة هذا الفعل.
وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ لا يثبت الزنى إلا ببينة، وادعاؤه دونها قذف.
وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ شروط شديدة وضعها الشارع حفاظًا على الأعراض وصونًا للأبرياء من الافتراء: أربعة شهود من الرجال، ولا تقبل شهادة النساء مطلقًا، لا وحدهن ولا مع الرجال، واشترط في الشهادة الرؤيا التامة لفعل الفاحشة (کما يغيب المرود من المكحلة، والحبل في البئر).
وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ عاقب الله من قذف محصنة بثلاث عقوبات حسية ومعنوية ودينية، فالحسية: جلد ثمانين جلدة، والمعنوية عدم قبول شهادته ليكون في المجتمع كالمنبوذ والدينية وصف الله له بالفسق، وسر تغليظ عقوبة القذف حماية أعراض المسلمين من ألسنة السوء.
عمل
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ تجنبْ الكلام في أعراض الناس.
عمل
[4] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ألق كلمة عن خطر الخوض في أعراض الناس.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. والجملة الشرطية في محل رفع خبر المبتدأ لأنه مضمن معنى الشرط‍.يرمون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون في محل جزم فعل الشرط‍ والواو ضمير متصل في محل رفع فاعله والجملة الفعلية يَرْمُونَ» صلة الموصول لا محل لها. المحصنات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. والمعنى: والذين يقذفون بالزنا النساء العفيفات اللاتي أحصنهم الزواج. وقد حذف المفعول «النساء» وحل محله النعت الْمُحْصَناتِ».
  • ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا:
  • ثم: حرف عطف. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يأتوا:فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بمعنى: ثم يعجزون عن الإتيان.
  • ﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ:
  • جار ومجرور متعلق بيأتوا. شهداء: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف -التنوين-على وزن-فعلاء-بمعنى يشهدون على ادعائهم.
  • ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم-مضمن-في محل جزم لأنه مقترن بالفاء. الفاء: رابطة لجواب الشرط‍. اجلدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. بمعنى فاضربوهم أو فعاقبوهم بالجلد.
  • ﴿ ثَمانِينَ جَلْدَةً:
  • مفعول مطلق-عدد-ناب عن المصدر منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. والنون عوض من تنوين المفرد. جلدة: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ:
  • الواو: عاطفة، لا ناهية جازمة. تقبلوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. لهم: اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. بمعنى: فلا تقبلوا منهم بعد ذلك والجار والمجرور متعلق بتقبلوا.
  • ﴿ شَهادَةً أَبَداً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. ابدا: ظرف زمان يدل على الاستمرار والتاكيد للمستقبل متعلق بتقبلوا.
  • ﴿ وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ:
  • الواو استئنافية. والجملة الاسمية بعدها:استئنافية لا محل لها. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. هم: مبتدأ ثان ضمير منفصل في محل رفع. الفاسقون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. والجملة الاسمية هُمُ الْفاسِقُونَ» في محل رفع خبر أُولئِكَ» ويجوز أن تكون «هم» ضمير فصل أو عماد لا محل له. و الْفاسِقُونَ» خبر أُولئِكَ» والوجه الأول أصوب خشية التباس اعراب الْفاسِقُونَ» بدلا من اسم الاشارة لأنها معرفة بالألف واللام. والكاف حرف خطاب.'

المتشابهات :

آل عمران: 82﴿فَمَن تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
المائدة: 47﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
النور: 4﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
النور: 55﴿وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَـ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
الحشر: 19﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [4] لما قبلها :     وبعدَ بيانِ حكمِ من فَعَلَ الزِّنا؛ بَيَّنَ اللهُ هنا حُكْمَ من رمى غيرَه بالزِّنا (القَذْفِ): يُجْلدُ ثمانينَ جلدةً، وتُرَدُّ شهادتُه، ويُصيَّر فاسقًا ما لم يتبْ، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أربعة شهداء:
1- بالإضافة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بأربعة، بالتنوين، وهى قراءة أبى زرعة، وعبد الله بن مسلم.

مدارسة الآية : [5] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ..

التفسير :

[5] لكن مَن تاب ونَدم ورجع عن اتهامه وأصلح عمله، فإن الله يغفر ذنبه ويرحمه، ويقبل توبته.

وقوله:{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ْ} فالتوبة في هذا الموضع، أن يكذب القاذف نفسه، ويقر أنه كاذب فيما قال، وهو واجب عليه، أن يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه، حيث لم يأت بأربعة شهداء، فإذا تاب القاذف وأصلح عمله وبدل إساءته إحسانا، زال عنه الفسق، وكذلك تقبل شهادته على الصحيح، فإن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا، لمن تاب وأناب، وإنما يجلد القاذف، إذا لم يأت بأربعة شهداء إذا لم يكن زوجا

وقد اتفق الفقهاء على أن الاستثناء فى قوله - تعالى - ( إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ ) يعود على الجملة الأخيرة . بمعنى أن صفة الفسق لا تزول عن هؤلاء القاذفين للمحصنات إلا بعد توبتهم وصلاح حالهم .

أى : وأولئك القاذفون للمحصنات دون أن يأتوا بأربعة شهداء على صحة ما قالوه . هم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله - تعالى - ، إلا الذين تابوا منهم من بعد ذلك توبة صادقة نصوحا ، وأصحلوا أحوالهم وأعمالهم ، فإن الله - تعالى - كفيل بمغفرة ذنوبهم ، وبشمولهم برحمته .

كما اتفقوا - أيضا - على أن هذا الاستثناء لا يعود إلى العقوبة الأولى وهى الجلد ، لأن هذه العقوبة يجب أن تنفذ عليهم ، متى ثبت قذفهم للمحصنات ، حتى ولو تابوا وأصلحوا .

والخلاف إنما هو فى العقوبة الوسطى وهى قبول شهادتهم ، فجمهور الفقهاء يرون صحة عودة الاستثناء عليها بعد التوبة ، فيكون المعنى : إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ، فاقبلوا شهادتهم .

ويرى الإمام أبو حنيفة أن الاستثناء لا يرجع إلى قبول شهادتهم ، وإنما يرجع فقط إلى العقوبة الأخيرة وهى الفسق ، فهم لا تقبل شهادتهم أبدا أى : طول مدة حياتهم ، حتى وإن تابوا وأصلحوا .

وقد فصل القول فى هذه المسألة الإمام القرطبى فقال ما ملخصه : " تضمنت الآية ثلاثة أحكام فى القاذف : جلده ، ورد شهادته أبدا ، وفسقه .

فالاستثناء غير عامل فى جلده وإن تاب - أى أنه يجلد حتى ولو تاب .

وعامل فى فسقه بإجماع . أى : أن صفة الفسق تزول عنه بعد ثبوت توبته .

واختلف الناس فى عمله فى رد الشهادة . فقال أبو حنيفة وغيره : " لا يعمل الاستثناء فى رد شهادته . وإنما يزول فسقه عند الله - تعالى - . وأما شهادة القاذف فلا تقبل ألبتة . ولو تاب وأكذب نفسه ، ولا بحال من الأحوال .

وقال الجمهور : الاستثناء عامل فى رد الشهادة ، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ، وإنما كان ردها لعلة الفسق ، فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا ، قبل الحد وبعده . وهو قول عامة الفقهاء .

ثم اختلفوا فى صورة توبته ، فمذهب عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - والشعبى وغيره : أن توبته لا تكون - مقبولة - إلا إذا كذب نفسه فى ذلك القذف الذى حد فيه .

وقالت فرقة منها مالك وغيره : توبته أن يصلح ويحسن حاله ، وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب ، وحسبه الندم على قذفه ، والاستغفار منه ، وترك العود إلى مثله " .

ويبدو لنا أن ما أفتى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو الأولى بالقبول ، لأن اعتراف القاذف بكذبه ، فيه محو لآثار هذا القذف ، وفيه تبرئة صريحة للمقذوف ، وهذه التبرئة تزيده انشراحا وسرورا ، وترد إليه اعتباره بين أفراد المجتمع .

كما يبدو لنا أن الأَوْلى فى هذه الحالة أن تقبل شهادة القاذف ، بعد هذه التوبة التى صاحبها اعتراف منه بكذبه فيما قال : لأن إقدامه على تكذيب نفسه قرينة على صدق توبته وصلاح حاله .

وهكذا يحمى الإسلام أعراض أتباعه ، بهذه التشريعات الحكيمة ، التى يؤدى اتباعها إلى السعادة فى الدنيا والآخرة .

ثم قال تعالى : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) ، اختلف العلماء في هذا الاستثناء : هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط فترفع التوبة الفسق فقط ، ويبقى مردود الشهادة دائما وإن تاب ، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة ؟ وأما الجلد فقد ذهب وانقضى ، سواء تاب أو أصر ، ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف - فذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته ، وارتفع عنه حكم الفسق . ونص عليه سعيد بن المسيب - سيد التابعين - وجماعة من السلف أيضا .

وقال الإمام أبو حنيفة : إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط ، فيرتفع الفسق بالتوبة ، ويبقى مردود الشهادة أبدا . وممن ذهب إليه من السلف القاضي - شريح ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال الشعبي والضحاك : لا تقبل شهادته وإن تاب ، إلا أن يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان ، فحينئذ تقبل شهادته ، والله أعلم .

اختلف أهل التأويل في الذي استثني منه قوله: ( إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا ) فقال بعضهم: استثني من قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وقالوا: إذا تاب القاذف قُبلت شهادته وزال عنه اسم الفسق، حُدّ فيه أو لم يحدّ.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن حماد الدّولابي، قال: ثني سفيان، عن الزهري، عن سعيد إن شاء الله، أن عمر قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك، أو رَدَّيْت شهادتك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب ضرب أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كَلَدة حَدّهم. وقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته، فأكذب شبل نفسه ونافع، وأبَى أبو بكرة أن يفعل. قال الزهريّ: هو والله سنة، فاحفظوه.

حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا يزيد بن زُرَيع، قال: ثنا داود، عن الشعبيّ، قال: إذا تاب، يعني: القاذف، ولم يعلم منه إلا خير، جازت شهادته.

حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا داود، عن الشعبي، قال: على الإمام أن يستتيب القاذف بعد الجَلْد، فإن تاب وأونس منه خير جازت شهادته، وإن لم يتب فهو خليع لا تجوز شهادته.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا داود، عن عامر، أنه قال في القاذف: إذا تاب وعلم منه خير، إن شهادته جائزة، وإن لم يتب فهو خليع لا تجوز شهادته، وتوبته إكذابه نفسه.

قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن الشعبيّ، نحوه.

حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، قال في القاذف: إذا تاب وأكذب نفسه، قُبلت شهادته، وإلا كان خليعا لا شهادة له; لأن الله يقول: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ... إلى آخر الآية.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ أنه كان يقول في شهادة القاذف: إذا رجع عن قوله حين يُضرب، أو أكذب نفسه، قُبلت شهادته.

قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أنه كان يقول: يقبل الله توبته، وتردّون شهادته؛ وكان يقبل شهادته إذا تاب.

قال: أخبرنا إسماعيل عن الشعبيّ أنه كان يقول في القاذف: إذا شهد قبل أن يُضرب الحدّ، قُبلت شهادته.

قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبيدة، عن إبراهيم وإسماعيل بن سالم، عن الشعبي، أنهما قالا في القاذف: إذا شهد قبل أن يُجلد فشهادته جائزة.

حدثني يعقوب، قال: قال أبو بشر، يعني ابن عُلَية، سمعت ابن أبي نجيح يقول: القاذف إذا تاب تجوز شهادته، وقال: كنا نقوله. فقيل له: من؟ قال: قال عطاء وطاووس ومجاهد.

حدثنا ابن بشار، وابن المثنى، قالا ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قَتادة، عن عمر بن طلحة، عن عبد الله، قال: إذا تاب القاذف جلد، وجازت شهادته. قال أبو موسى: هكذا قال ابن أبي عَثْمة.

حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا ابن أبي عَثْمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قَتَادة، عن سليمان بن يسار والشعبي قالا إذا تاب القاذف عند الجلد جازت شهادته.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة أن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة جلد رجلا في قذف، فقال: أكذب نفسك حتى تجوز شهادتك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي الهيثم، قال: سمعت إبراهيم والشعبيّ يتذاكران شهادة القاذف، فقال الشعبيّ لإبراهيم: لم لا تقبل شهادته؟ فقال: لأني لا أدري تاب أم لا.

قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن مسروق، قال: تُقبل شهادته إذا تاب.

قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن يعقوب بن القعقاع، عن محمد بن زيد، عن سعيد بن جبير، مثله.

قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن جُرَيج، عن عمران بن موسى، قال: شهدت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: قال الشعبيّ: إذا تاب جازت شهادته، قال ابن المثنى. قال: عندي، يعني في القذف.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا مسعر، عن عمران بن عمير: أن عبد الله بن عتبة كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب.

حدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: إذا تاب وأصلح قبلت شهادته، يعني القاذف.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة، عن ابن المسيب، قال: تقبل شهادة القاذف إذا تاب.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن ابن المسيب، مثله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد، عن معمر، قال: قال الزُّهريّ: إذا حدّ القاذف، فإنه ينبغي للإمام أن يستتيبه، فإن تاب قبلت شهادته، وإلا لم تقبل، قال: كذلك فعل عمر بن الخطاب بالذين شهدوا على المغيرة بن شعبة، فتابوا إلا أبا بكرة، فكان لا تقبل شهادته.

وقال آخرون: الاستثناء في ذلك من قوله: وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .

وأما قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا فقد وصل بالأبد ولا يجوز قبولها أبدا.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أشعث بن سوّار، قال: ثني الشعبي، قال: كان شريح يجيز شهادة صاحب كلّ عمل إذا تاب إلا القاذف، فإن توبته فيما بينه وبين ربه، ولا نجيز شهادته.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا أشعث بن سوار، قال: ثنا الشعبيّ، عن شريح بنحوه، غير أنه قال: صاحب كلّ حدّ إذا كان عدلا يوم شهد.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية عن الأعمش. عن إبراهيم، عن شريح، قال: كان لا يجيز شهادة القاذف، ويقول: توبته فيما بينه وبين ربه.

حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، عن مُطَرّف، عن أبي عثمان، عن شريح في القاذف: يقبل الله توبته، ولا أقبل شهادته.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الشعبيّ، قال: أتاه خصمان، فجاء أحدهما بشاهد أقطع، فقال الخصم: ألا ترى ما به؟ قال: قد أراه. قال: فسأل القوم، فأثنوا عليه خيرا، فقال شريح: نجيز شهادة كل صاحب حدّ، إذا كان يوم شهد عدلا إلا القاذف، فإن توبته فيما بينه وبين ربه.

حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الشعبيّ، قال: جاء خصمان إلى شُرَيح، فجاء أحدهما ببينة، فجاء بشاهد أقطع، فقال الخصم: ألا ترى إلى ما به؟ فقال شريح: قد رأيناه، وقد سألنا القوم فأثنوا خيرا، ثم ذكر سائر الحديث، نحو حديث أبي كريب.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الشيبانيّ، عن الشعبيّ، عن شريح أنه كان يقول: لا تُقبل له شهادة أبدا، توبته فيما بينه وبين ربه، يعني القاذف.

قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الأشعث، عن الشعبيّ، بأن ربابا قطع رجلا في قطع الطريق، قال: فقطع يده ورجله. قال: ثم تاب وأصلح، فشهد عند شريح، فأجاز شهادته، قال: فقال المشهود عليه: أتجيز شهادته عليّ وهو أقطع؟ قال: فقال شريح: كل صاحب حدّ إذا أقيم عليه ثم تاب وأصلح؛ فشهادته جائزة إلا القاذف.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني المغيرة: ، قال: سمعت إبراهيم يحدّث عن شريح، قال: قضاء من الله لا تقبل شهادته أبدا، توبته فيما بينه وبين ربه، قال أبو موسى: يعني القاذف.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال شريح: لا يقبل الله شهادته أبدا.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن قَتادة، عن سعيد ابن المسيب، قال: لا تجوز شهادة القاذف، توبته فيما بينه وبين الله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قَتَادة، عن الحسن، أنه قال: القاذف توبته فيما بينه وبين الله، وشهادته لا تُقبل.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: لا تجوز شهادة القاذف، توبته فيما بينه وبين الله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، عن الحسن، أنه قال: القاذف توبته فيما بينه وبين الله، وشهادته لا تُقبل.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أنه قال في الرجل يجلد الحدّ، قال: لا تجوز شهادته أبدا.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان لا يقبل له شهادة أبدا، وتوبته فيما بينه وبين الله، يعني القاذف.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجُوزُ شَهادَةُ مَحْدُودٍ فِي الإسْلامِ".

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا قال: كان يقول: لا تقبل شهادة القاذف أبدا، إنما توبته فيما بينه وبين الله. وكان شريح يقول: لا تقبل شهادته.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ثم قال: فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل.

والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الاستثناء من المعنيين جميعا، أعني من قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ومن قوله: وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن ذلك كذلك، إذا لم يحدّ في القذف حتى تاب، إما بأن يرفع إلى السلطان بعفو المقذوفة عنه، وإما بأن ماتت قبل المطالبة بحدّها، ولم يكن لها طالب يطلب بحدّها، فإذ كان ذلك كذلك وحدثت منه توبة صحت له بها العدالة.

فإذ كان من الجميع إجماعا، ولم يكن الله تعالى ذكره شرط في كتابه أن لا تقبل شهادته أبدا بعد الحدّ في رميه، بل نهى عن قبول شهادته في الحال التي أوجب عليه فيها الحدّ، وسماه فيها فاسقا، كان معلوما بذلك أنّ إقامة الحدّ عليه في رميه، لا تحدث في شهادته مع التوبة من ذنبه، ما لم يكن حادثا فيها قبل إقامته عليه، بل توبته بعد إقامة الحدّ عليه من ذنبه أحرى أن تكون شهادته معها أجوز منها قبل إقامته عليه; لأن الحدّ يزيد المحدود عليه تطهيرًا من جرمه الذي استحقّ عليه الحدّ.

فإن قال قائل: فهل يجوز أن يكون الاستثناء من قوله: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً فتكون التوبة مسقطة عنه الحد، كما كانت لشهادته عندك قبل الحد وبعده مجيزة، ولاسم الفسق عنه مزيلة؟ قيل: ذلك غير جائز عندنا، وذلك أن الحدّ حقّ عندنا للمقذوفة، كالقصاص الذي يجب لها من جناية يجنيها عليها مما فيه القصاص، ولا خلاف بين الجميع أن توبته من ذلك لا تضع عنه الواجب لها من القصاص منه، فكذلك توبته من القذف لا تضع عنه الواجب لها من الحدّ، لأن ذلك حقّ لها، إن شاءت عفته، وإن شاءت طالبت به، فتوبة العبد من ذنبه إنما تضع عن العبد الأسماء الذميمة، والصفات القبيحة، فأما حقوق الآدميين التي أوجبها الله لبعضهم على بعض في كل الأحوال فلا تزول بها ولا تبطل.

واختلف أهل العلم في صفة توبة القاذف التي تقبل معها شهادته، فقال بعضهم: هو إكذابه نفسه فيه. وقد ذكرنا بعض قائلي ذلك فيما مضى قبل، ونحن نذكر بعض ما حضرنا ذكره مما لم نذكره قبل.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن ليث، عن طاووس، قال: توبة القاذف أن يكذّب نفسه.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، قال: رأيت رجلا ضُرب حدّا في قذف بالمدينة، فلما فُرغ من ضربه تناول ثوبه، ثم قال: أستغفر الله وأتوب إليه من قذف المحصنات، قال: فلقيت أبا الزناد، فذكرت ذلك له، قال: فقال: إن الأمر عندنا هاهنا أنه إذا قال ذلك حين يفرغ من ضربه، ولم نعلم منه إلا خيرا قُبلت شهادته.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا ... الآية، قال: من اعترف وأقرّ على نفسه علانية أنه قال البهتان، وتاب إلى الله توبة نصوحا، والنصوح: أن لا يعودوا، وإقراره واعترافه عند الحدّ حين يؤخذ بالجلد، فقد تاب، والله غفور رحيم.

وقال آخرون: توبته من ذلك صلاح حاله، وندمه على ما فرط منه من ذلك، والاستغفار منه، وتركه العود في مثل ذلك من الجرم، وذلك قول جماعة من التابعين وغيرهم، وقد ذكرنا بعض قائليه فيما مضى، وهو قول مالك بن أنس.

وهذا القول أولى القولين في ذلك بالصواب؛ لأن الله تعالى ذكره جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيمان تركه العود منه، والندم على ما سلف منه، واستغفار ربه منه، فيما كان من ذنب بين العبد وبينه، دون ما كان من حقوق عباده ومظالمهم بينهم ، والقاذف إذا أُقيم عليه فيه الحدّ، أو عُفي عنه، فلم يبق عليه إلا توبته من جرمه بينه وبين ربه، فسبيل توبته منه سبيل توبته من سائر أجرامه، فإذا كان الصحيح في ذلك من القول ما وصفنا، فتأويل الكلام: وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من جُرمهم الذي اجترموه بقذفهم المحصنات من بعد اجترامهموه ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: ساتر على ذنوبهم بعفوه لهم عنها، رحيم بهم بعد التوبة أن يعذّبهم عليها، فاقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فسقة، بل سموهم بأسمائهم التي هي لهم في حال توبتهم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[5] رفع الله شأن الزوجة وجعلها أحد أركان البيت، وحرم أن تُمس بكلام يقدح في عفّتها وشرفها، وجعل حد القذف رادعًا للمستهترين بألفاظهم.
وقفة
[5] ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ توبة القاذف لابد أن تكون علانية كما كان قذفه علانية، وذلك تبرئة لعِرض أخيه، فإن من شروط التوبة إذا تعلقت بحق آدمي أن يُردَّ إليه حقه، وهو هنا: تبرئته.
اسقاط
[5] ﴿إِلَّا الَّذينَ تابوا مِن بَعدِ ذلِكَ وَأَصلَحوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ بالطبع لا أبشع من قذف المحصنات، ومع ذلك غفر سبحانه لهم عندما تابوا وأصلحوا، فهل لنا فى ذلك أسوة حسنة؟!

الإعراب :

  • ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ:
  • إلاّ: أداة استثناء. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مستثنى بالاّ من الفاسقين. ويجوز أن يكون في محل جر بدلا من ضمير الغائبين «هم» في «لهم» الواردة في الآية السابقة أو أن الذي يقتضيه ظاهر الآية ونظمها أن تكون الجمل الثلاث بمجموعتين جزاء الشرط‍ كأنه قيل ومن قذف المحصنات فاجلدوهم وردوا شهادتهم وفسقوهم: أي فأجمعوا لهم الجلد والرد والتفتيت والتفسيق: وهو مصدر فسّقه: أي نسبة الى الفسق بمعنى: الفجور وهو الخروج عن طريق الحق والصواب.
  • ﴿ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. تابوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. من بعد: جار ومجرور متعلق بتابوا. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة واللام للبعد والكاف حرف خطاب.
  • ﴿ وَأَصْلَحُوا:
  • معطوفة بالواو على تابُوا» وتعرب إعرابها ومفعولها محذوف بمعنى: وأصلحوا ما أفسدوه بتلافي ما سببوه من ضرر واعتذارهم إلى المقذوف.
  • ﴿ فَإِنَّ اللهَ:
  • الفاء: استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «إن» مرفوع بالضمة. رحيم: صفة-نعت-لغفور.أو خبر ثان لأنّ مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

الأعراف: 153﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
آل عمران: 89﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
النحل: 119﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
النور: 5﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [5] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ حُكْمَ من رمى غيرَه بالزِّنا (القَذْفِ)؛ بَيَّنَ هنا أن مَن تاب ونَدم ورجع عن اتهامه وأصلح عمله، فإن اللهَ يغفر له ويرحمه، قال تعالى:
﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [6] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن ..

التفسير :

[6] والذين يرمون زوجاتهم بالزنى، ولم يكن لهم شهداء على اتهامهم لهنَّ إلا أنفسهم، فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله:أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به من الزنى، .

وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته، دارئة عنه الحد، لأن الغالب، أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته، التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان صادقا، ولأن له في ذلك حقا، وخوفا من إلحاق أولاد ليسوا منه به، ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره فقال:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ْ} أي:الحرائرلا المملوكات.

{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ْ} على رميهم بذلك{ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ْ} بأن لم يقيموا شهداء، على ما رموهم به{ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ْ} سماها شهادة، لأنها نائبة مناب الشهود، بأن يقول:"أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به ".

ثم انتقلت السورة الكريمة من الحديث عن حكم القذف بصفة عامة ، إلى الحديث عن حكم القذف إذا ما حدث بين الزوجين ، فقال - تعالى - : ( والذين يَرْمُونَ . . . ) .

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة ، منها ما أخرجه البخارى عن ابن عباس ، " أن هلال بن أمية ، قذف امرأته عند النبى صلى الله عليه وسلم بشَرِيك بن السحماء ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " البينة أوحَدٌّ فى ظهرك " . فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول له : " البينة أو حد فى ظهرك " .

فقال هلال : والذى بعثك بالحق إنى لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهرى من الحد . فنزل جبريل بهذه الآيات .

فانصرف النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يعلم أن أحدكم كاذب ، فهل منكما تائب؟ ثم قامت زوجته فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة - أى للعذاب ولغضب الله - تعالى - .

قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومى سائر اليوم ، فمضت .

وفى رواية فشهدت فى الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد . . " .

والمراد بالرمى فى قوله - تعالى - ( والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) الرمى بفاحشة الزنا .

وقوله - تعالى - : ( وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ) أى : ولم يكن لهؤلاء الأزواج الذين قذفوا زوجاتهم بالزنا من يشهد معهم سوى أنفسهم .

وقوله : ( فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ) أى : فشهادة أحدهم التى ترفع عنه حد القذف ، أن يشهد " أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين " فيما رماها به من الزنا .

قال الجمل ما ملخصه : " قوله - تعالى - ( وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ) فى رفع أنفسهم وجها : أحدهما أنه بدل من شهداء ، والثانى ، أنه نعت له على أن إلا بمعنى غير ، ولا مفهوم لهذا القيد . بل يلاعن ولو كان واجدا للشهود الذين يشهدون بزناها . وقوله : ( فَشَهَادَةُ ) مبتدأ ، وخبره " أربع شهادات " أى : فشهادتهم المشروعة أربع شهادات . . . " .

وقرأ الجمهور : " أربع شهادات " بالنصب على المصدر ، لأن معنى : فشهادة : أن يشهد .

والتقدير : فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما قاله .

هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج ، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة ، أن يلاعنها ، كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام ، فيدعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء ، ( إنه لمن الصادقين ) أي : فيما رماها به من الزنى ،

يقول تعالى ذكره: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ ) من الرجال ( أَزْوَاجِهِمْ ) بالفاحشة، فيقذفونهنّ بالزنا، ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ ) يشهدون لهم بصحة ما رموهنّ به من الفاحشة، ( فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ).

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: " أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ " نصبا، ولنصبهم ذلك وجهان: أحدهما: أن تكون الشهادة في قوله: ( فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ) مرفوعة بمضمر قبلها، وتكون " الأربع " منصوبا بمعنى الشهادة، فيكون تأويل الكلام حينئذ: فعلى أحدهم أن يشهد أربعَ شهادات بالله. والوجه الثاني: أن تكون الشهادة مرفوعة بقوله: ( إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) و " الأربع " منصوبة بوقوع الشهادة عليها، كما يقال: شهادتي ألف مرة إنك لرجل سَوْء، وذلك أن العرب ترفع الأيمان بأجوبتها، فتقول: حلف صادق لأقومنّ، وشهادة عمرو ليقعدنّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين: ( أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ ) برفع " الأربع "، ويجعلونها للشهادة مرافعة، وكأنهم وجهوا تأويل الكلام: فالذي يلزم من الشهادة، أربعُ شهادات بالله إنه لمن الصادقين.

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ: " فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ" بنصب أربع، بوقوع " الشهادة " عليها، و " الشهادة " مرفوعة حينئذ على ما وصفت من الوجهين قبل. وأحبّ وجهيهما إليّ أن تكون به مرفوعة بالجواب، وذلك قوله: ( إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) وذلك أن معنى الكلام: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) تقوم مقام الشهداء الأربعة في دفع الحدّ عنه. فترك ذكر: تقوم مقام الشهداء الأربعة، اكتفاء بمعرفة السامعين بما ذكر من الكلام، فصار مرافع " الشهادة " ما وصفت.

ويعني بقوله: ( فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ) : فحلف أحدهم أربع أيمان بالله، من قول القائل: أشهد بالله إنه لمن الصادقين فيما رمى زوجته به من الفاحشة.(وَالْخَامِسَةُ) يقول: والشهادة الخامسة، ( أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) يقول: إن لعنة الله له واجبة وعليه حالَّة، إن كان فيما رماها به من الفاحشة من الكاذبين.

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت به جماعة من أهل التأويل.

ذكر الرواية بذلك، وذكر السبب الذي فيه أنـزلت هذه الآية:

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلية، قال: ثنا أيوب، عن عكرمة، قال: لما نـزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً قال سعد بن عبادة: الله إن أنا رأيت لَكَاعِ متفخذَها رجل فقلت بما رأيت إن في ظهري لثمانين إلى ما أجمع أربعة قد ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا مَعْشَرَ الأنْصَار، ألا تَسْمَعونَ إلى ما يَقولُ سَيِّدُكُمْ؟ ". قالوا: يا رسول الله لا تَلُمْه، وذكروا من غيرته، فما تزوّج امرأة قط إلا بكرا، ولا طلق امرأة قطّ فرجع فيها أحد منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإنَّ الله يَأبَى إلا ذَاكَ" فقال: صدق الله ورسوله . قال : فلم يلبثوا أن جاء ابن عمّ له فرمى امرأته ، فشق ذلك على المسلمين، فقال: لا والله، لا يجعل في ظهري ثمانين أبدا، لقد نظرت حتى أيقنت، ولقد استسمعت حتى استشفيت، قال: فأنـزل الله القرآن باللعان، فقيل له: احلف! فحلف، قال: قفوه عند الخامسة، فإنها موجبة، فقال: لا يدخله الله النار بهذا أبدا، كما درأ عنه جلد ثمانين، لقد نظرت حتى أيقنت، ولقد استسمعت حتى استشفيت فحلف، ثم قيل: احلفي، فحلفت، ثم قال: قفوها عند الخامسة، فإنها مُوجِبة، فقيل لها: إنها مُوجبة، فتلكأت ساعة، ثم قالت: لا أُخْزي قومي، فحلفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِزَوْجها، وإنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ للَّذِي قِيلَ فِيهِ ما قِيلَ، قال: فجاءت به غلاما كأنه جمل أورق، فكان بعد أميرا بمصر لا يُعرف نسبه، أو لا يُدْرَى من أبوه ".

حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا عباد، قال: سمعت عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نـزلت هذه الآية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ قال سعد بن عبادة: لهكذا أنـزلت يا رسول الله؟ لو أتيتُ لَكَاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله ما كنت لآتيَ بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا مَعْشَرَ الأنْصَار أما تَسْمَعونَ إلى ما يَقُول سَيدُكُمْ؟ " قالوا: لا تلمه فإنه رجل غَيُور، ما تزوّج فينا قطّ إلا عذراء ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها؛ قال سعد: يا رسول الله، بأبي وأمي، والله إني لأعرف أنها من الله، وأنها حقّ، ولكن عجبت لو وجدت لَكَاعِ، قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، والله لا آتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته، فوالله ما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من حديقة له فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فأمسك حتى أصبح، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس مع أصحابه، فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء، فوجدت رجلا مع أهلي، رأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه جدا، حتى عُرف ذلك في وجهه، فقال هلال: والله يا رسول الله إني لأرى الكراهة في وجهك مما أتيتك به، والله يعلم أني صادق، وما قلت إلا حقا، فإني لأرجو أن يجعل الله فرجا، قال: واجتمعت الأنصار، فقالوا: ابتلينا بما قال سعد، أيجلد هلال بن أميَّة، وتبطل شهادته في المسلمين؟ فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه، فإنه لكذلك يريد أن يأمر بضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، إذ نـزل عليه الوحي، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نـزل حتى فرغ، فأنـزل الله: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ )... إلى: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبْشِرْ يا هِلالُ، فإنَّ الله قدْ جَعَل فَرَجا " فقال: قد كنت أرجو ذلك من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرْسِلُوا إلَيْها!" فجاءت، فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها، فكذّبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللهَ يَعْلَمُ أنَّ أحَدَكما كاذب، فَهَل مِنْكُما تائب؟ " فقال هلال: &; 19-112 &; يا رسول الله، بأبي وأمي لقد صدقتُ، وما قلت إلا حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاعِنُوا بَيْنَهُما!" قيل لهلال: يا هلال اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فقيل له عند الخامسة: يا هلال اتق الله، فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس، إنها الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال هلال: والله لا يعذّبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد الخامسة: ( أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) ثم قيل لها: اشهدي، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فقيل لها عند الخامسة: اتقي الله، فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة، ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ففرّق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقضى أن الولد لها، ولا يُدعى لأب، ولا يُرْمى ولدها.

حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا أبو أحمد الحسين بن محمد، قال: ثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " لما قذف هلال بن أميَّة امرأته، قيل له: والله ليجلدنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين جلدة ، قال: الله أعدل من ذلك أن يضربني ضربة وقد علم أني قد رأيت حتى استيقنت، وسمعت حتى استثبتُّ، لا والله لا يضربني أبدا، فنـزلت آية الملاعنة، فدعا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نـزلت الآية، فقال: " الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ فقال هلال: والله إني لصادق. فقال له: " احلف بالله الذي لا إله إلا هو: إني لصادق " يقول ذلك أربعَ مرّات فإن كنتُ كاذبا فعليّ لعنة الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قِفُوه عِنْدَ الخامِسَة، فإنَّها مُوجِبَةٌ " ، فحلف، ثم قالت أربعا: والله الذي لا اله إلا هو إنه لمن الكاذبين، فإن كان صادقا فعليها غضب الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قِفُوها عِنْدَ الخامِسَة، فإنَّها مُوجِبة "، فتردّدت وهمَّت بالاعتراف، ثم قالت: لا أفضح قومي.

حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي، قالا ثنا عَبْدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا ليلة الجمعة في المسجد، فدخل رجل فقال: لو أن رجلا وجَد مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنـزل الله آية اللعان، ثم جاء الرجل بعد، فقذف امرأته، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فقال: " عَسَى أنْ تَجِيء بِهِ أسْوَدَ جَعْدًا، فجاءت به أسود جعدا ".

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جُبير قال: سألت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أيفرق بين المتلاعنين؟ فقال: نعم، سبحان الله، إن أوّل من سأل عن ذلك فلان، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: أرأيت لو أن أحدنا رأى صاحبته على فاحشة، كيف يصنع؟ فلم يجبه في ذلك شيئا، قال: فأتاه بعد ذلك فقال: إن الذي سألت عنه قد ابتليتُ به، فأنـزل الله هذه الآية في سورة النور، فدعا الرجل فوعظه وذكَّره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: والذي بعثك بالحق، لقد رأيت وما كذبتُ عليها، قال: ودعا المرأة فوعظها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، وما رأى شيئا؛ قال: فبدأ الرجل، فشهد أربع شهادات بالله: إنه لمن الصادقين.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[6] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ هذا أصل اللعان، وإنه إنما يكون بين الزوجين, واللعن شهادة لا يمين.
وقفة
[6] ﴿وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم﴾ قذف المحصنات والقذف بصفة عامة يعد جريمة أخلاقية، أساسها عدم خشية الله ومخافة عقابه وعذابه، وعلاجها بالتقوى.
وقفة
[6] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ﴾ انظر كيف أُعفي الزوج من إحضار أربعة شهود واكتُفي منه بأَيمان أربعة، وذلك لأن الزوج بما عنده من الغيرة يأنف من الإتيان بأربعة رجال ليشهدوا على زوجه، وهي على هذه الحالة من التلبّس بالزنا، لما في ذلك من تشنيع لها وفضحٍ لعِرضه قبل عِرضها.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ:
  • معطوفة بالواو على وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» الواردة في الآية الكريمة الرابعة وتعرب إعرابها و «أزواج» مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ:
  • الواو: حالية. والجملة بعدها في محل نصب حال. لم:حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وأصله «يكون» حذفت واوه لالتقاء الساكنين. لهم: اللام حرف جر، «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور في محل نصب خبر يَكُنْ» مقدم.
  • ﴿ شُهَداءُ:
  • اسم يَكُنْ» مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف -التنوين-على وزن-فعلاء-.
  • ﴿ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ:
  • إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. أنفس: بدل من شُهَداءُ» مرفوعة مثلها بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ:
  • الفاء واقعة في جواب الاسم الموصول المضمن معنى الشرط‍.شهادة: مبتدأ مرفوع بالضمة. أحد مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.أربع: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ شَهاداتٍ بِاللهِ:
  • مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بالله:جار ومجرور للتعظيم متعلق بشهادات أو بصفة لها.
  • ﴿ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» اللام:لام التوكيد الابتدائية-المزحلقة-من الصادقين: جار ومجرور في محل رفع خبر «إن» وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

النور: 6﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
النور: 8﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو عُثْمانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المُؤَذِّنُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الحِيرِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا الحَسَنُ بْنُ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، قالَ: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، قالَ: حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مَنصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ [النور: ٤] . إلى قَوْلِهِ: ﴿الفاسِقُونَ﴾ [النور: ٤] . قالَ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ - وهو سَيِّدُ الأنْصارِ -: أهَكَذا أُنْزِلَتْ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”ألا تَسْمَعُونَ يا مَعْشَرَ الأنْصارِ إلى ما يَقُولُ سَيِّدُكم ؟“ . قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، واللَّهِ ما تَزَوَّجَ امْرَأةً قَطُّ إلّا بِكْرًا، وما طَلَّقَ امْرَأةً قَطُّ فاجْتَرَأ رَجُلٌ مِنّا عَلى أنْ يَتَزَوَّجَها، مِن شِدَّةِ غَيْرَتِهِ. فَقالَ سَعْدٌ: واللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأعْلَمُ أنَّها حَقٌّ، وأنَّها مِن عِنْدِ اللَّهِ، ولَكِنْ قَدْ تَعَجَّبْتُ أنْ لَوْ وجَدْتُ لَكاعِ قَدْ تَفَخَّذَها رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أنْ أهِيجَهُ ولا أُحَرِّكَهُ حَتّى آتِيَ بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ، فَواللَّهِ إنِّي لا آتِي بِهِمْ حَتّى يَقْضِيَ حاجَتَهُ. قالَ: فَما لَبِثُوا إلّا يَسِيرًا حَتّى جاءَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ مِن أرْضِهِ عَشِيًّا فَوَجَدَ عِنْدَ أهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأى بِعَيْنِهِ وسَمِعَ بِأُذُنِهِ فَلَمْ يَهِجْهُ حَتّى أصْبَحَ، فَغَدا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي جِئْتُ أهْلِي عَشِيًّا فَوَجَدْتُ عِنْدَها رَجُلًا، فَرَأيْتُ بِعَيْنِي، وسَمِعْتُ بِأُذُنِي. فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ما جاءَ بِهِ، واشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقالَ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ: الآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ، ويُبْطِلُ شَهادَتَهُ في المُسْلِمِينَ. فَقالَ هِلالٌ: واللَّهِ إنِّي لَأرْجُو أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِي مِنها مَخْرَجًا. فَقالَ هِلالٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ أرى ما قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْكَ مِمّا جِئْتُكَ بِهِ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَصادِقٌ. فَواللَّهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ أنْ يَأْمُرَ بِضَرْبِهِ إذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، وكانَ إذا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ عَرَفُوا ذَلِكَ في تَرَبُّدِ جِلْدِهِ، فَأمْسَكُوا عَنْهُ حَتّى فَرَغَ مِنَ الوَحْيِ، فَنَزَلَتْ: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ أزْواجَهم ولَمْ يَكُن لَّهم شُهَداءُ إلّا أنفُسُهُمْ﴾ . الآياتِ كُلَّها، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: ”أبْشِرْ يا هِلالُ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا ومَخْرَجًا“ . فَقالَ هِلالٌ: قَدْ كُنْتُ أرْجُو ذَلِكَ مِن رَبِّي. وذَكَرَ باقِيَ الحَدِيثِ.أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيهُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنانٍ المُقْرِئُ، قالَ: أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ المُثَنّى، قالَ: حَدَّثَنا أبُو خَيْثَمَةَ، قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: إنّا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ في المَسْجِدِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ فَقالَ: لَوْ أنَّ رَجُلًا وجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ رَجُلًا فَإنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وإنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وإنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ، واللَّهِ لَأسْألَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَألَهُ، فَقالَ: لَوْ أنَّ رَجُلًا وجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وإنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وإنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”اللَّهُمَّ افْتَحْ“ . وجَعَلَ يَدْعُو، فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعانِ: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ أزْواجَهم ولَمْ يَكُن لَّهم شُهَداءُ إلّا أنفُسُهُمْ﴾ . فابْتُلِيَ بِهِ الرَّجُلُ مِن بَيْنِ النّاسِ، فَجاءَ هو وامْرَأتُهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَلاعَنا، فَشَهِدَ الرَّجُلُ أرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، ثُمَّ لَعَنَ الخامِسَةَ أنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبِينَ. فَذَهَبَتْ لِتَلْتَعِنَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”مَهْ“ . فَلَعَنَتْ. فَلَمّا أدْبَرَتْ قالَ: ”لَعَلَّها أنْ تَجِيءَ بِهِ أسْوَدَ جَعْدًا“ . فَجاءَتْ بِهِ أسْوَدَ جَعْدًا.رَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ أبِي خَيْثَمَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     وبعدَ بيانِ حكمِ قذفِ النساءِ الأجنبياتِ، بَيَّنَ اللهُ هنا حكمَ قذفِ الزوجاتِ (آياتُ اللِعَانِ)، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولم يكن:
1- بالياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتاء.
أربع:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، وهى قراءة طلحة، والسلمى، والحسن، والأعمش، وخالد بن إياس «إلياس» .

مدارسة الآية : [7] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ ..

التفسير :

[7]ويزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة الله إن كان كاذباً في قوله.

{ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ْ} أي:يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة، مؤكدا تلك الشهادات، بأن يدعو على نفسه، باللعنة إن كان كاذبا، فإذا تم لعانه، سقط عنه حد القذف، ظاهر الآيات، ولو سمى الرجل الذي رماها به، فإنه يسقط حقه تبعا لها. وهل يقام عليها الحد، بمجرد لعان الرجل ونكولها أم تحبس؟ فيه قولان للعلماء، الذي يدل عليه الدليل، أنه يقام عليها الحد، بدليل قوله:{ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ ْ} إلى آخره، فلولا أن العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه، لم يكن لعانها دارئا له.

وقوله - سبحانه - : ( والخامسة أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكاذبين ) بيان لما يجب على القاذف بعد أن شهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين .

أى : والشهادة الخامسة بعد الأربع المتقدمة ، أن يشهد القاذف بأن لعنة الله - تعالى - عليه ، إن كان من الكاذبين ، فى رميه لزوجته بالزنا .

قال الآلوسى : وإفرادها - أى الشهادة الخامسة - بالذكر ، مع كونها شهادة - أيضا - ، لاستقلالها بالفحوى ووكادتها فى إفادتها ما يقصد بالشهادة من تحقيق الخبر ، وإظهار الصدق . وهى مبتدأ ، خبره قوله - تعالى - ( لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ ) .

( والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ) فإذا قال ذلك ، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ، وحرمت عليه أبدا ، ويعطيها مهرها ، ويتوجه عليها حد الزنى ، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن ، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، أي : فيما رماها به ، ( والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ولهذا قال :

والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين; ثم إن المرأة شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غَضَبَ الله عليها إن كان من الصادقين وفرق بينهما.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عامر، قال: لما أنـزل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً قال عاصم بن عديّ: إن أنا رأيت فتكلمت جلدت ثمانين، وإن أنا سكت سكت على الغيظ، قال: فكأن ذلك شقّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فأنـزلت هذه الآية: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ ) قال: فما لبثوا إلا جمعة، حتى كان بين رجل من قومه وبين امرأته، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ )... الآية، والخامسة: أن يقال له: إن عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين. وإن أقرّت المرأة بقوله رُجمت، وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بالله: إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن يقال لها: غضب الله عليك إن كان من الصادقين، فيدرأ عنها العذاب، ويفرق بينهما، فلا يجتمعان أبدا، ويُلحق الولد بأمه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرمة، قوله: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) قال: هلال بن أميَّة: والذي رميت به شريك بن سحماء، والذي استفتى عاصم بن عديّ.

قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني الزهريّ عن الملاعنة والسنة فيها، عن حديث سهل بن سعد أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فأنـزل الله في شأنه ما ذكر من أمر المتلاعنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قَدْ قَضَى اللهُ فيكَ وفِي امرْأتِكَ، فتلاعنا وأنا شاهد " ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت السنة بعدها أن يفرّق بين المتلاعنين، وكانت حاملة، فأنكره، فكان ابنها يُدعى إلى أمه، ثم جرت السنة أن ابنها يَرثها، وترث ما فرض الله لها.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)... إلى قوله: ( إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) قال: إذا شهد الرجل خمس شهادات، فقد برئ كل واحد من الآخر، وعِدَّتُها إن كانت حاملا أن تضع حملها، ولا يجْلد واحد منهما، وإن لم تحلف أقيم عليها الحدّ والرجْم.

التدبر :

وقفة
[7] ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ ﻻ تجد اللعنة مساغًا للإنسان من نفسه إﻻ إذا (قذف).
وقفة
[7] ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ قال ابن كثير: «فإن قال ذلك، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وحرمت عليه أبدًا، ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنى، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، أي فيما رماها به، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين».

الإعراب :

  • ﴿ وَالْخامِسَةُ أَنَّ:
  • الواو عاطفة. الخامسة: مبتدأ مرفوع بالضمة لأنه معطوف على مبتدأ. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و أَنَّ» مع ما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ:
  • لعنة: اسم أَنَّ» منصوب بالفتحة. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. عليه: جار ومجرور متعلق بخبر أَنَّ».
  • ﴿ إِنْ كانَ:
  • إن: حرف شرط‍ جازم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجواب الشرط‍ محذوف لتقدم معناه.
  • ﴿ مِنَ الْكاذِبِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر كانَ» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

النور: 7﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
النور: 9﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     وبعد أن يشهد الزوج أمام القاضي أربع مرات على أنه صادق فيما رمى زوجته به؛ يأتي هنا بيان ما يجب عليه بعد ذلك، قال تعالى:
﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

والخامسة:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، وهى قراءة طلحة، والسلمى، والحسن، والأعمش، وخالد بن إياس «إلياس».
أن لعنة:
وقرئ:
بتخفيف «أن» ، ورفع «لعنة» ، وهى قراءة نافع.

مدارسة الآية : [8] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ ..

التفسير :

[8] وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزنى، وهي الرجم حتى الموت، ولا يدفع عنها هذه العقوبة إلا أن تشهد في مقابل شهادته أربع شهادات بالله إنه لكاذب في اتهامه لها بالزنى،

ويدرأ عنها، أي:يدفع عنها العذاب، إذ قابلت شهادات الزوج، بشهادات من جنسها.{ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ْ}

ثم بين - سبحانه - ما يجب على المرأة لكى تبرىء نفسها مما رماها به زوجها فقال : ( وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ لَمِنَ الكاذبين ) .

وقوله - تعالى - ( وَيَدْرَؤُاْ ) من الدَّرْء بمعنى الدفع . يقال : درأ فلان التهمة عن نفسه ، إذا دفعها عن نفسه ، وتبرأ منها .

والمراد بالعذاب هنا : العذاب الدنيوى وهو الحد الذى شرعه الله - تعالى - فى هذا الشأن .

أى : أن الزوجة التى رماها زوجها بفاحشة الزنا يدفع عنها الحد ويرفع ، إذا شهدت أربع شهادات بالله ، إن زوجها لمن الكاذبين فيما قذفها به .

( ويدرأ عنها العذاب ) يعني : الحد ،

يعني جلّ ذكره بقوله: ( وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ ) : ويدفع عنها الحدّ.

واختلف أهل العلم في العذاب الذي عناه الله في هذا الموضع أنه يدرؤه عنها شهاداتها الأربع، فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك، من أن الحدّ جلد مئة إن كانت بكرا، أو الرجم إن كانت ثيبا قد أحصنت.

وقال آخرون: بل ذلك الحبس، وقالوا: الذي يجب عليها إن هي لم تشهد الشهادات الأربع بعد شهادات الزوج الأربع، والتعانه: الحبس دون الحدّ.

وإنما قلنا: الواجب عليها إذا هي امتنعت من الالتعان بعد التعان الزوج الحدّ الذي وصفنا، قياسا على إجماع الجميع على أن الحدّ إذا زال عن الزوج بالشهادات الأربع على تصديقه فيما رماها به، أن الحدّ عليها واجب، فجعل الله أيمانه الأربع، والتعانه في الخامسة مخرجا له من الحدّ الذي يجب لها برميه إياها، كما جعل الشهداء الأربعة مخرجا له منه في ذلك وزائلا به عنه الحدّ، فكذلك الواجب أن يكون بزوال الحدّ عنه بذلك واجبا عليها حدّها، كما كان بزواله عنه بالشهود واجبا عليها، لا فرق بين ذلك، وقد استقصينا العلل في ذلك في باب اللعان من كتابنا المسمى [لطيف القول في شرائع الإسلام]، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله: ( أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ) يقول: ويدفع عنها العذاب أن تحلف بالله أربع أيمان: أن زوجها الذي رماها بما رماها به من الفاحشة، لمن الكاذبين فيما رماها من الزنا.

التدبر :

وقفة
[8] ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ هذه الآية تدل على أن الزوج إذا رمى زوجته وشهد شهاداته الخمس المبينة في الآية أن المرأة يتوجه إليها الحد بشهاداته، وأن ذلك الحد المتوجه إليها بشهادات الزوج تدفعه عنها شهاداتها هي الموضحة في الآية، ومفهوم مخالفة الآية يدل على أنها لو نكلت عن شهاداتها، لزمها الحد بسبب نكولها مع شهادات الزوج، وهذا هو الظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ:
  • الواو استئنافية. يدرأ: فعل مضارع مرفوع بالضمة. عنها: جار ومجرور متعلق بيدرأ. العذاب: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: ويدفع عن المرأة العذاب أي الحدّ.
  • ﴿ أَنْ تَشْهَدَ:
  • أن: حرف مصدرية. تشهد: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. وجملة تَشْهَدَ» صلة أَنْ» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل يَدْرَؤُا».
  • ﴿ أَرْبَعَ شَهاداتٍ:
  • أربع: مفعول مطلق نائب عن المصدر لبيان العدد وهو مضاف الى المصدر. شهادات: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ:
  • أعربت في الآية الكريمة السادسة.'

المتشابهات :

النور: 6﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
النور: 8﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     وبعد بيان ما يقوله الزوج؛ يأتي هنا بيان ما يجب على المرأة لكي تبرئ نفسها مما رماها به زوجها، قال تعالى:
﴿ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [9] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا ..

التفسير :

[9] وتزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب الله، إن كان زوجها صادقاً في اتهامه لها، وفي هذه الحال يفرق بينهما.

وتزيد في الخامسة، مؤكدة لذلك، أن تدعو على نفسها بالغضب، فإذا تم اللعان بينهما، فرق بينهما إلى الأبد، وانتفى الولد الملاعن عليه، وظاهر الآيات يدل على اشتراط هذه الألفاظ عند اللعان، منه ومنها، واشتراط الترتيب فيها، وأن لا ينقص منها شيء، ولا يبدل شيء بشيء، وأن اللعان مختص بالزوج إذا رمى امرأته، لا بالعكس، وأن الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به، كما لا يعتبر مع الفراش، وإنما يعتبر الشبه حيث لا مرجح إلا هو.

وقوله - سبحانه - ( والخامسة ) بالنصب عطفا على ( أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ ) .

أى : يدرأ عنها العذاب إذا شهدت أربع شهادات بالله أن زوجها كاذب فيما رماها به ، ثم تشهد بعد ذلك شهادة خامسة مؤداها : أن غضب الله عليها ، إن كان زوجها من الصادقين ، فى اتهامه إياها بفاحشة الزنا .

وجاء من جانب المرأة التعبير بقوله - تعالى - : ( أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَآ ) ليكون أشد فى زجرها عن الكذب ، واعترافها بالحقيقة بدون إنكار ، لأن العقوبة الدنيوية أهون من غضب الله - تعالى - عليها فى حالة كذبها .

( أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) فخصها بالغضب ، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنى إلا وهو صادق معذور ، وهي تعلم صدقه فيما رماها به . ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها . والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه .

ثم ذكر تعالى لطفه بخلقه ، ورأفته بهم ، في شرعه لهم الفرج والمخرج من شدة ما يكون فيه من الضيق ،

وقوله: ( وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا )... الآية، يقول: والشهادة الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان زوجها فيما رماها به من الزنا من الصادقين. ورفع قوله: (وَالْخَامِسَةُ) في كلتا الآيتين، بأن التي تليها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[9] ﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فخصها بالغضب؛ لأن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله، ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور، وهي تعلم صدقه فيما رماها به، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه.

الإعراب :

  • ﴿ وَالْخامِسَةَ:
  • الواو عاطفة. الخامسة: معطوفة على «أربع» الواردة في الآية الكريمة السابقة أي وتشهد الخامسة. وبقية الآية الكريمة بعدها: أعربت في الآية الكريمة السابعة.'

المتشابهات :

النور: 7﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
النور: 9﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     وبعد أن تشهد الزوجة أربع شهادات بالله أن زوجها كاذب فيما رماها به؛ يأتي هنا بيان ما يجب عليها بعد ذلك، قال تعالى:
﴿ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أن غضب:
وقرئ:
بتخفيف «أن» ، ورفع «غضب» ، وهى قراءة نافع.

مدارسة الآية : [10] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ..

التفسير :

[10] ولولا تفضُّل الله عليكم ورحمته -أيها المؤمنون- بهذا التشريع للأزواج والزوجات، لأحلَّ بالكاذب من المتلاعنين ما دعا به على نفسه، وأن الله توَّاب لمن تاب مِن عباده، حكيم في شرعه وتدبيره.

{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ْ} وجواب الشرط محذوف، يدل عليه سياق الكلام أي:لأحل بأحد المتلاعنين الكاذب منهما، ما دعا به على نفسه، ومن رحمته وفضله، ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين، لشدة الحاجة إليه، وأن بين لكم شدة الزنا وفظاعته، وفظاعة القذف به، وأن شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها.

ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات ببيان جانب من فضله - تعالى - على خلقه فقال : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) .

وجواب " لولا " محذوف . وجاءت الآية بأسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، للعناية بشأن مقام الامتنان والفضل من الله - تعالى - عليهم بتشريع هذه الأحكام .

أى : ولوا أن الله - تعالى - تفضل عليكم ورحمكم - أيها المؤمنون - بسبب ما شرعه لكم فى حكم الذين يرمون أزواجهم بالفاحشة . . . لولا ذلك لحصل لكم من الفضيحة ومن الحرج ما لا يحيط به الوصف ، ولكنه - سبحانه - شرع هذه الأحكام سترا للزوجين ، وتخفيفا عليهما . وحضا لهما على التوبة الصادقة النصوح ، وأن الله - تعالى - " تواب " أى : كثير القبول لتوبة التائب متى صدق فيها ، " حكيم " أى : فى كل ما شرعه لعباده .

هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآيات ، أن قاذف زوجته بفاحشة الزنا ، إذا لم يأت بأربعة شهداء على صحة ما قاله . فإنه يكون مخيرا بين أن يلاعن ، وبين أن يقام عليه الحد .

بخلاف من قذف أجنبية محصنة بفاحشة الزنا ، فإنه يقام عليه الحد ، إذا لم يأت بأربعة شهداء على أنه صادق فى قوله .

قال بعض العلماء : ولعلك تقول : لماذا كان حكم قاذف زوجته ، مخالفا لكم قاذف الأجنبية؟ وما السر فى أنه جاء مخففا؟

والجواب : أنه لا ضرر على الزوج بزنا الأجنبية؟ وأما زنا زوجته فيلحقه به العار . وفساد البيت . فلا يمكنه الصبر عليه ، ومن الصعب عليه جدا أن يجد البينة . فتكليفه إياها فيه من العسر والحرج ما لا يخفى . وأيضا فإن الغالب فى الرجل أنه لا يرمى زوجته بتلك الفاحشة ، إلا عن حقيقة . لأن فى هذا الرمى إيذاء له ، وهتكا لحرمته ، وإساءة لسمعته . . . فكان رميه إياها بالقذف دليل صدقه . إلا أن الشارع أراد كمال شهادة الحال . بذكر كلمات اللعان المؤكدة بالأيمان ، فجعلها - منضمة إلى قوة جانب الزوج - قائمة مقام الشهود فى قذف الأجنبى " .

كذلك أخذ العلماء من هذه الآيات أن كيفية اللعان بين الزوجين ، أن يبدأ بالزوج فيقول أمام القاضى : أشهد بالله إنى لمن الصادقين ، وفى المرة الخامسة يقول : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين - أى فيما رمى به زوجته - ، وكذلك المرأة تقول فى لعانها أربع مرات : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين . وفى المرة الخامسة تقول : غضب الله عليها إن كان من الصادقين - أى فيما قاله زوجها فى حقها - .

فإذا ما قالا ذلك . سقط عنهما الحد ، وفرق القاضى بينهما فراقا أبديا .

قال القرطبى : " قال مالك وأصحابه : وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين فلا يجتمعان أبدا . ولا يتوارثان . ولا يحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده .

وقال أبو حنيفة وغيره : لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما .

وقال الشافعى : إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان : فقد زال فراش امرأته . التعنت أو لم تلتعن . لأن لعانها إنما هو لدرء الحد عنها لا غير . وليس لالتعانها فى زوال الفراش معنى . . . " .

فقال : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) أي : لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم ، ( وأن الله تواب ) [ أي ] : على عباده - وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة - ( حكيم ) فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه .

وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية ، وذكر سبب نزولها ، وفيمن نزلت فيه من الصحابة ، فقال الإمام أحمد :

حدثنا يزيد ، أخبرنا عباد بن منصور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ، قال سعد بن عبادة - وهو سيد الأنصار - : هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ " قالوا : يا رسول الله ، لا تلمه فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط [ إلا بكرا ، وما طلق امرأة له قط ] فاجترأ رجل منا أن يتزوجها ، من شدة غيرته . فقال سعد : والله - يا رسول الله - إني لأعلم أنها حق وأنها من الله ، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل ، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته . قال : فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية - وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم - فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه ، وسمع بأذنيه ، فلم يهجه حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء ، فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني ، وسمعت بأذني . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به ، واشتد عليه ، واجتمعت الأنصار فقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة ، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ، ويبطل شهادته في المسلمين . فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا . وقال هلال : يا رسول الله ، إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به ، والله يعلم إني لصادق . فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه ، إذ أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي - وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك ، في تربد وجهه . يعني : فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي - فنزلت : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم ) الآية ، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أبشر يا هلال ، قد جعل الله لك فرجا ومخرجا " . فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي ، عز وجل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرسلوا إليها " . فأرسلوا إليها ، فجاءت ، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ، وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا . فقال هلال : والله - يا رسول الله - لقد صدقت عليها . فقالت : كذب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاعنوا بينهما " . فقيل لهلال : اشهد . فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كان في الخامسة قيل له : يا هلال ، اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فقال : والله لا يعذبني الله عليها ، كما لم يجلدني عليها . فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قيل [ لها : اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فلما كانت الخامسة قيل ] لها : اتقي الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فتلكأت ساعة ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى ألا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ، وقضى ألا [ بيت لها عليه ولا ] قوت لها ، من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ، ولا متوفى عنها . وقال : " إن جاءت به أصيهب أريسح حمش الساقين فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فهو الذي رميت به " فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " .

قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميرا على مصر ، وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب .

ورواه أبو داود عن الحسن بن علي ، عن يزيد بن هارون ، به نحوه مختصرا .

ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة . فمنها ما قال البخاري : حدثني محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام بن حسان ، حدثني عكرمة ، عن ابن عباس; أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة وإلا حد في ظهرك " . فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد . فنزل جبريل ، وأنزل عليه : ( والذين يرمون أزواجهم ) ، فقرأ حتى بلغ : ( إن كان من الصادقين ) فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الله يشهد أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة . قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم . فمضت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الأليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء " . فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله ، لكان لي ولها شأن " .

انفرد به البخاري من هذا الوجه وقد رواه من غير وجه ، عن ابن عباس وغيره .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الزيادي حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا صالح - وهو ابن عمر - حدثنا عاصم - يعني : ابن كليب - ، عن أبيه ، حدثني ابن عباس قال : جاء رجل إلى رسول الله ، فرمى امرأته برجل ، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يردده حتى أنزل الله : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء [ إلا أنفسهم ] ) [ فقرأ ] حتى فرغ من الآيتين ، فأرسل إليهما فدعاهما ، فقال : " إن الله ، عز وجل ، قد أنزل فيكما " . فدعا الرجل فقرأ عليه ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين . ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه ، فقال له : " كل شيء أهون عليه من لعنة الله " . ثم أرسله فقال : ( لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ) ثم دعاها بها ، فقرأ عليها ، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها ، وقال : " ويحك . كل شيء أهون من غضب الله " . ثم أرسلها ، فقالت : ( غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله لأقضين بينكما قضاء فصلا " . قال : فولدت ، فما رأيت مولودا بالمدينة أكثر غاشية منه ، فقال : " إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا ، وإن جاءت به لكذا وكذا فهو لكذا " . فجاءت به يشبه الذي قذفت به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير قال : سئلت عن المتلاعنين أيفرق بينهما - في إمارة ابن الزبير؟ فما دريت ما أقول ، فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلت : أبا عبد الرحمن ، المتلاعنان أيفرق بينهما؟ فقال : سبحان الله ، إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت على مثل ذلك . فسكت فلم يجبه ، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : الذي سألتك عنه قد ابتليت به . فأنزل الله عز وجل هذه الآيات في سورة النور : ( والذين يرمون أزواجهم ) حتى بلغ : ( أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) . فبدأ بالرجل فوعظه وذكره ، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقال : والذي بعثك بالحق ما كذبتك . ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقالت : والذي بعثك بالحق إنه لكاذب . قال : فبدأ بالرجل ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ثم فرق بينهما .

رواه النسائي في التفسير ، من حديث عبد الملك بن أبي سليمان ، به وأخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : كنا جلوسا عشية الجمعة في المسجد ، فقال رجل من الأنصار : أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت عن غيظ؟ والله لئن أصبحت صالحا لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فسأله . فقال : يا رسول الله ، إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ؟ اللهم احكم . قال : فأنزل آية اللعان ، فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به .

انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من طرق ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، به .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو كامل : حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب ، عن سهل بن سعد ، قال : جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال : سل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت رجلا وجد رجلا مع امرأته فقتله ، أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل . قال : فلقيه عويمر فقال : ما صنعت؟ قال : ما صنعت! إنك لم تأتني بخير; سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عويمر : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه . فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما . قال : فدعا بهما فلاعن بينهما . قال عويمر : لئن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها . قال : ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبصروها ، فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين ، فلا أراه إلا قد صدق ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا " . فجاءت به على النعت المكروه .

أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي ، من طرق ، عن الزهري ، به .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن الضيف ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن زيد بن يثيع ، عن حذيفة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟ قال : كنت والله فاعلا به شرا . قال : " فأنت يا عمر؟ " . قال : كنت والله فاعلا كنت أقول : لعن الله الأعجز ، وإنه خبيث . قال : فنزلت : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم )

ثم قال : لا نعلم أحدا أسنده إلا النضر بن شميل ، عن يونس بن أبي إسحاق ، ثم رواه من حديث الثوري عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع مرسلا فالله أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي ، حدثنا مخلد بن الحسين ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : لأول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته ، فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربعة شهود وإلا فحد في ظهرك " ، فقال : يا رسول الله ، إن الله يعلم إني لصادق ، ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد . فأنزل الله آية اللعان : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ) إلى آخر الآية . قال : فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى " فشهد بذلك أربع شهادات ، ثم قال له في الخامسة : " ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنى " ، ففعل . ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنى " . فشهدت بذلك أربع شهادات ، ثم قال لها في الخامسة : " وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنى " ، فقالت : فلما كانت الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة ، حتى ظنوا أنها ستعترف ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم . فمضت على القول ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقال : " انظروه ، فإن جاءت به جعدا حمش الساقين ، فهو لشريك بن سحماء ، وإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية " . فجاءت به آدم جعدا حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا ما نزل فيهما من كتاب الله ، لكان لي ولها شأن " .

يقول تعالى ذكره: ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم، وأنه عَوّاد على خلقه بلطفه وطوله، حكيم في تدبيره إياهم، وسياسته لهم، لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم وفضح أهل الذنوب منكم بذنوبهم، ولكنه ستر عليكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلا رحمة منه بكم، وتفضلا عليكم، فاشكروا نعمه وانتهوا عن التقدّم عما عنه نهاكم من معاصيه، وترك الجواب في ذلك، اكتفاء بمعرفة السامع المراد منه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[10] ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ تكررت في أربعة مواضع من سورة النور، كم في هذه السورة من النور والفضل والرحمة!
وقفة
[10] قوله: ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ متروك الجواب؛ لأنه معلوم المعنى، وَكَذلك كلّ ما كان معلومَ الجوَاب فإن العرب تكتفي بترك جوابه.
لمسة
[10] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ جواب الشرط محذوف تقديره: لأنزل بأحد المتلاعنين -وهو الكاذب منهما- ما دعا به على نفسه، ومن رحمته وفضله: ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين لشدة الحاجة إليه.
لمسة
[10] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ قال المراغي: «أي ولولا تفضله سبحانه ورحمته بكم، وأنه قابل لتوبتكم في كل آن، وأنه حكيم في جميع أفعاله وأحكامه التي منها ما شرعه لكم من اللعان لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة، ولكنه ستر عليكم ودفع عنكم الحد باللعان، إذ لو لم يشرع لكم ذلك لوجب على الزوج حد القذف، مع أن قرائن الأحوال تدل على صدقه لأنه أعرف بحال زوجه، وأنه لا يفتري عليها لاشتراكهما في الفضيحة، ولو جعل شهادته موجبة لحد الزنى عليها لأهمل أمرها وكثر افتراء الزوج عليها لضغينة قد تكون في نفسه من أهلها، وفي كل هذا خروج من سبق الحكمة والفضل والرحمة، ومن ثم جعل شهادات کل منهما مع الجزم بكذب أحدهما دراءة عنه العقوبة الدنيوية، وإن كان قد ابتلي الكاذب منهما في تضاعيف شهادته باشد مما درأه عن نفسه، وهو العقاب الأخروي».
وقفة
[10] قوله تعالى بعد ذكره أحكام القذف: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾، قد يقال: إن المتوقع أن يقال: (تواب رحيم)؛ لأن الرحمة مناسبة للتوبة، لكن ختمت بـ (تواب حكيم) إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته، وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة.
وقفة
[10] شرع الله الحدود؛ لإصلاح المجتمع وإبعاده عن الرذيلة والانتصار للمظلوم ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾.
وقفة
[10] قوله تعالى على رأس العشر: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ محذوف الجواب، تقديره: لفضحكم، وهو متصل ببيان حكم الزانيين وحكم القاذف وحكم اللعان، وجواب لولا محذوفًا أحسن منه ملفوظًا به، وهو المكان الذي يكون الإنسان فيه أفصح ما يكون إذا سكت.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ:
  • الواو: استئنافية. لولا: حرف شرط‍ غير جازم.فضل: مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره محذوف وجوبا وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة بمعنى لولا تفضل الله عليكم.وجواب الشرط‍ محذوف بمعنى: لسارع بمعاقبتكم أو جواب لَوْلا» محذوف لدلالة الكلام عليه بمعنى متروك وتركه دال على أمر عظيم لا يكتنه. ورب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به. و لَوْلا» حرف امتناع لوجود.
  • ﴿ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ:
  • جار ومجرور متعلق بفضل والميم علامة جمع الذكور.ورحمته: معطوفة بالواو على فَضْلُ اللهِ» مرفوعة مثلها والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه
  • ﴿ وَأَنَّ اللهَ:
  • الواو عاطفة. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم أَنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ تَوّابٌ حَكِيمٌ:
  • خبر أَنَّ» مرفوع بالضمة. حكيم: صفة-نعت-لتوّاب.أو خبر ثان لأنّ مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

البقرة: 64﴿ثُمَّ تَوَلَّيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ
النساء: 83﴿لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا
النور: 10﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيم
النور: 14﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
النور: 20﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ
النور: 21﴿وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     وبعد آيات اللِعَانِ؛ امتنَّ اللهُ هنا على عباده، فلولا ما شرعه من أحكامٍ؛ لحصل من الفضيحة ومن الحرج ما لا يحيط به الوصف، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف