35111121314151617181920

الإحصائيات

سورة النور
ترتيب المصحف24ترتيب النزول102
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات9.70
عدد الآيات64عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول16تبدأ في الجزء18
تنتهي في الجزء18عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 6/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (11) الى الآية رقم (14) عدد الآيات (4)

بعدَ الانتهاءِ من بيانِ حكمِ القذفِ، ذكرَ اللهُ هنا نموذجًا للقذفِ يكشفُ شناعةَ الجرمِ وبشاعتَه: حادثةَ الإفكِ، وبراءةَ عائشةَ أم المؤمنينَ ممَّا رماها به المنافقونَ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (15) الى الآية رقم (20) عدد الآيات (6)

= ثُمَّ عتابُ اللهِ للمؤمنينَ الذينَ تناقلُوا الخبرَ، كيفَ لم يحكمُوا عليه بأنَّه كَذِبٌ، ثُمَّ توعُّدُ الذينَ يحبُونَ أن تشيعَ الفاحشةُ في الذينَ آمنُوا بعذابٍ أليمٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النور

شرع الله نور المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • بداية السورة: بداية شديدة لجريمة شديدة::   حادثة الإفك ، واتهامهم إيّاها بالزنا. وما جرى في هذه الحادثة هو أن عائشة رضى الله عنها خرجت مع النبي ﷺ في غَزوةِ بَنِى الـمُصْطَلَقِ ، ولما توقف الجيش للراحة ذهبت عائشة لتقضي حاجة لها، فجاء الرجال وحملوا الهودج الذي كانت فيه دون أن يشعروا بعدم وجودها فيه لصغر وزنها، ولما عادت عائشة وجدت أن الجيش قد سار وأصبحت وحيدة في الصحراء. وكان من عادة النبي ﷺ أن يبقي رجلًا خلف الجيش ليحمل ما سقط من المتاع، فجاء صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فوجد عائشة؛ فنزل عن راحلته وطلب منها أن تصعد، ولما ركبت الناقة انطلق بها مولّيًا ظهره لها، ولم يكلمها حتى دخل بها المدينة، فاستغل المنافقون هذا الأمر وبدأوا بإشاعة الفتنة واتهموا عائشة وصَفْوَان بن الْمُعَطَّل، وبدأ المجتمع يلوك هذا الكلام الباطل، ووقع بعض المؤمنين في هذا الخطأ، وانقطع الوحي مدة شهر كامل، وكان ذلك اختبارًا للمجتمع كله. وظل الوحي محبوسًا عن النبي ﷺ حتى يخرج المجتمع ما عنده، وكان اختبارًا صعبًا، حتى نزلت آيات سورة النور لتعلن براءة عائشة رضى الله عنها من فوق سبع سماوات: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (11). فهذه الآية تعلن صراحةً براءة عائشة، وأن ما حصل إنما هو إفك، أي كذب شديد وافتراء شديد لا برهان عليه، وكل من ينشر مثل هذه الأكاذيب في المجتمع (وعلى رأسهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ زعيم المنافقين) لهم عذاب عظيم.
  • • فماذا كان أول هذه الأحكام؟:   فكيف بدأت السورة؟ لقد بدأت بداية غير معهودة فيما قبلها من السور القرآنية: ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا ...﴾ (1)، وهي بداية شديدة، ولكن كل سور القرآن أنزلت وفرضت، فلماذا بدأت السورة بتلك البداية؟ وكأن هذه السورة تريد أن تضع سياجًا شديدًا لحماية المجتمع، فكان لا بد لهذا السياج من مقدّمة قوية للفت الأنظار إلى أهمية الأحكام القادمة.
  • • إلى النور (شرع الله هو نور المجتمع)::   ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱلله إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱلله وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ (2).ومع أن الأصل في ديننا هو الرحمة والرأفة، لكن الآية قالت: ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱلله﴾.ومع أن الإسلام يحثنا على الستر؛ لأن الله تعالى ستير يحب الستر، لكن في حد الزنا تقول الآية: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النور».
  • • معنى الاسم ::   النور: الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار.
  • • سبب التسمية ::   : لما ‏فيها ‏من ‏إشعاعات ‏النور ‏الرباني ‏بتشريع ‏الأحكام ‏والآداب ‏التي تحفظ المجتمع، ولكثرة ذكر النور فيها، فقد تكرر فيها 7 مرات (في الآيتين 35، 40).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن شرع الله نور المجتمع.
  • • علمتني السورة ::   تجنب الكلام في أعراض الناس: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   ضرورة التثبت تجاه الشائعات: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا﴾
  • • علمتني السورة ::   وجوب الاستئذان عند دخول بيوت غيرنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ»، وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء. • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النور من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • امتازت سورة النور بالافتتاح بآية تنصّ على أنها سورة، وتنبه على ما تحتويه من أحكام مهمة، ولا يوجد سورة في القرآن افتتحت بمثل ذلك.
    • احتوت على قصة الإفك، وأكدت على براءة عائشة رضى الله عنها مما قذفت به.
    • أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النور)، تكرر 7 مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نجعل هذه السورة والآداب التي تضمنتها نورًا لنا في مجتمعنا، ونحافظ على شرع الله لننوّر به مجتمعنا، ونتحرّك به إلى الناس كلهم لننشر النور في البشرية كلها.
    • أن نحذر من فاحشة الزنا أو الاقتراب منها: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ...﴾ (2-3).
    • أن نحذر من قذف المحصنات والتكلم في أعراض الناس: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ...﴾ (4).
    • أن نثق في الله ولا نقنط؛ ﻷن سفينة الأمل لا تحمل اليائسين، ولن يركبها إلا متفائل، فإن في قذف عائشة رفعةً لها وفضحًا للمنافقين: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (11).
    • أن نحذر من إشاعة الفاحشة ونشرها بين الناس: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ...﴾ (19).
    • أن نحذر من خطوات الشيطان؛ فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ (21).
    • أن نطلب من الله ونلح عليه أن يزكي نفوسنا: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (21).
    • ألا نحلف على قطيعة رحم أو ترك معروف، وإذا حلفنا رجعنا في اليمين، وكفِّرنا عنها: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ ...﴾ (22).
    • أن نعفو ونصفح عمن أخطأ في حقنا، أو أساء إلينا، أو ظلمنا: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (22).
    • أن نتذكر تكلم الجوارح، وشهادتها على أقوالنا وأعمالنا يوم القيامة: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (24).
    • أن نطبق آداب الاستئذان عند الدخول على غيرنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ...﴾ (27-29).
    • أن نغض أبصارنا عما حرّم الله: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ...﴾ (30).
    • أن نسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره: ﴿يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾ (35).
    • أن نقدم حكم الله ورسوله على القوانين الوضعية: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ (51).
    • أن نجعل تحيتنا الدائمة للناس هي التحية التي شرعها الله: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (61).

تمرين حفظ الصفحة : 351

351

مدارسة الآية : [11] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ ..

التفسير :

[11] إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب، وهو اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة، جماعة منتسبون إليكم -معشر المسلمين- لا تحسبوا قولهم شرّاً لكم، بل هو خير لكم، لما تضمن ذلك مِن تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها، ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، و

لما ذكر فيما تقدم، تعظيم الرمي بالزنا عموما، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة، التي وقعت على أشرف النساء، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذه الآيات، نزلت في قصة الإفك المشهورة، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد.

وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها، ثم استقل الجيش راحلا، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم، وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عرس في أخريات القوم ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال، أشاع ما أشاع، ووشى الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزنا شديدا، فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات، ووعظ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} أي:الكذب الشنيع، وهو رمي أم المؤمنين{ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} أي:جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق [في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين]ومنهم المنافق.

{ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه.

{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة،{ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} أي:معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول -لعنه الله-{ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.

وبعد أن بين - سبحانه - حكم القذف بالنسبة للمحصنات . وبالنسبة للزوجات ، أتبع - عز وجل - ذلك بإيراد مثل لما قاله المنافقون فى شأن السيدة عائشة - رضى الله عنها - . ولما كان يجب على المؤمنين أن يفعلوه فى مثل هذه الأحوال ، فقال - تعالى - : ( إِنَّ الذين . . . ) .

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : " هذه الآيات نزلت فى شأن السيدة عائشة - رضى الله عنها - حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين ، بما قالوه من الكذب البحت ، والفرية التى غار الله - تعالى - لها ولنبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل براءتها صيانة لعرض الرسول صلى الله عليه وسلم .

جاء فى الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . فأقرع بيننا فى غزوة غزاها فخرج سهمى - وكان ذلك فى غزوة بنى المصطلق على الأرجح - ، فخرجت مع النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعدما أُنزل الحجاب ، وأنا أُحمل فى هودج وأنزل فيه .

فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، حتى جاوزت الجيش .

فلما قضيت من شأنى أقبلت إلى الراحلة ، فلمست صدرى ، فإذا عقد لى قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدى فاحتبسنى ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى ، فاحتملوا هودجى ، فرحلوه على بعيرى . وهم يحسبون أنى فيه . وكان النساء إذ ذاك خفافا ، لم يثقلهن اللحم ، فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج ، فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدى بعد ما سار الجيش . فجئت منزلهم ، وليس فيه أحد منهم فيممت منزلى الذى كنت فيه . وظننت أن القوم سيفقدوننى فيرجعون إلى .

فبينا أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عيناى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى ، قد عرَّس - أى تأخر - من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلى فرأى سواد إنسان نائم ، فأتانى فعرفنى حين رآنى . وقد كان يرانى قبل أن يُضْرَب علينا الحجاب .

فاستيقظت باسترجاعه حتى عرفنى . فخمرت وجهى بجلبابى ، والله ما كلمنى كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حين أناخ راحلته ، فوطىء على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بى الراحلة . حتى أتينا الجيش ، بعدما نزلوا فى نحو الظهيرة . فهلك من هلك فى شأنى ، وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبى بن سلول . . . " .

وقد افتتحت هذه الآيات الكريمة بقوله - تعالى - : ( إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ) .

والإفك : أشنع الكذب وأفحشه ، يقال أفِكَ فلان - كضرب وعلم - أَفْكاً ، أى : كذب كذبا قبيحا .

والعصبة : الجماعة من العشرة إلى الأربعين ، من العصب وهو الشد ، لأن كل وأحد منها يشد الآخر ويؤازره .

أى : إن الذين قالوا ما قالوا من كذب قبيح ، وبهتان شنيع ، على السيدة عائشة - رضى الله عنها - هم جماعة ينتسبون إليكم - أيها المسلمون - بعضهم قد استزلهم الشيطان .

- كمسطح بن أثاثة - وبعضهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والنفاق - كعبد الله بن أبى بن سلول - وأتباعه .

وفى التعبير بقوله - تعالى - ( عُصْبَةٌ ) : إشعار بأنهم جماعة لها أهدافها الخبيثة ، التى تواطئوا عل نشرها ، وتكاتفوا على إشاعتها ، بمكر وسوء نية .

وقوله - سبحانه - : ( لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ . . ) تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين الصادقين ، عما أصابهم من هم وغم بسبب هذا الحديث البالغ نهاية دركات الكذب والقبح .

أى : لا تظنوا - أيها المؤمنون - أن حديث الإفك هذا هو شر لكم ، بل هو خير لكم ، لأنه كشف عن قوى الإيمان من ضعيفة . كما فضح حقيقة المنافقين وأظهر ما يضمرونه من سوء للنبى صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته ، وللمؤمنين ، كما أنكم قد نلتم بصبركم عليه وتكذيبكم له أرفع الدرجات عند الله تعالى .

ثم بين - سبحانه - ما أعده لهؤلاء الخائضين فى حديث الإفك من عقاب فقال : ( لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم ) .

أى لكل واحد من هؤلاء الذين اشتركوا فى إشاعة حديث الإفك العقاب الذى يستحقه بسبب ما وقع فيه من آثام ، وما اقترفه من سيئات .

وقوله - تعالى - : ( والذي تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) بيان لسوء عاقبة من تولى معظم إشاعة هذا الحديث الكاذب .

والكبر - بكسر الكاف وضمها - مصدر لمعظم الشىء وأكثره .

أى : والذى تولى معظم الخوض فى هذا الحديث الكاذب ، وحرض على إشاعته ، له عذاب عظيم لا يقادر قدره من الله - تعالى - .

والمقصود بهذا الذى تولى كبره . عبد الله بن أبى بن سلول ، رأس المنافقين وزعيمهم ، فهو الذى قاد حملته ، واضطلع بالنصيب الأكبر لإشاعته .

روى أنه لما جاء صفوان بن المعطل يقود راحلته وعليها عائشة - رضى الله عنها - قال عبد الله بن أبى لمن حوله : من هذه؟ قالوا عائشة فقال - لعنه الله - : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها ، والله ما نجت منه وما نجا منها .

وقال ابن جرير : " والأولى بالصواب قول من قال ، الذى تولى كبره عبد الله بن أبى بن سلول ، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير ، وأن الذى بدأ بذكر الإفك . وكان يجمع أهله ويحدثهم به ، هو عبد الله بن ابى بن سلول " .

وقال الآلوسى : " والذى تولى كبره . . . كما فى صحيح البخارى عن الزهرى عن عروة عن عائشة : هو عبد الله بن أبى - عليه اللعنة - وقد سار على ذلك أكثر المحدثين .

أخرج الطبرانى وابن مردويه عن ابن عمر ، أنه بعد نزول هذه الآيات فى براءة السيدة عائشة دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح فجمع الناس ، ثم تلاها عليهم .

ثم بعث إلى عبد الله بن أبى . فجىء به فضربه حدين ، ثم بعث إلى حسان بن ثابت ، ومسطح . وحمنة بنت جحش فضربوا ضربا وجيعا . . . وقيل إن ابن أبى لم يحد أصلا ، لأنه لم يقر ، ولم يلتزم إقامة البينة عليه تأخيرا لجزائه إلى يوم القيامة " .

هذه العشر الآيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله تعالى لها ولنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، فأنزل [ الله عز وجل ] براءتها صيانة لعرض الرسول ، عليه أفضل الصلاة والسلام فقال : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة ) أي : جماعة منكم ، يعني : ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة ، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، فإنه كان يجمعه ويستوشيه ، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين ، فتكلموا به ، وجوزه آخرون منهم ، وبقي الأمر كذلك قريبا من شهر ، حتى نزل القرآن ، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله ، وكلهم قد حدثني بطائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني ، وبعض حديثهم يصدق بعضا : ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ، قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري ، فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه . وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب - وهم يحسبون أني فيه - قالت : وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام . فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي . فبينا أنا جالسة في منزلي ، غلبتني عيني فنمت - وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش - فادلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني . وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة . فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول . فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ، ثم يقول : " كيف تيكم؟ " فذلك يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع - وهو متبرزنا - ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا . فانطلقت أنا وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن عامر ، خالة أبي بكرالصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب - فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : " تعس مسطح " . فقلت لها : بئسما قلت ، تسبين رجلا [ قد ] شهد بدرا؟ قالت : أي هنتاه ، ألم تسمعي ما قال؟ قلت : وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي . فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ، ثم قال : " كيف تيكم؟ " قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي؟ - قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ، ما يتحدث الناس؟ فقالت : أي بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة ، عند رجل يحبها ، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها . قالت : فقلت : سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ، يستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه له من الود ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا . وأما علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر . قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : " أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ " فقالت له بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها ، أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج ، أمرتنا ففعلنا أمرك . قالت : فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد بن معاذ : لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله . فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عبادة : كذبت! لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [ قائم على المنبر . فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ] يخفضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وبكيت يومي ذلك ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي . قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ، استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس - قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل [ لي ] ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء - قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ، ثم قال : أما بعد يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ، تاب الله عليه . قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : والله ما أدري ما أقول للرسول . فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله . فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله . قالت : فقلت - وأنا جارية حديثة السن ، لا أحفظ كثيرا من القرآن - : [ إني ] والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا ، حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني [ بذلك . ولئن اعترفت لكم بأمر والله عز وجل يعلم أني بريئة تصدقوني ] ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) [ يوسف : 18 ] . قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر يتلى . ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها . قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه ، ولا خرج من أهل البيت أحد ، حتى أنزل الله على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات ، من ثقل القول الذي أنزل عليه . قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، كان أول كلمة تكلم بها أن قال : " أبشري يا عائشة ، أما الله فقد برأك . فقالت لي أمي : قومي إليه . فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل ، هو الذي أنزل براءتي وأنزل الله عز وجل : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) عشر آيات . فأنزل الله هذه الآيات في براءتي قالت : فقال أبو بكر ، رضي الله عنه - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره - : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة . فأنزل الله عز وجل : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى قوله ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) [ النور : 22 ] فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه . وقال : لا أنزعها منه أبدا .

قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - ، عن أمري : يا زينب ، ما علمت ، أو ما رأيت [ أو ما بلغك ] ؟ فقالت يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا . قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله تعالى بالورع . وطفقت أختهاحمنة بنت جحش تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك .

قال ابن شهاب : فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط .

أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، من حديث الزهري . وهكذا رواه ابن إسحاق ، عن الزهري كذلك ، قال : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة . وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ، عن عمرة ، عن عائشة بنحو ما تقدم ، والله أعلم .

ثم قال البخاري : وقال أبو أسامة ، عن هشام بن عروة قال : أخبرني أبي ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطيبا ، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي ، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء ، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ، ولا غبت في سفر إلا غاب معي " . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : ائذن يا رسول الله أن نضرب أعناقهم ، فقام رجل من الخزرج - وكانت أم حسان [ بن ثابت ] من رهط ذلك الرجل - فقال : كذبت ، أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم . حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد ، وما علمت . فلما كان مساء ذلك اليوم ، خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ، فعثرت فقالت : تعس مسطح ، فقلت : أي أم ، أتسبين ابنك؟ وسكتت ، ثم عثرت الثانية فقالت : تعس مسطح . فقلت لها : أي أم ، تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت : تعس مسطح . فانتهرتها فقالت : والله ما أسبه إلا فيك ، فقلت : في أي شأني؟ قالت : فبقرت لي الحديث . فقلت : وقد كان هذا؟ قالت : نعم والله . فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا ، ووعكت ، وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلني إلى بيت أبي . فأرسل معي الغلام ، فدخلت الدار ، فوجدت أم رومان في السفل ، وأبا بكر فوق البيت يقرأ ، فقالت [ لي ] أمي : ما جاء بك يا بنية؟ فأخبرتها ، وذكرت لها الحديث ، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني ، [ فقالت : يا بنية ، خفضي عليك الشأن; فإنه - والله - لقلما كانت امرأة حسناء ، عند رجل يحبها ، لها ضرائر إلا حسدنها ، وقيل فيها وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني ، فقلت : وقد علم به أبي؟ قالت : نعم . قلت : ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : نعم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ] . فاستعبرت وبكيت ، فسمع أبو بكر صوتي ، وهو فوق البيت يقرأ ، فنزل فقال لأمي : ما شأنها؟ قالت : بلغها الذي ذكر من شأنها . ففاضت عيناه وقال : أقسمت عليك - أي بنية - إلا رجعت إلى بيتك فرجعت ، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي ، فسأل عني خادمي فقالت : لا والله ما علمت عليها عيبا ، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها - أو : عجينها - وانتهرها بعض أصحابه فقال : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به ، فقالت : سبحان الله . والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر . وبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له ، فقال : سبحان الله . والله ما كشفت كنف أنثى قط - قالت عائشة : فقتل شهيدا في سبيل الله - قالت : وأصبح أبواي عندي ، فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر ، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي ، عن يميني وعن شمالي ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده " . قالت : وقد جاءت امرأة من الأنصار ، فهي جالسة بالباب ، فقلت : ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا؟ فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالتفت إلى أبي ، فقلت له : أجبه . قال : فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت : أجيبيه . قالت : أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه ، تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ، ثم قلت : أما بعد ، فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل - والله عز وجل يشهد إني لصادقة - ما ذاك بنافعي عندكم ، لقد تكلمتم به ، وأشربته قلوبكم ، وإن قلت : إني قد فعلت - والله يعلم أني لم أفعل - لتقولن : قد باءت به على نفسها ، وإني - والله - ما أجد لي ولكم مثلا - والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه - إلا أبا يوسف حين قال : ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) [ يوسف : 18 ] ، وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من ساعته ، فسكتنا ، فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه ، وهو يمسح جبينه ويقول : " أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله براءتك " قالت : وكنت أشد ما كنت غضبا ، فقال لي أبواي : قومي [ إليه ] فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما ، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه ، وكانت عائشة تقول : أما زينب بنت جحش فقد عصمها الله بدينها ، فلم تقل إلا خيرا . وأما أختها حمنة بنت جحش ، فهلكت فيمن هلك . وكان الذي يتكلم به مسطح وحسان بن ثابت . وأما المنافق عبد الله بن أبي بن سلول فهو الذي [ كان ] يستوشيه ويجمعه ، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة . قالت : وحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحا بنافعة أبدا ، فأنزل الله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى آخر الآية ، يعني : أبا بكر ، ( والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين ) يعني : مسطحا ، إلى قوله : ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) [ النور : 22 ] . فقال أبو بكر : بلى والله يا ربنا ، إنا لنحب أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع .

هكذا رواه البخاري من هذا الوجه معلقا بصيغة الجزم عن أبي أسامة حماد بن أسامة [ أحد الأئمة الثقات . وقد رواه ابن جرير في تفسيره ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبي أسامة ] به مطولا مثله أو نحوه . ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن أبي أسامة ، ببعضه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : لما نزل عذري من السماء ، جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني بذلك ، فقلت : نحمد الله لا نحمدك .

وقال الإمام أحمد : حدثني ابن أبي عدي ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك ، وتلا القرآن ، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم .

وأخرجه أهل السنن الأربعة ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن . ووقع عند أبي داود تسميتهم : حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش .

فهذه طرق متعددة ، عن أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، في المسانيد والصحاح والسنن وغيرها .

وقد روي من حديث أمها أم رومان ، رضي الله عنها ، فقال الإمام أحمد :

حدثنا علي بن عاصم ، أخبرنا حصين ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن أم رومان قالت : بينا أنا عند عائشة ، إذ دخلت عليها امرأة من الأنصار فقالت : فعل الله - بابنها - وفعل . فقالت عائشة : ولم؟ قالت : إنه كان فيمن حدث الحديث . قالت عائشة : وأي حديث؟ قالت : كذا وكذا . قالت : وقد بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : نعم ، وبلغ أبا بكر؟ قالت : نعم ، فخرت عائشة ، رضي الله عنها ، مغشيا عليها ، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض . قالت : فقمت فدثرتها ، قالت : وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما شأن هذه؟ " قلت : يا رسول الله ، أخذتها حمى بنافض . قال : فلعله في حديث تحدث به " . قالت : فاستوت له عائشة قاعدة فقالت : والله لئن حلفت لكم لا تصدقوني ، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني ، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه ( والله المستعان على ما تصفون ) [ يوسف : 18 ] قالت : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عذرها ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبو بكر ، [ فدخل فقال : " يا عائشة ، إن الله تعالى قد أنزل عذرك " . فقالت : بحمد الله لا بحمدك . فقال لها أبو بكر : تقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : نعم . قالت : فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل كان يعولهأبو بكر ] فحلف أبو بكر ألا يصله ، فأنزل الله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى آخر الآية [ النور : 22 ] ، قال أبو بكر : بلى ، فوصله .

تفرد به البخاري دون مسلم ، من طريق حصين وقد رواه البخاري ، عن موسى بن إسماعيل ، عن أبي عوانة - وعن محمد بن سلام - ، عن محمد بن فضيل ، كلاهما عن حصين ، به وفي لفظ أبي عوانة : حدثتني أم رومان . وهذا صريح في سماع مسروق منها ، وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ ، منهم الخطيب البغدادي ، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الخطيب : وقد كان مسروق يرسله فيقول : " سئلت أم رومان " ، ويسوقه ، فلعل بعضهم كتب " سئلت " بألف ، فاعتقد الراوي أنها " سألت " ، فظنه متصلا . قال الخطيب : " وقد رواه البخاري كذلك ، ولم تظهر له علته " . كذا قال ، والله أعلم .

فقوله : ( إن الذين جاءوا بالإفك ) أي : بالكذب والبهت والافتراء ، ( عصبة ) أي : جماعة منكم ، ( لا تحسبوه شرا لكم ) أي : يا آل أبي بكر ( بل هو خير لكم ) أي : في الدنيا والآخرة ، لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة ، وإظهار شرف لهم باعتناء الله بعائشة أم المؤمنين ، حيث أنزل الله تعالى براءتها في القرآن العظيم الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] ولهذا لما دخل عليها ابن عباس ، رضي الله عنه وهي في سياق الموت ، قال لها : أبشري فإنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يحبك ، ولم يتزوج بكرا غيرك ، وأنزل براءتك من السماء .

وقال ابن جرير في تفسيره : حدثني محمد بن عثمان الواسطي ، حدثنا جعفر بن عون ، عن المعلى بن عرفان ، عن محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت عائشة وزينب ، رضي الله عنهما ، فقالت زينب : أنا التي نزل تزويجي [ من السماء ] قال : وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري في كتابه ، حين حملني ابن المعطل على الراحلة . فقالت لها زينب : يا عائشة ، ما قلت حين ركبتيها؟ قالت : قلت : حسبي الله ونعم الوكيل . قالت : قلت كلمة المؤمنين .

وقوله : ( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ) أي : لكل من تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، بشيء من الفاحشة ، نصيب عظيم من العذاب .

( والذي تولى كبره ) قيل : ابتدأ به . وقيل : الذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه ، ( له عذاب عظيم ) أي : على ذلك .

ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي بن سلول - قبحه الله ولعنه - وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث ، وقال ذلك مجاهد وغير واحد .

وقيل : بل المراد به حسان بن ثابت ، وهو قول غريب ، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة ، فإنه من الصحابة الذين كان لهم فضائل ومناقب ومآثر ، وأحسن محاسنه أنه كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بشعره ] ، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هاجهم وجبريل معك "

وقال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة ، رضي الله عنها ، فدخل حسان بن ثابت ، فأمرت فألقي له وسادة ، فلما خرج قلت لعائشة : ما تصنعين بهذا؟ يعني : يدخل عليك - وفي رواية قيل لها : أتأذنين لهذا يدخل عليك ، وقد قال الله : ( والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ؟ قالت : وأي عذاب أشد من العمى - وكان قد ذهب بصره - لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم . ثم قالت : إنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها [ شعرا ] يمتدحها به ، فقال :

حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فقالت : أما أنت فلست كذلك . وفي رواية : لكنك لست كذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن قزعة ، حدثنا سلمة بن علقمة ، حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة أنها قالت : ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان ، ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة ، قوله لأبي سفيان - يعني ابن [ الحارث ] بن عبد المطلب - :

هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

أتشتمه ، ولست له بكفء؟ فشركما لخيركما الفداء

لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء

فقيل : يا أم المؤمنين ، أليس هذا لغوا؟ قالت : لا إنما اللغو ما قيل عند النساء . قيل : أليس الله يقول ( والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ، قالت : أليس قد أصابه [ عذاب ] عظيم؟ [ أليس ] قد ذهب بصره وكنع بالسيف؟ تعني : الضربة التي ضربه إياها صفوان بن المعطل [ السلمي ] ، حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك ، فعلاه بالسيف ، وكاد أن يقتله .

يقول تعالى ذكره: إن الذين جاءوا بالكذب والبهتان ( عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) يقول: جماعة منكم أيها الناس.( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) يقول: لا تظنوا ما جاءوا به من الإفك شرّا لكم عند الله وعند الناس، بل ذلك خير لكم عنده وعند المؤمنين، وذلك أن الله يجعل ذلك كفارة للمرمي به ويظهر براءته مما رمي به، ويجعل له منه مخرجا. وقيل: إن الذي عنى الله بقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) : جماعة، منهم حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش. كما حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة: أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: كتبت إليّ تسألني في الذين جاءوا بالإفك، وهم كما قال الله: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) وأنه لم يسمّ منهم أحد إلا حسان بن ثابت، ومسْطَح بن أثاثة، وَحَمْنة بنت جَحْش، وهو يقال في آخرين لا علم لي بهم; غير أنهم عصبة كما قال الله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُريج، عن مجاهد، قوله: ( جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) هم أصحاب عائشة، قال ابن جريج: قال ابن عباس: قوله: ( جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ )... الآية، الذين افتروا على عائشة: عبد الله بن أُبيّ، وهو الذي تولى كبره، وحسان بن ثابت، ومسطح، وحمنة بنت جحش.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) الذين قالوا لعائشة الإفك والبهتان.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) قال: الشرّ لكم بالإفك الذي قالوا، الذي تكلَّموا به، كان شرّا لهم، وكان فيهم من لم يقله، إنما سمعه، فعاتبهم الله، فقال أول شيء: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) ثم قال: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).

وقوله: ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ ) يقول: لكل امرئ من الذين جاءوا بالإفك جزاء ما اجترم من الإثم، بمجيئه بما جاء به، من الأولى عبد الله.

وقوله: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ) يقول: والذي تحمل معظم ذلك الإثم والإفك منهم هو الذي بدأ بالخوض فيه.

كما حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ) يقول: الذي بدأ بذلك.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) قال: أصحاب عائشة عبد الله بن أُبيّ ابن سلول، ومسطح، وحسان.

قال أبو جعفر: له من الله عذاب عظيم يوم القيامة.

وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( كِبْرهُ ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار: ( كِبْرَهُ ) بكسر الكاف، سوى حميد الأعرج، فإنه كان يقرؤه " كُبْرهُ" بمعنى: والذي تحمل أكبره.

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: القراءة التي عليها عوامّ القرّاء، وهي كسر الكاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأن الكبر بالكسر: مصدر الكبير من الأمور، وأن الكبر بضم الكاف إنما هو من الولاء والنسب من قولهم: هو كُبر قومه، والكبر في هذا الموضع: هو ما وصفناه من معظم الإثم والإفك. فإذا كان ذلك كذلك، فالكسر في كافه هو الكلام الفصيح دون ضمها، وإن كان لضمها وجه مفهوم.

وقد اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ) الآية، فقال بعضهم: هو حسان بن ثابت.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، قال: ثنا داود، عن عامر، أن عائشة قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان:

هَجَـــوْتَ مُحَــمَّدًا فَـأَجَبْتُ عَنْـهُ

وَعِنْــدَ اللــه فــي ذاكَ الجَـزَاءُ

فــإنَّ أبـــي وَوَالِــدَهُ وَعِـرْضي

لِعِــرْضِ مُحــمّدٍ مِنْكُــمْ وقــاءُ

أتَشْــتُمُهُ وَلَسْــتَ لَــهُ بكُــفءٍ

فَشَـــرُّكُما لِخَيْرِكُمـــا الفِـــداءُ

لســانِي صَـــارمٌ لا عَيْــبَ فِيـه

وبَحْـــري لا تُكَـــدّرهُ الــدّلاءُ (1)

فقيل: يا أم المؤمنين، أليس هذا لغوا؟ قالت; لا إنما اللَّغو ما قيل عند النساء. قيل: أليس الله يقول: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم، أليس قد ذهب بصره، وكُنِّع بالسيف (2) .

قال: ثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: كنت عند عائشة، فدخل حسان بن ثابت، فأمرت، فألقي له وسادة; فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا، وقد قال الله ما قال؟ فقالت: قال الله: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وقد ذهب بصره، ولعلّ الله يجعل ذلك العذاب العظيم: ذهاب بصره.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة، فشبَّب بأبيات له، فقال:

وتصبح غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِل (3)

فقالت عائشة: أما إنك لست كذلك، فقلت: تدعين هذا الرجل يدخل عليك، وقد أنـزل الله فيه: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ ) الآية؟ فقالت: وأيّ عذاب أشدّ من العمى، وقالت: إنه كان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال: ثنا جعفر بن عون، عن المُعَلَّى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جحش، قال: تفاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا التي نـزل تزويجي من السماء قال: وقالت عائشة: أنا التي نـزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطّل على الراحلة، فقالت لها زينب: يا عائشة، ما قلت حين ركبتيها، قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، قالت: قلت كلمة المؤمنين.

وقال آخرون: هو عبد الله بن أُبَي ابن سلول.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الذين تكلموا فيه: المنافق عبد الله بن أُبي ابن سلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره، ومسطح، وحسان بن ثابت.

حدثنا سفيان، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقاص وغيره أيضا، قالوا: قالت عائشة: كان الذي تولى كبره: الذي يجمعهم في بيته، عبد الله بن أُبي ابن سلول.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن شهاب، قال: ثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قالت: كان الذي تولى كبره: عبد الله بن أُبي.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا ) الآية، الذين افتروا على عائشة: عبد الله بن أُبي، وهو الذي تولى كبره، وحسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش.

حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة في الذين جاءوا بالإفك، يزعمون أنه كان كِبْرُ ذلك عبد الله بن أُبي ابن سلول، أحد بني عوف بن الخزرج، وأخبرت أنه كان يحدّث به عنهم، فيقرّه ويسمعه ويستوشيه.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أما الذي تولى كبره منهم، فعبد الله بن أُبي ابن سلول الخبيث، هو الذي ابتدأ هذا الكلام، وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت، ثم جاء يقود بها.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والذي تولى كبره هو عبد الله بن أُبي ابن سلول، وهو بدأه.

وأولى القولين في ذلك بالصواب: قول من قال: الذي تولى كبره من عصبة الإفك، كان عبد الله بن أُبي، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير، أن الذي بدأ بذكر الإفك، وكان يجمع أهله ويحدثهم، عبد الله بن أُبي ابن سلول، وفعله ذلك على ما وصفت كان توليه كبر ذلك الأمر.

وكان سبب مجيء أهل الإفك، ما حدَّثنا به ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، ثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدّق بعضا:

زعموا أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعد ما أنـزل الحجاب، وأنا أحمل في هودجي وأنـزل فيه فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل إلى المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني، أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جَزْع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يُهَبِّلْهُن ولم يَغْشَهن اللحم، إنما يأكلن العُلْقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السنّ، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منـزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني ويرجعون إليّ، فبينا أنا جالسة في منـزلي، غلبتني عيني، فنمت حتى أصبحت. وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منـزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلمت بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعدما نـزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أُبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول: " كيف تيكم؟ " فذلك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت، فخرجت مع أمّ مسطح قبل المناصع، وهو متبرّزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنـزه (4) وكنا نتأذّى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي ابنة أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟ فقالت: أي هنتاه، أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي، فلما رجعت إلى منـزلي، ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: " كيف تيكم؟ " فقلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قال: " نعم "، قالت: وأنا (5) حينئذ أريد أن أستثبت الخبر من قِبَلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ، فقلت لأمي: أي أمتاه، ماذا يتحدّث الناس؟ فقالت: أي بنية، هوّني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله، أو قد تحدّث الناس بهذا وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدخل عليّ أبو بكر وأنا أبكي، فقال لأمي: ما يبكيها؟ قالت: لم تكن علمت ما قيل لها، فأكبّ يبكي، فبكى ساعة، ثم قال: اسكتي يا بنية، فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلي المقبل لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى ظن أبواي أن البكاء سيفلق كبدي.

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، وأُسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أُسامة، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الود فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما عليّ فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، يعني: بريرة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَرِيرة، فقال: " هَلْ رأيْت منْ شَيء يَرِيبُكِ مِنْ عائِشَةَ؟ " قالت له بريرة: والذي بعثك بالحقّ، ما رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه عليها، أكثر من أنها حديثة السنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله، فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: " مَنْ يَعْذُرُني مِمَّنْ قَدْ بَلَغني أذَاهُ في أهْلِي؟ " يعني عبد الله بن أُبيّ ابن سلول، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر أيضا: " يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَني أذَاهُ فِي أهْلِي؟ فَوَاللهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي إلا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلا ما عَلِمْتُ عَلَيْه إلا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُل على أهْلِي إلا مَعي" فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك؛ فقام سعد بن عبادة، فقال، وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: أي سعد بن معاذ لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمة سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله &; 19-123 &; صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا، ثم أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في بيت أبويّ، فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي; قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جلس عندي، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحَى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: " أمَّا بَعْدُ يَا عائشَةُ، فإنَّهُ بَلَغَني عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْت بَرِيئَةً فَسَيُبَرئُكِ اللهُ، وإن كُنْتِ ألمَمْتِ بِذَنْبٍ، فاسْتَغْفِري اللهَ، وَتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَف بِذَنْبِهِ ثُمَّ تابَ، تابَ اللهُ عَلَيْهِ". فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي، حتى ما أحسّ منه دمعة، قلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرًا من القرآن: إني والله قد عرفت أن قد سمعتم بهذا، حتى استقرّ في أنفسكم، حتى كدتم أن تصدِّقوا به، فإن قلت لكم: إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف (6) فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ثم تولّيت واضطجعت على فراشي، وأنا والله أعلمُ أني بريئة، وأن الله سيبرّئني ببراءتي، ولكني والله ما كنت أظنّ أن ينـزل في شأني وحي يُتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام رؤيا يبرّئني الله بها، قالت: والله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من البيت أحد حتى أنـزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي، من ثقل القول الذي أُنـزل عليه، قالت: فلما سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، كان أوّل كلمة تكلم بها أن قال: " أبْشِرِي يا عائِشَةُ، إنَّ اللهَ قَدْ برَّأك!" فقالت لي أمي، قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنـزل براءتي. فأنـزل الله: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) عشر آيات، فأنـزل هذه الآيات براءة لي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، قالت: فأنـزل الله: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ حتى بلغ: غَفُورٌ رَحِيمٌ فقال أبو بكر: إني لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنـزعها منه أبدا.

قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، وما رأت، وما سمعت، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما رأيت إلا خيرا، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب، فهلكت فيمن هلك.

قال الزهري بن شهاب: هذا الذي انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، وعن علقمة بن وقاص الليثي، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة بن الزبير، وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود، قال الزهري: كلّ قد حدثني بعض هذا الحديث، وبعض القوم كان له أوعى من بعض. قال: وقد جمعت لك كل الذي قد حدثني.

وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة; قال: وثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة قال: وثني عبد الله بن بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: وكل قد اجتمع في حديثه قصة خبر عائشة عن نفسها، حين قال أهل الإفك فيها ما قالوا، وكله قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا، ويحدث بعضهم ما لم يحدث بعض، وكلّ كان عنها ثقة، وكلّ قد حدّث عنها ما سمع.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه، فلما كانت غزاة بني المصطلق، أقرع بين نسائه، كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهنّ، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت: وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العلق، لم يهيجهن اللحم فيثقلن؛ &; 19-125 &; قالت: وكنت إذا رحل بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين يرحلون بي بعيري ويحملوني، فيأخذون بأسفل الهودج يرفعونه فيضعونه على ظهر البعير، فينطلقون به؛ قالت: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك، وجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة، نـزل منـزلا فبات بعض الليل، ثم أذن في الناس بالرحيل. فلما ارتحل الناس، خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي من جزع ظَفَار، فلما فرغت انسلّ من عنقي وما أدري; فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل، قالت: فرجعت عَوْدِي إلى بَدْئي، إلى المكان الذي ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته، وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون بي البعير.

ثم ذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا وما علمت فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: " أمَّا بَعْدُ أشِيرُوا عَلَيَّ في أُناسٍ أبَنُوا أهْلِي، واللهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي سُوءًا قَطُّ، وأبَنوهُم بمَنْ واللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوءًا قَطُّ، ولا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إلا وأنا حاضِرٌ، ولا أغِيبُ في سَفَرٍ إلا غَابَ مَعِي" فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، نرى أن نضرب أعناقهم، فقام رجل من الخزرج، وكانت أمّ حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال: كذبت، أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شر، وما علمت به، فلما كان مساء ذلك اليوم، خرجت لبعض حاجتي ومعي أمّ مسطح، فعثرت، فقالت: تعس مسطح، فقلت علام تسبين ابنك فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تعس مسطح، قلت: علام تسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثالثة، فقالت: تعس مسطح فانتهرتها وقلت: علام تسبين ابنك؟ قالت: والله ما أسبه إلا فيك، قلت: في أيّ شأني، فبقرت (7) لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، قالت: فرجعت إلى بيتي فكأن الذي خرجتُ له لم أخرج له، ولا أجد منه قليلا ولا كثيرا، ووعكت، فقلت: يا رسول الله، أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار فإذا أنا بأمي أمّ رومان، قالت: ما جاء بك يا بُنية؟ فأخبرتها، فقالت: خفِّضي عليك الشأن، &; 19-126 &; فإنه والله ما كانت امرأة جميلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقلن فيها، قلت: وقد علم بها أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم، فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنـزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من أمرها، ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك إلا رجعت إلى بيتك.

فرجعت ، فأصبح أبواي عندي، فلم يزالا عندي حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بعد العصر، وقد اكتنفني أبواي، عن يميني، وعن شمالي، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: " أمَّا بَعْدُ يا عائِشَةُ، إن كُنْتِ قَارفتِ سُوءًا أوْ ألمَمْتِ فَتُوبِي إلى الله، فإنَّ الله يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه " وقد جاءت امرأة من الأنصار وهي جالسة، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تقول شيئا؟ فقلت لأبي: أجبه، فقال: أقول ماذا؟ قلت لأمي: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهدت، فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد، فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل، والله يعلم إني لصادقة ما ذا بنافعي عندكم، لقد تكلم به وأشربته قلوبكم، وإن قلت إني قد فعلت، والله يعلم أني لم أفعل، لتقولنّ قد باءت به على نفسها، وأيم الله، ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف وما أحفظ اسمه: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ وأنـزل الله على رسوله ساعتئذ، فرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه يقول: " أبْشِرِي يا عائِشَةُ، فَقَدْ أنـزلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ" فكنت أشدّ ما كنت غضبا، فقال لي أبواي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده ولا أحمدكما، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، ولكني أحمد الله الذي أنـزل براءتي. ولقد جاء رسول الله بيتي، فسأل الجارية عني، فقالت: والله ما أعلم عليها عيبا، إلا أنها كانت تنام حتى كانت تدخل الشاة فتأكل حصيرها أو عجينها، فانتهرها بعض أصحابه، وقال لها: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة: فعتب على من قاله، فقال: لا والله ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر، وبلغ ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله ما كشفت كنف أنثى قطّ، فقتل شهيدا في سبيل الله، قالت عائشة: فأما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرا، وأما حمنة أختها، فهلكت فيمن هلك، وكان الذين تكلموا فيه: المنافق عبد الله بن أُبي ابن سلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره، ومسطحا، وحسان بن ثابت، فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة، فأنـزل الله: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ . يعني أبا بكر، أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ يعني: مسطحا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال أبو بكر: بلى والله، إنا لنحبّ أن يغفر الله لنا، وعاد أبو بكر لمسطح بما كان يصنع به.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقاص وغيره أيضا، قال: خرجت عائشة تريد المذهب (8) ومعها أمّ مسطح، وكان مسطح بن أثاثة ممن قال ما قال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل ذلك، فقال: " كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِيني فِي أهْلِي ويَجْمَعُ في بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِيني؟ " فقال سعد بن معاذ: أي رسول الله، إن كان منا معشر الأوس جلدنا رأسه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا فأطعناك، فقال سعد بن عبادة: يا بن معاذ، والله ما بك نصرة رسول الله، ولكنها قد كانت ضغائن في الجاهلية، وإحن لم تحلل لنا من صدوركم بعد، فقال ابن معاذ: الله أعلم ما أردت، فقام أسيد بن حضير فقال: يا بن عبادة، إن سعدا ليس شديدا، ولكنك تجادل عن المنافقين، وتدفع عنهم، وكثر اللغط في الحيين في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على المنبر، فما زال النبيّ صلى الله عليه وسلم يومئ بيده إلى الناس هاهنا وهاهنا، حتى هدأ الصوت.

وقالت عائشة: كان الذي تولى كبره، والذي يجمعهم في بيته، عبد الله بن أُبي ابن سلول، قالت: فخرجت إلى المذهب ومعي أمّ مسطح، فعثرت، فقالت: تعس مسطح، فقلت: غفر الله لك، أتقولين هذا لابنك ولصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت ذلك مرّتين، وما شعرت بالذي كان، فحُدثت، فذهب عني الذي خرجت له، حتى ما أجد منه شيئا،

ورجعت على أبويّ: أبي بكر، وأمّ رومان فقلت: أما اتقيتما الله في وما وصلتما رحمي؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي قال، وتحدّث الناس بالذي تحدثوا به ولم تعلماني، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أي بنية، والله لقلما أحبّ رجل قطّ امرأته إلا قالوا لها نحو الذي قالوا لك، أي بنية ارجعي إلى بيتك حتى نأتيك فيه، فرجعت وارتكبني صالب من حمى، فجاء أبواي فدخلا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على سريري وجاهي، فقالا أي بنية، إن كنت صنعت ما قال الناس فاستغفري الله، وإن لم تكوني صنعتيه فأخبري رسول الله بعذرك، قلت: ما أجد لي ولكم إلا كأبي يوسف فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قالت: فالتمست اسم يعقوب فما قدرت، أو فلم أقدر عليه، فشخص بصر رسول الله إلى السقف، وكان إذا نـزل عليه وجد قال الله: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا فوالذي هو أكرمه، وأنـزل عليه الكتاب ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا، ثم مسح عن وجهه، فقال: " يا عائشَةُ أبْشرِي، قد أنـزل اللهُ عُذْرَك " قلت: بحمد الله لا بحمدك، ولا بحمد أصحابك، قال الله: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ )... حتى بلغ وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ وكان أبو بكر حلف أن لا ينفع مسطحا بنافعة، وكان بينهما رحم، فلما أنـزلت: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ ... حتى بلغ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال أبو بكر: بلى، أي ربّ، فعاد إلى الذي كان لمسطح إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ... حتى بلغ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قالت عائشة: والله ما كنت أرجو أن ينـزل فيّ كتاب ولا أطمع به، ولكن أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا تذهب ما في نفسه، قالت: وسأل الجارية الحبشية فقالت: والله لعائشة أطيب من طيب الذهب، وما بها عيب إلا أنها ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها، ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله، قال: فعجب الناس من فقهها.

--------------------------

الهوامش :

(1) هذه الأبيات الأربعة لحسان بن ثابت الأنصاري ، شاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، يهجو بها أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب شاعر قريش قبل إسلامه . وهي من قصيدته التي مطلعها : : " عفت ذات الأصابع فالجواء " . والأبيات قرب نهاية القصيدة ، وقبلها .

ألا أبلـــغ أبــا ســفيان عنــي

مغلغلـــة فقــد بــرح الخفــاء

= ( وانظر القصيدة في سيرة ابن هشام طبعة الحلبي ج 4 : 64 - 66 ) وقد استشهد بها المؤلف على أن حسان كان ممن خاض في حديث الإفك الذي رميت به أم المؤمنين عائشة المبرأة ، رضي الله عنها

(2) كنع بالسيف : ضرب به حتى يبس جلده ( اللسان )

(3) هذا عجز بيت لحسان بن ثابت ، من أبيات له في مدح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه بعد أن نزلت براءتها في سورة النور ، من الإفك الذي خاض فيه بعض الصحابة ، وكان حسان من أشدهم خوضًا فيه ، حتى إذا حصحص الحق ، وظهرت براءة أم المؤمنين ندم حسان واعتذر ، وقال يمدحها في أبيات له . وصدر البيت * حصـان رزان مـا تـزن بريبة *

والحصان : العفيفة والرزان : الرزينة الثابتة التي لا يستخفها الطيش . وتزن ترمي وتتهم . والريبة : التهمة والشك . وغرثى : جائعة ، يريد لا تغتاب النساء ، والغوافل : جمع غافلة ، وهي التي غفل قلبها عن الشر ( وانظر سيرة ابن هشام طبعة الحلبي 3 : 319 ، 320 )

(4) كذا رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 17 : 106 ) بشرح النووي . وفي صحيح البخاري طبعة الحلبي ( 5: 150 ) : البرية قبل الغائط ، في مكان : التنزه

(5) هذه رواية مسلم . وفي صحيح البخاري ( 5 : 150 ) : قالت : أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت : فأذن .. . إلخ

(6) لم تذكر أم المؤمنين رضي الله عنها اسم النبي يعقوب أبي يوسف عليهما السلام ، لأنها كانت جارية حديثة السن ، ولم تقرأ كثيرًا من القرآن بعد

(7) ‌بقرت لي الحديث : أخبرتني به مفصلا

(8) المذهب : مكان التبرز في الخلاء

التدبر :

وقفة
[11] ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ﴾ [مريم: 30]، ﴿إن الذين جاءوا بالإفك﴾ أنطق ﷲ رضيعًا من أجل عِرض امرأة، وأنزل ﷲ آيات تتلى إلى يوم القيامة من أجل عِرض امرأة، أيها الخائضون في الأعراض إن شأنها عند ﷲ عظيم.
وقفة
[11] ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ بين أهل الإفك عصبة ونصرة؛ وبين أهل الإيمان ألفة ومحبة.
وقفة
[11] ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ من بني جلدتكم يغشون مجالسكم يتكلمون بألسنتكم؛ ملأ قيحهم صحفكم وشاشاتكم ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون: 4].
وقفة
[11] ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ المنافقون قد يستدرجون بعض المؤمنين لمشاركتهم في أعمالهم.
وقفة
[11] ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ جاءت هذه الآيات بعد آيات اللعان؛ ليبين عز وجل أن هذا حكم الله فيمن قذف زوجة أو امرأة، قد تكون أمًا لفرد أو مجموعة من الناس، فكيف الأمر بعقوبة من قذف من هي أم للمؤمنين جميعًا، وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقفة
[11] ﴿إِنَّ الَّذينَ جاءوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم﴾ سيظل المنافق خافيًا عنك ما فى قلبه، حتى يخوض فى عرض غيره بسوء، وقتها سيُكشف أمره.
وقفة
[11] ﴿إِنَّ الَّذينَ جاءوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم﴾ تأملوا كلمة (منكم) فهم بينا ولا نعلمهم!
وقفة
[11] قضاء الله تعالى للمؤمن كله خير له؛ فلا تحزن على ما أصابك؛ فلعله خيرٌ أريد بك ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] إذا زَكَّى إمام من الأئمة أحدًا فهذه منقبة، وإذا كان المزكي هو الرسول ﷺ فلا سبيل إلى الجرح، فكيف إذا كان المزكي والشاهد بالفضل هو الله جل وعلا؟ هذا ما وقع لجميع أمهات المؤمنين، وخصوصًا عائشة رضي الله عنها التي أنزل الله في براءتها في 16 آية من سورة النور ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
عمل
[11] اقرأ حادثة الإفك من صحيح البخاري، ثم استخرج منها ثلاث فوائد ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] حادث عظيم ظاهره الشر وباطنه خير على المسلمين؛ أحرقت نارُ رمضائه المنافقين! ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] المِحن تُميّز الصفوف، وتُظهر الحق الملتبس، لا تحسبوه شرًا لكم ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] يُخرج الله من المكروهات مصالح للأمة، فقذف عائشة أخرج المنافقين واختبر الصادقين ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ قضاءُ اللهِ للمُؤمنِ كلُّه خيرٌ له، فلا تَحزَنْ على ما أصَابَكَ، فلَعلَّه خيرٌ أُرِيدَ بكَ، ففي قذفِ عائشةَ رفعةٌ لها وفضحٌ للمُنافقين.
عمل
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم﴾ اكتبوا الآية في طريق نضالكم، وارتشفوها في أصباحكم، وطرزوا بها شاشاتكم، واكتسحوا بها أوجاعكم، والله معكم.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم﴾ يستفاد منه: عظيم الأجر بالحزن لأجل المسلمين.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ هذه الجملة جاءت في أول آية من الآيات التي نزلت في قصة الإفك، الذي يجدد طرحه أهل إفك آخرون -هذه الأيام- ممن كذبوا القرآن الذي برأها، وصدق الله: ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، فكم كان لهذا الحدث من أثر في يقظة الأمة وتبصيرها بحقيقة القوم، وغيرها من الحكم.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ لو سلمنا من بعض (ظنوننا) لسلمنا من شرور.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ عودة الأفاكين إلى عرض أمنا عائشة من جديد خير للأمة لتفتضح الرافضة ويجدد الدين.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ قال الزمخشري: «ومعنى کونه خيرًا لهم أنه اكتسبوا فيه الثواب العظيم؛ لأنه كان بلاء ومحنة ظاهرة، وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية، كل واحدة منها مستقلة، بما هو تعظيم لشأن رسول الله وتسلية له، وتنزيه لأم المؤمنين رضوان الله عليها وتطهير لأهل البيت، وتهويل لمن تكلم في ذلك، أو سمع به فلم تمجه أذناه، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة، وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها».
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ كم من مظلوم عاش حزينًا بسبب زلة لسان وانتشارها! إلا العفيفات سيبرئهم الله.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ كم من بلاء كان رفعة لصاحبه في الدنيا والآخرة! لا تحزن سيجبر الله خاطرك وسيعوضك.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ ثق بأن الله لم يبتليك إلا ليطهرك ويزكيك.
اسقاط
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ نزلت في أعظم ابتلاءات مرت ببيت النبوة، ألا يبعث هذا على التفاؤل في جميع أمورك.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ مدرسة للتفاؤل، والإيجابية، وأن المحن قد تأتي بالمنح، والعسر يعقبه يسر.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ نزلت هذه الآية في حادثة الإفك التي تعرضت لها أمنا عائشة رضي الله عنها، ‏وكان من الخير المتحقق: ‏هو أن الأقنعة قد سقطت‏، وتبيّن للناس العدو من الحبيب، ‏‏ومن هدايات الآية التي يستشعرها المسلم: مهما كان الألم كبيرًا بسبب رؤية الناس على حقيقتهم، فهو خير من الانخداع بهم لمدة طويلة.
وقفة
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ حتى في أعظم البلايا وأشد المصائب؛ هناك خيرٌ نجهله ولا نعرفه.
عمل
[11] ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ اجعلها نصب عينيك، وستجد صدرك انشرح، وغمك زال، ونفسك ارتاحت، وهذا حسن الظن بربك.
عمل
[11] ثق ولا تقنط، ﻷن سفينة الأمل لا تحمل اليائسين، ولن يركبها إلا متفائل، فإن في قذف عائشة رفعةً لها وفضحًا للمنافقين ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] إنك ستبتلى؛ فضع نصب عينيك الوصية: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ الثبات، الثبات ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ [البقرة: 45].
عمل
[11] لا تجزع من قضاء نزل بك، بل كن محسنًا الظن بالله، وقل: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، فكل قضاء الله خير.
لمسة
[11] إن ضاقت بك السبل، لا تظن أن الله يمكر بعبده! حرك شفتيك بها: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] سبحان الله كلما فترت الأمة في توقير رسولها؛ انتدب الشيطان من يهزأ به لندفع عنه ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
وقفة
[11] من أعظم أدلة التفاؤل: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، مع أنها نزلت في حادثة الإفك التي تعتبر من أعظم الابتلاءات التي مرت ببيت النبوة.
وقفة
[11] ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ خطاب للمسلمين، والخير في ذلك من خمسة أوجه: تبرئة أم المؤمنين، وكرامة من الله لها بإنزال الوحي في شأنها، والأجر الجزيل لها في الفرية عليها، وموعظة المؤمنين، والانتقام من المفترين.
وقفة
[11] برغم ما في حادث الإفك من بهتان وأذى قال الله عنه: ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾؛ لأنه سبحانه أعلم منا بما هو خير لنا.
وقفة
[11] قال الله تعالى لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد محنة دامت أربعين يومًا، وقد قطع البكاء كبدها: ﴿بل هو خير لكم﴾؛ فمهما طالت الكربة واشتدت ستؤول إلى خير.
وقفة
[11] ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ إذا كان الوعيد الذي نزل في شأن من قذفوا عائشة رضي الله عنها بهذه الشدة والتهديد، والآيات لم تنزل إلا بعد حدوث الإفك، فكيف سيكون الحال فيمن قذفها بعد نزول الآيات الصريحة في براءتها؟!
وقفة
[11] إلى من يتسابق في نشر المقاطع المحرمة في الجوال أو النت: تأمل قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، ففي الآية دليل على أن من سن شرًّا أعظم إثمًا ممن وافقه عليه؛ لأن المتولي للكبر كان السابق إلى الإفك، وسائرهم صدق قوله، فاستوجب ضعف العذاب.
تفاعل
[11] ﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[11] قصة الإفك تُعلم الأجيال: حقد المتربصين، أهمية حفظ اللسان، التثبُّت، عاقبة الصبر، آدب التعامل.
وقفة
[11] إلى من ينشر صورًا أو مقالات لا ترضي الله في مواقع التواصل؛ تأمل: ﴿والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾.
وقفة
[11] إن كان الوعيد الوارد في شأن القاذفين بهذه الشدة، والآيات لم تنزل إلا بعد حدوث الإفك، فكيف بمن قذفها بعد الصراحة ببراءتها؟!
وقفة
[11] من فضائل عائشة رضي الله عنها: أن الله برَّأها من فوق سبع سموات، وأنزل في ذلك عشر آيات تتلى إلى يوم القيامة، فمَن رماها بالسوء فقد كذَّب القرآن.
وقفة
[11] ﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ لم يتكرر لفظ (عظيم) في القرآن كتكراره في آيات حادثة الإفك.
وقفة
[11] ورَدَ في حادثة الإفك: ﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، ﴿فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [14]، ﴿وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [15]، ﴿هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [16]؛ شأن الأعراض عند الله عظيم.
وقفة
[11] ختم الآية: ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ فيه دلالة على عدم معرفة قدر العذاب ولا ألمه، بعكس (أليم) فكل ذاق الألم.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم إِنَّ».
  • ﴿ جاؤُ بِالْإِفْكِ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. جاءوا:فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالإفك: أي بالكذب: جار ومجرور متعلق بجاءوا.
  • ﴿ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ:
  • خبر إِنَّ» مرفوع بالضمة. منكم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من عصبة. والميم علامة جمع الذكور ويجوز أن تكون عُصْبَةٌ» خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم. والجملة الاسمية «هم» عصبة في محل رفع خبر إِنَّ».
  • ﴿ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ:
  • الجملة: في محل نصب حال. لا: ناهية جازمة. تحسبوه: فعل مضارع مجزوم بلا. وهو من أفعال القلوب التي تنصب مفعولين. وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. شرا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. لكم: جار ومجرور متعلق بشر والميم علامة جمع الذكور. والمخاطبون هم المكذوب عليهم
  • ﴿ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:
  • بل: حرف اضراب للاستئناف والجملة الاسمية بعده:مستأنفة لا محل لها. هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. خير: خبر هُوَ» مرفوع بالضمة. لكم: أعربت بمعنى: هو خير لكم لما تؤجرون عليه.
  • ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ:
  • جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. امرئ: مضاف إليه مجرور بالكسرة. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من اِمْرِئٍ».
  • ﴿ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. اكتسب: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من الإثم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول مَا» وجملة اِكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ» صلة الموصول لا محل لها.والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير: ما اكتسبه من الذنب.
  • ﴿ وَالَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ:
  • الواو استئنافية. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. تولى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة تَوَلّى كِبْرَهُ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. كبره: أي معظمه: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. منهم:أعرب وهو متعلق بحال محذوفة من «الذين».
  • ﴿ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «الذي» له: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.عظيم: صفة-نعت-لعذاب مرفوعة بالضمة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو يَعْلى، قالَ: حَدَّثَنا أبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمانَ المَدَنِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةَ بْنِ وقّاصٍ وعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ قالَ فِيها أهْلُ الإفْكِ ما قالُوا، فَبَرَّأها اللَّهُ تَعالى مِنهُ. قالَ الزُّهْرِيُّ: وكُلُّهم حَدَّثَنِي طائِفَةً مِن حَدِيثِها، وبَعْضُهم كانَ أوْعى لِحَدِيثِها مِن بَعْضٍ وأثْبَتَ اقْتِصاصًا، ووَعَيْتُ عَنْ كُلِّ واحِدٍ الحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، ذَكَرُوا أنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَيْنَ نِسائِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِها مَعَهُ. قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: فَأقْرَعَ بَيْنَنا في غَزْوَةٍ غَزاها، فَخَرَجَ فِيها سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وذَلِكَ بَعْدَما نَزَلَتْ آيَةُ الحِجابِ، فَأنا أُحْمَلُ في هَوْدَجِي وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنا حَتّى فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن غَزْوِهِ وقَفَلَ، ودَنَوْنا مِنَ المَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ ومَشَيْتُ حَتّى جاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإذا عِقْدٌ مِن جَزْعِ ظَفارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فالتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغاؤُهُ، وأقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كانُوا يَرْحَلُونَ بِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أرْكَبُ، وهم يَحْسَبُونَ أنِّي فِيهِ. قالَتْ عائِشَةُ: وكانَتِ النِّساءُ إذْ ذاكَ خِفافًا لَمْ يُهَبَّلْنَ، ولَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ ورَفَعُوهُ، وكُنْتُ جارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وسارُوا، ووَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنازِلَهم ولَيْسَ بِها داعٍ ولا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وظَنَنْتُ أنَّ القَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ، فَبَيْنا أنا جالِسَةٌ في مَنزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنايَ فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِن وراءِ الجَيْشِ فادَّلَجَ، فَأصْبَحَ عِنْدَ مَنزِلِي، فَرَأى سَوادَ إنْسانٍ نائِمٍ، فَأتانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وقَدْ كانَ يَرانِي قَبْلَ أنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الحِجابُ، فاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وجْهِي بِجِلْبابِي، واللَّهِ ما كَلَّمَنِي بِكَلِمَةٍ، ولا سَمِعْتُ مِنهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجاعِهِ، حَتّى أناخَ راحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلى يَدِها فَرَكِبْتُها، فانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرّاحِلَةَ حَتّى أتَيْنا الجَيْشَ بَعْدَما نَزَلُوا مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وهَلَكَ مَن هَلَكَ فِيَّ، وكانَ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنا المَدِينَةَ فاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُها شَهْرًا، والنّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، ولا أشْعُرُ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، ويَرِيبُنِي في وجَعِي أنِّي لا أعْرِفُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أرى مِنهُ حِينَ أشْتَكِي، إنَّما يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: ”كَيْفَ تِيكم ؟“ . فَذَلِكَ يُحْزِنُنِي، ولا أشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتّى خَرَجْتُ بَعْدَما نَقِهْتُ، وخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَناصِعِ، وهي مُتَبَرَّزُنا، ولا نَخْرُجُ إلّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وذَلِكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنا، وأمْرُنا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في التَّنَزُّهِ، وكُنّا نَتَأذّى بِالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَها عِنْدَ بُيُوتِنا، فانْطَلَقْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ - وهي بِنْتُ أبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ، وأُمُّها بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عامِرٍ، خالَةُ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وابْنُها مِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ - فَأقْبَلْتُ أنا وابْنَةُ أبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنا مِن شَأْنِنا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِها، فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَها: بِئْسَما قُلْتِ: أتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ قالَتْ: أيْ هَنْتاهْ، أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قالَ ؟ قُلْتُ: وماذا قالَ ؟ فَأخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، فازْدَدْتُ مَرَضًا إلى مَرَضِي، فَلَمّا رَجَعْتُ إلى بَيْتِي ودَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: ”كَيْفَ تِيكم ؟“ . قُلْتُ: تَأْذَنُ لِي أنْ آتِيَ أبَوَيَّ ؟ قالَتْ: وأنا أُرِيدُ حِينَئِذٍ أنْ أتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِما، فَأذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجِئْتُ أبَوَيَّ، فَقُلْتُ: يا أُمّاهْ، ما يَتَحَدَّثُ النّاسُ ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَواللَّهِ لَقَلَّما كانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ ولَها ضَرائِرُ إلّا أكْثَرْنَ عَلَيْها. قالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحانَ اللَّهِ، أوَقَدْ تَحَدَّثَ النّاسُ بِهَذا ؟ قالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، ولا أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أصْبَحْتُ أبْكِي، ودَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ وأُسامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُما في فِراقِ أهْلِهِ، فَأمّا أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأشارَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِن بَراءَةِ أهْلِهِ، وبِالَّذِي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ لَهم مِنَ الوُدِّ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هم أهْلُكَ، وما نَعْلَمُ إلّا خَيْرًا. وأمّا عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ فَقالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ تَعالى عَلَيْكَ، والنِّساءُ سِواها كَثِيرٌ، وإنْ تَسْألِ الجارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قالَتْ: فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَرِيرَةَ فَقالَ: ”يا بَرِيرَةُ، هَلْ رَأيْتِ شَيْئًا يَرِيبُكِ مِن عائِشَةَ ؟“ . قالَتْ بَرِيرَةُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ إنْ رَأيْتُ عَلَيْها أمْرًا قَطُّ أغْمِصُهُ عَلَيْها أكْثَرَ مِن أنَّها جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنامُ عَنْ عَجِينِ أهْلِها فَتَأْتِي الدّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. قالَتْ: فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فاسْتَعْذَرَ مِن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقالَ وهو عَلى المِنبَرِ: ”يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أذاهُ في أهْلِي ؟ فَواللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي إلّا خَيْرًا، ولَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ عَلى أهْلِي إلّا مَعِي“ . فَقامَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ الأنْصارِيُّ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أنا أعْذِرُكَ مِنهُ، إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن إخْوانِنا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنا فَفَعَلْنا أمْرَكَ. قالَتْ: فَقامَ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وكانَ رَجُلًا صالِحًا ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعاذٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ لا تَقْتُلُهُ ولا تَقْدِرُ عَلى قَتْلِهِ. فَقامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وهو ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإنَّكَ مُنافِقٌ تُجادِلُ عَنِ المُنافِقِينَ. فَثارَ الحَيّانِ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ حَتّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ قائِمٌ عَلى المِنبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهم حَتّى سَكَتُوا وسَكَتَ. قالَتْ: وبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ولا أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وأبَوايَ يَظُنّانِ أنَّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدِي. قالَتْ: فَبَيْنَما هُما جالِسانِ عِنْدِي وأنا أبْكِي اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ، فَأذِنْتُ لَها، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي. قالَتْ: فَبَيْنا نَحْنُ عَلى ذَلِكَ إذْ دَخَلَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، ولَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي ما قِيلَ، وقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحى إلَيْهِ في شَأْنِي شَيْءٌ. قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: ”أمّا بَعْدُ، يا عائِشَةُ، فَإنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذا وكَذا، فَإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بِذَنْبٍ فاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ؛ فَإنَّ العَبْدَ إذا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تابَ، تابَ اللَّهُ عَلَيْهِ“ . قالَتْ: فَلَمّا قَضى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتّى ما أُحِسُّ مِنهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأبِي: أجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيما قالَ. قالَ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ . فَقُلْتُ لِأُمِّي: أجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قالَتْ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ . فَقُلْتُ وأنا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ: واللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أنَّكم سَمِعْتُمْ هَذا، وقَدِ اسْتَقَرَّ في نُفُوسِكم وصَدَّقْتُمْ بِهِ، ولَئِنْ قُلْتُ لَكم: إنِّي بَرِيئَةٌ - واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ - لا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكم بِأمْرٍ - واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي مِنهُ بَرِيئَةٌ - لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لِي ولَكم مَثَلًا إلّا ما قالَ أبُو يُوسُفَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] . قالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ واضْطَجَعْتُ عَلى فِراشِي. قالَتْ: وأنا واللَّهِ حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَراءَتِي، ولَكِنْ واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنْ يَنْزِلَ في شَأْنِي وحْيٌ يُتْلى، ولَشَأْنِي كانَ أحْقَرَ في نَفْسِي مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ تَعالى فِيَّ بِأمْرٍ يُتْلى، ولَكِنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُؤْيا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ تَعالى بِها. قالَتْ: فَواللَّهِ ما رامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنزِلَهُ، ولا خَرَجَ مِن أهْلِ البَيْتِ أحَدٌ حَتّى أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى عَلى نَبِيِّهِ ﷺ، فَأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحاءِ عِنْدَ الوَحْيِ، حَتّى إنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنهُ مِثْلُ الجُمانِ مِنَ العَرَقِ في اليَوْمِ الشّاتِي مِن ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الوَحْيِ. قالَتْ: فَلَمّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سُرِّيَ عَنْهُ وهو يَضْحَكُ، فَكانَ أوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِها أنْ قالَ: ”أبْشِرِي يا عائِشَةُ، أما واللَّهِ لَقَدْ بَرَّأكِ اللَّهُ“ . فَقالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إلَيْهِ. فَقُلْتُ: واللَّهِ لا أقُومُ إلَيْهِ ولا أحْمَدُ إلّا اللَّهَ؛ هو الَّذِي بَرَّأنِي. قالَتْ: فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ . العَشْرَ الآياتِ. فَلَمّا أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآياتِ في بَراءَتِي قالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وكانَ يُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ لِقَرابَتِهِ وفَقْرِهِ -: واللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أبَدًا بَعْدَ الَّذِي قالَ لِعائِشَةَ. قالَتْ: فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ أن يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى﴾ [النور: ٢٢] . إلى قَوْلِهِ: ﴿ألا تُحِبُّونَ أن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكم واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢] . فَقالَ أبُو بَكْرٍ: واللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وقالَ: لا أنْزِعُها مِنهُ أبَدًا.رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ كِلاهُما عَنْ أبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرانِيِّ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     وبعد الانتهاءِ من بيانِ حكمِ القذفِ؛ ذكرَ اللهُ هنا نموذجًا للقذفِ يكشفُ شناعةَ الجرمِ وبشاعتَه: حادثةَ الإفكِ، وبراءةَ عائشةَ أم المؤمنينَ ممَّا رماها به المنافقون، عند الرجوع من غَزوةِ بَنِي المُصْطَلِقِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كبره:
1- بكسر الكاف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الكاف، وهى قراءة الحسن، وعمرة بنت عبد الرحمن، والزهري، وأبى رجاء، ومجاهد، وأبى البرهسم، والأعمش، وحميد، وابن أبى عبلة، وسفيان الثوري، ويزيد بن قطيب، ويعقوب، والزعفراني، وابن مقسم، وسورة، عن الكسائي، ومحبوب، عن أبى عمرو.

مدارسة الآية : [12] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ ..

التفسير :

[12] هلَّا ظن المؤمنون والمؤمنات بعضهم ببعض خيراً عند سماعهم ذلك الإفك، وهو السلامة مما رموا به، وقالوا:هذا كذب ظاهر على عائشة رضي الله عنها.

ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال:{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي:ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرا، وهو السلامة مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل،{ وَقَالُوا} بسبب ذلك الظن{ سُبْحَانَكَ} أي:تنزيها لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة،{ هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} أي:كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها. فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك.

ثم وجه - سبحانه - المؤمنين إلى الطريق الذى كان يجب عليهم أن يسلكوه فى مثل هذه الأحوال فقال :

( لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هاذآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ) .

و " لولا " حرف تحضيض بمعنى هلا والمراد " بأنفسهم " هنا إخوانهم فى الدين والعقيدة .

أى : هلا وقت أن سمعتم - أيها المؤمنون والمؤمنات - حديث الإفك هذا ظننتم " بأنفسكم " . أى : بإخوانكم وبأخواتكم ظنا حسنا جميلا ، وقلتم : هذا الحديث الذى أذاعه المنافقون كذب شنيع وبهتان واضح لا يصدقه عقل أو نقل .

وفى التعبير عن إخوانهم وأخواتهم فى الدين بأنفسهم ، أسمى ألوان الدعوة إلى غرس روح المحبة والمودة والإخاء الصادق بين المؤمنين ، حتى لكأن الذى يظن السوء بغيره إنما ظنه بنفسه .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : ( . . . ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ . . . ) وقوله - سبحانه - ( . . وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ . . . ) قال أبو حيان - رحمه الله - : " وعدل بعد الخطاب - فى الآية الأولى - إلى الغيبة فى هذه الآية - ، وعن الضمير إلى الظاهر ، فلم يجىء التركيب ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم هذا إفك مبين . ليبالغ - سبحانه - فى التوبيخ بطريقة الالتفات ، وليصرح بلفظ الإيمان ، دلالة على أن الاشتراك فيه ، مقتض فى أن لا يصدق مؤمن على أخيه قو عائب ولا طاعن ، وفيه تنبيه على أن المؤمن إذا سمع قالة سوء فى أخيه أن يبنى الأمر فيه على ظن الخير ، وأن يقول بناء على ظنه : هذا إفك مبين . هكذا باللفظ الصرحي ببراءة أخيه ، كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال ، وهذا من الأدب الحسن ، ومعنى بأنفسهم ، أى : كأن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات هذا الأمر على أنفسهم ، فإذا كان ذلك يبعد عليهم قضوا بأنه فى حق من هو خير منهم أبعد . . " .

ولقد فعل المؤمنون الصادقون ذلك ، فها هو ذا أبو ايوب خالد بن زيد الأنصارى ، قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ، أما تسمع ما يقوله الناس فى عائشة - رضى الله عنها -؟ قال : نعم ، وذلك الكذب . أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت : لا . والله ما كنت لأفعله . قال : فعائشة والله خير منك .

وفى رواية أن أبا أيوب قال لزوجته أم أيوب : ألا ترين ما يقال؟ فقالت له : لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءا؟ قال : لا ، فقالت : ولو كنت أنا بدل عائشة - رضى الله عنها - ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير منى ، وصفوان خير منك .

وهكذا المؤمنون الأطهار الأخيار ، يبنون أمورهم على حسن الظن بالناس .

ورحم الله صاحب الانتصاف . فقد علق على ما قالته أم أيوب لزوجها فقال : ولقد ألهمت - أم أيوب - بنور الإيمان إلى هذا السر الذى انطوى عليه التعبير عن الغير من المؤمنين بالنفس ، فإنها نزلت زوجها منزلة صفوان ونفسها منزلة عائشة ، ثم أثبتت لنفسها ولزوجها البراءة والأمانة ، حتى أثبتتها لصفوان وعائشة بالطريق الأولى - رضى الله عنها - .

هذا تأديب من الله للمؤمنين في قضية عائشة ، رضي الله عنها ، حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السيئ ، وما ذكر من شأن الإفك ، فقال : ( لولا ) بمعنى : هلا ) إذ سمعتموه ) أي : ذلك الكلام ، أي : الذي رميت به أم المؤمنين ( ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) أي : قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم ، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى .

وقد قيل : إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته ، رضي الله عنهما ، كما قال الإمام محمد بن إسحاق بن يسار ، عن أبيه ، عن بعض رجال بني النجار; أن أبا أيوب خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ، رضي الله عنها؟ قال : نعم ، وذلك الكذب . أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت : لا والله ما كنت لأفعله . قال : فعائشة والله خير منك . قال : فلما نزل القرآن ذكر الله ، عز وجل ، من قال في الفاحشة ما قال من أهل الإفك : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) [ النور : 11 ] وذلك حسان وأصحابه ، الذين قالوا ما قالوا ، ثم قال : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ) الآية ، أي : كما قال أبو أيوب وصاحبته .

وقال محمد بن عمر الواقدي : حدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين ، عن أبي سفيان ، عن أفلح مولى أبي أيوب ، أن أم أيوب قالت لأبي أيوب : ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال : بلى ، وذلك الكذب ، أفكنت يا أم أيوب [ فاعلة ذلك ] ؟ قالت : لا والله . قال : فعائشة والله خير منك . فلما نزل القرآن ، وذكر أهل الإفك ، قال الله عز وجل : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ) يعني : أبا أيوب حين قال لأم أيوب ما قال .

ويقال : إنما قالها أبي بن كعب .

وقوله : ( ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) أي : هلا ظنوا الخير ، فإن أم المؤمنين أهله وأولى به ، هذا ما يتعلق بالباطن ، ( وقالوا ) أي : بألسنتهم ( هذا إفك مبين ) أي : كذب ظاهر على أم المؤمنين ، فإن الذي وقع لم يكن ريبة ، وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة جهرة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة ، والجيش بكماله يشاهدون ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ، لو كان هذا الأمر فيه ريبة لم يكن هكذا جهرة ، ولا كانا يقدمان على مثل ذلك على رءوس الأشهاد ، بل كان يكون هذا - لو قدر - خفية مستورا ، فتعين أن ما جاء به أهل الإفك مما رموا به أم المؤمنين هو الكذب البحت ، والقول الزور ، والرعونة الفاحشة [ الفاجرة ] والصفقة الخاسرة .

وهذا عتاب من الله تعالى ذكره أهل الإيمان به فيما وقع في أنفسهم من إرجاف من أرجف في أمر عائشة بما أرجف به، يقول لهم تعالى ذكره: هلا أيها الناس إذ سمعتم ما قال أهل الإفك في عائشة ظن المؤمنون منكم والمؤمنات بأنفسهم خيرا: يقول: ظننتم بمن قرف بذلك منكم خيرا، ولم تظنوا به أنه أتى الفاحشة، وقال بأنفسهم، لأن أهل الإسلام كلهم بمنـزلة نفس واحدة، لأنهم أهل ملة واحدة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن بعض رجال بني النجار، أن أبا أيوب خالد بن زيد، قالت له امرأته أمّ أيوب: أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أمّ أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منك، قال: فلما نـزل القرآن، ذكر الله من قال في الفاحشة ما قال من أهل الإفك: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ وذلك حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا، ثم قال: ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ )... الآية: أي كما قال أبو أيوب وصاحبته.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ) ما هذا الخير ظنّ المؤمن أن المؤمن لم يكن ليفجر بأمه، وأن الأم لم تكن لتفجر بابنها، إن أراد أن يفجر فجر بغير أمه،

يقول: إنما كانت عائشة أما، والمؤمنون بنون لها، محرّما عليها، وقرأ: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ... الآية.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ( ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ) قال لهم خيرا، ألا ترى أنه يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ . يقول: بعضكم بعضا، وسلموا على أنفسكم، قال: يسلم بعضكم على بعض.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف عن الحسن، في قوله: ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ) يعني بذلك المؤمنين والمؤمنات.

وقوله: ( وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ) يقول: وقال المؤمنون والمؤمنات: هذا الذي سمعناه من القوم الذي رمي به عائشة من الفاحشة كذب وإثم، يبين لمن عقل وفكر فيه أنه كذب وإثم وبهتان.

كما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: أخبرنا عوف عن الحسن: ( وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ) قالوا: إن هذا لا ينبغي أن يتكلم به إلا من أقام عليه أربعة من الشهود، وأقيم عليه حدّ الزنا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[12] أحسن الظن بإخوانك المؤمنين والمؤمنات ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾.
وقفة
[12] ﴿لَولا إِذ سَمِعتُموهُ ظَنَّ المُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بِأَنفُسِهِم خَيرًا﴾ حسن الظن من طرق الوقاية، فلا تذهب النفس كل مذهبٍ فى اتهامات للغير ما أنزل الله بها من سلطان.
وقفة
[12] ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ المعنى: أنه كان ينبغي للمؤمنين والمؤمنات أن يقيسوا ذلك الأمر على أنفسهم؛ فإن كان ذلك يبعد في حقهم، فهو في حق عائشة أبعد؛ لفضلها، وهذا النظر وقع لأبي أيوب الأنصاري، فقال لزوجته: «أكنت أنت تفعلين ذلك»، قالت: «لا والله»، قال: «فعائشة أفضل منك؟»، قالت: «نعم».
وقفة
[12] ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ لم يذهبوا ليتحققوا، بل تمسكوا بالبراءة، وأراحوا أنفسهم من تتبع العباد.
وقفة
[12] ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وقالوا هذا إفك مبين﴾ يجب على المؤمن أن يحسن الظن بأخيه المسلم، ويحذر من اتَّهامه من غير بينة، وأن يكره رميَ أخيه بالسوء كما يكره ذلك لنفسه، وقوله تعالى: (بأنفسِهم) يعني إخوانهم.
وقفة
[12] حسن الظن من علامات الإيمان في القلب ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾.
وقفة
[12] أمن المؤمن في نفسه خاصة وأمن المجتمع عامة في أمورٍ منها حسن الظن ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾.
وقفة
[12] ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ أي: بإخوانهم، قال الحسن: «بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة».
وقفة
[12] ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ بقَدْرِ إيمانِك يكونُ حسنُ ظنِّك في المؤمنين.
وقفة
[12] ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ بقدر ما فيك من الإيمان؛ بقدر ما تشعر بالطيبة في الخلق من حولك.
وقفة
[12] على المسلم أن يحسن الظن بإخوته، ولا ينجر وراء الشائعات، ولا يساهم في نشرها ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ لَوْلا إِذْ:
  • أي هلا: وهو حرف تحضيض لا عمل له يفيد التوبيخ هنا لدخوله على فعل ماض. اذ: ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب. والجملة الفعلية بعده في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ سَمِعْتُمُوهُ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك.التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل.الميم علامة جمع الذكور والواو لاشباع الميم والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ:
  • ظنّ: فعل ماض مبني على الفتح.المؤمنون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. والمؤمنات: معطوفة على الْمُؤْمِنُونَ» مرفوعة بالضمة.
  • ﴿ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً:
  • جار ومجرور متعلق بظن و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. خيرا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات. أي باخوانكم.
  • ﴿ وَقالُوا:
  • الواو: عاطفة. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.بمعنى وقلتم والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ هذا إِفْكٌ مُبِينٌ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. إفك:خبر هذا» مرفوع بالضمة. مبين: صفة-نعت-لإفك مرفوع بالضمة بمعنى: هذا بهتان عظيم أو كذب واضح بين.'

المتشابهات :

النور: 12﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ
الأحقاف: 11﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     وبعد نزول براءة عائشةَ رضي الله عنها؛ أرشدَ اللهُ المؤمنين هنا إلى الطريق الذي كان يجب عليهم أن يسلكوه في مثل هذه الأحوال، قال تعالى:
﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [13] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ..

التفسير :

[13] هلَّا أتى القاذفون بأربعة شهود عدول على قولهم، فحين لم يفعلوا ذلك فأولئك هم الكاذبون عند الله.

{ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أي:هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي:عدول مرضيين.{ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال:{ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} ولم يقل "فأولئك هم الكاذبون "وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق.

ثم وصف - سبحانه - الخائضين فى حديث الإفك بالكذب لأنهم قالوا قولا بدون دليل ، فقال : ( لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ) أى : وما داموا لم يأتوا بهم - ولن يأتوا بهم - ( فأولئك عِندَ الله ) أى : فى حكمه - سبحانه - وفى شريعته ( هُمُ الكاذبون ) كذبا قبيحا تشمئز منه النفوس ، ويسجل عليهم الخزى والعار إلى يوم القيامة .

قال الله تعالى : ( لولا ) أي : هلا ( جاءوا عليه ) أي : على ما قالوه ( بأربعة شهداء ) يشهدون على صحة ما جاءوا به ( فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) أي : في حكم الله كذبة فاجرون .

يقول تعالى ذكره: هلا جاء هؤلاء العصبة الذين جاءوا بالإفك، ورموا عائشة بالبهتان، بأربعة شهداء يشهدون على مقالتهم فيها وما رَمَوها به،

فإذا لم يأتوا بالشهداء الأربعة على حقيقة ما رَمَوْها به ( فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) يقول: فالعُصْبة الذين رَمَوها بذلك عند الله هم الكاذبون فيما جاءوا به من الإفك.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[13] ﴿لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـٰئِكَ عِندَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ حتى لو تيقن الشهود بوقوع الزنى ورأوه بأعينهم، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك من غير أربعة شهود؛ ولذا قال: (فَأُولَـٰئِكَ عِندَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)، ولم يقل: (فأولئك هم الكاذبون)، فلا يجوز الإقدام على رمي مسلم بالزنى إلا مع بلوغ نصاب الشهادة.

الإعراب :

  • ﴿ لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ:
  • لولا: حرف تحضيض للتوبيخ بمعنى «هلا» لا عمل له. جاءوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. عليه: جار ومجرور متعلق بجاءوا. وسقطت الألف من جاؤُ» خطا واختصارا.
  • ﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ:
  • جار ومجرور متعلق بجاءوا. شهداء: مضاف إليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على وزن فعلاء.
  • ﴿ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ:
  • الفاء: استئنافية. إذ: هنا تفيد الشرط‍ بمعنى «إذا» أي فاذا عجزوا عن ذلك الاتيان بالشهداء الأربعة. والجملة الفعلية بعدها في محل جر بالاضافة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يأتوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بالشهداء: جار ومجرور متعلق بلم يأتوا.
  • ﴿ فَأُولئِكَ:
  • الفاء: واقعة في جواب «إذ» أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف للخطاب.
  • ﴿ عِنْدَ اللهِ:
  • عند: ظرف مكان متعلق بخبر المبتدأ وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ هُمُ الْكاذِبُونَ:
  • هم: مبتدأ ثان، ضمير منفصل في محل رفع. الكاذبون:خبر هُمُ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.والجملة الاسمية هُمُ الْكاذِبُونَ» في محل رفع خبر «أولئك» ويجوز أن تكون هُمُ» ضمير فصل أو عماد لا محل له. و الْكاذِبُونَ» خبر «أولئك» إلاّ أن الوجه الأول من الاعراب أفصح.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     وبعد أن أرشدَ اللهُ المؤمنين إلى الطريق الذي كان يجب عليهم أن يسلكوه في مثل هذه الأحوال؛ وصف هنا الخائضين في حديث الإفك بالكذب؛ لأنهم قالوا قولًا بدون دليل، قال تعالى:
﴿ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ..

التفسير :

[14] ولولا فَضْلُ الله عليكم ورحمته لكم؛ بحيث شملكم إحسانه في دينكم ودنياكم فلم يعجِّل عقوبتكم، وتاب على مَن تاب منكم، لأصابكم بسبب ما خضتم فيه عذاب عظيم.

{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} بحيث شملكم إحسانه فيهما، في أمر دينكم ودنياكم،{ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ} أي:خضتم{ فِيهِ} من شأن الإفك{ عَذَابٌ عَظِيمٌ} لاستحقاقكم ذلك بما قلتم، ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب.

ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر فضله ورحمته بالمؤمنين فقال : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدنيا والآخرة لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

و " لولا " هنا لامتناع الشىء لوجود غيره ، و " أفضتم " من الإفاضة بمعنى التوسع فى الشىء . والاندفاع فيه بدون تريث أو تحقق ، وأصله من قوله : " أفاض فلان الإناء ، إذا ملأه حتى فاض " .

أى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم - أيها المؤمنون - فى الدنيا بإعطائكم فرصة للتوبة . وفى الآخرة بقبول توبتكم ، لولا ذلك " لمسكم " أى : لنزل بكم بسبب ما أفضتم فيه من حديث الإفك عذاب عظيم ، لا يعلم مقدار ألمه وشدته إلا الله - تعالى - .

يقول [ الله ] : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ) أيها الخائضون في شأن عائشة ، بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا ، وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الآخرة ، ( لمسكم في ما أفضتم فيه ) ، من قضية الإفك ، ( عذاب عظيم ) . وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه التوبة إليه ، كمسطح ، وحسان ، وحمنة بنت جحش ، أخت زينب بنت جحش . فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي بن سلول وأضرابه ، فليس أولئك مرادين في هذه الآية; لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه . وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين ، يكون مطلقا مشروطا بعدم التوبة ، أو ما يقابله من عمل صالح يوازنه أو يرجح عليه .

يقول تعالى ذكره: ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) أيها الخائضون في أمر عائشة، المُشِيعُون فيها الكذب والإثم، بتركه تعجيل عقوبتكم ( وَرَحْمَتُهُ ) إياكم لعفوه عنكم ( فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) بقبول توبتكم مما كان منكم في ذلك؛( لَمَسَّكُمْ فِيمَا ) خضتم فيه من أمرها عاجلا في الدنيا( عَذَابٌ عَظِيمٌ ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) هذا للذين تكلموا فنشروا ذلك الكلام، ( لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).

التدبر :

لمسة
[14] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ قال ابن سلام: «فضله الإسلام، ورحمته الكتمان، فلما بين الله حكم رمي المحصنات، كان من فضله ورحمته أن جعل اللعان سبيلًا إلى الستر، وإلى درء الحد، وجواب (لولا) محذوف، تقديره: لهلكتم أو لفضحتم أو لعاجلكم بالعقوبة».
تفاعل
[14] ﴿لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ:
  • الواو عاطفة. لولا: حرف شرط‍ غير جازم-حرف امتناع لوجود-فضل-مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره محذوف وجوبا. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ:
  • جار ومجرور متعلق بفضل والميم علامة جمع الذكور، ورحمته: معطوفة بالواو على فَضْلُ اللهِ» مرفوعة مثلها وعلامة الرفع الضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى: ولولا أني قضيت أن أتفضل عليكم بضروب النعم.
  • ﴿ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بفضل وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. والآخرة: معطوفة بالواو على الدُّنْيا» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. وجملة فَضْلُ اللهِ» مع الخبر ابتدائية لا محل لها.
  • ﴿ لَمَسَّكُمْ:
  • اللام: واقعة في جواب لَوْلا» مسكم: فعل ماض مبني على الفتح.الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور وجملة «مسكم عذاب» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ:
  • جار ومجرور متعلق بمسكم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بفي. أفضتم: أي خُضْتُمْ» فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.فيه: جار ومجرور متعلق بأفضتم وجملة أَفَضْتُمْ فِيهِ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب و فِي» هنا للتسبيب بمعنى اللام أي للتعليل بمعنى لسبب ما أفضتم فيه.
  • ﴿ عَذابٌ عَظِيمٌ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. عظيم: صفة-نعت-لعذاب مرفوعة مثلها بالضمة.'

المتشابهات :

الأنفال: 68﴿لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
النور: 14﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     وبعد أن عاتبَ اللهُ المؤمنين الذينَ تناقلُوا الخبرَ؛ امتنَّ عليهم هنا، فلولا فضله عليهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، وتاب على من تاب منهم؛ لأصابهم عذاب عظيم، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [15] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم ..

التفسير :

[15] حين تتلقفون الإفك وتتناقلونه بأفواهكم، وهو قول باطل، وليس عندكم به علم، وهما محظوران:التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وتظنون ذلك شيئاً هيِّناً، وهو عند الله عظيم. وفي هذا زجر بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل.

{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} أي:تلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض، وتستوشون حديثه، وهو قول باطل.{ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم،{ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} فلذلك أقدم عليه من أقدم من المؤمنين الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك،{ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى.

ثم صور - سبحانه - أحوالهم فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ الدعوة الإسلامية فقال : ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) . و " إذ " ظرف لقوله - تعالى - ( لَمَسَّكُمْ ) .

أى : لمسكم عذاب عظيم . وقت تقليكم هذا الحديث السيىء لسانا عن لسان باستخفاف واستهتار! ويأخذه بعضكم عن بعض بدون تحرج أو تدبر .

( وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) أى : وتقولون بأفواهكم قولا تلوكه الأفواه ، دون أن يكون معه بقية من علم أو بينة أو دليل .

ففى هاتين الجملتين زجر شديد لأولئك الذين خاضوا فى حديث الإفك ، بدون تدبر أو تعقل ، حتى لكأنهم - وقد أفلت منهم الزمام ، واستزلهم الشيطان - ينطقون بما ينطقون به بأفواههم لا بوعيهم ، وبألسنتهم لا بعقولهم ، ولا بقلوبهم ، وإنما هم يتفوهون بكلمات لا علم لهم بحقيقتها .

ولا دليل معهم على صدقها .

وهذا كله يتنافى مع ما يقتضيه الإيمان الصحيح من تثبت ومن حسن ظن بالمؤمنين .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما هو أشد فى الزجر والتهديد فقال : ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ ) .

أى : وتحسبون أن ما خضتم فيه من كذب على الصديقة بنت الصديق شيئا هينا ، والحال أن ما فعلتموه ليس كذلك ، بل هو عند الله - تعالى - وفى حكمه شىء عظيم ، تضج لهوله الأرض والسماء لأن ما خضتم فيه يسىء إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويسىء إلى أهل بيته ، ويسىء إلى صحابى جليل هو صفوان ، ويسىء إلى بيت الصديق - رضى الله عنه - بل ويسىء إلى الجماعة الإسلامية كلها .

ثم قال تعالى : ( إذ تلقونه بألسنتكم ) قال مجاهد ، وسعيد بن جبير : أي : يرويه بعضكم عن بعض ، يقول هذا : سمعته من فلان ، وقال فلان كذا ، وذكر بعضهم كذا .

وقرأ آخرون " إذ تلقونه بألسنتكم . وفي صحيح البخاري عن عائشة : أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول : هو من ولق القول . يعني : الكذب الذي يستمر صاحبه عليه ، تقول العرب : ولق فلان في السير : إذا استمر فيه ، والقراءة الأولى أشهر ، وعليها الجمهور ، ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، [ عن عائشة أنها كانت تقرأ : " إذ تلقونه " وتقول : إنما هو ولق القول - والولق : الكذب . قال ابن أبي مليكة ] : هي أعلم به من غيرها .

وقوله : ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ) أي : تقولون ما لا تعلمون .

ثم قال تعالى : ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) أي : تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين ، وتحسبون ذلك يسيرا [ سهلا ] ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا ، فكيف وهي زوجة النبي الأمي ، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل! الله يغار لهذا ، وهو سبحانه وتعالى ، لا يقدر على زوجة نبي من أنبيائه ذلك ، حاشا وكلا ولما [ لم يكن ذلك ] فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء ، وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة؟! ولهذا قال تعالى ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) ، وفي الصحيحين : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يدري ما تبلغ ، يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " وفي رواية : " لا يلقي لها بالا " .

يقول تعالى ذكره: لمسَّكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم، حين تلَقَّونه بألسنتكم، و " إذ " من صلة قوله " لمسَّكم " ويعني بقوله: ( تَلَقَّوْنَهُ ) تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك، فتقبلونه، ويرويه بعضكم عن بعض يقال: تلقيت هذا الكلام عن فلان، بمعنى أخذته منه، وقيل ذلك؛ لأن الرجل منهم فيما ذُكِرَ يَلْقى آخر، فيقول: أوَمَا بلغك كذا وكذا عن عائشة؟ ليُشيع عليها بذلك الفاحشة. وذكر أنها في قراءة أُبيّ: " إذ تَتَلقَّوْنه " بتاءين، وعليها قراءة الأمصار، غير أنهم قرءوها: ( تَلَقَّوْنَهُ ) بتاء واحدة؛ لأنها كذلك في مصاحفهم.

وقد رُوي عن عائشة في ذلك، ما حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكَم، قال: ثنا خالد بن نـزار، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقرأ هذه الآية: " إذْ تَلِقُونَهُ بِألْسِنَتكُمْ" تقول: إنما هو وَلْق الكذب، وتقول: إنما كانوا يلقون الكذب. قال ابن أبي مليكة: وهي أعلم بما فيها أنـزلت، قال نافع: وسمعت بعض العرب (9) يقول: اللَّيق: الكذب.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجمحِيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، أنها كانت تقرأ: " إذْ تَلِقُونَهُ بألْسِنَتِكم " وهي أعلم بذلك وفيها أنـزلت، قال ابن أبي مليكة: هو من وَلْق الكذب.

قال أبو جعفر: وكأن عائشة وجَّهت معنى ذلك بقراءتها " تَلِقُونَهُ" بكسر اللام وتخفيف القاف، إلى: إذ تستمرّون في كذبكم عليها، وإفككم بألسنتكم، كما يقال: ولق فلان في السير فهو يَلِق: إذا استمرّ فيه; وكما قال الراجز:

إنَّ الجُـــلَيْدَ زَلِـــقٌ وَزُمَلِـــقْ

جـاءتْ بِـهِ عَنْسٌ مِـنَ الشَّـأمِ تَلِـقْ

مُجَوَّعُ البَطْنِ كِلابيُّ الخُلُقْ (10)

وقد رُوي عن العرب في الوَلْق: الكذب: الألْق، والإلِق: بفتح الألف وكسرها، ويقال في فعلت منه: ألقت، فأنا ألق، وقال بعضهم:

مَــنْ لِــيَ بــالمُزَرَّرِ اليَلامِــقِ

صــاحِبِ أدْهــانٍ وألــقٍ آلِــقِ (11)

والقراءة التي لا أستجيز غيرها: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ) على ما ذكرت من قراءة الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليها.

وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) قال: تَرْوُونه بعضُكم عن بعض.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ) قال: تَرْوُونه بعضكم عن بعض.

قوله: ( وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) يقول تعالى ذكره: وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تَرْوُونه، فتقولون: سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته، ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا ) وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم، وتلقِّيكموه بعضكم عن بعض هين سهل، لا إثم عليكم فيه ولا حرج، ( وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) يقول: وتلقِّيكم ذلك كذلك وقولُكموه بأفواهكم، عند الله عظيم من الأمر; لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته.

-------------------------

الهوامش :

(9) لم نقف عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة ، فلعله مصحف .

(10) هذه الأبيات ثلاثة من مشطور الرجز ، للقلاخ بن حزن المنقري نقلها صاحب ( اللسان : زلق ) . قال : رجل زلق و زملق مثال هديد و زمالق و زملق ( بتشديد الميم ) ، وهو الذي ينزل قبل أن يجامع . قال القلاخ بن حزن المنقري .. . الأبيات : ثم قال : والجليد : هو الجليد الكلابي . التهذيب : والعرب تقول : زلق و زملق ، وهو الشكاز ، الذي ينزل إذا حدث المرأة من غير جماع . قال ويقال للخفيف الطياش : زمل و زملوق و زمالق وفي ( اللسان : ولق ) . قال : وولق في سيره ولقا : أسرع . ونسب أبيات الشاهد للشماخ ، ولم أجدها في ديوان الشماخ المطبوع بمصر سنة 1327 . 1 هـ .

(11) هذان بيتان من الرجز أنشدها الأزهري عن بعضهم ( اللسان : ولق ) . وألق الكلام : متابعته في سرعة . والألق : الاستمرار في الكذب وألق يألق ألقا مثال ضرب يضرب ضربا . واليلامق : جمع يلمق ، وهو القباء ( فارسي معرب ) .. . واستشهد المؤلف بالبيتين على أن بعضهم قرأ قوله تعالى : { إذ تلقونه بألسنتكم } بكسر اللام ، وتخفيف القاف ، على أنه بمعنى الاستمرار في الكذب

التدبر :

وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ وقت الإشاعات والفتن يكون مصدر التلقي اللسان لا السمع والعقل، فلا تثبت ولا روية.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ على اختلاف القراءات، عند الفتن والشائعات أحيانًا تكون حاسة التلقي اللسان! فلا يكاد يمر شيء على العقل، فتثبتوا.
وقفة
[15] ﴿إذ تلقونه بألسنتكم﴾ لسرعة إلقائهم لهذه الإشاعات بألسنتهم بمجرد سماعهم لها، كأنها عبرت للسان دون مرور بالسمع، فتأمل خفة العقل هنا.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ في هذا تربية للمسلم ألا يقول ما لا يعلم؛ فالكلمة مسؤولية.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ من الناس من إذا سمع من يتحدث في أعراض الناس طلب الاستزاده، ولم ينكر فكأنه يتلقى الحديث بلسانه.
وقفة
[15] قال الله عز وجل في حادثة الإفك الذي اتهمت به عائشة رضي الله عنها: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾، مع أن التلقي بالسمع لا باللسان، تأملها ستعرف الحكمة.
عمل
[15] لا تُعِد إرسال الباطل ولو كان حرفًا! ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ قال مجاهد ومقاتل: «يرويه بعضُكم عن بعض»، وقال الزجاج: «يلقيه بعضكم إلى بعض».
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم﴾ فبدلًا من أن تتلقاه الأذُن، وتوصله للقلب لتمييزه وتمحيصه، يتلقاه اللسان كما تتلقى المرآة الصورة، فتعكسه كما هي، فكذلك يخرج القول من الفم كما دخل.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم﴾ الحذر من نشر الشائعات المغرضة بالصالحين.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم﴾ البعض يحاول نشر إشاعات كاذبة لنشر السوء، وبث اليأس في المجتمع المسلم بعناوين لافتة فتبلغ الآفاق، أسلوب لئيم وإثمه عظيم.
وقفة
[15] ﴿إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقولونَ بِأَفواهِكُم ما لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ﴾ يتضح تمامًا من الآية الكريمة أن لا محل للعقل هنا، فقط تناقل بالألسن والأفواه، والكلام بهذه الطريقة لا نفع من ورائه يقينًا بل ضررًا وسوءًا.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ ومعنى (تَلَقَّوْنَهُ): يأخذ بعضكم من بعض، وفي هذا الكلام وفي الذي قبله وبعده عتاب لهم على خوضهم في حديث الإفك، وإن كانوا لم يصدقوه؛ فإن الواجب كان الإغضاء عن ذكره، والترك بالكلية، فعاتبهم على ثلاثة أشياء، وهي: تلقيه بالألسنة: أي: السؤال عنه، وأخذه من المسؤول، والثاني: قولهم ذلك، والثالث: أنهم حسبوه هينًا، وهو عند الله عظيم. وفائدة قوله: (بِأَلْسِنَتِكُمْ) و(بِأَفْوَاهِكُم): الإشارة إلى أن ذلك الحديث كان باللسان دون القلب؛ إذ كانوا لم يعلموا حقيقته بقلوبهم.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ وفي هذا من الأدب الأخلاقي أن المرء لا يقول بلسانه إلا ما يعلمه، ويتحققه.
وقفة
[15] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان».
وقفة
[15] من الناس من يتلقف الكلام دون تمحيص، ويلقيه بلا تفكر في صدقه وكذبه، ودون أن يعرضه على قلبه وعقله، ويحسب الأمر هينًا وفي مثلهم نزل قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾.
عمل
[15] اذكر ثلاثة من علاجات الإشاعات السيئة ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾.
وقفة
[15] حرمة الإفك والقول بدون علم وبشاعتهما، وعظيم جرمهما، وخطر الخوض في ذلك ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾.
وقفة
[15] ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم﴾ مع أن القول لا يكون بغير الأفواه، إلا أنه ذكر تمهيدًا لقوله: ﴿مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ﴾، وفي هذا من الأدب: أن المرء لا يقول بلسانه إلا ما يعلمه ويتحققه، وإلا فهو أحد رجلين: ناقص الرأي، يقول الشيء قبل التبين، فيوشك أن يكذب، أو رجل مموه مراء يقول ما يعتقد خلافه.
عمل
[15] إن نجاك الله من مباشرة الفتنة بيدك؛ فاحذر أن تقع فيها بلسانك فتهلك ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾.
عمل
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ لا تستصغر ذنْبًا، فلا تدري قد يكون عظيمًا عند الله العزيز الحكيم.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ بعض الكلام يضحك العبد ويغضب الرب.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ لا يحكم على الناس إلا عالم خبير بأحوالهم وسرائرهم! فالكلام في الناس بغير علم جرم عظيم.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ عظيمٌ عند الله الكلام في الناس بغير بيِّنة.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ هذا حال المغرور، المسرف على نفسه طمع برحمة الله حتى استسهل الحرام.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ هذا فيه الزجر البليغ عن تعاطي بعض الذنوب علی وجه التهاون بها.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ الاستخفاف بالذنب أمر عظيم.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ قال ابن سيرين: «والله ﻻ أبكي على ذنب أذنبته، ولكن أبكي على ذنب كنت أحسبه هينًا، وهو عند الله عظيم».
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ وهذا فيه الزجر البليغ عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها؛ فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئًا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ كلما عظم الذنب في عينك صغر عند الله، وكلما صغر في عينك عظم عند الله.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ» [البخاري 6477]، ومعنى «مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا»: أي لا يتأملها أخير هي أم شر؟ ولا يحسِب تبعاتها.
عمل
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ ما آخر ذنب لم تتألم لحدوثه؟! أو استهنت به؟! احذر أن يتعاظم ذنبك عند الله وأنت لا تشعر.
وقفة
[15] ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾ نعوذ بالله من ذنب احتقرناه، فلم نستغفر منه، ثم يكون السبب الأكبر في سخط الله.
عمل
[15] قال الله ﷻ: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾؛ أمْسِكْ عليْكَ لِسانَك؛ فإطلاقُه فِي القيلِ والقَال تهلُكةٌ فِي الدُنيَا، وَعذابٌ فِي الآخرة.
وقفة
[15] حذارِ من الوقوع في أعراض الناس، واتهامهم بالباطل فالوعيد شديد ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾.
عمل
[15] لا يوجد شيء اسمه: ذنوبي بسيطة، أو أنا أفضل من غيري، وإنما يوجد: ﴿وَتَحسَبونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظيمٌ﴾، لا تستصغر أي معصية.
وقفة
[15] قال أحد الإعلاميين (من دولة خليجية) ممن أوتي قدرة على الكتابة وخصوصًا الوصف، والكتابة في عالم الغزل، والتشبيب بالنساء: كانت تأتيني رسائل ثناء وإشادة كثيرة من المتابعين، وذات يوم جاءته رسالة قصيرة من جوال لا يعرفه، غَيَّرتْ مسار حياته الإعلامية وكتاباته، هي: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾.
اسقاط
[15] ﴿وَتَحسَبونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظيمٌ﴾ قال أحدهم: «كلما مررت بتلك الآية ينتابني هلع شديد، وأفكر هل من أمر أفعله وأحسبه هينًا وهو عند الله عظيم، فأكثر من الاستغفار».
وقفة
[15] ﴿وَتَحسَبونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظيمٌ﴾ تأمل كلمة: (هَيِّنًا) أى سلسًا سهلًا، يأتيه الناس بلا أي مشقة، بينما كلمة: (عظيمًا) توحي بأن الجرم كبير والعقاب شديد.
وقفة
[15] كم من ذنبٍ نحسِبُه ﴿هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾!
وقفة
[15] لكل خائض في عرض أخيه: ﴿وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ:
  • إذ: ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق بمسّكم أو بأفضتم والجملة الفعلية بعده: في محل جر بالاضافة.تلقونه: أي تتلقونه حذفت احدى التاءين لاجتماعهما تخفيفا. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ بِأَلْسِنَتِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بتلقونه والكاف ضمير المخاطبين مبني لى الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ:
  • معطوفة بالواو على تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» وتعرب إعرابها. أي تتناقلونه بالسؤال عنه.
  • ﴿ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. ليس: فعل ماض ناقص من أخوات «كان» و لَكُمْ» جار ومجرور متعلق بخبر لَيْسَ» مقدم. والميم علامة جمع الذكور. به: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من عِلْمٌ» لأنه صفة لها قدمت عليها-أي على علم-علم: اسم لَيْسَ» مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً:
  • الواو عاطفة. تحسبون: تعرب إعراب تَلَقَّوْنَهُ».هينا: مفعول به ثان لتحسبونه منصوب بالفتحة. التقدير: وتحسبونه شيئا هينا. فحذف المفعول الموصوف وحلت صفته محله.
  • ﴿ وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ و عِنْدَ» ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بعظيم وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. عظيم: خبر هُوَ» مرفوع بالضمة'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     وبعد أن عاتبَ اللهُ المؤمنين؛ صور هنا حالَهم في تلك الفترة العصيبة، قال تعالى:
﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إذ تلقونه:
1- بفتح الثلاث وشد القاف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بإدغام ذال «إذ» فى التاء، وهى قراءة النحويين، وحمزة.
3- بضم التاء والقاف وسكون اللام، مضارع «ألقى» ، وهى قراءة ابن السميفع.
4- بفتح التاء والقاف وسكون اللام، مضارع «لقى» ، ورويت عن ابن السميفع أيضا.
5- بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، وهى قراءة عائشة، وابن عباس، وعيسى، وابن يعمر، وزيد بن على.
6- تألقونه، بفتح التاء وهمزة ساكنة بعدها لام مكسورة، من «الألق» ، وهو الكذب، وهى قراءة ابن أسلم، وأبى جعفر.
7- تيلقونه، بتاء مكسورة بعدها ياء ولام مفتوحة، كأنه مضارع «ولق» بكسر اللام، وهى قراءة يعقوب.

مدارسة الآية : [16] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا ..

التفسير :

[16] وهلَّا قلتم عند سماعكم إياه:ما يَحِلُّ لنا الكلام بهذا الكذب، تنزيهاً لك –يا رب- مِن قول ذلك على زوجة رسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو كذب عظيم في الوزر واستحقاق الذنب.

{ ولَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي:وهلا إذ سمعتم -أيها المؤمنون- كلام أهل الإفك{ قُلْتُمْ} منكرين لذلك، معظمين لأمره:{ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} أي:ما ينبغي لنا، وما يليق بنا الكلام، بهذا الإفك المبين، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح{ هَذَا بُهْتَانٌ} أي:كذب عظيم.

ثم يوجههم - سبحانه - مرة أخرى إلى ما كان يجب عليهم أن يفعلوه فى مثل هذه الأحوال فيقول : ( ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) .

وأصل معنى " سبحانك " تنزيه الله - تعالى - عن كل نقص . ثم شاع استعماله فى كل أمر بتعجب منه . وهذا المعنى هو المراد هنا .

والبهتان : هو الكذب الذى يبهت ويحير سامعه لشناعته وفظاعته ، يقال : بهت فلان فلانا إذا قال عليه مالم يقله وما لم يفعله .

أى : وهلا وقت أن سمعتم - أيها المؤمنون - حديث الإفك ممن افتراه واخترعه ، قلتم له على سبيل الزجر والردع والإفحام : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا . أى : ما يصح منا إطلاقا أن نتكلم بهذا الحديث البالغ أقصى الدركات فى الكذب والافتراء .

وقلتم له أيضا - على سبيل التعجب من شناعة هذا الخبر : " سبحانك " ، أى : نتعجب يا ربنا من شناعة ما سمعناه ، فإن ما سمعناه عن أم المؤمنين عائشة كذب يبهت ويدهش من يسمعه ، وهو فى الشناعة لا تحيط بوصفه عبارة .

وهكذا يؤدب الله - تعالى - عباده المؤمنين بالأدب السامى ، حيث يأمرهم فى مثل هذه الأحوال ، أن ينزهوا أسماعهم عن مجرد الاستماع إلى ما يسىء إلى المؤمنين ، وأن يتحرجوا من مجرد النطق بمثل حديث الإفك ، وأن يستنكروا ذلك على من يتلفظ به .

هذا تأديب آخر بعد الأول : الأمر بالظن خيرا أي : إذا ذكر ما لا يليق من القول في شأن الخيرة فأولى ينبغي الظن بهم خيرا ، وألا يشعر نفسه سوى ذلك ، ثم إن علق بنفسه شيء من ذلك - وسوسة أو خيالا - فلا ينبغي أن يتكلم به ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل " أخرجاه في الصحيحين .

وقال الله تعالى : ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ) أي : ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) أي : سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة [ نبيه و ] رسوله وحليلة خليله .

يقول تعالى ذكره: ( وَلَوْلا ) أيها الخائضون في الإفك الذي جاءت به عصبة منكم، ( إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ) ممن جاء به ( قُلْتُمْ ) ما يحلّ لنا أن نتكلم بهذا، وما ينبغي لنا أن نتفوّه به ( سُبْحَانَكَ ) تنـزيها لك يا ربّ وبراءة إليك مما جاء به هؤلاء ( هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) يقول: هذا القول بهتان عظيم.

التدبر :

وقفة
[16] ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا﴾ قال العلماء: «الآية أصل في أن لبسة العفاف التي يستتر بها المسلم؛ لا يزيلها خبر محتمل».
وقفة
[16] ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا﴾ ضرورة التثبت تجاه الشائعات.
وقفة
[16] ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا﴾ المستمع مغتاب، وإذا سمع المؤمن غيبة مسلم، فالواجب عليه أن يرد على قائله ولا يكتفي بالسکوت دون إنكار، بل يجب الرد على المغتاب بألطف نصيحة، وإن أبى إلا الاستمرار في الغيبة، فليرد عليه دون أن يستحی منه لأنه إن لم يستح المغتاب، من قوله وهو مذنب، فلا ينبغي أن يستحي المستمع من الرد عليه وهو مثاب.
وقفة
[16] ﴿وَلَولا إِذ سَمِعتُموهُ قُلتُم ما يَكونُ لَنا أَن نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظيمٌ﴾ من حسن الظن أن تنفي الذنب عن غيرك.
وقفة
[16] ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ لاحظ هذه الجملة الاعتراضية (سُبْحَانَكَ) التي توجَّه فيها الخطاب إلى الله عز وجل، وذلك للإشارة إلى أن الغاضب الأكبر من إشاعة الفواحش والإفك والبهتان هو الله سبحانه، فهو الأَوْلى بأن يُتوَجه إليه بالتوبة من الذين مسّهم الإفك.
وقفة
[16] ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ قال العلماء: إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان، ومنزلة الصلاح التي حـلها المؤمن، ولبسة العفـاف التي يستتر بها المسلـم، لا يـزيلها عنه خبر محتمل -وإن شاع- إذا كان أصله فاسدًا أو مجهولًا.
وقفة
[16] ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ تكريم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بتبرئتها من فوق سبع سماوات.
وقفة
[16] ﴿مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ تربية ربانية راقية لعباده المؤمنين بأن ينزهوا أسماعهم عن مجرد الاستماع إلى ما يسيء إلى المؤمنين، وأن ينزهوا ألسنتهم عن ترديد أي اتهامات غير ثابتة، وأن يستنكروا هذا من كل من ينطق به.
تفاعل
[16] ﴿سُبْحَانَكَ﴾ سَبِّح الله الآن.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ:
  • الواو عاطفة. وما بعدها أعرب في الآية الكريمة الثانية عشرة.
  • ﴿ قُلْتُمْ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل-ضميرالمخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور والجملة بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ ما يَكُونُ لَنا:
  • ما: نافية لا عمل لها. يكون: فعل مضارع تام بمعنى:ينبغي ويصح. لنا: جار ومجرور متعلق بيكون
  • ﴿ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. نتكلم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. وجملة نَتَكَلَّمَ» صلة أَنْ» لا محل لها من الاعراب. بهذا: جار ومجرور متعلق بنتكلم و بِهذا» اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالباء. و أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل يَكُونُ».
  • ﴿ سُبْحانَكَ:
  • مفعول مطلق-مصدر-لفعل محذوف تقديره «أسبح» وهو مضاف. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. أي أنزهك تنزيها. وفي عبارة التسبيح تعجب من عظم الأمر وهو اتهام حرمة نبيه عليه الصلاة والسلام.
  • ﴿ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.بهتان: خبر بِهذا» مرفوع بالضمة. عظيم: صفة-نعت-لبهتان مرفوعة بالضمة. بمعنى: هذا افتراء وكذب واختلاف عظيم'

المتشابهات :

النور: 12﴿ لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ
النور: 16﴿وَ لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِي حامِدٍ العَدْلُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرِ بْنُ زَكَرِيّا، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي خَيْثَمَةَ، قالَ: حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْنُ خارِجَةَ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، قالَ: سَمِعْتُ عَطاءً الخُراسانِيَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها حَدَّثَتْهُ بِحَدِيثِ الإفْكِ، وقالَتْ فِيهِ: وكانَ أبُو أيُّوبَ الأنْصارِيُّ حِينَ أخْبَرَتْهُ امْرَأتُهُ فَقالَتْ: يا أبا أيُّوبَ، ألَمْ تَسْمَعْ بِما يَتَحَدَّثُ النّاسُ ؟ قالَ: وما يَتَحَدَّثُونَ ؟ فَأخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، فَقالَ: ما يَكُونُ لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذا سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ. قالَتْ: فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مّا يَكُونُ لَنا أن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ﴾ .أخْبَرَنا أبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدانَ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ أحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أبِي، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، قالَ: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ذَكْوانَ مَوْلى عائِشَةَ، أنَّهُ اسْتَأْذَنَ لِابْنِ عَبّاسٍ عَلى عائِشَةَ وهي تَمُوتُ وعِنْدَها ابْنُ أخِيها عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقالَ: هَذا ابْنُ عَبّاسٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ، وهو مِن خَيْرِ بَنِيكِ. فَقالَتْ: دَعْنِي مِنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومِن تَزْكِيَتِهِ. فَقالَ لَها عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنَّهُ قارِئٌ لِكِتابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَقِيهٌ في دِينِ اللَّهِ، فائْذَنِي لَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْكِ ولْيُوَدِّعْكِ. قالَتْ: فائْذَنْ لَهُ إنْ شِئْتَ. فَأذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ ابْنُ عَبّاسٍ وسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ فَقالَ: أبْشِرِي يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، فَواللَّهِ ما بَيْنَكِ وبَيْنَ أنْ يَذْهَبَ عَنْكِ كُلُّ أذًى ونَصَبٍ - أوْ قالَ: وصَبٍ - فَتَلْقَيِ الأحِبَّةَ مُحَمَّدًا وحِزْبَهُ - أوْ قالَ: وأصْحابَهُ - إلّا أنْ يُفارِقَ الرُّوحُ جَسَدَكِ، كُنْتِ أحَبَّ أزْواجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِ، ولَمْ يَكُنْ لِيُحِبَّ إلّا طَيِّبًا، وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى بَراءَتَكِ مِن فَوْقِ سَبْعِ سَماواتٍ، فَلَيْسَ في الأرْضِ مَسْجِدٌ إلّا وهو يُتْلى فِيهِ آناءَ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وسَقَطَتْ قِلادَتُكِ لَيْلَةَ الأبْواءِ فاحْتَبَسَ النَّبِيُّ ﷺ في المَنزِلِ والنّاسُ مَعَهُ في ابْتِغائِها - أوْ قالَ: في طَلَبِها - حَتّى أصْبَحَ القَوْمُ عَلى غَيْرِ ماءٍ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ . فَكانَ في ذَلِكَ رُخْصَةٌ لِلنّاسِ عامَّةً في سَبَبِكِ، فَواللَّهِ إنَّكِ لَمُبارَكَةٌ. فَقالَتْ: دَعْنِي يا ابْنَ عَبّاسٍ مِن هَذا، فَواللَّهِ لَوَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنسِيًّا. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     وبعد التأديب الأول في الآية (12)؛ أرشدهم اللهُ هنا مرة أخرى إلى ما كان يجب عليهم أن يفعلوه في مثل هذه الأحوال، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [17] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ ..

التفسير :

[17] يذكِّركم الله وينهاكم أن تعودوا أبداً لمثل هذا الفعل من الاتهام الكاذب، إن كنتم مؤمنين به.

{ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} أي:لنظيره، من رمي المؤمنين بالفجور، فالله يعظكم وينصحكم عن ذلك، ونعم المواعظ والنصائح من ربنا فيجب علينا مقابلتها بالقبول والإذعان، والتسليم والشكر له، على ما بين لنا{ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}{ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} دل ذلك على أن الإيمان الصادق، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات.

ثم نهى - سبحانه - المؤمنين من العودة إلى مثل هذا الأمر العظيم فقال : ( يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) .

أى : يعظكم الله تعالى أيها المؤمنون - بما يرقق قلوبكم ، ويحذركم من العودة إلى الخوض فى حديث الإفك ، أو فيما يشبهه من أحاديث باطلة ، وعليكم أن تمتثلوا ما آمركم به ، وما أنهاكم عنه امتثالا كاملا ، إن كنتم مؤمنين إيمانا كاملا .

فقوله - تعالى ( إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) من باب تهييجهم وإثارة حماستهم للاستجابة لوعظه وتحذيره - سبحانه - .

ثم قال تعالى : ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ) أي : ينهاكم الله متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدا ، أي : فيما يستقبل . فلهذا قال : ( إن كنتم مؤمنين ) أي : إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه ، وتعظمون رسوله صلى الله عليه وسلم ، فأما من كان متصفا بالكفر فذاك له حكم آخر .

يقول تعالى ذكره: يذكِّرُكم الله وينهاكم بآي كتابه، لئلا تعودوا لمثل فعلكم الذي فعلتموه في أمر عائشة من تلقِّيكم الإفك الذي روي عليها بألسنتكم، وقولكم بأفواهكم ما ليس لكم به علم فيها أبدا( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) يقول: إن كنتم تتعظون بعظات الله، وتأتمرون لأمره، وتنتهون عما نهاكم عنه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

التدبر :

وقفة
[17] ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ المنافق لا يتورَّع عن وصف المؤمنين والمؤمنات بالسوء، وذلك لضعف دينه وفساد طويته وحقده الدفين.
وقفة
[17] قال الإمام مالك: «مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أُدِّبَ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، فَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ»، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «وقَدْ أجْمَع العلماء رحمهم الله قاطبًة على أنَّ مَن سَبَّها -يقصد: عائشة رضي الله عنها- بعدَ هذا، ورَماها بما رَماها به بعدَ هذا الذي ذُكِر في الآية فإنَّه كافر؛ لأنَّه معاندٌ للقرآن».
وقفة
[17] ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعودوا لِمِثلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ تكرار العودة للذنب مرات ومرات يضعف الإيمان.

الإعراب :

  • ﴿ يَعِظُكُمُ اللهُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ أَنْ تَعُودُوا:
  • أن: حرف مصدري ناصب. تعودوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة تَعُودُوا» صلة أَنْ» المصدرية لا محل لها. و أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب متعلق بمفعول له-لأجله-بمعنى «كراهة أن تعودوا» أو في محل جر بحرف جر مقدر أي: في أن تعودوا.
  • ﴿ لِمِثْلِهِ أَبَداً:
  • جار ومجرور متعلق بتعودوا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. أبدا: ظرف زمان يدل على الاستمرار منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بتعودوا بمعنى: كراهة أن تعودوا للخوض في مثل هذا الافتراء.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
  • إن: حرف شرط‍ جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. مؤمنين: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. وجواب الشرط‍ محذوف لتقدم معناه أي بمعنى إن كنتم مؤمنين فلا تخوضوا فيما لا تعلمون.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعد أن أدبَ اللهُ المؤمنين الذينَ تناقلُوا الخبرَ؛ وعظهم هنا، وحذرهم من العودة إلى مثل هذا الأمر العظيم، قال تعالى:
﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ ..

التفسير :

[18] ويبيِّن الله لكم الآيات المشتملة على الأحكام الشرعية والمواعظ، والله عليم بأفعالكم، حكيم في شرعه وتدبيره.

{ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} المشتملة على بيان الأحكام، والوعظ، والزجر، والترغيب، والترهيب، يوضحها لكم توضيحا جليا.{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ} أي:كامل العلم عام الحكمة، فمن علمه وحكمته، أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت.

وقوله - تعالى - ( وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) إبراز لما فضل به - سبحانه - عليهم من تعليم وتوجيه وحسن تربية .

أى : ويبين الله - تعالى - لكم الآيات التى تسعدكم فى دنياكم وآخرتكم متى اتبعتم ما اشتملت عليه من آداب وأحكام ، والله - تعالى - " عليم " بأحوال خلقه " حكيم " فى جميع ما يأمر به ، أو ينهى عنه .

ثم قال : ( ويبين الله لكم الآيات ) أي : يوضح لكم الأحكام الشرعية والحكم القدرية ، ( والله عليم حكيم ) أي : عليم بما يصلح عباده ، حكيم في شرعه وقدره .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) قال: والذي هو خير لنا من هذا، أن الله أعلمنا هذا لكيلا نقع فيه، لولا أن الله أعلمناه لهلكنا كما هلك القوم، أن يقول الرجل: أنا سمعته ولم أخترقه (12) ولم أتقوله، فكان خيرًا حين أعلمناه الله، لئلا ندخل في مثله أبدا، وهو عند الله عظيم وقوله: ( وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ ): ويفصّل الله لكم حججه عليكم بأمره ونهيه، ليتبين المطيع له منكم من العاصي، والله عليم بكم وبأفعالكم، لا يخفى عليه شيء، وهو مجاز المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، حكيم في تدبير خلقه، وتكليفه ما كلَّفهم من الأعمال وفرضه ما فرض عليهم من الأفعال.

--------------------------

الهوامش :

(12) اخترق الكذب : مثل اخترعه ، وافتعله ، وصنعه .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[18] ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ يبين الله آياته التي تسعد عباده دنيا وآخرة إذا اتبعوا ما شملته من آداب وأحكام، والله (عليم) بأحوال خلقه وما يصلِحهم، (حكيم) في جميع ما أمر به أو نهى عنه.

الإعراب :

  • ﴿ وَيُبَيِّنُ اللهُ:
  • الواو عاطفة. يبين: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ لَكُمُ الْآياتِ:
  • جار ومجرور متعلق بيبين والميم علامة جمع الذكور. الآيات:مفعول به منصوب بالكسرة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
  • الواو استئنافية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. عليم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. حكيم: صفة-نعت- لعليم أو خبر ثان للفظ‍ الجلالة مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

البقرة: 242﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
آل عمران: 103﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
المائدة: 89﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
النور: 59﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     وبعد أن وعظَ اللهُ المؤمنين؛ امتنَّ عليهم هنا بأنه بَيَّنَ لهم الآيات التى تسعدهم في الدنيا والآخرة متى اتبعوا ما اشتملت عليه من آداب وأحكام، قال تعالى:
﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [19] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ..

التفسير :

[19] إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله -وحده- يعلم كذبهم، ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا

{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} أي:الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة{ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي:موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟"وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة.

وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه.

ثم يواصل القرآن الكريم توجيهاته الحكيمة للمؤمنين ، فيهدد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا بالعذاب الأليم ، وينهى المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان ، قال تعالى : ( إِنَّ الذين يُحِبُّونَ . . . ) .

قال الإمام الرازى : " اعلم أنه - سبحانه - بعد أن بين ما على أهل الإفك ، وما على من سمع منهم ، وما ينبغى أن يتمسك به المؤمنون من آداب ، أتبعه بقوله : ( إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ . . . ) ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك فى هذا الذم ، كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره ، وليعلم أهل الإفك كما أن عليهم العقوبة فيما أظهروه ، فكذلك يستحقون العقوبة بما أسروه ، من محبة إشاعة الفاحشة فى المؤمنين .

ومعنى " تشيع " تنتشر وتكثر ، ومنه قولهم : شاع الحديث . إذا ظهر بين الناس .

والفاحشة : هى الصفة البالغة أقصى دركات القبح ، كالرمى بالزنا وما يشبه ذلك .

وهى صفة لموصوف محذوف . أى : الخصلة الفاحشة ، والمقصود بمحبة شيوعها : محبة شيوع خبرها بين عامة الناس .

والمعنى : إن الذين يحبون أن تنتشر قالة السوء بين صفوف المؤمنين ، وفى شأنهم ، لكى يلحقوا الأذى بهم ، هؤلاء الذين يحبون ذلك " لهم " بسبب نواياهم السيئة " عذاب أليم فى الدنيا " كإقامة الحد عليهم ، وازدراء الأخيار لهم ، ولهم - أيضا - عذاب أليم " فى الآخرة " وهو أشد وأبقى من عذاب الدنيا .

" والله " تعالى وحده " يعلم " ما ظهر وما خفى من الأمور والأحوال " وأنتم " أيها الناس - " لا تعلمون " إلا ما كان ظاهرا منها ، فعاملوا الناس على حسب ظواهرهم ، واتركوا بواطنهم لخالقهم ، فهو - سبحانه - الذى يتولى محاسبتهم عليها .

فالآية الكريمة يؤخذ منها : أن العزم على ارتكاب القبيح ، منكر يعاقب عليه صاحبه ، وأن محبة الفجور وشيوع الفواحش فى صفوف المؤمنين ، ذنب عظيم يؤدى إلى العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة ، لأن الله - تعالى - علق الوعيد الشديد فى الدارين على محبة انتشار الفاحشة فى الذين آمنوا .

وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيئ ، فقام بذهنه منه شيء ، وتكلم به ، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه ، فقد قال تعالى : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ) أي : يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح ، ( لهم عذاب أليم في الدنيا ) أي : بالحد ، وفي الآخرة بالعذاب ، ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) أي : فردوا الأمور إليه ترشدوا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ميمون بن أبي محمد المرئي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ، ولا تطلبوا عوراتهم ، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم ، طلب الله عورته ، حتى يفضحه في بيته " .

يقول تعالى ذكره: إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدّقوا بالله ورسوله ويظهر ذلك فيهم، ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول: لهم عذاب وجيع في الدنيا، بالحدّ الذي جعله الله حدّا لرامي المحصَناتِ والمحصنين إذا رموهم بذلك، وفي الآخرة عذاب جهنم إن مات مصرّا على ذلك غير تائب. كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: ( يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ) قال: تظهر في شأن عائشة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) قال: الخبيث عبد الله بن أُبي ابن سلول، المنافق، الذي أشاع على عائشة ما أشاع عليها من الفرية، ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ) قال: تظهر; يتحدّث عن شأن عائشة.

وقوله: ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: والله يعلم كذب الذين جاءوا بالإفك من صدقهم، وأنتم أيها الناس لا تعلمون ذلك، لأنكم لا تعلمون الغيب، وإنما يعلم ذلك علام الغيوب. يقول: فلا تَرْووا ما لا علم لكم به من الإفك على أهل الإيمان بالله، ولا سيما على حلائل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكوا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ فيه الحث على ستر المؤمن وعدم هتكه.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ الإشارة بذلك إلى المنافقين الذين أحبوا أن يشيع حديث الإفك، ثم هو عام في غيرهم ممن اتصف بصفتهم.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ ينبغي الحفاظ على مجتمع مسلم نقي محافظ, والأخذ على يد من يحاول إشاعة الفواحش.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ فلنحذر مما ننشر في صفحاتنا وحساباتنا في مواقع التواصل، وما نتناقله دون تثبّت، دع أي شائعة أو خبر فاحشة تتوقف عندك إذا وصلتك من أحد، واحذفها مباشرة، لا تمررها لغيرك، ولا تكن من المبادرين لنشر أي إشاعة أو تسويق لفاحشة أو رذيلة؛ لأنك ستأتي يوم القيامة مثقلًا بأوزار كل من وصلتهم.
وقفة
[19] كلما رأيت إصرار أصحاب مشاريع إفساد المجتمع على تحقيق مشاريعهم -رغم العقبات التي في طريقهم- تعجبت! لكن آيتين كشفتا سرَّ ذلك: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: 27]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾، فحققوا (المحبة) الدافعة لـ(قوة الإرادة)؛ فأثمرتا الإصرار: ﴿امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص: 6]، فأين المصلحون من ذلك؟!
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تركيز المنافقين على هدم مراكز الثقة في المجتمع المسلم بإشاعة الاتهامات الباطلة.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب؛ فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟!
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذينَ يُحِبّونَ أَن تَشيعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنوا﴾ إذن نجد أن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ليسوا من المؤمنين؛ فلا تسارع فى الدفاع عنهم.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذينَ يُحِبّونَ أَن تَشيعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنوا﴾ إشاعة الفاحشة بين المؤمنين تعد ابتلاء، وكلما زاد إيمانك زاد ابتلاؤك.
وقفة
[19] حينما تقرأ قول الله: ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا﴾؛ تدرك أن ثمة منافقين يخترقون المجتمعات الإسلامية وهم حريصون كل الحرص على إشاعة الفاحشة فيها بأي وسيلة كانت، وبصورة ممنهجة، وأن ثمة غوغاء -أيا كانوا- يصدقونهم وينساقون إليهم، أخزاهم الله، وكفى المسلمين شرهم.
وقفة
[19] ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم﴾ هذا لمن أحب إشاعتها؛ فكيف بمن سعى في نشرها؟! لاسيما بوسائل يتسع فيها النشر ويبقى.
وقفة
[19] من الحكمة ألا تشاع الجرائم المتعلقة بالزنا؛ لأنها كلما شاعت هانت ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم﴾.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ هذا فيمن أحب فكيف بمن عمل وسعى في إشاعتها.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ إذا كان هذا للَّذين يحبِّون فقط، فكيف بمن يُشيعُ الفاحشةَ؟!
لمسة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ مدح الله المرأة بغفلتها، ومن صور الغفلة المحمودة:١- تغفل عن فضول الكلام. ٢- تغفل عن كل ما لا يعنيها. ٣- تغفل عن اطلاق النظر. ٤- تغفل عن تتبع الغيبة وأخبارها. ٥- تغفل عن تتبع ما ستر عنها. ٦- تغفل عن المكر والكيد والخبث. ٧- تغفل عن النفاق وأهله وطرقه. ٨- تغفل عن المنكرات ومواطنها. ٩- تغفل عن الملاهي وتنوعها. ١٠- تغفل عن الحسد وصوره. ١١- تغفل عن الانشغال بالناس وشؤونهم. ١٢- تغفل عن غير بيتها وأسرتها. ١٣- تغفل عن تتبع التهم وردها ونقاشها. ١٤- تغفل عن الجدال العقيم. ولهذا وصف الله المحصنات بأنهن: (الغافلات)، ومن فسرها من السلف بأنها (غافلة عن الفواحش) فلأنها أرفع أنواع الغفلة وآكدها.
وقفة
[19] ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ ربما تتعثر في خطيئة، لكن إياك أن تحب انتشار الفاحشة.
وقفة
[19] ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة﴾ إذا كان مجرد الحب يتوعد بهذه العقوبة؛ فكيف بمن يدعو لها ويسهل وصولها للمؤمنين؟!
وقفة
[19] المولعون بنشر فضائح الناس لهم نصيب من قوله تعالى: ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة﴾.
وقفة
[19] من أحبت نفسه إذاعة الفاحشة وإشاعتها في المجتمع المسلم فليقرأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
عمل
[19] اقترح حلًا لمنع إشاعة الفاحشة في المجتمع حولك ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
وقفة
[19] آية تقسم الظهر: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ يدخل في ذلك دعوات ساقطة لإخراج المرأة من خدرها، وقد ينطلي على بعض ممن في قلبه إيمان، فيرى مع كثرة الدعوات الرائجة أن لا بأس بمزاولة المرأة أعمالًا يراها الرائي لأول وهلة لا ضير فيها، وهي عند العارفين ذرائع للفاحشة، وإشاعة لها.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ لشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين مفسدة عظيمة؛ فإن مما يبعد الناس عن المفاسد تهيبهم لها، فإذا تناقل الناس أخبار الفواحش؛ خف وقعها على الأسماع؛ وأقدمت عليها النفوس، ولهذا قال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ في هذه الآية وعيد رباني لا يتخلف للذين يتبنون مشاريع الفساد والإفساد في الأرض بالعذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة، سواء كان حسيًّا أو نفسيًّا، علمنا به أم لم نعلم؛ ولذلك ختمها بقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وفي ذلك شفاء لصدور المؤمنين، وإذهاب لغيظ قلوبهم.
وقفة
[19] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ومحبة إشاعة الفاحشة تنتظم جميع الوسائل القبيحة إلى هذه الفاحشة، سواء كانت بالقول، أم بالفعل، أم بالإقرار، أو ترويج أسبابها، وهكذا، وهذا الوعيد الشديد ينطبق على دعاة تحرير المرأة في بلاد الإسلام من الحجاب، والتخلص من الأوامر الشرعية الضابطة لها في عفتها وحشمتها وحياتها.
وقفة
[19] العاقل هو الذي يتحسس معايب نفسه، وينظر معايب نفسه ليصلحها، لا أن ينظر معايب الغير ليشيعها -والعياذ بالله-، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وقفة
[19] تأملوا: ﴿إِنَّ الَّذينَ يُحِبّونَ أَن تَشيعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنوا لَهُم عَذابٌ أَليمٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾، هم فقط (يحبون) ولم يشاركوا، وتلك هى عقوبتهم فى الدنيا والآخرة، فما بالكم بمن يأتيها فعلًا؟! سلم يا رب سلم.
تفاعل
[19] ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[19] ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ من العذاب الأليم أن المفسدين يرون مشاريع إفسادهم للمرأة والمجتمع تنهار فينهارون نفسيًا وما عند الله من العذاب أشد.
وقفة
[19] ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ قد يبعد الله عنك ما تُحب؛ ليشغلك بما يُحب، ففي أقدار الله حكمة ورحمة وألطاف خفية تستنير بها الحياة.
وقفة
[19] ﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ كل الأقدار خير لأنها في علم الرب، سواء طابت بها الأنفُس أم لم تطب.
وقفة
[19] لمّا نهى الله عن التعري والسفور والزنا؛ قال: ﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، لأن بعض المحرم لا تظهر مفاسده جلية لكل أحد وربما ضرره في الخفاء أكبر.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين:اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم إِنَّ».يحبون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية يُحِبُّونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. تشيع: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. الفاحشة: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة تَشِيعَ الْفاحِشَةُ» صلة أن» المصدرية لا محل لها. و إِنَّ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به ليحبون.
  • ﴿ فِي الَّذِينَ آمَنُوا:
  • جار ومجرور متعلق بتشيع. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بفي. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر إِنَّ» اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. أليم: صفة لعذاب مرفوعة بالضمة.
  • ﴿ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بعذاب أو بصفة لعذاب وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف. والآخرة: معطوفة بالواو على الدُّنْيا» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة الظاهرة.
  • ﴿ وَاللهُ يَعْلَمُ:
  • الواو استئنافية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة يَعْلَمُ» في محل رفع خبر المبتدأ وحذف مفعول يَعْلَمُ» بمعنى: يعلم ما في القلوب والضمائر من أسرار.
  • ﴿ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ:
  • الواو عاطفة. انتم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. لا: نافية لا عمل لها. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة لا تَعْلَمُونَ» في محل رفع خبر أَنْتُمْ» ومفعولها محذوف بمعنى: لا تعلمون ما يعلم. أي لا تعلمون ذلك.'

المتشابهات :

النحل: 74﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّـهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
البقرة: 216﴿وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
البقرة: 232﴿ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
آل عمران: 66﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
النور: 19﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     وبعد أن عاتبَ اللهُ المؤمنين الذينَ تناقلُوا الخبرَ، كيفَ لم يحكمُوا عليه بأنَّه كَذِبٌ؛ توعَّدَ هنا الذين يحبُونَ أن تشيعَ الفاحشةُ في الذينَ آمنُوا بالعذاب الأليم، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [20] :النور     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ..

التفسير :

[20] ولولا فَضْلُ الله على مَن وقع في حديث الإفك ورحمته بهم، وأن الله يرحم عباده المؤمنين رحمة واسعة في عاجلهم وآجلهم، لما بيَّن هذه الأحكام والمواعظ، ولَعاجل مَن خالف أمره بالعقوبة.

{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} قد أحاط بكم من كل جانب{ وَرَحْمَتُهُ} عليكم{ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} لما بين لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره، ولكن فضله ورحمته، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن تحصوه، أو تعدوه.

ثم ذكر - سبحانه - المؤمنين بفضله عليهم مرة أخرى ، لكى يزدادوا اعبتارا واتعاظا فقال ( وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) .

وجواب " لولا " محذوف ، كما أن خبر المبتدأ محذوف ، والتقدير : ولولا فضل الله عليكم ، ورحمته بكم موجودان ، لعاجلكم بالعقوبة . ولكنه - سبحانه - لم يعاجلكم بها ، لأنه شديد الرأفة والرحمة بعباده ، ولو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك عليها من دابة .

يقول تعالى : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم ) أي : لولا هذا لكان أمر آخر ، ولكنه تعالى رؤوف بعباده ، رحيم بهم . فتاب على من تاب إليه من هذه [ القضية ] وطهر من طهر منهم بالحد الذي أقيم عليه .

يقول تعالى ذكره: ولولا أن تفضَّل الله عليكم أيها الناس ورحمكم، وأن الله ذو رأفة، ذو رحمة بخلقه لهلكتم فيما أفضتم فيه، وعاجلتكم من الله العقوبة. وترك ذكر الجواب لمعرفة السامع بالمراد من الكلام بعده، وهو قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ... الآية.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[20] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ لكان أمرًا آخر، ولكنه تعالى رؤوف بعباده رحيم بهم، فتاب على من تاب إليه من هذه القضية، وطهَّر من طهَّر منهم بالحد الذي أقيم عليهم، وهذا دليل رأفته ورحمته، وأما في الملاعنة فظهرت حكمته في معالجة هذا الأمر فقال: (تواب حكيم).

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة العاشرة. وفي هذا التكرير وحذف جواب لَوْلا» مبالغة عظيمة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     وبعد المرتين السابقتين؛ يذكِّرُ اللهُ المؤمنين الذينَ تناقلُوا الخبرَ بفضله عليهم، فلولا أنه رؤوف رحيم بهم؛ لعاجلكم بالعقوبة، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف