ترتيب المصحف | 8 | ترتيب النزول | 88 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 75 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 18 | تبدأ في الجزء | 9 |
تنتهي في الجزء | 10 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 1/21 | _ |
لَمَّا أمَر بالصُّلحِ إذا مالُوا إليه، بَيَّنَ هنا أنَّهم إنْ صَالحُوا على سبيلِ المُخَادعةِ وجبَ قبولُ الصلحِ أيضًا واللهُ كافيه.
لَمَّا وعَدَ نبيَّه ﷺ بالنَّصرِ عندَ مُخادَعةِ الأعداءِ؛ وَعَدَه هنا بالنَّصرِ مُطلقًا، ثُمَّ الحثُ على القتالِ، وألَّا يفرَّ الواحدُ منْ المؤمنينَ منَ العشَرةِ من الكفَّارِ، ثُمَّ نُسِخَ الحكمُ إلى اثنينِ.
بعدَ الحثِّ على القتالِ يأتي حكمُ الأسرى، وعتابُ النَّبي ﷺ وأصحابِه على أخْذِ الفداءِ قبلَ أن يكْثُرَ القتلُ.
التفسير :
فأخبرهم اللّه أنه حسبهم وكافيهم خداعهم، وأن ذلك يعود عليهم ضرره، فقال: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} أي: كافيك ما يؤذيك، وهو القائم بمصالحك ومهماتك، فقد سبق [لك] من كفايته لك ونصره ما يطمئن به قلبك. فل ـ {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} أي: أعانك بمعونة سماوية، وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء، ومعونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك.
ثم أمن الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم من خداع أعدائه، إن هم أرادوا خيانته، وبيتوا له الغدر من وراء الجنوح إلى السلم فقال- تعالى-: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ.
أى: وإن يرد هؤلاء الأعداء الذين جنحوا إلى السلم في الظاهر أن يخدعوك- يا محمد- لتكف عنهم حتى يستعدوا لمقاتلتك فلا تبال بخداعهم، بل صالحهم مع ذلك إذا كان في الصلح مصلحة للإسلام وأهله، ولا تخف منهم، فإن الله كافيك بنصره ومعونته، فهو- سبحانه- الذي أمدك بما أمدك به من وسائل النصر الظاهرة والخافية، وهو- سبحانه- الذي أيدك بالمؤمنين الذين هانت عليهم أنفسهم وأموالهم في سبيل إعزاز هذا الدين، وإعلاء كلمته..
فالآية الكريمة تشجيع للنبي صلى الله عليه وسلم على السير في طريق الصلح ما دام فيه مصلحة للإسلام وأهله، وتبشير له بأن النصر سيكون له حتى ولو أراد الأعداء بإظهار الميل إلى السلم المخادعة والمراوغة. وقوله: حَسْبَكَ صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل. أى. بحسبك وكافيك.
قال الفخر الرازي: فإن قيل: أليس قد قال- تعالى- وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ ... أى: أظهر نقض ذلك العهد، وهذا يناقض ما ذكره في هذه الآية؟
قلنا: قوله: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً محمول على ما إذا تأكد ذلك الخوف بأمارات قوية دالة عليها، وتحمل هذه المخادعة على ما إذا حصل في قلوبهم نوع نفاق وتزوير، إلا أنه لم تظهر أمارات على كونهم قاصدين للشر وإثارة الفتنة، بل كان الظاهر من أحوالهم الثبات على المسالمة وترك المنازعة..
فإن قيل: لما قال: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ فأى حاجة مع نصره إلى المؤمنين حتى قال وَبِالْمُؤْمِنِينَ؟
قلنا: التأييد ليس إلا من الله لكنه على قسمين: أحدهما ما يحصل من غير واسطة أسباب معلومة معتادة والثاني ما يحصل بواسطة أسباب معلومة.
فالأول هو المراد من قوله أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ والثاني هو المراد من قوله:
وَبِالْمُؤْمِنِينَ.
ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا ، ( فإن حسبك الله ) أي : كافيك وحده .
ثم ذكر نعمته عليه بما أيده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار ؛ فقال : فقال : ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ) أي : جمعها على الإيمان بك ، وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك
القول في تأويل قوله : وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن يرد، يا محمد، هؤلاء الذين أمرتك بأن تنبذ إليهم على سواء إن خفت منهم خيانة, وبمسالمتهم إن جنحوا للسلم، خداعَك والمكرَ بك (1) =(فإن حسبك الله)، يقول: فإن الله كافيكهم وكافيك خداعَهم إياك, (2) لأنه متكفل بإظهار دينك على الأديان، ومتضمِّنٌ أن يجعل كلمته العليا وكلمة أعدائه السفلى =(هو الذي أيدك بنصره)، يقول: الله الذي قواك بنصره إياك على أعدائه (3) =(وبالمؤمنين)، يعني بالأنصار.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16253- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، (وإن يريدوا أن يخدعوك)، قال: قريظة.
16254- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله)، هو من وراء ذلك. (4)
16255- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (هو الذي أيدك بنصره)، قال: بالأنصار.
---------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير " الخداع " فيما سلف 1 : 273 - 277 ، 302 9 : 329 .
(2) انظر تفسير " حسبك " فيما سلف 11 : 137 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(3) انظر تفسير " أيد " فيما سلف 13 : 377 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(4) الأثر : 16254 - سيرة ابن هشام ، 2 : 331 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16252 .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 62 | ﴿ وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّـهُ﴾ |
---|
الأنفال: 71 | ﴿ وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوة غير قوة اللّه،فلو أنفقت ما في الأرض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا اللّه تعالى. {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ومن عزته أن ألف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}.
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله في كيفية تأييده لرسوله بالمؤمنين فقال- تعالى-: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ.
أى: أن من مظاهر فضل الله عليك يا محمد أن أيدك- سبحانه- بنصره وأن أيدك بالمؤمنين، بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وجعل منهم قوة موحدة، فصاروا بفضله- تعالى- كالنفس الواحدة، بعد أن كانوا متنازعين متفرقين وأنت يا محمد لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الذهب والفضة وغيرهما ما استطعت أن تؤلف بين قلوبهم المتنافرة المتنازعة وَلكِنَّ اللَّهَ بفضله وقدرته هو وحده الذي أَلَّفَ بَيْنَهُمْ فصاروا إخوانا متحابين متصافين إِنَّهُ- سبحانه- عَزِيزٌ أى: غالب في ملكه وسلطانه على كل ظاهر وباطن حَكِيمٌ في كل أفعاله وأحكامه..
وهذه الآية الكريمة يؤيدها التاريخ، ويشهد بصدقها أحداثه، فنحن نعلم أن العرب- وخصوصا الأوس والخزرج- كانوا قبل الإسلام في حالة شديدة من التفرق والتخاصم والتنازع والتحارب.. فلما دخلوا في الإسلام تحول بغضهم إلى حب، وتخاصمهم إلى مودة، وتفرقهم إلى اتحاد ... وصاروا في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، إلى مستوى لم يعرفه التاريخ من قبل ...
ولقد أجاد صاحب الكشاف- رحمه الله- في تصويره لهذه المعاني حيث قال: «التأليف بين قلوب من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات الباهرة، لأن العرب- لما فيهم من الحمية والعصبية، والانطواء على الضغينة..- لا يكاد يأتلف منهم قلبان، ثم ائتلفت قلوبهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتحدوا، وأنشأوا يرمون عن قوس واحدة، وذلك لما نظم الله من ألفتهم، وجمع من كلمتهم، وأحدث بينهم من التحاب والتواد، وأماط عنهم من التباغض والتماقت، وكلفهم من الحب، في الله والبغض في الله، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب، فهو يقلبها كيف يشاء، ويصنع فيها ما يريد.
قيل: هم الأوس والخزرج، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم، ودق جماجمهم. ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى. وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن، ويديم التحاسد والتنافس. وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه ما آثرته أختها، وتكرهه وتنفر منه.
فأنساهم الله- تعالى- ذلك كله، حتى اتفقوا على الطاعة، وتصافوا وصاروا أنصارا، وعادوا أعوانا، وما ذاك إلا بلطيف صنعه، وبليغ قدرته» . هذا، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم «حنين» قال لهم: يا معشر الأنصار!! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟
فكانوا يقولون كلما قال شيئا: الله ورسوله أمن».
وروى الحاكم أن ابن عباس كان يقول: إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتنكر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء. ثم يقرأ قوله- تعالى-: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ....
ثم مضت السورة الكريمة في تثبيت الطمأنينة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وفي قلوب أصحابه، فبينت لهم أن الله كافيهم وناصرهم، وأن القلة منهم تغلب الكثرة من أعداء الله وأعدائهم فقال- تعالى-:
( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) أي : لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ، بين الأوس والخزرج ، وأمور يلزم منها التسلسل في الشر ، حتى قطع الله ذلك بنور الإيمان ، كما قال تعالى : ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) [ آل عمران : 103 ] .
وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنين قال لهم : يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن .
ولهذا قال تعالى : ( ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) أي : عزيز الجناب ، فلا يخيب رجاء من توكل عليه ، حكيم في أفعاله وأحكامه .
قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا علي بن بشر الصيرفي القزويني في منزلنا ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسن القنديلي الإستراباذي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن النعمان الصفار ، حدثنا ميمون بن الحكم ، حدثنا بكر بن الشرود ، عن محمد بن مسلم الطائفي ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : قرابة الرحم تقطع ، ومنة النعمة تكفر ، ولم ير مثل تقارب القلوب ؛ يقول الله تعالى : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) وذلك موجود في الشعر :
إذا مت ذو القربى إليك برحمه فغشك واستغنى فليس بذي رحم ولكن ذا القربى الذي إن دعوته
أجاب ومن يرمي العدو الذي ترمي
قال : ومن ذلك قول القائل :
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا وإذا المودة أقرب الأسباب
قال البيهقي : لا أدري هذا موصول بكلام ابن عباس ، أو هو من قول من دونه من الرواة ؟ .
وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - سمعته يقول : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) الآية ، قال : هم المتحابون في الله ، وفي رواية : نزلت في المتحابين في الله .
رواه النسائي والحاكم في مستدركه ، وقال : صحيح .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن الرحم لتقطع ، وإن النعمة لتكفر ، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ، ثم قرأ : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم )
رواه الحاكم أيضا .
وقال أبو عمرو الأوزاعي : حدثني عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد - ولقيته فأخذ بيدي فقال : إذا تراءى المتحابان في الله ، فأخذ أحدهما بيد صاحبه ، وضحك إليه ، تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر . قال عبدة : فقلت له : إن هذا ليسير ! فقال : لا تقل ذلك ؛ فإن الله تعالى يقول : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) ! . قال عبدة : فعرفت أنه أفقه مني .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان عن إبراهيم الخوزي عن الوليد بن أبي مغيث ، عن مجاهد قال : إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما ، قال : قلت لمجاهد : بمصافحة يغفر لهما ؟ فقال مجاهد : أما سمعته يقول : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ) ؟ فقال الوليد لمجاهد : أنت أعلم مني .
وكذا روى طلحة بن مصرف ، عن مجاهد .
وقال ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : كنا نحدث أن أول ما يرفع من الناس - [ أو قال : عن الناس ] - الألفة .
وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني - رحمه الله - : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا سالم بن غيلان ، سمعت جعدا أبا عثمان ، حدثني أبو عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم ، فأخذ بيده ، تحاتت عنهما ذنوبهما ، كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف ، وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحار .
القول في تأويل قوله : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
قال أبو جعفر: يريد جل ثناؤه بقوله: (وألف بين قلوبهم)، وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج، بعد التفرق والتشتت، على دينه الحق, فصيَّرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا, وإخوانًا بعد أن كانوا أعداء.
وقوله: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم)، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لو أنفقت، يا محمد، ما في الأرض جميعا من ذهب ووَرِق وعَرَض, ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيْلك, (5) ولكن الله جمعها على الهدى فأتلفت واجتمعت، تقوية من الله لك وتأييدًا منه ومعونة على عدوك. يقول جل ثناؤه: والذي فعل ذلك وسبَّبه لك حتى صاروا لك أعوانًا وأنصارًا ويدًا واحدة على من بغاك سوءًا هو الذي إن رام عدوٌّ منك مرامًا يكفيك كيده وينصرك عليه, فثق به وامض لأمره، وتوكل عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16256- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وألف بين قلوبهم)، قال: هؤلاء الأنصار، ألف بين قلوبهم من بعد حرب، فيما كان بينهم. (6)
16257- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن بشير بن ثابت، رجل من الأنصار: أنه قال في هذه الآية: (لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم)، يعني: الأنصار (7)
16258- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (وألف بين قلوبهم)، على الهدى الذي بعثك به إليهم =(لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم)، بدينه الذي جمعهم عليه =يعني الأوس والخزرج. (8)
16259- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن إبراهيم الخوزيّ, عن الوليد بن أبي مغيث، عن مجاهد قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غُفِر لهما. قال قلت لمجاهد: بمصافحةٍ يغفر لهما؟ (9) فقال مجاهد: أما سمعته يقول: (لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم) ؟ فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم مني. (10)
16260- حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثني الوليد, عن أبي عمرو قال، حدثني عبدة بن أبي لبابة, عن مجاهد, ولقيته وأخذ بيدي فقال: إذا تراءى المتحابَّان في الله، (11) فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه, تحاتّت خطاياهما كما يتحاتُّ ورق الشجر. (12) قال عبدة: فقلت له: إنّ هذا ليسير! قال: لا تقل ذلك, فإن الله يقول: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم)! قال عبدة: فعرفت أنه أفقه مني. (13)
16261- حدثني محمد بن خلف قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا فضيل بن غزوان قال، أتيت أبا إسحاق فسلمت عليه فقلت (14) أتعرفني؟ فقال فضيل: نعم! لولا الحياء منك لقبَّلتك = حدثني أبو الأحوص, عن عبد الله, قال: نـزلت هذه الآية في المتحابين في الله: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم). (15)
16262- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون, عن عمير بن إسحاق قال: كنا نُحدَّث أن أوّل ما يرفع من الناس =أو قال: عن الناس= الألفة. (16)
16263- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أيوب بن سويد, عن الأوزاعي قال، حدثني عبدة بن أبى لبابة, عن مجاهد =ثم ذكر نحو حديث عبد الكريم, عن الوليد. (17)
16264- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، وابن نمير، وحفص بن غياث=, عن فضيل بن غزوان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص قال: سمعت عبد الله يقول: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم)، الآية, قال: هم المتحابون في الله. (18)
* * *
وقوله: (إنه عزيز حكيم)، يقول: إن الله الذي ألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما، وجعلهم لك أنصارًا =(عزيز)، لا يقهره شيء، ولا يردّ قضاءه رادٌّ, ولكنه ينفذ في خلقه حكمه. يقول: فعليه فتوكل, وبه فثق=(حكيم)، في تدبير خلقه. (19)
------------------
الهوامش :
(5) " الحيل " ( بفتح فسكون ) ، القوة ، مثل " الحول " ، يقال : " إنه لشديد الحيل " ، وفي الحديث : " اللهم ذا الحيل الشديد " . وهو لا يزال يستعمل كذلك في عامية مصر .
(6) ما بين " من بعد حرب " و " فيما كان بينهم " ، بياض في المخطوطة ، فيه معقوفة بالحمرة ، لا أدري أهو بياض تركه لسقط ، أم هو سهو من الناسخ ملأه بالحمرة .
(7) الأثر : 16257 - " بشير بن ثابت الأنصاري " ، مولى النعمان " بن بشير " ، ذكره ابن حبان في الثقات . روى عنه شعبة . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 2 97 ، وابن أبي حاتم 1 1 372 .
(8) الأثر : 16258 - سيرة ابن هشام 2 : 331 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16254 .
(9) في المخطوطة : " يغفر الله له " والذي في المطبوعة أجود .
(10) الأثر : 16259 - " إبراهيم الخوزي " ، هو : " إبراهيم بن يزيد الخوزي الأموي " ، مولى عمر بن عبد العزيز ، ضعيف ، مضى برقم : 7484 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة : " إبراهيم الجزري " ، وهو خطأ محض .
و " الوليد بن أبي مغيث " ، نسب إلى جده ، ولم أجده منسوبًا إليه في غير هذا المكان ، وإنما هو : " الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث " ، مولى بني عبد الدار ، ثقة . روى عن يوسف بن ماهك ، ومحمد بن الحنفية . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 2 146 ، وابن أبي حاتم 4 2 9 .
(11) " تراءى الرجلان " ، رأى أحدهما الآخر .
(12) " تحات ورق الشجر " ، تساقط من غصنه إذا ذبل ، ثم انتثر .
(13) الأثر : 16260 - " عبد الكريم بن أبي عمير " ، شيخ الطبري ، سلف برقم : 7578 ، 11368 ، 12867 .
و " الوليد " ، هو " الوليد بن مسلم " ، سلف مرارًا .
و " أبو عمرو " ، هو الأوزاعي الإمام .
و " عبدة بن أبي لبابة الأسدي " ، مضى برقم : 5859 .
وانظر الخبر الآتي رقم : 16263 .
(14) في المستدرك : " لقيت أبا إسحاق بعد ما ذهب بصره " .
(15) الأثر : 16261 - " أبو إسحاق " هو : السبيعي .
و " أبو الأحوص " ، هو " عوف بن مالك بن نضلة " ، تابعي ثقة ، مضى مرارًا .
و " عبد الله " ، هو " عبد الله بن مسعود " .
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2 : 329 ، من طريق يعلي بن عبيد ، عن فضيل ، وقال : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 27 ، 28 ، من طريق أخرى ، وقال : " رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح ، غير جنادة بن مسلم ، وهو ثقة " .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 199 ، وزاد نسبته إلى ابن المبارك ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان .
وسيأتي من طريق أخرى رقم : 16264 .
(16) الأثر : 16262 - " عمير بن إسحاق " ، مضى قريبًا برقم : 16148 .
(17) الأثر : 16263 - انظر ما سلف رقم : 16260 ، والتعليق عليه .
(18) الأثر : 16264 - طريق أخرى للأثر السالف رقم : 16261 .
(19) انظر تفسير " عزيز " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( عزز ) ، ( حكم ) .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} أي: كافيك {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: وكافي أتباعك من المؤمنين،.وهذا وعد من اللّه لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله، بالكفاية والنصرة على الأعداء. فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع، فلابد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء، وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقا على جميع التقديرات، وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار لأن المعنى في الآية الأولى: إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم.
والمعنى في هذه الآية عام في كل ما يحتاج إليه في الدين والدنيا.
وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال ... ».
وقوله: حَسْبُكَ صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل، والكاف في محل جر.
والواو في قوله وَمَنِ اتَّبَعَكَ بمعنى مع، ومَنِ في محل نصب عطفا على الموضع، فإن قوله حَسْبُكَ بمعنى كافيك في جميع أمورك.
والمعنى: يا أيها النبي كافيك الله وكافى متبعيك من المؤمنين فهو- سبحانه- ناصركم ومؤيدكم على أعدائكم وإن كثر عددهم وقل عددكم، وما دام الأمر كذلك، فاعتمدوا عليه وحده، وأطيعوه في السر والعلن لكي يديم عليكم عونه وتأييده ونصره.
قال بعض العلماء: قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية: أى: الله وحده كافيك وكافى أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد. ثم قال: وهاهنا تقديران:
أحدهما: أن تكون الواو عاطفة للفظ «من» على الكاف المجرورة..
والثاني: أن تكون الواو بمعنى «مع» وتكون «من» في محل نصب عطفا على الموضع، فإن «حسبك» في معنى كافيك أى: الله يكفيك ويكفى من اتبعك، كما يقول العرب: حسبك وزيدا درهم، قال الشاعر:
وإذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك سيف مهند وهذا أصح التقديرين. وفيها تقدير ثالث أن تكون «من» في موضع رفع بالابتداء: أى ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله.
وفيها تقدير رابع وهو خطأ من جهة المعنى، وهو أن يكون «من» في موضع رفع عطفا على اسم الله. ويكون المعنى: حسبك الله وأتباعك.
هذا وإن قال به بعض الناس فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه، فإن الحسب والكفاية لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة ... » .
حرض تعالى نبيه - صلوات الله وسلامه عليه - والمؤمنين على القتال ومناجزة الأعداء ومبارزة الأقران ، ويخبرهم أنه حسبهم ، أي : كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم ، وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم ، ولو قل عدد المؤمنين .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا سفيان ، عن شوذب عن الشعبي في قوله : ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) قال : حسبك الله ، وحسب من شهد معك .
قال : وروي عن عطاء الخراساني ، وعبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ] مثله .
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي حسبك الله), وحسب من اتبعك من المؤمنين، الله. يقول لهم جل ثناؤه: ناهضوا عدوكم, فإن الله كافيكم أمرهم, ولا يهولنكم كثرة عددهم وقلة عددكم, فإن الله مؤيدكم بنصره. (20)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16265- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان, عن شوذب أبي معاذ، عن الشعبي في قوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)، قال: حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، الله. (21)
16266- حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا سفيان, عن شوذب, عن الشعبي في قوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)، قال: حسبك الله، وحسب من معك.
16267- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن سفيان, عن شوذب, عن عامر, بنحوه =إلا أنه قال: حسبك الله، وحسب من شهد معك.
16268- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب, عن ابن زيد في قوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)، قال: يا أيها النبي حسبك الله، وحسب من اتبعك من المؤمنين, إنّ حسبك أنت وهم، الله.
* * *
فـ " منْ" قوله: (ومن اتبعك من المؤمنين)، على هذا التأويل الذي ذكرناه عن الشعبي، نصب، عطفا على معنى " الكاف " في قوله: (حسبك الله) لا على لفظه, لأنها في محل خفض في الظاهر، وفي محل نصب في المعنى, لأن معنى الكلام: يكفيك الله, ويكفي من اتبعك من المؤمنين.
* * *
وقد قال بعض أهل العربية في " من "، أنها في موضع رفع على العطف على اسم " الله ", كأنه قال: حسبك الله ومتبعوك إلى جهاد العدو من المؤمنين، دون القاعدين عنك منهم. واستشهد على صحة قوله ذلك بقوله: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ . (22)
--------------------
الهوامش :
(20) انظر تفسير " حسب " فيما سلف ص : 44 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(21) الأثر : 16265 - " شوذب ، أبو معاذ " ، ويقال : " أبو عثمان " ، مولى البراء بن عازب . قال سفيان ، عن شوذب : " كنت تياسًا ، فنهاني البراء بن عازب عن عسب الفحل " روى عنه سفيان الثوري ، وشعبة . مترجم في الكبير 2 2 261 ، وابن أبي حاتم 2 1 377 ، وكان في المطبوعة: "شوذب بن معاذ" وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.
وسيأتي في الإسنادين التاليين .
(22) هو الفراء في معاني القرآن 1 : 417 .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 41 | ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ |
---|
المائدة: 67 | ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} أي: حثهم وأنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم وينشط هممهم، من الترغيب في الجهاد ومقارعة الأعداء، والترهيب من ضد ذلك، وذكر فضائل الشجاعة والصبر، وما يترتب على ذلك من خير في الدنيا والآخرة، وذكر مضار الجبن، وأنه من الأخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة، وأن الشجاعة بالمؤمنين أولى من غيرهم {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ} أيها المؤمنون {عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يكون الواحد بنسبة عشرة من الكفار،.وذلك بأن الكفار {قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} أي: لا علم عندهم بما أعد اللّه للمجاهدين في سبيله، فهم يقاتلون لأجل العلو في الأرض والفساد فيها،.وأنتم تفقهون المقصود من القتال، أنه لإعلاء كلمة اللّه وإظهار دينه، والذب عن كتاب اللّه، وحصول الفوز الأكبر عند اللّه،.وهذه كلها دواع للشجاعة والصبر والإقدام على القتال.
ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بتحريض المؤمنين على القتال من أجل إعلاء كلمة الحق، فقال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ....
وقوله: حَرِّضِ من التحريض بمعنى الحث على الشيء بكثرة التزيين له، وتسهيل الأمر فيه حتى تقدم عليه النفس برغبة وحماس.
قال الراغب: الحرض ما لا يعتد به ولا خير فيه، ولذلك يقال لمن أشرف على الهلاك حرض. قال- تعالى- حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ..
والتحريض: الحث على الشيء.. فكأنه في الأصل إزالة الحرض نحو حرضته وقذيته أى: أزلت عنه الحرض والقذى..» .
والمعنى: يا أيها النبي بالغ في حث المؤمنين وإحمائهم على القتال بصبر وجلد، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه على القتال عند صفهم ومواجهة الأعداء كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عددهم وعددهم: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» . فقال عمير بن الحمام: عرضها السموات والأرض؟ فقال رسول الله: نعم. فقال عمير: بخ بخ، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» ؟ قال:
رجاء أن أكون من أهلها، قال صلى الله عليه وسلم «فإنك من أهلها» فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن» ثم ألقى بقيتهن من يده وقال: لئن أنا حييت حتى آكلهن، إنها لحياة طويلة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل- رضى الله عنه- .
وقوله:
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ بشارة من الله- تعالى- للمؤمنين ووعد لهم بالظفر على أعدائهم.
أى: قابلوا- أيها المؤمنون أعداءكم بقوة وإقدام، فإنكم إن يوجد منكم عشرون رجلا صابرون يغلبوا- بسبب إيمانهم وصبرهم- مائتين من الكافرين، وإن يوجد منكم مائة يغلبوا ألفا منهم، وذلك بسبب أن هؤلاء الكافرين قوم جهلة بحقوق الله- تعالى- وبما يجب عليهم نحوه.
فهم- كما يقول صاحب الكشاف-: «يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم» فيقل ثباتهم. ويعدمون لجهلهم بالله نصرته، ويستحقون الخذلان. بخلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله- تعالى-».
وقال صاحب المنار: والآية تدل على أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين وأفقه منهم بكل علم وفن يتعلق بحياة البشر وارتقاء الأمم. وأن حرمان الكفار من هذا العلم هو السبب في كون المائة منهم دون العشرة من المؤمنين الصابرين ...
وهكذا كان المؤمنون في قرونهم الأولى.. أما الآن فقد أصبح المسلمون غافلين عن هذه المعاني الجليلة، فزال مجدهم.. .
ولهذا قال : ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) أي : حثهم وذمر عليه ؛ ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرض على القتال عند صفهم ومواجهة العدو ، كما قال لأصحابه يوم بدر ، حين أقبل المشركون في عددهم وعددهم : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض . فقال عمير بن الحمام : عرضها السماوات والأرض ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم فقال : بخ بخ ، فقال : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : رجاء أن أكون من أهلها ! قال : فإنك من أهلها ، فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه ، وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ، ثم ألقى بقيتهن من يده ، وقال : لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة ! ثم تقدم فقاتل حتى قتل ، رضي الله عنه .
وقد روي عن سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير : أن هذه الآية نزلت حين أسلم عمر بن الخطاب ، وكمل به الأربعون .
وفي هذا نظر ؛ لأن هذه الآية مدنية ، وإسلام عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة ، والله أعلم .
ثم قال تعالى مبشرا للمؤمنين وآمرا : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ) كل واحد بعشرة ثم نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة .
قال عبد الله بن المبارك : حدثنا جرير بن حازم ، حدثني الزبير بن الخريت عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) شق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء التخفيف ، فقال :
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال)، حُثَّ متبعيك ومصدِّقيك على ما جئتهم به من الحق، على قتال من أدبر وتولى عن الحق من المشركين (23) =(إن يكن منكم عشرون) رجلا=(صابرون)، عند لقاء العدو, ويحتسبون أنفسهم ويثبتون لعدوهم =(يغلبوا مئتين)، من عدوهم ويقهروهم =(وإن يكن منكم مئة)، عند ذلك (يغلبوا)، منهم (ألفا) =(بأنهم قوم لا يفقهون) ، يقول: من أجل أن المشركين قوم يقاتلون على غير رجاء ثواب، ولا لطلب أجر ولا احتساب، لأنهم لم يفقهوا أن الله مُوجبٌ لمن قاتل احتسابًا، وطلب موعود الله في الميعاد، ما وعد المجاهدين في سبيله, فهم لا يثبتون إذا صدقوا في اللقاء، خشية أن يُقتلوا فتذهب دنياهم.
---------------------
الهوامش :
(23) انظر تفسير " التحريض " فيما سلف 8 : 579 .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 65 | ﴿وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ |
---|
التوبة: 127 | ﴿ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّـهُ قُلُوبَهُم ِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ |
---|
الحشر: 13 | ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
حرض:
وقرئ:
حرص، بالصاد المهملة، وهو من الحرص، وهى قراءة الأعمش.
إن يكن ... وإن يكن:
قرئا:
1- على التذكير فيهما، وهى قراءة الكوفيين.
2- على التأنيث، وهى قراءة الحرميين، وابن عامر.
3- على التذكير، فى الأولى، لقوله تعالى «ويغلب» ، وعلى التأنيث فى الثانية لقوله تعالى «صابرة» .
التفسير :
ثم إن هذا الحكم خففه اللّه على العباد فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} فلذلك اقتضت رحمته وحكمته التخفيف،. {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} بعونه وتأييده. وهذه الآيات صورتها صورة الإخبار عن المؤمنين، بأنهم إذا بلغوا هذا المقدار المعين يغلبون ذلك المقدار المعين في مقابلته من الكفار، وأن اللّه يمتن عليهم بما جعل فيهم من الشجاعة الإيمانية. ولكن معناها وحقيقتها الأمر وأن اللّه أمر المؤمنين ـ في أول الأمر ـ أن الواحد لا يجوز له أن يفر من العشرة، والعشرة من المائة، والمائة من الألف. ثم إن اللّه خفف ذلك، فصار لا يجوز فرار المسلمين من مثليهم من الكفار، فإن زادوا على مثليهم جاز لهم الفرار، ولكن يرد على هذا أمران:. أحدهما: أنها بصورة الخبر، والأصل في الخبر أن يكون على بابه، وأن المقصود بذلك الامتنان والإخبار بالواقع.. والثاني: تقييد ذلك العدد أن يكونوا صابرين بأن يكونوا متدربين على الصبر. ومفهوم هذا أنهم إذا لم يكونوا صابرين، فإنه يجوز لهم الفرار، ولو أقل من مثليهم [إذا غلب على ظنهم الضرر] كما تقتضيه الحكمة الإلهية. ويجاب عن الأول بأن قوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} إلى آخرها، دليل على أن هذا أمر لازم وأمر محتم، ثم إن اللّه خففه إلى ذلك العدد،. فهذا ظاهر في أنه أمر، وإن كان في صيغة الخبر.. وقد يقال: إن في إتيانه بلفظ الخبر، نكتة بديعة لا توجد فيه إذا كان بلفظ الأمر،.وهي تقوية قلوب المؤمنين، والبشارة بأنهم سيغلبون الكافرين.. ويجاب عن الثاني: أن المقصود بتقييد ذلك بالصابرين، أنه حث على الصبر، وأنه ينبغي منكم أن تفعلوا الأسباب الموجبة لذلك[فإذا فعلوها صارت الأسباب الإيمانية والأسباب المادية مبشرة بحصول ما أخبر اللّه به من النصر لهذا العدد القليل]
ثم حكى- سبحانه- بعض مظاهر فضله على المؤمنين ورحمته بهم فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ...
وقوله ضَعْفاً قرأه بعضهم بفتح الضاد، وقرأه آخرون بضمها، وهما بمعنى واحد عند الجمهور، والمراد به الضعف في البدن.
وقيل الضعف- بالفتح- يكون في الرأى والعقل، وبالضم يكون في البدن.
والمعنى: لقد فرضنا عليكم- أيها المؤمنون- أول الأمر أن يثبت الواحد منكم أمام عشرة من الكافرين.. والآن وبعد أن شق عليكم الاستمرار على ذلك، ولم تبق هناك ضرورة لدوام هذا الحكم لكثرة عددكم.. شرعنا لكم التخفيف رحمة بكم، ورعاية لأحوالكم، فأوجبنا عليكم أن يثبت الواحد منكم أمام اثنين من أعدائكم بدلا من عشرة، وبشرناكم بأنه إن يوجد منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من أعدائكم، وإن يوجد منكم ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله وتيسيره وتأييده.
وقوله: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ تذييل مقرر لمضمون ما قبله.
أى: والله- تعالى- مع الصابرين بتأييده ورعايته ونصره، فاحرصوا على أن تكونوا من المؤمنين الصادقين لتنالوا منه- سبحانه- ما يسعدكم في دنياكم وآخرتكم.
هذا، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية قد نسخت الآية السابقة عليها، ومنهم من يرى غير ذلك.
قال الآلوسى: قوله: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ.. شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد العشرة، والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا- بعون الله وتأييده- فالجملة خبرية لفظا إنشائية معنى.
والمعنى: ليصبرن الواحد لعشرة وليست بخبر محض ...
وقوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ.. أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: لما نزلت إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ.. شق ذلك على المسلمين إذ فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف وهل يعد ذلك نسخا أولا؟ قولان: اختار بعضهم الثاني منهما وقال: إن الآية مخففة، ونظير ذلك التخفيف على المسافر بالفطر.
وذهب الجمهور إلى الأول، وقالوا: إن الآية الثانية ناسخة للأولى. وقال بعض العلماء:
فرض الله على المؤمنين أول الأمر ألا يفر الواحد من المؤمنين من العشرة من الكفار، وكان ذلك في وسعهم، فأعز الله بهم الدين على قلتهم، وخذل بأيديهم المشركين على كثرتهم، وكانت السرايا تهزم من المشركين أكثر من عشر أمثالها تأييدا من الله لدينه.
ولما شق على المؤمنين الاستمرار على ذلك، وضعفوا عن تحمله، ولم تبق ضرورة لدوام هذا الحكم لكثرة عدد المسلمين ممن دخلوا في دين الله أفواجا نزل التخفيف، ففرض على الواحد الثبات للاثنين من الكفار، ورخص له في الفرار إذا كان العدو أكثر من اثنين.
وهو رخصة كالفطر للمسافر، وذهب الجمهور إلى أنه نسخ» .
وقال الشيخ القاسمى: إن قيل: إن كفاية عشرين لمائتين تغنى عن كفاية مائة لألف.
وكفاية مائة لمائتين تغنى عن كفاية ألف لألفين، لما تقرر من وجوب ثبات الواحد للعشرة في الأولى، وثبات الواحد للاثنين في الثانية فما سر هذا التكرير؟
أجيب: بأن سره كون كل عدة بتأييد القليل على الكثير لزيادة التقرير المفيد لزيادة الاطمئنان، والدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت، فإن العشرين قد لا تغلب المائتين، وتغلب المائة الألف، وأما الترتيب في المكرر فعلى ذكر الأقل ثم الأكثر على الترتيب الطبيعي.
وقيل في سر ذلك: إنه بشارة للمسلمين بأن جنود الإسلام سيجاوز عددهم العشرات والمئات إلى الألوف.
ثم قال: وقال في البحر: انظر إلى فصاحة هذا الكلام، حيث أثبت في الشرطية الأولى قيد الصبر، وحذف نظيره من الثانية، وأثبت في الثانية قيد كونهم من الكفرة، وحذفه من الأولى، ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت في أولى جملتي التخفيف وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه، ثم ختمت بقوله: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ مبالغة في شدة المطلوبية، وإشارة إلى تأييدهم، وأنهم منصورون حتما، لأن من كان الله معه لا يغلب ... » .
وبعد هذا الحديث المستفيض عن القتال في سبيل الله.. عقب- سبحانه- ذلك بالحديث عن بعض الأحكام التي تتعلق بالأسرى بمناسبة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أسرى غزوة بدر من الكافرين، فقال- تعالى-:
( الآن خفف الله عنكم ) إلى قوله : ( يغلبوا مائتين ) قال : خفف الله عنهم من العدة ، ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم .
وروى البخاري من حديث ابن المبارك ، نحوه . وقال سعيد بن منصور : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس في هذه الآية قال : كتب عليهم ألا يفر عشرون من مائتين ، ثم خفف الله عنهم ، فقال : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ) فلا ينبغي لمائة أن يفروا من مائتين .
وروى البخاري ، عن علي بن عبد الله ، عن سفيان ، به ونحوه .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين ، وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ، ومائة ألفا ، فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ) الآية ، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدو لهم لم ينبغ لهم أن يفروا من عدوهم ، وإذا كانوا دون ذلك ، لم يجب عليهم قتالهم ، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم .
وروى علي بن أبي طلحة والعوفي ، عن ابن عباس ، نحو ذلك . قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، والحسن ، وزيد بن أسلم ، وعطاء الخراساني ، والضحاك نحو ذلك .
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ، من حديث المسيب بن شريك ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) قال : نزلت فينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وروى الحاكم في مستدركه ، من حديث أبي عمرو بن العلاء ، عن نافع ، عن ابن عمر ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ) رفع ، ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
(24) ثم خفف تعالى ذكره عن المؤمنين، إذ علم ضعفهم فقال لهم: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)، يعني: أن في الواحد منهم عن لقاء العشرة من عدوهم ضعفًا =(فإن يكن منكم مئة صابرة)، عند لقائهم للثبات لهم =(يغلبوا مئتين) منهم =(وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) منهم =(بإذن الله) يعني: بتخلية الله إياهم لغلبتهم، ومعونته إياهم (25) =(والله مع الصابرين)، لعدوهم وعدو الله, احتسابًا في صبره، وطلبًا لجزيل الثواب من ربه, بالعون منه له، والنصر عليه.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16269- حدثنا محمد بن بشار قال. حدثنا محمد بن محبب قال، حدثنا سفيان, عن ليث, عن عطاء في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، قال: كان الواحد لعشرة, ثم جعل الواحد باثنين; لا ينبغي له أن يفرَّ منهما. (26)
16270- حدثنا سعيد بن يحيى قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن جريج, عن عمرو بن دينار, عن ابن عباس قال: جعل على المسلمين على الرجل عشر من الكفار, فقال: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، فخفف ذلك عنهم, فجعل على الرجل رجلان. قال ابن عباس: فما أحب أن يعلم الناس تخفيف ذلك عنهم.
16271- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال: قال محمد بن إسحاق, حدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي, عن عطاء بن أبي رباح, عن عبد الله بن عباس, قال: لما نـزلت هذه الآية، ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين، ومئة ألفا, فخفف الله عنهم. فنسخها بالآية الأخرى فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين)، قال: وكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم. وإن كانوا دون ذلك، لم يجب عليهم أن يقاتلوا, وجاز لهم أن يتحوّزوا عنهم. (27)
16272- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، قال: كان لكل رجل من المسلمين عشرة لا ينبغي له أن يفرّ منهم. فكانوا كذلك حتى أنـزل الله: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين)، فعبأ لكل رجل من المسلمين رجلين من المشركين, فنسخ الأمر الأول =وقال مرة أخرى في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، فأمر الله الرجل من المؤمنين أن يقاتل عشرة من الكفار, فشق ذلك على المؤمنين، ورحمهم الله, فقال: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)، فأمر الله الرجلَ من المؤمنين أن يقاتل رجلين من الكفار.
16273- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال)، إلى قوله: (بأنهم قوم لا يفقهون)، وذلك أنه كان جعل على كل رجل من المسلمين عشرة من العدو يؤشِّبهم =يعني: يغريهم (28) = بذلك، ليوطنوا أنفسهم على الغزو, وأن الله ناصرهم على العدو, ولم يكن أمرًا عزمه الله عليهم ولا أوجبه, ولكن كان تحريضًا ووصية أمر الله بها نبيه، ثم خفف عنهم فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)، فجعل على كل رجلٍ رجلين بعد ذلك، تخفيفا, ليعلم المؤمنون أن الله بهم رحيم, فتوكلوا على الله وصبروا وصدقوا, ولو كان عليهم واجبًا كفّروا إذنْ كلَّ رجل من المسلمين [نكل] عمن لقي من الكفار إذا كانوا أكثر منهم فلم يقاتلوهم. (29) فلا يغرنَّك قولُ رجالٍ ! فإني قد سمعت رجالا يقولون: إنه لا يصلح لرجل من المسلمين أن يقاتل حتى يكون على كل رجل رجلان, وحتى يكون على كل رجلين أربعة, ثم بحساب ذلك, وزعموا أنهم يعصون الله إن قاتلوا حتى يبلغوا عدة ذلك, وإنه لا حرج عليهم أن لا يقاتلوا حتى يبلغوا عدَّةَ أن يكون على كل رجل رجلان, وعلى كل رجلين أربعة, وقد قال الله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [سورة البقرة: 207]، وقال الله: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النساء: 84]، فهو التحريض الذي أنـزل الله عليهم في " الأنفال ", فلا تعجزنَّ، قاتلْ، قد سقطت بين ظَهْرَيْ أناس كما شاء الله أن يكونوا. (30)
16274- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح, عن الحصين, عن زيد, عن عكرمة والحسن قالا قال في " سورة الأنفال " =(إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون)، ثم نسخ فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)، إلى قوله: (والله مع الصابرين).
16275- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن عكرمة, في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون)، قال: واحد من المسلمين وعشرة من المشركين. ثم خفف عنهم فجعل عليهم أن لا يفرَّ رجل من رجلين.
16276- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون)، إلى قوله: (وإن يكن منكم مئة)، قال: هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر, جعل على الرجل منهم عشرة من الكفار, (31) فضجوا من ذلك, فجعل على الرجل قتال رجلين، تخفيفا من الله.
16277- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إبراهيم بن يزيد, عن عمرو بن دينار، وأبي معبد عن ابن عباس قال: إنما أمر الرجل أن يصبر نفسه لعشرة, والعشرة لمئة إذ المسلمون قليل، فلما كثر المسلمون، خفف الله عنهم. فأمر الرجل أن يصبر لرجلين, والعشرة للعشرين, والمئة للمئتين.
16278- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفروا، فإنهم إن لم يفروا غَلَبوا, ثم خفف الله عنهم وقال: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين)، فيقول: لا ينبغي أن يفر ألف من ألفين, فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم.
16279- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين)، جعل الله على كل رجل رجلين، بعد ما كان على كل رجل عشرة = وهذا الحديث عن ابن عباس.
16280- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون, عن جرير بن حازم, عن الزبير بن الخرِّيت, عن عكرمة, عن ابن عباس: كان فُرِض على المؤمنين أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين. قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا)، فشق ذلك عليهم, فأنـزل الله التخفيف, فجعل على الرجل أن يقاتل الرجلين, قوله: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين)، فخفف الله عنهم, ونُقِصوا من الصبر بقدر ذلك. (32)
16281- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، يقول: يقاتلوا مئتين, فكانوا أضعف من ذلك, فنسخها الله عنهم. فخفف فقال: (فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين)، فجعل أول مرة الرجل لعشرة, ثم جعل الرجل لاثنين.
16282- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفروا, فإنهم إن لم يفرُّوا غَلَبوا. ثم خفف الله عنهم فقال: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله)، فيقول: لا ينبغي أن يفرّ ألف من ألفين, فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم.
16283- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن جويبر, عن الضحاك قال: كان هذا واجبًا أن لا يفر واحد من عشرة.
16284- وبه قال: أخبرنا الثوري, عن الليث, عن عطاء, مثل ذلك.
* * *
وأما قوله: (بأنهم قوم لا يفقهون)، فقد بينّا تأويله. (33)
* * *
وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما:-
16285- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (بأنهم قوم لا يفقهون)، أي لا يقاتلون على نِيَّةٍ ولا حقٍّ فيه, ولا معرفة بخير ولا شر. (34)
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الآية =أعني قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)، = وإن كان مخرجها مخرج الخبر, فإن معناها الأمر. يدلّ على ذلك قوله: (الآن خفف الله عنكم)، فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل. ولو كان ثبوت العشرة منهم للمئة من عدوهم كان غير فرض عليهم قبل التخفيف، وكان ندبًا، لم يكن للتخفيف وجه، لأن التخفيف إنما هو ترخيص في ترك الواحد من المسلمين الثبوتَ للعشرة من العدو. وإذا لم يكن التشديد قد كان له متقدِّمًا، لم يكن للترخيص وجه, إذ كان المفهوم من الترخيص إنما هو بعد التشديد. وإذ كان ذلك كذلك, فمعلوم أن حكم قوله: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)، ناسخ لحكم قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا). وقد بينا في كتابنا " البيان عن أصول الأحكام "، (35) أن كل خبرٍ من الله وعد فيه عباده على عملٍ ثوابًا وجزاء, وعلى تركه عقابًا وعذابًا, وإن لم يكن خارجًا ظاهرُه مخرج الأمر, ففي معنى الأمر= بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وعلم أن فيكم ضعفًا).
فقرأه بعض المدنيين وبعض البصريين: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا)، بضم " الضاد " في جميع القرآن، وتنوين " الضعف " على المصدر من: " ضَعُف الرجل ضُعْفًا ".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: ( وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا )، بفتح " الضاد "، على المصدر أيضًا من " ضَعُف ".
* * *
وقرأه بعض المدنيين: (ضُعَفَاء)، على تقدير " فعلاء ", جمع " ضعيف " على " ضعفاء "، كما يجمع " الشريك "، " شركاء "، و " الرحيم "، " رحماء ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك بالصواب، قراءة من قرأه: ( وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا )، و (ضُعْفًا), بفتح الضاد أو ضمها, لأنهما القراءتان المعروفتان, وهما لغتان مشهورتان في كلام العرب فصيحتان بمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ الصوابَ.
* * *
فأما قراءة من قرأ ذلك: " ضعفاء "، فإنها عن قراءة القرأة شاذة, وإن كان لها في الصحة مخرج, فلا أحبُّ لقارئٍ القراءةَ بها.
---------------------
الهوامش :
(24) انظر تفسير " فقه " فيما سلف 13 : 278 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(25) انظر تفسير " الإذن " فيما سلف 11 : 215 ، تعليق : 2 . والمراجع هناك .
(26) الأثر : 16269 - " محمد بن محبب بن إسحاق القرشي " ، ثقة ، مضى برقم : 6320 .
(27) الأثر : 16271 - سيرة ابن هشام 2 : 331 ، وهو تابع الأثر التالي رقم : 16285 ، قدم الطبري وأخر في هذا الموضع ، فاختلف ترتيب نقله من تفسير ابن إسحاق في سيرته .
(28) " التأشيب " التحريش بين القوم بالشر ، ومثله " التأشيب " بمعنى الإغراء بالعدو ، انظر كما سلف في التعليق على رقم : 16059 ، ج 13 : 531 ، تعليق رقم : 2 ، وكتب اللغة مقصرة في بيان معنى هذا الحرف من العربية .
(29) في المطبوعة : " ولو كان عليهم واجبًا الغزو إذا بعد كل رجل من المسلمين عمن لقي من الكفار " ، جاء بكلام لا معنى له . وكان في المخطوطة : " ولو كان عليهم واجبًا كفروا إذا كل رجل من المسلمين عمن لقي من الكفار " ، وصواب الجملة ما أثبت ، ولكن الناسخ أسقط ، والله أعلم ، [ نكل ] التي وضعها بين القوسين . و " نكل عن عدوه " ، نكص .
(30) في المطبوعة : " فلا يعجزك قائل قد سقطت " ، وهو بلا معنى ، صوابه ما في المخطوطة كما أثبته ، وهو فيها غير منقوط ، وهذا صواب قراءة . وقوله : " فلا تعجزن " ، يعني لا تقعد عن القتال عجزًا ، ولكن قاتل ، فإنك قد وقعت بين عدد من العدو ، كما شاء الله أن يكون عددهم ، قلوا أو كثروا .
(31) في المطبوعة في الموضعين حذف " قتال " ، لأنها في المخطوطة : " فقال " ، وصواب قراءتها ما أثبت .
(32) في المطبوعة : " ونقصوا من الصبر " ، زاد " واوًا " ، وغير " النصر " ، فأفسد الكلام . غفر الله له .
(33) انظر ما سلف ص : 51 .
(34) الأثر : 16285 - سيرة ابن هشام 2 : 331 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16257 ، وقد أخره أبو جعفر عن موضعه إلى هذا الموضع ، وقدم عليه الخبر رقم : 16271 ، وهو تال له في تفسير السورة في سيرة ابن هشام .
كان في المطبوعة . " ولا معرفة لخير " ، وأثبت ما في المخطوطة والسيرة .
(35) في المطبوعة : " كتاب لطيف البيان " ، وأثبت ما في المخطوطة ، والكتاب هو هو .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 65 | ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ﴾ |
---|
الأنفال: 66 | ﴿فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
علم:
وقرئ:
علم، مبنيا للمفعول، وهى قراءة المفضل، عن عاصم.
ضعفا:
وقرئ:
1- ضعفا، بالضم، وهى قراءة عيسى بن عمر.
2- ضعفاء، جمع ضعيف، وهى قراءة ابن القعقاع.
التفسير :
هذه معاتبة من اللّه لرسوله وللمؤمنين يوم {بدر} إذ أسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء،. وكان رأي: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال، قتلهم واستئصالهم. فقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىَ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} أي: ما ينبغي ولا يليق به إذا قاتل الكفار الذين يريدون أن يطفئوا نور اللّه ويسعوا لإخماد دينه، وأن لا يبقى على وجه الأرض من يعبد اللّه، أن يتسرع إلى أسرهم وإبقائهم لأجل الفداء الذي يحصل منهم، وهو عرض قليل بالنسبة إلى المصلحة المقتضية لإبادتهم وإبطال شرهم. فما دام لهم شر وصولة، فالأوفق أن لا يؤسروا. فإذا أثخنوا، وبطل شرهم، واضمحل أمرهم، فحينئذ لا بأس بأخذ الأسرى منهم وإبقائهم. يقول تعالى: {تُرِيدُونَ} بأخذكم الفداء وإبقائهم {عَرَضَ الدُّنْيَا} أي: لا لمصلحة تعود إلى دينكم. {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} بإعزاز دينه، ونصر أوليائه، وجعل كلمتهم عالية فوق غيرهم، فيأمركم بما يوصل إلى ذلك. {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: كامل العزة، ولو شاء أن ينتصر من الكفار من دون قتال لفعل، لكنه حكيم، يبتلي بعضكم ببعض.
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها، ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب: أنه لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني.
فقتل المسلمون من المشركين يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وعمر:
ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى أن يهديهم الله إلى الإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان- نسيب لعمر- فأضرب عنقه، - حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين: فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت:
فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله. أخبرنى من أى شيء تبكى أنت وصاحبك. فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكى على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة؟؟؟ لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم وأنزل الله- عز وجل-: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... إلخ الآيات.
وروى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تقولون في هؤلاء الأسارى» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله! قومك وأهلك استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم.
وقال عمر: يا رسول الله! كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم.
وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، أنت بواد كثير الحطب فأضرم الوادي عليهم نارا ثم ألقهم فيه.
قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد شيئا. ثم قال فدخل فقال ناس: يأخذ بقول أبى بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عمر. وقال ناس: يأخذ بقول ابن رواحة.
ثم خرج عليهم رسول الله فقال: «إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وكمثل عيسى إذ قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، وكمثل موسى إذ قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ .
ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أنتم عالة فلا ينفلتن أحد إلا بفداء أو ضربة عنق» .
قال ابن مسعود: فقلت يا رسول، إلا سهيل بن بيضاء، فإنه يذكر الإسلام، فسكت رسول الله ثم قال: «إلا سهيل بن بيضاء» . وأنزل الله- عز وجل- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... إلى آخر الآية.
وقال ابن إسحاق- وهو يحكى أخبار غزوة بدر-: فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا السيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله، يخافون عليه الكرة. ورأى رسول الله- فيما ذكر لي- في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم» ؟ فقال: أجل والله يا رسول الله: كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال.
قوله: أَسْرى: جمع أسير كقتلى جمع قتيل. وهو مأخوذ من الأسر بمعنى الشد بالإسار أى: القيد الذي يقيد به حتى لا يهرب، ثم صار لفظ الأسير يطلق على كل من يؤخذ من فئته في الحرب ولو لم يشد بالإسار.
وقوله يُثْخِنَ من الثخانة وهي في الأصل الغلظ والصلابة. يقال: ثخن الشيء يثخن ثخونة وثخانة وثخنا، أى: غلظ وصلب فهو ثخين، ثم استعمل في الكناية والمبالغة في قتل العدو فقيل: أثخن فلان في عدوه. أى: بالغ في قتله وإنزال الجراحة الشديدة به، لأنه بذلك يمنعه من الحركة فيصير كالثخين الذي لا يسيل ولا يتحرك.
والمراد بالنبي في قوله ما كانَ لِنَبِيٍّ: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإنما جيء باللفظ منكرا تلطفا به صلى الله عليه وسلم حتى لا يواجه بالعتاب.
والمعنى: ما صح وما استقام لنبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى من أعدائه الذين يريدون به وبدعوته شرا حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ أى: حتى يبالغ في قتلهم، وإنزاله الضربات الشديدة عليهم إذلالا للكفر وإعزازا لدين الله.
وقوله: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ استئناف مسوق للعتاب.
والعرض ما لا ثبات له ولا دوام من الأشياء، فكأنها تعرض ثم تزول، والمراد بعرض الدنيا هنا: الفداء الذي أخذوه من أسرى غزوة بدر حتى يطلقوا سراحهم.
تريدون- أيها المؤمنون- بأخذكم الفداء من أعدائكم الأسرى عرض الدنيا ومتاعها الزائل، وحطامها الذي لا ثبات له، والله- تعالى- يريد لكم ثواب الآخرة.
فالكلام في قوله: وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والإرادة هنا بمعنى الرضا أى: والله- تعالى- يرضى لكم العمل الذي يجعلكم تظفرون بثوابه في الآخرة، وهو تفضيل إذلال الشرك على أخذ الفداء من أهله.
وقوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أى: والله- تعالى- عَزِيزٌ لا يغالب بل هو الغالب على أمره حَكِيمٌ في كل ما يأمر به أو ينهى عنه.
فالآية الكريمة تعتب على المؤمنين، لأنهم آثروا الفداء على القتل والإثخان في الأرض، وذلك لأن غزوة بدر كانت أول معركة حاسمة بين الشرك والإيمان، وكان المسلمون فيها قلة والمشركون كثرة، فلو أن المسلمين آثروا المبالغة في إذلال أعدائهم عن طريق القتل لكان ذلك أدعى لكسر شوكة الشرك وأهله، وأظهر في إذلال قريش وحلفائها، وأصرح في بيان أن العمل على إعلاء كلمة الله كان عند المؤمنين فوق متع الدنيا وأعراضها، وأنهم لا يوادون من حارب الله ورسوله مهما بلغت درجة قرابته، وهذا ما عبر عنه عمر- رضى الله عنه- بقوله: «وحتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين» .
والخلاصة أن غزوة بدر- بظروفها وملابساتها التي سبق أن أشرنا إليها- كان الأولى بالمسلمين فيها أن يبالغوا في قتل أعدائهم لا أن يقبلوا منهم فداء حتى يذلوهم ويعجزوهم عن معاودة الكرة.
ورضى الله- تعالى- عن «سعد بن معاذ» فقد ظهرت الكراهية على وجهه بسبب أخذ الفداء من الأسرى، وقال- كما سبق أن بينا-: «.. كانت غزوة بدر- أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إلىّ من استبقاء الرجال» .
قال الفخر الرازي: قال ابن عباس: هذا الحكم إنما كان يوم بدر، لأن المسلمين كانوا قليلين، فلما كثروا وقوى سلطانهم أنزل الله بعد ذلك في الأسارى حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها.
ثم قال الرازي: وأقول: إن هذا الكلام يوهم أن قوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً يزيد على حكم الآية التي نحن في تفسيرها: وليس الأمر كذلك، لأن الآيتين متوافقتان، فإن كلتيهما تدل على أنه لا بد من تقديم الإثخان ثم بعده أخذ الفداء».
قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم ، عن حميد ، عن أنس رضي الله عنه قال : استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس في الأسارى يوم بدر ، فقال : إن الله قد أمكنكم منهم ، فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ، اضرب أعناقهم . فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا أيها الناس ، إن الله قد أمكنكم منهم ، وإنما هم إخوانكم بالأمس . فقام عمر فقال : يا رسول الله ، اضرب أعناقهم . فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال للناس مثل ذلك ، فقام أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله ، نرى أن تعفو عنهم ، وأن تقبل منهم الفداء . قال : فذهب عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان فيه من الغم ، فعفا عنهم ، وقبل منهم الفداء .
القول في تأويل قوله : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما كان لنبي أن يحتبس كافرًا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمنّ.
* * *
و " الأسر " في كلام العرب: الحبس, يقال منه: " مأسورٌ", يراد به: محبوس. ومسموع منهم: " أبَاله الله أسْرًا ". (36)
* * *
وإنما قال الله جل ثناؤه [ذلك] لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يعرِّفه أن قتل المشركين الذين أسرهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثم فادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.
* * *
وقوله: (حتى يثخن في الأرض)، يقول: حتى يبالغ في قتل المشركين فيها, ويقهرهم غلبة وقسرًا.
* * *
يقال منه: " أثخن فلان في هذا الأمر "، إذا بالغ فيه. وحكي: " أثخنته معرفةً", بمعنى: قتلته معرفةً.
* * *
=(تريدون)، يقول للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تريدون)، أيها المؤمنون، (عرض الدنيا)، بأسركم المشركين =وهو ما عَرَض للمرء منها من مال ومتاع. (37) يقول: تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدنيا وطُعْمها =(والله يريد الآخرة)، يقول: والله يريد لكم زينة الآخرة وما أعدّ للمؤمنين وأهل ولايته في جناته، بقتلكم إياهم وإثخانكم في الأرض. يقول لهم: فاطلبوا ما يريد الله لكم وله اعملوا، (38) لا ما تدعوكم إليه أهواء أنفسكم من الرغبة في الدنيا وأسبابها =(والله عزيز)، يقول: إن أنتم أردتم الآخرة، لم يغلبكم عدوّ لكم, لأن الله عزيز لا يقهر ولا يغلب = وأنه (حكيم) (39) في تدبيره أمرَ خلقه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16286- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)، وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم, أنـزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ، [سورة محمد: 4]، فجعل الله النبيَّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار, إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادَوْهم.
16287- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا)، الآية, قال: أراد أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداءَ, ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف. (40) ولعمري ما كان أثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ! وكان أول قتال قاتله المشركين.
16288- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل, عن حبيب بن أبي عمرة, عن مجاهد قال: " الإثخان "، القتل. (41)
16289- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شريك, عن الأعمش, عن سعيد بن جبير في قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)، قال: إذا أسرتموهم فلا تفادوهم حتى تثخنوا فيهم القتلَ.
16290-... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل, عن خصيف, عن مجاهد: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى)، الآية, نـزلت الرخصة بعدُ, إن شئت فمنّ، وإن شئت ففاد.
16291- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)، يعني: الذين أسروا ببدر.
16292- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى)، من عدوه =(حتى يثخن في الأرض)، أي: يثخن عدوه حتى ينفيهم من الأرض =(تريدون عرض الدنيا)، أي: المتاع والفداء بأخذ الرجال =(والله يريد الآخرة)، بقتلهم، لظهور الدين الذي يريدون إطفاءه, الذي به تدرك الآخرة. (42)
16293- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية قال، حدثنا الأعمش, عن عمرو بن مرة, عن أبي عبيدة, عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك, استبقهم واستأنهم, (43) لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك, قدّمهم فاضرب أعناقهم! وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله, انظر واديًا كثير الحطب فأدخلهم فيه, ثم أضرمه عليهم نارا. قال: فقال له العباس: قُطِعتْ رَحِمُك! قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم, ثم دخل. فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عُمر. وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنّ الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن, وإن الله ليشدد قلوبَ رجال حتى تكون أشد من الحجارة! وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم, قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة إبراهيم: 36]، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ، الآية [سورة المائدة: 118]. ومثلك يا عمر مثل نوح، قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [سورة نوح: 26] , ومثلك كمثل موسى قال: (44) رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس: 88]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم عالة, (45) فلا ينفلتّنَ أحدٌ منهم إلا بفداء أو ضرب عنق. قال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء, فإني سمعته يذكر الإسلام! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فما رأيتُني في يوم أخوفَ أن تقع عليَّ الحجارة من السماء، مني في ذلك اليوم, حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء. قال: فأنـزل الله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)، إلى آخر الثلاث الآيات. (46)
16294- حدثنا ابن بشار قال، [حدثنا عمر بن يونس اليمامي] قال، حدثنا عكرمة بن عمار قال، حدثنا أبو زميل قال، حدثني عبد الله بن عباس قال: لما أسروا الأسارى، يعني يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أبو بكر وعمر وعلي؟ قال: ما ترون في الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم بنو العم والعشيرة, وأرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار, وعسى الله أن يهديهم للإسلام! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ فقال: لا والذي لا إله إلا هو، ما أرى الذي رأى أبو بكر، يا نبي الله, ولكن أرى أن تمكننا منهم, فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه, وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه, وتمكنني من فلان - نسيبٍ لعمر - فأضرب عنقه, فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهويَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت. (47) قال عمر: فلما كان من الغد، جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان, فقلت: يا رسول الله، أخبرني من أيّ شيء تبكي أنتَ وصاحبك, فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرَض لأصحابي من أخذهم الفداء, ولقد عُرِض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة! لشجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله عز وجل: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)، إلى قوله: حَلالا طَيِّبًا ، وأحلّ الله الغنيمة لهم. (48)
--------------------
الهوامش :
(36) انظر تفسير " الأسير " فيما سلف 2 : 311 ، 312 .
وأما قوله : " أباله الله أسرا " ، فإن " الأسر " " بضم الألف وسكون السين " ، وهو احتباس البول ، يقال : " أخذه الأسر " . وهذه الجملة كانت في المخطوطة : " أبي الله أسرًا " ، وفي لسان العرب ، كما في المطبوعة " أناله بالنون " ، وفي أساس البلاغة : " وفي أدعيتهم : أبي لك الله أسرا " .
والذي في المخطوطة وأساس البلاغة يرجح صواب ما قرأته بالباء .
(37) انظر تفسير " العرض " فيما سلف 9 : 71 13 : 211 .
(38) في المطبوعة والمخطوطة : " واطلبوا " ، والسياق للفاء لا للواو .
(39) انظر تفسير " عزيز " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( عزز ) ، ( حكم ) .
(40) في المطبوعة حذف " أربعة آلاف " ، الثانية ، كأنها لم تعجبه ، غفر الله له ! ! .
(41) الأثر : 16288 - " حبيب بن أبي عمرة " ، القصاب ، أو : اللحام ، " أبو عبد الله الحماني " ، ثقة قليل الحديث سلف برقم : 10224 .
(42) الأثر : 16292 - سيرة ابن هشام 2 : 332 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16271 . وفي لفظ سيرة ابن هشام بعض الاختلاف ، وأشك في قوله هناك : " أي : قتلهم لظهور الدين الذي يريد إظهاره ، والذي تدرك به الآخرة " .
(43) كان في المطبوعة : " واستأن بهم " ، وهو نص الخبر في مسند أحمد وغيره ، من " الأناة " . يقال : " استأنى بالشيء " ، ترفق به ، وأخره وانتظر به ، وتربص به . ونقل صاحب أساس البلاغة : " واستأنيت فلانًا " : لم أعجله ، وأنشد لابن مقبل :
وَقَــوْمٌ بــأَيدِيهِمْ رِمَــاحُ رُدَينَـةٍ
شَــوَارِعَ تَسْـتأني دَمًـا أو تسَـلَّفُ
قال : " تنظره أو تتعجله " .
ورواية " واستأنهم " هذه هي الثابتة في تاريخ أبي جعفر ، في رواية هذا الخبر .
(44) في المطبوعة : " ومثلك يا بن أبي رواحة كمثل موسى " ، زاد من عنده ما ليس في المخطوطة ، وهو اجتراء قبيح بلا علم ، فإن الحديث ليس فيه هذه الزيادة ، والقول فيه موجه إلى عمر ، ولم يذكر فيه عن ابن رواحة مثل ، كما في جميع المراجع ، بل في بعضها : " وإن مثلك يا عمر كمثل موسى " . فهذه زيادة لا تحل لأحد .
وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب مثل لعبد الله بن رواحة ، والله أعلم ، لما في مشورته من النكال الشديد ، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار سبحانه وتعالى ، وأعاذنا من عذاب جهنم بفضله ورحمته ومنه على كل عاص من عباده .
(45) " العالة " : الفقراء ذوي الفاقة ، جمع " عائل " . و " عال الرجل " ، احتاج وافتقر.
(46) الأثر: 16293 - إسناده منقطع ، لأن "أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود"، لم يسمع من أبيه.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده من هذه الطريق نفسها رقم: 3632 - 3634،
ورواه الحاكم في المستدرك 3 : 21 ، 22 ، من طريق جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، وقال : " هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه " ، وقال الذهبي : " صحيح ، سمعه جرير بن عبد الحميد " .
ورواه الطبري في تاريخه 2 : 259 ، بلفظه وإسناده .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 6 : 86 ، 87 ، وفصل الكلام فيه ، وقال : " رواه أحمد . . . ورواه الطبراني ، وفيه أبو عبيدة ، ولم يسمع من أبيه ، ولكن رجاله ثقات " .
ورواه الواحدي في أسباب النزول : 178 .
وأما قوله : " إلا سهيل بن بيضاء " ، فهو خطأ من بعض الرواة ، وإنما هو " سهل بن بيضاء " أخو " سهيل " لأبيه وأمه ، قال ابن سعد : " أسلم بمكة وكتم إسلامه ، فأخرجته قريش معها في نفير بدر ، فشهد بدرًا مع المشركين ، فأسر يومئذ . فشهد له عبد الله بن مسعود أنه رآه يصلي بمكة ، فخلى عنه . والذي روى القصة في سهيل بن بيضاء قد أخطأ ، سهيل بن بيضاء أسلم قبل عبد الله بن مسعود ، ولم يستخف بإسلامه ، وهاجر إلى المدينة ، وشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا ، لا شك فيه . فخلط من روى ذلك الحديث ما بينه وبين أخيه ، لأن سهيلا أشهر من أخيه سهل ، والقصة في سهل " ، ابن سعد 4 1 156 .
(47) هذا الخبر عن ابن عباس ، عن عمر رضي الله عنه ، كما سترى في التخريج .
(48) الأثر : 16294 - " أبو زميل " ، هو " سماك بن الوليد الحنفي " ، سلف أخيرًا برقم : 15734 ، 1600 ، وسائر رجال الإسناد قد مضوا جميعًا .
وكان في المطبوعة والمخطوطة : " حدثنا ابن بشار قال حدثنا عكرمة بن عمار " ، وهو إسناد مختل ، والظاهر أن الناسخ كتب " ابن بشار " في آخر الصفحة ، كما هو في مخطوطتنا ، ثم لما انتقل إلى أول الصفحة التالية كتب : " حدثنا عكرمة بن عمار " ، فأسقط من الإسناد ما أثبته بين القوسين ، واستظهرته من رواية صدر هذا الخبر نفسه في الترمذي ، في كتاب التفسير ، حيث رواه مختصرًا ، قال : " حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عمر بن يونس اليمامي ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا أبو زميل ، حدثني عبد الله بن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب " .
وقد مضى مختصرًا كما في الترمذي ، برقم : 15734 ، وقد بينت تخريج الخبر هناك .
وهذا الخبر مطولا رواه أحمد في مسنده رقم : 208 ، 221 ، من طريق أبي نوح قراد ، عن عكرمة بن عمار .
ورواه مسلم في صحيحه مطولا 12 : 84 - 87 ، من طريق هناد بن السري ، عن ابن المبارك ، عن عكرمة ، ثم من طريق زهير بن حرب ، عن عمر بن يونس الحنفي ( اليمامي ) ، عن عكرمة .
ورواه أبو جعفر في التاريخ 2 : 294 ، مطولا ، من طريق أحمد بن منصور ، عن عاصم بن علي ، عن عكرمة .
ورواه الواحدي في أسباب النزول : 179 .
وهو حديث صحيح ، لا يعرف إلا من طريق عكرمة بن عمار ، كما سلف .
وخرجه ابن كثير في تفسير 45 : 18 ، 19 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 94 | ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ |
---|
النور: 33 | ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ |
---|
الأنفال: 67 | ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أن يكون:
1- على التذكير، على المعنى، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- أن تكون، بالتاء، على تأنيث لفظ الجمع، وهى قراءة أبى عمرو.
أسرى:
1- أسرى، على وزن «فعلى» ، وهى قراءة الجمهور، والسبعة.
وقرئ:
2- أسارى، وهى قراءة يزيد بن القعقاع.
يثخن:
1- بالتخفيف، من «أثخن» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- يثخن، مشددا، وهى قراءة أبى جعفر، ويحيى بن يعمر، ويحيى بن وثاب.
تريدون:
وقرئ:
يريدون، بالياء.
الآخرة:
قرئت:
1- بالنصب، وهى قراءة الجمهور.
2- بالجر، وهى قراءة سليمان بن جماز المدني، على تقدير مضاف محذوف والتقدير: عرض الآخرة.
التفسير :
{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} به القضاء والقدر، أنه قد أحل لكم الغنائم، وأن اللّه رفع عنكم ـ أيها الأمة ـ العذاب {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وفي الحديث: (لو نزل عذاب يوم بدر، ما نجا منه إلا عمر)
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك بعض مظاهر رحمته بالمؤمنين: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
والمراد بالكتاب هنا: الحكم، وأطلق عليه كتاب لأن هذا الحكم مكتوب في اللوح المحفوظ.
وللمفسرين أقوال في تفسير هذا الحكم السابق في علم الله- تعالى-:
فمنهم من يرى أن المراد به أنه- سبحانه- لا يعذب المخطئ في اجتهاده.
وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأى فقال قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ. أى: لولا حكم منه سبق إثباته في اللوح المحفوظ، وهو أنه- سبحانه- لا يعاقب أحدا بخطإ، وكان هذا خطأ في الاجتهاد، لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله، وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم، وأفل لشوكتهم..».
ومنهم من يرى أن المراد به أنه- سبحانه- لا يعذب قوما إلا بعد تقديم النهى عن الفعل ولم يتقدم نهى عن أخذ الفداء.
ومنهم من يرى أن المراد به أنه- سبحانه- لا يعذبهم ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم.
أو أنه- سبحانه- لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا.
وقد ساق الإمام الرازي هذه الأقوال وناقشها ثم اختار أن المراد بالكتاب الذي سبق: هو حكمه- سبحانه- في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة، لأنه كتب على نفسه الرحمة، وسبقت رحمته غضبه.
أما الإمام ابن جرير فهو يرى: أن الآية خبر عام غير محصور على معنى دون معنى، وأنه لا وجه لأن يخص من ذلك معنى دون معنى.. فقال: يقول الله- تعالى- لأهل بدر الذين أخذوا من الأسرى الفداء لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ...
أى: لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن الله يحل لكم الغنيمة، وأن الله قضى أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، وأنه لا يعذب أحدا شهد هذا المشهد الذي شهدتموه ببدر.. لولا كل ذلك لنالكم من الله بأخذكم الفداء عذاب عظيم» .
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير- من أن الآية خبر عام يشمل كل هذه المعاني- أولى بالقبول، لأنه لم يوجد نص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد تفسير المراد من هذا الكتاب السابق في علمه- تعالى-.
ولعل الحكمة في هذا الإبهام لتذهب الأفهام فيه إلى كل ما يحتمله اللفظ، ويدل عليه المقام، ولكي يعرفوا أن أخذهم الفداء كان ذنبا يستحقون العقوبة عليه لولا أن الله- تعالى- قدر في الأزل العفو عنهم بسبب وجود النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، ولأنهم قد أخطئوا في اجتهادهم، ولأنهم لم يتقدم لهم نهى عن ذلك، ولأنهم قد شهدوا هذه الغزوة التي قال الرسول في شأن من حضرها على لسان ربه- عز وجل-: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» .
فقد روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في قصة حاطب بن أبى بلتعة عند ما أخبر المشركين بأن الرسول سيغزوهم قبل فتح مكة وكان حاطب قد شهد بدرا:
«وما يدريك لعل الله- تعالى- اطلع على أهل بدر وقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
والمعنى الإجمالى للآية الكريمة: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ أى: لولا حكم من الله- تعالى- سبق منه في الأزل ألا يعذب المخطئ على اجتهاده أو ألا يعذب قوما قبل تقديم البيان إليهم.. ولولا كل ذلك لَمَسَّكُمْ أى لأصابكم فِيما أَخَذْتُمْ أى بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به عَذابٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره في شدته وألمه.
قال ابن جرير: قال ابن زيد: لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب، جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه وقال: يا رسول الله مالنا وللغنائم؟ نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يعبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك» ..
وقال ابن إسحاق: لما نزلت لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ... الآية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله: يا نبي الله، كان الإثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال».
وقال بعض العلماء: قال القاضي، وفي الآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون، وأنه قد يكون خطأ، ولكن لا يقرون عليه .
قال : وأنزل الله - عز وجل - : ( لولا كتاب من الله سبق ) الآية .
وقد سبق في أول السورة حديث ابن عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك .
وقال الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما تقولون في هؤلاء الأسارى ؟ قال : فقال أبو بكر : يا رسول الله ، قومك وأهلك ، استبقهم واستتبهم ، لعل الله أن يتوب عليهم . قال : وقال عمر : يا رسول الله ، أخرجوك ، وكذبوك ، فقدمهم فاضرب أعناقهم . قال : وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، أنت في واد كثير الحطب ، فأضرم الوادي عليهم نارا ، ثم ألقهم فيه . [ قال : فقال العباس : قطعت رحمك ] قال : فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليهم شيئا ، ثم قام فدخل ، فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر . وقال ناس : يأخذ بقول عمر . وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله بن رواحة . ثم خرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ، عليه السلام ، قال : ( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) [ إبراهيم : 36 ] ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، عليه السلام ، قال : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) [ المائدة : 118 ] ، وإن مثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام ، قال : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 88 ] ، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام ، قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) [ نوح : 26 ] ، أنتم عالة فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق . قال ابن مسعود : قلت : يا رسول الله ، إلا سهيل بن بيضاء ، فإنه يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إلا سهيل بن بيضاء فأنزل الله تعالى : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى ) إلى آخر الآية .
رواه الإمام أحمد والترمذي ، من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش ، والحاكم في مستدركه ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ، عن عبد الله بن عمر ، وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ، وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري .
وروى ابن مردويه أيضا - واللفظ له - والحاكم في مستدركه ، من حديث عبيد الله بن موسى : حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : لما أسر الأسارى يوم بدر ، أسر العباس فيمن أسر ، أسره رجل من الأنصار ، قال : وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه . فبلغ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه ، فقال له عمر : فآتهم ؟ قال : نعم ، فأتى عمر الأنصار فقال لهم : أرسلوا العباس فقالوا : لا والله لا نرسله . فقال لهم عمر : فإن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضى ؟ قالوا : فإن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضى فخذه . فأخذه عمر فلما صار في يده قال له : يا عباس ، أسلم ، فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه إسلامك ، قال : فاستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ، فقال أبو بكر : عشيرتك . فأرسلهم ، فاستشار عمر ، فقال : اقتلهم ، ففاداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) الآية .
قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقال سفيان الثوري ، عن هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي - رضي الله عنه - قال : جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فقال : خير أصحابك في الأسارى : إن شاءوا الفداء ، وإن شاءوا القتل على أن يقتل منهم مقبلا مثلهم . قالوا : الفداء ويقتل منا .
رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن حبان في صحيحه من حديث الثوري ، به وهذا حديث غريب جدا .
وقال ابن عون [ عن محمد بن سيرين ] عن عبيدة ، عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسارى يوم بدر : إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ، واستشهد منكم بعدتهم . قال : فكان آخر السبعين ثابت بن قيس ، قتل يوم اليمامة ، رضي الله عنه .
ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسلا ، فالله أعلم .
وقال محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى ) فقرأ حتى بلغ : ( عذاب عظيم ) قال : غنائم بدر ، قبل أن يحلها لهم ، يقول : لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه ، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم .
وكذا روى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .
وقال الأعمش : سبق منه ألا يعذب أحدا شهد بدرا . وروي نحوه عن سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن جبير ، وعطاء .
وقال شعبة ، عن أبي هاشم عن مجاهد : ( لولا كتاب من الله سبق ) أي : لهم بالمغفرة ونحوه عن سفيان الثوري ، رحمه الله .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) يعني : في أم الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم ، ( لمسكم فيما أخذتم ) من الأسارى ( عذاب عظيم )
القول في تأويل قوله : لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لأهل بدر الذين غنموا وأخذوا من الأسرى الفداء: (لولا كتاب من الله سبق)، يقول: لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ، بأن الله مُحِلٌّ لكم الغنيمة, وأن الله قضى فيما قضى أنه لا يُضِلّ قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون, (49) وأنه لا يعذب أحدًا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصرًا دينَ الله = لنالكم من الله، بأخذكم الغنيمة والفداء، عذاب عظيم. (50)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16295- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي قال، حدثنا عوف, عن الحسن في قوله: (لولا كتاب من الله سبق) الآية, قال: إن الله كان مُطْعِم هذه الأمة الغنيمةَ, وإنهم أخذوا الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤمروا به. قال: فعاب الله ذلك عليهم, ثم أحله الله.
16296- حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا بشر بن المفضل عن عوف, عن الحسن في قول الله: (لولا كتاب من الله سبق) الآية, وذلك يوم بدر, وأخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المغانمَ والأسارى قبل أن يؤمروا به, وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب: " المغانم والأسارى حلال لمحمد وأمته ", ولم يكن أحله لأمة قبلهم، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينـزل إليهم في ذلك, قال الله: (لولا كتاب من الله سبق)، يعني في الكتاب الأول. أن المغانم والأسارى حلال لكم =(لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) .
16297- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (لولا كتاب من الله سبق) الآية, وكانت الغنائم قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأمم، إذا أصابوا مغنمًا جعلوه للقربان, وحرم الله عليهم أن يأكلوا منه قليلا أو كثيرًا. حُرِّم ذلك على كل نبي وعلى أمته, فكانوا لا يأكلون منه، ولا يغلُّون منه، ولا يأخذون منه قليلا ولا كثيرًا إلا عذبهم الله عليه. وكان الله حرمه عليهم تحريمًا شديدًا, فلم يحله لنبيّ إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم . وكان قد سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال, فذلك قوله يوم بدر، في أخذ الفداء من الأسارى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) .
16298- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن عروة, عن الحسن: (لولا كتاب من الله سبق) قال: إن الله كان مُعطِيَ هذه الأمة الغنيمةَ, وفعلوا الذي فعلوا قبل أن تُحَلّ الغنيمة.
16299- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال، قال الأعمش في قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، قال: سبق من الله أن أحل لهم الغنيمة.
16300- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن بشير بن ميمون قال: سمعت سعيدًا يحدث، عن أبي هريرة, قال: قرأ هذه الآية: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)، قال: يعني: لولا أنه سبق في علمي أني سأحلُّ الغنائم, لمسكم فيما أخذتم من الأسارى عذاب عظيم. (51)
16301- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح, وأبو معاوية بنحوه, عن الأعمش, عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحلت الغنائم لأحدٍ سُودِ الرؤوس من قبلكم, كانت تنـزل نارٌ من السماء وتأكلها, حتى كان يوم بدر, فوقع الناس في الغنائم, فأنـزل الله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم)، حتى بلغ، حَلالا طَيِّبًا .
16302- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم , بنحوه = قال: فلما كان يوم بدر أسرَع الناس في الغنائم. (52)
16303- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل, عن أشعث بن سوار, عن ابن سيرين, عن عبيدة, قال: أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتقوَّوْا به على عدوكم, وإن قبلتموه قتل منكم سبعون = أو تقتلوهم! فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم, وقُتل منهم سبعون، قال عبيدة، وطلبوا الخيرتين كلتيهما. (53)
16304- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل, عن أشعث, عن عبيدة قال: كان فداء أسارى بدر مئة أوقية, و " الأوقية " أربعون درهمًا, ومن الدنانير ستة دنانير. (54)
16305- حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون, عن ابن سيرين, عن عبيدة: أنه قال في أسارى بدر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم قتلتموهم, وإن شئتم فاديتموهم واستشْهِد منكم بعِدَّتهم! فقالوا: بلى, (55) نأخذ الفداء فنستمتع به، ويستشهد منا بعِدَّتهم.
16306- حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا همام بن يحيى قال، حدثنا عطاء بن السائب, عن أبي وائل, عن عبد الله بن مسعود قال: أمر عمر رحمه الله عنه بقتل الأسارى, فأنـزل الله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم). (56)
16307- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، قال: كان المغنم محرَّمًا على كل نبي وأمته, وكانوا إذا غنموا يجعلون المغنم لله قربانًا تأكله النار. وكان سبق في قضاء الله وعلمه أن يحلّ المغنم لهذه الأمة، يأكلون في بطونهم.
16308- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن عطاء في قول الله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم)، قال: كان في علم الله أن تحلّ لهم الغنائم, فقال: (لولا كتاب من الله سبق)، بأنه أحل لكم الغنائم =(لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم).
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر، أن لا يعذبهم، لمسهم عذاب عظيم.
* ذكر من قال ذلك:
16309- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري, عن شريك, عن سالم, عن سعيد: (لولا كتاب من الله سبق)، قال: لأهل بدر، من السعادة.
16310- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (لولا كتاب من الله سبق)، لأهل بدر مَشْهدَهم.
16311- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (لولا كتاب من الله سبق)، قال: سبق من الله خيرٌ لأهل بدر.
16312- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)، كان سبق لهم من الله خير, وأحلّ لهم الغنائم.
16313- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد, عن عمرو بن عبيد, عن الحسن: (لولا كتاب من الله سبق)، قال: (سبق)، أن لا يعذب أحدًا من أهل بدر.
16314- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (لولا كتاب من الله سبق)، لأهل بدر، ومشهدَهم إياه.
16315- حدثني يونس قال، أخبرني ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)، لمسكم فيما أخذتم من الغنائم يوم بدر قبل أن أحلها لكم. فقال: سبق من الله العفو عنهم والرحمة لهم، سبق أنه لا يعذب المؤمنين, لأنه لا يعذب رَسوله ومن آمن به وهاجر معه ونصره.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: (لولا كتاب من الله سبق)، أن لا يؤاخذ أحدًا بفعل أتاه على جهالة =(لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم).
* ذكر من قال ذلك:
16316- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، لأهل بدر ومشهدَهم إياه, قال: كتاب سبق لقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [سورة التوبة: 115]، سبق ذلك، وسبق أن لا يؤاخذ قومًا فعلوا شيئًا بجهالة =(لمسكم فيما أخذتم)، قال ابن جريج، قال ابن عباس: (فيما أخذتم)، مما أسرتم. ثم قال بعد: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ .
16317- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: عاتبه في الأسارى وأخذ الغنائم, ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنمًا من عدوٍّ له. (57)
16318- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد قال، حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُصِرت بالرعب، وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا, وأعطيت جوامع الكلم, وأحلّت لي المغانم، ولم تحلّ لنبيٍّ كان قبلي, وأعطيت الشفاعة, خمسٌ لم يُؤْتَهُنَّ نبيٌّ كان قبلي = قال محمد (58) فقال: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ ، أي: قبلك = أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى إلى قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم)، أي: من الأسارى والمغانم =(عذاب عظيم)، أي: لولا أنه سبق مني أن لا أعذب إلا بعد النهي، ولم أكن نهيتكم، لعذبتكم فيما صنعتم. ثم أحلها له ولهم رحمةً ونعمةً وعائدةً من الرحمن الرحيم. (59)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، ما قد بيناه قبلُ. وذلك أن قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، خبر عامٌّ غير محصور على معنى دون معنى، وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت، مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة, وذلك: ما عملوا من عمل بجهالة, و إحلال الغنيمة، والمغفرة لأهل بدر, وكل ذلك مما كتب لهم. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يخصّ من ذلك معنى دون معنى, وقد عم الله الخبر بكل ذلك، بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه.
16319- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لم يكن من المؤمنين أحد ممن نُصِر إلا أحبَّ الغنائم، إلا عمر بن الخطاب, جعل لا يلقى أسيرًا إلا ضرب عنقه, وقال: يا رسول الله، ما لنا وللغنائم, نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يُعبد الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك! قال الله: لا تعودوا تستحلون قبل أن أحلّ لكم.
16320- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: لما نـزلت: (لولا كتاب من الله سبق)، الآية, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو نـزل عذابٌ من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ، لقوله: يا نبي الله، كان الإثخان في القتل أحبّ إلي من استبقاء الرجال. (60)
--------------------
الهوامش :
(49) انظر تفسير " كتاب" فيما سلف من فهارس اللغة ( كتب ).
(50) انظر تفسير " المس " فيما سلف 13 : 333 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(51) الأثر : 16300 - " بشير بن ميمون الخراساني الواسطي " ، أبو صيفي ، ضعيف ، منكر الحديث ، متهم بالوضع . وقال أبو حاتم : " ضعيف الحديث ، وعامة روايته مناكير " . وأجمعوا على طرح حديثه ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1 2 105 ، وابن أبي حاتم 1 1 379 ، وميزان الاعتدال 1 : 153 ، 154 .
و " سعيد " هو " سعيد بن أبي سعيد المقبري " .
(52) الأثران : 16301 ، 16302 - حديث صحيح الإسناد ، إلا ما كان من أمر " جابر بن نوح الحماني " ، ليس حديثه بشيء ، ضعيف ، قال يحيى بن معين : " جابر بن نوح ، إمام مسجد بني حمان ، ولم يكن بثقة ، كان ضعيفًا " . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 2 210 ، وابن أبي حاتم 1 1 500 ، وميزان الاعتدال 1 : 176 ، وأبو كريب رواه عن جابر ، وعن أبي معاوية ، فحديث أبي معاوية هو الصحيح .
وهذا الخبر رواه الترمذي في كتاب التفسير من طريق عبد بن حميد ، عن معاوية بن عمرو ، عن زائدة ، عن الأعمش ، وقال : " هذا حديث حسن صحيح " .
ورواه البيهقي في السنن 6 : 290 من طريق محاضر ، عن الأعمش ، ومن طريق أبي معاوية ، عن الأعمش .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 203 ، وزاد نسبته إلى النسائي ، وابن أبي شيبة في المصنف ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه .
(53) " الخيرة " ( بكسر الخاء وسكون الياء ، أو فتح الياء ) ، هو ما يختار ويصطفى من الخير .
(54) انظر تقدير " الأوقية " فيما سلف في الأثر رقم : 16058 .
(55) انظر مجيء " بلى " في غير جحد ، فيما سلف في الأثر رقم : 781 ج 1 : 554 ثم 2 : 280 ، 510 10 : 98 ، تعليق : 4 ثم 10 : 253 ، تعليق : 3 ثم 12 : 174 ، تعليق : 3 .
(56) الأثر : 16306 - " همام بن يحيى بن دينار الأزدي " ، ثقة ، مضى برقم : 10190 ، 11725 .
وهذا خبر صحيح إسناده .
(57) الأثر : 16317 - سيرة ابن هشام 2 : 331 ، وهو سابق الأثر السالف رقم : 16292 في ترتيب السيرة .
(58) قوله : " محمد " ، يعني محمد بن إسحاق ، لا " محمد بن علي " .
(59) الأثر : 16318 - سيرة ابن هشام 2 : 332 ، وصدره تابع الأثر السالف رقم : 16317 ، وسابق للأثر رقم : 16292 ، ثم روى صدرًا من الأثر رقم : 16292 ، وأتبعه بما يليه في السيرة .
(60) الأثر : 16320 - لم أجد هذا الخبر في سيرة ابن هشام ، فيما أقدر .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 68 | ﴿لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ |
---|
النور: 14 | ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} وهذا من لطفه تعالى بهذه الأمة، أن أحل لها الغنائم ولم يحلها لأمة قبلها. {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في جميع أموركم ولازموها، شكرا لنعم اللّه عليكم،. {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} يغفر لمن تاب إليه جميع الذنوب،.ويغفر لمن لم يشرك به شيئا جميع المعاصي. {رَحِيمٌ} بكم، حيث أباح لكم الغنائم وجعلها حلالا طيبا.
ثم زاد- سبحانه- المؤمنين فضلا ومنه فقال: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قال الآلوسى روى أنه لما نزلت الآية الأولى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى.. كف الصحابة أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت هذه الآية.
فالمراد بقوله مِمَّا غَنِمْتُمْ إما الفدية وإما مطلق الغنائم، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية، وإلا فحل الغنيمة مما عداها علم سابقا من قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ..
وقيل المراد بقوله: مِمَّا غَنِمْتُمْ الغنائم من غير اندراج الفدية فيها، لأن القوم لما نزلت الآية الأولى امتنعوا عن الأكل والتصرف فيها تزهدا منهم، لا ظنا لحرمتها.. والفاء للعطف على سبب مقدر، أى قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم.
والمعنى: لقد عفوت عنكم- أيها المؤمنون- فيما وقعتم فيه من تفضيلكم أخذ الفداء من الأسرى على قتلهم، وأبحت لكم الانتفاع بالغنائم فكلوا مما غنمتم من أعدائكم حلالا طيبا، أى لذيذا هنيئا لا شبهة في أكله ولا ضرر وَاتَّقُوا اللَّهَ في كل أحوالكم بأن تخشوه وتراقبوه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ولذا غفر لكم ما فرط منكم وأباح لكم ما أخذتموه من فداء. فسبحانه من إله واسع الرحمة والمغفرة، لمن اتقاه وتاب إليه توبة صادقة.
وقوله حَلالًا حال من «ما» الموصولة في قوله: مِمَّا غَنِمْتُمْ أو صفة لمصدر محذوف، أى: أكلا حلالا.
ووصف هذا المأمور بأكله بأنه حلال طيب، تأكيدا للإباحة حتى يقبلوا على الأكل منه بدون تحرج أو تردد، فإن معاتبتهم على أخذ الفداء قبل ذلك جعلتهم يترددون في الانتفاع به وبما غنموه من أعدائهم.
ثم أمرت السورة النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر الأسرى بأنهم إذا ما فتحوا قلوبهم للحق واستجابوا له، - سبحانه- سيعوضهم عما فقدوه خيرا منه، أما إذا استمروا في كفرهم وعنادهم فإن الدائرة ستدور عليهم. استمع إلى السورة الكريمة وهي تصور هذا المعنى بأسلوبها البليغ فتقول:
قال الله تعالى : ( فكلوا مما غنمتم ) الآية . وكذا روى العوفي ، عن ابن عباس . وروي مثله عن أبي هريرة ، وابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحسن البصري ، وقتادة والأعمش أيضا : أن المراد ( لولا كتاب من الله سبق ) لهذه الأمة بإحلال الغنائم وهو اختيار ابن جرير ، رحمه الله .
ويستشهد لهذا القول بما أخرجاه في الصحيحين ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت خمسا ، لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة .
وقال الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لم تحل الغنائم لسود الرءوس غيرنا ولهذا قال الله تعالى : ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم ) فعند ذلك أخذوا من الأسارى الفداء .
وقد روى الإمام أبو داود في سننه : حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا شعبة ، عن أبي العنبس ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة .
وقد استقر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء : أن الإمام مخير فيهم : إن شاء قتل - كما فعل ببني قريظة - وإن شاء فادى بمال - كما فعل بأسرى بدر - أو بمن أسر من المسلمين - كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع ، حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين ، وإن شاء استرق من أسر . هذا مذهب الإمام الشافعي وطائفة من العلماء ، وفي المسألة خلاف آخر بين الأئمة مقرر في موضعه من كتب الفقه .
القول في تأويل قوله : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أهل بدر: (فكلوا)، أيها المؤمنون =(مما غنمتم)، من أموال المشركين =(حلالا)، بإحلاله لكم =(طيبا واتقوا الله)، يقول: وخافوا الله أن تعودوا، أن تفعلوا في دينكم شيئا بعد هذه من قبل أن يُعْهَد فيه إليكم, كما فعلتم في أخذ الفداء وأكل الغنيمة، وأخذتموهما من قبل أن يحلا لكم =(إن الله غفور رحيم). (61)
* * *
وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم, وتأويل الكلام: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا),(إن الله غفور رحيم),(واتقوا الله).
* * *
ويعني بقوله: (إن الله غفور)، لذنوب أهل الإيمان من عباده =(رحيم)، بهم، أن يعاقبهم بعد توبتهم منها.
------------------------
الهوامش:
(61) انظر تفسير ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 168 | ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ |
---|
المائدة: 88 | ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
النحل: 114 | ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ |
---|
الأنفال: 69 | ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء