93929394

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (92) الى الآية رقم (93) عدد الآيات (2)

بعدَ الحديثِ عن أحكامِ قتالِ المنافقينَ ذكرَ اللهُ هنا حكمَ قتلِ من لا يحلُّ قتْلُه من المؤمنينَ أو المعاهدينَ والذمِّيينَ، وبَيَّنَ كفَّارةَ القتلِ الخطأ، وعقوبةَ القتلِ العمدِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (94) الى الآية رقم (94) عدد الآيات (1)

لمَّا بينتْ الآيةُ السابقةُ عقوبةَ القتلِ العمدِ، أمرت الآياتُ هنا المؤمنين بالتَّثبُّتِ والتَّبيُّنِ أثناءَ خروجِهم إلى الجهادِ لكيلا يقتُلوا نفسًا معصومةً.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 93

93

مدارسة الآية : [92] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ ..

التفسير :

[92] ولا يحق لمؤمن الاعتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير حق، إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عمد فيه، ومن وقع منه ذلك الخطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة، وتسليم دية مقدرة إلى أوليائه، إلا أن يتصدقوا بها عليه ويعفوا عنه. فإن كان المقتول من قوم كفار أعداء لل

هذه الصيغة من صيغ الامتناع، أي:يمتنع ويستحيل أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن، أي:متعمدا، وفي هذا الإخبارُ بشدة تحريمه وأنه مناف للإيمان أشد منافاة، وإنما يصدر ذلك إما من كافر، أو من فاسق قد نقص إيمانه نقصا عظيما، ويخشى عليه ما هو أكبر من ذلك، فإن الإيمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الأخوة الإيمانية التي من مقتضاها محبته وموالاته، وإزالة ما يعرض لأخيه من الأذى، وأي أذى أشد من القتل؟ وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"فعلم أن القتل من الكفر العملي وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله. ولما كان قوله:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا} لفظا عاما لجميع الأحوال، وأنه لا يصدر منه قتل أخيه بوجه من الوجوه، استثنى تعالى قتل الخطأ فقال:{ إِلَّا خَطَأً} فإن المخطئ الذي لا يقصد القتل غير آثم، ولا مجترئ على محارم الله، ولكنه لما كان قد فعل فعلاً شنيعًا وصورته كافية في قبحه وإن لم يقصده أمر تعالى بالكفارة والدية فقال:{ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} سواء كان القاتل ذكرًا أو أنثى حرًّا أو عبدًا، صغيرًا أو كبيرًا، عاقلاً أو مجنونًا، مسلمًا أو كافرًا، كما يفيده لفظ "مَنْ"الدالة على العموم وهذا من أسرار الإتيان بـ "مَنْ"في هذا الموضع، فإن سياق الكلام يقتضي أن يقول:فإن قتله، ولكن هذا لفظ لا يشمل ما تشمله "مَنْ"وسواء كان المقتول ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، كما يفيده التنكير في سياق الشرط، فإن على القاتل{ تحرير رقبة مؤمنة} كفارة لذلك، تكون في ماله، ويشمل ذلك الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والصحيح والمعيب، في قول بعض العلماء. ولكن الحكمة تقتضي أن لا يجزئ عتق المعيب في الكفارة؛ لأن المقصود بالعتق نفع العتيق، وملكه منافع نفسه، فإذا كان يضيع بعتقه، وبقاؤه في الرق أنفع له فإنه لا يجزئ عتقه، مع أن في قوله:{ تحرير رقبة} ما يدل على ذلك؛ فإن التحرير:تخليص من استحقت منافعه لغيره أن تكون له، فإذا لم يكن فيه منافع لم يتصور وجود التحرير. فتأمل ذلك فإنه واضح. وأما الدية فإنها تجب على عاقلة القاتل في الخطأ وشبه العمد.{ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} جبرًا لقلوبهم، والمراد بأهله هنا هم ورثته، فإن الورثة يرثون ما ترك، الميت، فالدية داخلة فيما ترك وللدية تفاصيل كثيرة مذكورة في كتب الفقه. وقوله:{ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} أي:يتصدق ورثة القتيل بالعفو عن الدية، فإنها تسقط، وفي ذلك حث لهم على العفو لأن الله سماها صدقة، والصدقة مطلوبة في كل وقت.{ فَإِنْ كَانَ} المقتول{ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} أي:من كفار حربيين{ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} أي:وليس عليكم لأهله دية، لعدم احترامهم في دمائهم وأموالهم.{ وَإِنْ كَانَ} المقتول{ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وذلك لاحترام أهله بما لهم من العهد والميثاق.{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} الرقبة ولا ثمنها، بأن كان معسرا بذلك، ليس عنده ما يفضل عن مؤنته وحوائجه الأصلية شيء يفي بالرقبة،{ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} أي:لا يفطر بينهما من غير عذر، فإن أفطر لعذر فإن العذر لا يقطع التتابع، كالمرض والحيض ونحوهما. وإن كان لغير عذر انقطع التتابع ووجب عليه استئناف الصوم.{ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} أي:هذه الكفارات التي أوجبها الله على القاتل توبة من الله على عباده ورحمة بهم، وتكفير لما عساه أن يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز، كما هو واقع كثيرًا للقاتل خطأ.{ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} أي:كامل العلم كامل الحكمة، لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، في أي وقت كان وأي محل كان. ولا يخرج عن حكمته من المخلوقات والشرائع شيء، بل كل ما خلقه وشرعه فهو متضمن لغاية الحكمة، ومن علمه وحكمته أن أوجب على القاتل كفارة مناسبة لما صدر منه، فإنه تسبب لإعدام نفس محترمة، وأخرجها من الوجود إلى العدم، فناسب أن يعتق رقبة ويخرجها من رق العبودية للخلق إلى الحرية التامة، فإن لم يجد هذه الرقبة صام شهرين متتابعين، فأخرج نفسه من رق الشهوات واللذات الحسية القاطعة للعبد عن سعادته الأبدية إلى التعبد لله تعالى بتركها تقربا إلى الله. ومدها تعالى بهذه المدة الكثيرة الشاقة في عددها ووجوب التتابع فيها، ولم يشرع الإطعام في هذا الموضع لعدم المناسبة. بخلاف الظهار، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ومن حكمته أن أوجب في القتل الدية ولو كان خطأ، لتكون رادعة وكافة عن كثير من القتل باستعمال الأسباب العاصمة عن ذلك. ومن حكمته أن وجبت على العاقلة في قتل الخطأ، بإجماع العلماء، لكون القاتل لم يذنب فيشق عليه أن يحمل هذه الدية الباهظة، فناسب أن يقوم بذلك من بينه وبينهم المعاونة والمناصرة والمساعدة على تحصيل المصالح وكف المفاسد [ولعل ذلك من أسباب منعهم لمن يعقلون عنه من القتل حذرًا من تحميلهم] ويخف عنهم بسبب توزيعه عليهم بقدر أحوالهم وطاقتهم، وخففت أيضا بتأجيلها عليهم ثلاث سنين. ومن حكمته وعلمه أن جبر أهل القتيل عن مصيبتهم، بالدية التي أوجبها على أولياء القاتل.

روى المفسرون روايات في سبب نزول قوله- تعالى- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً.. الآية ومن أشهر هذه الروايات ما جاء عن مجاهد وغيره أنها نزلت في عياش بن أبى ربيعه، وذلك أنه قتل رجلا كان يعذبه لكي يترك الإسلام، فأضمر عياش قتل ذلك الرجل. ثم أسلم هذا الرجل دون أن يعلم عياش بإسلامه. فلما لقيه في يوم من الأيام ظن عياش أن الرجل لم يزل مشركا فقتله. فلما علم بإسلامه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قتلته ولم أشعر بإسلامه فأنزل الله الآية .

والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت في حادثة معينة إلا أن حكمها يتناول كل من قتل غيره خطأ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

والنفي في قوله- تعالى- وَما كانَ ليس لنفى الوقوع، لأنه لو كان كذلك ما وقع قتل على سبيل الخطأ أبدا، وإنما النفي بمعنى النهى وعدم الجواز.

وقد أشار القرطبي إلى ذلك بقوله: قوله- تعالى- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً هذه آية من أمهات الأحكام. والمعنى ما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، فقوله: وَما كانَ ليس على النفي وإنما هو على التحريم والنهى كقوله: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ولو كانت على النفي لما وجد مؤمن قتل مؤمنا قط، لأن ما نفاه الله فلا يجوز وجوده فهو كقوله- تعالى- ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها فلا يقدر العباد أن ينبتوا شجرها أبدا. ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الأول وهو الذي يكون فيه «إلا» بمعنى لكن.

والتقدير: ما كان له أن يقتله ألبتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا. والخطأ: اسم من أخطأ خطأ وإخطاء إذا لم يصنع عن تعمد، فالخطأ الاسم يقوم مقام الإخطاء. ويقال لمن أراد شيئا ففعل غيره: أخطأ. ولمن فعل غير الصواب: أخطأ» .

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت. بم انتصب خطأ؟ قلت: بأنه مفعول له. أى:

ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده. ويجوز أن يكون حالا بمعنى: لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ. وأن يكون صفة للمصدر أى: إلا قتلا خطأ. والمعنى، أن من شأن المؤمن أن ينتفى عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة، إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد، بأن يرمى كافرا فيصيب مسلما. أو يرمى شخصا على أنه كافر فإذا هو مسلم .

ثم بين- سبحانه- حكم القتل الخطأ فقال: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا.

قوله فَتَحْرِيرُ، التحرير: الإعتاق وهو تفعيل من الحرية. أى جعل الرقبة حرة. وهو مبتدأ محذوف الخبر أى: فعليه تحرير رقبة مؤمنة.

وقوله: وَدِيَةٌ الدية ما يعطى عوضا من دم القتيل إلى وليه. وهي مأخوذة من الودي كالعدة من الوعد. يقال: ودى القاتل القتيل يديه دية إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس. وسمى المال دية تسمية بالمصدر.

والمعنى: أن المؤمن لا يسوغ له ولا يليق به أن يقتل أخاه المؤمن، لأن ذلك محرم تحريما قاطعا، لكن إن وقع منه القتل له على سبيل الخطأ فإن دم القتيل لا يذهب هدرا، بل على من قتل أخاه المؤمن خطأ «تحرير رقبة مؤمنة» أى: إعتاق نفس مؤمنة، وعليه كذلك دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ أى: مؤداة إلى ورثة القتيل عوضا لهم عما فاتهم من قتيلهم. وقوله إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا أى إلا أن يتصدق أهل القتيل بهذه الدية على القاتل، بأن يتنازلوا عنها له على سبيل العفو والصفح.

وعبر- سبحانه- عن العتق بالتحرير في قوله فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ للاشعار بأن الحرية للعبيد مقصد من مقاصد الإسلام، وأن شريعته قد أوجبت على أتباعها أن يعتقوا الأرقاء إذا ما وقعوا في بعض الأخطاء حتى يتحرر أكبر عدد من الرقاب.

والتعبير عن النفس بالرقبة من باب التعبير عن الكل بالجزء. وكان التعبير بذلك للاشارة إلى أن الرق غل معنوي في الرقاب، وأن المؤمن الصادق في إيمانه هو الذي يبذل قصارى جهده في فك الرقاب من قيدها.

وقيد الرقبة المحررة بأن تكون مؤمنة لتخرج الكافرة، إذ الإسلام يحرص على تحرير الأرقاء المؤمنين دون الكافرين.

قال ابن كثير: وجمهور الفقهاء على أن الرقبة المؤمنة تجزئ سواء أكانت صغيرة أم كبيرة فقد أخرج الإمام أحمد عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء فقال: يا رسول الله، إن على عتق رقبة مؤمنة. فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم. قال: أتشهدين أنى رسول الله؟ قالت: نعم قال: أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم. قال: أعتقها» .

ويرى بعضهم أنه لا تجزئ إلا الرقبة المؤمنة التي صلت وعقلت الإيمان، أما الصغيرة فإنها لا تجزئ.

وقوله وَدِيَةٌ معطوف على «فتحرير» وقوله مُسَلَّمَةٌ صفة لدية. وقوله إِلى أَهْلِهِ متعلقة بمسلمة.

قال القرطبي ما ملخصه: ولم يعين الله في كتابه ما يعطى في الدية، وإنما في الآية إيجاب الدية مطلقا، وليس فيها إيجابها على العاقلة أو على القاتل، وإنما أخذ ذلك من السنة.

والعاقلة: قرابات الرجل من جهة أبيه وهم عصبته..

وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الدية مائة من الإبل. ووداها صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن سهل المقتول بخيبر فكان ذلك بيانا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم لمجمل الكتاب واختلفوا فيما يجب على غير أهل الإبل، فقالت طائفة: على أهل الذهب ألف دينار. وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم.

وقد ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة. وأجمع أهل العلم على القول به .

ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل. فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها. فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة: عبد وأمة. وقضى بدية المرأة على عاقلتها .

قالوا: وإنما كانت دية القتل الخطأ على العاقلة، لأن القاتل لو دفعها لأوشكت أن تأتى على جميع ماله، وليكون ذلك دليلا على تضافر الأسرة وتعاونها. وإذا كان القاتل فقيرا وأسرته فقيرة، فإن دية المقتول تكون على بيت مال المسلمين، حتى لا يهدر دم القتيل.

قال القاسمى: تجب الدية على كل عاقلة القاتل. وهم عصبته غير الأصول والفروع .

لأنه لما عفى عن القاتل فلا وجه للأخذ منه. وأصوله وفروعه أجزاؤه فالأخذ منهم أخذ منه.

ولا وجه لإهدار دم المؤمن. فيؤخذ من عاقلته الذين يرثونه بأقوى الجهات وهي العصبية، لأن الغرم بالغنم. فإن لم يكن له عاقلة أو كانوا فقراء فعلى بيت المال .

والتعبير عن أداء الدين بقوله مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ يومئ إلى وجوب حسن الأداء بأن تسلم هذه الدية إلى أسرة القتيل بكل سماحة ولطف جبرا لخاطرها عما أصابها.

والمراد بقوله إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا أى: إلا أن يتبرع بها أولياء المقتول على سبيل العفو والصفح.

وعبر عن ذلك بقوله يَصَّدَّقُوا للإشارة إلى أن تبرعهم هذا مرغوب فيه وأنه بمنزلة الصدقة التي لهم ثوابها الجزيل عند الله- تعالى- لا سيما إذا كان أولياء القاتل وعصبته يشق عليهم أداؤها فيتركها أولياء القتيل رأفة بأولياء القاتل وشفقة عليهم، وفي الحديث الشريف كل معروف صدقة.

ثم بين- سبحانه- حكم القتل الخطأ لمؤمن ينتمى إلى الأعداء فقال فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

أى: فإن كان المقتول خطأ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أى محاربين لكم، وَهُوَ مُؤْمِنٌ أى وكان المقتول مؤمنا ولم يعلم به القاتل، لكونه بين أظهر قومه الكفار ولم يفارقهم، أو أتاهم بعد أن فارقهم لأمر من الأمور، فعلى القاتل في هذه الحالة تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كفارة عن هذا القتل الخطأ، وليس عليه دية، لأن أولياء القتيل من الكفار ولا توارث بين المؤمن والكفار، ولأن دفع الدية إليهم يؤدى إلى تقويتهم علينا ومن غير المعقول أن ندفع لأعدائنا ما يتقوون به علينا.

روى الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: كان الرجل يأتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه وهم مشركون. فيصيبه المسلمون في سرية أو غزوة. فيعتق الذي يصيبه رقبة.

ثم بين- سبحانه- حكم القتل الخطأ إذا كان المقتول من قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق فقال- تعالى-: وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

أى: وإن كان المقتول خطأ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أى: من قوم بينكم وبينهم- أيها المؤمنون- عهد من هدنة أو أمان وهم على دينهم وأنتم على دينكم، فعلى القاتل في هذه الحالة دية تدفعها عاقلته إلى أهل القتيل، لأن حكمهم كحكم المسلمين، وعليه كذلك تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لتكون كفارة له عند الله، وقدم الدية هنا على تحرير الرقبة على العكس مما جاء في صدر الآية، للإشعار بوجوب المسارعة إلى تسليم الدية حتى لا يتردد القاتل في دفعها إلى غير المسلمين الذين بينهم وبين المسلمين عهد يمنع عدم الاعتداء.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد جعل الحكم في قتل المعاهد كالحكم في قتل المسلم من الدية وتحرير الرقبة، وبعضهم يرى أن المراد بالمقتول خطأ هنا المسلم الذي هو في قوم معاهدين وأن الدية لا تدفع لهؤلاء القوم فيكون معنى الآية: وإن كان أى المقتول المؤمن مِنْ قَوْمٍ كفار

بينكم وبينهم ميثاق، فعلى قاتله دية مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ من أهل الإسلام إن وجدوا، ولا تدفع إلى ذوى قرابته من الكفار وإن كانوا معاهدين، إذ لا يرث الكافر المؤمن.

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأنه لو كان المراد بالمقتول خطأ هنا القتيل المسلم لكان مكررا ولما كان هناك معنى لإفراده إذ حكمه يكون داخلا في قوله- تعالى- في صدر الآية «ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله» . فلما أفرده- سبحانه- بالذكر علمنا أن المقصود بالقتيل هنا من قتل خطأ من قوم كفار بيننا وبينهم ميثاق سواء أكان المقتول على ديننا أم على دينهم.

وقد ذكر صاحب الكشاف هذا الوجه ولم يذكر سواه فقال: وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ- أى:

وإن كان المقتول من قوم- كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين فحكمه حكم مسلم من مسلمين» . ومن العلماء أيضا من يرى أن دية المسلم والكافر سواء ومنهم من يرى غير ذلك.

وقد أشار الإمام ابن كثير إلى هذين الرأيين بقوله: قوله- تعالى- وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ. الآية، أى: فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة فلهم دية قتيلهم. فإن كان مؤمنا فدية كاملة وكذا إن كان كافرا أيضا عند طائفة من العلماء. وقيل يجب في الكافر نصف دية المسلم وقيل ثلثها كما هو مفصل في كتب الأحكام .

ثم يبين- سبحانه- الحكم عند عدم استطاعة إعتاق الرقبة فقال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.

أى: فمن لم يجد رقبه مؤمنة يعتقها فعليه في هذه الحالة صيام شهرين متواصلين في أيامهما، لا يفرق بينهم فطر، بحيث لو أفطر يوما فيها استأنف من جديد ابتداء الشهرين، إلا أن يكون الفطر بسبب حيض أو نفاس أو مرض يتعذر معه الصوم.

وقوله- تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ مفعول لأجله والتقدير: أى شرع الله لكم ذلك توبة منه أى قبولا لها ورحمة بكم. من: تاب الله على فلان إذا قبل توبته.

وهذه التوبة ليست من إثم القتل الخطأ، لأن الإثم مرفوع عن المخطئ كما في الحديث الشريف «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .

وإنما التوبة هنا من التقصير وقلة التثبت والتحقق، ولكي يكون المسلم يعد ذلك متذكرا فلا يقع منه في المستقبل ما وقع منه في الماضي، ولهذا قال الإمام الزيلعى:

«وبهذا النوع من القتل أى القتل الخطأ- لا يأثم إثم القتل، وإنما يأثم إثم ترك التحرز والمبالغة في التثبت، لأن الأفعال المباحة لا تجوز مباشرتها إلا بشرط ألا تؤذى أحدا. فإذا آذى أحدا فقد تحقق ترك الحرز» .

وقوله وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً تذييل قصد به زجر الناس عن اتباع الهوى وعن مخالفة شريعته.

أى: وكان الله وما زال عليما بالنفوس وخباياها وحركاتها وبكل شيء في هذا الكون: حكيما في كل ما شرع وقضى. وسيحاسب الناس على أقوالهم. وأعمالهم يوم القيامة. وسيجازيهم بما يستحقون من خير أو من شر.

وبهذا نرى أن الآية الكريمة قد بينت أن المؤمن إذا قتل على سبيل الخطأ أخاه المؤمن أو قتل رجلا من قوم كافرين ولكن بيننا وبينهم ميثاق أمان فعليه في كل حالة من هاتين الحالتين عتق رقبة ودية. أما إذا قتل المؤمن رجلا مؤمنا ولكن كان من قوم كافرين محاربين لنا وليس بيننا وبينهم عهد ولا ميثاق فعلى القاتل تحرير رقبة فقط. فإن لم يستطع تحرير رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين توبة من الله. وبهذه الأحكام الحكيمة تربى النفوس على الاحتراس والاحتياط وأخذ الحذر، وتصان الدماء عن أن تذهب هدرا، وتعوض أسرة القتيل عن فقيدها بما يخفف آلامها، ويجبر خاطرها، وتعوض الجماعة الإسلامية بتحرير رقبة مؤمنة تعمل لصالح الجماعة بحرية وانطلاق بعد أن كانت تعمل لخدمة سيدها فحسب.

يقول تعالى : ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه ، كما ثبت في الصحيحين ، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " .

ثم إذا وقع شيء من هذه الثلاث ، فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله ، وإنما ذلك إلى الإمام أو نائبه .

وقوله : ( إلا خطأ ) قالوا : هو استثناء منقطع ، كقول الشاعر

من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ على الأرض إلا ريط برد مرحل

.

ولهذا شواهد كثيرة .

واختلف في سبب نزول هذه [ الآية ] فقال مجاهد وغير واحد : نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه - وهي أسماء بنت مخربة - وذلك أنه قتل رجلا كان يعذبه مع أخيه على الإسلام ، وهو الحارث بن يزيد العامري ، فأضمر له عياش السوء ، فأسلم ذلك الرجل وهاجر ، وعياش لا يشعر ، فلما كان يوم الفتح رآه ، فظن أنه على دينه ، فحمل عليه فقتله . فأنزل الله هذه الآية .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : نزلت في أبي الدرداء ; لأنه قتل رجلا وقد قال كلمة الإسلام حين رفع السيف ، فأهوى به إليه ، فقال كلمته ، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما قالها متعوذا . فقال له : " هل شققت عن قلبه " [ وهذه القصة في الصحيح لغير أبي الدرداء ] .

وقوله : ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله [ إلا أن يصدقوا ] ) هذان واجبان في قتل الخطأ ، أحدهما : الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم ، وإن كان خطأ ، ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة فلا تجزئ الكفارة .

وحكى ابن جرير ، عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا : لا يجزئ الصغير حتى يكون قاصدا للإيمان . وروي من طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة قال : في : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) لا يجزئ فيها صبي .

واختار ابن جرير إن كان مولودا بين أبوين مسلمين أجزأ ، وإلا فلا . والذي عليه الجمهور : أنه متى كان مسلما صح عتقه عن الكفارة ، سواء كان صغيرا أو كبيرا .

وقال الإمام أحمد : أنبأنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن رجل من الأنصار ; أنه جاء بأمة سوداء ، فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن لا إله إلا الله ؟ " قالت : نعم . قال : " أني رسول الله ؟ " قالت نعم . قال : " بالبعث بعد الموت ؟ " قالت : نعم ، قال : " أعتقها " .

وهذا إسناد صحيح ، وجهالة الصحابي لا تضر .

وفي موطأ [ الإمام ] مالك ومسندي الشافعي وأحمد ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داود والنسائي ، من طريق هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين الله ؟ " قالت : في السماء . قال : " من أنا " قالت : أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعتقها فإنها مؤمنة " .

وقوله : ( ودية مسلمة إلى أهله ) هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل ، عوضا لهم عما فاتهم من قريبهم . وهذه الدية إنما تجب أخماسا ، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث الحجاج بن أرطأة ، عن زيد بن جبير ، عن خشف بن مالك ، عن ابن مسعود قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض ، وعشرين بني مخاض ذكورا ، وعشرين بنت لبون ، وعشرين جذعة وعشرين حقة .

لفظ النسائي ، وقال الترمذي : لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، وقد روي عن عبد الله موقوفا .

وكذا روي عن [ علي و ] طائفة .

وقيل : تجب أرباعا . وهذه الدية إنما تجب على عاقلة القاتل ، لا في ماله ، قال الشافعي ، رحمه الله : لم أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة ، وهو أكثر من حديث الخاصة وهذا الذي أشار إليه ، رحمه الله ، قد ثبت في غير ما حديث ، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها .

وهذا يقتضي أن حكم عمد الخطأ حكم الخطأ المحض في وجوب الدية ، لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثا كالعمد ، لشبهه به .

وفي صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، فدعاهم إلى الإسلام ، فلم يحسنوا أن يقولوا : أسلمنا . فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا . فجعل خالد يقتلهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع يديه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " . وبعث عليا فودى قتلاهم وما أتلف من أموالهم ، حتى ميلغة الكلب .

وهذا [ الحديث ] يؤخذ منه أن خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال .

وقوله : ( إلا أن يصدقوا ) أي : فتجب فيه الدية مسلمة إلى أهله إلا أن يتصدقوا بها فلا تجب .

وقوله : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) أي : إذا كان القتيل مؤمنا ، ولكن أولياؤه من الكفار أهل حرب ، فلا دية لهم ، وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير .

وقوله : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق [ فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ] ) الآية ، أي : فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة ، فلهم دية قتيلهم ، فإن كان مؤمنا فدية كاملة ، وكذا إن كان كافرا أيضا عند طائفة من العلماء . وقيل : يجب في الكافر نصف دية المسلم ، وقيل : ثلثها ، كما هو مفصل في [ كتاب الأحكام ] ويجب أيضا على القاتل تحرير رقبة مؤمنة .

( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) أي : لا إفطار بينهما ، بل يسرد صومهما إلى آخرهما ، فإن أفطر من غير عذر ، من مرض أو حيض أو نفاس ، استأنف . واختلفوا في السفر : هل يقطع أم لا ؟ على قولين .

وقوله : ( توبة من الله وكان الله عليما حكيما ) أي : هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين .

واختلفوا فيمن لا يستطيع الصيام : هل يجب عليه إطعام ستين مسكينا ، كما في كفارة الظهار ؟ على قولين ; أحدهما : نعم . كما هو منصوص عليه في كفارة الظهار ، وإنما لم يذكر هاهنا ; لأن هذا مقام تهديد وتخويف وتحذير ، فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التسهيل والترخيص . القول الثاني : لا يعدل إلى الإطعام ; لأنه لو كان واجبا لما أخر بيانه عن وقت الحاجة .

( وكان الله عليما حكيما ) قد تقدم تفسيره غير مرة .

وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ

القول في تأويل قوله تعالى : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } يعني جل ثناؤه بقوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } وما أذن الله لمؤمن ولا أباح له أن يقتل مؤمنا . يقول : ما كان ذلك له فيما جعل له ربه وأذن له فيه من الأشياء البتة . كما : 7982 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } يقول : ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه . وأما قوله : { إلا خطأ } فإنه يقول : إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ , وليس له مما جعل له ربه فأباحه له . وهذا من الاستثناء الذي تسميه أهل العربية : الاستثناء المنقطع , كما قال جرير بن عطية : من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ على الأرض إلا ريط برد مرحل يعني : لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد , وليس ذيلا لبرد من الأرض . وذكر أن هذه الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي , وكان قد قتل رجلا مسلما بعد إسلامه وهو لا يعلم بإسلامه . ذكر الآثار بذلك : 7983 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } قال : عياش بن أبي ربيعة قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل , وهو أخوه لأمه , فاتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحسب أن ذلك الرجل كان كما هو وكان عياش هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا , فجاء أبو جهل وهو أخوه لأمه , فقال : إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها ! وهي أسماء ابنة مخرمة . فأقبل معه , فربطه أبو جهل حتى قدم مكة ; فلما رآه الكفار زادهم ذلك كفرا وافتتانا , وقالوا : إن أبا جهل ليقدر من محمد على ما يشاء ويأخذ أصحابه . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بنحوه , إلا أنه قال في حديثه : فاتبع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل وعياش يحسبه أنه كافر كما هو , وكان عياش هاجر إلى المدينة مؤمنا , فجاءه أبو جهل وهو أخوه لأمه , فقال : إن أمك تنشدك برحمها وحقها إلا رجعت إليها ! وقال أيضا : فيأخذ أصحابه فيربطهم . 7984 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد بنحوه . قال ابن جريج , عن عكرمة , قال : كان الحارث بن يزيد بن نبيشة من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل . ثم خرج الحارث بن يزيد مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف حتى سكت , وهو يحسب أنه كافر. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره , ونزلت : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } . .. الآية , فقرأها عليه , ثم قال له : " قم فحرر " . 7985 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } قال : نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي , فكان أخا لأبي جهل بن هشام لأمه. وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم , فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام ومعهما رجل من بني عامر بن لؤي , فأتوه بالمدينة , وكان عياش أحب إخوته إلى أمه , فكلموه وقالوا : إن أمك قد حلفت أن لا يظلها بيت حتى تراك وهي مضطجعة في الشمس , فأتها لتنظر إليك ثم ارجع ! وأعطوه موثقا من الله لا يحجزونه حتى يرجع إلى المدينة . فأعطاه بعض أصحابه بعيرا له نجيبا , وقال : إن خفت منهم شيئا فاقعد على النجيب. فلما أخرجوه من المدينة أخذوه فأوثقوه , وجلده العامري , فحلف ليقتلن العامري . فلم يزل محبوسا بمكة حتى خرج يوم الفتح , فاستقبله العامري وقد أسلم ولا يعلم عياش بإسلامه , فضربه فقتله , فأنزل الله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } يقول : وهو لا يعلم أنه مؤمن , { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } فيتركوا الدية. وقال آخرون : نزلت هذه الآية في أبي الدرداء . ذكر من قال ذلك : 7986 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ }. .. الآية . قال : نزل هذا في رجل قتله أبو الدرداء كانوا في سرية , فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له , فوجد رجلا من القوم في غنم له , فحمل عليه بالسيف , فقال : لا إله إلا الله , قال : فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم . ثم وجد في نفسه شيئا , فأتى النبي صلى الله عليه وسلم , فذكر ذلك له , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا شققت عن قلبه ؟ " فقال : ما عسيت أجد ! هل هو يا رسول الله إلا دم أو ماء ؟ قال : " فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه " , قال : كيف بي يا رسول الله ؟ قال : " فكيف بلا إله إلا الله ؟ " قال : فكيف بي يا رسول الله ؟ قال : " فكيف بلا إله إلا الله " . حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي. قال : ونزل القرآن : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ }. .. حتى بلغ : { إلا أن يصدقوا } قال : إلا أن يضعوها . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عرف عباده بهذه الآية ما على من قتل مؤمنا خطأ من كفارة ودية . وجائز أن تكون الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله , وفي أبي الدرداء وصاحبه . وأي ذلك كان فالذي عنى الله تعالى بالآية تعريف عباده ما ذكرنا , وقد عرف ذلك من عقل عنه من عباده تنزيله , وغير ضائرهم جهلهم بمن نزلت فيه.ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة

ثم أخبر جل ثناؤه عباده بحكم من قتل من المؤمنين خطأ , فقال : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة } يقول : فعليه تحرير رقبة مؤمنة من ماله ودية مسلمة يؤديها عاقلته إلى أهله : { إلا أن يصدقوا } يقول : إلا أن يصدق أهل القتيل خطأ على من لزمته دية قتيلهم , فيعفوا عنه ويتجاوزوا عن ذنبه , فيسقط عنه . وموضع " أن " من قوله : { إلا أن يصدقوا } نصب , لأن معناه : فعليه ذلك إلا أن يصدقوا. وأما الرقبة المؤمنة فإن أهل العلم مختلفون في صفتها , فقال بعضهم : لا تكون الرقبة مؤمنة حتى تكون قد اختارت الإيمان بعد بلوغها وصلت وصامت , ولا يستحق الطفل هذه الصفة . ذكر من قال ذلك : 7987 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أبي حيان , قال : سألت الشعبي عن قوله : { فتحرير رقبة مؤمنة } قال : قد صلت وعرفت الإيمان . 7988 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { فتحرير رقبة مؤمنة } يعني بالمؤمنة : من عقل الإيمان وصام وصلى . 7989 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن الأعمش , عن إبراهيم , قال : ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة فلا يجزي إلا من صام وصلى , وما كان في القرآن من رقبة ليست مؤمنة , فالصبي يجزئ. 7990 - حدثت عن يزيد بن هارون , عن هشام بن حسان , عن الحسن , قال : كل شيء في كتاب الله { فتحرير رقبة مؤمنة } فمن صام وصلى وعقل , وإذا قال : " فتحرير رقبة " : فما شاء . 7991 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن الأعمش , عن إبراهيم قال : كل شيء في القرآن { فتحرير رقبة مؤمنة } فالذي قد صلى , وما لم تكن " مؤمنة " , فتحرير من لم يصل . 7992 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فتحرير رقبة مؤمنة } والرقبة المؤمنة عند قتادة : من قد صلى . وكان يكره أن يعتق في هذا الطفل الذي لم يصل ولم يبلغ ذلك. 7993 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال : ثنا فضيل بن عياض , عن مغيرة , عن إبراهيم في قوله : { فتحرير رقبة مؤمنة } قال : إذا عقل دينه . 7994 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرزاق , عن معمر , عن قتادة , قال في : { فتحرير رقبة مؤمنة } لا يجزئ فيها صبي. 7995 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { فتحرير رقبة مؤمنة } يعنى بالمؤمنة : من قد عقل الإيمان وصام وصلى , فإن لم يجد رقبة فصيام شهرين متتابعين , وعليه دية مسلمة إلى أهله , إلا أن يصدقوا بها عليه. وقال آخرون : إذا كان مولودا بين أبوين مسلمين فهو مؤمن وإن كان طفلا . ذكر من قال ذلك : 7996 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : كل رقبة ولدت في الإسلام فهي تجزي . قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب في ذلك , قول من قال : لا يجزئ في قتل الخطأ من الرقاب إلا من قد آمن وهو يعقل الإيمان من الرجال والنساء إذا كان ممن كان أبواه على ملة من الملل سوى الإسلام وولد يتيما وهو كذلك , ثم لم يسلما ولا واحد منهما حتى أعتق في كفارة الخطأ . وأما من ولد بين أبوين مسلمين فقد أجمع الجميع من أهل العلم أنه وإن لم يبلغ حد الاختيار والتمييز ولم يدرك الحلم فمحكوم له بحكم أهل الإيمان في الموارثة والصلاة عليه إن مات , وما يجب عليه إن جنى , ويجب له إن جني عليه , وفي المناكحة . فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا , فواجب أن يكون له من الحكم فيما يجزئ فيه من كفارة الخطأ إن أعتق فيها من حكم أهل الإيمان مثل الذي له من حكم الإيمان في سائر المعاني التي ذكرناها وغيرها. ومن أبى ذلك عكس عليه الأمر فيه , ثم سئل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس , فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في غيره مثله .ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا

وأما الدية المسلمة إلى أهل القتيل فهي المدفوعة إليهم على ما وجب لهم موفرة غير منتقصة حقوق أهلهم منها . وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول : هي الموفرة . 7997 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال ابن عباس , قوله : { ودية مسلمة إلى أهله } قال : موفرة. وأما قوله : { إلا أن يصدقوا } فإنه يعني به : إلا أن يتصدقوا بالدية على القاتل أو على عاقلته ; فأدغمت التاء من قوله : " يتصدقوا " في الصاد فصارتا صادا . وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي : " إلا أن يتصدقوا " . 7998 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا بكر بن الشرود : في حرف أبي : { إلا أن يتصدقوا } .فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة

القول في تأويل قوله : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } يعني جل ثناؤه بقوله : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } فإن كان هذا القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم عدو لكم , يعني : من عداد قوم أعداء لكم في الدين مشركين , لم يأمنوكم الحرب على خلافكم على الإسلام , وهو مؤمن { فتحرير رقبة مؤمنة } يقول : فإذا قتل المسلم خطأ رجلا من عداد المشركين والمقتول مؤمن والقاتل يحسب أنه على كفره , فعليه تحرير رقبة مؤمنة . واختلف أهل التأويل في معنى ذلك , فقال بعضهم : معناه : وإن كان المقتول من قوم هم عدو لكم وهو مؤمن ; أي بين أظهركم لم يهاجر , فقتله مؤمن , فلا دية عليه وعليه تحرير رقبة مؤمنة . ذكر من قال ذلك : 7999 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا يحيى بن سعيد , عن سفيان , عن سماك , عن عكرمة والمغيرة , عن إبراهيم في قوله : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } قال : هو الرجل يسلم في دار الحرب , فيقتل . قال : ليس فيه دية , وفيه الكفارة . 8000 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة في قوله : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } قال : يعني : المقتول يكون مؤمنا وقومه كفار , قال : فليس له دية , ولكن تحرير رقبة مؤمنة . 8001 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو غسان , قال : ثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس في قوله : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } قال : يكون الرجل مؤمنا وقومه كفار , فلا دية له , ولكن تحرير رقبة مؤمنة . 8002 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } في دار الكفر , يقول : { فتحرير رقبة مؤمنة } وليس له دية . 8003 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } ولا دية لأهله من أجل أنهم كفار , وليس بينهم وبين الله عهد ولا ذمة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , قال : أخبرنا عطاء بن السائب , عن ابن عباس أنه قال في قول الله : { وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } . .. إلى آخر الآية , قال : كان الرجل يسلم , ثم يأتي قومه فيقيم فيهم وهم مشركون , فيمر بهم الجيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فيقتل فيمن يقتل , فيعتق قاتله رقبة ولا دية له . 8004 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة } قال : هذا إذا كان الرجل المسلم من قوم عدو لكم : أي ليس لهم عهد يقتل خطأ , فإن على من قتله تحرير رقبة مؤمنة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن , فقتله خطأ , فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة , أو صيام شهرين متتابعين , ولا دية عليه . 8005 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } القتيل مسلم وقومه كفار , { فتحرير رقبة مؤمنة } ولا يؤدي إليهم الدية فيتقوون بها عليكم. وقال آخرون : بل عنى به الرجل من أهل الحرب يقدم دار الإسلام فيسلم ثم يرجع إلى دار الحرب , فإذا مر بهم الجيش من أهل الإسلام هرب قومه , وأقام ذلك المسلم منهم فيها , فقتله المسلمون وهم يحسبونه كافرا . ذكر من قال ذلك : 8006 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } فهو المؤمن يكون في العدو من المشركين يسمعون بالسرية من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , فيفرون ويثبت المؤمن فيقتل , ففيه تحرير رقبة مؤمنة .وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة

القول في تأويل قوله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } يعني جل ثناؤه بقوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } وإن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم بينكم أيها المؤمنون وبينهم ميثاق : أي عهد وذمة , وليسوا أهل حرب لكم , { فدية مسلمة إلى أهله } يقول : فعلى قاتله دية مسلمة إلى أهله يتحملها عاقلته , وتحرير رقبة مؤمنة كفارة لقتله . ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق أهو مؤمن أو كافر ؟ فقال بعضهم : هو كافر , إلا أنه لزمت قاتله ديته ; لأن له ولقومه عهدا , فواجب أداء ديته إلى قومه للعهد الذي بينهم وبين المؤمنين , وأنها مال من أموالهم , ولا يحل للمؤمنين شيء من أموالهم بغير طيب أنفسهم . ذكر من قال ذلك : 8007 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } يقول : إذا كان كافرا في ذمتكم فقتل , فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله , وتحرير رقبة مؤمنة , أو صيام شهرين متتابعين . 8008 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , قال : سمعت الزهري يقول : دية الذمي دية المسلم . قال : وكان يتأول : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } . 8009 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الله بن إدريس , عن عيسى بن أبي المغيرة , عن الشعبي في قوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } قال : من أهل العهد , وليس بمؤمن . 8010 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن مهدي , عن هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } وليس بمؤمن . 8011 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } بقتله : أي بالذي أصاب من أهل ذمته وعهده ; { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله }. .. الآية 8012 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } يقول : فأدوا إليهم الدية بالميثاق . قال : وأهل الذمة يدخلون في هذا , وتحرير رقبة مؤمنة , فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين . وقال آخرون : بل هو مؤمن , فعلى قاتله دية يؤديها إلى قومه من المشركين , لأنهم أهل ذمة . ذكر من قال ذلك : 8013 - حدثني ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } قال : هذا الرجل المسلم وقومه مشركون لهم عقد , فتكون ديته لقومه وميراثه للمسلمين , ويعقل عنه قومه ولهم ديته . 8014 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن هشيم , عن أبي إسحاق الكوفي , عن جابر بن زيد في قوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } قال : وهو مؤمن . 8015 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن مهدي , عن حماد بن سلمة , عن يونس , عن الحسن , في قوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } قال : هو كافر . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية قول من قال : عنى بذلك المقتول من أهل العهد , لأن الله أبهم ذلك , فقال : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم } ولم يقل : " وهو مؤمن " كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب ; أو عنى المؤمن منهم وهو مؤمن . فكان في تركه وصفه بالإيمان الذي وصف به القتيلين الماضي ذكرهما قبل , الدليل الواضح على صحة ما قلنا في ذلك. فإن ظن ظان أن في قوله تبارك وتعالى : { فدية مسلمة إلى أهله } دليلا على أنه من أهل الإيمان , لأن الدية عنده لا تكون إلا لمؤمن , فقد ظن خطأ ; وذلك أن دية الذمي وأهل الإسلام سواء , لإجماع جميعهم على أن ديات عبيدهم الكفار وعبيد المؤمنين من أهل الإيمان سواء , فكذلك حكم ديات أحرارهم سواء , مع أن دياتهم لو كانت على ما قال من خالفنا في ذلك , فجعلها على النصف من ديات أهل الإيمان أو على الثلث , لم يكن في ذلك دليل على أن المعني بقوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } من أهل الإيمان , لأن دية المؤمنة لا خلاف بين الجميع , إلا من لا يعد خلافا أنها على النصف من دية المؤمن , وذلك غير مخرجها من أن تكون دية , فكذلك حكم ديات أهل الذمة لو كانت مقصرة عن ديات أهل الإيمان لم يخرجها ذلك من أن تكون ديات , فكيف والأمر في ذلك بخلافه ودياتهم وديات المؤمنين سواء ؟ . وأما الميثاق : فإنه العهد والذمة , وقد بينا في غير هذا الموضع أن ذلك كذلك والأصل الذي منه أخذ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . ذكر من قال ذلك : 8016 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } يقول : عهد. 8017 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري في قوله : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } قال : هو المعاهدة . 8018 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو غسان , قال : ثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } عهد . 8019 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , مثله . فإن قال قائل : وما صفة الخطأ الذي إذا قتل المؤمن المؤمن أو المعاهد لزمته ديته والكفارة ؟ قيل : هو ما قال النخعي في ذلك. وذلك ما : 8020 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن المغيرة , عن إبراهيم قال : الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره . 8021 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم , قالا : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : الخطأ أن يرمي الشيء فيصيب إنسانا وهو لا يريده , فهو خطأ , وهو على العاقلة . فإن قال : فما الدية الواجبة في ذلك ؟ قيل : أما في قتل المؤمن فمائة من الإبل إن كان من أهل الإبل على عاقلة قاتله , لا خلاف بين الجميع في ذلك , وإن كان في مبلغ أسنانها اختلاف بين أهل العلم , فمنهم من يقول : هي أرباع : خمس وعشرون منها حقة , وخمس وعشرون جذعة , وخمس وعشرون بنت مخاض , وخمس وعشرون بنت لبون . ذكر من قال ذلك : 8022 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن إبراهيم , عن علي رضي الله عنه : في الخطأ شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة , وثلاث وثلاثون جذعة , وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها ; وفي الخطأ : خمس وعشرون حقة , وخمس وعشرون جذعة , وخمس وعشرون بنت مخاض , وخمس وعشرون بنت لبون . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن فراس والشيباني , عن الشعبي , عن علي بن أبي طالب , بمثله . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن عاصم بن ضمرة , عن علي رضي الله عنه , بنحوه . * - حدثني واصل بن عبد الأعلى , قال : ثنا ابن فضيل , عن أشعث بن سوار , عن الشعبي , عن علي رضي الله عنه أنه قال : في قتل الخطأ الدية مائة أرباعا , ثم ذكر مثله . وقال آخرون : هي أخماس : عشرون حقة , وعشرون جذعة , وعشرون بنت لبون , وعشرون ابن لبون , وعشرون بنت مخاض . ذكر من قال ذلك : 8023 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن سعيد , عن قتادة عن أبي مجلز , عن أبي عبيدة عن أبيه , عن عبد الله بن مسعود قال : في الخطأ عشرون حقة , وعشرون جذعة , وعشرون بنت لبون , وعشرون ابن لبون , وعشرون بنت مخاض . * - حدثنا واصل بن عبد الأعلى , قال : ثنا ابن فضيل , عن أشعث , عن عامر , عن عبد الله بن مسعود : في قتل الخطأ مائة من الإبل أخماسا : خمس جذاع , وخمس حقاق , وخمس بنات لبون , وخمس بنات مخاض , وخمس بني مخاض . * - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا يزيد , قال : أخبرنا سليمان التيمي , عن أبي مجلز , عن أبي عبيدة عن عبد الله , قال : الدية أخماس دية الخطأ : خمس بنات مخاض , وخمس بنات لبون , وخمس حقاق , وخمس جذاع , وخمس بني مخاض . واعتل قائل هذه المقالة بحديث : 8024 - حدثنا به أبو هشام الرفاعي , قال : ثنا يحيى بن أبي زائدة وأبو خالد الأحمر , عن حجاج , عن زيد بن جبير , عن الخشف بن مالك , عن عبد الله بن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الدية في الخطأ أخماسا . قال أبو هشام : قال ابن أبي زائدة : عشرون حقة , وعشرون جذعة , وعشرون ابنة لبون , وعشرون ابنة مخاض , وعشرون ابن مخاض . * - حدثنا أبو هشام , قال : ثنا يحيى , عن أبيه , عن أبي إسحاق , عن علقمة , عن عبد الله أنه قضى بذلك . وقال آخرون : هي أرباع , غير أنها ثلاثون حقة , وثلاثون بنت لبون , وعشرون بنت مخاض , وعشرون ابن لبون ذكور . ذكر من قال ذلك : 8025 - حدثنا ابن بشار , قال : ثني محمد بن بكر , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن عبد ربه , عن أبي عياض , عن عثمان وزيد بن ثابت قالا : في الخطأ شبه العمد : أربعون جذعة خلفة , وثلاثون حقة , وثلاثون بنت مخاض ; وفي الخطأ : ثلاثون حقة , وثلاثون جذعة , وعشرون بنت مخاض , وعشرون ابن لبون ذكور. 8026 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن سعيد , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن زيد بن ثابت في دية الخطأ : ثلاثون حقة , وثلاثون بنت لبون , وعشرون بنت مخاض , وعشرون ابن لبون ذكور . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن عثمة , قال : ثنا سعيد بن بشير , عن قتادة , عن عبد ربه , عن أبي عياض , عن عثمان بن عفان رضي الله عنه , قال : وحدثنا سعيد , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت , مثله . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن الجميع مجمعون أن في الخطأ المحض على أهل الإبل مائة من الإبل . ثم اختلفوا في مبالغ أسنانها , وأجمعوا على أنه لا يقصر بها في الذي وجبت له الأسنان عن أقل ما ذكرنا من أسنانها التي حدها الذين ذكرنا اختلافهم فيها , وأنه لا يجاوز بها الذي وجبت عن أعلاها . وإن كان ذلك من جميعهم إجماعا , فالواجب أن يكون مجزيا من لزمته دية قتل خطأ : أي هذه الأسنان التي اختلف المختلفون فيها أداها إلى من وجبت له , لأن الله تعالى لم يحد ذلك بحد لا يجاوز به ولا يقصر عنه ولا رسوله إلا ما ذكرت من إجماعهم فيما أجمعوا عليه , فإنه ليس للإمام مجاوزة ذلك في الحكم بتقصير ولا زيادة , وله التخيير فيما بين ذلك بما رأى الصلاح فيه للفريقين , وإن كانت عاقلة القاتل من أهل الذهب فإن لورثة القتيل عليهم عندنا ألف دينار , وعليه علماء الأمصار . وقال بعضهم : ذلك تقويم من عمر رضي الله عنه لإبل على أهل الذهب في عصره , والواجب أن يقوم في كل زمان قيمتها إذا عدم الإبل عاقلة القاتل . واعتلوا بما : 8027 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أيوب بن موسى , عن مكحول , قال : كانت الدية ترتفع وتنخفض , فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ثمانمائة دينار , فخشي عمر من بعده , فجعلها اثني عشر ألف درهم أو ألف دينار. وأما الذين أوجبوها في كل زمان على أهل الذهب ذهبا ألف دينار , فقالوا : ذلك فريضة فرضها الله على لسان رسوله , كما فرض الإبل على أهل الإبل . قالوا : وفي إجماع علماء الأمصار في كل عصر وزمان إلا من شذ عنهم , على أنها لا تزاد على ألف دينار ولا تنقص عنها , أوضح الدليل على أنها الواجبة على أهل الذهب وجوب الإبل على أهل الإبل , لأنها لو كانت قيمة لمائة من الإبل لاختلف ذلك بالزيادة والنقصان لتغير أسعار الإبل. وهذا القول هو الحق في ذلك لما ذكرنا من إجماع الحجة عليه . وأما من الورق على أهل الورق عندنا , فاثنا عشر ألف درهم , وقد بينا العلل في ذلك في كتابنا " كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام " . وقال آخرون : إنما على أهل الورق من الورق عشرة آلاف درهم . وأما دية المعاهد الذي بيننا وبين قومه ميثاق , فإن أهل العلم اختلفوا في مبلغها , فقال بعضهم : ديته ودية الحر المسلم سواء . ذكر من قال ذلك : 8028 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا بشر بن السري , عن إبراهيم بن سعد , عن الزهري : أن أبا بكر وعثمان رضوان الله عليهما كانا يجعلان دية اليهودي والنصراني إذا كانا معاهدين كدية المسلم . 8029 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا بشر بن السري , عن الدستوائي , عن يحيى بن أبي كثير , عن الحكم بن عيينة : أن ابن مسعود كان يجعل دية أهل الكتاب إذا كانوا أهل ذمة كدية المسلمين . 8030 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن حماد , قال : سألني عبد الحميد عن دية أهل الكتاب , فأخبرته أن إبراهيم قال : إن ديتهم وديتنا سواء . 8031 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا أبو الوليد , قال : ثنا حماد , عن إبراهيم وداود عن الشعبي أنهما قالا : دية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم. 8032 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : كان يقال : دية اليهودي والنصراني والمجوسي كدية المسلم إذا كانت له ذمة . 8033 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا ابن أبي نجيح , عن مجاهد وعطاء أنهما قالا : دية المعاهد دية المسلم. * - حدثنا سوار بن عبد الله , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا المسعودي , عن حماد , عن إبراهيم , أنه قال : دية المسلم والمعاهد سواء . 8034 - حدثني يعقوب , قال : حدثنا ابن علية , عن أيوب , قال : سمعت الزهري يقول : دية الذمي دية المسلم . 8035 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن أشعث , عن عامر قال : دية الذمي مثل دية المسلم . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن سعيد بن أبي عروبة , عن أبي معشر , عن إبراهيم مثله . * - حدثني أبو السائب , قال : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن إبراهيم مثله . 8036 - ثنا عبد الحميد بن بيان , قال : أخبرنا محمد بن يزيد , عن إسماعيل , عن عامر , وبلغه أن الحسن كان يقول : دية المجوسي ثمانمائة ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف , فقال : ديتهم واحدة . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن قيس بن مسلم , عن الشعبي , قال : دية المعاهد والمسلم في كفارتهما سواء . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن إبراهيم , قال : دية المعاهد والمسلم سواء . وقال آخرون : بل ديته على النصف من دية المسلم . ذكر من قال ذلك : 8037 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عمرو بن شعيب في دية اليهودي والنصراني قال : جعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف دية المسلم , ودية المجوسي ثمانمائة . فقلت لعمرو بن شعيب : إن الحسن يقول : أربعة آلاف , قال : لعله كان ذلك قبل , وقال : إنما جعل دية المجوسي بمنزلة العبد . 8038 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عبد الله الأشجعي , عن سفيان , عن أبي الزناد , عن عمر بن عبد العزيز قال : دية المعاهد على النصف من دية المسلم. وقال آخرون : بل ديته على الثلث من دية المسلم . ذكر من قال ذلك : 8039 - حدثني واصل بن عبد الأعلى , قال : ثنا ابن فضيل , عن مطرف , عن أبي عثمان - قال : كان قاضيا لأهل مرو - قال : جعل عمر رضي الله عنه دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف . 8040 - حدثنا عمار بن خالد الواسطي , قال : ثنا يحيى بن سعيد , عن الأعمش , عن ثابت , عن سعيد بن المسيب , قال : قال عمر : دية النصراني أربعة آلاف , والمجوسي ثمانمائة . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الصمد , قال : ثنا شعبة , عن ثابت , قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : قال عمر : دية أهل الكتاب أربعة آلاف , ودية المجوسي ثمانمائة . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن ثابت , عن سعيد بن المسيب , أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال , فذكر مثله . 8041 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن سعيد , عن قتادة , عن أبي المليح : أن رجلا من قومه رمى يهوديا أو نصرانيا بسهم فقتله , فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب , فأغرمه ديته أربعة آلاف. * - وبه عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , قال : قال عمر : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف , أربعة آلاف . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا أصحابنا , عن سعيد بن المسيب , عن عمر مثله . 8042 - قال : ثنا هشيم , عن ابن أبي ليلى , عن عطاء , عن عمر مثله . 8043 - قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا يحيى بن سعيد , عن سليمان بن يسار , أنه قال : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف , والمجوسي ثمانمائة . 8044 - حدثنا سوار بن عبد الله , قال : ثنا خالد بن الحارث , قال : ثنا عبد الملك , عن عطاء , مثله . 8045 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد , قال : سمعت الضحاك في قوله : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } الصيام لمن لا يجد رقبة , وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء .فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله

القول في تأويل قوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله } يعني تعالى ذكره بقوله : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } فمن لم يجد رقبة مؤمنة يحررها كفارة لخطئه في قتله من قتل من مؤمن أو معاهد لعسرته بثمنها , { فصيام شهرين متتابعين } يقول : فعليه صيام شهرين متتابعين . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم فيه بنحو ما قلنا . ذكر من قال ذلك : 8046 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } قال : من لم يجد عتقا - أو عتاقة , شك أبو عصام - في قتل مؤمن خطأ , قال : وأنزلت في عياش بن أبي ربيعة قتل مؤمنا خطأ . وقال آخرون : صوم الشهرين عن الدية والرقبة. قالوا : وتأويل الآية : فمن لم يجد رقبة مؤمنة ولا دية يسلمها إلى أهلها فعليه صوم شهرين متتابعين . ذكر من قال ذلك : 8047 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : ثنا ابن المبارك , عن زكريا , عن الشعبي , عن مسروق : أنه سئل عن الآية التي في سورة النساء : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } صيام الشهرين عن الرقبة وحدها , أو عن الدية والرقبة ؟ فقال : من لم يجد فهو عن الدية والرقبة . * - حدثنا بن وكيع , قال : ثنا أبي , عن زكريا , عن عامر , عن مسروق بنحوه . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن الصوم عن الرقبة دون الدية , لأن دية الخطأ على عاقلة القاتل , والكفارة على القاتل بإجماع الحجة على ذلك , نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم , فلا يقضي صوم صائم عما لزم غيره في ماله . والمتابعة صوم الشهرين , ولا يقطعه بإفطار بعض أيامه لغير علة حائلة بينه وبين صومه . ثم قال جل ثناؤه : { توبة من الله وكان الله عليما حكيما } يعني : تجاوزا من الله لكم إلى التيسير عليه بتخفيفه عنكم ما خفف عنكم من فرض تحرير الرقبة المؤمنة إذا أعسرتم بها بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين.وكان الله عليما حكيما

{ وكان الله عليما حكيما } يقول : ولم يزل الله عليما بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه وغير ذلك , حكيما بما يقضي فيهم ويريد .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[92] لما كان الخطأ مرفوعًا عن هذه الأمة, فكان لذلك يظن أنه لا شيء على المخطئ؛ بيَّن أن أمر القتل ليس كذلك؛ حفظًا للنفوس؛ لأن الأمر فيها خطر جدًا, فقال مغلظًا عليه حثًا على زيادة النظر والتحري عند فعل ما قد يقتل: (فتحرير) أي: فالواجب عليه تحرير، (رقبة) أي: نفس؛ عبر بها عنها لأنها لا تعيش بدونها.
وقفة
[92] ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ وعليه: فلا يقتل القاتل حين يقتل متعمدًا وهو (مؤمن).
وقفة
[92] ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ هذه صيغة من صيغ الامتناع والمبالغة في النفي، أي يمتنع ويستحيل أن يصدر من أي مؤمن قتل مؤمن! أي: متعمدًا، وغرض الآية: تفظيع قتل المؤمن.
وقفة
[92] ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ في هذا: الإخبار بشدة تحريمه، وأنه مناف للإيمان أشد منافاة، وإنما يصدر ذلك إما من كافر، أو من فاسق قد نقص إيمانه نقصًا عظيمًا، ويخشى عليه ما هو أكبر من ذلك؛ فإن الإيمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الأخوة الإيمانية التي من مقتضاها محبته وموالاته، وإزالة ما يعرض لأخيه من الأذى؛ وأي أذى أشد من القتل؟
وقفة
[92] ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ هناك أمور غير متوقعة منك؛ لا تخيب ظن أحبابك فيك.
وقفة
[92] ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ فإِن قلتَ: (إلَّا) هنا في قوله: ﴿إِلَّا خَطَأً﴾ ما معناها؟ قلتُ: (إِلَّا) بمعنى: (ولا) كما في قوله تعالى: ﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ * إِلَّا مَن ظَلَمَ ﴾ [النمل: 10، 11]، وقوله: ﴿لِئَلَّا يكونَ للنَّاسِ عليكُمْ حُجَّةٌ إِلّاَ الّذِينَ ظَلَمُوا منهُمْ﴾ [البقرة: 150].
وقفة
[92] لا يُتصور إيمان صحيح وقتل عمد بغير حق ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾، لا يصدر القتل العمد إلا من كافر أو فاسق ناقص الإيمان نقصًا عظيمًا.
لمسة
[92] انظر إلى هذا الابتداء الذي يهوِّل به الله سبحانه وتعالى أمر قتل المسلم أخاه المسلم، ولذلك جعله في حيِّز ما لا يكون فبدأه بالنفي والحصر في الخطأ بـ (إلا) فقال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾.
وقفة
[92] قال: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا﴾ ليس معنى (يصدقوا) الصدقة بل المعنى هنا العفو، وسمي العفو هنا صدقةً حثًا عليه وتنبيهًا على فضله.
وقفة
[92] ﴿فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ اقتصرت الكفارة هنا على تحرير الرقبة دون دفع الديَّة؛ لأن الدية جبر لخاطر أولياء الدم، فلما كانوا أعداء الله تعالى لم تكن حكمة في جبر خواطرهم.
وقفة
[92] ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ﴾ لِمَ جعل تحرير رقبة العبد ديَّة للقاتل، وهذا لا يعود على أهل الميت؟ إن تحرير الرقبة جعله الله تعالى بدلًا من تعطيل حق الله تعالى في ذات القتيل، فإن القتيل عبدٌ من عباد الله تعالى، ويُرجى من نسله من يقوم بعبادة الله وطاعة دينه، كما نبَّهت الآية على أمر آخر، وهو أن الحريَّة حياة والعبوية موت، فمن تسبب في موت نفس حيَّة؛ كان عليه السعي في إحياء نفس كالميتة، وهي المستعبدة.
عمل
[92] تذكر ذنبًا كبيرًا فعلته، ثم اعمل حسنة كبيرة، وأكثر من الاستغفار؛ لعل الله يتوب عليك ﴿وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[92، 93] ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ... وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ...﴾ جاء القرآن الكريم معظِّمًا حرمة نفس المؤمن، وناهيًا في انتهاكها، ومرتبًا على ذلك أشد العقوبات.
وقفة
[92، 93] ما الحكمة في ورود: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾ بالفعل الماضي، ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا﴾ بالفعل المضارع؟ الجواب: أنه في القرآن الكريم إذا استعمل الفعل المضارع بعد الشرط فمظنة التكرار، واستعمال الماضي مظنة عدم التكرار، القتل المتعمد يعني أنه كلما سنحت له الفرصة لقتل المؤمن قتل ما دام متعمد يقتل، تتكرر، بينما القتل الخطأ ما يتكرر لأنه غير متعمد، ولذلك الجزاء مختلف.

الإعراب :

  • ﴿ وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض تام مبني على الفتح بمعنى «صح» أو استقام أو فعل ماض ناقص لمؤمن: جار ومجرور متعلق بكان أو بخبر «كانَ» المقدم.
  • ﴿ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يقتل: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. مؤمنا: مفعول به منصوب بالفتحة و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل لكان او اسم «كانَ» الناقصة.
  • ﴿ إِلَّا خَطَأً:
  • إلّا: أداة استثناء والمستثنى محذوف دلّ عليه المعنى. خطأ: مفعول لأجله منصوب بالفتحة ويجوز أن يكون حالا أي إلّا في حال الخطأ. وفي حاله جعل المستثنى لإلّا يكون «خَطَأً» صفة للمصدر أي إلّا قتلا خطأ.
  • ﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. قتل: فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم بإن وهو فعل الشرط. مؤمنا خطأ: سبق اعرابهما وفاعل «قَتَلَ» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. تحرير: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وخبره مقدم أي فعليه تحرير رقبة. رقبة: مضاف اليه مجرور بالكسرة الظاهرة. مؤمنة: صفة- نعت- لرقبة مجرورة مثلها وجملة «فعليه تحرير رقبة» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ:
  • ودية معطوفة بواو العطف على «تحرير» وتعرب إعرابها و «مُسَلَّمَةٌ» صفة- نعت- لدية مرفوعة مثلها بالضمة. الى أهله: جار ومجرور متعلق بمسلمة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا:
  • إلّا: أداة استثناء أن حرف مصدرية ونصب. يصدقوا: أي يتصدقوا وهي فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة و «أَنْ وما تلاها» بتأويل مصدر بمعنى العفو متعلق بعليه في: فعليه تحرير رقبة أو بمسلمة ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان ويجوز أن يكون في محل نصب حالا من أهله بمعنى الّا متصدقين أو في محل نصب مستثنى بالا- استثناء منقطعا وجملة «يَصَّدَّقُوا» صلة «أَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. كان: فعل ماض ناقص في محل جزم بإن فعل الشرط مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. من قوم: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كانَ» أي: بمعنى في قوم.
  • ﴿ عَدُوٍّ لَكُمْ:
  • عدو: صفة- نعت- لقوم مجرورة بالكسرة. لكم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «عَدُوٍّ» والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ:
  • الواو: حالية. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مؤمن: خبر المبتدأ مرفوع مثله بالضمة وجملة «هُوَ مُؤْمِنٌ» في محل نصب حال.
  • ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ:
  • سبق اعرابها والجملة الثانية معطوفة بالواو واسم «كانَ» هنا ضمير يعود على مؤمن.
  • ﴿ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ:
  • الجملة في محل جر صفة لقوم. بينكم: ظرف مكان منصوب بالفتحة والكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور وشبه الجملة «بَيْنَكُمْ» في محل رفع متعلق بخبر مقدم وبينهم معطوفة بواو العطف على «بَيْنَكُمْ» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. ميثاق: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ:
  • فدية: تعرب اعراب «فَتَحْرِيرُ» والجملة بعدها: سبق اعرابها في مستهل الآية الكريمة.
  • ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ:
  • الفاء: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يجد: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة: في محل جزم بمن وهي فعل الشرط وجملتا فعل الشرط وجوابه- جزائه- في محل رفع خبر «من».
  • ﴿ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ:
  • تعرب اعراب «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» وعلامة جرّ «شَهْرَيْنِ» الياء لأنه مثنى.
  • ﴿ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ:
  • متتابعين: صفة- نعت- لشهرين مجرورة مثلها بالياء. توبة: مفعول مطلق- مصدر- منصوب بفعل محذوف تقديره يتوب توبة. من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة محذوفة من «تَوْبَةً» ويجوز أن تكون «تَوْبَةً» مفعولا له.
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة. الله لفظ الجلالة: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلِيماً حَكِيماً:
  • خبرا «كانَ» منصوبان بالفتحة ويجوز أن يعرب «حَكِيماً» صفة لعليما منصوبا مثله أيضا. '

المتشابهات :

النساء: 92﴿َتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ فَمَن فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّـهِ
المجادلة: 4﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [92] لما قبلها :     بعدَ الحديثِ عن أحكامِ قتالِ المنافقينَ؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا حكمَ قتلِ من لا يحلُّ قتْلُه من المؤمنينَ أو المعاهدينَ والذمِّيينَ، وبَيَّنَ كفَّارةَ القتلِ الخطأ، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

القراءات :

خطأ:
وقرئ:
1- خطاء، على وزن سماء ممدودا، وهى قراءة الحسن، والأعمش.
2- خطاء، على وزن عصا، مقصورا، وهى قراءة الزهري.
يصدقوا:
1- أصله: يتصدقوا، فأدغمت التاء فى الصاد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- تصدقوا، بالتاء وتشديد الصاد، على المخاطبة، وهى قراءة الحسن، وأبى عبد الرحمن، وعبد الوارث.
3- تصدقوا، بالتاء وتخفيف الصاد.

مدارسة الآية : [93] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ ..

التفسير :

[93] ومن يَعْتَدِ على مؤمن فيقتله عن عمدٍ بغير حق فعاقبته جهنم خالداً فيها، مع سخط الله تعالى عليه وطَرْدِه من رحمته إن جازاه على ذنبه، وأعدَّ الله له أشد العذاب؛ بسبب ما ارتكبه من هذه الجناية العظيمة، ولكن الله سبحانه يعفو ويتفضَّل على أهل الإيمان، فلا ي

تقدم أن الله أخبر أنه لا يصدر قتل المؤمن من المؤمن، وأن القتل من الكفر العملي، وذكر هنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول. فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي:فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته. وهذا الوعيد له حكم أمثاله من نصوص الوعيد، على بعض الكبائر والمعاصي بالخلود في النار، أو حرمان الجنة. وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في تأويلها مع اتفاقهم على بطلان قول الخوارج والمعتزلة الذين يخلدونهم في النار ولو كانوا موحدين. والصواب في تأويلها ما قاله الإمام المحقق:شمس الدين بن القيم رحمه الله في "المدارج"فإنه قال - بعدما ذكر تأويلات الأئمة في ذلك وانتقدها فقال:وقالت فِرقَة:هذه النصوص وأمثالها مما ذكر فيه المقتضي للعقوبة، ولا يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده، فإن الحكم إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. وغاية هذه النصوص الإعلام بأن كذا سبب للعقوبة ومقتض لها، وقد قام الدليل على ذكر الموانع فبعضها بالإجماع، وبعضها بالنص. فالتوبة مانع بالإجماع، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها، والحسنات العظيمة الماحية مانعة، والمصائب الكبار المكفرة مانعة، وإقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص، ولا سبيل إلى تعطيل هذه النصوص فلا بد من إعمال النصوص من الجانبين. ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات، اعتبارًا بمقتضي العقاب ومانعه، وإعمالا لأرجحها. قالوا:وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما. وعلى هذا بناء الأحكام الشرعية والأحكام القدرية، وهو مقتضى الحكمة السارية في الوجود، وبه ارتباط الأسباب ومسبباتها خلقا وأمرا، وقد جعل الله سبحانه لكل ضد ضدا يدافعه ويقاومه، ويكون الحكم للأغلب منهما. فالقوة مقتضية للصحة والعافية، وفساد الأخلاط وبغيها مانع من عمل الطبيعة، وفعل القوة والحكم للغالب منهما، وكذلك قوى الأدوية والأمراض. والعبد يكون فيه مقتض للصحة ومقتض للعطب، وأحدهما يمنع كمال تأثير الآخر ويقاومه، فإذا ترجح عليه وقهره كان التأثير له. ومِنْ هنا يعلم انقسام الخلق إلى مَنْ يدخل الجنة ولا يدخل النار، وعكسه، ومَنْ يدخل النار ثم يخرج منها ويكون مكثه فيها بحسب ما فيه من مقتضى المكث في سرعة الخروج وبطئه. ومن له بصيرة منورة يرى بها كل ما أخبر الله به في كتابه من أمر المعاد وتفاصيله، حتى كأنه يشاهده رأي عين. ويعلم أن هذا هو مقتضي إلهيته سبحانه، وربوبيته وعزته وحكمته وأنه يستحيل عليه خلاف ذلك، ونسبة ذلك إليه نسبة ما لا يليق به إليه، فيكون نسبة ذلك إلى بصيرته كنسبة الشمس والنجوم إلى بصره. وهذا يقين الإيمان، وهو الذي يحرق السيئات، كما تحرق النار الحطب، وصاحب هذا المقام من الإيمان يستحيل إصراره على السيئات، وإن وقعت منه وكثرت، فإن ما معه من نور الإيمان يأمره بتجديد التوبة كل وقت بالرجوع إلى الله في عدد أنفاسه، وهذا من أحب الخلق إلى الله. انتهى كلامه قدس الله روحه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك سوء عاقبة من يقتل مؤمنا متعمدا فقال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً.

أى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً قتله فَجَزاؤُهُ الذي يستحقه بسبب هذه الجناية الكبيرة «جهنم خالدا فيها» أى باقيا فيها مدة طويلة لا يعلم مقدارها إلا الله وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ بسبب ما ارتكبه من منكر وَلَعَنَهُ أى طرده من رحمته وَأَعَدَّ لَهُ من وراء ذلك كله عَذاباً عَظِيماً يوم القيامة.

هذا وقد ساق المفسرون جملة من الآيات والأحاديث التي تهدد مرتكب هذه الكبيرة بالعذاب الشديد واختلفوا في حكمها هل هي منسوخة أولا؟ وهل للقاتل عمدا توبة أو لا؟

وقد أفاض الإمام ابن كثير في بيان كل ذلك فقال ما ملخصه:

«هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم والذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية. قال- تعالى- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.

والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا. فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال المؤمن معتقا- أى خفيف الظهر، سريع السير- ما لم يصب دما حراما. فإذا أصاب دما حراما بلح» أى: أعيا وانقطع.

وفي حديث آخر: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» .

ثم قال: وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدا.

وقال البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال:

سمعت ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة. فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها.

فقال: نزلت هذه الآية. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً هي آخر ما نزل وما نسخها شيء.

وروى ابن جرير أيضا عن سعيد بن جبير قال. سألت ابن عباس عن قوله- تعالى- وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً. فقال: إن الرجل إذا عرف الإسلام، وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ولا توبة له.

ثم قال: والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها. أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله- تعالى- فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته.

قال الله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.

فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك. وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها لتقوية الرجاء.

والمراد بالخلود هنا المكث الطويل. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان.

وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر والتوبة لا أنه يعتقد بطلان توبته .

والآية الكريمة وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. الصواب في معناها: أن جزاءه جهنم. فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره. وقد لا يجازى بل يعفى عنه. فإن قتل عمدا مستحلا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد. يخلد في جهنم بالإجماع. وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص. مرتكب كبيرة جزاؤه جهنم خالدا فيها. ولكن تفضل- سبحانه- فأخبر أنه لا يخلد فيها من مات موحدا فلا يخلد هذا. وقد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلا. وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر العصاة الموحدين. ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار. فهذا هو الصواب في معنى الآية .

وبهذا نرى أن الآية الكريمة تنهى المؤمن نهيا قاطعا عن أن يمد يده بالسوء لقتل نفس حرم الله قتلها إلا بالحق، وتتوعد الذي يفعل ذلك بغضب الله عليه وطرده من رحمته، وإلحاق العذاب العظيم به يوم القيامة.

وبعد هذا التحذير الشديد من قتل النفس بغير حق، وجه القرآن نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن القتل بدون تبين أو تثبت من أجل التوصل إلى عرض من أعراض الدنيا الفانية، فقال- تعالى-:

ثم لما بين تعالى حكم القتل الخطأ ، شرع في بيان حكم القتل العمد ، فقال : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا [ فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ] ) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم ، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله ، حيث يقول ، سبحانه ، في سورة الفرقان : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق [ ولا يزنون ] ) الآية [ الفرقان : 68 ] وقال تعالى : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) [ إلى أن قال :

( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) [ الأنعام : 151 ] .

والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا . من ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء " وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود ، من رواية عمرو بن الوليد بن عبدة المصري ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما ، فإذا أصاب دما حراما بلح " وفي حديث آخر : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم " وفي الحديث الآخر : " لو أجمع أهل السماوات والأرض على قتل رجل مسلم ، لأكبهم الله في النار " وفي الحديث الآخر : " من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة ، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله " .

وقد كان ابن عباس ، رضي الله عنهما ، يرى أنه لا توبة للقاتل عمدا لمؤمن .

وقال البخاري : حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا مغيرة بن النعمان قال : سمعت ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة ، فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم [ خالدا ] ) هي آخر ما نزل وما نسخها شيء .

وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق ، عن شعبة ، به ورواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، عن ابن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن مغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا ) فقال : لم ينسخها شيء .

[ وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أبي عدي حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال : قال عبد الرحمن بن أبزى : سئل ابن عباس عن قوله : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا ) فقال : لم ينسخها شيء ] وقال في هذه الآية : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [ ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ] ) [ الفرقان : 68 ] قال نزلت في أهل الشرك .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن منصور ، حدثني سعيد بن جبير - أو حدثني الحكم ، عن سعيد بن جبير - قال : سألت ابن عباس عن قوله [ تعالى ] ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) قال : إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ، ثم قتل مؤمنا متعمدا ، فجزاؤه جهنم ولا توبة له . فذكرت ذلك لمجاهد فقال : إلا من ندم .

حدثنا ابن حميد ، وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن يحيى الجابر ، عن سالم بن أبي الجعد قال : كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره ، فأتاه رجل فناداه : يا عبد الله بن عباس ، ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا ؟ فقال : ( جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) قال : أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس : ثكلته أمه ، وأنى له التوبة والهدى ؟ والذي نفسي بيده ! لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " ثكلته أمه ، قاتل مؤمن متعمدا ، جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله ، تشخب أوداجه دما في قبل عرش الرحمن ، يلزم قاتله بشماله بيده الأخرى ، يقول : سل هذا فيم قتلني " ؟ وايم الذي نفس عبد الله بيده ! لقد أنزلت هذه الآية ، فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وما نزل بعدها من برهان .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت يحيى بن المجبر يحدث عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس ; أن رجلا أتاه فقال : أرأيت رجلا قتل رجلا متعمدا ؟ فقال : ( جزاؤه جهنم خالدا فيها [ وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ] ) قال : لقد نزلت في آخر ما نزل ، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال : وأنى له بالتوبة . وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول : " ثكلته أمه ، رجل قتل رجلا متعمدا ، يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره - وآخذا رأسه بيمينه أو بشماله - تشخب أوداجه دما من قبل العرش يقول : يا رب ، سل عبدك فيم قتلني ؟ " .

وقد رواه النسائي عن قتيبة وابن ماجه عن محمد بن الصباح ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمار الدهني ، ويحيى الجابر وثابت الثمالي عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس ، فذكره وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة .

وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف : زيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبيد بن عمر ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم ، نقله ابن أبي حاتم .

وفي الباب أحاديث كثيرة : من ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ في تفسيره : حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي وحدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إبراهيم بن فهد قالا حدثنا عبيد بن عبيدة ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن أبي عمرو بن شرحبيل ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة ، آخذا رأسه بيده الأخرى فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ " قال : " فيقول : قتلته لتكون العزة لك . فيقول : فإنها لي " . قال : " ويجيء آخر متعلقا بقاتله فيقول : رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ " قال : " فيقول قتلته لتكون العزة لفلان " . قال : " فإنها ليست له بؤ بإثمه " . قال : " فيهوي في النار سبعين خريفا " .

وقد رواه عن النسائي ، عن إبراهيم بن المستمر العوفي ، عن عمرو بن عاصم ، عن معتمر بن سليمان ، به

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا ثور بن يزيد ، عن أبي عون ، عن أبي إدريس قال : سمعت معاوية ، رضي الله عنه ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا ، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا " .

وكذا رواه النسائي ، عن محمد بن المثنى ، عن صفوان بن عيسى ، به .

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا سمويه ، حدثنا عبد الأعلى بن مسهر ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا خالد بن دهقان ، حدثنا ابن أبي زكريا قال : سمعت أم الدرداء تقول : سمعت أبا الدرداء يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا ، أو من قتل مؤمنا متعمدا " .

وهذا غريب جدا من هذا الوجه . والمحفوظ حديث معاوية المتقدم فالله أعلم .

ثم روى ابن مردويه من طريق بقية بن الوليد ، عن نافع بن يزيد ، حدثني ابن جبير الأنصاري ، عن داود بن الحصين ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل مؤمنا متعمدا فقد كفر بالله عز وجل " .

وهذا حديث منكر أيضا ، وإسناده تكلم فيه جدا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا النضر ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا حميد قال : أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي ، فقال لنا : هلما فأنتما أشب شيئا مني ، وأوعى للحديث مني ، فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم - فقال له أبو العالية : حدث هؤلاء حديثك . فقال : حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية ، فأغارت على قوم ، فشد من القوم رجل ، فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال الشاد من القوم : إني مسلم . فلم ينظر فيما قال ، فضربه فقتله ، فنمى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا ، فبلغ القاتل . فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذ قال القاتل : والله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل . قال : فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس ، وأخذ في خطبته ، ثم قال أيضا : يا رسول الله ، ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل ، فأعرض عنه وعمن قبله من الناس ، وأخذ في خطبته ، ثم لم يصبر ، فقال الثالثة : والله يا رسول الله ما قال إلا تعوذا من القتل . فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه ، فقال : " إن الله أبى على من قتل مؤمنا " ثلاثا .

ورواه النسائي من حديث سليمان بن المغيرة

والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها : أن القاتل له توبة فيما بينه وبين ربه عز وجل ، فإن تاب وأناب وخشع وخضع ، وعمل عملا صالحا ، بدل الله سيئاته حسنات ، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن طلابته .

قال الله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [ ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ] . إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا [ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ] ) [ الفرقان : 68 ، 69 ] وهذا خبر لا يجوز نسخه . وحمله على المشركين ، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر ، ويحتاج حمله إلى دليل ، والله أعلم .

وقال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله [ إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ] ) [ الزمر : 53 ] وهذا عام في جميع الذنوب ، من كفر وشرك ، وشك ونفاق ، وقتل وفسق ، وغير ذلك : كل من تاب من أي ذلك تاب الله عليه .

وقال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] . فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك ، وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها ، لتقوية الرجاء ، والله أعلم .

وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ، ثم سأل عالما : هل لي من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ! ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه ، فهاجر إليه ، فمات في الطريق ، فقبضته ملائكة الرحمة . كما ذكرناه غير مرة ، إن كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى ; لأن الله وضع عنا الأغلال والآصار التي كانت عليهم ، وبعث نبينا بالحنيفية السمحة . فأما الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا [ فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ] ) فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف : هذا جزاؤه إن جازاه ، وقد رواه ابن مردويه مرفوعا ، من طريق محمد بن جامع العطار ، عن العلاء بن ميمون العنبري ، عن حجاج الأسود ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعا ، ولكن لا يصح ومعنى هذه الصيغة : أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه ، وكذا كل وعيد على ذنب ، لكن قد يكون كذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه ، على قولي أصحاب الموازنة أو الإحباط . وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد ، والله أعلم بالصواب . وبتقدير دخول القاتل إلى النار ، أما على قول ابن عباس ومن وافقه أنه لا توبة له ، أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحا ينجو به ، فليس يخلد فيها أبدا ، بل الخلود هو المكث الطويل . وقد تواردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى ذرة من إيمان . وأما حديث معاوية : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا ، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا " : " عسى " للترجي ، فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين لا ينتفى وقوع ذلك في أحدهما ، وهو القتل ; لما ذكرنا من الأدلة . وأما من مات كافرا ; فالنص أنه لا يغفر له البتة ، وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهي لا تسقط بالتوبة ، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه ، والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميين ، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ، ولا بد من أدائها إليهم في صحة التوبة ، فإن تعذر ذلك فلا بد من الطلابة يوم القيامة ، لكن لا يلزم من وقوع الطلابة وقوع المجازاة ، وقد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها ، ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة ، أو يعوض الله المقتول من فضله بما يشاء ، من قصور الجنة ونعيمها ، ورفع درجته فيها ونحو ذلك ، والله أعلم .

ثم للقتل العمد أحكام في الدنيا وأحكام في الآخرة أما [ في ] الدنيا فتسلط أولياء المقتول عليه ، قال الله تعالى : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [ فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ] ) [ الإسراء : 33 ] ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا ، أو يعفوا ، أو يأخذوا دية مغلظة أثلاثا : ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون خلفة كما هو مقرر في كتب الأحكام .

واختلف الأئمة : هل تجب عليه كفارة : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ؟ على أحد القولين ، كما تقدم في كفارة الخطأ ، على قولين : فالشافعي وأصحابه وطائفة من العلماء يقولون : نعم ، يجب عليه ; لأنه إذا وجبت الكفارة في الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى . وطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس ، واعتضدوا بقضاء الصلوات المتروكة عمدا ، كما أجمعوا على ذلك في الخطأ .

قال أصحاب الإمام أحمد وآخرون : قتل العمد أعظم من أن يكفر ، فلا كفارة فيه ، وكذا اليمين الغموس ، ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هاتين الصورتين وبين الصلاة المتروكة عمدا ، فإنهم يقولون : بوجوب قضائها وإن تركت عمدا .

وقد احتج من ذهب إلى وجوب الكفارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا عارم بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن الغريف بن عياش ، عن واثلة بن الأسقع قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا قد أوجب . قال : " فليعتق رقبة ، يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " .

وقال أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف الديلمي قال : أتينا واثلة بن الأسقع الليثي فقلنا : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب ، فقال : " أعتقوا عنه ، يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار " .

وكذا رواه أبو داود والنسائي ، من حديث إبراهيم بن أبي عبلة ، به ولفظ أبي داود عن الغريف الديلمي قال : أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا : حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان . فغضب فقال : إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص ، قلنا : إنا أردنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب - يعني النار - بالقتل ، فقال : " أعتقوا عنه ، يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار " .

القول في تأويل قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يقتل مؤمنًا عامدًا قتله، مريدًا إتلاف نفسه=" فجزاؤه جهنم "، يقول: فثوابه من قتله إياه (44) =" جهنم "، يعني: عذاب جهنم=" خالدًا فيها "، يعني: باقيًا فيها (45) = و " الهاء " و " الألف " في قوله: " فيها " من ذكر " جهنم "=" وغضب الله عليه "، يقول: وغضب الله عليه بقتله إياه متعمدًا (46) =" ولعنه " يقول: وأبعده من رحمته وأخزاه (47) =" وأعد له عذابًا عظيمًا "، وذلك ما لا يعلم قدر مبلغه سواه تعالى ذكره.

* * *

واختلف أهل التأويل في صفة القتل الذي يستحق صاحبُه أن يسمى متعمِّدًا، بعد إجماع جميعهم على أنه إذا ضرب رجلٌ رجلا بحدِّ حديد يجرح بحدِّه، أو يَبْضَع ويقطع، (48) فلم يقلع عنه ضربًا به حتى أتلف نفسه، وهو في حال ضربه إياه به قاصدٌ ضربَه: أنه عامدٌ قتلَه. ثم اختلفوا فيما عدا ذلك. فقال بعضهم: لا عمدَ إلا ما كان كذلك على الصفة التي وصفنا.

*ذكر من قال ذلك:

10174- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء: " العَمد "، السلاح= أو قال: الحديد= قال: وقال سعيد بن المسيب: هو السلاح.

10175- حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: العمد ما كان بحديدة، وما كان بدون حديدة، فهو شبه العمد، لا قَوَد فيه.

10176- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: العمد ما كان بحديدة، وشبه العمد ما كان بَخَشبة. وشبه العمد لا يكون إلا في النفس. (49)

10178- حدثني أحمد بن حماد الدولابي قال، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس قال: من قتل في عصبيّة، في رمي يكون منهم بحجارة، أو جلد بالسياط، أو ضرب بالعصى، فهو خطأ، ديته دية الخطأ. ومن قتل عمدًا فهو قَوَد يَدِه. (50)

10179- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، ومغيرة، عن الحارث وأصحابه، في الرجل يضرب الرجل فيكون مريضًا حتى يموت، قال: أسأل الشهودَ أنه ضربه، فلم يزل مريضًا من ضربته حتى ماتَ، فإن كان بسلاح فهو قَوَد، وإن كان بغير ذلك فهو شِبْه العمد.

* * *

وقال آخرون: كلّ ما عمد الضارب إتلاف نفس المضروب فهو عمد، إذا كان الذي ضرب به الأغلب منه أنه يقتل. (51)

*ذكر من قال ذلك:

10180- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة، عن عبيد بن عمير أنه قال: وأي &; 9-59 &; عمد هو أعمد من أن يضرب رجلا بعصا، ثم لا يقلع عنه حتى يموت؟. (52)

10181- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن إبراهيم قال: إذا خنقه بحبل حتى يموت، أو ضربه بخشبة حتى يموت، فهو القَوَد.

* * *

وعلة من قال: " كل ما عدا الحديد خطأ "، ما:-

10182- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي عازب، عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل شيء خطأ إلا السيف، ولكل خطأ أرْش؟ (53)

* * *

وعلة من قال: " حكم كلّ ما قتل المضروب به من شيء، حكم السيف، في أنّ من قتل به قتيلُ عمد "، ما:-

10183- حدثنا به ابن بشار قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن يهوديًّا قتل جارية على أوضاحٍ لها بين حجرين، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقتله بين حجرين. (54)

* * *

قالوا: فأقاد النبي صلى الله عليه وسلم من قاتل بحجر، وذلك غير حديدٍ. قالوا: وكذلك حكم كل من قتل رجلا بشيء الأغلب منه أنه يقتل مثلَ المقتول به، نظيرُ حكم اليهوديِّ القاتلِ الجارية بين الحجرين.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، قولُ من قال: كل من ضرب إنسانًا بشيء الأغلب منه أنه يتلفه، فلم يقلع عنه حتى أتلف نفسَه به: أنه قاتل عمدٍ، ما كان المضروب به من شيء (55) للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

وأما قوله: " فجزاؤه جهنم خالدًا فيها "، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه. فقال بعضهم معناه: فجزاؤه جهنم إن جازاه.

*ذكر من قال ذلك:

10184- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم "، قال: هو جزاؤه، وإن شاء تجاوز عنه.

10185- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله قال، حدثنا شعبة، عن يسار، عن أبي صالح: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم "، قال: جزاؤه جهنم إن جازاه.

* * *

وقال آخرون: عُنِي بذلك رجل بعينه، كان أسلم فارتدّ عن إسلامه، وقتل رجلا مؤمنًا. قالوا: فمعنى الآية: ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا مستحلا قتلَه، فجزاؤه جهنم خالدًا فيها.

*ذكر من قال ذلك:

10186- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: أن رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس بن صُبَابة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الديةَ فقبلها، ثم وثب على قاتل أخيه فقتله= قال ابن جريج: وقال غيره: ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم ديتَه على بني النجار، ثم بعث مقيسًا، وبعث معه رجلا من بني فهر في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فاحتمل مقيسٌ الفِهريَّ (56) = وكان أيِّدًا (57) = فضرب به الأرض، &; 9-62 &; ورَضخَ رأسه بين حجرين، ثم ألفى يتغنى:

ثَــأَرْتُ بِـهِ فِهْـرًا, وَحَـمَّلْتُ عَقْلَـهُ

سَـرَاةَ بَنِـي النَّجَّـارِ أَرْبَـابِ فَـارِعِ (58)

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أظنّه قد أحدث حدثًا! أما والله لئن كان فعل، لا أومِنه في حِلّ ولا حَرَم ولا سلم ولا حرب! فقتل يوم الفتح= قال ابن جريج: وفيه نـزلت هذه الآية: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا "، الآية .

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: إلا من تاب.

*ذكر من قال ذلك:

10187- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور قال، حدثني سعيد بن جبير= أو: حدثني الحكم، عن سعيد بن جبير= قال: سألت ابن عباس عن قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم "، قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنًا متعمدًا، فجزاؤه جهنم، ولا توبة &; 9-63 &; له = فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من نَدم.

* * *

وقال آخرون: ذلك إيجاب من الله الوعيدَ لقاتل المؤمن متعمّدًا، كائنًا من كان القاتل، على ما وصفه في كتابه، ولم يجعل له توبة من فعله. قالوا: فكل قاتل مؤمن عمدًا، فله ما أوعده الله من العذاب والخلود في النار، ولا توبة له. وقالوا: نـزلت هذه الآية بعد التي في" سورة الفرقان ".

*ذكر من قال ذلك:

10188- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن يحيى الجابر، عن سالم بن أبي الجعد قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كُفَّ بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس، ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال: " جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضبَ الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابًا عظيمًا ". قال: أفرأيت إن تاب وآمن وعمِل صالحًا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلتْه أمه! وأنَّى له التوبة والهدى؟ فوالذي نفسي بيده لقد سمعت نبيَّكم صلى الله عليه وسلم يقول: ثكلته أمه! رجل قتل رجلا متعمدًا جاء يوم القيامة آخذًا بيمينه أو بشماله، تَشْخَبُ أوداجه دمًا، في قُبُل عرش الرحمن، يَلزم قاتلَه بيده الأخرى يقول: سلْ هذا فيم قتلني؟ ووالذي نفس عبد الله بيده، لقد أنـزلت هذه الآية، فما نسختها من آية حتى قُبض نبيّكم صلى الله عليه وسلم، وما نـزل بعدها من برهان. (59)

10189- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد: عن عمرو بن قيس، عن يحيى بن الحارث التيمي، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا "، فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحًا! فقال: وأنَّى له التوبة! (60)

10190- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا همام، عن يحيى، عن رجل، عن سالم قال: كنت جالسًا مع ابن عباس، فسأله رجل فقال: أرأيت رجلا قتل مؤمنًا متعمدًا، أين منـزله؟ قال: " جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا ". قال: أفرأيت إن هو تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال: وأنَّى له الهدى، ثكلته أمه؟ والذي نفسي بيده لسمعته يقول= يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم= يجيء يوم القيامة مُعَلِّقًا رأسه بإحدى يديه، إما بيمينه أو بشماله، آخذًا صاحبه بيده الأخرى، تشخَبُ أوداجه حِيَال عرش الرحمن، يقول: يا رب، سلْ عبدك هذا عَلام قتلني؟ فما جاء نبيّ بعد نبيِّكم، ولا نـزل كتابٌ بعد كتابكم. (61)

10191- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا قبيصة قال، حدثنا عمار بن رُزيق، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس: بنحوه= إلا أنه قال في حديثه: فوالله لقد أنـزلت على نبيكم، ثم ما نسخها شيء، ولقد سمعته يقول: ويل لقاتل المؤمن، يجيء يوم القيامة آخذًا رأسه بيده= ثم ذكر الحديث نحوه. (62)

10192- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قال لي عبد الرحمن بن أبزى: سئل ابن عباس عن قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم "، فقال: لم ينسخها شيء. وقال في هذه الآية: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [سورة الفرقان: 68]. قال: نـزلت في أهل الشرك.

10193- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين، فذكر نحوه. (63)

10194- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور قال، حدثني سعيد بن جبير= أو: حُدّثت عن سعيد بن جبير: أن عبد الرحمن بن أبزى أمَره أن يسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين التي في" النساء ": &; 9-66 &; " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم " إلى آخر الآية= والتي في" الفرقان ": وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا إلى وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ، قال ابن عباس: إذا دخل الرجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره، ثم قتل مؤمنًا متعمدًا، فلا توبة له. وأما التي في" الفرقان "، فإنها لما أنـزلت قال المشركون من أهل مكة: فقد عدَلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله بغير الحق، وأتينا الفواحش، فما ينفعنا الإسلام! قال فنـزلت: إِلا مَنْ تَابَ الآية (64)

10195- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم "، قال: ما نسخها شيء.

10196- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: هي من آخر ما نـزلت، ما نسخها شيء.

10197- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت إلى ابن عباس فسألته فقال: لقد نـزلت في آخر ما أنـزل من القرآن، وما نسخها شيء. (65)

10198- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال: حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو إياس معاوية بن قرّة قال، أخبرني شهر بن حوشب قال، سمعت ابن عباس يقول: نـزلت هذه الآية: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم " بعد قوله: إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ، بسنةٍ.

10199- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا سلم بن قتيبة قال، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن ابن عباس قال: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم " ، قال: نـزلت بعد إِلا مَنْ تَابَ ، بسنة.

10200- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو إياس قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول في قاتل المؤمن: نـزلت بعد ذلك بسنة. فقلت لأبي إياس: من أخبرك؟ فقال: شهر بن حَوْشب.

10201- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد، عن ابن عباس في قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا "، قال: ليس لقاتل توبة، إلا أن يستغفر الله.

10202- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا " الآية، قال عطية: وسئل عنها ابن عباس، فزعم أنها نـزلت بعد الآية التي في" سورة الفرقان " بثمان سنين، وهو قوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إلى قوله: غَفُورًا رَحِيمًا .

10203- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن مطرف عن أبي السفر، عن ناجية، عن ابن عباس قال: هما المبهمتان: الشرك والقتل. (66)

10204- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، لأن الله سبحانه يقول: " فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابًا عظيمًا ".

10205- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن بعض أشياخه الكوفيين، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود في قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم "، قال: إنها لمحكمة، وما تزداد إلا شدة.

10206- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثني هياج بن بسطام، عن محمد بن عمرو، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت قال: نـزلت " سورة النساء " بعد " سورة الفرقان " بستة أشهر. (67)

10207- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، حدثني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: يأتي المقتول يوم القيامة آخذًا رأسه بيمينه وأوداجه تشخَب دمًا، يقول: يا ربِّ، دمي عند فلان! فيؤخذان فيسندان إلى العرش، فما أدري ما يقضى بينهما. ثم نـزع بهذه الآية: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها " الآية ، قال ابن عباس: والذي نفسي بيده، ما نسخها الله جل وعز منذ أنـزلها على نبيَّكم عليه السلام. (68)

10208- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، &; 9-69 &; عن أبي الزناد قال: سمعت رجلا يحدّث خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت قال، سمعت أباك يقول: نـزلت الشديدةُ بعد الهيِّنة بستة أشهر، قوله: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا "، إلى آخر الآية، بعد قوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إلى آخر الآية، [سورة الفرقان، 68].

10209- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزناد قال: سمعت رجلا يحدّث خارجة بن زيد قال: سمعت أباك في هذا المكان بمنَى يقول: نـزلت الشديدة بعد الهينة= قال: أراه: بستة أشهر، يعني: " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا " بعد: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [سورة النساء: 48 ، 116].

10210- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم قال: ما نسخها شيء منذ نـزلت، وليس له توبة.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، (69) قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا، فجزاؤه إن جزاه جهنم خالدًا فيها، ولكنه يعفو ويتفضَّل على أهل الإيمان به وبرسوله، (70) فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنه عز ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار، وإما أن يدخله إيّاها ثم يخرجه منها بفضل رحمته، لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [سورة الزمر: 53].

* * *

فإن ظن ظان أن القاتل إن وجب أن يكون داخلا في هذه الآية، فقد يجب أن يكون المشرك داخلا فيه، لأن الشرك من الذنوب، فإن الله عز ذكرُه قد أخبر &; 9-70 &; أنه غير غافرٍ الشركَ لأحدٍ بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [سورة النساء: 48 ، 116]، والقتل دون الشرك. (71)

---------------

الهوامش :

(44) انظر تفسير"الجزاء" فيما سلف 2: 27 ، 28 ، 314 / 6: 576.

(45) انظر تفسير"الخلود" فيما سلف 6: 577 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(46) انظر تفسير"غضب الله" فيما سلف 1: 188 ، 189 / 2 : 138 ، 347 / 7 : 116.

(47) انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف 2: 328 ، 329 / 3 : 254 ، 261 / 6: 577 / 8 : 439 ، 471.

(48) "بضع اللحم يبضعه": قطعه.

(49) سقط من الترقيم رقم: 10177.

(50) في المطبوعة: "قود يديه" ، وأثبت ما في المخطوطة. وقوله: "قود يده" ، أي قود بما جنت يده.

(51) في المطبوعة والمخطوطة: "إذا كان الذي ضرب الأغلب" ، والسياق يقتضي إثبات"به" حيث أثبتها.

(52) الأثر: 10180 -"حبان بن أبي جبلة القرشي ، مولاهم ، المصري. روى عن عمرو بن العاص ، والعبادلة إلا ابن الزبير ، مضت ترجمته برقم: 2195.

أما "عبد الرحمن بن يحيى" ، فلم أعرف من هو ، وأخشى أن يكون"صوابه" عبد الرحمن بن أنعم ، وهو: "عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بن ذري بن يحمد الإفريقي" ، وسلفت ترجمته برقم 2195 ، وروايته أيضًا عن"حبان بن أبي جبلة".

(53) الحديث: 10182 - سفيان: هو الثوري.

جابر: هو ابن يزيد الجعفي. وهو ضعيف جدًا ، رمي بالكذب ، كما بينا في: 2340. أبو عازب: رجل كوفي غير معروف. قيل: اسمه"مسلم بن عمرو" ، وقيل: "مسلم بن أراك". لم يرو عنه غير جابر الجعفي -هذا- و"الحارث بن زياد".

و"الحارث بن زياد" -هذا-: لا يعرف أحدًا ، فإنه هو مجهول. ترجمه ابن أبي حاتم 1 / 2 / 75. وروى عن أبيه أنه قال: "هو مجهول". ولم يترجم له البخاري.

وأما أبو عازب: فقد ترجم له البخاري في الكبير 4 / 1 / 268 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 190 - كلاهما في اسم"مسلم بن عمرو".

وهو -على الرغم من هذا- لا يزال مجهولا ، إذ لم يرو عنه ثقة معروف.

والحديث رواه أحمد في المسند 4 : 272 (حلبي) ، عن وكيع ، بهذا الإسناد. ولكن بلفظ"لكل شيء خطأ" بزيادة اللام في"كل".

ثم رواه 4: 275 (حلبي) ، عن أحمد بن عبد الملك ، عن زهير ، عن جابر -وهو الجعفي- به ، بلفظ"كل شيء خطأ إلا السيف ، وفي كل خطأ أرش".

ورواه البيهقي في السنن الكبرى 8 : 42 ، بثلاثة أسانيد ، من طريق جابر الجعفي ثم رواه بإسناد آخر ، من طريق قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن إبراهيم بن بنت النعمان بن بشير ، عن النعمان. ثم قال: "مدار هذا الحديث على جابر الجعفي ، وقيس بن الربيع ، ولا يحتج بهما".

وذكره الزيلعي في نصب الراية 4: 333 ، من رواية المسند. وأعله بما قاله صاحب التنقيح: "وعلى كل حال فأبو عازب ليس بمعروف". ثم نقل تعليله عن البيهقي في المعرفة بمثل ما أعله به في السنن الكبرى. ولم يعقب عليهما.

(54) الحديث: 10183 - هذا مختصر من حديث صحيح متفق عليه.

رواه البخاري 12: 174 -175 ، 187-188 ، ومسلم 2: 27 -كلاهما من طريق همام ، عن قتادة ، عن أنس.

ورواه البخاري أيضًا 12: 176 ، 180 ، ومسلم 2: 26-27 ، من أوجه أخر عن أنس.

وذكره المجد بن تيمية في المنتقى: 3915 ، وقال: "رواه الجماعة" - يعني الإمام أحمد وأصحاب الكتب الستة.

="الأوضاح" جمع وضح (بفتحتين) ، وهو الدرهم الصحيح. ثم اتخذ حلي من الدراهم الصحاح من الفضة ، فقيل لها"أوضاح".

(55) قوله: "ما كان المضروب به من شيء" يعني: أي شيء كان المضروب به.

(56) "مقيس الفهري" ، والأشهر"السهمي" ، وهو واحد ، لأنه من بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.

(57) "الأيد" على وزن"سيد" الشديد القوي ، من"الأيد" (بفتح فسكون) وهو القوة.

(58) سيرة ابن هشام 3: 305 ، 306 ، تاريخ الطبري 3: 66 ، معجم البلدان (فارع) ، وهو آخر أبيات أربعة هي:

شَـفَى النَّفْسَ أَنْ قَـدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا

تُضَــرِّجُ ثَوْبَيْــهِ دِمَـاءُ الأَخَـادِعِ

وَكَـانَتْ هُمُـومُ النَّفْسِ مِـنْ قَبْـلِ قَتْلِهِ

تُلِـمُّ فَتَحْــمِينِي وِطَـاءَ الْمَضَـاجِعِ

حَـلَلْتُ بِـهِ وِتـرِي، وَأَدْرَكْـتُ ثُؤْرَتِي

وَكُــنْتُ إِلَـى الأَوْثَـانِ أَوَّلَ راجِـعِ

ثَــأَرْتُ بِــهِ فِهْــرًا.............

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكان في المخطوطة والمطبوعة: "قتلت به فهرًا" ، وليس صوابًا ، إنما قتل قاتل أخيه هشام بن صبابة ، قالوا: اسمه"أوس" ، لا"فهر". أما "فهر" في قوله: "ثأرت به فهرًا" فإنه يعني أبناء فهر ، وهم رهطه ، أدرك ثأرهم بقتله الأنصاري. وفي مطبوعة تاريخ الطبري"قهرًا" بالقاف ، والصواب بالفاء. و"فارع" أطم بالمدينة لبني النجار ، كان لحسان بن ثابت رحمه الله ، ذكره في شعره.

(59) الأثر: 10188 -"يحيى الجابر" هو"يحيى بن المجبر" ، وهو: يحيى بن عبد الله بن الحارث المجبر التيمي وثقه أخي السيد أحمد في المسند.

ورواه أحمد في المسند رقم: 2142 بطوله ، وهو حديث صحيح ، من طريق محمد بن جعفر عن شعبة ، عن يحيى بن المجبر التيمي. ثم رواه برقم: 2683 ، ورواه مختصرًا برقم: 1941 ، 3445 وانظر ابن كثير 2: 537-539.

وقوله: "تشخب أوداجه دما" ، أي تسيل دمًا له صوت في خروجه ، و"الشخب" ، ما يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة وعصرة لضرع الشاة ، ويكون لمخرجه صوت عند الحلب. و"الأوداج" جمع"ودج" (بفتحتين) ، وهي العروق التي تكتنف الحلقوم ، وما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح.

وقوله: "في قبل عرش الرحمن" ، "قبل" (بضم فسكون) ، أو (بفتحتين) أو (بضمتين) كل ذلك جائز ، وهو الوجه ، أو ما يستقبلك من شيء ، ويعني به ما بين يدي العرش حيث يستقبله الناظر.

(60) الأثر: 10189 -"أبو خالد" الأحمر ، هو سليمان بن حيان الأزدي ، مضى برقم: 3956 ، ورواية سفيان بن وكيع عنه برقم: 2472.

و"عمرو بن قيس الملائي" ، مضى مرارًا ، وانظر رقم: 3956.

و"يحيى بن الحارث التيمي" هو"يحيى الجابر" ، و"يحيى بن عبد الله بن الحارث" نسب إلى جده ، ومضى في الأثر السالف.

وهذا الأثر مختصر الذي قبله.

(61) الأثر: 10190 -"موسى بن داود الضبي الطرسوسي" ، من شيوخ أحمد وعلي بن المديني. ثقة صاحب حديث ، ولي قضاء طرسوس إلى أن مات بها.

و"همام" هو ابن يحيى بن دينار الأزدي ، روى عن عطاء وقتادة وابن سيرين. روى عن الثوري ، وهو من أقرانه. ثقة.

وهذا الأثر طريق آخر للأثر السالف بمعناه ، وجعل بين يحيى الجابر ، وسالم بن أبي الجعد"رجلا" ، ويحيى قد سمع سالمًا ، فلا يضر أن يكون سمعه أيضًا من رجل عن سالم.

(62) الأثر: 10191 -"عمار بن رزيق الضبي" ، أبو الأحوص. روى عن أبي إسحاق السبيعي والأعمش وعطاء بن السائب ، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة: "عمان بن زريق" بالنون في"عمار" وبتقديم الزاي على الراء ، وهو خطأ.

(63) الأثر: 10192 ، 10193 - رواه مسلم (18 : 158) والبخاري (فتح 8 : 380) من طريق محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، كالإسناد الثاني.

(64) الأثر: 10194 - رواه البخاري (فتح 8: 379) ومسلم (18 : 159). رواه البخاري من طريق سعد بن حفص ، عن شيبان ، عن منصور. ورواه مسلم من طريق هارون بن عبد الله ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم الليثي ، عن أبي معاوية شيبان.

وأسقطت المخطوطة: "وأتينا الفواحش". وليس فيها كلمة"الآية" في آخر الأثر.

(65) الآثار 10195 - 10197 - هذه الآثار ، رواها البخاري في صحيحه (فتح 8 / 379) ومسلم (18 : 158). وقد استقصى الحافظ ابن حجر الكلام فيها في الفتح. وكان في المطبوعة: "لقد نزلت في آخر ما نزل" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(66) يعني بقوله: "المبهمتان" ، يعني: الآيتان اللتان لا مخرج منهما ، كأنها باب مبهم مصمت ، أي: مستغلق لا يفتح ، ولا مأتى له. وذلك أن الشرك والقتل ، جزاؤه التخليد في نار جهنم ، أعاذنا الله منها. ومثله في الحديث: "أربع مبهمات: النذر والنكاح والطلاق والعتاق" ، وفسرته رواية أخرى: "أربع مقفلات" ، أي: لا مخرج منها ، كأنها أبواب مبهمة عليها أقفال. وقد مضى تفسير"المبهم" فيما سلف 8: 143 ، تعليق: 2 ، بغير هذا المعنى ، فانظره.

(67) الأثر: 10206 -"هياج بن بسطام الهروي" ، مضت ترجمته برقم: 9603.

(68) الأثر: 10207 -"ابن البرقي" ، هو"أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي" سلف برقم : 22 وكان في المطبوعة"ابن الرقي" وهو خطأ.

و"ابن أبي مريم" ، هو"سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم الجمحي" ، مضى برقم: 22 ، وغيره من المواضع.

وهذا الأثر ساقط من المخطوطة.

(69) في المطبوعة: "وأولى القول في ذلك" ، والصواب من المخطوطة.

(70) في المطبوعة: "يعفو أو يتفضل" ، والصواب من المخطوطة.

(71) في المخطوطة: "ولا نقبل دون الشرك" ، وهو خطأ محض ، والصواب ما في المطبوعة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا﴾ فيه تغليظ قتل المؤمن، وتعظيم شأنه.
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا﴾ تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب ﷲ.
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا﴾ قال ابن العربي: «ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي؟! فكيف بالمسلم؟! فكيف بالتقي الصالح؟!»
عمل
[93] إياك أن تلقى الله وفي عنقك دم أحد ولو اجتهدت في أمره، فأول ما يختصم به بين العباد عند الله الدماء؛ ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾.
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ﴾ إذا قتل المؤمن (فليغضب) أخوه المؤمن تبعًا (لغضب الله).
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... وَغَضِبَ ... وَلَعَنَهُ﴾ الغضب واللعنة (مغضوب عليه في السماء) و(منزوع البركة في الأرض)، فلا السماء تحييه ولا الأرض تحميه.
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... وَغَضِبَ ... وَلَعَنَهُ﴾ هذا لمؤمن واحد مقتول! فكيف بأمة?
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... وَلَعَنَهُ﴾ تبقى (البركة) في المؤمن ما لم (يقتل) متعمدًا، فإن قتل حلت عليه (اللعنة).
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾ هؤلاء القتلة لا أرض تحميهم ولا سماء تحييهم!
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ عذابه عظيمًا حتى يكون (ألم المقتول) هينًا مقارنة (بألم القاتل) والله عادل.
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ من العذاب (فشل مراده) و(زيادة صبر المؤمنين) و(بوار تخطيطه).
وقفة
[93] ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ قال النبي: «لو أنَّ أَهلَ السَّماءِ وأَهلَ الأرضِ اشترَكوا في دمِ مؤمنٍ؛ لأَكبَّهمُ اللَّهُ في النَّارِ» [الترمذي ١٣٩٨، وصححه الألباني]، وقَالَ: «لَزَوالُ الدُّنيا أهْوَنُ على اللَّهِ مِن قتلِ رجلٍ مسلمٍ» [الترمذي ١٣٩٥، وصححه الألباني]؛ فدم المسلم غال عند الله.
وقفة
[93] انظر عظيم جرم القاتل لأخيه المؤمن، وكيف توعده الله تعالى بالعذاب العظيم، فكيف يتساهل البعض في الدماء؟! ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.
عمل
[93] عدد العقوبات المترتبة على قتل المؤمن، ثم انشرها في رسالة أو مقالة محذرًا منها ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.
وقفة
[93] ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ من عقيدة أهل السنة والجماعة أن المؤمن القاتل لا يُخلد أبدًا في النار، وإنما يُعذب فيها مدة طويلة ثم يخرج منها برحمة الله تعالى.
وقفة
[93] ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ جزاء مروع: نار وغضب ولعنة وعذاب عظيم.
تفاعل
[93] ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[93] ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ قتل نفس معصومة في شهر حرام تجتمع فيها ثلاث ظلمات موبقة، هي: ظلمة قتل المعصوم، وظلمة قتله مظلومًا، وظلمة انتهاك حرمة الشهر، ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ [النور: 40].
وقفة
[93] ﴿وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ عذابه عظیم حتی یکون (ألم المقتول) أهون ما يكون إذا قورن (بألم القاتل).

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يقتل: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه السكون والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. متعمدا: حال من ضمير «يَقْتُلْ» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. جزاؤه: مبتدأ مرفوع بالضمة والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. جهنم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم تنون لأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث والجملة الاسمية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ خالِداً فِيها:
  • حال منصوب بالفتحة فيها: جار ومجرور متعلق بخالدا.
  • ﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ:
  • الواو: عاطفة والمعنى: فقد غضب .. غضب: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة عليه جار ومجرور متعلق بغضب.
  • ﴿ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «غَضِبَ اللَّهُ» وفاعل الفعلين ضمير مستتر فيهما جوازا تقديره هو. والهاء في «لَعَنَهُ» ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. له: جار ومجرور متعلق بأعدّ.
  • ﴿ عَذاباً عَظِيماً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة عظيما: صفة- نعت- «لعذابا» منصوبة مثله. '

المتشابهات :

النساء: 93﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا و غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
المائدة: 60﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّـهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّـهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [93] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ اللهُ عز وجل حُكْمَ القتل الخطأ؛ ذَكَرَ بعده بيانَ حُكْم القتل العَمْد، قال تعالى:
﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [94] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ..

التفسير :

[94] يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا خرجتم في الأرض مجاهدين في سبيل الله فكونوا على بينة مما تأتون وتتركون، ولا تنفوا الإيمان عمن بدا منه شيء من علامات الإسلام ولم يقاتلكم؛ لاحتمال أن يكون مؤمناً يخفي إيمانه، طالبين بذلك متاع الحياة ال

يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا خرجوا جهادًا في سبيله وابتغاء مرضاته أن يتبينوا ويتثبتوا في جميع أمورهم المشتبهة. فإن الأمور قسمان:واضحة وغير واضحة. فالواضحة البيِّنة لا تحتاج إلى تثبت وتبين، لأن ذلك تحصيل حاصل. وأما الأمور المشكلة غير الواضحة فإن الإنسان يحتاج إلى التثبت فيها والتبين، ليعرف هل يقدم عليها أم لا؟ فإن التثبت في هذه الأمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف لشرور عظيمة، ما به يعرف دين العبد وعقله ورزانته، بخلاف المستعجل للأمور في بدايتها قبل أن يتبين له حكمها، فإن ذلك يؤدي إلى ما لا ينبغي، كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في الآية لمـَّا لم يتثبتوا وقتلوا من سلم عليهم، وكان معه غنيمة له أو مال غيره، ظنًّا أنه يستكفي بذلك قتلَهم، وكان هذا خطأ في نفس الأمر، فلهذا عاتبهم بقوله:{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} أي:فلا يحملنكم العرض الفاني القليل على ارتكاب ما لا ينبغي فيفوتكم ما عند الله من الثواب الجزيل الباقي، فما عند الله خير وأبقى. وفي هذا إشارة إلى أن العبد ينبغي له إذا رأى دواعي نفسه مائلة إلى حالة له فيها هوى وهي مضرة له، أن يُذَكِّرها ما أعد الله لمن نهى نفسه عن هواها، وقدَّم مرضاة الله على رضا نفسه، فإن في ذلك ترغيبًا للنفس في امتثال أمر الله، وإن شق ذلك عليها. ثم قال تعالى مذكرًا لهم بحالهم الأولى، قبل هدايتهم إلى الإسلام:{ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي:فكما هداكم بعد ضلالكم فكذلك يهدي غيركم، وكما أن الهداية حصلت لكم شيئًا فشيئًا، فكذلك غيركم. فنظر الكامل لحاله الأولى الناقصة، ومعاملته لمن كان على مثلها بمقتضى ما يعرف من حاله الأولى، ودعاؤه له بالحكمة والموعظة الحسنة - من أكبر الأسباب لنفعه وانتفاعه، ولهذا أعاد الأمر بالتبين فقال:{ فَتَبَيَّنُوا} فإذا كان من خرج للجهاد في سبيل الله، ومجاهدة أعداء الله، وقد استعد بأنواع الاستعداد للإيقاع بهم، مأمورًا بالتبين لمن ألقى إليه السلام، وكانت القرينة قوية في أنه إنما سلم تعوذا من القتل وخوفا على نفسه - فإن ذلك يدل على الأمر بالتبين والتثبت في كل الأحوال التي يقع فيها نوع اشتباه، فيتثبت فيها العبد، حتى يتضح له الأمر ويتبين الرشد والصواب.{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} فيجازي كُلًّا ما عمله ونواه، بحسب ما علمه من أحوال عباده ونياتهم.

روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات متعددة إلا أنها متقاربة في المعنى.

وقد حكى معظمها الإمام القرطبي فقال ما ملخصه:

هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين مروا في سفرهم برجل معه جمل وغنيمة يبيعها فسلم على القوم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحمل عليه أحدهم فقتله- ظنا منه أن المقتول نطق بالشهادتين ليأمن القتل- فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم شق عليه ونزلت الآية فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله ورد عليه غنيماته.

وقد قيل: إن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط. وقيل: إن القاتل أسامة بن زيد والمقتول مرداس بن نهيك من بنى مرة من أهل فدك.

وفي سنن ابن ماجة عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا من المسلمين إلى المشركين فقاتلوهم قتالا شديدا فمنح المشركون المسلمين أكتافهم. فحمل رجل من المسلمين على رجل من المشركين بالرمح. فلما غشيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله إنى مسلم. فطعنه فقتله.

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال: «وما الذي صنعت» مرة أو مرتين.

فأخبره بالذي صنع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه» ؟

فقال: «يا رسول الله لو شققت بطنه أكنت أعلم ما في قلبه؟ قال: لا فلا أنت قبلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما في قلبه» ...

ثم قال القرطبي: ولعل هذه الأحوال جرت في زمان متقارب فنزلت الآية في الجميع .

والضرب في الأرض: السير فيها. تقول العرب: ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره. وكأن السير في الأرض سمى بذلك لأنه يضرب الأرض برجليه في سيره. والمراد بالضرب في الأرض هنا: السفر والسير فيها من أجل الجهاد في سبيل الله.

وقوله فَتَبَيَّنُوا معناه: فتثبتوا وتأكدوا وتأملوا فيما تأتون وتذرون. وقرأ حمزة «فتثبتوا» .

قال القرطبي: والسلم والسلم والسلام بمعنى واحد. قال البخاري. وقرئ بها كلها.

واختار أبو عبيد «السلام» . وخالفه أهل النظر فقالوا السلم هنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والاستسلام. كما قال- تعالى- فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا وصدقوا بالحق، إذا خرجتم من بيوتكم وسرتم في الأرض من أجل الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته فَتَبَيَّنُوا أى فاطلبوا بيان الأمر في كل ما تأتون وما تذرون، واحذروا أن تضعوا سيوفكم في غير موضعها. فإن الأصل في الدماء الحرمة والصيانة وعدم الاعتداء عليها، وقد حرم الله- تعالى- قتل النفس إلا بالحق.

والتبين والتثبت في القتل واجب حضرا وسفرا. وإنما خص السفر بالذكر لأن الحادثة التي نزلت فيها الآية وقعت في السفر.

وقوله وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً أى: تأكدوا- أيها المؤمنون- وتثبتوا في كل أحكامكم وأفعالكم، ولا تقولوا لمن أظهر الانقياد لدعوتكم ودينكم فنطق بالشهادتين أو حياكم بتحية الإسلام. لا تقولوا له لست مؤمنا حقا وإنما قلت ما قلت بلسانك فقط لتأمن القتل. بل الواجب عليكم أن تقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه فإن علم السرائر والبواطن إنما هو لله- تعالى- وحده.

وجملة لَسْتَ مُؤْمِناً مقول لقوله لا تَقُولُوا: أى لا تنفوا عنه الإيمان وهو يظهره أمامكم وفي هذا من الفقه- كما يقول القرطبي- باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر.

ولقد كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- ينهى عن قتل من أعلن الاستسلام ويحذر من يقتله بأنه سيقتله به، وقد أرسل بذلك إلى قواد جيوشه لأن الذين يقتلون من يطلب الأمان طمعا في ماله لا يكون جهادهم خالصا لله، ولا تكون أعمالهم محل رضا الله- تعالى- ولذا قال- سبحانه-:

تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ. والابتغاء: الطلب الشديد والرغبة الملحة.

وعرض الحياة الدنيا: جميع متاعها وأموالها. وسمى متاع الدنيا عرضا، لأنه مهما كثر فهو زائل غير دائم، وعارض غير باق.

قال الراغب: والعرض- بفتح الراء والعين- مالا يكون له ثبات. ومنه استعار المتكلمون العرض لما لا ثبات له إلا بالجوهر. وقيل: الدنيا عرض حاضر تنبيها على أنه لا ثبات لها ، والمغانم: جمع مغنم ويطلق على ما يؤخذ من مال العدو، من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول.

والمعنى: تثبتوا- أيها المؤمنون- في كل أقوالكم وأعمالكم، ولا تتعجلوا في أحكامكم، ولا تقولوا لمن حياكم بتحية الإسلام أو نطق بالشهادتين لست مؤمنا، وإنما فعلت ذلك تقية ثم تقتلونه. مبتغين من وراء قتله متاع الدنيا الزائل، وعرضها الفاني، إن هذا المسلك يتنافى مع الإيمان الصادق والجهاد الخالص. ومن كان منكم يريد متاع الدنيا فليطلبه من الله وحده- فإن خزائنه لا تنفد، وعطاءه لا يحد- ولا يطلبه عن طريق الاعتداء على من أظهر الإسلام أو التمس منكم الأمان.

وقوله تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من فاعل لا تَقُولُوا لكن لا على أن يكون النهى راجعا للقيد فقط كما في قولك: لا تطلب العلم تبتغى به الجاه والتفاخر، بل على أنه راجع إليهما جميعا. أى: لا تقولوا له ذلك ولا تبتغوا العرض الفاني.

فالمقصود بهذه الجملة الكريمة توبيخهم على حرصهم على متاع الدنيا بطريقة لا تتناسب مع الإيمان الكامل، ومع الهدف الذي خرجوا من أجله: وهو إعلاء كلمة الله تعالى- وضم أكبر عدد من الناس إلى دعوة الحق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ تعليل للنهى عن ابتغاء عرض الحياة الدنيا بهذا الأسلوب فكأنه قال: لا تعودوا إلى ما فعلتموه من قتل من ألقى إليكم السلام طلبا لما له، فإن الله- تعالى- عنده مغانم كثيرة، وفي مقدوره أن يغنيكم من فضله فالجأوا إلى جنابه وحده، وخصوه بالسؤال، وأخلصوا له العمل.

وقوله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا تعليل للنهى عما قالوه وما فعلوه.

أى: أنتم- أيها المؤمنون- كنتم من قبل مثل ذلك الذي ألقى إليكم السلام، فقد كنتم في أول إسلامكم لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم من النطق بالشهادتين وتبادل تحية الإسلام، فمن الله عليكم بأن قبل منكم تلك المرتبة وعصم بها دماءكم وأموالكم ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم.

وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقد قال: قوله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت من دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكانة، ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية، فتجعلوه سبيلا إلى استباحة دمه وماله وقد حرمهما الله .

فاسم الإشارة راجع إلى من في قوله: لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ.

ويجوز أن يكون اسم الإشارة راجعا إلى الحالة التي كانوا عليها في ابتداء إسلامهم. أى كحال هذا الذي يسر إيمانه ويخفيه عن قومه كنتم من قبل.

وقد رجح هذا المعنى ابن جرير فقال ما ملخصه: قوله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أى كذلك كنتم تخفون إيمانكم في وقومكم من المشركين، وأنتم مقيمون بين أظهرهم، كما كان هذا الذي قتلتموه مقيما بين أظهر قومه من المشركين مستخفيا بدينه منهم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أى: فرفع منكم ما كنتم فيه من الخوف من أعدائكم بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتى أمكنكم إظهار ما كنتم تستخفون به من توحيده وعبادته ... .

والذي يبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع لهذين التفسيرين، إلا أن التفسير الأول الذي جرى عليه صاحب الكشاف أشمل وأنسب لسياق الآية لأن المقصد الرئيسى الذي تدعو إليه الآية الكريمة هو نهى المؤمنين عن سوء الظن بمن أظهر الإسلام وعن الاعتداء عليه. وأمرهم بان يعاملوا الناس بظواهرهم أما بواطنهم فأمرها إلى الله وحده.

والفاء في قوله فَتَبَيَّنُوا فصيحة. أى: إذا كان الأمر كذلك فتبينوا نعمة الله عليكم وداوموا على شكرها، وقيسوا أحوال غيركم بما سبق من أحوالكم، واقبلوا ظواهر الناس بدون فحص عن بواطنهم، ولا تصدروا أحكامكم عليهم إلا بعد التثبت والتأكد من صحتها ولا تشهروا سيوفكم في وجوههم إلا بعد التأكد من كفرهم وعدوانهم.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً تذييل قصد به تحذيرهم من مخالفة أمره.

أى: إن الله مطلع على دقيق الأمور وجليلها، خبير بما تسره نفوسكم وما تعلنه، لا يخفى عليه شيء من ظواهركم وبواطنكم، وسيحاسبكم على كل ذلك، وسيجازيكم بما تستحقون من خير أو شر.

هذا وقد أخذ العلماء من هذه الآية أن الكافر إذا نطق بالشهادتين حرم قتله لأنه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من إهدار دمه وماله وأهله.

كما أخذوا منها وجوب التثبت في الأحكام وفي الأقوال. وأخذ الناس بظواهرهم حتى يثبت خلاف ذلك.

قال الفخر الرازي: اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين. وأمر المجاهدين بالتثبت فيه، لئلا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف .

وقال بعض العلماء: وقد دلت الآية على حكمة عظيمة في حفظ الجامعة الدينية، وهي بث الثقة والأمان بين أفراد الأمة وطرح ما من شأنه إدخال الشك لأنه إذا فتح هذا الباب عسر سده، وكما يتهم المتهم غيره فللغير أن يتهم من اتهمه. وبذلك ترتفع الثقة، ويسهل على ضعفاء الإيمان المروق، إذ قد أصبحت التهمة تظل الصادق والمنافق. وانظر معاملة النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين معاملة المسلمين.

على أن هذا الدين سريع السريان في القلوب فيكتفى أهله بدخول الداخلين فيه من غير مناقشة. إذ لا يلبثون أن يألفوه وتخالط بشاشته قلوبهم. فهم يقتحمونه على شك وتردد فيصير إيمانا راسخا. ومما يعين على ذلك ثقة السابقين فيه باللاحقين.

ومن أجل ذلك أعاد الله الأمر فقال فَتَبَيَّنُوا تأكيدا لقوله فَتَبَيَّنُوا المذكور قبله .. .

وبعد أن أمر- سبحانه- المؤمنين بأن يعاملوا الناس على حسب ظواهرهم ونهاهم عند جهادهم عن التعجل في القتل. أتبع ذلك ببيان فضل المجاهدين المخلصين فقال- تعالى-

قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، وحسين بن محمد ، وخلف بن الوليد ، قالوا : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنما له ، فسلم عليهم فقالوا : ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا . فعمدوا إليه فقتلوه ، وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا [ إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ] ) إلى آخرها .

ورواه الترمذي في التفسير ، عن عبد بن حميد ، عن عبد العزيز بن أبي رزمة ، عن إسرائيل ، به . وقال : هذا حديث حسن ، وفي الباب عن أسامة بن زيد . ورواه الحاكم من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، به . ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ورواه ابن جرير من حديث عبيد الله بن موسى وعبد الرحيم بن سليمان ، كلاهما عن إسرائيل ، به وقال في بعض كتبه غير التفسير - وقد رواه من طريق عبد الرحمن فقط - : وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما ، لعلل منها : أنه لا يعرف له مخرج عن سماك إلا من هذا الوجه ، ومنها : أن عكرمة في روايته عندهم نظر ، ومنها : أن الذي أنزلت فيه الآية مختلف فيه ، فقال بعضهم : أنزلت في محلم بن جثامة ، وقال بعضهم : أسامة بن زيد . وقيل غير ذلك .

قلت : وهذا كلام غريب ، وهو مردود من وجوه أحدها : أنه ثابت عن سماك ، حدث به عنه غير واحد من الكبار . الثاني : أن عكرمة محتج به في الصحيح . الثالث : أنه مروي من غير هذا الوجه عن ابن عباس ، كما قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ) قال : قال ابن عباس : كان رجل في غنيمة له ، فلحقه المسلمون ، فقال : السلام عليكم . فقتلوه وأخذوا غنيمته [ فأنزل الله ذلك إلى قوله : ( تبتغون عرض الحياة الدنيا ) تلك الغنيمة . قرأ ابن عباس ( السلام ) وقال سعيد بن منصور : حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال : لحق المسلمون رجلا في غنيمة فقال : السلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غنيمته ] فنزلت : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا )

ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من طريق سفيان بن عيينة ، به

وأما قصة محلم بن جثامة فقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله ابن أبي حدرد ، رضي الله عنه ، قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم ، فخرجت في نفر من المسلمين ، فيهم : أبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي ، على قعود له ، معه متيع ووطب من لبن ، فلما مر بنا سلم علينا ، فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله ، بشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ومتيعه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر ، نزل فينا القرآن : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله [ فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون ] خبيرا . )

تفرد به أحمد

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا جرير ، عن ابن إسحاق ، عن نافع ; أن ابن عمر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا ، فلقيهم عامر بن الأضبط ، فحياهم بتحية الإسلام وكانت بينهم حنة في الجاهلية ، فرماه محلم بسهم فقتله ، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتكلم فيه عيينة والأقرع ، فقال الأقرع : يا رسول الله ، سن اليوم وغير غدا . فقال عيينة : لا والله ، حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي . فجاء محلم في بردين ، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا غفر الله لك " . فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه ، فما مضت له سابعة حتى مات ، ودفنوه ، فلفظته الأرض ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ، فقال : " إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ، ولكن الله أراد أن يعظكم من حرمتكم " ثم طرحوه بين صدفي جبل وألقوا عليه الحجارة ، ونزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) الآية .

وقال البخاري : قال حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد : " إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار ، فأظهر إيمانه فقتلته ، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل " .

هكذا ذكر البخاري هذا الحديث معلقا مختصرا وقد روي مطولا موصولا فقال الحافظ أبو بكر البزار :

حدثنا أحمد بن علي البغدادي ، حدثنا جعفر بن سلمة ، حدثنا أبو بكر بن علي بن مقدم ، حدثنا حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، فيها المقداد بن الأسود ، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا ، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال : أشهد أن لا إله إلا الله . وأهوى إليه المقداد فقتله ، فقال له رجل من أصحابه : أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله ؟ والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم . فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله ، إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله ، فقتله المقداد . فقال : " ادعوا لي المقداد . يا مقداد ، أقتلت رجلا يقول : لا إله إلا الله ، فكيف لك بلا إله إلا الله غدا ؟ " . قال : فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد : " كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار ، فأظهر إيمانه ، فقتلته ، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل " .

وقوله : ( فعند الله مغانم كثيرة ) أي : خير مما رغبتم فيه من عرض الحياة الدنيا الذي حملكم على قتل مثل هذا الذي ألقى إليكم السلام ، وأظهر إليكم الإيمان ، فتغافلتم عنه ، واتهمتموه بالمصانعة والتقية ; لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ، فما عند الله من المغانم الحلال خير لكم من مال هذا .

وقوله : ( كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ) أي : قد كنتم من قبل هذه الحال كهذا الذي يسر إيمانه ويخفيه من قومه ، كما تقدم في الحديث المرفوع آنفا ، وكما قال تعالى : ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض [ تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ] ) الآية [ الأنفال : 26 ] ، وهذا هو مذهب سعيد بن جبير ، كما رواه الثوري ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( كذلك كنتم من قبل ) تخفون إيمانكم في المشركين .

ورواه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( كذلك كنتم من قبل ) تستخفون بإيمانكم ، كما استخفى هذا الراعي بإيمانه .

وهذا اختيار ابن جرير . وقال ابن أبي حاتم : وذكر عن قيس ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير قوله : ( كذلك كنتم من قبل ) [ تورعون عن مثل هذا ، وقال الثوري عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق : ( كذلك كنتم من قبل ) ] لم تكونوا مؤمنين ( فمن الله عليكم [ فتبينوا ) وقال السدي : ( فمن الله عليكم ) ] أي : تاب عليكم ، فحلف أسامة لا يقتل رجلا يقول : " لا إله إلا الله " بعد ذلك الرجل ، وما لقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه .

وقوله : ( فتبينوا ) تأكيد لما تقدم . وقوله : ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) قال سعيد بن جبير : هذا تهديد ووعيد .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " يا أيها الذين آمنوا "، يا أيها الذين صدَّقوا الله وصدَّقوا رسوله فيما جاءهم به من عند ربهم=" إذا ضربتم في سبيل الله "، يقول: إذا سرتم مسيرًا لله في جهاد أعدائكم (72) =" فتبينوا "، يقول: فتأنَّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، (73) ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تتقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقينًا حرْبًا لكم ولله ولرسوله=" ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السَّلاَم "، (74) يقول: ولا تقولوا لمن استسلم لكم فلم يقاتلكم، مظهرًا لكم أنه من أهل ملتكم ودَعوتكم (75) =" لست مؤمنًا "، فتقتلوه ابتغاء=" عرض الحياة الدنيا "، يقول: طلبَ متاعِ الحياة الدنيا، (76) فإن=" عند الله مغانم كثيرة "، من رزقه وفواضل نِعَمه، فهي خير لكم إن أطعتم الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فأثابكم بها على طاعتكم إياه، فالتمسوا ذلك من عنده=" كذلك كنتم من قبل "، يقول، كما كان هذا الذي ألقى إليكم السلم فقلتم له (77) " لست مؤمنًا " فقتلتموه، كذلك كنتم أنتم من قبل، يعني: من قبل إعزاز الله دينه بتُبَّاعه وأنصاره، تستخفُون بدينكم، كما استخفى هذا الذي قتلتموه وأخذتم ماله، بدينه من قومه أن يُظهره لهم، حذرًا على نفسه منهم. وقد قيل إن معنى قوله: " كذلك كنتم من قبل " كنتم كفارًا مثلهم=" فمنَّ الله عليكم "، يقول: فتفضل الله عليكم بإعزاز دينه بأنصاره وكثرة تُبَّاعه. وقد قيل، فمنَّ الله عليكم بالتوبة من قتلكم هذا الذي قتلتموه وأخذتم ماله بعد ما ألقى إليكم السلم (78) =" فتبينوا "، يقول: فلا تعجلوا بقتل من أردتم قتلَه ممن التبس عليكم أمرُ إسلامه، فلعلَّ الله أن يكون قد مَنَّ عليه من الإسلام بمثل الذي منَّ به عليكم، وهداه لمثل الذي هداكم له من الإيمان. (79) =" إن الله كان بما تعملون خبيرًا "، يقول: إن الله كان بقتلكم من تقتلون، وكَفِّكم عمن تكفُّون عن قتله من أعداء الله وأعدائكم، وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم=" خبيرًا "، يعني: ذا خبرة وعلم به، (80) يحفظه عليكم وعليهم، حتى يجازى جميعكم به يوم القيامة جزاءه، المحسن بإحسانه، والمسيءَ بإساءته. (81)

* * *

وذكر أن هذه الآية نـزلت في سبب قتيل قتلته سريّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قال: " إنيّ مسلم " = أو بعد ما شهد شهادة الحق= أو بعد ما سلَّم عليهم= لغنيمة كانت معه، أو غير ذلك من ملكه، فأخذوه منه.

ذكر الرواية والآثار في ذلك: (82)

10211- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال (83) بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلِّم بن جثَّامة مَبْعثًا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم حِنَةٌ في الجاهلية، (84) فرماه محلم بسهم، فقتله. فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: يا رسول الله، سُنَّ اليوم وغيِّر غدًا! (85) فقال عيينة: لا والله، حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي (86) فجاء محلِّم في بُرْدين، (87) فجلس بين يديْ رسول الله ليستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا غفر الله لك! فقام وهو يتلقى دموعه ببُرْديه، فما مضت به سابعة حتى مات، ودفنوه فلفظته الأرض. فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم &; 9-73 &; فذكروا ذلك له، فقال: إن الأرض تقبل من هو شرٌّ من صاحبكم! ولكن الله جل وعز أراد أن يَعِظكم. ثم طرحوه بين صَدفَيْ جبل، (88) وألقوا عليه من الحجارة، ونـزلت: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا "، الآية (89)

10212- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد ابن عبد الله بن قسيط، (90) عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضَمٍ، (91) فخرجت في نَفَرٍ من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن رِبْعيّ، ومحلِّم بن جَثَّامة بن قيس الليثي. فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضَم، مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قَعود له، معه مُتَيِّعٌ له، ووَطْبٌ من لبن. (92) فلما مر بنا سلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلِّم بن جثَّامة الليثي لشيء كان بينه وبينه فقتله، وأخذ بعيره ومتَيِّعَه. فلما قدِمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، (93) نـزل فينا القرآن: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضَرِبتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لستَ مؤمنًا "، الآية (94)

10213- حدثني هارون بن إدريس الأصم قال، حدثنا المحاربي عبد الرحمن &; 9-75 &; بن محمد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه بنحوه. (95)

10214- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لحق ناسٌ من المسلمين رجلا في غُنَيْمة له، فقال: السلام عليكم! فقتلوه وأخذوا تلك الغُنَيْمة، فنـزلت هذه الآية: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا "، تلك الغُنَيْمة. (96)

10215- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس بنحوه.

10216- حدثني سعيد بن الربيع قال، حدثنا سفيان، عن عمرو،عن عطاء، عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلا ثم ذكر مثله. (97)

10217- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مرّ رجل من بني سُلَيم على نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو في غنم له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلّم عليكم إلا ليتعوذَ منكم! فَعَمَدوا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا " إلى آخر الآية .

10218- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. (98)

10219- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الرجل يتكلم بالإسلام، ويؤمن بالله والرسول، ويكون في قومه، فإذا جاءت سريَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم أخبر بها حيّه= يعني قومه= ففرّوا، وأقام الرجل لا يخافُ المؤمنين من أجل أنه على دينهم، حتى يلقاهم فيلقي إليهم السلام، فيقولُ المؤمنون: " لست مؤمنًا "، وقد ألقى السلام فيقتلونه، فقال الله تبارك وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا "، إلى " تبتغون عرض الحياة الدنيا "، يعني: تقتلونه إرادةَ أن يحلَّ لكم ماله الذي وجدتم معه -وذلك عرضُ الحياة الدنيا- فإن عندي مغانم كثيرة، فالتمسوا من فضل الله. وهو رجل اسمه " مِرْداس "، جَلا قومه هاربين من خيلٍ بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليها رجل من بني لَيْث اسمه " قُليب "، (99) ولم يجلُ معهم، (100) وإذْ لقيهم مرداس فسلم عليهم قتلوه، (101) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بديته، ورد إليهم ماله، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.

10220- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا "، الآية، قال: وهذا الحديث في شأن مرداس، رجل من غطفان، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا عليهم غالب اللَّيثي إلى أهل فَدَك، وبه ناس من غطفان، وكان مرداس منهم، ففرّ أصحابه، فقال مرداس: " إني مؤمن وإنيّ غيرُ مُتّبعكم " ، فصبَّحته الخيلُ غُدْوة، (102) فلما لقوه سلم عليهم مرداس، فرماه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه، (103) وأخذوا ما كان معه من متاع، فأنـزل الله جل وعز في شأنه: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا "، لأن تحية المسلمين السلام، بها يتعارفون، وبها يُحَيِّي بعضهم بعضًا. (104)

10221- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا "، (105) بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها أسامة بن زيد إلى بني ضَمْرة، فلقوا رجلا منهم يدعى مِرداس بن نهيك، معه غُنَيْمة له وجمل أحمر. فلما رآهم أوى إلى كهف جبل، واتّبعه أسامة. فلما بلغ مرداسٌ الكهفَ، وضع فيه غنمه، ثم أقبل إليهم فقال: " السلام عليكم، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ". فشدّ عليه أسامة فقتله، من أجل جمله وغُنَيْمته. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة أحبَّ أن يُثْنَى عليه خيرٌ، ويسأل عنه أصحابَه. فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدِّثون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: يا رسول الله، لو رأيت أسامة ولقيه رجل، فقال الرجل: " لا إله إلا الله، محمد رسول الله "، فشد عليه فقتله! وهو معرض عنهم. فلما أكثروا عليه، رفع رأسه إلى أسامة فقال: كيفَ أنت ولا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذًا، تعوَّذ بها!. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلا شققت عن قلبه فنظرت إليه؟ قال: يا رسول الله، إنما قلبه بَضْعة من جسده! (106) فأنـزل الله عز وجل خبر هذا، وأخبره إنما قتله من أجل جمله وغنمه، فذلك حين يقول: " تبتغون عرض الحياة الدنيا "، فلما بلغ: " فمنَّ الله عليكم "، يقول: فتاب الله عليكم، فحلف أسامةُ أن لا يقاتل رجلا يقول: " لا إله إلا الله "، بعد ذلك الرجل، وما لقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.

10222- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا "، قال: بلغني أن رجلا من المسلمين أغار على رجل من المشركين فَحَمَل عليه، فقال له المشرك: " إنّي مسلم، أشهد أن لا إله إلا الله "، فقتله المسلم بعد أن قالها. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للذي قتله: أقتلته، وقد قال لا إله إلا الله؟ فقال، وهو يعتذر: يا نبي الله، إنما قالها متعوذًا، وليس كذلك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهلا شققت عن قلبه؟ ثم ماتَ قاتلُ الرجل فقُبر، فلفظته الأرض. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يقبروه، ثم لفظته الأرض، حتى فُعل به ذلك ثلاث مرات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأرض أبتْ أن تقبَله، فألقوه في غارٍ من الغيران= قال معمر: وقال بعضهم: إن الأرض تَقْبَل من هو شرٌّ منه، ولكن الله جعله لكم عِبْرَة.

10223- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق: أن قومًا من المسلمين لقوا رجلا من المشركين في غُنَيْمة له، فقال: " السلام عليكم، إنِّي مؤمن "، فظنوا أنه يتعوّذ بذلك، فقتلوه وأخذوا غُنَيْمته. قال: فأنـزل الله جل وعز: " ولا تقولوا لمن &; 9-80 &; ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا "، تلك الغُنَيْمة=" كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ".

10224- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير قوله: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا "، قال: خرج المقداد بن الأسود في سريّة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فمُّروا برجل في غُنَيْمة له، فقال: " إنّي مسلم "، فقتله المقداد. (107) فلما قدموا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنـزلت هذه الآية: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا "، قال: الغنيمة. (108)

10225- حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: نـزل ذلك في رجل قتله أبو الدرداء=

= فذكر من قصة أبي الدرداء، نحو القصة التي ذكرت عن أسامة بن زيد، وقد ذكرت في تأويل قوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً ، (109) ثم قال في الخبر:

= ونـزل الفرقان: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً ، فقرأ حتى بلغ: " لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا "، غنمه التي كانت، عرض الحياة الدنيا =" فعند الله مغانم كثيرة "، خير من تلك الغنم، إلى قوله: " إن الله كان بما تعملون خبيرًا ".

10226- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا "، قال: راعي غنم، لقيه نفر من المؤمنين فقتلوه، (110) وأخذوا ما معه، ولم يقبلوا منه: " السلام عليكم، فإني مؤمن ".

10227- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا "، قال: حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن شهد أن لا إله إلا الله: " لست مؤمنًا "، كما حرم عليهم الميْتَة، فهو آمن على ماله ودمه، لا تردّوا عليه قوله.

* * *

قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: " فَتَبَيَّنُوا ".

فقرأ ذلك عامة قرأة المكيين والمدنيين وبعضُ الكوفيين والبصريين: ( فَتَبَيَّنُوا ) بالياء والنون، من " التبين " بمعنى، التأني والنظر والكشف عنه حتى يتَّضح. (111)

وقرأ ذلك عُظْم قرأة الكوفيين: ( فَتَثَبَّتُوا )، بمعنى التثبُّت، الذي هو خلاف العَجَلة.

قال أبو جعفر: والقولُ عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة المسلمين بمعنى واحد، وإن اختلفت بهما الألفاظ. لأن " المتثبت " متبيّن، و " المتبيِّن " متثبِّت، فبأي القراءتين قرأ القارئ، فمصيبٌ صوابَ القراءة في ذلك.

واختلفت القرأة في قراءة قوله: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ". (112)

فقرأ ذلك عامة قرأة المكيين والمدنيين والكوفيين: ( السَّلَمَ ) بغير ألف، بمعنى الاستسلام.

* * *

وقرأ بعض الكوفيين والبصريين: ( السَّلامَ ) بألف، بمعنى التحية.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: ( لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ) ، بمعنى: من استسلم لكم، مذعنًا لله بالتوحيد، مقرًّا لكم بملَّتكم.

وإنما اخترنا ذلك، لاختلاف الرواية في ذلك: فمن راوٍ رَوى أنه استسلم بأن شهد شهادة الحق وقال: " إنّي مسلم " = ومن راوٍ رَوى أنه قال: " السلام عليكم "، فحياهم تحية الإسلام= ومن راوٍ رَوى أنه كان مسلمًا بإسلامٍ قد تقدم منه قبل قتلهم إياه= وكل هذه المعاني يجمعه " السَّلَم "، لأن المسلم مستسلم، والمحيي بتحية الإسلام مستسلم، والمتشهد شهادة الحق مستسلم لأهل الإسلام، فمعنى " السَّلم " جامع جميع المعاني التي رُويت في أمر المقتول الذي نـزلت في شأنه هذه الآية وليس ذلك في" السلام "، (113) لأن " السلام " لا وجه له في هذا الموضع إلا التحية. فلذلك وصفنا " السلم "، بالصواب.

* * *

قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " كذلك كنتم من قبل ".

فقال بعضهم: معناه: كما كان هذا الذي قتلتموه بعد ما ألقى إليكم السَّلَم، مستخفيًا في قومه بدينه خوفًا على نفسه منهم، كنتم أنتم مستخفين بأديانكم من قومكم حذرًا على أنفسكم منهم، فمنَّ الله عليكم.

*ذكر من قال ذلك:

10228- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن &; 9-83 &; جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن سعيد بن جبير في قوله: " كذلك كنتم من قبل "، تستخفون بإيمانكم، (114) كما استخفى هذا الراعي بإيمانه.

10229- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: " كذلك كنتم من قبل "، تكتمون إيمانكم في المشركين.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: كما كان هذا الذي قتلتموه، بعد ما ألقى إليكم السلم، (115) كافرًا، كنتم كفارًا، فهداه كما هداكم.

*ذكر من قال ذلك:

10230- حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم "، كفارًا مثله=" فتبينوا ".

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بتأويل الآية، القول الأول، وهو قول من قال: كذلك كنتم تخفون إيمانكم في قومكم من المشركين وأنتم مقيمون بين أظهرهم، كما كان هذا الذي قتلتموه مقيمًا بين أظهر قومه من المشركين مستخفيًا بدينه منهم.

وإنما قلنا: " هذا التأويل أولى بالصواب "، لأن الله عز ذكره إنما عاتب الذين قتلوه من أهل الإيمان بعد إلقائه إليهم السلم ولم يُقَدْ به قاتلوه، (116) للبْس الذي كان دخل في أمره على قاتليه بمقامه بين أظهر قومه من المشركين، وظنِّهم أنه ألقى &; 9-84 &; السلم إلى المؤمنين تعوّذًا منهم، ولم يعاتبهم على قتلهم إياه مشركًا فيقال: " كما كان كافرًا كنتم كفارًا "، بل لا وجه لذلك، لأن الله جل ثناؤه لم يعاتب أحدًا من خلقه على قتل محارِبٍ لله ولرسوله من أهل الشرك، بعد إذنه له بقتلِه.

واختلف أيضًا أهل التأويل في تأويل قوله: " فمنّ الله عليكم ".

فقال بعضهم: معنى ذلك: فمنّ الله عليكم بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتى أظهروا الإسلام بعد ما كانوا يكتتمون به من أهل الشرك. (117)

*ذكر من قال ذلك:

10231- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: " فمن الله عليكم "، فأظهر الإسلام.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن الله عليكم= أيها القاتلون الذي ألقى إليكم السلم (118) طلبَ عرض الحياة الدنيا= بالتوبة من قتلكم إياه.

*ذكر من قال ذلك:

10232- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فمن الله عليكم "، يقول: تاب الله عليكم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، التأويل الذي ذكرته عن سعيد بن جبير، لما ذكرنا من الدِّلالة على أن معنى قوله: " كذلك كنتم من قبل "، ما وصفنا قبل. فالواجب أن يكون عَقِيب ذلك: " فمن الله عليكم "، فرفع ما كنتم فيه من الخوف من أعدائكم عنكم، بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتى أمكنكم إظهار ما كنتم تستخفون به من توحيده وعبادته، حِذَارًا من أهل الشرك. (119)

* * *

---------------

(72) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف ص: 17 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.

(73) في المخطوطة: "فلما تعلموا" ، وهو خطأ.

(74) كان في المطبوعة هنا ، "السلام" ، كقراءتنا اليوم في مصحفنا ، والسلام التحية ، وهي إحدى القراءتين ، ولكن تفسير أبي جعفر بعد ، هو تفسير"السلم" ، وهو الاستسلام والانقياد ، وهي القراءة الأخرى التي اختارها. فكتابتها هنا"السلام" خطأ. لا يصح به المعنى من تفسيره.

(75) انظر تفسير"السلم" فيما سلف ص: 23 ، 24 ، 29 ومادة"سلم" من فهارس اللغة في الأجزاء السالفة.

(76) انظر تفسير"الابتغاء" فيما سلف 8 : 316 تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(77) في المطبوعة: "ألقى إليكم السلام" ، وانظر التعليق السالف ص: 70 ، رقم: 4.

(78) في المطبوعة: "ألقى إليكم السلام" ، وانظر التعليق السالف ص: 70 ، رقم: 4.

(79) انظر تفسير"من" فيما سلف 7: 369.

(80) انظر تفسير"خبير" فيما سلف من فهارس اللغة.

(81) في المطبوعة: "جزاء المحسن بإحسانه.." ، وهو غير مستقيم ، والصواب من المخطوطة.

(82) في المطبوعة: "والآثار بذلك" ، والصواب من المخطوطة.

(83) في المطبوعة: "عن نافع أن ابن عمر" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(84) في المطبوعة: "إحنة في الجاهلية" ، وهو صواب ، و"الإحنة": الحقد في الصدر. من"أحن" وأما "حنة" كما أثبتها من المخطوطة ، فهي من"وحن" ، وهي أيضًا الحقد. وقد سلف التعليق على هذه اللفظة ، حيث وردت في الأثر رقم 2195 ، في الجزء الثالث: 152 ، 153 ، تعليق: 2. وقد ذكرت هناك إنكار الأصمعي"حنة" ، وزعم الأزهري أنها ليست من كلام العرب. وهذا دليل آخر على صواب هذه الكلمة ، وأن الذي قاله الأزهري ليس بشيء.

(85) في ابن كثير 2: 546 : "سر اليوم وغر غدا" وهو خطأ محض.

(86) في المخطوطة: "حتى تذوق بكاؤه" وهو تحريف من الناسخ ، والصواب من السياق ومن تفسير ابن كثير.

(87) في المخطوطة: "في برد" ، والصواب من ابن كثير ، وكما صححه في المطبوعة من سياق الخبر.

(88) "الصدف" (بفتحتين): جانب الجبل الذي يقابلك منه. والصدف: كل شيء مرتفع عظيم كالحائط والجبل.

(89) الأثر: 10211 - في تفسير ابن كثير 2: 546 ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 200 مختصرًا.

(90) في المطبوعة: "عن يزيد عن عبد الله بن قسيط" ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة وسائر المراجع.

(91) "إضم": واد يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر ، من عند المدينة ، وهو واد لأشجع وجهينة.

(92) "القعود": هو البكر من الإبل ، حين يمكن ظهره من الركوب ، وذلك منذ تكون له سنتان حتى يدخل في السادسة. و"متيع" تصغير"متاع": وهو السلعة ، وأثاث البيت ، وما يستمتع به الإنسان من حوائجه أو ماله. و"الوطب": سقاء اللبن.

(93) في المطبوعة: "وأخبرناه" بالواو ، وأثبت ما في المخطوطة.

(94) الأثر: 10212 - هذا الأثر رواه ابن إسحاق في سيرته ، سيرة ابن هشام 4: 275 ، ورواه أحمد في مسنده 6: 11 ، وابن سعد في الطبقات 4 / 2 / 22 و2 / 1 / 96 (بغير إسناد) ، والطبري في تاريخه 3: 106 ، وابن عبد البر في الاستيعاب: 285 ، وابن الأثير في أسد الغابة 3 : 77 ، وابن كثير في تفسيره 2: 545 ، والحافظ ابن حجر في ترجمة"عبد الله بن أبي حدرد" ، والسيوطي في الدر المنثور 2: 199 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، والطبراني ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي نعيم والبيهقي ، وكلاهما في الدلائل.

وفي إسناد هذا الأثر اضطراب شديد أرجو أن أبلغ في بيانه بعض ما أريد في هذا المكان.

1- وإسناد محمد بن إسحاق في سيرة ابن هشام: "حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد".

2- وإسناد أحمد في مسنده: "حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق (وفي المطبوعة: عن إسحاق ، خطأ صوابه من تفسير ابن كثير) ، حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد".

3- وإسناد الطبري في تاريخه: "حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد= وقال بعضهم: عن ابن القعقاع= عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي حدرد".

4- وإسناد ابن سعد في الطبقات: "أخبرنا محمد بن عمر قال ، حدثنا عبد الله بن يزيد بن قسيط ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ، عن أبيه".

والأسانيد الثلاثة الأولى ، وإسناد الطبري في التفسير ، جميعها من طريق محمد بن إسحاق ، وقد اتفق إسناد أحمد وإسناد ابن إسحاق في سيرة ابن هشام.

وأما إسنادا الطبري فقد خالف ما اتفق عليه أحمد وابن هشام في السيرة ، فجاء في التفسير هنا"عن أبي القعقاع" لا"عن القعقاع" ، ثم زاد الطبري الأمر إشكالا في التاريخ فقال"عن أبي القعقاع.. عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي حدرد" ، فزاد"عن أبيه" ، ولا ذكر لها في تفسيره ، ولا في سائر الأسانيد ، والظاهر أنه خطأ ، وأن صوابه كما في التفسير"عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد".

وأما إسناد ابن سعد ، فقد خالف هذا كله فجعل مكان"القعقاع" ، أو "أبي القعقاع" ، "عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد" ، ولم أجد لعبد الرحمن هذا ذكرًا في كتب تراجم الرجال. وجاء ابن عبد البر في الاستيعاب 2: 452 ، بما هو أغرب من هذا ، فسماه"عبد ربه بن أبي حدرد الأسلمي" ، وليس له ذكر في كتاب. ولكني وجدت في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2 / 2 / 228"عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي" ، سمع أبا هريرة. روى عنه أبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المديني. ولا أظنه هذا الذي في إسناد ابن سعد. (انظر أيضًا تهذيب التهذيب 6: 160).

وأما "القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد" فقد ترجم البخاري في الكبير 4 / 1 / 187 ، لصحابي هو"القعقاع بن أبي حدرد الأسلمي" وامرأته"بقيرة" ، وهو كما ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة ، أخو"عبد الله بن أبي حدرد" ثم عقب البخاري على هذه الترجمة بقوله: "ويقال: القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد ، ولا يصح" ، يعني أنه هذا الأخير لا تصح له صحبة ، وأنه غير الأول. وكذلك فعل ابن أبي حاتم 3 / 2 / 136 ، كمثل ما في التاريخ الكبير.

أما الحافظ في تعجيل المنفعة: 344 ، فقد ترجم للقعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ووهم في نقله عن البخاري ، فظن البخاري قد ترجم له ، فذكر في ترجمته ما قال البخاري في ترجمة"القعقاع بن أبي حدرد" ، مع أنه صحح ذلك في ترجمة"القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد" في القسم الثالث من الإصابة.

أما ما ذكره الطبري من أنه"أبو القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد" أو "ابن القعقاع" ، فلم أجده في مكان آخر ، ولكني تركت ما كان في نص إسناده في التفسير"أبو القعقاع" ، مع أنه لا ذكر له في الكتب ولا ترجمة ، لأنه وافق ما في التاريخ ، ولأن ما رواه من قوله: "ويقال: ابن القعقاع" ، يستبعد معه كل تحريف أو زيادة من ناسخ أو غيره.

هذا ، وقد جاء في إسناد آخر في التاريخ 3: 125 عن ابن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق ، عن ابن شهاب الزهري ، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ، "عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد". فلم يذكر اسمه ، كما ذكر في الإسناد السالف ، كما سيأتي في الإسناد التالي أيضًا: "عن ابن أبي حدرد ، عن أبيه".

وهذا اضطراب غريب في إسناده ، أردت أن أجمعه في هذا المكان ، لأني لم أجد أحدًا استوفى ما فيه ، وعسى أن يتوجه لباحث فيه رأي ، وكتبه محمود محمد شاكر .

(95) الأثر: 10213 - انظر التعليق على الأثر السالف."هارون بن إدريس الأصم" شيخ الطبري ، مضى برقم: 1455.

و"المحاربي""عبد الرحمن بن محمد بن زياد" مضى برقم: 221 ، 875 ، 1455.

(96) "الغنيمة" تصغير"غنم" ، وهو قطيع من الغنم. وإنما أدخلت التاء في"غنيمة" ، لأنه أريد بها القطعة من الغنم. وانظر ما قاله أبو جعفر في دخول هذه التاء فيما سلف 6 : 412 ، 413.

(97) الأثر: 10216 - هذا الأثر ساقط من المخطوطة.

و"سعيد بن الربيع الرازي" مضى برقم: 3791 ، 5312.

(98) الأثران: 10217 ، 10218 - رواه أحمد في مسنده من طريق يحيى بن أبي بكير ، وحسين بن محمد ، وخلف بن الوليد ، ويحيى بن آدم ، جميعًا عن إسرائيل. وأرقامه في المسند: 2023 ، 2462 ، 2988 ، وإسناده صحيح. وقال ابن كثير في تفسيره 2: 544: "ورواه ابن جرير من حديث عبيد الله بن موسى ، وعبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن إسرائيل به. وقال في بعض كتبه غير التفسير: وقد رواه من طريق عبد الرحمن فقط (هكذا في الأصل). وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما ، لعلل ، منها: أنه لا يعرف له مخرج عن سماك إلا عن هذا الوجه= ومنها: أن عكرمة في روايته عندهم نظر= ومنها: أن الذي نزلت فيه هذه الآية عندهم مختلف فيه ، فقال بعضهم: نزلت في محلم بن جثامة. وقال بعضهم: أسامة بن زيد. وقيل غير ذلك. قلت [القائل ابن كثير]: وهذا كلام غريب ، وهو مردود من وجوه ، أحدها: أنه ثابت عن سماك ، حدث به غير واحد من الأئمة الكبار. الثاني: أن عكرمة محتج به في الصحيح. الثالث: أنه مروي من غير هذا الوجه عن ابن عباس.."

وهذا الذي نقله ابن كثير من بعض كتب أبي جعفر ، أرجح ، بل أقطع ، أنه في كتابه تهذيب الآثار ، وبيانه هذا الذي نقله ابن كثير ، مطابق لنهجه في تهذيب الآثار ، ونقلت هذا هنا للفائدة ، ولأنه أول نقل رأيته في تفسير ابن كثير عن تهذيب الآثار فيما أرجح.

(99) انظر الاختلاف في اسمه"قليب" بالقاف والباء ، أو فليت" بالفاء والتاء ، في الإصابة في موضعه.

(100) في المطبوعة والمخطوطة: "ولم يجامعهم" وظاهر أنه تحريف من الناسخ ، صوابه ما أثبت.

(101) في المطبوعة: "إذا لقيهم مرداس فسلم عليهم فقتلوه" وأثبت ما في المخطوطة إلا أني جعلت"وإذا""وإذ" ، لأن السياق يقتضيها.

(102) "صبحتهم الخيل (بفتحتين) وصبحتهم (بتشديد الباء)": أتتهم صباحًا ، وكانت أكثر غاراتهم في الصباح. و"الغدوة" (بضم فسكون): البكرة ، ما بين صلاة الغداة (الفجر) وطلوع الشمس.

(103) في المخطوطة: "فدعاه" وهو تحريف ، صواب ما أثبت. وفي المطبوعة: "فتلقوه" ، وهو رديء ، خير منه ما في الدر المنثور: "فتلقاه".

(104) الأثر: 10220 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 200 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.

(105) كان في المطبوعة: "... عرض الحياة الدنيا ، الآية ، قال: بعث..." ، وأثبت ما في المخطوطة ، وإن كان الناسخ قد غفل فأسقط من الآية في كتابته: "كذلك كنتم من قبل" .

(106) "البضعة" (بفتح فسكون): القطعة من اللحم.

(107) في المخطوطة: "فقتله الأسود" ، والصواب ما في المطبوعة ، أو أن تكون: "فقتله ابن الأسود".

(108) الأثر: 10224-"حبيب بن أبي عمرة" القصاب ، بياع القصب ، ويقال"اللحام" ، أبو عبد الله الحماني. روى عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأم الدرداء. روى عنه الثوري وجماعة. قال ابن سعد: "ثقة قليل الحديث". مترجم في التهذيب.

(109) انظر ما سلف رقم: 10221.

(110) في المخطوطة: "بعثه نفر من المؤمنين" ، وهو خطأ ، صوابه ما في المطبوعة.

(111) انظر تفسير"التبين" فيما سلف ص: 70.

(112) في المطبوعة: "... السلام" بالألف ، والصواب إثباتها كرسم المصحف هنا ، حتى يظهر سياق اختلاف القراءة.

(113) في المطبوعة: "وليس كذلك في الإسلام" ، والصواب الجيد من المخطوطة.

(114) في المخطوطة: "مستخفون بإيمانكم" ، وما في المطبوعة أجود.

(115) قوله"كافرًا" ليس في المخطوطة ، والسياق يقتضيها كما في المطبوعة ، وانظر اعتراض أبي جعفر بعد ، فهو يوجب إثبات هذه الكلمة في هذا الموضع.

(116) في المطبوعة في هذا الموضع وما يليه"السلام" مكان"السلم" ، ولكني أثبت ما في المخطوطة ، لأن تفسير أبي جعفر جار على"السلم" لا على"السلام". وقوله: "لم يقد" بالبناء للمجهول من"القود" (بفتح القاف والواو) وهو القصاص ، وقتل القاتل بدل القتيل ، يقال منه"أقدته به أقيده إقادة".

(117) في المطبوعة: "بعد ما كانوا يكتمونه" ، والجيد ما في المخطوطة."يكتتمون به" ، يستخفون به.

(118) في المخطوطة: "أيها القاتلو الذي ألقي إليكم السلم" ، وهو لا بأس به.

(119) في المطبوعة: "حذرًا" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما سواء.

التدبر :

وقفة
[94] ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ حتى عند القتال لابد من التبين والتثبت.
وقفة
[94] ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ حتى في أوضاع الصراع والقتال تتطلب العدالة التزامنا بالتثبت، لا شيء يبرر التهور في إصدار الأحكام على الآخرين.
وقفة
[94] ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ التثبت في الأمور منهج يحبه الله تعالى؛ حدد أمرًا، أو خبرًا، وتثبت منه، وانشر الحقيقة في رسالة، مذكرًا بأهمية التثبت.
عمل
[94] ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ تثبت، ولا تستعجل في الحكم على الناس.
وقفة
[94] ﴿فَتَبَيَّنوا﴾ أي: اطلبوا بالتأني والتثبت بيان الأمور والثبات في تلبسها، ولا تقدموا إلا على ما بان لكم، ﴿وَلَا تَقُولُوا﴾ قولًا، فضلًا عما هو أعلى منه، ﴿لِمَنْ أَلْقَىٰ﴾ أي: كائنًا من كان ﴿إِلَيْكُمُ السَّلَامَ﴾ أي: بادر بأن حيَّاكم بتحية الإسلام، ملقيًا قياده ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾.
وقفة
[94] ﴿فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ وفي هذا من الفقه باب عظيم؛ وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر.
وقفة
[94] ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ الواجب علينا معاملة الخلق بالظاهر، والله يتولى السرائر.
وقفة
[94] ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ الاحتراسُ طيِّب، وإحسانُ الظنِّ أطيب!
وقفة
[94] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. [البخاري 4591].
عمل
[94] رغبات شخصية قد تجعل البعض يرد بعض الحق؛ فاحذر ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾.
وقفة
[94] ﴿فَعِندَ اللَّـهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ الآية حفزت همة المؤمن لطلب المغانم عند الله: فقدمت العندية عند الله, ثم جاءت المغانم بصيغة جمع, ثم ختمها بكونها مغانم كثيرة, فما أعظم مغانم الله!
وقفة
[94] ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾ هي عظة لمن يمتحنون طلبة العلم فيعتادون التشديد عليهم.
وقفة
[94] ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي: فكما هداكم بعد ضلالكم فكذلك يهدي غيركم، وكما أن الهداية حصلت لكم شيئًا فشيئًا، فكذلك غيركم، فنظر الكامل لحاله الأولى الناقصة، ومعاملته لمن كان على مثلها بمقتضى ما يعرف من حاله الأولى، ودعاؤه له بالحكمة والموعظة الحسنة من أكبر الأسباب لنفعه وانتفاعه.
وقفة
[94] ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾ وهذه تربية عظيمة؛ وهي أن يستشعر الإنسان -عند مؤاخذته غيره- أحوالاً كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، كمؤاخذة المعلم التلميذ بسوء إذا قصر في إعمال جهده، وكذلك هي عظة لمن يمتحنون طلبة العلم، فيعتادون التشديد عليهم، وتطلب عثراتهم، وكذا كبار الموظفين في معاملة من تحت نظرهم.
وقفة
[94] ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾ ما من عبد يعيب علي أخيه ذنبًا إلا ويبتلي به، فإذا بلغك عن فلان سيئة؛ فقل في نفسك: «غفر الله لنا وله».
وقفة
[94] المسلم الملتزم بدينه ينظر لأهل الغفلة والكبائر بعين الرحمة والنصيحة، ويسعى لهدايتهم؛ لأنه يتذكر أنه سابقًا كان على هذه الحالة أو قريبًا منها ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾.
عمل
[94] تفكر في حالك قبل الهداية، وكيف مَنَّ الله تعالى عليك وفضَّلك وأكرمك! ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾.
وقفة
[94] ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾ هي عظة لمن يمتحنون طلبة العلم فيعتادون التشديد عليهم.
عمل
[94] إذا رأيت عاصيًا لاهيًا في حياته فلا تشمت، وتذكر: ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾.
وقفة
[94] فعلى الباحث المجتهد أن يكون رفيقًا، وليعط للناس الذي هو خير بتواضع وسكينة؛ فلربما كان في زمن سابق مع الرأي يخالفه؛ وليتذكر: ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾.
وقفة
[94] ﴿كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا﴾ الأولى بالمسلم الحق النظر للمسيء من أهل الغفلة والعصاة بعين الرحمة والنصيحة.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء. أي: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح بدل من «أي». آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ إِذا ضَرَبْتُمْ:
  • ظرف زمان مبني على السكون أداة شرط غير جازمة. ضربتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم للجمع وجملة «ضَرَبْتُمْ» في محل جر بالاضافة و «ضرب» هنا فعل لازم لأن معناه سافر.
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بضرب. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَتَبَيَّنُوا:
  • الفاء واقعة في جواب الشرط. تبينوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة وجملة «فَتَبَيَّنُوا» جواب شرط غير جازم مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ وَلا تَقُولُوا:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة. تقولوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ:
  • جار ومجرور متعلق بتقولوا. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. ألقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وجملة «أَلْقى» صلة الموصول. إليكم: جار ومجرور متعلق بألقى والميم علامة جمع الذكور. السّلام: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ لَسْتَ مُؤْمِناً:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول- لست: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب التاء: ضمير متصل في محل رفع اسم «ليس». مؤمنا: خبرها منصوب بالفتحة.
  • ﴿ تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا:
  • تبتغون: في محل نصب حال أي تقولون له لست مؤمنا متوسلين مقاتلته طالبين عرض الحياة تبتغون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. عرض: مفعول به منصوب بالفتحة. الحياة: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الدنيا: صفة للحياة مجرورة بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر وكتبت «الْحَياةِ» بالواو على لغة من يفخم وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجماعة.
  • ﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ:
  • الفاء: تعليلية أو استئنافية. عند: ظرف مكان منصوب بالفتحة وهو مضاف. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة وشبه الجملة «عند الله» متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ:
  • مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ولم ينونّ لأنه ممنوع من الصرف على وزن «مفاعل». كثيرة: صفة- نعت- لمغانم مرفوعة مثلها بالضمة.
  • ﴿ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ:
  • الكاف: اسم مبني على الفتح في محل نصب خبر «كان» مقدم ومعناه مثل: ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. اللام للبعد. والكاف حرف خطاب. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. من: حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جرّ بمن و «مِنْ قَبْلُ» متعلق بكنتم.
  • ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ:
  • الفاء استئنافية. منّ: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة عليكم جار ومجرور متعلق بمنّ والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَتَبَيَّنُوا:
  • سبق اعرابها. وقد تكرر الأمر بالتبين للتأكيد.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ كانَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو وجملة «كانَ مع خبرها» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً:
  • جار ومجرور متعلق بخبيرا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. تعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. خبيرا: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة وجملة «تَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير تعملونه. '

المتشابهات :

النساء: 94﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَتَبَيَّنُوا
النساء: 101﴿وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ
المائدة: 106﴿ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) قال: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه فأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك إلى قولهتَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا): تلك الغنيمة.ولفظ أحمد والترمذي: مر رجل من بني سُليم بنفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يسوق غنماً له، فسلَّم عليهم، فقالوا: ما سلَّم علينا إلا ليتعوذ منا. فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت هذه الآيةيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا). 2 - أخرج أحمد عن عبد الله بن أبي حدرد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بعثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى إِضَمٌ فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومُحلِّم بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إِضَمٌ مر بنا عامر الأشجعي على قعود له مُتَيِّع ووَطْبٌ من لبن فلما مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله بشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآنيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد بعض المفسرين هذين الحديثين كالطبري وابن كثير واقتصر بعضهم على إيراد حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - ومن هؤلاء البغوي وابن العربي والقرطبي وابن عاشور، واقتصر ابن عطية على حديث ابن أبي حدرد.وقد ورد في سبب نزول الآية غير ما تقدم فعن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -قال بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلاً يشهد أن لا إله إلا الله لأذكرن ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما قدموا على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: يا رسول الله، إن رجلاً شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد، فقالادع لي المقداد. يا مقداد، أقتلت رجلاً يقول: لا إله إلا الله، فكيف لك بلا إله إلا الله غداً؟) قال: فأنزل الله تبارك وتعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمقدادكان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة من قبل) اهـ.وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن الجمع بين هذه الأحاديث؟ ابن حجر - رحمه الله - لما شرح حديث ابن عبَّاسٍ الثابت في الصحيح قال: (وروى البزار في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى ثم ساق حديث المقداد باختصار، ثم قال: وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها ويستفاد منها تسمية القائل.وأما حديث عبد الله بن أبي حدرد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فقال عنه: وورد في سبب نزولها عن غير ابن عبَّاسٍ شيء آخر ثم ساق الحديث وقال: وهذه عندي قصة أخرى ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معاً) اهـ.والظاهر - والله أعلم - أن الجمع بين الأدلة لا يستقيم هنا لأن الأحاديث غير متكافئة في أسانيدها فحديث عبد الله بن أبي حدرد لم يصح سنده كما تقدم. وفي شيء من متنه مخالفة للآية، فإن الله بيّن في الآية أن العلة من قتله ابتغاء عرض الحياة الدنيا بقولهتَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وفي الحديث أن محلِّماً قتله لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية.ثم هذا أيضاً يخالف ما ذكره ابن عبَّاسٍ في الحديث الصحيح فإنه قالفلحقه المسلمون)، وهذا يعني أنه ليس محلِّماً فقط هو الذي لحقه ومما يؤيد هذا من الآية أن الله أتى بضمير الجمع من أولها في قولهيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخرها بقولهإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، وبعيد أن يأتي الله بضمائر الجمع الكثيرة هذه وهو يتحدث عن واحد.أما حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في قصة المقداد فإسناده لم يصح مرفوعاً بل الصحيح فيه أنه مرسل وقد تقدم تفصيل ذلك.ثم هو يخالف حديث ابن عبَّاسٍ الصحيح فقد جاء فيهفلحقه المسلمون)، وفي الحديث الآخر وبقي رجل لم يبرح، فإذا كان قد بقي فكيف يُلحق؟ثم ضمائر الجمع الكثيرة هذه يقال فيها ما قيل في قصة محلّم. وبناءً على ما تقدم يكون الراجح في سبب نزولها حديث ابن عبَّاسٍ الثابت في الصحيحين وغيرهما لعدم وجود المعارض الصحيح الصريح. * النتيجة:أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في الحديثكان رجل في غنيمة له) وذلك لصحة سنده وصراحة ألفاظه وموافقته لسياق الآيات القرآني، واعتماده من أكثر المفسرين والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [94] لما قبلها :     وبعد بيان عقوبة القتل الخطأ والقتل العمدِ؛ أمرَ اللهُ عز وجل المؤمنين هنا بالتَّثبُّتِ والتَّبيُّنِ أثناءَ خروجِهم إلى الجهادِ؛ لكيلا يقتُلوا نفسًا معصومةً، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

القراءات :

السلم:
وقرئ:
1- السلام، ويجوز أن يكون من التسليم، ويجوز أن يكون بمعنى: الاستسلام، وهى قراءة عاصم، وأبى عمرو، وابن كثير، والكسائي، وحفص.
2- السلام، بفتح السين واللام من غير ألف، وهو من الاستسلام، وهى قراءة نافع، وابن عامر، وحمزة، وابن كثير.
3- السلم، بكسر السين وإسكان اللام، وهو الانقياد والطاعة، وهى قراءة أبان بن زيد عن عاصم.
4- السلم، بفتح السين وسكون اللام، وهى قراءة الجحدري.
مؤمنا:
وقرئ:
مأمنا، أي: لا نؤمنك فى نفسك، وهى قراءة على، وابن عباس، وعكرمة، وأبى العالية، ويحيى بن يعمر.
أن:
قرئ:
1- بكسر الهمزة، على الاستئناف، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتحها، على أن تكون معمولة لقوله «فتبينوا» .

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف