39238239240241242243244245

الإحصائيات

سورة البقرة
ترتيب المصحف2ترتيب النزول87
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات48.00
عدد الآيات286عدد الأجزاء2.40
عدد الأحزاب4.80عدد الأرباع19.25
ترتيب الطول1تبدأ في الجزء1
تنتهي في الجزء3عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 1/29آلم: 1/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (238) الى الآية رقم (242) عدد الآيات (5)

توسطَ الأمرُ بالمحافظةِ على الصلاةِ آياتِ الطلاقِ، لأنَّ محافظةَ الأسرةِ على الصلاةِ من أهمِ أسبابِ استقرارِها وسعادتِها، ثُمَّ وصيةُ الحولِ للمُتوفَّى عنها زوجُها (الآية 240 منسوخةً بالآيةِ 234)، ومُتعةُ كلِّ مطلّقةٍ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (243) الى الآية رقم (245) عدد الآيات (3)

بعدَ أن استفاضتْ الآياتُ في الحديثِ عن إصلاحِ المُجتَمَعِ الأصْغَرِ (الأسرةِ) انتقلتْ الآياتُ إلى الحديثِ عن إصلاحِ المُجتَمعِ الأكْبرِ بالتَّرغيبِ في الجهادِ بالنَّفسِ والمالِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة البقرة

استخلاف الإنسان في الأرض/ العبادة/ الإسلام لله تعالى

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • فلماذا سميت السورة بالبقرة؟:   قد يتساءل البعض لماذا سميت هذه السورة بسورة البقرة؟ قد يجيب البعض بأنها سميت كذلك لأنّ قصة البقرة جاءت في هذه السورة. فنقول: إنَّ هذه السورة قد جاء بها قصص كثيرة، فلماذا سميت السورة باسم هذه القصة دون غيرها؟ العناوين دلالة الاهتمام، فهذه إشارة إلى أهمية هذه القصة، أو أن أهم موضوع في السورة هو قصة البقرة.
  • • ليست مجرد قصة::   لم تكن قصة (بقرة بني إسرائيل) مجرد قصة من قصص بني إسرائيل، ولكنها تجسيد لحال بني إسرائيل مع أوامر الله، تلكأ في تنفيذ أوامر الله، تعنت، وتشدد، وتحايل، ومماطلة، وجدال، وجحود، وعناد. وهذا في غاية المناسبة لسورة البقرة التي تضمنت تربية المؤمنين على الاستجابة ﻷوامر الله، فقد تضمنت الكثير من التشريعات والأحكام، فكأن الاسم شعار للمؤمنين ليحذروا من التشبه بأصحاب البقرة، لكي يتذكر المسلم المسؤول عن الأرض هذه الأخطاء ويتجنبها. ولهذا خُتمت السورة بقوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (285).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة البقرة»، وتسمى مع سورة آل عمران بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم ::   البقرة: حيوان معروف، لحمه يؤكل ولبنه يشرب، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية ::   سميت سورة البقرة؛ لأنها انفردت بذكر قصة البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها، ولم ترد أي إشارة إلى هذه القصة في أي سورة غيرها، وتسمى مع سورة آل عمران بـ«الزَّهراوَين»؛ لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   وتسمى أيضًا «سَنام القرآن» وسنام كل شيء أعلاه، فسميت بذلك تعظيمًا لشأنها، و«فُسطاط القرآن» والفسطاط هو المدينة الجامعة، لما جمع فيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   وجوب الاستجابة لأوامر لله، والاستسلام الكامل لأحكامه، والانقياد والإذعان لها.
  • • علمتني السورة ::   أن هذا الكتاب العزيز لا شك فيه بأي وجه من الوجوه، لا شك في نزوله، ولا في أخباره، ولا أحكامه، ولاهدايته: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾
  • • علمتني السورة ::   تكريم الله للإنسان بسجود الملائكة له، وتعليمه أسماء جميع الأشياء، وإسكانه الجنة، واستخلافه في الأرض: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من لا يعرف من القرآن إلا تلاوته دون فهم يشابه طائفة من اليهود لم يعلموا من التوراة إلا التلاوة: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ، الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا». ففي حرَّ يوم القيامة الشديد، عندما تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، تأتي سورة البقرة لتظلل على صاحبها.تأمل كيف أنّ سورتي البقرة وآل عمران تحاجان -أي تدافعان- عن صاحبهما.
    • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لاَ يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ».
    • عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:« يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ:" اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعَلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ». زَادَ أَحْمَد: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيِدَهِ! إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَينِ، تُقَدِّس الْمَلِكَ عَنْدِ سَاقِ الْعَرشِ».
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِي فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَة لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ».
    • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنهُ مَلَكٌ»، فَقَالَ: «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ»، فَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيْتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ».
    • عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ».
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة البقرة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي أطول سورة في القرآن الكريم على الإطلاق
    • أول سورة نزلت في المدينة.
    • أول سورة مدنية بحسب ترتيب المصحف.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالحروف المقطعة من أصل 29 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالحروف المقطعة ﴿الم﴾ من أصل 6 سور افتتحت بذلك.
    • هي السورة الوحيدة التي ذكرت قصة البقرة، ولم يذكر لفظ (البقرة) مفردًا بغير هذه السورة.
    • تحتوي على أعظم آية (آية الكرسي)، وأطول آية (آية الدين).
    • تحتوي على آخر آية نزلت -على الراجح- وهي: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (281).
    • كثرة أحكامها، قال ابن العربي: سمعت بعض أشياخي يقول: «فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر».
    • السور الكريمة المسماة بأسماء الحيوانات 7 سور، وهي: «البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل».
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نستقبل أوامر الله بـ "سمعنا وأطعنا"، وأن نحذر من: "سمعنا وعصينا".
    • أن نرتبط بكتاب الله علمًا وتدبرًا وعملًا؛ لنصل إلى الهداية ونبتعد عن طريق الغواية: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (2).
    • أن نتحلى بصفات المتقين، ومنها: الإيمان بالغيب، إقامة الصلاة، الإنفاق، الإيمان بما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وبما أنزل على الأنبياء من قبله، الإيمان باليوم الِآخر: ﴿... هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ...﴾ (2-5).
    • أن نحذر من صفات المنافقين، ومنها: لا يعترفون بأخطائهم، يصرون على الذنوب، يمثلون أمام الناس أنهم مصلحون وهم المفسدون، يخادعون أنفسهم (8-20).
    • أن نبتعد عن الكبر؛ فالكبر هو معصية إبليس: ﴿... فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ ...﴾ (34).
    • أن نمتثل أوامر الله تعالى ونحذر من وساوس الشيطان: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ ... فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ...﴾ (35، 36).
    • أن نحذر الذنوب، فبذنبٍ واحد خرج أبونا من الجنة: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ (36).
    • أن نسارع بالتوبة كما فعل أبونا آدم عليه السلام (37).
    • أن نتجنب الأخطاء التي وقعت من بني إسرائيل، ولا نفعل مثل ما فعلوا (40-123).
    • أن نذكِّر الناس ونرشدهم إلى الخير؛ ولا ننسى أنفسنا من ذلك: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ (44). • أن نختار كلماتنا بعناية شديدة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (83).
    • أن نسارع بالاستجابة لأوامر الله كما فعل إبراهيم عليه السلام : ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (131)، وأن نحذر عناد بني إسرائيل وجدالهم.
    • أن نكثر من ذكر الله تعالى وشكره حتى نكون من الذاكرين: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ (152).
    • أن نقول: «إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» عند المصيبة: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (156).
    • أن نكثر التأمل والتفكر في خلق الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (164).
    • أن نأتي كل أمر من أمورنا من الطريق السهل القريب: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ (189).
    • أن نبادر في قضاء فريضة الحج، ونحرص على عدم الرفث والفسوق والجدال: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ...﴾ (197).
    • أن نحذر من خطوات الشيطان ووساوسه: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (208).
    • أن نحسن الظن بالله وبما قدَّره لنا في حياتنا، حتى لو أننا كرهناه فهو بالتأكيد خير لنا، فكل أقداره عز وجل خير: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ...﴾ (216).
    • أن نبتعد عن الخمر والميسر: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ ...﴾ (219).
    • أن نحافظ على الصلاة تحت أي ظرف: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ (238).
    • ألا نَمُن على أحد أنفقنا عليه، ولا نؤذيه، ولا ننتظر الأجر إلا من الله: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ...﴾ (262).
    • أن نحذر الربا، ونبتعد عنه: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا ...﴾ (275-279).
    • أن نصبر على المعسر الذي لم يستطع القضاء، أو نسقط عنه الدين كله أو بعضه: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (280).
    • أن نقول لكل ما جاء به الرسول عن ربنا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ (285)، ‏بلا جدال، ولا نقاش، ولا تكاسل.

تمرين حفظ الصفحة : 39

39

مدارسة الآية : [238] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ..

التفسير :

[238] حافظوا -أيها المسلمون- على الصلوات الخمس المفروضة بالمداومة على أدائها في أوقاتها بشروطها وأركانها وواجباتها، وحافظوا على الصلاة المتوسطة بينها وهي صلاة العصر، وقوموا في صلاتكم مطيعين لله، خاشعين ذ ليلين.

يأمر بالمحافظة على الصلوات عمومًا وعلى الصلاة الوسطى، وهي العصر خصوصًا، والمحافظة عليها أداؤهابوقتها وشروطها وأركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب، وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة على سائر العبادات، وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر خصوصًا إذا أكملها كما أمر بقوله{ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي:ذليلين خاشعين، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام، والأمر بالخشوع، هذا مع الأمن والطمأنينة.

ولعل السر في توسط هاتين الآيتين بين آيات الأحكام التي تحدثت عن الطلاق، والعدة والرضاع والخطبة ... إلخ، لعل السر في ذلك أن هذه الأمور كثيرا ما تكون مثار تنازع وتخاصم وتقاطع بين الناس، فأراد القرآن بطريقته الحكيمة، وبأسلوبه المؤثر أن يقول للناس:

إن محافظتكم على الصلاة، ومداومتكم على طاعة الله وذكره كل ذلك سيعرض في نفوسكم المراقبة له- سبحانه-، والخشية من عقابه، وسيعينكم على أن تحلوا قضاياكم التي تتعلق بالطلاق وغيره بالعدل والإحسان والتسامح والتعاطف، لأن من حافظ على فرائض الله وأوامره، انصرفت نفسه عن ظلم الناس، وعاملهم معاملة كريمة حسنة. وقد بين القرآن في كثير من آياته أن المحافظة على الصلاة بخشوع وخضوع لله- تعالى- وأن المداومة على ذكره، والملازمة لطاعته كل ذلك من شأنه أن يمنع الإنسان من الوقوع فيما نهى الله عنه، قال- تعالى-: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ..

وقال- تعالى-: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ، وقال- تعالى-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.

فكأن الله- تعالى- يقول للناس: لقد أمرتكم بالمحافظة على الصلاة، وبالمداومة على طاعتي وذكرى خلال حديثي عن أحكام كثيرا ما تكون هذه الأحكام مثار تنازع بينكم، وذلك لكي تحلوا التسامح والتواصل والتقارب محل التشاحن والتدابر والتجافي، لأن من شأن المحافظة على هذه العبادات، أن تهدى الناس إلى أكمل الأخلاق والصفات.

فسبحان من هذا كلامه، ومن تلك إرشاداته وتوجيهاته ووصاياه.

وقوله- تعالى-: حافِظُوا من الحفظ بمعنى ضبط الشيء، وصيانته عن كل تضييع، وهو خلاف النسيان. والخطاب لجميع المكلفين من أفراد الأمة.

والمعنى: حافظوا يا معشر المسلمين والمسلمات على أداء الصلوات في أوقاتها بخشوع وخضوع وإخلاص لله رب العالمين، وحافظوا بصفة خاصة على الصلاة الوسطى، لما لها من منزلة سامية، ومكانة عالية.

فقد أمر الله- تعالى- عباده بالمحافظة على الصلوات بصفة عامة، وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر تفخيما لشأنها، وإعلاء لقدرها من بين أفراد جنسها. والمسلّم يكون محافظا على الصلاة إذا أداها في وقتها مستوفية لآدابها وسننها وشرائعها وخشوعها وكل ما يتعلق بها، أما إذا قصر في شيء من ذلك فإنه لا يكون محافظا عليها تلك المحافظة التامة التي أمر الله بها.

وفي قوله- تعالى-: حافِظُوا تنبيه إلى أن الصلاة في ذاتها شيء نفيس ثمين تجب المحافظة عليه، لأن هذه الكلمة تدل على الصيانة والضبط بجانب دلالتها على الأداء والإقامة والمداومة.

قال الإمام الرازي: وقوله: حافِظُوا بصيغة المفاعلة التي تكون بين اثنين. للدلالة على أن هذه المحافظة تكون بين العبد والرب. فكأنه قيل: احفظ الصلاة ليحفظك الإله الذي أمرك بها. وهذا كقوله: «فاذكروني أذكركم» وفي الحديث «احفظ الله يحفظك» . أو أن تكون المحافظة بين المصلّى والصلاة. فكأنه قيل: احفظ الصلاة حتى تحفظك الصلاة بمعنى أنها تحفظك من ارتكاب المعاصي، وتشفع لمصليها يوم القيامة» .

وللعلماء أقوال في المراد بالصلاة الوسطى التي أفردها الله- تعالى- من بين الصلوات.

فجمهور العلماء يرون أنها واحدة من بين الصلوات الخمس المفروضة، وأن الوسطى مؤنث الأوسط أى الشيء المتوسط بين شيئين، فالصلاة الوسطى هي الصلاة المتوسطة بين صلاتين، إلا أنهم اختلفوا في تعيينها.

فأكثر العلماء على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، لأنها تقع في وسط الصلوات الخمس، إذ قبلها اثنتان وبعدها اثنتان، ولأنها وسط بين صلاتي النهار، وصلاتي الليل، فمعنى التوسط فيها واضح، ولأنها مظنة التقصير لمجيئها بعد وقت الظهيرة الذي يكون في الغالب وقت كسل.

وفضلا عن ذلك فقد صرحت بعض الأحاديث بأنها صلاة العصر، وقد ساق الإمام ابن كثير عددا من هذه الأحاديث ومنها ما جاء في صحيح مسلّم ومسند الإمام أحمد عن على بن أبى طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا، ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء، وفي مسند الإمام أحمد عن سمرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر» .

وقد خصت صلاة العصر بمزيد من التأكيد، وبالأمر بالمحافظة عليها، وبالتحذير من التقصير فيها، مما يشهد بأنها هي الصلاة الوسطى، فقد روى البخاري ومسلّم عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» أى: سلب من أهله وماله فبقى وحيدا بدونهما.

وقال بعضهم المراد بالصلاة الوسطى صلاة الصبح، وقيل صلاة الظهر، وقيل صلاة المغرب، وقيل العشاء، وقيل الجمعة، وقيل غير ذلك من الأقوال التي لا تبلغ في قوتها مبلغ قول القائلين بأنها صلاة العصر، ولذا قال ابن كثير وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها، ومعترك النزاع في الصبح والعصر، وقد أثبتت السنة أنها العصر فتعين المصير إليها- أى إلى أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر «2» .

ومن العلماء من اتجه في بيان المراد من الصلاة الوسطى اتجاها آخر فهو يرى أن المراد بالصلاة الوسطى الصلوات كلها، وأن الوسطى ليست بمعنى المتوسطة بين صلاتين، وإنما هي بمعنى الفضل لأن وسط الشيء خياره وأعدله وأفضله فالمقصود بها فعلها أو أداؤها بطريقة سليمة كاملة. والمعنى على هذا الرأى: حافظوا يا معشر المسلمين على الصلوات كلها، وحافظوا على أن يكون أداؤكم لها بطريقة وسطى أى فاضلة بأن تؤدوها في أوقاتها كاملة الأركان والسنن والآداب والخشوع.

قال ابن كثير: وقيل بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس رواه ابن أبى حاتم عن ابن عمر وفي صحته نظر. والعجب أن هذا القول قد اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر إمام ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر، إذ اختار مع اطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر» .

ومن العلماء المحدثين الذين استحسنوا هذا الرأى الشيخ محمد عبده- رحمه الله- فقد قال: «ولولا أنهم اتفقوا على أنها- أى الصلاة الوسطى- إحدى الخمس لكان يتبادر إلى فهمي من قوله: «الصلاة الوسطى» أن المراد بالصلاة الفعل وبالوسطى الفضلى أى: حافظوا على أنواع الصلاة وهي الصلاة التي يحضر فيها القلب وتتوجه بها النفس إلى الله- تعالى- وتخشع لذكره، وتدبر كلامه لا صلاة المرائين ولا الغافلين» .

والذي نراه أن ما عليه الجمهور من أن الصلاة الوسطى هي واحدة من بين الصلوات الخمس، وأنها صلاة العصر هو أقوى الآراء، لأنه- أولا- يتفق مع أصحاب الاتجاه الثاني الذين يقولون بأن أداء الصلاة يجب أن يكون بطريقة تامة الأركان والسنن والخشوع وما قال أحد منهم بأن تحديدها بصلاة العصر ينفى أداء بقية الفرائض بكمال واطمئنان. ولأنه- ثانيا- قد امتاز عن رأى أصحاب الاتجاه الثاني بأنه أعمل النص الصحيح الثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ولا شك أن إعمال النص أولى من إهماله أو من تأويله تأويلا ضعيفا.

وقوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ مؤكدا لما قبله من المحافظة والمداومة على أداء الصلاة.

والقنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع والخشوع. أى قوموا في الصلاة مطيعين لله- تعالى- مؤيدين لها على وجهها الكامل في خشوع وخضوع واطمئنان.

يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها ، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها ، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : " الصلاة على وقتها " . قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " . قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " . قال : حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو استزدته لزادني .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا ليث ، عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، عن القاسم بن غنام ، عن جدته أم أبيه الدنيا ، عن جدته أم فروة وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الأعمال ، فقال : إن أحب الأعمال إلى الله تعجيل الصلاة لأول وقتها " .

وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي وقال : لا نعرفه إلا من طريق العمري ، وليس بالقوي عند أهل الحديث :

وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى . وقد اختلف السلف والخلف فيها : أي صلاة هي ؟ فقيل : إنها الصبح . حكاه مالك في الموطأ بلاغا عن علي ، وابن عباس [ قال : مالك : وذلك رأيي ] . وقال هشيم ، وابن علية ، وغندر ، وابن أبي عدي ، وعبد الوهاب ، وشريك وغيرهم ، عن عوف الأعرابي ، عن أبي رجاء العطاردي قال : صليت خلف ابن عباس الفجر ، فقنت فيها ، ورفع يديه ، ثم قال : هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين . رواه ابن جرير . ورواه أيضا من حديث عوف ، عن خلاس بن عمرو ، عن ابن عباس ، مثله سواء .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عوف ، عن أبي المنهال ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس : أنه صلى الغداة في مسجد البصرة ، فقنت قبل الركوع وقال : هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه فقال : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين )

وقال أيضا : حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة صلاة الغداة ، فقلت لرجل من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى جانبي : ما الصلاة الوسطى ؟ قال : هذه الصلاة .

وروي من طريق أخرى عن الربيع ، عن أبي العالية : أنه صلى مع أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، صلاة الغداة ، فلما فرغوا قال ، قلت لهم : أيتهن الصلاة الوسطى ؟ قالوا : التي قد صليتها قبل .

وقال أيضا : حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن عتمة ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن جابر بن عبد الله قال : الصلاة الوسطى : صلاة الصبح .

وحكاه ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر ، وأبي أمامة ، وأنس ، وأبي العالية ، وعبيد بن عمير ، وعطاء ، ومجاهد ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، والربيع بن أنس . ورواه ابن جرير ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أيضا وهو الذي نص عليه الشافعي ، رحمه الله ، محتجا بقوله : ( وقوموا لله قانتين ) والقنوت عنده في صلاة الصبح . [ ونقله الدمياطي عن عمر ، ومعاذ ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعائشة على خلاف منهم ، وأبي موسى ، وجابر ، وأنس ، وأبي الشعثاء ، وطاوس ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ] .

ومنهم من قال : هي الوسطى باعتبار أنها لا تقصر ، وهي بين صلاتين رباعيتين مقصورتين . وترد المغرب . وقيل : لأنها بين صلاتي ليل جهريتين ، وصلاتي نهار سريتين .

وقيل : إنها صلاة الظهر . قال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزبرقان يعني ابن عمرو عن زهرة يعني ابن معبد قال : كنا جلوسا عند زيد بن ثابت ، فأرسلوا إلى أسامة ، فسألوه عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي الظهر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يصليها بالهجير .

وقال [ الإمام ] أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني عمرو بن أبي حكيم ، سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير ، عن زيد بن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، منها ، فنزلت : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) وقال : " إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين " ، ورواه أبو داود في سننه ، من حديث شعبة ، به .

وقال أحمد أيضا : حدثنا يزيد ، حدثنا ابن أبي ذئب عن الزبرقان أن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت ، وهم مجتمعون ، فأرسلوا إليه غلامين لهم ; يسألانه عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي العصر . فقام إليه رجلان منهم فسألاه ، فقال : هي الظهر . ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه ، فقال : هي الظهر ; إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير ، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان ، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم ، فأنزل الله : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهم " .

الزبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري ، لم يدرك أحدا من الصحابة . والصحيح ما تقدم من روايته ، عن زهرة بن معبد ، وعروة بن الزبير .

وقال شعبة وهمام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى : صلاة الظهر .

وقال أبو داود الطيالسي وغيره ، عن شعبة ، أخبرني عمر بن سليمان ، من ولد عمر بن الخطاب قال : سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ، يحدث عن أبيه ، عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى هي الظهر .

ورواه ابن جرير ، عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، عن عبد الصمد ، عن شعبة ، عن عمر بن سليمان ، به ، عن زيد بن ثابت ، في حديث رفعه قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر .

وممن روي عنه أنها الظهر : ابن عمر ، وأبو سعيد ، وعائشة على اختلاف عنهم . وهو قول عروة بن الزبير ، وعبد الله بن شداد بن الهاد . ورواية عن أبي حنيفة ، رحمهم الله .

وقيل : إنها صلاة العصر . قال الترمذي والبغوي ، رحمهما الله : وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم ، وقال القاضي الماوردي : وهو قول جمهور التابعين . وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر : هو قول أكثر أهل الأثر . وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره : هو قول جمهور الناس . وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى : " كشف المغطى ، في تبيين الصلاة الوسطى " : وقد نصر فيه أنها العصر ، وحكاه عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي أيوب ، وعبد الله بن عمرو ، وسمرة بن جندب ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وأم سلمة . وعن ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة على الصحيح عنهم . وبه قال عبيدة ، وإبراهيم النخعي ، وزر بن حبيش ، وسعيد بن جبير ، وابن سيرين ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والكلبي ، ومقاتل ، وعبيد بن أبي مريم ، وغيرهم وهو مذهب أحمد بن حنبل . قال القاضي الماوردي : والشافعي . قال ابن المنذر : وهو الصحيح عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، واختاره ابن حبيب المالكي ، رحمهم الله .

ذكر الدليل على ذلك :

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن مسلم ، عن شتير بن شكل عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى ، صلاة العصر ، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا " . ثم صلاها بين العشاءين : المغرب والعشاء .

وكذا رواه مسلم ، من حديث أبي معاوية محمد بن حازم الضرير ، والنسائي من طريق عيسى بن يونس ، كلاهما عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن أبي الضحى ، عن شتير بن شكل بن حميد ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

وقد رواه مسلم أيضا ، من طريق شعبة ، عن الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار ، عن علي ، به .

وأخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغير واحد من أصحاب المساند والسنن ، والصحاح من طرق يطول ذكرها ، عن عبيدة السلماني ، عن علي ، به .

ورواه الترمذي ، والنسائي من طريق الحسن البصري ، عن علي ، به . قال الترمذي : ولا يعرف سماعه منه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر : قال قلت لعبيدة : سل عليا عن صلاة الوسطى ، فسأله ، فقال : كنا نراها الفجر أو الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم أو بيوتهم نارا " ورواه ابن جرير ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، به .

وحديث يوم الأحزاب ، وشغل المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ ، مروي عن جماعة من الصحابة يطول ذكرهم ، وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى : هي صلاة العصر . وقد رواه مسلم أيضا ، من حديث ابن مسعود ، والبراء بن عازب رضي الله عنهما .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الوسطى : صلاة العصر " .

وحدثنا بهز ، وعفان قالا حدثنا أبان ، حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة : أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) وسماها لنا أنها هي : صلاة العصر .

وحدثنا محمد بن جعفر ، وروح ، قالا : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هي العصر " . قال ابن جعفر : سئل عن صلاة الوسطى .

ورواه الترمذي ، من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة . وقال : حسن صحيح : وقد سمع منه .

[ حديث آخر ] : وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن التيمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " .

طريق أخرى ، بل حديث آخر : وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا سليمان بن أحمد الجرشي الواسطي ، حدثنا الوليد بن مسلم . قال : أخبرني صدقة بن خالد ، حدثني خالد بن دهقان ، عن خالد بن سبلان ، عن كهيل بن حرملة . قال : سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى ، فقال : اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ، ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفينا الرجل الصالح : أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، فقال : أنا أعلم لكم ذلك : فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليه ، ثم خرج إلينا فقال : أخبرنا أنها صلاة العصر غريب من هذا الوجه جدا .

حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عبد السلام ، عن سالم مولى أبي بصير حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال : كنت جالسا عند عبد العزيز بن مروان فقال : يا فلان ، اذهب إلى فلان فقل له : أي شيء سمعت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . في الصلاة الوسطى ؟ فقال رجل جالس : أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى ، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال : هذه الفجر ، وقبض التي تليها ، فقال : هذه الظهر . ثم قبض الإبهام ، فقال : هذه المغرب . ثم قبض التي تليها ، فقال : هذه العشاء . ثم قال : أي أصابعك بقيت ؟ فقلت : الوسطى . فقال : أي الصلاة بقيت ؟ فقلت : العصر . فقال : هي العصر . غريب أيضا .

حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني محمد بن عوف الطائي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . إسناده لا بأس به .

حديث آخر : قال أبو حاتم بن حبان في صحيحه : حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير ، حدثنا الجراح بن مخلد ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا همام عن قتادة عن مورق العجلي ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الوسطى صلاة العصر " .

وقد روى الترمذي ، من حديث محمد بن طلحة بن مصرف ، عن زبيد اليامي ، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الوسطى صلاة العصر " ثم قال : حسن صحيح .

وأخرجه مسلم في صحيحه ، من طريق محمد بن طلحة ، به ولفظه : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " الحديث .

فهذه نصوص في المسألة لا تحتمل شيئا ، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ، من رواية الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " . وفي الصحيح أيضا ، من حديث الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهاجر عن بريدة بن الحصيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بكروا بالصلاة في يوم الغيم ، فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن أبي تميم ، عن أبي بصرة الغفاري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد من أوديتهم ، يقال له : المخمص صلاة العصر ، فقال : " إن هذه الصلاة صلاة العصر عرضت على الذين من قبلكم فضيعوها ، ألا ومن صلاها ضعف له أجره مرتين ، ألا ولا صلاة بعدها حتى تروا الشاهد " .

ثم قال : رواه عن يحيى بن إسحاق ، عن الليث ، عن خير بن نعيم ، عن عبد الله بن هبيرة ، به .

وهكذا رواه مسلم والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن الليث . ورواه مسلم أيضا من حديث محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن خير بن نعيم الحضرمي ، عن عبد الله ابن هبيرة السبائي .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد أيضا : حدثنا إسحاق ، أخبرني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا ، قالت : إذا بلغت هذه الآية : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فآذني . فلما بلغتها آذنتها ، فأملت علي : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " قالت : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، به .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا الحجاج ، حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان في مصحف عائشة : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر " . وهكذا رواه من طريق الحسن البصري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك . وقد روى الإمام مالك أيضا ، عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إذا بلغت هذه الآية : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فآذني فلما بلغتها آذنتها . فأملت علي : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " .

وهكذا رواه محمد بن إسحاق بن يسار فقال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي ، ونافع مولى ابن عمر : أن عمر بن نافع قال . . . فذكر مثله ، وزاد : كما حفظتها من النبي صلى الله عليه وسلم .

طريق أخرى عن حفصة : قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن عبد الله بن يزيد الأزدي ، عن سالم بن عبد الله : أن حفصة أمرت إنسانا أن يكتب لها مصحفا ، فقالت : إذا بلغت هذه الآية : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فآذني . فلما بلغ آذنها فقالت : اكتب : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " .

طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني ابن المثنى عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فقالت : إذا بلغت هذه الآية : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها . فلما بلغها أمرته فكتبها : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " . قال نافع : فقرأت ذلك المصحف فرأيت فيه " الواو " .

وكذا روى ابن جرير ، عن ابن عباس وعبيد بن عمير أنهما قرآ كذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبدة ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثني أبو سلمة ، عن عمرو بن رافع مولى عمر قال : كان في مصحف حفصة : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " . وتقرير المعارضة أنه عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى بواو العطف التي تقتضي المغايرة ، فدل ذلك على أنها غيرها وأجيب عن ذلك بوجوه : أحدها أن هذا إن روي على أنه خبر ، فحديث علي أصح وأصرح منه ، وهذا يحتمل أن تكون الواو زائدة ، كما في قوله : ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) [ الأنعام : 55 ] ، ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) [ الأنعام : 75 ] ، أو تكون لعطف الصفات لا لعطف الذوات ، كقوله : ( ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) [ الأحزاب : 40 ] ، وكقوله : ( سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى ) [ الأعلى 14 ] وأشباه ذلك كثيرة ، وقال الشاعر :

إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

وقال أبو دؤاد الإيادي :

سلط الموت والمنون عليهم فلهم في صدى المقابر هام

والموت هو المنون ; قال عدي بن زيد العبادي :

فقدمت الأديم لراهشيه فألفى قولها كذبا ومينا

والكذب : هو المين ، وقد نص سيبويه شيخ النحاة على جواز قول القائل : مررت بأخيك وصاحبك ، ويكون الصاحب هو الأخ نفسه ، والله أعلم .

وأما إن روي على أنه قرآن فإنه لم يتواتر ، فلا يثبت بمثل خبر الواحد قرآن ; ولهذا لم يثبته أمير المؤمنين عثمان بن عفان في المصحف الإمام ، ولا قرأ بذلك أحد من القراء الذين تثبت الحجة بقراءتهم ، لا من السبعة ولا غيرهم . ثم قد روي ما يدل على نسخ هذه التلاوة المذكورة في هذا الحديث . قال مسلم : حدثنا إسحاق ابن راهويه ، أخبرنا يحيى بن آدم ، عن فضيل بن مرزوق ، عن شقيق بن عقبة ، عن البراء بن عازب ، قال : نزلت : " حافظوا على الصلوات وصلاة العصر " فقرأناها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ، ثم نسخها الله ، عز وجل ، فأنزل : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فقال له زاهر رجل كان مع شقيق : أفهي العصر ؟ قال : قد حدثتك كيف نزلت ، وكيف نسخها الله ، عز وجل .

قال مسلم : ورواه الأشجعي ، عن الثوري ، عن الأسود ، عن شقيق .

قلت : وشقيق هذا لم يرو له مسلم سوى هذا الحديث الواحد ، والله أعلم . فعلى هذا تكون هذه التلاوة ، وهي تلاوة الجادة ، ناسخة للفظ رواية عائشة وحفصة ، ولمعناها ، إن كانت الواو دالة على المغايرة ، وإلا فللفظها فقط ، والله أعلم .

وقيل : إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب . رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس . وفي إسناده نظر ; فإنه رواه عن أبيه ، عن أبي الجماهر عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن عمه ، عن ابن عباس قال : صلاة الوسطى : المغرب . وحكى هذا القول ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب وحكي أيضا عن قتادة على اختلاف عنه . ووجه هذا القول بعضهم بأنها : وسطى في العدد بين الرباعية والثنائية ، وبأنها وتر المفروضات ، وبما جاء فيها من الفضيلة ، والله أعلم .

وقيل : إنها العشاء الآخرة ، اختاره علي بن أحمد الواحدي في تفسيره المشهور : وقيل : هي واحدة من الخمس ، لا بعينها ، وأبهمت فيهن ، كما أبهمت ليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر . ويحكى هذا القول عن سعيد بن المسيب ، وشريح القاضي ، ونافع مولى ابن عمر ، والربيع بن خثيم ، ونقل أيضا عن زيد بن ثابت ، واختاره إمام الحرمين الجويني في نهايته .

وقيل : بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس ، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر ، وفي صحته أيضا نظر والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري ، إمام ما وراء البحر ، وإنها لإحدى الكبر ، إذ اختاره مع اطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر . وقيل : إنها صلاة العشاء وصلاة الفجر ، وقيل : بل هي صلاة الجماعة . وقيل : صلاة الجمعة . وقيل : صلاة الخوف . وقيل : بل صلاة عيد الفطر . وقيل : بل صلاة عيد الأضحى . وقيل : الوتر . وقيل : الضحى . وتوقف فيها آخرون لما تعارضت عندهم الأدلة ، ولم يظهر لهم وجه الترجيح . ولم يقع الإجماع على قول واحد ، بل لم يزل التنازع فيها موجودا من زمن الصحابة وإلى الآن .

قال ابن جرير : حدثني محمد بن بشار وابن مثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا ، وشبك بين أصابعه .

[ وقد حكى فخر الدين الرازي في تفسيره قولا عن جمع من العلماء منهم زيد بن ثابت ، وربيع بن خثيم : أنها لم يرد بيانها ، وإنما أريد إبهامها ، كما أبهمت ليلة القدر في شهر رمضان ، وساعة الإجابة في يوم الجمعة ، والاسم الأعظم في أسماء الله تعالى ، ووقت الموت على المكلف ; ليكون في كل وقت مستعدا ، وكذا أبهمت الليلة التي ينزل فيها من السماء وباء ليحذرها الناس ، ويعطوا الأهبة دائما ، وكذا وقت الساعة استأثر الله بعلمه ; فلا تأتي إلا بغتة ] .

وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها ، وإنما المدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر . وقد ثبتت السنة بأنها العصر ، فتعين المصير إليها .

وقد روى الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب " فضائل الشافعي " رحمه الله : حدثنا أبي ، سمعت حرملة بن يحيى التجيبي يقول : قال الشافعي : كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ، ولا تقلدوني . وكذا روى الربيع والزعفراني وأحمد بن حنبل ، عن الشافعي . وقال موسى أبو الوليد بن أبي الجارود ، عن الشافعي : إذا صح الحديث وقلت قولا فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك . فهذا من سيادته وأمانته ، وهذا نفس إخوانه من الأئمة ، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين آمين . ومن هاهنا قطع القاضي الماوردي بأن مذهب الشافعي ، رحمه الله ، أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر ، وإن كان قد نص في الجديد وغيره أنها الصبح ، لصحة الأحاديث أنها العصر ، وقد وافقه على هذه الطريقة جماعة من محدثي المذهب ، ولله الحمد والمنة . ومن الفقهاء في المذهب من ينكر أن تكون هي العصر مذهبا للشافعي ، وصمموا على أنها الصبح قولا واحدا . قال الماوردي : ومنهم من حكى في المسألة قولين ، ولتقرير المعارضات والجوابات موضع آخر غير هذا ، وقد أفردناه على حدة ، ولله الحمد والمنة .

وقوله تعالى : ( وقوموا لله قانتين ) أي : خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه ، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة ، لمنافاته إياها ; ولهذا لما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه ، وهو في الصلاة ، اعتذر إليه بذلك ، وقال . " إن في الصلاة لشغلا " ، وفي صحيح مسلم أنه عليه السلام قال لمعاوية بن الحكم [ السلمي ] حين تكلم في الصلاة : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله " .

وقال الإمام أحمد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل ، حدثني الحارث بن شبيل ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن زيد بن أرقم قال : كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحاجة في الصلاة ، حتى نزلت هذه الآية : ( وقوموا لله قانتين ) فأمرنا بالسكوت . رواه الجماعة سوى ابن ماجه ، به ، من طرق عن إسماعيل ، به .

وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء ، حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة ، قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة ، كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح ، قال : كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة ، فيرد علينا ، قال : فلما قدمنا سلمت عليه ، فلم يرد علي ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما سلم قال : " إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة ، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة " .

وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديما ، وهاجر إلى الحبشة ، ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم ، فهاجر إلى المدينة ، وهذه الآية : ( وقوموا لله قانتين ) مدنية بلا خلاف ، فقال قائلون : إنما أراد زيد بن أرقم بقوله : " كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة " الإخبار عن جنس الناس ، واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها ، والله أعلم .

وقال آخرون : إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ، ويكون ذلك فقد أبيح مرتين ، وحرم مرتين ، كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم ، والأول أظهر . والله أيضا أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا بشر بن الوليد ، حدثنا إسحاق بن يحيى ، عن المسيب ، عن ابن مسعود قال : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فوقع في نفسي أنه نزل في شيء ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال : " وعليك السلام ، أيها المسلم ، ورحمة الله ، إن الله ، عز وجل ، يحدث من أمره ما يشاء فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تكلموا " .

حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى

القول في تأويل قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } يعنى تعالى ذكره بذلك : واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهن , وتعاهدوهن والزموهن وعلى الصلاة الوسطى منهن . وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4210 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق بن الحجاج , قال : ثنا أبو زهير , عن الأعمش , عن عن عن مسروق في قوله : { حافظوا على الصلوات } قال : المحافظة عليها : المحافظة على وقتها , وعدم السهو عنها . * حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي , قال : ثنا أبي , عن أبيه , عن جده , عن الأعمش , عن مسلم , عن مسروق في هذه الآية : { حافظوا على الصلوات } فالحفاظ عليها : الصلاة لوقتها , والسهو عنها : ترك وقتها . ثم اختلفوا في الصلاة الوسطى , فقال بعضهم : هي صلاة العصر . ذكر من قال ذلك : 4211 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد جميعا , قالا : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن الحارث , عن علي قال : والصلاة الوسطى " صلاة العصر . 4212 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي , قال : ثنا أبو الأحوص , عن أبي إسحاق , قال : ثني من سمع ابن عباس وهو يقول : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : العصر . * حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مصعب بن سلام , عن أبي حيان , عن أبيه , عن علي قال : والصلاة الوسطى " صلاة العصر . * حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا أبو حيان , عن أبيه , عن علي , مثله . * حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مصعب عن الأجلح , عن أبي إسحاق , عن الحارث , قال : سمعت عليا يقول : " الصلاة الوسطى " : صلاة العصر . * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن أبي إسحاق , عن الحارث , قال : سألت عليا عن الصلاة الوسطى , فقال : صلاة العصر . 4213 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري , قال : ثنا أبو زرعة وهب بن راشد , قال : أخبرنا حيوة بن شريح , قال : أخبرنا أبو صخر أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصهباء البكري يقول : سألت علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى ؟ فقال : هي صلاة العصر , وهي التي فتن بها سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم . 4214 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا سليمان التيمي , وحدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن الفضل , قال : ثنا التيمي , عن أبي صالح , عن أبي هريرة أنه قال : " الصلاة الوسطى " صلاة العصر . * حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن معمر , عن عبد الله بن عثمان بن غنم , عن ابن لبيبة , عن أبي هريرة : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } ألا وهي العصر , ألا وهي العصر . 4215 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا أبي وشعيب بن الليث , عن الليث , عن يزيد بن الهاد , عن ابن شهاب , عن سالم بن عبد الله , عن عبد الله , قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " فكان ابن عمر يرى لصلاة العصر فضيلة للذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أنها الصلاة الوسطى . * حدثني محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا معتمر , عن أبيه , قال : زعم أبو صالح , عن أبي هريرة أنه قال : هي صلاة العصر . * حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , قال : ثني عمي عبد الله بن وهب , قال : أخبرني عمرو بن الحارث , عن ابن شهاب , عن سالم , عن أبيه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه . قال ابن شهاب : وكان ابن عمر يرى أنها الصلاة الوسطى . 4216 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عفان بن مسلم , قال : ثنا همام , عن قتادة , عن الحسن , عن أبي سعيد الخدري قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر . 4217 - حدثني محمد بن معمر , قال : ثنا ابن عامر , قال : ثنا محمد بن أبي حميد , عن حميدة ابنة أبي يونس مولاة عائشة , قالت : أوصت عائشة لنا بمتاعها , فوجدت في مصحف عائشة : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وهي العصر { وقوموا لله قانتين } 4218 - حدثني سعيد بن يحيى الأموي , قال : ثنا أبي , قال : ثنا ابن جريج , قال : أخبرنا عبد الملك بن عبد الرحمن أن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن سألت عائشة عن الصلاة الوسطى , قالت : كنا نقرؤها في الحرف الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين " . * حدثني عباس بن محمد , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حميد ابنة عبد الرحمن أنها سألت عائشة فذكر نحوه , إلا أنه قال : وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " . 4219 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا أبي , عن محمد بن عمرو أبي سهل الأنصاري , عن القاسم بن محمد , عن عائشة في قوله : { الصلاة الوسطى } قالت : صلاة العصر . 4220 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن هشام بن عروة , عن أبيه , قال : كان في مصحف عائشة : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر " . 4221 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن داود بن قيس , قال : ثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال : أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفا وقالت : إذا انتهيت إلى آية الصلاة فأعلمني ! فأعلمتها , فأملت علي : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر " . 4222 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : كان الحسن يقول : الصلاة الوسطى صلاة العصر . * حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر , عن أبيه , قال : ثنا قتادة , عن أبي أيوب , عن عائشة أنها قالت : الصلاة الوسطى : صلاة العصر . * حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا يحيى , عن سليمان التيمي , عن قتادة , عن أبي أيوب , عن عائشة , مثله . 4223 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , قال : ثنا عنبسة , عن المغيرة , عن إبراهيم قال : كان يقال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر . * حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر . 4224 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير : قال : صلاة الوسطى : صلاة العصر . 4225 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن أبي بشر , عن سالم , عن حفصة , أنها أمرت رجلا يكتب لها مصحفا , فقالت : إذا بلغت هذا المكان فأعلمني ! فلما بلغ { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : اكتب صلاة العصر . 4226 - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج بن المنهال , قال : ثنا حماد بن سلمة , قال : أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع , عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فلما أخبرها قالت : اكتب , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر " . 4227 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن عاصم بن بهدلة , عن زر بن حبيش , قال : صلاة الوسطى : هي العصر . 4228 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } كنا نحدث أنها صلاة العصر , قبلها صلاتان من النهار وبعدها صلاتان من الليل . 4229 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : أمروا بالمحافظة على الصلوات , قال : وخص العصر والصلاة الوسطى ; يعني العصر . 4230 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد الله بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والصلاة الوسطى } هي العصر . - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال : " الصلاة الوسطى " : صلاة العصر . 4231 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { حافظوا على الصلوات } يعني المكتوبات , { والصلاة الوسطى } يعني صلاة العصر . * حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا قيس , عن أبي إسحاق , عن رزين بن عبيد , عن ابن عباس , قال : سمعته يقوله : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : صلاة العصر . 4232 - حدثني أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إسرائيل , عن ثور , عن مجاهد , قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر . * حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : ثنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر . * حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن رزين بن عبيد , قال : سمعت ابن عباس يقول : هي صلاة العصر . 4233 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , قال : أنبأنا إسماعيل بن مسلم , عن الحسن , عن سمرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . 4234 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا وهب بن جرير , قال : ثنا أبي , قال : سمعت يحيى بن أيوب , يحدث عن يزيد بن أبي حبيب , عن مرة بن مخمر , عن سعيد بن الحكم , قال : سمعت أبا أيوب يقول : صلاة الوسطى : صلاة العصر . 4235 - حدثنا ابن سفيان , قال : ثنا أبو عاصم , عن مبارك , عن الحسن , قال : صلاة الوسطى : صلاة العصر . وعلة من قال هذا القول ما : 4236 - حدثني به محمد بن معمر , قال : ثنا أبو عامر , قال : ثنا محمد , يعني ابن طلحة , عن زبيد , عن مرة , عن عبد الله , قال : شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى اصفرت أو احمرت , فقال : " شغلونا عن الصلاة الوسطى , ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا " . * حدثني أحمد بن سنان الواسطي , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا محمد بن طلحة , عن زبيد عن مرة , عن عبد الله , عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه , إلا أنه قال : " ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى " . 4237 - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار , قالا : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت قتادة يحدث , عن أبي حسان , عن عبيدة السلماني , عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس , ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا " - أو " بطونهم نارا " شك شعبة في البطون والبيوت . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن زر , قال : قلت لعبيدة السلماني : سل علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى ؟ فسأله فقال : كنا نراها الصبح أو الفجر , حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر , ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا " . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي الضحى , عن شتير بن شكل , عن علي , قال : شغلونا يوم الأحزاب عن صلاة العصر , حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا " , أو " أجوافهم نارا " * حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن الحكم , عن يحيى بن الجزار عن علي , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب على فرضة من فرض الخندق فقال : " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس , ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا " أو " بطونهم وبيوتهم نارا " . * حدثني أبو السائب وسعيد بن نمير , قالا : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن مسلم , عن شتير بن شكل , عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر , ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا " ثم صلاها بين العشاءين , بين المغرب والعشاء . * حدثنا الحسين بن علي الصدائي , قال : ثنا علي بن عاصم , عن خالد , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة السلماني , عن علي , قال : لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر يوم الخندق إلا بعد ما غربت الشمس , فقال : " ما لهم ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا منعونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس " . * حدثنا زكريا بن يحيى الضرير , قال : ثنا عبيد الله , عن إسرائيل , عن عاصم , عن زر , قال : انطلقت أنا وعبيدة السلماني إلى علي , فأمرت عبيدة أن يسأله عن الصلاة الوسطى , فقال : يا أمير المؤمنين ما الصلاة الوسطى ؟ فقال : كنا نراها صلاة الصبح , فبينا نحن نقاتل أهل خيبر , فقاتلوا , حتى أرهقونا عن الصلاة , وكان قبيل غروب الشمس , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم املأ قلوب هؤلاء القوم الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى وأجوافهم نارا " أو " املأ قلوبهم نارا " قال : فعرفنا يومئذ أنها الصلاة الوسطى . * حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن أبي حسان الأعرج , عن عبيدة السلماني , عن علي بن أبي طالب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : " اللهم املأ قلوبهم وبيوتهم نارا , كما شغلونا " - " أو كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس " . * حدثنا سليمان بن عبد الجبار , قال : ثنا ثابت بن محمد , قال : ثنا محمد بن طلحة , عن زبيد , عن مرة , عن ابن مسعود , قال : حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر , حتى اصفرت الشمس أو احمرت , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم وقلوبهم نارا " - أو " حشا الله قلوبهم وبيوتهم نارا " . 4238 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي , قال : ثنا سهل بن عامر , قال : ثنا مالك بن مغول , قال : سمعت طلحة , قال : صليت مع مرة في بيته , فسها - أو قال : نسي - فقام قائما يحدثنا , وقد كان يعجبني أن أسمعه من ثقة قال : لما كان يوم الخندق - يعني يوم الأحزاب - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لهم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر , ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا " . 4239 - حدثنا أحمد بن منيع , قال : ثنا عبد الوهاب , عن ابن عطاء , عن التيمي , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الوسطى صلاة العصر " . 4240 - حدثني علي بن مسلم الطوسي , قال : ثنا عباد بن العوام , عن هلال بن خباب , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له , فحبسه المشركون عن صلاة العصر حتى أمسى بها , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم املأ بيوتهم وأجوافهم نارا , كما حبسونا عن الصلاة الوسطى " . * حدثنا موسى بن سهل الرملي , قال : ثنا إسحاق , عن عبد الواحد الموصلي , قال : ثنا خالد بن عبد الله عن ابن أبي ليلى , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس , ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا " . * حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا خالد , عن ابن أبي ليلى , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , قال : شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " شغلونا عن الصلاة الوسطى , ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا " أو " أجوافهم نارا " . 4241 - حدثني المثنى , قال : ثنا سليمان بن أحمد الحرشي الواسطي , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال أخبرني صدقة بن خالد , قال : حدثني خالد بن دهقان , عن جابر بن سيلان , عن كهيل بن حرملة , قال : سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى , فقال : اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفينا الرجل الصالح أبو هشام بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس , فقال : أنا أعلم لكم ذلك . فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فدخل عليه , ثم خرج إلينا فقال : أخبرنا أنها صلاة العصر . 4242 - حدثني الحسين بن علي الصدائي , قال : ثنا أبي , وحدثنا ابن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد , قالا جميعا : ثنا فضيل بن مسروق , عن شقيق بن عقبة العبدي , عن البراء بن عازب , قال : نزلت هذه الآية : " حافظوا على الصلوات وصلاة العصر " قال : فقرأتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن نقرأها , ثم إن الله نسخها , فأنزل : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } قال : فقال رجل كان مع شقيق : فهي صلاة العصر ! قال : قد حدثتك كيف نزلت , وكيف نسخها الله , والله أعلم . * حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا يزيد بن زريع , وحدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن بكر ومحمد بن عبد الله الأنصاري , قالا جميعا : ثنا سعيد بن أبي عروبة , وحدثنا ! أبو كريب , قال : ثنا عبدة بن سليمان ومحمد بن بشر وعبد الله بن إسماعيل , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن , عن سمرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . * حدثني عصام بن رواد بن الجراح , قال : ثنا أبي , قال : ثنا سعيد بن بشير , عن قتادة , عن الحسن عن سمرة , قال : أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , أن الصلاة الوسطى هي العصر . 4243 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن سليمان , عن أبي الضحى , عن شتير بن شكل , عن أم حبيبة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس " قال أبو موسى : هكذا قال ابن أبي عدي . 4244 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن يونس , عن الحسن , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي العصر " 4245 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا عبد السلام , عن سالم مولى أبي نصير , قال : ثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي , قال : كنت جالسا عند عبد العزيز بن مروان , فقال : يا فلان اذهب إلى فلان فقل له : أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى ؟ فقال رجل جالس : أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى , فأخذ إصبعي الصغيرة فقال : " هذه الفجر " , وقبض التي تليها وقال : " هذه الظهر " , ثم قبض الإبهام فقال : " هذه المغرب " , ثم قبض التي تليها ثم قال : " هذه العشاء " , ثم قال : " أي أصابعك بقيت ؟ " فقلت : الوسطى , فقال : " أي صلاة بقيت ؟ " قلت : العصر , قال : " هي العصر " . 4246 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذكر لنا أن المشركين شغلوهم يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى غابت الشمس , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس , ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا " . * حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا عمرو , عن أبي سلمة , قال : ثنا صدقة , عن سعيد , عن قتادة , عن أبي حسان , عن عبيدة السلماني , عن علي بن أبي طالب , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب : " اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس " . 4247 - حدثني محمد بن عوف الطائي , قال : ثني محمد بن إسماعيل بن عياش , قال : ثنا أبي , قال : ثني ضمضم بن زرعة , عن شريح بن عبيد , عن أبي مالك الأشعري , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . وقال آخرون : بل الصلاة الوسطى صلاة الظهر . ذكر من قال ذلك : 4248 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عفان , قال : ثنا همام , قال : ثنا قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن ابن عمر , عن زيد بن ثابت , قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر . * حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي , قال : ثنا أبو عامر , قال : ثنا شعبة , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن ابن عمر , عن زيد , يعني ابن ثابت , مثله . * حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن سعد بن إبراهيم , قال : سمعت حفص بن عاصم يحدث عن زيد بن ثابت , قال : الصلاة الوسطى الظهر . * حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا سليمان بن داود , قال : ثنا شعبة , وحدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن شعبة , قال : أخبرني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب , قال : سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان , يحدث عن أبيه , عن زيد بن ثابت , قال : الصلاة الوسطى هي الظهر . 4249 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة , قال : ثنا عبد الصمد , قال : ثنا شعبة , عن عمر بن سليمان هكذا قال أبو زائدة , عن عبد الرحمن بن أبان , عن أبيه , عن زيد بن ثابت في حديثه رفعه : " الصلاة الوسطى صلاة الظهر " . 4250 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا عبد الله بن يزيد , قال : ثنا حيوة بن شريح وابن لهيعة , قالا : ثنا أبو عقيل زهرة بن معبد , أن سعيد بن المسيب حدثه أنه كان قاعدا هو وعروة بن الزبير وإبراهيم بن طلحة , فقال سعيد بن المسيب : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : " الصلاة الوسطى هي الظهر " , فمر علينا عبد الله بن عمر , فقال عروة : أرسلوا إلى ابن عمر فاسألوه ! فأرسلوا إليه غلاما فسأله , ثم جاءنا الرسول فقال يقول : هي صلاة الظهر . فشككنا في قول الغلام , فقمنا جميعا , فذهبنا إلى ابن عمر , فسألناه , فقال : هي صلاة الظهر . * حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا العوام بن حوشب , قال : ثني رجل من الأنصار , عن زيد بن ثابت أنه كان يقول : هي الظهر . * حدثني أحمد بن إسحاق , ثنا أبو أحمد , قال : ثنا ابن أبي ذئب , وحدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا ابن أبي ذئب , عن الزبرقان بن عمرو , عن زيد بن ثابت , قال : الصلاة الوسطى : صلاة الظهر . * حدثنا المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , قال : أخبرنا عبيد الله , عن نافع , عن زيد بن ثابت أنه قال : الصلاة الوسطى : هي صلاة الظهر . 4251 - حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرنا نافع بن يزيد , قال : ثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان , قال : ثني عبد الله بن دينار , عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن الصلاة الوسطى , قال : هي التي على أثر الضحى . 4252 - حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : ثنا نافع بن يزيد , قال : ثني الوليد بن أبي الوليد أن سلمة بن أبي مريم حدثه أن نفرا من قريش أرسلوا إلى عبد الله بن عمر يسألونه عن الصلاة الوسطى , فقال له : هي التي على أثر صلاة الضحى . فقالوا له : ارجع واسأله , فما زادنا إلا عيا بها ! فمر بهم عبد الرحمن بن أفلح مولى عبد الله بن عمر , فأرسلوا إليه أيضا , فقال . هي التي توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة . * حدثني ابن البرقي قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرنا نافع , قال : ثني زهرة بن - معبد , قال : ثني سعيد بن المسيب : أنه كان قاعدا هو وعروة وإبراهيم بن طلحة , فقال له سعيد : سمعت أبا سعيد يقول : إن صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى . فمر علينا ابن عمر فقال عروة : أرسلوا إليه فاسألوه ! فسأله الغلام فقال : هي الظهر , فشككنا في قول الغلام , فقمنا إليه جميعا , فسألناه , فقال : هي الظهر . 4253 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عثمان بن عمر , قال : ثنا أبو عامر , عن عبد الرحمن بن قيس , عن ابن أبي رافع , عن أبيه - وكان مولى لحفصة - قال : استكتبتني حفصة مصحفا وقالت لي : إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أمليها عليك كما أقرأنيها ! فلما أتيت على هذه الآية : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } أتيتها , فقالت : اكتب : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر . فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت , فقلت : يا أبا المنذر إن حفصة قالت كذا وكذا . قال : هو كما قالت , أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في غنمنا ونواضحنا ؟ وعلة من قال ذلك ما : 4254 - حدثنا به محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : أخبرني عمرو بن أبي حكيم , قال : سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير , عن زيد بن ثابت , قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة , ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها , قال : فنزلت { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وقال : " إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين " . 4255 - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال . أخبرنا ابن أبي ذئب , عن الزبرقان قال : إن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت , فأرسلوا إليه رجلين يسألانه عن الصلاة الوسطى , فقال زيد : هي الظهر . فقام رجلان منهم فأتيا أسامة بن زيد فسألاه عن الصلاة الوسطى , فقال : هي الظهر , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير , فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان , الناس يكونون في قاتلتهم وفي تجارتهم , فقال رسول الله : " لقد هممت أن أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة بيوتهم " قال : فنزلت هذه الآية : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وكان آخرون يقرءون ذلك : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " . ذكر من كان يقول ذلك كذلك . 4256 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي بشر , عن عبد الله بن يزيد الأزدي , عن سالم بن عبد الله , أن حفصة أمرت إنسانا فكتب مصحفا , فقالت : إذا بلغت هذه الآية : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فآذني ! فلما بلغ آذنها , فقالت : اكتب : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " . 4257 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا عبيد الله , عن نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فقالت : إذا بلغت هذه الآية : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها . فلما بلغها أمرته فكتبها : وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين و ; قال نافع : فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه " الواو " . 4258 - حدثنا الربيع بن سليمان , قال : ثنا أسد بن موسى , قال : ثنا حماد بن سلمة , عن عبيد الله بن عمر , عن نافع , عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى آمرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . فلما أخبرها قالت : اكتب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " . 4259 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عبدة بن سليمان , قال : ثنا محمد بن عمرو , قال : ثني أبو سلمة , عن عمرو بن رافع مولى عمر , قال : كان مكتوبا في مصحف حفصة : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " . * حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري , قال : ثنا أبي وشعيب , عن الليث , قال : ثنا خالد بن يزيد , عن ابن أبي هلال , عن زيد , عن عمرو بن رافع , قال : دعتني حفصة فكتبت لها مصحفا , فقالت : إذا بلغت آية الصلاة فأخبرني ! فلما كتبت : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قالت : " وصلاة العصر " أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . 4260 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثني أبي وشعيب بن الليث , عن الليث , قال : أخبرني خالد بن يزيد , عن ابن أبي هلال , عن زيد أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة , مثل ذلك . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني الليث , قال : حدثني خالد , عن سعيد , عن زيد بن أسلم أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة , عن عائشة , مثل ذلك 4261 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا وهب بن جرير , قالا : أخبرنا شعبة , عن أبي إسحاق , عن عمير بن مريم , عن ابن عباس : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " . 4262 - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا يزيد بن هارون , مال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان , عن عطاء قال : كان عبيد بن عمير يقرأ : وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عثمان بن عمر , قال : ثنا أبو عامر , عن عبد الرحمن بن قيس , عن ابن أبي رافع , عن أبيه - وكان مولى حفصة - قال : استكتبتني حفصة مصحفا وقالت : إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أمليها عليك كما أقرئتها , فلما أتيت على هذه الآية : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } أتيتها , فقالت : اكتب " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت , فقلت : يا أبا المنذر إن حفصة قالت كذا وكذا . قال : هو كما قالت , أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في نواضحنا وغنمنا ؟ وقال آخرون : بل الصلاة الوسطى صلاة المغرب . ذكر من قال ذلك : 4263 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا عبد السلام , عن إسحاق بن أبي فروة , عن رجل عن قبيصة بن ذؤيب , قال : الصلاة الوسطى صلاة المغرب , ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر , وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها ؟ قال أبو جعفر : ووجه قبيصة بن ذؤيب قوله الوسطى إلى معنى التوسط , الذي يكون صفة للشيء يكون عدلا بين الأمرين , كالرجل المعتدل القامة , الذي لا يكون مفرطا طوله ولا قصيرة قامته , ولذلك قال : ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها . وقال آخرون : بل الصلاة الوسطى التي عناها الله بقوله : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } هي صلاة الغداة . ذكر من قال ذلك : 4264 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عفان , قال : ثنا همام , قال : ثنا قتادة , عن صالح أبي الخليل , عن جابر بن زيد , عن ابن عباس , قال : الصلاة الوسطى صلاة الفجر . 4265 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر , عن عوف , عن أبي رجاء قال : صليت مع ابن عباس الغداة في مسجد البصرة , فقنت بنا قبل الركوع وقال : هذه الصلاة الوسطى التي قال الله : { وقوموا لله قانتين } * حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن عوف , عن أبي رجاء العطاردي , قال : صليت خلف ابن عباس , فذكر نحوه . * حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي , قال : ثنا شريك , عن عوف الأعرابي , عن أبي رجاء العطاردي , قال : صليت خلف ابن عباس الفجر , فقنت فيها ورفع يديه , ثم قال : هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين . * حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عوف , عن أبي رجاء , قال : صلى بنا ابن عباس الفجر , فلما فرغ , قال : إن الله قال في كتابه : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فهذه الصلاة الوسطى . * حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مروان , يعني ابن معاوية , عن عوف , عن أبي رجاء العطاردي , عن ابن عباس نحوه . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال . ثنا عوف , عن أبي المنهال , عن أبي العالية , عن ابن عباس أنه صلى الغداة في مسجد البصرة , فقنت قبل الركوع وقال : هذه الصلاة الوسطى التي ذكر الله { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } 4266 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا المهاجر , عن أبي العالية , قال : سألت ابن عباس بالبصرة ههنا , وإن فخذه لعلى فخذي , فقلت : يا أبا فلان أرأيتك صلاة الوسطى التي ذكر الله في القرآن , ألا تحدثني أي صلاة هي ؟ قال : وذلك حين انصرفوا من صلاة الغداة , فقال : أليس قد صليت المغرب والعشاء الآخرة ؟ قل : قلت بلى , قال : ثم صليت هذه ؟ قال : ثم تصلي الأولى والعصر ؟ قال : قلت بلى . قال : فهي هذه . 4267 - حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : أخبرنا الربيع بن أنس , عن أبي العالية , قال : صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة زمن عمر صلاة الغداة , قال : فقلت لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبي : ما الصلاة الوسطى ؟ قال : هذا الصلاة . 4268 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج قال : ثنا حماد , قال : أخبرنا عوف , عن خلاس بن عمرو , عن ابن عباس أنه صلى الفجر , فقنت قبل الركوع , ورفع أصبعيه , قال : هذه الصلاة الوسطى . 4269 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , عن أبي العالية , أنه صلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة , فلما أن فرغوا قال : قلت لهم : أيتهن الصلاة الوسطى ؟ قالوا : التي صليتها قبل . 4270 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن عثمة , قال : ثنا سعيد بن بشير , عن قتادة , عن جابر بن عبد الله قال الصلاة الوسطى صلاة الصبح . 4271 - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان , قال : كان عطاء يرى أن الصلاة الوسطى صلاة الغداة . 4272 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال ثنا الحسين بن واقد , عن يزيد النحوي , عن عكرمة في قوله : { والصلاة الوسطى } قال : صلاة الغداة . 4273 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : الصبح . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4274 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن حصين , عن عبد الله بن شداد بن الهاد , قال : الصلاة الوسطى صلاة الغداة . 4275 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : الصلاة الوسطى صلاة الغداة . وعلة من قال هذه المقالة , أن الله تعالى ذكره قال : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } بمعنى : وقوموا لله فيها قانتين . قال : فلا صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس فيها قنوت سوى صلاة الصبح , فعلم بذلك أنها هي دون غيرها . وقال آخرون : هي إحدى الصلوات الخمس , ولا نعرفها بعينها . ذكر من قال ذلك : 4276 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني هشام بن سعد , قال : كنا عند نافع ومعنا رجاء بن حيوة , فقال لنا رجاء : سلوا نافعا عن الصلاة الوسطى ! فسألناه , فقال : قد سأل عنها عبد الله بن عمر رجل , فقال : هي فيهن , فحافظوا عليهن كلهن . 4277 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , عن قيس بن الربيع , عن نسير بن ذعلوق , عن أبي فطيمة قال : سألت الربيع بن خيثم عن الصلاة الوسطى , قال : أرأيت إن علمتها كنت محافظا عليها ومضيعا سائرهن ؟ قلت : لا . فقالا : فإنك إن حافظت عليهن فقد حافظت عليها . 4278 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى , قالا : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب , قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هكذا , يعني مختلفين في الصلاة الوسطى . وشبك بين أصابعه . والصواب من القول في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها قبل في تأويله , وهو أنها العصر . والذي حث الله تعالى ذكره عليه من ذلك , نظير الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث عليه . كما : 4279 - حدثني به أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي , قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا أبي , عن محمد بن إسحاق , قال : ثني يزيد بن أبي حبيب , عن جبر بن نعيم الحضرمي , عن عبد الله بن هبيرة النسائي , قال : وكان ثقة , عن أبي تميم الجيشاني , عن أبي بصرة الغفاري , قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر , فلما انصرف , قال : " إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فتوانوا فيها وتركوها , فمن صلاها منكم أضعف أجره ضعفين , ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد " . والشاهد النجم . 4280 - حدثني علي بن داود , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني الليث , قال : ثني جبر بن نعيم , عن ابن هبيرة , عن أبي تميم الجيشاني , أن أبا بصرة الغفاري , قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمغمس , فقال : " إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها وتركوها , فمن حافظ عليها منكم أوتي أجرها مرتين " . وقال صلى الله عليه وسلم : " بكروا بالصلاة في يوم الغيم , فإنه من فاتته العصر حبط عمله " . 4281 - حدثنا بذلك أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا أيوب بن سويد , عن أبي قلابة , عن أبي المهاجر , عن بريدة , عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " . وقال صلى الله عليه وسلم : " من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يلج النار " فحث صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها حثا لم يحث مثله على غيرها من الصلوات وإن كانت المحافظة على جميعها واجبة , فكان بينا بذلك أن التي حض الله بالحث على المحافظة عليها بعد ما عم الأمر بها جميع المكتوبات هي التي اتبعه فيها نبيه صلى الله عليه وسلم , فخصها من الحض عليها بما لم يخصص به غيرها من الصلوات , وحذر أمته من تضييعها ما حل بمن قبلهم من الأمم التي وصف أمرها , ووعدهم من الأجر على المحافظة عليها ضعفي ما وعد على غيرها من سائر الصلوات , وأحسب أن ذلك كان كذلك , لأن الله تعالى ذكره جعل الليل سكنا والناس من شغلهم بطلب المعاش , والتصرف في أسباب المكاسب هادئون إلا القليل منهم , وللمحافظة على فرائض الله , وإقام الصلوات المكتوبات فازعون , وكذلك ذلك في صلاة الصبح , لأن ذلك وقت قليل من يتصرف فيه للمكاسب والمطالب , ولا مؤنة عليهم في المحافظة عليها . وأما صلاة الظهر فإن وقتها وقت قائلة الناس , واستراحتهم من مطالبهم في أوقات شدة الحر , وامتداد ساعات النهار ووقت توديع النفوس , والتفرغ لراحة الأبدان في أوان البرد وأيام الشتاء , وأن المعروف من الأوقات لتصرف الناس في مطالبهم ومكاسبهم والاشتغال بسعيهم لما لا بد منه لهم من طلب أقواتهم وقتان من النهار : أحدهما أول النهار بعد طلوع الشمس إلى وقت الهاجرة , وقد خفف الله تعالى ذكره فيه عن عباده عبء تكليفهم في ذلك الوقت , وثقل ما يشغلهم عن سعيهم في مطالبهم ومكاسبهم , وإن كان قد حثهم في كتابه وعلى لسان رسوله في ذلك الوقت على صلاة ووعدهم عليها الجزيل من ثوابه , من غير أن يفرضها عليهم , وهي صلاة الضحى . والآخر منهما آخر النهار , وذلك من بعد إبراد الناس , إمكان التصرف , وطلب المعاش صيفا وشتاء إلى وقت مغيب الشمس وفرض عليهم فيه صلاة العصر , ثم حث على المحافظة عليها لئلا يضيعوها لما علم من إيثار عباده أسباب عاجل دنياهم وطلب معايشهم فيها على أسباب آجل آخرتهم , بما حثهم به عليه في كتابه , وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم , ووعدهم من جزيل ثوابه على المحافظة عليها ما قد ذكرت بعضه في كتابنا هذا . وسنذكر باقيه في كتابنا الأكبر إن شاء الله من كتاب أحكام الشرائع . وإنما قيل لها الوسطى : لتوسطها الصلوات المكتوبات الخمس , وذلك أن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين , وهي بين ذلك وسطاهن , والوسطى : الفعلى من قول القائل : وسطت القوم أسطهم سطة ووسوطا : إذا دخلت وسطهم , ويقال للذكر فيه : هو أوسطنا , وللأنثى هي وسطانا .وقوموا لله قانتين

القول في تأويل قوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } اختلف أهل التأويل في معنى قوله { قانتين } فقال بعضهم : معنى القنوت : الطاعة , ومعنى ذلك : وقوموا لله في صلاتكم , مطيعين له فيما أمركم به فيها ونهاكم عنه . ذكر من قال ذلك : 4282 - حدثني علي بن سعيد الكندي , قال : ثنا عبد الله بن المبارك , عن ابن عون , عن الشعبي في قوله : { وقوموا لله قانتين } قال : مطيعين . * حدثني أبو السائب سلم بن جنادة , قال : ثنا ابن إدريس , عن ابن عون , عن الشعبي , مثله . 4283 - حدثني ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا أبو المنيب , عن جابر بن زيد : { وقوموا لله قانتين } يقول : مطيعين . 4284 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا ابن إدريس , عن عثمان بن الأسود , عن عطاء : { وقوموا لله قان

التدبر :

وقفة
[238] إن الله سبحانه وتعالى يعطي الدنيا على نية الآخرة، وأبى أن يعطي الآخرة على نية الدنيا؛ خلل حال المرء في دنياه ومعاده إنما هو عن خلل حال دينه، وملاك دينه وأساسه إيمانه وصلاته؛ فمن حافظ على الصلوات أصلح الله حال دنياه وأخراه.
وقفة
[238] في ذكر الصلاة ضمن آيات الطلاق دليل على أن محافظة الأسرة على الصلاة من أهم أسباب استقرارها وسعادتها ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾.
وقفة
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ هذه الآية بين آيات الطلاق لترسل رسالة: أقم صلاتك تستقم حياتك.
عمل
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ حافظ على جميع الصلوات في وقتها؛ وخصوصًا صلاة العصر.
وقفة
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ تخصيص الوصية بالصلاة الوسطى لأنه ليس لها نافلة تجبر نقصها.
وقفة
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ مجيء هذه الآية بين آيات الطلاق؛ لتصور لنا ما يجب أن يكون عليه المؤمن إذا سمع نداء الله -وهو منهمك في معركة الحياة-، فكأنه بهذا الأسلوب ينادينا: إنه ليس شأن المؤمن أن يحتاج إلى كبير معالجة للتسامي بروحه فوق مشاعر الأهل والولد، وإنما شأنه أن ينتشل نفسه من غمرتها انتشالًا فوريًّا؛ ليسرع إلى تلبية ذلك النداء الأقدس قائلًا للدنيا كلها: «ذريني أتعبد لربي».
وقفة
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ قال صلى الله عليه وسلم: «حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا» [البخاري 4533].
عمل
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ لا تترك صلاتك أبدًا، فهناك الملايين تحت القبور يتمنون لو تعود بهم الحياه ليسجدوا ولو سجدة واحدة، اللهم هب لي قلبًا لا يتكاسل عن الصلاة ولا يؤخرها.
وقفة
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ بيانُ عفو الله عز وجل وتخفيفه عنا بأنه لم يكلفنا ما يشق علينا من المحافظة على إتمام صفة الصلاة عند الخوف، فكأنه تعالى يقول: (كما عفوت عنكم، وخففت عليكم؛ فاعفوا أنتم عن أزواجكم وخففوا عليهنَّ).
وقفة
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ أجيال من الأمم قبل هذه الأمة كانت تقيم الصلاة، أغواها الشيطان فأغفت لدى بارقة العصر؛ فضلَّت قوافلها الطريق.
وقفة
[238] ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ اصطبري يا أبدانُ على إدامة التطهُّرِ بنهر النور، فإنَّ غُصْنًا ينبت في جوار الغدير لا يجفُّ أبدًا! إن لم ينل من فيضه نال من طلِّه، وإن لم يَرِدْ من ربيعه ورد من نداه!
لمسة
[238] ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾ الأمر بالصلاة بين آيات الطلاق لها سببان: أولًا: حتى لا ينشغل الزوجين بالمشكلات العائلية عن الصلاة فيتركوها، والثاني: لئلا يحيف أحدهما على الآخر، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وقفة
[238] ﴿وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ أبهم الصلاة الوسطى فكأن المراد الاهتمام بكل الصلوات.
وقفة
[238] ﴿وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ﴾ لِمَ نزلت هذه الآية؟ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ». [البخاري 4534].

الإعراب :

  • ﴿ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ:
  • حافظوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة. على الصلوات: جار ومجرور متعلق بحافظوا.
  • ﴿ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى:
  • الواو: عاطفة الصلاة معطوفة على «الصَّلَواتِ» مجرورة مثلها بالكسرة. الوسطى: صفة «نعت» للصلاة مجرورة مثلها وعلامة جرها: الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ:
  • الواو: عاطفة قوموا معطوفة على «حافِظُوا» وتعرب اعرابها. لله: اللام: حرف جر. لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم باللام وعلامة الجر: الكسرة والجار والمجرور متعلق بقوموا.
  • ﴿ قانِتِينَ:
  • : حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون: عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن أرقم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلتوَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.وفي رواية للبخاري، إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلتحَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) فأمرنا بالسكوت. 2 - أخرج الإمام أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها قال فنزلتحَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون هذه الروايات وجعلوها من أسباب نزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور وغيرهم. وعند النظر في حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أجد أنه مشكل من وجهين: الأول: قوله: ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها فإن أراد بالأصحاب أهل الإيمان منهم فهذه الحال لا تنطبق عليهم فقد وصفهم الله في كتابه بأجمل الأوصاف فقال عنهممُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ... ) الآية. فقولهوَالَّذِينَ مَعَهُ) هم أصحابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن أراد بقوله أصحاب الظاهر وهم المنافقون فهذه الحال أيضاً لا تنطبق عليهم لما روى مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إن أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ... الحديث). الوجه الثاني: استدلاله بالآية على أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر وهذا يخالف النص الصحيح الصريح من سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر فقد أخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الأحزابشغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا) ثم صلاها بين العشائين بين المغرب والعشاء. وبهذا يتبين أن حديث زيد بن ثابت غير محفوظ فلا يستقيم الاحتجاج به على السببية، إذ مقتضى الاستدلال به أن نضرب بكتاب الله سنةَ رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصحيحة وهذا أمر يبرأ منه من له أدنى حظ من علم أو إيمان والله المستعان. وعند النظر في حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يظهر لنا الإشكال التالي: وهو أن ظاهر الحديث أن تحريم الكلام في الصلاة إنما كان في المدينة لأن الآية مدنية بالاتفاق وهذا يخالف بظاهره حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فقد روى الشيخان عنه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كنا نسلِّم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي فيردّ علينا فلما رجعنا من عند النجاشي، سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا: يا رسول الله، إنا كنا نسلم عليك فترد علينا؟ قال: إن في الصلاة شغلاً. وهذا يدل على أن تحريم الكلام في الصلاة سابقٌ للهجرة إلى المدينة لأن هجرتهم إلى الحبشة قبلها قطعًا فما الجواب؟ فالجواب من خمسة أوجه: أولاًأن زيد بن أرقم أراد بقوله: كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة، الإخبار عن جنس الكلام واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها. ثانياً: أنه أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ويكون ذلك قد أُبيح مرتين وحرم مرتين) اهـ. ثالثاًأن تحريم الكلام كان بمكة وحملوا حديث زيد بن أرقم على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ وقالوا: لا مانع أن يتقدم الحكم ثم تنزل الآية بوفقه). رابعاً: ذهب آخرون إلى الترجيح فقالوا يترجح حديث ابن مسعود لأنه حكى لفظ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف زيد بن أرقم فلم يحكه. خامساً: قالوا: إن ابن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أراد بقوله: فلما رجعنا، رجوعه الثاني وذلك أن بعض المسلمين هاجر إلى الحبشة ثم بلغهم أن المشركين أسلموا فرجعوا إلى مكة فوجدوا الأمر بخلاف ذلك واشتد الأذى عليهم فخرجوا إليها أيضاً فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى وكان ابن مسعود مع الفريقين، وقد ورد أنه قدم المدينة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتجهز إلى بدر، فظهر أن اجتماعه بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد رجوعه كان بالمدينة وإلى هذا الجمع نحا الخطابي ويقوي هذا الجمع رواية كلثوم فإنها ظاهرة في أن كلاً من ابن مسعود وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قوله تعالىوَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) اهـ بتصرف. قلت: رواية كلثوم التي أشار إليها ابن حجر هي قول عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كنت آتي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي، فأسلم عليه فيرد عليَّ، فأتيته فسلمتُ عليه وهو يصلي فلم يرد عليَّ فلما سلم أشار إلى القوم فقال: إن الله - عَزَّ وَجَلَّ - يعني أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر الله وما ينبغي لكم وأن تقوموا للَّه قانتين. فقول عبد الله في الحديث وأن تقوموا للَّه قانتين مع حديث زيد بن أرقم يدلان على أن القصة واحدة وأن ذلك كان بالمدينة. بل لو قدرنا جدلاً أن ابن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لم يذكر في حديثه وقوموا لله قانتين واقتصر ذكرها في حديث زيد بن أرقم لما كان في هذا إشكال لأن التحريم سيكون حينئذٍ ثابتاً بحديث زيد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ويكون مجيء ابن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إلى المدينة بعد تحريم الكلام في الصلاة ولهذا قال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن في الصلاة شغلاً. وهذا القول الأخير في الجمع بين الحديثين هو أصح الأقوال التي ذكرها ابن حجر والله أعلم. * النتيجة: أن سبب نزول الآية ما دلّ عليه حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من أن الصحابة كانوا يتكلمون في الصلاة فيما بينهم عن حوائجهم فأنزل الله الآية آمرةً بالمحافظة على الصلاة والسكوت فيها ناهيةً عن الكلام الذي ليس من شأنها. لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية واحتجاج المفسرين به والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [238] لما قبلها :     وفي أثناء الحديث عن الطلاق نجد الأمر بالمحافظةِ على الصلاةِ؛ لأنَّ محافظةَ الأسرةِ على الصلاةِ من أهمِّ أسبابِ استقرارِها وسعادتِها، قال تعالى:
﴿ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ

القراءات :

والصلاة الوسطى:
وقرئ:
1- والصلاة الوسطى صلاة العصر، وهى قراءة أبى، وابن عباس، وعبيد بن عمير.
2- وعلى الصلاة الوسطى، بإعادة الجار، على سبيل التوكيد، وهى قراءة عبد الله.
3- بنصب «الصلاة» ، وهى قراءة عائشة. قال الزمخشري: النصب، على المدح والاختصاص.
4- الوسطى، بالصاد، وهى قراءة قالون، أبدلت السين صادا، لمجاورة الطاء.

مدارسة الآية : [239] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا ..

التفسير :

[239] فإن خفتم من عَدوٍّ لكم فصلُّوا صلاة الخوف ماشين، أو راكبين، على أي هيئة تستطيعونها ولو بالإيماء، أو إلى غير جهة القبلة، فإذا زال خوفكم فصلُّوا صلاة الأمن، واذكروا الله فيها، ولا تنقصوها عن هيئتها الأصلية، واشكروا له على ما علَّمكم من أمور العبادات و

{ فَإِنْ خِفْتُمْ} لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع، وغير ذلك من أنواع المخاوف، أي:إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها{ رِجَالًا} أي:ماشين على أقدامكم،{ أَوْ رُكْبَانًا} على الخيل والإبل وغيرها، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت{ فَإِذَا أَمِنْتُمْ} أي:زال الخوف عنكم{ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها{ كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها.

والفاء في قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً للتفريع أى: حافظوا على الصلاة في كل وقت، وأدوها بخشوع واطمئنان، فإن كان بكم خوف من عدو في حال المقاتلة في الحرب أو من غيره لسبب من الأسباب، فصلوا راجلين أى ماشين على الأقدام، أو راكبين على ركائبكم بإيماء، سواء وليتم وجوهكم شطر القبلة أولا.

و (رجالا) جمع راجل. وهو القوى على المشي برجليه. يقال: رجل الإنسان يرجل رجلا إذا لم يحد ما يركبه ومشى على قدميه، والركبان جمع راكب للجمل أو الفرس أو غيرهما.

وجواب الشرط محذوف والتقدير: فإن خفتم فصلوا راجلين أو راكبين، وهذان اللفظان أى- رجالا أو ركبانا- حالان من الضمير في «فصلوا» المحذوف.

والآية الكريمة تدل على شدة عناية الإسلام بشأن الصلاة، فقد أمر الله- تعالى- عباده بأن يحافظوا عليها في حالتي الأمن والخوف، والصحة والمرض، والسفر والإقامة..

وقد بسط هذا المعنى الأستاذ الإمام محمد عبده فقال ما ملخصه: وقوله- تعالى-: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً هذا تأكيد للمحافظة على الصلاة، وبيان أنها لا تسقط بحال، لأن حال الخوف على النفس أو العرض أو المال هو مظنة العذر في الترك كما يكون السفر عذرا في ترك الصيام.. والسبب في عدم سقوط الصلاة عن المكلف بحال أنها عمل قلبي، وإنما فرضت تلك الأعمال الظاهرة لأنها مساعدة على العمل القلبي المقصود بالذات، وهو تذكر سلطان الله- تعالى- المستولى علينا وعلى العالم كله، ومن شأن الإنسان إذا أراد عملا قلبيا يجتمع فيه الذكر أن يستعين على ذلك ببعض ما يناسبه من قول وعمل.

ولا ريب أن هذه الهيأة التي اختارها الله- تعالى- للصلاة هي أفضل معين على استحضار سلطانه فإن قولك «الله أكبر» في فاتحة الصلاة وعند الانتقال فيها من عمل إلى عمل يعطيك من الشعور بكون الله أكبر وأعظم من كل شيء ما يغمر روحك، ويستولى على إرادتك..

وكذلك الشأن في سائر أعمال الصلاة.

فإذا تعذر عليك الإتيان ببعض تلك الأعمال البدنية فإن ذلك لا يسقط عنك هذه العبادة القلبية التي هي روح الصلاة وغيرها، وهي الإقبال على الله- تعالى- واستحضار سلطانه، مع الإشارة إلى تلك الأعمال بقدر الإمكان الذي لا يمنع من مدافعة الخوف الطارئ من سبع مفترس، أو عدو مغتال، أو لص محتال.. فالآية تعلمنا أنه يجب أن لا يذهلنا عن الله شيء في حال من الأحوال..» .

وقال الإمام ابن العربي: قوله- تعالى-: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً أمر الله- تعالى- بالمحافظة على الصلاة في كل حال من صحة ومرض، وحضر وسفر، وقدرة وعجز، وخوف وأمن، لا تسقط عن المكلف بحال، ولا يتطرق إلى فرضيتها اختلال. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» .

والمقصود من ذلك أن تفعل الصلاة كيفما أمكن، لا تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإشارة بالعين للزم فعلها كذلك إذا لم يقدر على حركة سائر الجوارح، وبهذا المعنى تميزت عن سائر العبادات، فإن العبادات كلها تسقط بالأعذار، ولذلك قال علماؤنا: إن تارك الصلاة يقتل، لأنها أشبهت الإيمان الذي لا يسقط بحال، ولا تجوز النيابة فيها ببدن ولا مال».

ثم قال- تعالى-: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ أى فإذا زال خوفكم وصرتم آمنين مطمئنين، «فاذكروا الله» أى فأدوا الصلاة تامة كاملة مثل ما علمكم إياها ربكم على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلّم وقد من الله- تعالى- عليكم بهذا التعليم الذي كنتم تجهلونه فضلا منه وكرما.

وعبر- سبحانه- «بإن» المفيدة للشك في حالة الخوف، وبإذا المفيدة للتحقيق في حالة الأمن، للإشعار بأن حالة الأمن هي الحالة الكثيرة الثابتة، وأن حالة الخوف هي الحالة القليلة الطارئة، وفي ذلك فضل جزيل من الله- تعالى- على عباده يحملهم على شكره وطاعته، حيث وهبهم الأمان والاطمئنان في أغلب أوقات حياتهم.

وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد أمرتا المسلّم بأن يحافظ على الصلاة محافظة تامة، إذ في هذه المحافظة سعادة للإنسان، ودافع له على أداء الحقوق لأربابها، وزاجر له عن اقتراف.

ما نهى الله عنه.

ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن أحكام الزواج وما يتعلق به من طلاق ووصية وعدة وغير ذلك من أحكام بقوله- تعالى-:

وقوله : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات ، والقيام بحدودها ، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال التي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل ، وهي حال القتال والتحام الحرب فقال : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) أي : فصلوا على أي حال كان ، رجالا أو ركبانا : يعني : مستقبلي القبلة وغير مستقبليها كما قال مالك ، عن نافع : أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها . ثم قال : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها . قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم . ورواه البخاري وهذا لفظه ومسلم ورواه البخاري أيضا من وجه آخر عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : نحوه أو قريبا منه ولمسلم أيضا عن ابن عمر قال : فإن كان خوف أشد من ذلك فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء .

وفي حديث عبد الله بن أنيس الجهني لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله وكان نحو عرفة أو عرفات فلما واجهه حانت صلاة العصر قال : فخشيت أن تفوتني فجعلت أصلي وأنا أومئ إيماء . الحديث بطوله رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد وهذا من رخص الله التي رخص لعباده ووضعه الآصار والأغلال عنهم .

وقد روى ابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال في هذه الآية : يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه . قال : وروي عن الحسن ومجاهد ومكحول والسدي والحكم ومالك والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح نحو ذلك وزادوا : يومئ برأسه أينما توجه .

ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا أبو غسان حدثنا داود يعني ابن علية عن مطرف عن عطية عن جابر بن عبد الله قال : إذا كانت المسايفة فليومئ برأسه [ إيماء ] حيث كان وجهه فذلك قوله : ( فرجالا أو ركبانا )

وروي عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعطية والحكم وحماد وقتادة نحو ذلك . وقد ذهب الإمام أحمد فيما نص عليه ، إلى أن صلاة الخوف تفعل في بعض الأحيان ركعة واحدة إذا تلاحم الجيشان ، وعلى ذلك ينزل الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري زاد مسلم والنسائي : وأيوب بن عائذ كلاهما عن بكير بن الأخنس الكوفي ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وبه قال الحسن البصري وقتادة والضحاك وغيرهم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا ابن مهدي عن شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة ، فقالوا : ركعة . وهكذا روى الثوري عنهم سواء .

وقال ابن جرير أيضا : حدثني سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثنا المسعودي حدثنا يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال : صلاة الخوف . ركعة واختار هذا القول ابن جرير .

وقال البخاري : " باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو " وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ، ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا لا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا . وبه قال مكحول وقال أنس بن مالك : حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر ، واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا . قال أنس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها .

هذا لفظ البخاري ثم استشهد على ذلك بحديث تأخيره ، عليه السلام ، صلاة العصر يوم الخندق بعذر المحاربة إلى غيبوبة الشمس وبقوله عليه السلام ، بعد ذلك لأصحابه لما جهزهم إلى بني قريظة : " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " ، فمنهم من أدركته الصلاة في الطريق فصلوا وقالوا : لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا تعجيل السير ومنهم من أدركته فلم يصل إلى أن غربت الشمس في بني قريظة فلم يعنف واحدا من الفريقين . وهذا يدل على اختيار البخاري لهذا القول ، والجمهور على خلافه ويعولون على أن صلاة الخوف على الصفة التي ورد بها القرآن في سورة النساء ووردت بها الأحاديث لم تكن مشروعة في غزوة الخندق ، وإنما شرعت بعد ذلك . وقد جاء مصرحا بهذا في حديث أبي سعيد وغيره وأما مكحول والأوزاعي والبخاري فيجيبون بأن مشروعية صلاة الخوف بعد ذلك لا تنافي جواز ذلك ; لأن هذا حال نادر خاص فيجوز فيه مثل ما قلنا بدليل صنيع الصحابة زمن عمر في فتح تستر وقد اشتهر ولم ينكر ، والله أعلم .

وقوله : ( فإذا أمنتم فاذكروا الله ) أي : أقيموا صلاتكم كما أمرتم فأتموا ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وخشوعها وهجودها ( كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) أي : مثل ما أنعم عليكم وهداكم للإيمان وعلمكم ما ينفعكم في الدنيا والآخرة ، فقابلوه بالشكر والذكر ، كقوله بعد ذكر صلاة الخوف : ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) [ النساء : 103 ] وستأتي الأحاديث الواردة في صلاة الخوف وصفاتها في سورة النساء عند قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) الآية [ النساء : 102 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له= لما قد بيناه من معناه= فإن خفتم من عدو لكم، أيها الناس, تخشونهم على أنفسكم في حال التقائكم معهم أن تصلوا قياما على أرجلكم بالأرض قانتين لله= فصلوا " رجالا "، مشاة على أرجلكم, وأنتم في حربكم وقتالكم وجهاد عدوكم=" أو ركبانا "، على ظهور دوابكم, فإن ذلك يجزيكم حينئذ من القيام منكم، قانتين. (112)

* * *

ولما قلنا من أن معنى ذلك كذلك, جاز نصب " الرجال " بالمعنى المحذوف. وذلك أن العرب تفعل ذلك في الجزاء خاصة، لأن ثانيه شبيه بالمعطوف على أوله. ويبين ذلك أنهم يقولون: " إن خيرا فخيرا, وإن شرا فشرا ", بمعنى: إن تفعل خيرا تصب خيرا, وإن تفعل شرا تصب شرا, فيعطفون الجواب على الأول لانجزام الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، بمعنى: إن خفتم أن تصلوا قياما بالأرض، فصلوا رجالا.

* * *

" والرجال " جمع " راجل " و " رجل "، وأما أهل الحجاز فإنهم يقولون لواحد " الرجال "" رجل ", مسموع منهم: " مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا "، (113) &; 5-238 &; وقد سمع من بعض أحياء العرب في واحدهم " رجلان ", كما قال بعض بني عقيل:

عــلى إذا أبصــرت ليـلى بخـلوة

أن ازدار بيـت اللـه رجـلان حافيـا (114)

فمن قال " رجلان " للذكر, قال للأنثى " رجلى ", وجاز في جمع المذكر والمؤنث فيه أن يقال: " أتى القوم رجالى ورجالى " مثل " كسالى وكسالى ".

* * *

وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: " فإن خفتم فرجالا " مشددة. وعن بعضهم أنه كان يقرأ: " فرجالا "، (115) وكلتا القراءتين غير جائزة القراءة بها عندنا، لخلافها القراءة الموروثة المستفيضة في أمصار المسلمين. (116)

* * *

وأما " الركبان ", فجمع " راكب " , يقال: " هو راكب، وهم ركبان وركب وركبة وركاب وأركب وأركوب ", يقال: " جاءنا أركوب من الناس وأراكيب ".

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5535- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم قال: سألته عن قوله: " فرجالا أو ركبانا "، قال: عند المطاردة، يصلى حيث كان وجهه, راكبا أو راجلا ويجعل السجود أخفض من الركوع, ويصلي ركعتين يومئ إيماء.

5536- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان, &; 5-239 &; عن مغيرة عن إبراهيم في قوله: " فرجالا أو ركبانا " قال: صلاة الضراب ركعتين، يومئ إيماء.

5537- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد, عن سفيان, عن مغيرة , عن إبراهيم قوله: " فرجالا أو ركبانا "، قال: يصلي ركعتين حيث كان وجهه، يومئ إيماء.

5538- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن سالم, عن سعيد بن جبير." فرجالا أو ركبانا "، قال: إذا طردت الخيل فأومئ إيماء.

5539- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن مالك, عن سعيد قال: يومئ إيماء.

5540- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم, عن يونس, عن الحسن: " فرجالا أو ركبانا "، قال: إذا كان عند القتال صلى راكبا أو ماشيا حيث كان وجهه، يومئ إيماء.

5541- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في القتال على الخيل, فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا, أو كما قدر على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه.

5542- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه= إلا أنه قال: أو راكبا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أيضا: أو راكبا, أو ما قدر أن يومئ برأسه= وسائر الحديث مثله.

5543- حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر, &; 5-240 &; عن الضحاك في قوله: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، قال: إذا التقوا عند القتال وطلبوا أو طلبوا أو طلبهم سبع, فصلاتهم تكبيرتان إيماء، أي جهة كانت.

5544- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك في قوله: " رجالا أو ركبانا "، قال: ذلك عند القتال، (117) يصلي حيث كان وجهه، راكبا أو راجلا إذا كان يطلب أو يطلبه سبع, فليصل ركعة، يومئ إيماء, فإن لم يستطع فليكبر تكبيرتين.

5545- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي, عن الفضل بن دلهم, عن الحسن: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، قال: ركعة وأنت تمشي, وأنت يوضع بك بعيرك ويركض بك فرسك، على أي جهة كان. (118)

5546- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، أما " رجالا " فعلى أرجلكم، إذا قاتلتم, يصلي الرجل يومئ برأسه أينما توجه, والراكب على دابته يومئ برأسه أينما توجه. (119)

&; 5-241 &;

5547- (120) حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، الآية، أحل الله لك إذا كنت خائفا عند القتال، أن تصلي وأنت راكب، وأنت تسعى, تومئ برأسك من حيث كان وجهك، إن قدرت على ركعتين, وإلا فواحدة.

5548- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن طاوس , عن أبيه: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، قال: ذاك عند المسايفة.

5549- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن الزهري في قوله: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، قال: إذا طلب الأعداء فقد حلَّ لهم أن يصلوا قِبَل أي جهة كانوا، رجالا أو ركبانا، يومئون إيماء ركعتين= وقال قتادة: تجزي ركعة.

5550- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، قال: كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتين، راكبا كان أو راجلا.

5551- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة,عن إبراهيم في قوله: " فإن خفتم فرجالا أو راكبانا "، قال : يصلي الرجل في القتال المكتوبة على دابته وعلى راحلته حيث كان جهه, يومئ إيماء عند كل ركوع وسجود, ولكن السجود أخفض من الركوع. فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا، هذا في المطاردة.

5552- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي قال: كان قتادة يقول: إن استطاع ركعتين وإلا فواحدة، يومئ إيماء, إن شاء راكبا أو راجلا قال الله تعالى ذكره: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ".

&; 5-242 &;

5553- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي, عن قتادة, عن الحسن قال، في الخائف الذي يطلبه العدو, قال: إن استطاع أن يصلي ركعتين , وإلا صلى ركعة.

5554- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن يونس, عن الحسن قال: ركعة.

5555- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة, فقالوا: ركعة .

5556- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة، عن صلاة المسايفة, فقالوا: يومئ إيماء حيث كان وجهه.

5557- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر, عن حماد والحكم وقتادة: أنهم سئلوا عن الصلاة عند المسايفة, فقالوا: ركعة حيث وجهك.

5558- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن فضيل, عن أشعث بن سوار قال: سألت ابن سيرين عن صلاة المنهزم فقال: كيف استطاع.

5559- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن سعيد بن يزيد, عن أبي نضرة, عن جابر بن غراب قال: كنا نقاتل القوم وعلينا هرم بن حيان, فحضرت الصلاة فقالوا: الصلاة، الصلاة ! فقال هرم: يسجد الرجل حيث كان وجهه سجدة. قال: ونحن مستقبلو المشرق. (121)

5560- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن الجريري, عن أبي &; 5-243 &; نضرة قال: كان هرم بن حيان على جيش، فحضروا العدو فقال: يسجد كل رجل منكم تحت جنته حيث كان وجهه سجدة, أو ما استيسر= فقلت لأبي نضرة : ما " ما استيسر " ؟ قال: يومئ. (122)

5561- حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا أبو مسلمة, عن أبي نضرة قال، حدثني جابر بن غراب قال: كنا مع هرم بن حيان نقاتل العدو مستقبلي المشرق, فحضرت الصلاة فقالوا: الصلاة! فقال : يسجد الرجل تحت جنته سجدة. (123)

5562- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن عبد الملك بن أبي سليمان, عن عطاء في قوله: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، قال: تصلي حيث توجهت راكبا وماشيا, وحيث توجهت بك دابتك, تومئ إيماء للمكتوبة.

5563- حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا هبة بن الوليد قال، حدثنا المسعودي قال، حدثني يزيد الفقير, عن جابر بن عبد الله قال: صلاة الخوف ركعة. (124)

&; 5-244 &;

5564- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا موسى بن محمد الأنصاري، عن عبد الملك, عن عطاء في هذه الآية قال: إذا كان خائفا صلى على أي حال كان. (125) .

5565- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال مالك- وسألته عن قول الله: " فرجالا أو ركبانا " - قال: راكبا وماشيا, ولو كانت إنما عنى بها الناس, لم يأت إلا " رجالا " وانقطعت الآية. (126) إنما هي" رجال ": مشاة، وقرأ: (127) يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [سورة الحج: 27] قال: يأتون مشاة وركبانا.

* * *

قال أبو جعفر: الخوف الذي للمصلي أن يصلي من أجله المكتوبة ماشيا راجلا وراكبا جائلا (128) الخوف على المهجة عند السلة والمسايفة في قتال من أمر &; 5-245 &; بقتاله، (129) من عدو للمسلمين, أو محارب, أو طلب سبع, أو جمل صائل، أو سيل سائل فخاف الغرق فيه. (130)

وكل ما الأغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الأمن، فإنه إذا كان ذلك كذلك, فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه، يومئ إيماء لعموم كتاب الله: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الأنواع, بعد أن يكون الخوف، صفته ما ذكرت.

* * *

وإنما قلنا إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك، هو الذي الأغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها, وذلك حال شدة الخوف، لأن: -

5566- محمد بن حميد وسفيان بن وكيع حدثاني قالا حدثنا جرير, عن عبد الله بن نافع, عن أبيه, عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف : يقوم الأمير وطائفة من الناس معه فيسجدون سجدة واحدة, ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو. ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم, ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا, ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة. ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه, وإن كان خوف أشد من ذلك " فرجالا أو ركبانا ". (131)

&; 5-246 &;

5567- حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا ابن جريح, عن موسى بن عقبة, عن نافع , عن ابن عمر قال: إذا اختلطوا - يعني في القتال - فإنما هو الذكر, وأشارة بالرأس. قال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وإن كانوا أكثر من ذلك، فيصلون قياما وركبانا ". (132)

* * *

= ففصل النبي بين حكم صلاة الخوف في غير حال المسايفة والمطاردة، وبين حكم صلاة الخوف في حال شدة الخوف والمسايفة, على ما روينا عن ابن عمر. فكان معلوما بذلك أن قوله تعالى ذكره: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "، إنما عنى به الخوف الذي وصفنا صفته.

&; 5-247 &;

وبنحو الذي روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن ابن عمر أنه كان يقول:

5568- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر أنه قال: في صلاة الخوف: يصلى بطائفة من القوم ركعة، وطائفة تحرس. ثم ينطلق هؤلاء الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم. ثم يحيي أولئك فيصلي بهم ركعة, ثم يسلم, وتقوم كل طائفة فتصلي ركعة. قال: فإن كان خوف أشد من ذلك " فرجالا أو ركبانا ". (133)

* * *

وأما عدد الركعات في تلك الحال من الصلاة, فإني أحب أن لا يقصر من عددها في حال الأمن. وإن قصر عن ذلك فصلى ركعة، رأيتها مجزئة, لأن: -

5569- بشر بن معاذ حدثني قال، حدثنا أبو عوانة, عن بكر بن الأخنس, عن مجاهد, عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا, وفي السفر ركعتين, وفي الخوف ركعة. (134)

* * *

&; 5-248 &;

القول في تأويل قوله : فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)

قال أبو جعفر: وتأويل ذلك : " فإذا أمنتم "، أيها المؤمنون، من عدوكم أن يقدر على قتلكم في حال اشتغالكم بصلاتكم التي فرضها عليكم- ومن غيره ممن كنتم تخافونه على أنفسكم في حال صلاتكم- فاطمأننتم, =" فاذكروا الله " في صلاتكم وفي غيرها بالشكر له والحمد والثناء عليه, على ما أنعم به عليكم من التوفيق لإصابة الحق الذي ضل عنه أعداؤكم من أهل الكفر بالله, = كما ذكركم بتعليمه إياكم من أحكامه, وحلاله وحرامه, وأخبار من قبلكم من الأمم السالفة, والأنباء الحادثة بعدكم- في عاجل الدنيا وآجل الآخرة, التي جهلها غيركم وبصركم، من ذلك وغيره, إنعاما منه عليكم بذلك, فعلمكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون.

* * *

وكان مجاهد يقول في قوله: " فإذا أمنتم "، ما: -

5570- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: " فإذا أمنتم "، قال: خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة.

* * *

وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد:

5571- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فإذا أمنتم فاذكروا الله "، قال: فإذا أمنتم فصلوا الصلاة كما افترض الله عليكم- إذا جاء الخوف كانت لهم رخصة.

* * *

وقوله ها هنا: " فاذكروا الله "، قال: الصلاة،" كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ". (135)

* * *

&; 5-249 &;

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد، قول غيره أولى بالصواب منه, لإجماع الجميع على أن الخوف متى زال، فواجب على المصلي المكتوبة- وإن كان في سفر- أداؤها بركوعها وسجودها وحدودها, وقائما بالأرض غير ماش ولا راكب, كالذي يجب عليه من ذلك إذا كان مقيما في مصره وبلده, إلا ما أبيح له من القصر فيها في سفره. ولم يجر في هذه الآية للسفر ذكر, فيتوجه قوله: " فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون "، إليه. وإنما جرى ذكر الصلاة في حال الأمن، وحال شده الخوف, فعرف الله سبحانه وتعالى عباده صفة الواجب عليهم من الصلاة فيهما. (136) ثم قال: " فإذا أمنتم " فزال الخوف، فأقيموا صلاتكم &; 5-250 &; وذكري فيها وفي غيرها، مثل الذي أوجبته عليكم قبل حدوث حال الخوف.

وبعد، (137) فإن كان جرى للسفر ذكر, ثم أراد الله تعالى ذكره تعريف خلقه صفة الواجب عليهم من الصلاة بعد مقامهم، لقال: فإذا أقمتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون= ولم يقل: " فإذا أمنتم ".

وفي قوله تعالى ذكره: " فإذا أمنتم "، الدلالة الواضحة على صحة قول من وجه تأويل ذلك إلى الذي قلنا فيه, وخلاف قول مجاهد. (138)

---------------------

الهوامش:

(112) في المخطوطة : "من القيام منكم أو قانتين" ، بزيادة"أو" ، وهو لا معنى له ، إلا أن يكون في الكلام سقطا ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، فهو مستقيم .

(113) هذا البيان عن لغات العرب في"رجل" ، غي مستوفي في كتب اللغة .

(114) اللسان (رجل) ، عن ابن الأعرابي ، واستشهد به ابن هشام في"باب الحال" وتعدده للمفرد ، وروايته : " . . . ليلى بخفية زيارة بيت الله . . . " . وقوله : "ازدار" هو"افتعل" من"الزيارة" .

(115) يعني بضم الراء وتخفيف الجيم المفتوحة ، وهي مذكورة في شواذ القراءات .

(116) في المطبوعة : "بخلاف القراءة الموروثة" ، والصواب ما في المخطوطة .

(117) في المطبوعة : "ذاك عند القتال" ، وأثبت ما في المخطوطة .

(118) وضع البعير يضع وضعا ، وأوضعه أيضاعا : وهو سير حثيث وإن كان لا يبلغ أقصى الجهد .

(119) عند هذا انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه المخطوطة ، فيها هنا ما نصه :

"وصلى الله على محمد النبي وعلى آل وصحبه وسلم كثيرا

على الأصل المنقول منه هذه النسخة :

بغلت بالسماع وأخي علي حرسه الله ، وأبو الفتح أحمد بن عمر الجهاري ، ومحمد بن علي الأرموي ، ونصر بن الحسين الطبري - بقراءتي على القاضي أبي الحسن الخصيب بن عبد الله ، عن أبي محمد الفرغاني ، عن أبي جعفر الطبري . وذلك في شعبان من سنة ثمان وأربعمئة ، وهو يقابلني بكتابه . وكتب محمد بن أحمد بن عيسى السعدي في التاريخ ، وسمع عبد الرحيم بن أحمد (النحوي؟؟) من موضع سماعه إلى هاهنا مع الجماعة" .

(120) بدأ في التقسيم القديم :

"بسم الله الرحمن الرحيم"

(121) الأثر : 5559-"جابر بن غراب النمري البصري" ، روى عن هرم بن حيان ، روى عنه أبو نصرة . مترجم في الكبير 1 /2 /209 ، والجرح والتعديل 1 /1 / 497 . وكان في المطبوعة والمخطوطة : "جابر بن عراب" ، وهو تصحيف . و"سعيد بن يزيد" ، و"أبو مسلمة" الآتي في رقم : 5561 . وهذا الأثر رواه ابن حزم في المحلى 5 : 36 من طريق : "شعبة عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة . . . " ، بغير هذا اللفظ كما سيأتي في رقم : 5561 .

(122) الأثر : 5560- هو مختصر الذي قبله والذي يليه ، غير مرفوع إلى جابر بن غراب . وفي المخطوطة : "فحصروا العدو" بالصاد المهملة ، وكأن الصواب ما في المطبوعة . كما تدل عليه معاني الأثرين : السالف والتالي . وفي المطبوعة : "تحت جيبه" وفي المخطوطة : "تحت حسه" غي منقوطة . والصواب من المحلى 5 : 36 . والجنة (بضم الجيم وتشديد النون) : هي ما واراك من السلاح واستترت به ، كالدروع وغيره من لباس الوقاية في الحرب . في المطبوعة : "ما استيسر" ، بحذف"ما" الثانية الاستفهامية ، وهو خطأ .

(123) الأثر : 5561- انظر الأثرين السالفين ، والتعليق عليهما . وفي المطبوعة : "مستقبل المشرق" ، وهو خطأ ناسخ . وفي المطبوعة : "تحت جيبه" كما في رقم : 5560 ، وفي المخطوطة : "تحت حسه" غير منقوطة ، والصواب من المحلى 5 : 36 ، ونص ما رواه : "وعن شعبة ، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن غراب ، كنا مصافي العدو بفارس ، ووجوهنا إلى المشرق ، فقال هرم بن حيان : ليركع كل إنسان منكم ركعة تحت جنته حيث كان وجهه" .

(124) الأثر : 5563-"سعيد بن عمرو بن سعيد السكوني" أبو عثمان الحمصي ، روى عن بقية ، والمعافى بن عمران الحمصي وغيرهما . وعنه النسائي ، صدوق ، ذكره ابن حبان في القات . مترجم في التهذيب . و"بقية بن الوليد" ، قال أحمد ، وسئل عن بقية وإسماعيل بن عياش : "بقية أحب إلي ، وإذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوا عنه" . وكان في المطبوعة والمخطوطة : "هبة بن الوليد" وهو خطأ . والصواب من تفسير ابن كثبر 1 : 585 . و"المسعودي" ، هو : عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي . و"يزيد الفقير" هو : يزيد بن صهيب الفقير ، أبو عثمان الكوفي ، روي عن جابر وأبي سعيد وابن عمر ، ثقة صدوق . وسمي"الفقير" ، لأنه كان يشكو فقار ظهره . مترجم في التهذيب وغيره . وانظر السنن الكبرى 3 : 263 ، والمحلى 5 : 35 .

(125) الأثر : 5564"موسى بن محمد الأنصاري" ، يعد في الكوفيين ، مترجم في الكبير للبخاري 4 /1 /294 ، وابن أبي حاتم 4 /1 /160 ، وهو ثقة .

(126) في المخطوطة والمطبوعة : "انقطعت الألف" ، وقد استظهر مصحح الطبعة الأميرية أنها"وانقطعت الآية" ، وأرجح أنها الصواب ، والناسخ في هذا الموضع من النسخة عجل كثير السهو والخطأ ، كما رأيت فيما مضى ، وكما سترى فيما يأتي . وقد خلط بعضهم في تعليقه على هذا الموضع من الطبري .

(127) في المطبوعة : "وعن يأتوك رجالا . . . " ، وهو خطأ لا شك فيه . أما المخطوطة ففيها"ومزايا ترك" ، وصواب تحريفها وتصحيفها ، هو ما أثبت . ويعني أن مالكا استدل بهذه الآية على معنى"فرجالا" كما هو بين .

(128) الجائل : هو الذي يجول في الحرب جولة على عدوه ، وجولته : دورانه وهو على فرسه ليستمكن من قرنه .

(129) في المطبوعة : "الخوف على المهمة عند السلمة" ، وهو خلط غث . وفي المخطوطة : "الخوف على المهمة عند المسلة" ، والصواب ما أثبت من قراءتي لهذا النص . والمهجة : الروح ، وخالص النفس . والسلة : استلال السيوف ، يقال : "أتيناهم عند السلة" ، أي عند استلال السيوف إذا حمي الوطيس .

(130) صال الجمل يصول ، فهو صائل وصؤول : وذلك إذا وثب على راعيه فأكله ، وواثب الناس يأكلهم ويعدو عليهم ويطردهم من مخافته .

(131) الحديث : 5566- جرير : هو ابن عبد الحميد الضبي . عبد الله بن نافع مولى ابن عمر : ضعيف جدا . قال فيه البخاري في الضعفاء : "منكر الحديث" . فصلنا القول في تضعيفه في المسند : 4769 .

وهذا الحديث هكذا رواه جرير عن عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر - مرفوعا .

وكذلك رواه ابن ماجه : 12587 ، عن محمد بن الصباح ، عن جرير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر - مرفوعا أيضًا . وإسناده صحيح . وأشار الحافظ في الفتح 2 : 360 إلى رواية ابن ماجه هذه ، وقال : "وإسناده جيد" .

ورواه -بمعناه- مالك في الموطأ ، ص : 184 ، "عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال . . . " ، فذكر نحوه من كلام ابن عمر ، ثم قال في آخره : "قال مالك : قال نافع : لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" .

وكذلك رواه البخاري 8 : 150 ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك .

وروى الشافعي في الأم 1 : 197 ، عن مالك - قطعه من أوله ، ثم أشار إلى سائره وذكر آخره . وكذلك رواه البيهقي3 : 256 ، من طريق الشافعي عن مالك .

وذكره السيوطي 1 : 308 ، من رواية مالك ، وزاد نسبته لعبد الرزاق .

فهذا الشك في رفعه من نافع عند مالك -ثم الجزم برفعه في رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عند ابن ماجه- : يقويان رواية جرير عن عبد الله بن نافع ، التي هنا .

(132) الحديث : 5567- سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي : مضت ترجمته في : 2255 .

وهذا الحديث رواه البخاي 3 : 259 (فتح) ، عن سعيد بن يحيى -شبخ الطبري- بهذا الإسناد ولم يذكر لفظه كاملا . وذكر الحافظ ، ص : 360 ، رواية الطبري هذه ، أيضاحا لرواية البخاري .

ورواه البيهقي 3 : 255-256 ، من طريق الهيثم بن خلف الدوري ، عن سعيد بن يحيى الأموي ، به . وذكر لفظه ، ثم أشار إلى رواية البخاري .

وقوله : "اختلطوا" : يعني اختلط الجيشان ، حال المسايفة والالتحام . وهكذا ثبت هذا الحرف في الفتح نقلا عن الطبري ، والسنن الكبرى للبيهقي ، ووقع في المخطوطة والمطبوعة : "اختلفوا" - بالفاء بدل الطاء . وهو تحريف من الناسخين .

وقوله : "وإشارة بالرأس" : يعني أنهم يصلون بالإيماء ، يذكرون ويقرءون ، ويشيرون إلى الركوع والسجود . وهذا هو الثابت في الفتح والسنن الكبرى . ووقع في المخطوطة والمطبوعة : "وأشار بالرأس" . وهو تحريف أيضًا .

(133) الخبر : 5568- هذا موقوف على ابن عمر ، صريحا ، وهو في معنى الحديث الماضي : 5566 .

(134) الحديث : 5569 بكير بن الأخنس الليثي الكوفي : تابعي ثقة . و"بكير" : بالتصغير . ووقع في المطبوعة"بكر" - بدون الياء ، وهو خطأ .

والحديث رواه أحمد بن المسند : 2124 عن يزيد ، و : 2293 ، عن عفان ، و : 3332 ، عن وكيع - ثلاثتهم عن أبي عوانة ، به .

ورواه البخاري في التاريخ الكبير -موجزا كعادته- في ترجمة بكير 1 /2 /112 ، عن أبي نعيم ، عن أبي عوانة . ورواه مسلم 1 : 192 ، عن أربعة شيوخ ، عن أبي عوانة .

وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى 3 : 135 ، من طريق يحيى بن يحيى ، عن أبي عوانة . ورواه أحمد أيضًا : 2177 ، عن القاسم بن مالك المزني ، عن أيوب بن عائذ ، عن بكير بن الأخنس ، به .

وكذلك رواه مسلم 1 : 192 ، من طريق القاسم بن مالك .

ورواه البيهقي 3 : 263-264 ، بإسنادين من طريق أيوب بن عائذ . وذكره ابن كثير 1 : 585 ، وزاد نسبته لأبي داود ، والنسائي ، وابن ماجه .

(135) من أول قوله : "وقوله ها هنا : اذكروا الله . . . " إلى آخر هذه الفقرة ، هي من كلام مجاهد في الأثر : 5570 فيما أرجح ، وأخشى أن يكون الناسخ قد أفسد سياق الكلام ، وأنا أرجح ان قوله آنفًا : "وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد" ثم الأثر رقم 5571 ، ينبغي أن يكون مقدما على الأثر : 5570 . وأرجح أن قوله : "وقوله ها هنا" كلام فاسد ، وأن"ها هنا" كانت في الأصل القديم إشارة إلى تأخير الكلام من أول قوله : "وكان مجاهد يقول . . . " ثم الأثر : 5570 ، إلى ما بعد الأثر : 5571 ، فيكون السياق :

"فعلمكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون . وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد :

5570- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب . . .

وكان مجاهد يقول في قوله : "فإذا أمنتم" ما : -

5571- حدنا به أبو كريب ، قال حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : "فإذا أمنتم" ، قال : خرجتم من السفر إلى دار الإقامة . وقوله : "اذكروا الله" ، قال : الصلاة ، "كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون" .

قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد . . . "

هذا ما أرجح أن أصل الطبري كان عليه ، وأخطأ الناسخ فهم إشارة الناسخ قبله بقوله : "ها هنا" يعني نقل الكلام من هناك إلى"ها هنا" . ولكني لم أستجز هذا التغيير في المطبوعة ، وإن كنت لا أشك فيما رجحته

(136) في المخطوطة : "وصفه الواجب عليهم" ، والصواب ما في المطبوعة .

(137) في المطبوعة : "قبل حدوث حال الخوف وبعده ، فإن كان جرى للسفر ذكر . . . " وهو خلط قبيح ، جعل بعض المصححين يضع مكان"فإن كان جرى" ، "فلو كان جرى . . . " فترك الكلام خلطا لا معنى له ، وصحح ما ليس في حاجة إلى تصحيح!! هذا ، والصواب ما في المخطوطة كما أثبته .

(138) في المطبوعة : "وإلى خلاف قول مجاهد" ، بزيادة"إلى" ، وهي زيادة فاسدة مفسدة . وقوله : "خلاف" معطوف على قوله : "على صحة قول . . . "

التدبر :

وقفة
[239] ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ فيه بيان صلاة الخوف، وأنها تجوز ماشيًا أو راكبًا، ومستقبلًا ومستدبرًا القلبة، وعند الخوف: خوف العدو والسيل والسبع وغير ذلك.
وقفة
[239] ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها؛ حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل، بل أوجب من صلاتها مطمئنًّا خارج الوقت.
وقفة
[239] ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ الحث على المحافظة على الصلاة وأدائها تامة الأركان والشروط، فإن شق عليه صلَّى على ما تيسر له من الحال.
عمل
[239] ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ صلوا ماشين على الأقدام أو راكبين، فليس الخوف عذرًا مقبولًا لترك الصلاة.
وقفة
[239] ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ إقامة الصلاة على وقتها، فقد أمر الله بإقامتها ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، فلا يجوز تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها ولو في حالة الخوف الشديد، فصلاتها بتلك الصورة أفضل وأوجب من صلاتها تامة بعد خروج وقتها.
لمسة
[239] ﴿فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ﴾ جاء ربنا بالأمن بـ (إذا) فقال: ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ﴾، وجاء بالخوف بـ (إن): ﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾، فهذا بشارة لنا نحن المسلمين بأن النصر والأمن سيكون لنا مهما طال أمر الفزع والخوف، فـ (إن) تستعمل في الشك والتقليل، فأدخلها ربنا تعالى على الخوف، وتستعمل (إذا) لليقين والقطع، فاستعملها ربنا مع الأمن.
وقفة
[239] ﴿فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ الإكثار من ذكره سبب لتعليم علوم أخر؛ لأن الشكر مقرون بالمزيد.
عمل
[239] تأمل صور من يسجدون للأضرحة والأصنام، ويذبحون لها، ويطوفون حولها، ثم اشكر الله تعالى على نعمة الهداية، ﴿فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. خفتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك «المخاطبين» في محل جزم فعل الشرط. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة الجمع.
  • ﴿ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. رجالا: أي راجلين جمع راجل: حال منصوب بالفتحة. أو: حرف عطف للتخيير. ركبانا: معطوف على «رجالا» منصوب مثله بالفتح المنون. وجملة فصلّوا رجالا المقدرة: جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم وحذف عامل الحال لأنه دلت عليه قرينة.
  • ﴿ فَإِذا أَمِنْتُمْ:
  • الفاء: استئنافية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون متضمن معنى الشرط. أمنتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك «المخاطبين» والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم: علامة جمع المذكرين وجملة «أَمِنْتُمْ» في محل جر مضاف اليه لوقوعها بعد «إذا» الظرفية.
  • ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. اذكروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة وجملة «فَاذْكُرُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ كَما عَلَّمَكُمْ:
  • الكاف: هنا للتعليل أي لأنه هداكم. علمكم: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو والكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم: علامة الجمع. و «ما» مصدرية وجملة «عَلَّمَكُمْ» صلة «ما» المصدرية لا محل لها و «ما» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالكاف. والجار والمجرور متعلق باذكروا.
  • ﴿ ما لَمْ تَكُونُوا:
  • اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لم: أداة نفي وجزم وقلب. تكونوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «تكون» والألف: فارقة وجملة «لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ تَعْلَمُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تَعْلَمُونَ» في محل نصب خبر «تَكُونُوا» والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: ما لم تكونوا تعلمونه. '

المتشابهات :

البقرة: 239﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
البقرة: 151﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [239] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ اللهُ عز وجل عبادَه بالمحافظة على الصَّلوات، والمداومة عليها؛ ذَكَر هنا الحال التي يَنشغلُ فيها المرءُ عن أدائها على الوجه الأكمل، وهي حال الخوف، ولكنَّها ليست عذرًا في ترْك المحافظة على الصَّلوات، ورخص لهم في هذه الحالة الصلاة سائرين على ال
﴿ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ

القراءات :

فرجالا أو ركبانا:
وقرئ:
1- فرجالا، بضم الراء وتشديد الجيم، وهى قراءة عكرمة، وأبى مجاز.
2- فرجالا، بضم الراء وتخفيف الجيم، ورويت عن عكرمة.
3- فرجالا، بضم الراء وفتح الجيم مشددة بغير ألف.
4- فرجلا، بفتح الراء وسكون الجيم.
5- فرجالا فركبانا، وهى قراءة بديل بن ميسرة.

مدارسة الآية : [240] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ..

التفسير :

[240] والأزواج الذين يموتون ويتركون زوجات بعدهم، فلْيوصوا وصيةً لهنَّ:أن يُمَتَّعن سنة تامة من يوم الوفاة، بالسكنى في منزل الزوج من غير إخراج الورثة لهن مدة السنة؛ جبراً لخاطر الزوجة، وبرّاً بالمتوفَّى. فإن خرجت الزوجات باختيارهن قبل انقضاء السنة، فلا إث

أي:الأزواج الذين يموتون ويتركون خلفهم أزواجا فعليهم أن يوصوا{ وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} أي:يوصون أن يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها{ فإن خرجن} من أنفسهن{ فلا جناح عليكم} أيها الأولياء{ فيما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم} أي:من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله:{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وقيل لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج، ومراعاة للزوجة، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجناح عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول، فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم.

والآية الأولى من هذه الآيات تبين بعض الحقوق التي شرعها الله- تعالى- للمرأة التي توفى عنها زوجها.

والمعنى: لقد شرع الله لكم فيما شرع من أحكام، أن على المسلّم قبل أن يحضره الموت أن يوصى لزوجته التي على قيد الحياة بما تنتفع به انتفاعا مستمرا لمدة حول من وفاته، ولا يصح أن يخرجها أحد من مسكن الزوجية.

وقوله: وَصِيَّةً فيه قراءتان مشهورتان.

القراءة الأولى بالنصب، والتقدير: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا فليوصوا وصية، أو كتب الله عليهم وصية لأزواجهم.

والقراءة الثانية بالرفع والتقدير: فعليهم وصية لأزواجهم.

وعلى قراءة النصب تكون كلمة وَصِيَّةً مفعولا مطلقا أو مفعولا به، وعلى قراء الرفع تكون مبتدأ محذوف الخبر. وقوله: لِأَزْواجِهِمْ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لكلمة وَصِيَّةً على القراءتين. أى: وصية كائنة لأزواجهم.

والمراد بقوله: مَتاعاً ما تتمتع به الزوجة من السكن والنفقة بعد وفاة زوجها بوصية منه.

وهو منصوب على المصدر أى متعوهن متاعا أو على المفعولية. أى جعل الله لهن ذلك متاعا.

وقال- سبحانه-: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ للتنصيص على أن هذه المدة تمتد حولا كاملا منذ وفاة زوجها، إذ كلمة حول تدل على التحول أى حتى تعود الأيام التي حدثت فيها الوفاة.

وقوله: «غير إخراج» حال من أزواجهم أى غير مخرجات من مسكن الزوجية، فلا يصح لورثة الميت أن يخرجوهن من مسكن الزوجية بغير رضاهن، لأن بقاءهن في مسكن الزوجية حق شرعه الله لهن، فلا يجوز لأحد أن يسلبه منهن بغير رضاهن.

ثم قال- تعالى-: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ.

أى: فَإِنْ خَرَجْنَ من منزل الزوجية برضاهن ورغبتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أى فلا إثم عليكم أيها المسلمون فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ أى فيما فعلن في أنفسهن من أمور لا ينكرها الشرع كالتزين والتطيب والتزوج بعد انتهاء عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.

هذا، وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهان مشهوران:

أما الاتجاه الأول: فيرى أصحابه أن هذه الآية منسوخة لأنها توجب على الزوج حين مشارفة الموت أن يوصى لزوجته بالنفقة والسكنى حولا، ويجب عليها الاعتداد حولا، وهي مخيرة بين السكنى في بيته حولا ولها النفقة، وبين أن تخرج منه ولا نفقة لها، ولم يكن لها ميراث من زوجها

قالوا: وكان هذا الحكم في ابتداء الإسلام. وقد نسخ وجوب الوصية بالنفقة والسكنى بآية المواريث وبحديث «ألا لا وصية لوارث» حيث جعل لها الربع أو الثمن عوضا عن النفقة والسكنى ونسخ وجوب العدة حولا بقوله- تعالى- قبل ذلك: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً الآية.

قالوا: ومما يشهد لذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية:

نسخت بآية الميراث بما فرض الله لهن من الربع والثمن «ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا» .

وقد حكى هذا الرأى صاحب الكشاف فقال: والمعنى: أن حق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا، أى: ينفق عليهن من تركته ولا يخرجن من مساكنهن. وكان ذلك في أول الإسلام ثم نسخت المدة بقوله: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً وقيل نسخ ما زاد منه على هذا المقدار. ونسخت النفقة بالإرث الذي هو الربع والثمن.

واختلف في السكنى فعند أبى حنيفة لا سكنى. ثم قال: فإن قلت كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟ قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل. كقوله- تعالى-: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مع قوله قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ .

وعلى هذا الاتجاه سار جمهور المفسرين.

أما الاتجاه الثاني: فيرى أصحابه أن هذه الآية محكمة وليست منسوخة وممن ذهب إلى هذا الاتجاه مجاهد، فقد قال ما ملخصه: دلت الآية الأولى وهي يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً على أن هذه عدتها المفروضة تعتدها عند أهل زوجها. ودلت هذه الآية بزيادة سبعة أشهر وعشرين ليلة على العدة السابقة تمام الحول، وأن ذلك من باب الوصية للزوجات أن يمكن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا ولا يمنعن من ذلك لقوله: غَيْرَ إِخْراجٍ فإذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر- أو بوضع الحمل- واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله: فَإِنْ خَرَجْنَ.

ومن المفسرين الذين أيدوا هذا الاتجاه الإمام ابن كثير فقد قال- بعد أن ساق قول مجاهد-

وهذا القول له اتجاه وفي اللفظ مساعدة له وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس بن تيمية .

كما أيده أيضا الإمام الفخر الرازي في تفسيره، فقد قال بعد أن ساق بعض الأدلة التي تثبت ضعف قول من قال بالنسخ: «فكان المصير إلى قول مجاهد أولى من التزام النسخ من غير دليل» .

والخلاصة أن أصحاب هذا الاتجاه الثاني لا يرون معارضة بين هذه الآية وبين آية وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً لأن الآية التي معنا لا تتحدث عن عدة المتوفى عنها زوجها وإنما تتحدث عن حقها في البقاء في منزل الزوجية بعد وفاة زوجها، وأن هذا الحق ثابت لها فإن شاءت بقيت فيه، وإن شاءت خرجت منه على حسب ما نراه مصلحة لها، ولأنها لا يوجد في ألفاظها أو معانيها ما يلزم المرأة بالتربص والامتناع عن الأزواج مدة معينة.

أما الآية الثانية فنراها واضحة في الأمر بالتربص أربعة أشهر وعشرا، وهي العدة التي يجب أن تمتنع فيها المرأة التي مات عنها زوجها عن التزين والتعرض للزواج. إذن فلا تعارض بين الآيتين ومتى انتفى التعارض انتفى النسخ.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أى: عزيز في انتقامه ممن تعدى حدوده، إذ هو القاهر فوق عباده، حكيم فيما شرع لهم من آداب وأحكام فينبغي أن يمتثل الناس أوامره ويجتنبوا ما نهاهم عنه.

قال الأكثرون : هذه الآية منسوخة بالتي قبلها وهي قوله : ( يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا )

قال البخاري : حدثنا أمية حدثنا يزيد بن زريع عن حبيب عن ابن أبي مليكة ، قال ابن الزبير : قلت لعثمان بن عفان : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ) قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها ؟ قال : يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه .

ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان : إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها ، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها ؟ فأجابه أمير المؤمنين بأن هذا أمر توقيفي ، وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها فأثبتها حيث وجدتها .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) فكان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة ، فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع أو الثمن مما ترك الزوج . ثم قال : وروي عن أبي موسى الأشعري ، وابن الزبير ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل بن حيان ، وعطاء الخراساني والربيع بن أنس : أنها منسوخة .

وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ثم أنزل الله بعد : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا )

فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها وقال : ( ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن [ مما تركتم ] ) [ النساء : 12 ] فبين ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة .

قال : وروي عن مجاهد والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان ، قالوا : نسختها ( أربعة أشهر وعشرا )

قال : وروي عن سعيد بن المسيب قال : نسختها التي في الأحزاب : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات [ ثم طلقتموهن ] ) [ الأحزاب : 49 ] .

قلت : وروي عن [ مقاتل و ] قتادة : أنها منسوخة بآية الميراث .

وقال البخاري : حدثنا إسحاق ابن راهويه ، حدثنا روح حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ) قال : كانت هذه العدة ، تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ) قال : جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت وهو قول الله : ( غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم ) فالعدة كما هي واجب عليها ، زعم ذلك عن مجاهد : رحمه الله . وقال عطاء : وقال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى : ( غير إخراج ) قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت لقول الله : ( فلا جناح عليكم فيما فعلن [ في أنفسهن ] ) قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى ، فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها . ثم أسند البخاري عن ابن عباس مثل ما تقدم عنه .

فهذا القول الذي عول عليه مجاهد وعطاء من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة كما زعمه الجمهور حتى يكون ذلك منسوخا بالأربعة الأشهر وعشر ، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصاة بالزوجات أن يمكن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا إن اخترن ذلك ، ولهذا قال : ( وصية لأزواجهم ) أي : يوصيكم الله بهن وصية كقوله : ( يوصيكم الله في أولادكم ) الآية [ النساء : 11 ] وقال : ( وصية من الله ) [ النساء : 12 ] وقيل : إنما انتصب على معنى : فلتوصوا بهن وصية . وقرأ آخرون بالرفع " وصية " على معنى : كتب عليكم وصية واختارها ابن جرير ولا يمنعن من ذلك لقوله : ( غير إخراج ) فأما إذا انقضت عدتهن بالأربعة الأشهر والعشر أو بوضع الحمل ، واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله ( فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ) وهذا القول له اتجاه ، وفي اللفظ مساعدة له ، وقد اختاره جماعة منهم : الإمام أبو العباس ابن تيمية ورده آخرون منهم : الشيخ أبو عمر بن عبد البر .

وقول عطاء ومن تابعه على أن ذلك منسوخ بآية الميراث إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر فمسلم ، وإن أرادوا أن سكنى الأربعة الأشهر وعشر لا تجب في تركة الميت فهذا محل خلاف بين الأئمة ، وهما قولان للشافعي رحمه الله ، وقد استدلوا على وجوب السكنى في منزل الزوج بما رواه مالك في موطئه عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة : أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أخبرتها : أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا ، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه . قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " قالت : فانصرفت ، حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له فقال : " كيف قلت ؟ " فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت : فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته ، فاتبعه وقضى به .

وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك به ، ورواه النسائي أيضا وابن ماجه من طرق عن سعد بن إسحاق به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " والذين يتوفون منكم "، أيها الرجال ويذرون أزواجا = يعني زوجات كن له نساء في حياته, بنكاح= لا ملك يمين. ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخبر بذكره, نظير الذي مضى من ذلك في قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة: 234] (139) إلى الخبر عن ذكر أزواجهم. وقد ذكرنا وجه &; 5-251 &; ذلك, ودللنا على صحة القول فيه في نظيره الذي قد تقدم قبله, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (140)

* * *

ثم قال تعالى ذكره: " وصية لأزواجهم "، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك: فقرأ بعضهم: " وصية لأزواجهم "، بنصب " الوصية "، بمعنى: فليوصوا وصية لأزواجهم, أو: عليهم [أن يوصوا] وصية لأزواجهم. (141)

* * *

و قرأ آخرون: ( وَصِيِّةٌ لأزْوَاجِهِمْ )برفع " الوصية ".

* * *

ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع " الوصية ".

فقال بعضهم: رفعت بمعنى: كتبت عليهم الوصية. واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله. (142)

فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، كتبت عليهم وصية لأزواجهم- ثم ترك ذكر " كتبت ", ورفعت " الوصية " بذلك المعنى، وإن كان متروكا ذكره.

* * *

وقال آخرون منهم: بل " الوصية " مرفوعة بقوله: " لأزواجهم " فتأول: لأزواجهم وصية.

* * *

والقول الأول أولى بالصواب في ذلك, وهو أن تكون " الوصية " إذا رفعت مرفوعة بمعنى: كتبت عليكم وصية لأزواجكم. لأن العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت, فإذا أظهرت بدأت به قبلها, فتقول: " جاءني رجل اليوم ", &; 5-252 &; وإذا قالوا: " رجل جاءني اليوم " لم يكادوا أن يقولونه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه ب " هذا ", (143) أو غائب قد علم المخبر عنه خبره, أو بحذف " هذا " وإضماره وإن حذفوه، لمعرفة السامع بمعنى المتكلم, كما قال الله تعالى ذكره: سُورَةٌ أَنْـزَلْنَاهَا [سورة النور: 1] و بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [سورة التوبة: 1]، فكذلك ذلك في قوله: " وصية لأزواجهم ".

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا، لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا كان حقا لها قبل نـزول قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة: 234]، وقبل نـزول آية الميراث (144) =ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك, أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن، أو لم يوصوا لهن به.

* * *

فإن قال قائل: وما الدلالة على ذلك؟

قيل: لما قال الله تعالى ذكره: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم "، وكان الموصي لا شك، إنما يوصي في حياته بما يأمر بإنفاذه بعد وفاته, (145) وكان محالا أن يوصي بعد وفاته, كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكن الحول بعد وفاته (146) =، (147) علمنا أنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه &; 5-253 &; لها, إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته.

* * *

ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال: " فليوص وصية ", لكان التنـزيل: والذين تحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا، وصية لأزواجهم, (148) كما قال: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [سورة البقرة: 180]

* * *

وبعدُ, فلو كان ذلك واجبًا لهن بوصية من أزواجهن المتوفّين, لم يكن ذلك حقًّا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم, ولكان قد كان لورثتهم إخراجهن قبل الحول، (149) وقد قال الله تعالى ذكره: " غير إخراج ". ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئُه: " وصيةً لأزواجهم "، بمعنى: أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهنّ. وإنما تأويل ذلك: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا، كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون- أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا كما قال تعالى ذكره في" سورة النساء غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [سورة النساء: 12]، ثم ترك ذكر: " كتب الله "، اكتفاء بدلالة الكلام عليه, ورفعت " الوصية " بالمعنى الذي قلنا قبل.

* * *

فإن قال قائل: فهل يجوز نصب " الوصية " [على الحال، بمعتى موصين] لهن وصية؟ (150)

&; 5-254 &;

قيل: لا لأن ذلك إنما كان يكون جائزا لو تقدم " الوصية " من الكلام ما يصلح أن تكون الوصية خارجة منه, فأما ولم يتقدمه ما يحسن أن تكون منصوبة بخروجها منه, فغير جائز نصبها بذلك المعنى.

* * *

* ذكر بعض من قال: إن سكنى حول كامل كان حقا لأزواج المتوفين بعد موتهم= على ما قلنا= (151) أوصى بذلك أزواجهن لهن أو لم يوصوا لهن به, وأن ذلك نسخ بما ذكرنا من الأربعة الأشهر والعشر والميراث.

5572- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن منهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال: سألت قتادة عن قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج "، فقال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها، ما لم تخرج. ثم نسخ ذلك بعد في" سورة النساء ", فجعل لها فريضة معلومة: الثمن إن كان له ولد, والربع إن لم يكن له ولد, وعدتها أربعة أشهر وعشرا, فقال تعالى ذكره: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة: 234]، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول.

5573- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " الآية، قال: كان هذا من قبل أن تنـزل آية الميراث, فكانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا إن شاءت, فنسخ ذلك في" سورة النساء ", فجعل لها فريضة معلومة: جعل لها الثمن إن كان له ولد, وإن لم يكن له ولد فلها الربع، وجعل عدتها أربعة أشهر وعشر, فقال: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا .

&; 5-255 &;

5574- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج "، فكان الرجل إذا مات وترك امرأته, اعتدت سنة في بيته, ينفق عليها من ماله، ثم أنـزل الله تعالى ذكره بعد: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها. إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها. وقال في ميراثها: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ [سورة النساء: 12]، فبين الله ميراث المرأة, وترك الوصية والنفقة.

5575- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال، سمعت عبيد الله بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج "، كان الرجل إذا توفي أنفق على امرأته في عامه إلى الحول, ولا تزوج حتى تستكمل الحول. وهذا منسوخ: نسخ النفقة عليها الربع والثمن من الميراث, ونسخ الحول أربعة أشهر وعشر.

5576- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج "، قال: الرجل إذا توفي أنفق على امرأته إلى الحول, ولا تزوج حتى يمضي الحول, فأنـزل الله تعالى ذكره: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فنسخ الأجل الحول, ونسخ النفقة الميراث الربع والثمن.

5577- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج "، قال: كان ميراث المرأة من زوجها &; 5-256 &; من ربعه: (152) أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول, يقول: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ الآية، ثم نسخها ما فرض الله من الميراث= قال، وقال مجاهد: " وصية لأزواجهم " سكنى الحول, ثم نسخ هذه الآية الميراث.

5578- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان لأزواج الموتى حين كانت الوصية، نفقة سنة. فنسخ الله ذلك الذي كتب للزوجة من نفقة السنة بالميراث, فجعل لها الربع أو الثمن= وفي قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، قال: هذه الناسخة.

* * *

* ذكر من قال: كان ذلك يكون لهن بوصية من أزواجهن لهن به:

5579- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا " الآية، قال: كانت هذه من قبل الفرائض, فكان الرجل يوصي لامرأته ولمن شاء. ثم نسخ ذلك بعد, فألحق الله تعالى بأهل المواريث ميراثهم, وجعل للمرأة إن كان له ولد الثمن, وإن لم يكن له ولد فلها الربع. وكان ينفق على المرأة حولا من مال زوجها, ثم تحول من بيته. فنسخته العدة أربعة أشهر وعشرا, ونسخ الربع أو الثمن الوصية لهن, فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون.

5580- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم "، إلى فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ، يوم نـزلت هذه الآية، كان الرجل إذا مات أوصى لامرأته &; 5-257 &; بنفقتها وسكناها سنة, وكانت عدتها

أربعة أشهر وعشرا, فإن هي خرجت حين تنقضي أربعة أشهر وعشرا، انقطعت عنها النفقة, فذلك قوله: فَإِنْ خَرَجْنَ ، وهذا قبل أن تنـزل آية الفرائض, فنسخه الربع والثمن, فأخذت نصيبها, ولم يكن لها سكنى ولا نفقة.

5581- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت أبي قال، يزعم قتادة أنه كان يوصى للمرأة بنفقتها إلى رأس الحول.

* * *

* ذكر من قال: " نسخ ذلك ما كان لهن من المتاع إلى الحول، من غير تبيينه على أي وجه كان ذلك لهن ": (153)

5582- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن حبيب, عن إبراهيم في قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول "، قال: هي منسوخة.

5583- حدثنا الحسن بن الزبرقان قال، حدثنا أسامة, عن سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت إبراهيم يقول, فذكر نحوه.

5584- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح, عن حصين, عن يزيد النحوي, عن عكرمة والحسن البصري قالا " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج "، نسخ ذلك بآية الميراث وما فرض لهن فيها من الربع والثمن, ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا.

5585- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس, عن ابن سيرين, عن ابن عباس: أنه قام يخطب الناس ها هنا, فقرأ لهم سورة &; 5-258 &; البقرة, فبين لهم فيها، (154) فأتى على هذه الآية : إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [سورة البقرة: 180]، قال: فنسخت هذه. ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا " إلى قوله: (غَيْرَ إِخْرَاجٍ )، فقال: وهذه . (155)

* * *

وقال آخرون: هذه الآية ثابتة الحكم، لم ينسخ منها شيء.

* ذكر من قال ذلك:

5586- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة: 234]، قال: كانت هذه للمعتدة، تعتد عند أهل زوجها، واجبا ذلك عليها, فأنـزل الله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج "، إلى قوله: مِنْ مَعْرُوفٍ . قال: جعل الله لهم تمام السنة، سبعة أشهر وعشرين ليلة، وصية: إن شاءت سكنت في وصيتها, وإن شاءت خرجت, وهو قول الله تعالى ذكره: (غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ )، قال: والعدة كما هي واجبة.

5587- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.

5588- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى= وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل= عن ابن أبي نجيح, عن عطاء, عن ابن عباس أنه قال: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، تعتد &; 5-259 &; حيث شاءت, وهو قول الله: (غَيْرَ إِخْرَاجٍ ). قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها, وإن شاءت خرجت، لقول الله تعالى ذكره: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ = قال عطاء: جاء الميراث بنسخ السكنى، تعتد حيث شاءت ولا سكنى لها.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره كان جعل لأزواج من مات من الرجال بعد موتهم، سكنى حول في منـزله, ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة، (156) ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه, وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن، لم تكن ورثة الميت من خروجهن في حرج. ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث, وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة, وردهن إلى أربعة أشهر وعشر، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5589- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا حجاج قال، أخبرنا حيوة بن شريح, عن ابن عجلان, عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة, وأخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة, عن فريعة أخت أبي سعيد الخدري: أن زوجها خرج في طلب عبد له, فلحقه بمكان قريب فقاتله، وأعانه عليه أعبد معه فقتلوه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجها خرج في طلب عبد له, فلقيه علوج فقتلوه, وإني في مكان ليس فيه أحد غيري, وإن أجمع لأمري أن أنتقل إلى أهلي! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل امكثي مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله. (157)

&; 5-260 &;

وأما قوله: " متاعا "، فإن معناه: جعل ذلك لهن متاعا, أي الوصية التي كتبها الله لهن.

وإنما نصب " المتاع ", لأن في قوله: " وصية لأزواجهم "، معنى متعهن الله, فقيل: " متاعا "، مصدرا من معناه لا من لفظه.

* * *

وقوله: (غَيْرَ إِخْرَاجٍ )، فإن معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول، لا إخراجا من مسكن زوجها= يعني: لا إخراج فيه منه حتى ينقضي الحول. فنصب " غير " على النعت ل " لمتاع "، كقول القائل: " هذا قيام غير قعود ", بمعنى: هذا قيام لا قعود معه, أو: لا قعود فيه.

* * *

وقد زعم بعضهم أنه منصوب بمعنى: لا تخرجوهن إخراجا، وذلك خطأ من القول. لأن ذلك إذا نصب على هذا التأويل، كان نصبه من كلام آخر غير الأول, وإنما هو منصوب بما نصب " المتاع " على النعت له. (158)

* * *

&; 5-261 &;

القول في تأويل قوله : فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن المتاع الذي جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم، ونهى ورثته عن إخراجهن, إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن, وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن، بغير إخراج من ورثة الميت.

ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن. لأن المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل، لم يكن فرضا عليهن, وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات. فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف, وذلك ترك الحداد. يقول: فلا حرج عليكم في التزين إن تزينّ وتطيبن وتزوجن, لأن ذلك لهن.

وإنما قلنا: " لا حرج عليهنّ في خروجهن ", وإن كان إنما قال تعالى ذكره: " فلا جناح عليكم "، لأن ذلك لو كان عليهن فيه جناح, لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن والخروج، مع قدرتهم على منعهنّ من ذلك. ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد, وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف, وذلك في أنفسهن.

وقد مضت الرواية عن أهل التأويل بما قلناه في ذلك قبل.

* * *

وأما قوله: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )، فإنه يعني تعالى ذكره: " والله عزيز "، في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء, فمنع من &; 5-262 &; كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل: من المتعة والصداق والوصية، وإخراجهن قبل انقضاء الحول، وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها= ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج، وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات=" حكيم "، فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )، وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته.

-----------------------

الهوامش :

(139) اقتصر في المخطوطة والمطبوعة على ذكر الآية إلى قوله : "ويذرون أزواجا" ، فأتممتها للبيان .

(140) انظر ما سلف في هذا الجزء : 77-79 .

(141) ما بين القوسين زيادة لا يستقيم الكلام إلا بها .

(142) قراءة عبد الله بن مسعود : { كتب عليكم الوصية لأزواجكم } انظر شواذ القراءات لابن خالويه : 15 ، ومعاني القرآن للفراء : 1/156 ، وغيرها المصححون .

(143) في المخطوطة"لم يكادوا أن يقولونه . . . " ، وفي المطبوعة : "أن يقولوه" ، وأرجح أن الصواب ما أثبت بإسقاط"أن" التي في المخطوطة .

(144) انظر ما سيأتي ص : 254-258 .

(145) في المطبوعة : "يؤمر بإنفاذه . . . " ، والصواب من المخطوطة .

(146) في المطبوعة : "فكان تعالى ذكره إنما جعل . . . " بالفاء مكان الواو ، والصواب من المخطوطة . وفي المطبوعة : "سكنى الحول" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما سواء .

(147) في المطبوعة : "علما بأنه حق لها" ، وفي المخطوطة"علمنا به حق" غير منقوطة ، والصواب ما أثبت ، وسياق الجملة : "لما قال الله تعالى . . . وكان الموصى . . . وكان محالا . . . وكان تعالى ذكره . . . = علمنا أنه حق . . . "

(148) هذا رد الطبري على من قرأها بالنصب .

(149) في المطبوعة : "ولكان لورثتهم إخراجهن" بإسقاط"قد كان" ، وفي المخطوطة : "ولكان لورثتهم قد كان إخراجهن" ، بتقديم"لورثتهم" ، والصواب ما أثبت .

(150) كان مكان ما بين القوسين بياض في المخطوطة والمطبوعة ، وهذه الزيادة بين القوسين استظهرتها من سياق الكلام . وهو يريد في كلامه الآتي خروج الحال مصدرا نحو قولهم : "طلع بغتة ، وجاء ركضا ، وقتلته صبرا ، ولقيته كفاحا" . وانظر سيبوبه 1 : 186 ، وأوضح المسالك 1 : 195 وغيرهما . هذا ما استطعت أن أقدره من كلام أبي جعفر ورده هذا القول ، وكأنه الصواب إن شاء الله .

(151) انظر ما سلف ص : 252 والتعليق رقم : 3 .

(152) في المطبوعة : "من ريعه" بالياء المثناة التحتية . وليس لها معنى هنا . والربع : المنزل والدار والمسكن ، وفي حديث أسامة أنه قال له : "هل ترك لنا عقيل من ربع؟" : أي منزل ، والجمع رباع وربوع وأربع . وهذه الكلمة"من ربعه" أسقطها الدر المنثور من روايته للأثر 1 : 309 .

(153) في المطبوعة : "من غير بينة" ، والصواب ما في المخطوطة .

(154) في المطبوعة : "فبين لهم فيها" ، والصواب ما في المخطوطة ورقم : 2652 ، أي فسر لهم منها ما فسر .

(155) الأثر : 5585- مضى مختصرا برقم : 2652 .

(156) في المخطوطة : "إلى انقضاء وجب" ، وما بينهما بياض ، وما في المطبوعة أشبه بالصواب

(157) الحديث : 5589- حجاج : هو ابن رشدين بن سعد . وهو الذي يروي عن حيوة بن شريح ، ويروي عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم . وهو -عندنا- ثقة . وقد مضت ترجمته مفصلة في : 763 .

ابن عجلان : هو محمد بن عجلان المدني الثقة ، مضى في : 304 .

سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة : مضى في : 5090 . وقد وقع في المطبوعة هنا"سعيد" بدل"سعد" - كما وقع فيما مضى . والأشهر ما أثبتنا .

والحديث مضى مختصرا : 5090 ، من رواية فليح بن سليمان ، عن سعد بن إسحاق ، بهذا الإسناد . وفصلنا القول في تخريجه ، مطولا ومختصرا ، كأنا استوعبنا هناك ما وجدنا من طرقه ، إلا روايات الطحاوي فقد رواه في معاني الآثار 2 : 45-46 بتسعة أسانيد . وإلا الطريق التي هنا ، فلم نكن رأيناها . ثم لم نجد هذه الطريق في شيء من الدواوين ، غير الطبري .

أما الحديث في ذاته فصحيح ، ورواياته الصحاح - التي أشرنا إليها هناك : مطولة مفصلة بأكثر مما هنا .

فريعة بنت مالك ، أخت أبي سعيد : هي بضم الفاء بالتصغير ، في أكثر الروايات . ووقع اسمها في المخطوطة هنا"الفارعة" . ولم أجدها في شيء من الروايات هكذا ، إلا في إحدى روايات النسائي 2 : 113 . وكذلك لم يذكر الحافظ في الإصابة هذ الرواية إلا عن رواية النسائي .

والحديث ذكره ابن كثير 1 : 588-589 ، عن رواية الموطأ ، التي أشرنا إليها فيما مضى . وهي في الموطأ ، ص : 591 .

(158) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 156 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[240] هنا روعة تدرج التشريع الرباني، قال الطاهر بن عاشور: «واعلموا أن العرب في الجاهلية كان من عادتهم المتبعة أن المرأة إذا تُوفِّى عنها زوجها تمكث في شرِّ بيتٍ لها حولًا، مُحدَّة لابسة شر ثيابها، متجنبة الزينة والطيب، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك الغلو في سوء الحالة، وشرع عدة الوفاة والإحداد، فلما ثقل ذلك على الناس، في مبدأ أمر تغيير العادة، أمر الأزواج بالوصية لأزواجهم بسكنى الحول بمنزل الزوج والإنفاق عليها من ماله، إن شاءت السكنى بمنزل الزوج، فإن خرجت وأبت السكنى هنالك لم ينفق عليها، فصار الخيار للمرأة في ذلك بعد أن كان حقًّا عليها لا تستطيع تركه، ثم نسخ الإنفاق والوصية بالميراث، فالله لما أراد نسخ عِدة الجاهلية، وراعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم، أقرَّ الاعتداد بالحول، وأقرَّ ما معه من المكث في البيت مدة العدة، لكنه أوقفه على وصية الزوج عند وفاته لزوجه بالحسنى، وعلى قبول الزوجة ذلك، فإن لم يوصِ لها أو لم تقبل فليس عليها السكنى، ولها الخروج، وتعتد حيث شاءت، ونسخ وَصِيَّة السكنى حولًا بالمواريث، وبقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعًا».

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. يتوفون: فعل مضارع مبني للمجهول. مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. منكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «الَّذِينَ» و «من» حرف جر بياني التقدير حال كونهم منكم والميم علامة جمع الذكور وجملة «يُتَوَفَّوْنَ» صلة الموصول
  • ﴿ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً:
  • الواو: عاطفة. يذرون: معطوفة على «يُتَوَفَّوْنَ» وتعرب اعرابها. والفعل مبني للمعلوم والواو فاعلة. أزواجا: مفعول به منصوب بالفتح المنون، بمعنى: ويتركون وراءهم أزواجا.
  • ﴿ وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ:
  • مصدر- مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر تقديره: يوصون، وعلامة نصبه الفتحة والجملة المقدرة «يوصون» في محل رفع خبر المبتدأ «الَّذِينَ». لأزواج: جار ومجرور متعلق بيوصون أو بصفة محذوفة من «وَصِيَّةً» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة وهناك وجه آخر لاعراب الجملة .. هو كون «الَّذِينَ» اسما موصولا في محل نصب مفعولا به لفعل محذوف تقديره: وألزم الذين .. ويكون إعراب «وَصِيَّةً» في هذه الحالة مفعولا به ثانيا للفعل المقدر «ألزم».
  • ﴿ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ:
  • متاعا: مفعول به منصوب بيوصون وعلامة نصبه الفتحة أو منصوبا على المصدر أي مفعول مطلق لفعل مقدر بمعنى: يمتعنّ متاعا. الى الحول: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «مَتاعاً».
  • ﴿ غَيْرَ إِخْراجٍ:
  • غير: بدل من المبدل منه «مَتاعاً» منصوب بالفتحة ويجوز إعرابه: حالا من الأزواج بتقدير: غير مخرجات. اخراج: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جّره: الكسرة المنونة.
  • ﴿ فَإِنْ خَرَجْنَ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. خرجن: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل جزم فعل الشرط ونون النسوة «الاناث» ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط. لا: نافية للجنس تعمل عمل: «إن». جناح: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب. عليكم: جار ومجرور متعلق بخبر «لا» المحذوف وتقديره: كائن: والميم: علامة الجمع.
  • ﴿ فِي ما فَعَلْنَ:
  • حرف جر ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق باسم لا أو بخبرها. فعلن: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة «الاناث» والنون: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل وجملة «فَعَلْنَ» صلة الموصول وجملة «فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ:
  • جار ومجرور متعلق بفعلن و «هن» ضمير الغائبات الاناث مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. من معروف: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «ما» و «مِنْ» حرف جرّ بياني. التقدير: حال كونه من معروف والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: فيما فعلنه.
  • ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع بالضمة. عزيز: خبر مرفوع بالضمة. حكيم: خبر «ثان» ويجوز اعرابه: صفة لعزيز مرفوعا بالضمة المنونة. '

المتشابهات :

البقرة: 234﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
البقرة: 240﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [240] لما قبلها :     وبعد ذكر أحكام الطلاق والوفاة؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا وصية الحولِ للمُتوفَّى عنها زوجُها (الآية 240 منسوخةٌ حكمًا بالآية 234)، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

القراءات :

وصية:
قرئ:
1- بالرفع، على الابتداء، أو بفعل محذوف، وهى قراءة الحرميين، والكسائي، وأبى بكر.
2- بالنصب، وارتفاع «والذين» ، على الابتداء.

مدارسة الآية : [241] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى ..

التفسير :

[241] وللمطلقات متاع من كسوة ونفقة على الوجه المعروف المستحسن شرعاً، حقّاً على الذين يخافون الله ويتقونه في أمره ونهيه.

أي:لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على كل متق، جبرا لخاطرها وأداء لبعض حقوقها، وهذه المتعة واجبة على من طلقت قبل المسيس، والفرض سنة في حق غيرها كما تقدم، هذا أحسن ما قيل فيها، وقيل إن المتعة واجبة على كل مطلقة احتجاجا بعموم هذه الآية، ولكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيّد، وتقدم أن الله فرض المتعة للمطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة.

ثم بين- سبحانه- حق المطلقات فقال: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ أى وللمطلقات على أزواجهن الذين طلقوهن متاع بالمعروف أى شيء ينتفع به انتفاعا ممتدا لمدة من الوقت مما تعارف العقلاء عليه وعلى فائدته للمرأة، وهذا المتاع جعله الله حقا على المتقين الذين يصونون أنفسهم عن كل ما يبغضه الله- تعالى-.

وقد جعل الله هذا الحق للمطلقة على مطلقها جبرا لوحشة الفراق وإزالة لما قد يكون بين الزوجين من شقاق، وتخفيفا لما قد يحيط بجو الطلاق من تنافر وتخاصم وعدم وفاق.

قال ابن كثير: وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء وجوب المتعة لكل مطلقة سواء كانت مفوضة، أو مفروضا لها، أو مطلقة قبل المسيس، أو مدخولا بها. وإليه ذهب سعيد بن جبير وغيره من السلف واختاره ابن جرير، وهو قول عن الشافعى.

وعلى هذا التفسير يكون المراد بالمتاع ما يعطيه الرجل لامرأته التي طلقها زيادة عن الحقوق المقررة لها شرعا ليكون التسريح بإحسان.

ومن العلماء من يرى أن المراد بالمتاع هنا النفقة التي تكون للمطلقة في العدة قال الفخر الرازي: واعلم أن المراد بالمتاع هاهنا فيه قولان:

أنه هو المتعة فظاهر هذه الآية يقتضى وجوب هذه المتعة لكل المطلقات..

والقول الثاني أن المراد بهذه المتعة النفقة، والنفقة قد تسمى متاعا، وإذا حملنا هذا المتاع على النفقة اندفع التكرار فكان ذلك أولى».

ويظهر أن مراد الفخر الرازي بقوله: «اندفع التكرار» أى ما بين هذه الآية والآية التي سبقت وهي قوله- تعالى-: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ولك أن تقول: إنه لا تكرار مع إرادة المتعة التي ليست هي النفقة لأنه في السابقة بين أنها حق للمرأة حين تطلق ولم يكن قد قدر لها مهر معين، وهنا ذكرت عقب آية الوفاة لدفع ما يتوهم من أن المتوفى عنها زوجها لها حق في المتعة إذا لم يوص لها زوجها بالنفقة.

وقوله : ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما نزل قوله : ( متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) [ البقرة : 236 ] قال رجل : إن شئت أحسنت ففعلت وإن شئت لم أفعل . فأنزل الله هذه الآية : ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ) وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة ، سواء كانت مفوضة أو مفروضا لها أو مطلقا قبل المسيس أو مدخولا بها ، وهو قول عن الشافعي ، رحمه الله . وإليه ذهب سعيد بن جبير . وغيره من السلف واختاره ابن جرير . ومن لم يوجبها مطلقا يخصص من هذا العموم بمفهوم قوله : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) وأجاب الأولون : بأن هذا من باب ذكر بعض أفراد العموم فلا تخصيص على المشهور المنصوص ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله جل ذكره وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولمن طلق من النساء على مطلقها من الأزواج،" متاع ". يعني بذلك: ما تستمتع به من ثياب وكسوة أو نفقة أو خادم، وغير ذلك مما يستمتع به. وقد بينا فيما مضى قبل معنى ذلك, واختلاف أهل العلم فيه، والصواب من القول من ذلك عندنا، بما فيه الكفاية من إعادته. (159)

* * *

وقد اختلف أهل العلم في المعنية بهذه الآية من المطلقات.

فقال بعضهم: عني بها الثيِّبات اللواتي قد جومعن. قالوا: وإنما قلنا ذلك، لأن [الحقوق اللازمة للمطلقات] غير المدخول بهن في المتعة، (160) قد بينها الله &; 5-263 &; تعالى ذكره في الآيات قبلها, فعلمنا بذلك أن في هذه الآية بيان أمر المدخول بهن في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

5590- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى بن ميمون, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء في قوله: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، قال: المرأة الثيب يمتعها زوجها إذا جامعها بالمعروف.

5591- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله= وزاد فيه: ذكره شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء.

* * *

وقال آخرون: بل في هذه الآية دلالة على أن لكل مطلقة متعة، وإنما أنـزلها الله تعالى ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم، لما فيها من زيادة المعنى الذي فيها على ما سواها من آي المتعة, إذ كان ما سواها من آي المتعة إنما فيه بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت, وفي هذه بيان حكم جميع المطلقات في المتعة.

* ذكر من قال ذلك:

5592- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب, عن سعيد بن جبير في هذه الآية: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، قال: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين.

5593- حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يونس، عن الزهري- في الأمة يطلقها زوجها وهي حبلى- قال: تعتد في بيتها. وقال: لم أسمع في متعة المملوكة شيئا أذكره, (161) وقد قال الله تعالى ذكره: " متاع بالمعروف حقا على المتقين "، ولها المتعة حتى تضع.

&; 5-264 &;

5594- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى (162) قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا ابن جريج, عن عطاء قال: قلت له: أللأمة من الحر متعة؟ قال: لا. قلت: فالحرة عند العبد؟ قال: لا= وقال عمرو بن دينار: نعم," وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ".

* * *

وقال آخرون: إنما نـزلت هذه الآية, لأن الله تعالى ذكره لما أنـزل قوله : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة: 236]، قال رجل من المسلمين: فإنا لا نفعل إن لم نرد أن نحسن. فأنـزل الله: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، فوجب ذلك عليهم.

* ذكر من قال ذلك:

5595- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، فقال رجل: فإن أحسنت فعلت, وإن لم أرد ذلك لم أفعل! فأنـزل الله: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ".

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله سعيد بن جبير, من أن الله تعالى ذكره أنـزلها دليلا لعباده على أن لكل مطلقة متعة. لأن الله تعالى ذكره ذكر في سائر آي القرآن التي فيها ذكر متعة النساء، خصوصا من النساء, فبين في الآية التي قال فيها: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [سورة البقرة: 236]، وفي قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا &; 5-265 &; إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [سورة الأحزاب: 49]، ما لهن من المتعة إذا طلقن قبل المسيس, وبقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [سورة الأحزاب: 28]، حكم المدخول بهن، وبقي حكم الصبايا إذا طلقن بعد الابتناء بهن, وحكم الكوافر والإماء. فعم الله تعالى ذكره بقوله: " وللمطلقات متاع بالمعروف " ذكر جميعهن, وأخبر بأن لهن المتاع, كما خص المطلقات الموصوفات بصفاتهن في سائر آي القرآن، (163) ولذلك كرر ذكر جميعهن في هذه الآية.

* * *

وأما قوله: ( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )، فإنا قد بينا معنى قوله: " حقا ", ووجه نصبه, والاختلاف من أهل العربية في قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة: 236]، ففي ذلك مستغنى عن إعادته في هذا الموضع. (164)

* * *

فأما " المتقون ": فهم الذين اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده, فقاموا بها على ما كلفهم القيام بها خشية منهم له, ووجلا منهم من عقابه.

وقد تقدم بيان تأويل ذلك نصا بالرواية. (165)

---------------

الهوامش :

(159) انظر معنى"المتاع" فيما سلف 1 : 539 ، 540 /ثم 3 : 53-55 /ثم الموضع الذي عناه الطبري هنا : 120-135 .

(160) في المخطوطة : "لأن غير المدخول بهن" ، وبينهما بياض ، فجاءت المطبوعة وصلت الكلام : "لأن غير المدخول بهن" فاختلت الجملة ، واستظهرت ما زدته بين القوسين من معنى الآيات .

(161) في المطبوعة : "وقال : لم أسمع . . . " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(162) في المخطوطة والمطبوعة : "هناد بن موسى" ، وليس في الرواة أحد بهذا الاسم . والصواب ما أثبت/ انظر الأثر قبله رقم : 5593 ، وفي مواضع كثيرة قبل ذلك بمثل هذا الإسناد .

(163) في المطبوعة : "كما أبان المطلقات . . . " ، وفي المخطوطة : "كما المطلقات" وما بين الكلامين بياض ، واستظهرت من قوله : "نعم الله تعالى . . . " ، أن اللفظ الناقص في البياض هو"خص" ، أو معنى يشبهه ويقاربه .

(164) انظر ما سلف في هذا الجزء : 137 ، 138 .

(165) انظر فهارس اللغة فيما سلف مادة"وقى" .

التدبر :

وقفة
[241] ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ متعة المطلَّقة ثقيلة على النفس؛ لذا قيَّدها الله بقيدين: التقوى في هذه الآية، والإحسان في الآية السابقة.
اسقاط
[241] ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ إذا كانت هذه رعاية المطلقات، فكيف الشأن برعاية الزوجات!
وقفة
[241] ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ هذا هو اﻹسلام: حض وتحريض على الوصل والبر واﻹحسان حتى مع الفراق .
لمسة
[241] ما الفرق بين: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾، ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [236]؟ الجواب: الآية [236] هي في حالة المرأة المعقود عليها وطُلّقت قبل أن يتم الدخول بها، أو لم تُفرض لها فريضة، أي لم يحدد مهرها، فلمّا يدفع النفقة يكون هذا من باب الإحسان، والقرآن الكريم لم يحدد القدر بل تركه مفتوحًا، كلٌّ حسب سعته؛ لذا خُتمت الآية بقوله تعالى: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾، أما الآية (241) فهي في حالة المرأة التي عُقد عليه ثم طُلّقت وقد تم الدخول، فيدفع لها ولو لم يدفع لها سيدخل النار، لذا ختمت الآية بـ ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾، الذين يتّقون العذاب يوم القيامة.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ:
  • الواو استئنافية. للمطلقات: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. متاع: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. بالمعروف: جار ومجرور متعلق بمتاع أو بفعله.
  • ﴿ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ:
  • مصدر- مفعول مطلق- منصوب بالفتح المنون لفعل محذوف تقديره: حق ذلك حقا. على المتقين: جار ومجرور متعلق بحقّ وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 236﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
البقرة: 180﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
البقرة: 241﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [241] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ عز وجل متاعَ المتوفَّى عنهنَّ؛ ذكرَ هنا متاع المطلَّقات؛ تأكيدًا للحُكم بالتكرير، وتعميمًا بعد تخصيصِ بعض أفراده، قال تعالى:
﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [242] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ..

التفسير :

[242] مثل ذلك البيان الواضح في أحكام الأولاد والنساء، يبيِّن الله لكم آياته وأحكامه في كل ما تحتاجون إليه في معاشكم ومعادكم؛ لكي تعقلوها وتعملوا بها.

ولما بيّن تعالى هذه الأحكام العظيمة المشتملة على الحكمة والرحمة امتن بها على عباده فقال:{ كذلك يبين الله لكم آياته} أي:حدوده، وحلاله وحرامه والأحكام النافعة لكم، لعلكم تعقلونها فتعرفونها وتعرفون المقصود منها، فإن من عرف ذلك أوجب له العمل بها، ثم قال تعالى:

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات المتعلقة بأحكام الأسرة بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

أى: مثل هذا البيان الحكيم الواضح الذي بين الله لكم به الأحكام السابقة، يبين لكم جميع آياته وأحكامه التي أنتم في حاجة إليها لكي تفهموا ما فيها وتعقلوه وتعملوا به فتنالوا السعادة في الدنيا والآخرة.

وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد بينت لنا في أكثر من عشرين آية بعض الأحكام التي تتعلق بالأسرة وصيانتها وسعادتها بأسلوب مؤثر حكيم وبطريقة تهدى إلى أفضل الأخلاق، وأقوم العلاقات بين الأفراد والجماعات، وإن المتأمل في هذه الآيات وما اشتملت عليه من توجيهات سامية ليوقن بأن هذا القرآن إنما هو من عند الله، الذي شرع لعباده ما فيه صلاحهم وسعادتهم.

وبعد هذا البيان الحكيم عن الأسرة وما يتعلق بها من زواج وطلاق وغير ذلك، ساق القرآن من القصص ما من شأنه أن يدعو إلى التذكر والاعتبار ويحرض على الجهاد في سبيل الله،

ويحمل المتأملين في توجيهاته على إقامة الأسرة على أقوى الدعائم، وأفضل المبادئ التي بها تنال الأمم عزتها وكرامتها وسعادتها. فقال- تعالى-:

وقوله : ( كذلك يبين الله لكم آياته ) أي : في إحلاله وتحريمه وفروضه وحدوده فيما أمركم به ونهاكم عنه بينه ووضحه وفسره ولم يتركه مجملا في وقت احتياجكم إليه ( لعلكم تعقلون ) أي : تفهمون وتتدبرون .

القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، كما بينت لكم ما يلزمكم لأزواجكم ويلزم أزواجكم لكم، أيها المؤمنون, وعرفتكم أحكامي والحق الواجب لبعضكم على بعض &; 5-266 &; في هذه الآيات, فكذلك أبين لكم سائر الأحكام في آياتي التي أنـزلتها على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب, لتعقلوا- أيها المؤمنون بي وبرسولي- حدودي, فتفهموا اللازم لكم من فرائضي, وتعرفوا بذلك ما فيه صلاح دينكم ودنياكم، وعاجلكم وآجلكم, فتعلموا به ليصلح ذات بينكم، وتنالوا به الجزيل من ثوابي في معادكم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[242] رحمة الله تعالى بعباده ظاهرة، فقد بين لهم آياته أتم بيان للإفادة منها.
وقفة
[242] ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ما معنى العقل هنا؟! قال محمد رشيد رضا: «معناه أن يتدبر الشيء ويتأمله حتى تُذعِن نفسه لما أودعت فيه إذعانًا يكون له أثر في العمل، فمن لم يعقل الكلام بهذا المعنى فهو ميت، وإن كان يزعم أنه حي، ميت من عالم العقلاء، حي بالحياة الحيوانية، وقد فهمنا هذه الأحكام ولكن ما عقلناها، ولو عقلناها لما أهملناها».

الإعراب :

  • ﴿ كَذلِكَ يُبَيِّنُ:
  • الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب نائب عن المصدر- المفعول المطلق- المحذوف أو صفة له. التقدير يبين الله تبينا مثل ذلك. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. يبين: فعل مضارع مرفوع بالضمة. واللام للبعد: والكاف حرف خطاب
  • ﴿ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ:
  • الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. لكم: جار ومجرور متعلق بيبين. والميم: علامة جمع الذكور. آياته: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ:
  • لعلّ: حرف مشبه بالفعل يفيد توقع الممكن. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل». والميم: علامة جمع الذكور. تعقلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «تَعْقِلُونَ» في محل رفع خبر «لعل». '

المتشابهات :

البقرة: 242﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
آل عمران: 103﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
المائدة: 89﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [242] لما قبلها :     وبعد بيان أحكام الأسرة، وما اشتملت عليه من الحكمة والرحمة؛ امتن اللهُ عز وجل بها هنا على عباده، فقال تعالى:
﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [243] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ ..

التفسير :

[243] ألم تعلم -أيها الرسول- قصة الذين فرُّوا من أرضهم ومنازلهم، وهم ألوف كثيرة؛ خشية الموت من الطاعون أو القتال، فقال لهم الله:موتوا، فماتوا دفعة واحدة عقوبة على فرارهم من قدر الله، ثم أحياهم الله تعالى بعد مدة؛ ليستوفوا آجالهم، وليتعظوا ويتوبوا؟ إن الل

يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم، بأن الذي أخرجهم منها حذر الموت من وباء أو غيره، يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت، ولكن لا يغني حذر عن قدر،{ فقال لهم الله موتوا} فماتوا{ ثم} إن الله تعالى{ أحياهم} إما بدعوة نبي أو بغير ذلك، رحمة بهم ولطفا وحلما، وبيانا لآياته لخلقه بإحياء الموتى، ولهذا قال:{ إن الله لذو فضل} أي:عظيم{ على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون} فلا تزيدهم النعمة شكرا، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم.

قال الآلوسى: قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ هذه الكلمة قد تذكر لمن تقدم علمه فتكون للتعجب والتقرير والتذكير لمن علم بما يأتى- كالأحبار وأهل التواريخ- وقد تذكر لمن لا يكون كذلك فتكون لتعريفه وتعجيبه، وقد اشتهرت في ذلك حتى أجريت مجرى المثل في هذا الباب، بأن شبه من «لم ير» الشيء بحال من رآه في أنه لا ينبغي أن يخفى عليه وأنه ينبغي أن يتعجب منه، ثم أجرى الكلام معه كما يجرى مع من رأى، قصدا إلى المبالغة في شهرته وعراقته في التعجب. ثم قال: والرؤية إما بمعنى الإبصار مجازا عن النظر، وفائدة التجوز الحث على الاعتبار، لأن النظر اختياري دون الإدراك الذي بعده. وإما بمعنى الإدراك القلبي متضمنا معنى الوصول والانتهاء ولهذا تعدت- أى الرؤية- بإلى في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا.. .

والمعنى: قد علمت أيها الرسول الكريم أو أيها الإنسان العاقل- حال أولئك القوم الذين خرجوا من ديارهم التي ألفوها واستوطنوها، وهم ألوف مؤلفة، وكثرة كاثرة، وما كان خروجهم إلا فرارا وخوفا من الموت الذي سيلاقيهم- إن عاجلا أو آجلا-.

ومن لم يعلم حالهم فها نحن أولاء نعلمه بها ونحيطه بما جرى لهم عن طريق هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والمقصود من هذه الآية الكريمة حض الناس جميعا على الاعتبار والاتعاظ وزجرهم عن الفرار من الموت هلعا وجبنا، وتحريضهم على القتال في سبيل الله فقد قال- تعالى- بعد ذلك: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. وإفهامهم أن الفرار من الموت لن يؤدى إلا إلى الوقوع فيه.

وقوله: وَهُمْ أُلُوفٌ جملة حالية من الضمير في خَرَجُوا وأُلُوفٌ جمع ألف. والتعبير بألوف يفيد أنهم كانوا كثيرى العدد، ومن شأن الكثرة أنها تدعو إلى الشجاعة ولكنهم مع هذه الكثرة قد استولى عليهم الجبن فخرجوا من ديارهم هربا من الموت.

وقيل إن معنى وَهُمْ أُلُوفٌ أنهم خرجوا مؤتلفى القلوب، ولم يخرجوا عن افتراق كان منهم، ولا عن تباغض حدث بينهم. وألوف على هذا القول جمع آلف مثل قاعد وقعود وشهود. قالوا: والوجه الأول أجدر بالاتباع لأن ورد الموت عليهم وهم كثرة عظيمه يفيد مزيد اعتبار بحالهم، ولأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.

وقوله: حَذَرَ الْمَوْتِ أى خرجوا الحذر الموت وخشيته، فقوله: حَذَرَ منصوب على أنه مفعول لأجله. والجملة الكريمة تشير إلى أن خروجهم كان الباعث عليه الحرص على مطلق حياة ولو كانت حياة ذل ومهانة، وأنه لم يكن هناك سبب معقول يحملهم على هذا الخروج، ولذا كانت نتيجة ذلك أن عاقبهم الله- تعالى- بالموت الذي هربوا منه فقال:

فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ أى: فقال لهم الله موتوا فماتوا ثم أحياهم بعد ذلك.

فجملة ثُمَّ أَحْياهُمْ معطوفة على مقدر يستدعيه المقام أى، فماتوا ثم أحياهم. وإنما حذف للدلالة على الاستغناء عن ذكره لاستحالة تخلف مراده- تعالى- عن إرادته.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى قوله: فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا قلت: معناه فأماتهم وإنما جيء به على هذه الصورة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته، وتلك ميتة خارجة عن العادة، كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقف كقوله- تعالى-: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وهذا تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة، وأن الموت إذا لم يكن منه بد، ولم ينفع منه مفر، فأولى أن يكون في سبيل الله».

وقال الجمل: «فإن قلت هذا يقتضى أن هؤلاء ماتوا مرتين وهو مناف للمعروف من أن موت الخلق مرة واحدة؟ قلنا في الجواب: لا منافاة إذ الموت هنا عقوبة مع بقاء الأجل كما في قوله في قصة موسى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وثم موت بانتهاء الأجل، وتلخيصه: أنه- سبحانه- أماتهم قبل آجالهم عقوبة لهم ثم بعثهم إلى بقية آجالهم، وميتة العقوبة بعدها حياة- أى في الدنيا- بخلاف ميتة الأجل- فلا حياة بعدها في الدنيا-..» .

وبعد هذا البيان لمعنى الآية قد يقال: من هم أولئك القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت؟ وهل الإماتة والإحياء بالنسبة لهم كانا على سبيل الحقيقة؟

للإجابة على السؤال الأول نقول: لم يرد حديث صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبين لنا فيه من هؤلاء القوم وفي أى زمن كانوا، وإنما أورد بعض المفسرين عن بعض الصحابة والتابعين روايات فيها مقال، وفيها تفصيلات نرى من الخير عدم ذكرها لضعفها. ومن هذه الروايات ما جاء عن ابن عباس أنه قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، حتى إذا كانوا بموضع كذا أو كذا ماتوا.. ثم أحياهم الله بدعوة دعاها نبيهم .

ومنها أنهم- قوم من بنى إسرائيل- فروا من الجهاد حين أمرهم الله به على لسان نبيهم «حزقيل» وخافوا من الموت في الجهاد فخرجوا من ديارهم فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد..» .

قال القرطبي بعد أن ساق هذه الرواية: وقال ابن عطية: وهذا القصص كله لين الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله- تعالى- أخبر نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم الله ثم أحياهم ليروا هم وكل من جاء من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر.

وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمر المؤمنين من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالجهاد. وهذا قول الطبري وهو ظاهر وصف الآية» «3» والذي نراه أن الرواية الثانية التي تقول: إنهم قوم من بنى إسرائيل فروا من الجهاد حين أمرهم الله به.. معقولة المعنى، ويؤيدها سياق الآيات، لأن الآيات تحض الناس على القتال في سبيل الله، وتسوق لهم قصة هؤلاء القوم لكي يعتبروا ويتعظوا ولا يتخلفوا عن الجهاد الذي هو باب من أبواب الجنة- كما قال الإمام على بن أبى طالب- ولأن قوله- تعالى-: وَهُمْ أُلُوفٌ يشعر بأنهم مع كثرة عددهم قد نكصوا على أعقابهم، وفروا من وجوه أعدائهم وهذا شأن بنى إسرائيل في كثير من أدوار تاريخهم وما قاله ابن عطية يشير إليها فهو يقول: وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمر المؤمنين ... بالجهاد. إلا أنه آثر وصفهم بأنهم قوم من البشر.

وللإجابة على السؤال الثاني وهو- هل الإماتة والإحياء بالنسبة لهم كانا على سبيل الحقيقة- نقول: مبلغ علمنا أن المفسرين السابقين مجمعون على أن الموت كان موتا حقيقيا حسيا لهم، وأن إعادتهم إلى الحياة بعد ذلك كانت إعادة حقيقية حسية.

وقد خالف الأستاذ الإمام محمد عبده إجماع المفسرين هذا فرأى أن المراد بالموت في الآية الموت المعنوي بمعنى أن موت الأمم إنما هو في جبنها وذلتها وأن حياتها إنما تكون في عزتها وحريتها، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه.

«.. والمتبادر من السياق أن أولئك القوم خرجوا من ديارهم بسائق الخوف من عدو مهاجم لا من قلتهم، فقد كانوا ألوفا أى كثيرين، وإنما هو الحذر من الموت الذي يولده الجبن في أنفس الجبناء، فيريهم أن الفرار من القتال هو الواقي من الموت وما هو إلا سبب الموت بما يمكن الأعداء من رقاب أهله، قال أبو الطيب:

يرى الجبناء أن الجبن حزم ... وتلك خديعة الطبع اللئيم

ثم قال: لقد خرجوا فارين فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا أى أماتهم بإمكان العدو منهم ...

فمعنى أولئك القوم هو أن العدو نكل بهم فأفنى قوتهم وأزال استقلال أمتهم حتى صارت لا تعد أمة، بأن تفرق شملها، وذهبت جامعتها، فكل من بقي من أفرادها بقي خاضعا للغالبين ضائعا فيهم، لا وجود له في نفسه، وإنما وجوده تابع لوجود غيره.

ومعنى حياتهم هو عود الاستقلال إليهم، ذلك أن من رحمة الله في البلاء يصيب الناس أنه يكون تأديبا لهم، ومطهرا لنفوسهم مما عرض لها من دنس الأخلاق الذميمة. أشعر الله أولئك القوم بسوء عاقبة الخوف والجبن والفشل والتخاذل بما أذاقهم من مرارتها، فجمعوا كلمتهم، ووثقوا رابطتهم، حتى عادت لهم وحدتهم، فاعتزوا وكثروا حتى خرجوا من ذل العبودية التي كانوا فيها إلى عز الاستقلال فهذا معنى حياة الأمم وموتها» .

فأنت ترى أن الأستاذ الإمام يرى أن الموت والحياة في الآية معنويان، بمعنى أن موت الأمم في جبنها وذلتها، وحياتها في استقلالها وحريتها.

ولعله- رحمه الله- قد اتجه هذا الاتجاه لأن الحض على القتال في سبيل الله واضح في هذه الآيات، ولأنه يرى أن واقع العالم الإسلامى يومئذ وما أصابه من ظلم واستبداد واستلاب للحرية يدعوه إلى أن يحرض المسلمين على القتال في سبيل حقهم المسلوب، وأن يحذرهم من سوء عاقبة الجبن والخنوع.

ومع أننا لا نشك في الدوافع الطيبة والبواعث الكريمة التي جعلت الأستاذ الإمام يتجه هذا الاتجاه، إلا أننا لا نتردد في اختيار ما ذهب إليه المفسرون من أن الموت والحياة في الآية حسيان حقيقيان، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة، ولأنه يتجه اتجاها أعم من اتجاه الإمام محمد عبده، لأن المفسرين يرون أن الآية واضحة في إثبات قدرة الله وفي صحة البعث، وفي الحض على القتال في سبيل الله.

قال بعض العلماء: قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا الآية. كان المشركون يستفتون اليهود في كثير من الأمور وكانت هذه القصة معلومة لليهود في أسفارهم وتواريخهم، فنزل القرآن بالإشارة إليها ليرتدع المشركون عما هم فيه من الضلال وإنكار البعث، ويعلموا أن دلائل القدرة على البعث مشهورة، وأن عند اليهود منها ما لو رجعوا إليهم فيه لعلموا أنه حق لا ريب فيه. وفي ذكر هذه القصة مع ذلك تشجيع للمؤمنين على الجهاد والتعرض للشهادة، وتمهيد لما بعد هذه الآية» .

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ أى: إن الله- تعالى- لصاحب تفضل دائم على الناس حيث أوجدهم بهذه الصورة الحسنة، وخلق لهم عقولا ليهتدوا بها إلى طريق الخير، وسخر لهم الكثير مما في هذا الكون. فمن الواجب عليهم أن يشكروه وأن يطيعوه، ولكن الذي حدث منهم أن أكثرهم لا يشكرون الله- تعالى- على ما منحهم من نعم.

وفي قوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ إنصاف للقلة الشاكرة منهم، ومديح لهم على استقامتهم وقوة إيمانهم.

روي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه : كانوا ثمانية آلاف . وقال أبو صالح : تسعة آلاف وعن ابن عباس : أربعون ألفا وقال وهب بن منبه وأبو مالك : كانوا بضعة وثلاثين ألفا وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانوا أهل قرية يقال لها : داوردان . وكذا قال السدي وأبو صالح وزاد : من قبل واسط . وقال سعيد بن عبد العزيز : كانوا من أهل أذرعات ، وقال ابن جريج عن عطاء قال : هذا مثل . وقال علي بن عاصم : كانوا : من أهل داوردان : قرية على فرسخ من واسط .

وقال وكيع بن الجراح في تفسيره : حدثنا سفيان عن ميسرة بن حبيب النهدي ، عن المنهال بن عمرو الأسدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ) قال : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون قالوا : نأتي أرضا ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم موتوا فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم ، فذلك قوله عز وجل : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ) الآية .

وذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فرارا من الموت إلى البرية ، فنزلوا واديا أفيح ، فملئوا ما بين عدوتيه فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد فحيزوا إلى حظائر وبني عليهم جدران وقبور [ وفنوا ] وتمزقوا وتفرقوا فلما كان بعد دهر مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له : حزقيل فسأل الله أن يحييهم على يديه فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول : أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض ، ثم أمره فنادى : أيتها العظام إن الله يأمرك بأن تكتسي لحما وعصبا وجلدا . فكان ذلك ، وهو يشاهده ثم أمره فنادى : أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره . فقاموا أحياء ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة ، وهم يقولون : سبحانك [ اللهم ربنا وبحمدك ] لا إله إلا أنت .

وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ولهذا قال : ( إن الله لذو فضل على الناس ) أي : فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة والدلالات الدامغة ، ( ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) أي : لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم .

وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه ، فإن هؤلاء فروا من الوباء طلبا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعا في آن واحد .

ومن هذا القبيل الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى أخبرنا مالك وعبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ] بن الخطاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس : أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد : أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام فذكر الحديث فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا لبعض حاجته فقال : إن عندي من هذا علما ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه ، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه " فحمد الله عمر ثم انصرف .

وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به .

طريق أخرى لبعضه : قال أحمد : حدثنا حجاج ويزيد العمي قالا : أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة : أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر ، وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم ، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه " قال : فرجع عمر من الشام .

وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري بنحوه .

القول في تأويل قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: " ألم تر "، ألم تعلم، يا محمد؟= وهو من " رؤية القلب " لا " رؤية العين "، (166) لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر، و " رؤية القلب ": ما رآه، وعلمه به. (167) فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " وهم ألوف " .

فقال بعضهم: في العدد، بمعنى جماع " ألف ".

* ذكر من قال ذلك:

5596- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع= قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم &; 5-267 &; وهم ألوف حذر الموت "، كانوا أربعة آلاف، خرجوا فرارا من الطاعون, قالوا: " نأتي أرضا ليس فيها موت "! حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا, قال لهم الله : " موتوا ". فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم, فأحياهم، فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ . (168)

5597- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم الله, فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه, فأحياهم.

5598- حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان, فشكوا ما أصابهم وقالوا: " يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه "! فأوحى الله إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء, وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا, وأي راحة لهم في الموت؟ أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا, فإن فيها أربعة آلاف= قال وهب: وهم الذين قال الله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "= فقم فيهم فنادهم، وكانت عظامهم قد تفرقت, فرقتها الطير والسباع. فناداهم حزقيل فقال: (169) " يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي" ! فاجتمع عظام كل &; 5-268 &; إنسان منهم معا. (170) ثم نادى ثانية حزقيل فقال: " أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم "، فاكتست اللحم, وبعد اللحم جلدا, فكانت أجسادا. ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: " أيتها الأرواح، إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك "! (171) فقاموا بإذن الله, وكبروا تكبيرة واحدة. (172)

5599- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله, ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

5600- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه = وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى= (173) فقال أحدهم لصاحبه، (174) أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال: (175) &; 5-269 &; أرأيت قول أحدكما لصاحبه: أهو هو؟ (176) فقالا إنا نجده في كتابنا: (177) " قرنا من حديد، يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيى الموتى بإذن الله ". فقال عمر: ما نجد في كتاب الله " حزقيل " ولا " أحيى الموتى بإذن الله "، إلا عيسى. فقالا أما تجد في كتاب الله وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ، (178) [سورة النساء: 164]، فقال عمر: بلى! قالا وأما إحياء الموتى فسنحدثك: إن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء, فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله, فبنوا عليهم حائطا, حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال شاء الله, (179) فبعثهم الله له, فأنـزل الله في ذلك: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، الآية. (180)

5601- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الحجاج بن أرطأة قال: كانوا أربعة آلاف.

&; 5-270 &;

5602- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، إلى قوله: ( ثُمَّ أَحْيَاهُمْ )، قال: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، (181) وقع بها الطاعون, فهرب عامة أهلها فنـزلوا ناحية منها, فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون, فلم يمت منهم كبير. (182) فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين, فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا, لو صنعنا كما صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم! فوقع في قابل فهربوا, وهم بضعة وثلاثون ألفا, حتى نـزلوا ذلك المكان, وهو واد أفيح, (183) فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا ! فماتوا, حتى إذا هلكوا وبليت أجسادهم, مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقه وأصابعه, (184) فأوحى الله إليه: يا حزقيل, أتريد أن أريك فيهم كيف أحييهم؟ = قال: وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم= فقال: نعم! فقيل له: ناد! فنادى: " يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تجتمعي!"، فجعلت تطير العظام بعضها إلى بعض، حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن ناد: " يا أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي لحما "، فاكتست لحما ودما، وثيابها التي ماتت فيها وهي عليها. ثم قيل له: ناد ! فنادى: " يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي", فقاموا.

5603- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, قال: فزعم منصور بن المعتمر, عن مجاهد: أنهم قالوا حين أحيوا: " سبحانك ربنا وبحمدك &; 5-271 &; لا إله إلا أنت "، فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى, سحنة الموت على وجوههم، (185) لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن، (186) حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم. (187)

5604- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد الرحمن بن عوسجة, عن عطاء الخراساني: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، قال: كانوا ثلاثة آلاف أو أكثر.

5605- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف، (188) حظر عليهم حظائر, وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، (189) فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح, وهم ألوف فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله ثم أحياهم, فأمرهم بالجهاد, فذلك قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية.

5606- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق, &; 5-272 &; عن وهب بن منبه أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع, (190) خلف فيهم - يعني في بني إسرائيل - حزقيل بن بوزي= (191) وهو ابن العجوز، وإنما سمي" ابن العجوز " أنها سألت الله الولد وقد كبرت وعقمت, فوهبه الله لها, فلذلك قيل له " ابن العجوز "= وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ". (192) .

5607- حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال: بلغني أنه كان من حديثهم أنهم خرجوا فرارا من بعض الأوباء= من الطاعون، أو من سقم كان يصيب الناس= حذرا من الموت, وهم ألوف، حتى إذا نـزلوا بصعيد من البلاد قال لهم الله: " موتوا "، فماتوا جميعا. فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرة دون السباع, ثم تركوهم فيها, وذلك أنهم كثروا عن أن يغيبوا. فمرت بهم الأزمان والدهور, حتى صاروا عظاما نخرة، فمر بهم حزقيل بن بوزى, (193) فوقف عليهم, فتعجب لأمرهم ودخلته رحمة لهم، (194) فقيل له: أتحب أن يحييهم الله؟ فقال: نعم! فقيل له: نادهم فقل: (195) " أيتها العظام الرميم التي قد رمت وبليت, ليرجع كل عظم إلى صاحبه ". فناداهم بذلك, فنظر إلى العظام تواثب يأخذ بعضها بعضا. ثم قيل له: قل: " أيها اللحم والعصب والجلد، اكس العظام بإذن ربك "، قال: فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثم اللحم والجلد والأشعار, حتى استووا خلقا ليست فيهم الأرواح. ثم دعا لهم بالحياة, فتغشاه من السماء شيء &; 5-273 &; كربه حتى غشي عليه منه، (196) ثم أفاق والقوم جلوس يقولون: " سبحان الله, سبحان الله " قد أحياهم الله. (197)

* * *

وقال آخرون: معنى قوله " وهم ألوف " وهم مؤتلفون. (198)

* ذكر من قال ذلك:

5608- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قول الله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم "، قال: قرية كانت نـزل بها الطاعون, فخرجت طائفة منهم وأقامت طائفة، فألح الطاعون بالطائفة التي أقامت, والتي خرجت لم يصبهم شيء. (199) ثم ارتفع, ثم نـزل العام القابل, فخرجت طائفة أكثر من التي خرجت أولا فاستحر الطاعون بالطائفة التي أقامت. فلما كان العام الثالث، نـزل فخرجوا بأجمعهم وتركوا ديارهم, فقال الله تعالى ذكره: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، ليست الفرقة أخرجتهم، كما يخرج للحرب والقتال، قلوبهم مؤتلفة, إنما خرجوا فرارا. فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة, قال لهم الله: " موتوا "، في المكان الذي ذهبوا إليه يبتغون فيه الحياة. فماتوا، ثم أحياهم الله، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ . قال: ومر بها رجل وهي عظام تلوح، (200) فوقف &; 5-274 &; ينظر فقال: " أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟"، فأماته الله مائة عام. (201)

* * *

* ذكر الأخبار عمن قال: كان خروج هؤلاء القوم من ديارهم فرارا من الطاعون.

5609- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن الأشعث, عن الحسن في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال. خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم قبل آجالهم, ثم أحياهم إلى آجالهم.

5610- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال: فروا من الطاعون, فقال لهم الله: (مُوتُوا) ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.

5611- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى , عن ابن أبي نجيح, عن عمرو بن دينار في قول الله تعالى ذكره: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال: وقع الطاعون في قريتهم, فخرج أناس وبقي أناس، فهلك الذين بقوا في القرية، وبقي الآخرون. ثم وقع الطاعون في قريتهم الثانية, فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي. فنجى الله الذين خرجوا, وهلك الذين بقوا. فلما كانت الثالثة خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم [وقد أنكروا قريتهم، ومن تركوا]. وكثروا بها, حتى يقول بعضهم لبعض: من أنتم؟ (202)

&; 5-275 &;

5612- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: وقع الطاعون في قريتهم= ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.

5613- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف " الآية، مقتهم الله على فرارهم من الموت, فأماتهم الله عقوبة، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها, ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.

5614- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن حصين, عن هلال بن يساف في قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين خرجوا " الآية، قال: هؤلاء القوم من بني إسرائيل، (203) كان إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم. قال: فاستحر الموت على المقيمين منهم, ونجا من خرج منهم. فقال الذين خرجوا: لو أقمنا كما أقام هؤلاء، لهلكنا كما هلكوا ! وقال المقيمون: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء، لنجونا كما نجوا ! فظعنوا جميعا في عام واحد, أغنياؤهم وأشرافهم وفقراؤهم وسفلتهم. فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق. قال: فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد, فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك! قال: أو أحب إليك أن أفعل؟ قال نعم! قال: فقل: كذا وكذا، فتكلم به, فنظر إلى العظام , وإن العظم ليخرج من عند العظم الذي ليس منه إلى العظم الذي هو منه. ثم تكلم بما أمر, فإذا العظام تكسى لحما. ثم أمر بأمر فتكلم به, فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون. ثم قيل لهم: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

&; 5-276 &;

5615- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن حماد بن عثمان, عن الحسن: أنه قال في الذين أماتهم الله ثم أحياهم قال: هم قوم فروا من الطاعون, فأماتهم الله عقوبة ومقتا, ثم أحياهم لآجالهم. (204)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل قوله: " وهم ألوف " بالصواب, قول من قال: " عنى بالألوف كثرة العدد "= دون قول من قال: " عنى به الائتلاف "، بمعنى ائتلاف قلوبهم, وأنهم خرجوا من ديارهم من غير افتراق كان منهم ولا تباغض, ولكن فرارا: إما من الجهاد, وإما من الطاعون= لإجماع الحجة على أن ذلك تأويل الآية, ولا يعارض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين.

* * *

وأولى الأقوال- في مبلغ عدد القوم الذين وصف الله خروجهم من ديارهم- بالصواب, قول من حد عددهم بزيادة عن عشرة آلاف، دون من حده بأربعة آلاف، وثلاثة آلاف، وثمانية آلاف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم كانوا ألوفا, وما دون العشرة آلاف لا يقال لهم: " ألوف ". وإنما يقال " هم آلاف "، إذا كانوا ثلاثة آلاف فصاعدا إلى العشرة آلاف. وغير جائز أن يقال: هم خمسة ألوف، أو عشرة ألوف.

وإنما جمع قليله على " أفعال "، (205) ولم يجمع على " أفعل "= مثل سائر الجمع القليل الذي يكون ثاني مفرده ساكنا (206) للألف التي في أوله. وشأن العرب في كل &; 5-277 &; حرف كان أوله، ياء أو واوا أو ألفا، اختيار جمع قليله على أفعال, كما جمعوا " الوقت "" أوقاتا " و " اليوم "" أياما ", و " اليسر " و " أيسارا "، للواو والياء اللتين في أول ذلك. وقد يجمع ذلك أحيانا على " أفعل ", إلا أن الفصيح من كلامهم ما ذكرنا, ومنه قول الشاعر: (207)

كــانوا ثلاثــة آلــف وكتيبــة

ألفيــن أعجــم مـن بنـي الفـدام (208)

* * *

وأما قوله: " حذر الموت "، فإنه يعني: أنهم خرجوا من حذر الموت، فرارا منه. (209) كما: -

5616- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، &; 5-278 &; حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " حذر الموت "، فرارا من عدوهم, حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه. فأمرهم فرجعوا، وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وهم الذين قالوا لنبيهم: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [سورة البقرة: 246]

* * *

قال أبو جعفر: وإنما حث الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية، على المواظبة على الجهاد في سبيله، (210) والصبر على قتال أعداء دينه. وشجعهم بإعلامه إياهم وتذكيره لهم، أن الإماتة والإحياء بيديه وإليه، دون خلقه= وأن الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الأعداء، إلى التحصن في الحصون، والاختباء في المنازل والدور، غير منج أحدا من قضائه إذا حل بساحته, ولا دافع عنه أسباب منيته إذا نـزل بعقوته, (211) كما لم ينفع الهاربين من الطاعون= الذين وصف الله تعالى ذكره صفتهم في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "= فرارهم من أوطانهم, وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الذي أملوا بالمصير إليه السلامة, وبالموئل النجاة من المنية, حتى أتاهم أمر الله, فتركهم جميعا خمودا صرعى، وفي الأرض هلكى, ونجا مما حل بهم الذين باشروا كرب الوباء، وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء.

* * *

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله لذو فضل ومن. على خلقه، بتبصيره إياهم سبيل الهدى، وتحذيره لهم طرق الردى, وغير ذلك من نعمه التي &; 5-279 &; ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم، وأنفسهم وأموالهم- كما أحيى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بعد إماتته إياهم، وجعلهم لخلقه مثلا وعظة يتعظون بهم، عبرة يعتبرون بهم، وليعلموا أن الأمور كلها بيده, فيستسلموا لقضائه, ويصرفوا الرغبة كلها والرهبة إليه. (212)

ثم أخبر تعالى ذكره أن أكثر من ينعم عليه من عباده بنعمه الجليلة، ويمن عليه بمننه الجسيمة, يكفر به ويصرف الرغبة والرهبة إلى غيره, ويتخذ إلها من دونه, كفرانا منه لنعمه التي توجب أصغرها عليه من الشكر ما يفدحه، ومن الحمد ما يثقله, فقال تعالى ذكره: " ولكن أكثر الناس لا يشكرون "، يقول: لا يشكرون نعمتي التي أنعمتها عليهم، وفضلي الذي تفضلت به عليهم, بعبادتهم غيري، وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا, ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. (213)

--------------

الهوامش :

(166) انظر ما سلف في معنى"الرؤية" 3 : 75-79 .

(167) في المطبوعة : "وعلمه به" بزيادة الواو ، وهي فاسدة ، والصواب من المخطوطة .

(168) الأثران : 5596 ، 5597- أخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 281 ، وقال : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي"ميسرة ، لم يرويا له وروى له البخاري في الأدب المفرد . وانظر ابن كثير 1 : 590 ، والدر المنثور 1 : 310 . و"ميسرة" ، هو : "ميسرة بن حبيب النهدي" ، مترجم في التهذيب .

(169) في المخطوطة : "فناداه" ، وعلى الهاء من فوق حرف"ط" ، وفي الدر المنثور 1 : 311"فنادى حزقيل" ، وفي المطبوعة : "فناداهم" ، وأثبت ما في تاريخ الطبري 1 : 237 .

(170) بعد هذا في الدر المنثور 1 : 311 : [ثم قال : "أيتها العظام ، إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب" فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب] . وفي تاريخ الطبري : "يا أيتها العظام النخرة"

(171) في المطبوعة : "إلى أجسادك" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وتاريخ الطبري ، والدر المنثور .

(172) الأثر : 5598 : "محمد بن سهل بن عسكر" التميمي ، أبو بكر النجاري الحافظ الجوال قال النسائي وابن عدي : "ثقة" سكن بغداد ومات بها سنة 251 ، مترجم في التهذيب و"إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه الصنعاني" ، روى عن ابن عمه إبراهيم بن عقيل ، وعمه عبد الصمد بن معقل ، وروى عنه أحمد بن حنبل ، قال النسائي : ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في الثقات . توفي باليمن سنة 210 . مترجم في التهذيب . والأثر رواه الطبري بهذا الإسناد في التاريخ 1 : 237 ، والدر المنثور 1 : 311 .

(173) خوى الرجل في سجوده : تجافى وفرج ما بين عضديه وجنبيه وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد خوى .

(174) في المطبوعة : "فقال أحدهم" ، والصواب من المخطوطة وتاريخ الطبري .

(175) انفتل فلان من صلاته : انصرف بعد قضائها ، ومثله : "فتل وجهه عن القوم" ، صرفه ولواه عنهم .

(176) في المخطوطة والمطبوعة : "رأيت" بغير همزة استفهام ، والصواب من الطبري ، والدر المنثور . وقول العرب"أرأيت كذا" ، يريدون به معنى الاستخبار ، بمعنى أخبرني عن كذا .

(177) في المطبوعة وتاريخ الطبري : "إنا نجد في كتابنا" ، وفي المخطوطة والد المنثور : "نجده" وهو الذي أثبت . وفي تاريخ الطبري بعد"يعطي ما أعطى حزقيل" . والقرن (بفتح فسكون) : الحصن ، والقرن أيضًا : الجبيل المنفرد . وقرن الجبل : أعلاه .

(178) في المطبوعة : "رسلا لم يقصصهم" بحذف الواو ، وبالياء من"يقصصهم" ، وفي المخطوطة كذلك إلا أن"الياء" غير منقوطة ، وأثبت نص الآية ، على ما جاءت في تاريخ الطبري .

(179) في المطبوعة : "فقام عليهم ما شاء الله" ، والصواب من المراجع والمخطوطة .

(180) الأثر : 5600- رواه الطبري في تاريخه 1 : 238 ، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 311 . وفي المطبوعة والمخطوطة والدر : "أشعث بن أسلم البصري" ، وفي التاريخ"أشعث عن سالم النصري" ، و"أشعث بن أسلم العجلي البصري ثم الربعي" ، روى عن أبيه أنه رأى أبا موسى الأشعري ، روى عنه سعيد بن أبي عروبة . مترجم في ابن أبي حاتم 1 /1 /269 . وأما"سالم النصري" ، فهو : سالم بن عبد الله النصري ، هو"سالم سبلان" ، مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 2 /1 /184 ، روى عن عمان وعائشة وأبي سعيد ، وأبي هريرة . روى عنه سعيد المقبري ، وبكير بن عبد الله وغيرهما . وأنا أظن أن الذي في التاريخ أقرب إلى الصواب .

(181) في المخطوطة : "دار وردان" بزيادة راء ، والصواب ما في تاريخ الطبري ، والدر المنثور ، ومعجم البلدان ، وهي من نواحي شرقي واسط ، بينهما فرسخ .

(182) في التاريخ : "فلم يمت منهم كثير" .

(183) الأفيح والفياح : الواسع المنتشر النواحي ، ويقال : روضة فيحاء ، من ذلك .

(184) في المطبوعة : "يلوي شدقيه" ، وأثبت ما في المخطوطة وتاريخ الطبري . ولوى شدقه : أماله متعجبا مما يرى ويشهد .

(185) السحنة (بفتح فسكون) : الهيئة واللون والحال ، وبشرة الوجه والمنظر .

(186) في المخطوطة والمطبوعة : "إلا عاد كفنا دسما" ، وضبط في التاريخ بضم الدال وسكون السين ، وهو خطأ ، فإن هذا جمع أدسم ودسما ، وليس هذا مقام جمع . وقوله : "كفنا دسما مثل الكفن" ليس بلبسان عربي ، فحذفتها وأثبت ما في التاريخ ، وأما الرواية الأخرى في الدر المنثور فهي : "إلا عاد كفنا دسما" ، بحذف"مثل الكفن" ، فهذه أو تلك هي الصواب .

والدسم : ودك اللحم والشحم . وفلان : دسم الثوب وأدسم الثوب ، إذا كان ثوبه متلطخا وسخا قد علق به وضر اللحم والشحم . وأكفان الموتى دسم ، لما يسيل من أجسادهم بعد تهرئهم وتعفن أبدانهم .

(187) الأثران : 5602 ، 5603- في تاريخ الطبري 1 : 237 ، 238 ، والدر المنثور 1 : 310 بغير هذا اللفظ .

(188) في المخطوطة والمطبوعة"أو ثمانية آلاف" ، وهو لا يستقيم ، والصواب في الدر المنثور 1 : 311 .

(189) الحظائر جمع حظيرة : ما أحاط بالشيء ، تكون من قصب وخشب ، ليقي البرد والريح والعادية . وحظ حظيرة : اتخذها . والحظر : الحبس والمنع . أروح الماء واللحم وغيرهما وأراح : تغيرت رائحته وأنتن .

(190) في التاريخ : "يوفنا" بالفاء .

(191) في التاريخ : "بوذي" بالذال .

(192) الأثر : 5606- في تاريخ الطبري 1 : 237 ، ثم 238 مختصرا ، والدر المنثور : 1 : 311 .

(193) في التاريخ : "بوذى" بالذال .

(194) في المخطوطة والمطبوعة : "ودخله رحمة . . . " ، وأثبت ما في تاريخ الطبري .

(195) في المخطوطة والمطبوعة : "نادهم فقال . . . " ، والصواب من التاريخ .

(196) في المخطوطة : "فتغساه من السماء كربه" غير منقوطة . وفي المطبوعة : "فتغشاهم من السماء كدية" ، وهذا كلام بلا معنى ، وما أثبته هو نص الطبري في التاريخ . وكربه الأمر : غشيه واشتد عليه وأخذ بنفسه ، فهو مكروب النفس .

(197) الأثر : 5607- في تاريخ الطبري 1 : 238 .

(198) يعني أنه جمع"إلف" (بكسر الهمزة وسكون اللام) . وقال ابن سيده في"ألوف" : "وعندي أنه جمع آلف ، كشاهد وشهود" ، وانظر سائر كتب التفسير .

(199) في المطبوعة : "لم يصبها" ، وأثبت ما في المخطوطة .

(200) لاح البرق والسيف والعظم يلوح : تلألأ ولمح ، وذلك لبياض العظام في ضوء الشمس .

(201) الأثر : 5608- أخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 311 مختصرا . وسيأتي مختصرا برقم : 5905 .

(202) في المخطوطة : "فرجعوا إلى بلادهم ، وقد قريتهم ومن تركوا ، وكثروا بها ، يقول بعضهم لبعض" ، بياض بين الكلام ، أما المطبوعة فقد أسقطت هذا البياض ، فجعلت الكلام : "فرجعوا إلى بلادهم وكروا بها ، حتى يقول بعضهم لبعض" ، بزيادة"حتى" ، فآثرت أن استظهر معنى الكلام ، فأثبت ما في المخطوطة ، وظننت أن مكان البياض ما أثبت . هذا ولم أجد هذا الأثر في مكان آخر .

(203) في المطبوعة : "كان هؤلاء القوم من بني إسرائيل ، إذا وقع فيهم الطاعون" وفي المخطوطة : "كان هؤلاء قوما من بني إسرائيل ، كان إذا وقع . . . " ، وضرب الناسخ على ألف"قوما" ، وجعلها"قوم" ، فتبين لي أن"كان" زائدة من الناسخ ، كما جاءت على الصواب في الدر المنثور 1 : 311 .

(204) الأثر : 5615-"حماد بن عثمان" ، وروى عن عبد العزيز الأعمى عن أنس . روى عنه سعيد بن أبي أيوب ، وروى عن الحسن البصري قال ابن أبي حاتم : "سألت أبي عن حماد بن عثمان فقال : هو مجهول" . ترجم له البخاري في الكبير 2 /1 /20 ، وابن أبي حاتم 1 /2 /144 .

(205) في المخطوطة : "وإنما جمع قليله وكثيره على أفعال" ، وزيادة"كثيره" خطأ ، والصواب ما في المطبوعة .

(206) في المخطوطة : "وعلى سائر مثل الجمع القليل" ، والصواب ما في المطبوعة .

(207) هو بكير ، أصم بني الحارث بن عباد .

(208) النقائض : 645 ، وتاريخ الطبري 2 : 155 ، والأغاني 20 : 139 ، واللسان (ألف) وغيرها . وهذا البيت من أبيات له في يوم ذي قار ، وهو اليوم الذي انتصفت فيه العرب من العجم ، وهزمت كسرى أبرويز بن هرمز . وكانت وقعة ذي قار بعد يوم بدر بأشهر ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرها قال : "هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، وبي نصروا" . وكانت بنو شيبان في هذا اليوم أهل جد وحد ، فمدحهم الأعشى وبكير الأصم .

هذا وقد روى الطبري هنا"كانوا ثلاثة آلف" ، ورواية المراجع جميعا :

"عربا ثلاثة آلف . . . "

وذلك أن كسرى عقد للنعمان بن زرعة على تغلب والنمر ، وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد ، وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب ، ومعه كتيبتاه : الشهباء والدوسر ، فكانت العرب ثلاثة آلف . وعقد أيضًا للهامرز التستري على ألف من الأساورة ، وعقد الخنابزين على ألف ، فكانت العجم ألفين . (الأغاني 20/134) ، فهذا تصحيح الرواية المجمع عليها وبيانها ، وأول هذه الأبيات :

إن كــنت ســاقية المدامـة أهلهـا

فاســقي عــلى كـرم بنـي همـام

وأبــا ربيعــة كلهــا ومحلمــا

ســـبقا بغايــة أمجــد الأيــام

ضربـوا بنـي الأحـرار يـوم لقوهم

بالمشــرفي عــلى مقيــل الهـام

عربـــا ثلاثـــة آلـــف . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وعنى بقوله : "بني الفدام" ، الفرس . وذلك أن المجوس كان مما يتدينون به أنهم إذا شرابا ، شدوا على أفواههم خرقة كاللثام ، فسميت هذه الطائفة منهم : بنو الفدام .

(209) انظر ما سلف 1 : 354 ، 355 في تفسير : "حذر الموت" وإعرابها .

(210) في المطبوعة : "في سبيل الله" وأثبت ما في المخطوطة .

(211) في المخطوطة والمطبوعة : "بعقوبته" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة . وعقوة الدار : ساحتها وما حولها قريبا منها . يقال : نزل بعقوته ، ونزلت الخيل بعقوة العدو .

(212) في المطبوعة : "فيستسلمون . . . ويصرفون" ، وفي المخطوطة : "فيستسلمون . . . ويصرفوا"

(213) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم ، وفي المخطوطة بعده ما نصه :

"وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرا" .

ثم يبدأ التقسيم التالي بما نصه :

"بسم الله الرحمن الرحيم

رب أعن"

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[243] المقصود من هذه الآية الكريمة: تشجيع المؤمنين على القتال بإعلامهم بأن الفرار من الموت لا ينجي؛ فإذا علم الإنسان أن فراره من الموت أو القتل لا ينجيه هانت عليه مبارزة الأقران والتقدم في الميدان.
وقفة
[243] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ جعل الله تعالى هذه القصة لما فيها من تشجيع المسلمين على الجهاد، والتعرض للشهادة، والحث على التوكل، والاستسلام للقضاء؛ تمهيدا لقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 244].
وقفة
[243] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا﴾ القدر حين يُكتب يلاحقك حتى بعد هروبك منه، كن هادئًا فقط.
وقفة
[243] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا﴾ الأسباب لا تنفع مع القضاء والقدر، وخصوصًا التي تترك بها أوامر الله.
وقفة
[243] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا﴾ الهروب من القدَر حماقة، لسان حال أحدهم: فرَّ من الموت، وفي الموت وقع!
وقفة
[243] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا﴾ مشهد الألوف المؤلفة، الحذرة من الموت، المتلفتة من الذعر إلى مشهد الموت المطبق في لحظة ومن خلال كلمة (مُوتُوا)، كل هذا الحذر، وكل هذا التجمع، وكل هذه المحاولة اليائسة لم تفلح أمام كلمة (مُوتُوا).
عمل
[243] لا تحاول الفرار من قدر الله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا﴾، فلا يُغْنِي حَذَرٌ من قَدَرٍ.
وقفة
[243] الأسباب لا ترد القضاء؛ فلا بد من التسليم للقضاء مع اتخاذ الأسباب ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾.
وقفة
[243] ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ وصف العدد أراد به أنهم غثاء كغثاء السيل، ليس فيهم رجل رشيد ينصحهم ويخبرهم أن الهروب لا يمنع الموت.

الإعراب :

  • ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ:
  • أي ألم تخبر أو ألم تعلم: الهمزة استفهام لفطا ومعناه: التقرير والتعجيب. لم: أداة نفي وجزم وقلب. تر: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره- حرف العلة- أو بمعنى ألم تنظر ولهذا عدّي الى مفعوله بإلى والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. إلى: حرف جر. الذين: اسم موصول بالفعل مبني على الفتح في محل جر بإلى والجار والمجرور متعلق بالفعل.
  • ﴿ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ:
  • خرجوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة وجملة «خَرَجُوا» صلة الموصول. من ديارهم: جار ومجرور متعلق بخرجوا و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ َهُمْ أُلُوفٌ:
  • الواو: حالية. هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. ألوف: خبر «هُمْ» مرفوع بالضمة وجملة «هُمْ أُلُوفٌ» في محل نصب حال.
  • ﴿ حَذَرَ الْمَوْتِ:
  • أي من حذر: مفعول لأجله منصوب بالفتحة. الموت: مضاف اليه مجرور وعلامة جرهّ: الكسرة.
  • ﴿ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ:
  • الفاء: استئنافية. قال: فعل ماض مبني على الفتح. لهم: جار ومجرور. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة
  • ﴿ مُوتُوا:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة وجملة «مُوتُوا» في محل نصب مفعول به و «لَهُمُ» متعلق بقال.
  • ﴿ ثُمَّ أَحْياهُمْ:
  • ثم: حرف عطف. أحياهم: معطوفة على «أماتهم» المفسرة لعبارة «فقال لهم موتوا». أحيا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. قال ابن خالويه: كل ما في القرآن من «أَلَمْ تَرَ» بمعنى ألم تخبر يا محمد فهو من رؤية القلب لا من رؤية العين والاستفهام تقرير للمخاطب وهو النبيّ وفيه تعريض بالمشركين للتوبيخ.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. لذو: اللام: لام التوكيد المزحلقة. ذو: خبر «إِنَّ» مرفوع بالواو لأنه من الاسماء الخمسة وهو مضاف. فضل: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. على الناس: جار ومجرور متعلق بفضل.
  • ﴿ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ:
  • الواو: استدراكية. لكنّ: حرف مشبه بالفعل يفيد الاستدراك. أكثر: اسم «لكِنَّ» منصوب بالفتحة. الناس: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جرّه: الكسرة.
  • ﴿ لا يَشْكُرُونَ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يشكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «لا يَشْكُرُونَ» في محل رفع خبر «لكِنَّ». '

المتشابهات :

البقرة: 243﴿ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ
يونس: 60﴿وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ
غافر: 61﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ
النمل: 73﴿وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [243] لما قبلها :     وبعدَ أن استفاضتْ الآياتُ في الحديثِ عن إصلاحِ المُجتَمَعِ الأصْغَرِ (الأسرةِ)؛ انتقلتْ الآياتُ إلى الحديثِ عن إصلاحِ المُجتَمعِ الأكْبرِ بالتَّرغيبِ في الجهادِ بالنَّفسِ والمالِ، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ

القراءات :

ألم تر:
وقرئ:
بسكون الراء، على توهم أن الراء آخر الكلمة، وهى قراءة السلمى.

مدارسة الآية : [244] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ ..

التفسير :

[244] وقاتلوا -أيها المسلمون- الكفار لنصرة دين الله، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم، عليم بنيَّاتكم وأعمالكم.

ثم أمر تعالى بالقتال في سبيله، وهو قتال الأعداء الكفار لإعلاء كلمة الله ونصر دينه، فقال:{ وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم} أي:فأحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله، واعلموا أنه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا، ولو ظننتم أن في القعود حياتكم وبقاءكم، فليس الأمر كذلك، ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الأمر، فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم، بل أتاهم ما حذروا من غير أن يحتسبوا، فاعلموا أنكم كذلك.

ثم أمر الله- تعالى- عباده بالجهاد في سبيله فقال: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

والسبيل: الطريق. وسميت المجاهدة سبيلا إلى الله لأن الإنسان يسلكها فيصل إلى ما يرضى الله، ويعلى كلمته. ويعز دينه.

أى، قاتلوا أيها المسلمون في سبيل إعلاء كلمة الله، والدفاع عن دينه، واعلموا أنه- سبحانه- عليم بكل أقوالكم صالحها وطالحها، عليم بكل ما يدور في نفوسكم وخواطركم، وسيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

فالآية الكريمة تحريض للمؤمنين على القتال من أجل إظهار الدين الحق، وتحذير لهم من القعود عنه، وحث لهم على صدق النية وإخلاص العمل لله، فقد سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أى ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»

وقوله : ( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) أي : كما أن الحذر لا يغني من القدر كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلا ولا يباعده ، بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدر مقنن لا يزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى : ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) [ آل عمران : 168 ] وقال تعالى : ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) [ النساء : 77 ، 78 ] وروينا عن أمير الجيوش ومقدم العساكر وحامي حوزة الإسلام وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه ، أنه قال وهو في سياق الموت : لقد شهدت كذا وكذا موقفا ، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة ، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير ! ! فلا نامت أعين الجبناء . يعني : أنه يتألم لكونه ما مات قتيلا في الحرب ويتأسف على ذلك ويتألم أن يموت على فراشه .

القول في تأويل قوله : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " وقاتلوا "، أيها المؤمنون=" في سبيل الله "، يعني: في دينه الذي هداكم له, (214) لا في طاعة الشيطان= أعداء دينكم, (215) الصادين عن سبيل ربكم, ولا تحتموا عن قتالهم عند لقائهم, ولا تجبنوا عن حربهم، (216) فإن بيدي حياتكم وموتكم. ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت وخوف المنية على نفسه بقتالهم, فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم والفرار منهم, (217) فتذلوا, ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه, (218) كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت, الذين قصصت عليكم قصتهم, فلم ينجهم فرارهم منه من نـزوله بهم حين جاءهم أمري، وحل بهم قضائي, ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه، إذ دافعت عنهم مناياهم , وصرفتها عن حوبائهم, (219) فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني, فإن من حيي منكم فأنا أحييه, (220) ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله.

&; 5-281 &;

ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم " سميع " لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا=" عليم " بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم، (221) وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي.

يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي, وغير ذلك من أمري ونهيي, إذ كفر هؤلاء نعمي. واعلموا أن الله سميع لقولهم، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، محيط بذلك كله, حتى أجازي كلا بعمله, إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.

* * *

قال أبو جعفر: ولا وجه لقول من زعم أن قوله: " وقاتلوا في سبيل الله "، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله: " وقاتلوا في سبيل الله "، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة:

= إما أن يكون عطفا على قوله: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله.

= أو يكون عطفا على قوله: ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ، وذلك أيضا مما لا معنى له. لأن قوله: " وقاتلوا في سبيل الله "، أمر من الله بالقتال, وقوله: ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟

= أو يكون معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله, ثم أسقط" القول ", &; 5-282 &; كما قال تعالى ذكره: إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [سورة السجدة: 12]، بمعنى يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر. فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه, فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها.

-----------------

الهوامش :

(214) انظر ما سلف في تفسير : "سبيل الله" 3 : 583 ، 592 ، والمراجع هناك .

(215) "أعداء . . . " مفعول"قاتلوا" ، والسياق : "قاتلوا أيها المؤمنون . . . أعداء دينكم" .

(216) في المخطوطة"ولا تحموا عن قتاله عند لقائهم ، ولا تحبوا عن حربهم" غير منقوطة ، بإفراد ضمير"قتاله" ، فغيرها مصححوا المطبوعة ، إذ لم يحسنوا قراءتها فجعلوها : "ولا تجبنوا عن لقائهم ، ولا تقعدوا عن حربهم" غيروا وبدلوا واسقطوا وفعلوا ما شاءوا!! . وقوله : "ولا تحتموا عن قتالهم" من قولهم : احتميت من كذا وتحاميته : إذا اتقيته وامتنعت منه . و"من" و"عن" في هذا الموضع سواء .

(217) في المطبوعة : "فيدعوه ذلك إلى التفريد" ، وهو خطأ ، وزاده خطأ بعض من علق على التفسير ، بشرح هذا اللفظ المنكر . والتعريد : الفرار وسرعة الذهاب في الهزيمة . يقال : "عرد الرجل عن قوله" ، إذا أحجم عنه ونكل وفر .

(218) وأل إلى المكان يئل ، وؤولا ووئيلا ووألا : لجأ إليه طلب النجاة . والموئل : الملجأ .

(219) الحوباء : النفس ، أو ورع القلب .

(220) في المطبوعة : "فأنا أحيحه" ، وأثبت ما في المخطوطة .

(221) في المطبوعة : "بما تخفيه صدورهم" ، وأثبت ما في المخطوطة . وأجن الشيء : ستره وكتمه وأخفاه .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[244] ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ إذا مسَّكم ألم في القتال فتصاعد منكم أنين؛ فاعملوا أن الله سميع لمعاناتكم، عليم بأحوالكم، مجازيكم عما تلاقون أعظم الجزاء، فهذه الآية فيها تهوين ما تقاسون من آلام.

الإعراب :

  • ﴿ وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • الواو: عاطفة أو إستئنافية على الأصح. قاتلوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. في سبيل: جار ومجرور متعلق بقاتلوا. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ:
  • الواو: عاطفة. اعلموا: معطوفة على «قاتِلُوا» وتعرب إعرابها. أنّ: حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «أَنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
  • سميع: خبر «أَنَّ» مرفوع بالضمة عليم خبر ثان أو صفة لسميع مرفوع بالضمة أيضا و «أَنَّ وما تلاها» بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «اعْلَمُوا». '

المتشابهات :

البقرة: 244﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
البقرة: 190﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [244] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّ الموت لا يصون منه فرارٌ؛ أمرَ هنا بالجهاد، قال تعالى:
﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [245] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ ..

التفسير :

[245] من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاقاً حسناً احتساباً للأجر، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة لا تحصى من الثواب وحسن الجزاء؟ والله يقبض ويبسط، فأنفقوا ولا تبالوا؛ فإنه هو الرزاق، يُضيِّق على مَن يشاء مِن عباده في الرزق، ويوسعه على آخرين، له الحكمة البالغة في

ولما كان القتال فى سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الأموال في ذلك، أمر تعالى بالإنفاق في سبيله ورغب فيه، وسماه قرضا فقال:{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} فينفق ما تيسر من أمواله في طرق الخيرات، خصوصا في الجهاد، والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى،{ فيضاعفه له أضعافا كثيرة} الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، بحسب حالة المنفق، ونيته ونفع نفقته والحاجة إليها، ولما كان الإنسان ربما توهم أنه إذا أنفق افتقر دفع تعالى هذا الوهم بقوله:{ والله يقبض ويبسط} أي:يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء، فالتصرف كله بيديه ومدار الأمور راجع إليه، فالإمساك لا يبسط الرزق، والإنفاق لا يقبضه، ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على أهله، بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا، فلهذا قال:{ وإليه ترجعون} فيجازيكم بأعمالكم. ففي هذه الآيات دليل على أن الأسباب لا تنفع مع القضاء والقدر، وخصوصا الأسباب التي تترك بها أوامر الله. وفيها:الآية العظيمة بإحياء الموتى أعيانا في هذه الدار. وفيها:الأمر بالقتال والنفقة في سبيل الله، وذكر الأسباب الداعية لذلك الحاثة عليه، من تسميته قرضا، ومضاعفته، وأن الله يقبض ويبسط وإليه ترجعون.

ثم أمر الله- تعالى- عباده بأن ينفقوا أموالهم في الأعمال الصالحة التي من أعظمها الجهاد في سبيله فقال- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.

قال القرطبي: «القرض: اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء. وأقرض فلان فلانا أى أعطاه ما يتجازاه. واستقرضت من فلان أى طلبت منه القرض فأقرضنى. واقترضت منه أى أخذت القرض. وأصل الكلمة القطع ومنه المقراض. وأقرضته أى قطعت له من مالي قطعة يجازى عليها ... ثم قال: والتعبير بالقرض في هذه الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه، والله هو الغنى الحميد، لكنه- تعالى- شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء..».

والمعنى: من هذا المؤمن القوى الإيمان الذي يقدم ماله في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله، وفي غير ذلك من وجوه الخير كمعاونة المحتاجين، وسد حاجة البائسين، ومساعدة الأمة الإسلامية بما يفيدها ويعلى من شأنها، فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً أى: فيرد الله- تعالى- إلى هذا الباذل المعطى المقرض بدل ما أعطى وبذل وأقرض أمثالا كثيرة لا يعلم مقدارها إلا الله أكرم الأكرمين. إذ المضاعفة معناها إعطاء الشخص أضعاف أى أمثال ما أعطى وبذل.

والاستفهام في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ.. للحض على البذل والعطاء، وللتهييج على الاتصاف بالصفات الكريمة، حتى لكأن المستفهم لا يدرى من هو الأهل لهذه الصفات ويريد أن يعرف من هو أهل لها.

ومَنْ اسم استفهام مبتدأ، وذَا اسم إشارة خبره، والذي وصلته صفة لاسم الإشارة أو بدل منه.

وقوله: قَرْضاً حَسَناً حث للناس على إخلاص النية، وتحرى الحلال فيما ينفقون، لأن الإنسان إذا تصدق بمال حرام، أو قصد بنفقته الرياء أو المباهاة لا يكون عمله متقبلا عند الله، وإنما يتقبل الله العمل ويضاعفه لمن قصد به وجهه، وكان المتصدق به مالا حلالا خالصا من الشبهات. فالله- تعالى- طيب لا يقبل إلا ما كان طيبا.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

القبض: ضد البسط. يقال: قبضه بيده يقبضه أى تناوله. وقبض عليه بيده أى أمسكه.

ويقال لإمساك اليد عن البذل قبض ومن ذلك قوله- تعالى-: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ أى يمتنعون عن الإنفاق.

والبسط معناه المد والتوسعة. يقال بسط يده أى: مدها. وبسط المكان القوم. وسعهم.

والمعنى: والله- تعالى- بيده الإعطاء والمنع فهو يسلب تارة ويعطى أخرى، أو يسلب قوما ويعطى آخرين، أو يضيق على بعض ويوسع على بعض حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكمة والمصلحة، وما دام الأمر كذلك فلا تبخلوا بما وسع عليكم كيلا تتبدل أحوالكم من الغنى إلى الفقر، ومن السعة إلى الضيق. وأنتم جميعا سترجعون إليه وحده، وسيجازى- سبحانه- الأسخياء بما يستحقون من كريم الثواب والبخلاء بما هم أهله من شديد العقاب.

فأنت ترى أن في هذه الآية الكريمة ألوان من الحض على الإنفاق في وجوه الخير ومن ذلك التعبير بالاستفهام، لأنه للتنبيه وبعث النفوس إلى التدبر والاستجابة.

ومن ذلك- أيضا- التعبير بقوله: مَنْ ذَا الَّذِي.. فقد جمع هذا التعبير بين اسم الإشارة والاسم الموصول في الاستفهام، ولا يستفهم بتلك الطريقة إلا إذا كان المقام ذا شأن وخطر، وكان المخاطب لعظم قدره من شأنه أن يشار إليه وأن يتحدث عنه ومن ذلك تسميته ما يبذل الباذل قرضا، ولمن هذا القرض إنه لله الذي بيده خزائن السموات والأرض والذي سيرد للباذل أضعاف ما بذل، فكأنه- سبحانه- يقول لنا: إن ما تدفعونه لن يضيع عليكم بل هو قرض منكم لي، وسأرده لكم بأضعاف ما دفعتم وأعطيتم. ومن ذلك إخفاء مرات المضاعفة ووصفها بالكثرة في قوله: فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً أى لا يعلم مقدارها إلا الله.

ومن ذلك التعبير بقوله وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ لأنه مادام العطاء والمنع من الله فلماذا يبخل البخلاء ويقتر المقترون؟ إن على الغنى أن يستشعر نعمة الله عليه وأن يتحدث بها بدون رياء وأن ينفق منها في وجوه الخير حتى يزيده الله من فضله، وإلا ففي قدرة الله أن يسليها منه، ويحاسبه على بخله حسابا عسيرا.

هذه بعض وجوه المبالغة التي اشتملت عليها الآية لحض الناس على الإنفاق في الجهاد وفي وجوه الخير، ولقد استجاب السلف الصالح لهذه التوجيهات، وحكى لنا التاريخ أمثلة كريمة من سخائهم وبذلهم.

ومن خير الأمثلة على ذلك ما جاء عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال أبو الدحداح: يا رسول الله أو إن الله- تعالى- يريد منا القرض؟ «قال نعم يا أبا الدحداح» قال أرنى يدك. فناوله النبي صلّى الله عليه وسلّم يده. فقال أبو الدحداح: فإنى أقرضت الله- تعالى- حائطا فيه ستمائة نخلة. ثم جاء يمشى حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك قال: أخرجى قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمائة نخلة» .

وفي رواية لزيد بن اسلم أن أبا الدحداح قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية والله لا أملك غيرهما قد جعلتهما قرضا لله- تعالى- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اجعل إحداهما والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك» قال: فأشهدك يا رسول أنى قد جعلت خيرهما لله وهو حائط فيه ستمائة نخلة. قال: «إذا يجزيك الله به الجنة، ثم انطلق أبو الدحداح إلى زوجته وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأخبرها بما فعل. فأقبلت على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر» .

وبهذا نرى السلف الصالح قد امتثل ما أمره الله به من إنفاق في سبيله ومن جهاد لإعلاء كلمته فهل آن الأوان للمسلمين أن ينهجوا نهجهم لكي يسعدوا كما سعدوا، وينالوا أشرف حياة وأعزها؟ اللهم خذ بيدنا إلى ما يرضيك.

وقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) يحث تعالى عباده على الإنفاق في سبيله ، وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضع . وفي حديث النزول [ أنه يقول تعالى ] " من يقرض غير عديم ولا ظلوم " وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال :

لما نزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال : " نعم يا أبا الدحداح " قال : أرني يدك يا رسول الله . قال : فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي . قال : وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها . قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح . قالت : لبيك قال : اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل . وقد رواه ابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر مرفوعا بنحوه .

وقوله : ( قرضا حسنا ) روي عن عمر وغيره من السلف : هو النفقة في سبيل الله . وقيل : هو النفقة على العيال .

وقيل : هو التسبيح والتقديس وقوله : ( فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) كما قال : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) الآية [ البقرة : 261 ] . وسيأتي الكلام عليها .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أخبرنا مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي ، قال : أتيت أبا هريرة فقلت له : إنه بلغني أنك تقول : إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة . فقال : وما أعجبك من ذلك ؟ لقد سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة " .

هذا حديث غريب ، وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير ، لكن رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر فقال :

حدثنا أبو خلاد سليمان بن خلاد المؤدب ، حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، حدثنا محمد بن عقبة الرباعي عن زياد الجصاص عن أبي عثمان النهدي ، قال : لم يكن أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني فقدم قبلي حاجا قال : وقدمت بعده فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة " فقلت : ويحكم ، والله ما كان أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني ، فما سمعت هذا الحديث . قال : فتحملت أريد أن ألحقه فوجدته قد انطلق حاجا فانطلقت إلى الحج أن ألقاه في هذا الحديث ، فلقيته لهذا فقلت : يا أبا هريرة ما حديث سمعت أهل البصرة يأثرون عنك ؟ قال : ما هو ؟ قلت : زعموا أنك تقول : " إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة " . قال : يا أبا عثمان وما تعجب من ذا والله يقول : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) ويقول : ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) [ التوبة : 38 ] والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة " .

وفي معنى هذا الحديث ما رواه الترمذي وغيره من طريق عمرو بن دينار عن سالم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دخل سوقا من الأسواق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة " الحديث .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن عيسى بن المسيب عن نافع عن ابن عمر قال : لما نزلت ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ) [ البقرة : 261 ] إلى آخرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " فنزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قال : رب زد أمتي . فنزل : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر : 10 ] . .

وروى ابن أبي حاتم أيضا عن كعب الأحبار : أنه جاءه رجل فقال : إني سمعت رجلا يقول : من قرأ : ( قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : 1 ] مرة واحدة بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من در وياقوت في الجنة أفأصدق بذلك ؟ قال : نعم ، أوعجبت من ذلك ؟ قال : نعم وعشرين ألف ألف وثلاثين ألف ألف وما يحصي ذلك إلا الله ثم قرأ ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) فالكثير من الله لا يحصى .

وقوله : ( والله يقبض ويبسط ) أي : أنفقوا ولا تبالوا فالله هو الرزاق يضيق على من يشاء من عباده في الرزق ويوسعه على آخرين ، له الحكمة البالغة في ذلك ( وإليه ترجعون ) أي : يوم القيامة .

القول في تأويل قوله : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله, فيعين مضعفا، (222) أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله, ويعطي منهم مقترا؟ وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه.

وإنما سماه الله تعالى ذكره " قرضا ", لأن معنى " القرض " إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له، ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله، إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة, سماه " قرضا ", إذ كان معنى " القرض " في لغة العرب ما وصفنا.

وإنما جعله تعالى ذكره " حسنا ", لأن المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه، احتسابا منه. فهو لله طاعة، وللشياطين معصية. (223) وليس &; 5-283 &; ذلك لحاجة بالله إلى أحد من خلقه, ولكن ذلك كقول العرب: " عندي لك قرض صدق، وقرض سوء "، للأمر يأتي فيه للرجل مسرته أو مساءته, (224) كما قال الشاعر: (225)

كـل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا

أو ســيئا, ومدينــا بــالذي دانـا (226)

* * *

فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيئه. وهذه الآية نظيرة الآية التي قال الله فيها تعالى ذكره: (227) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة: 261].

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول:

5617- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا "، قال : هذا في سبيل الله=" فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، قال: بالواحد سبعمئة ضعف.

5618- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم قال: لما نـزلت: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، جاء ابن الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله, ألا أرى ربنا يستقرضنا؟ مما أعطانا لأنفسنا! وإن لي أرضين: إحداهما بالعالية, والأخرى بالسافلة, وإني قد جعلت خيرهما صدقة! قال: فكان النبي صلى الله &; 5-284 &; عليه وسلم يقول: " كم من عذق مذلل لابن الدحداح في الجنة " ! (228) .

5619- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهذه الآية قال: " أنا أقرض الله "، فعمد إلى خير حائط له فتصدق به. قال، وقال قتادة: يستقرضكم ربكم كما تسمعون، وهو الولي الحميد ويستقرض عباده. (229)

5620- حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي النيسابوري قال، حدثنا خلف بن خليفة, عن حميد الأعرج, عن عبد الله بن الحارث, عن عبد الله بن مسعود قال: لما نـزلت: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا "، قال أبو الدحداح: &; 5-285 &; يا رسول الله, أو إن الله يريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح! قال: يدك! قال: (230) .

فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، حائطا فيه ستمئة نخلة. ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها, فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك ! قال: اخرجي! قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمئة نخلة. (231)

* * *

&; 5-286 &;

وأما قوله: " فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، فإنه عدة من الله تعالى ذكره مقرضه ومنفق ماله في سبيل الله من إضعاف الجزاء له على قرضه ونفقته، ما لا حد له ولا نهاية، كما: -

5621- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو.

وقد: -

5622- وقد حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن ابن عيينة, عن صاحب له يذكر عن بعض العلماء قال: إن الله أعطاكم &; 5-287 &; الدنيا قرضا، وسألكموها قرضا, فإن أعطيتموها طيبة بها أنفسكم، ضاعف لكم ما بين الحسنة إلى العشر إلى السبعمئة، إلى أكثر من ذلك. وإن أخذها منكم وأنتم كارهون، فصبرتم وأحسنتم، كانت لكم الصلاة والرحمة، وأوجب لكم الهدى. (232)

* * *

قال أبو جعفر: وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: (فيضاعفه) بالألف ورفعه، بمعنى: الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له= نسق " يضاعف " على قوله: " يقرض ".

* * *

وقرأه آخرون بذلك المعنى: (فيضعفه), غير أنهم قرءوا بتشديد " العين " وإسقاط" الألف ".

* * *

وقرأه آخرون: (فيضاعفه له) بإثبات " الألف " في" يضاعف " ونصبه، بمعنى الاستفهام. فكأنهم تأولوا الكلام: من المقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له؟ فجعلوا قوله: " فيضاعفه " جوابا للاستفهام, وجعلوا: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " اسما. لأن " الذي" وصلته، بمنـزلة " عمرو " و " زيد ". فكأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى قول القائل: " من أخوك فتكرمه "، لأن الأفصح في جواب الاستفهام بالفاء= إذا لم يكن قبله ما يعطف به عليه من فعل مستقبل= نصبه.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: (فيضاعفه له) بإثبات " الألف ". ورفع " يضاعف ". لأن في قوله: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " معنى الجزاء . والجزاء إذا دخل في جوابه " الفاء "، لم يكن جوابه &; 5-288 &; ب " الفاء " لا رفعا. فلذلك كان الرفع في" يضاعفه " أولى بالصواب عندنا من النصب. وإنما اخترنا " الألف " في" يضاعف " من حذفها وتشديد " العين ", لأن ذلك أفصح اللغتين وأكثرهما على ألسنة العرب.

* * *

القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أنه الذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها، دون غيره ممن ادعى أهل الشرك به أنهم آلهة، واتخذوه ربا دونه يعبدونه. وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي: -

5623- حدثنا به محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا حجاج= وحدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي قال، حدثنا حجاج وأبو ربيعة قالا= حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت وحميد وقتادة, عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقالوا: يا رسول الله، غلا السعر فأسعر لنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله الباسط القابض الرازق, وإني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطلبني بمظلمة في نفس ومال ". (233) .

* * *

&; 5-289 &;

قال أبو جعفر: يعني بذلك صلى الله عليه وسلم: أن الغلاء والرخص والسعة والضيق بيد الله دون غيره. فكذلك قوله تعالى ذكره:،" والله يقبض ويبسط"، يعني بقوله: " يقبض "، يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه= ويعني بقوله: و " يبسط" يوسع ببسطة الرزق على من يشاء منهم.

وإنما أراد تعالى ذكره بقيله ذلك، حث عباده المؤمنين- الذين قد بسط عليهم من فضله, فوسع عليهم من رزقه- على تقوية ذوي الإقتار منهم بماله, ومعونته بالإنفاق عليه وحمولته على النهوض لقتال عدوه من المشركين في سبيله, (234) فقال تعالى ذكره: من يقدم لنفسه ذخرا عندي بإعطائه ضعفاء المؤمنين وأهل الحاجة منهم ما يستعين به على القتال في سبيلي, فأضاعف له من ثوابي أضعافا كثيرة مما أعطاه وقواه به؟ فإني -أيها الموسع- (235) الذي قبضت الرزق عمن ندبتك إلى معونته وإعطائه, لأبتليه بالصبر على ما ابتليته به= والذي بسطت عليك لأمتحنك بعملك فيما بسطت عليك, فأنظر كيف طاعتك إياي فيه, فأجازي كل واحد منكما على قدر طاعتكما لي فيما ابتليتكما فيه وامتحنتكما به، من غنى وفاقة، وسعة وضيق, عند رجوعكما إلي في آخرتكما، ومصيركما إلي في معادكما.

* * *

&; 5-290 &;

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من بلغنا قوله من أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5624- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا الآية، قال: علم أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة , وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غنى, فندب هؤلاء فقال: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط"؟ قال: بسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده, (236) وقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له, فقوه مما في يدك، يكن لك في ذلك حظ.

* * *

القول في تأويل قوله : وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وإلى الله معادكم، أيها الناس, فاتقوا الله في أنفسكم أن تضيعوا فرائضه وتتعدوا حدوده, وأن يعمل من بسط عليه منكم من رزقه بغير ما أذن له بالعمل فيه ربه, وأن يحمل المقتر منكم- إذ قبض عن رزقه- إقتاره على معصيته, والتقدم على ما نهاه، (237) فيستوجب بذلك عند مصيره إلى خالقه، ما لا قبل له به من أليم عقابه. (238)

* * *

وكان قتادة يتأول قوله: " وإليه ترجعون "، وإلى التراب ترجعون. (239)

5625- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " وإليه ترجعون "، من التراب خلقهم, وإلى التراب يعودون. (240)

* * *

---------------------------

الهوامش :

(222) أضعف الرجل فهو مضعف : ضعفت دابته ، يعينه بإبداله دابة غيرها .

(223) في المطبوعة : "وللشياطين معصية" ، وفي المخطوطة : "وللسلطان" ، وهو سهو من الناسخ .

(224) في المطبوعة"يأتي فيه الرجل . . . " ، وفي المخطوطة : "يأتي فيه الرجل" غير منقوطة ، ونقل أبو حيان في تفسيره 2 : 248 هذا القول عن الأخفش ، ونصه : "لأمر تأتي مسرته أو مساءته" ، ولكني استظهرت قراءتها كما أثبت ، فجميع ما مضى تحريف .

(225) هو أمية بن أبي الصلت .

(226) ديوانه : 63 ، واللسان (قرض) ، وروايته"أو مدينا مثل ما دنا" ، وفي الديوان : "كالذي دانا" .

(227) في المطبوعة : "قال الله فيها تعالى ذكره" ، وأثبت ما في المخطوطة .

(228) الحديث : 5618 - هذا حديث مرسل ، فهو ضعيف الإسناد ، لأن زيد بن أسلم تابعي ، ولم يذكر من حدثه به من الصحابة .

والحديث ثابت في تفسير عبد الرزاق ، ص : 31 (مخطوط مصور) ، عن معمر ، به .

وهو عند السيوطي 1 : 312 ، ولم ينسبه لغير عبد الرزاق والطبري .

وقد ذكر ابن كثير 1 : 594 أن ابن مردويه روى نحو الحديث الآتي : 5620"من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، مرفوعا بنحوه" .

وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ضعيف جدا ، كما بينا في : 185 فلا قيمة لهذا الرواية .

وسيأتي عقب هذا حديث آخر مرسل بمعناه ، ثم : 5620 ، من حديث ابن مسعود . ونرجئ بيان أصل القصة حتى نتحدث عنها هناك .

قوله"ابن الدحداح" و"لابن الدحاح" : هذا هو الثابت في تفسير عبد الرزاق ، وهو الذي أثبتناه هنا . وفي المخطوطة -فيهما-"الدحداحة" . وفي المطبعة"أبو الدحداح" ، و"لأبي الدحداح" . وما في تفسير عبد الرزاق أرجح ، لأنه الأصل الذي روى عنه الطبري .

قوله : "إنما أعطانا لأنفسنا" : هو الثابت عند عبد الرزاق ، وهو أجود . وكان في المطبوعة"مما" بدل"إنما" .

"العذق" (بفتح فسكون) : النخلة . أما"العذق" -بكسر العين : فهو عرجون النخلة . و"المذلل"- بفتح اللام الأولى مشددة : الذي قد دليت عناقيده ، حتى يسهل اجتناء ثمرته ، لدنوها من قاطفها .

(229) الحديث : 5619- وهذا مرسل أيضًا ، فهو ضعيف الإسناد ، وآخره موقوف من كلام قتادة . وذكره السيوطي 1 : 312 ، ونسبه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، فقط . ولم يذكر كلام قتادة في آخره .

في المخطوطة : "ويسعر عباده" ، هكذا غير معجمة ولا مبينة ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، فهو في سياقة المعنى . والأثر في الدر المنثور 1 : 321 ، ولكنه أسقط هذه الجملة الأخيرة عن قتادة .

(230) في المطبوعة : "قال : يدك قبل ، فناوله" ، وفي المخطوطة : "يدك قيل" ثم وضع ألفا على رأس الياء بعد القاف ، كأن أراد أن يجعلها"قال" كما أثبتها ورجحتها ، لنص مجمع الزوائد 9 : 324 : "قال : أرنا يدك . قال : فناوله يده" .

(231) الحديث : 5620 - وهذا إسناد ضعيف جدا .

محمد بن معاوية بن يزيد الأنماطي - شيخ الطبري : ثقة مترجم في التهذيب ، وتاريخ بغداد 3 : 274- 275 .

خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي : ثقة ، تغير في آخر عمره ، مات نحو سنة 181 ، وهو ابن 101 سنة ، وقد فصلنا القول في ترجمته في المسند : 5885 .

حميد الأعرج الكوفي القاص : هو حميد بن علي ، على ما جزم به البخاري في +الكثير 1/ 2 / 351 ، والضعفاء ، ص : 9 . ويقال : "حميد بن عطاء" وهو الذي جزم به ابن أبي حاتم 1 / 2 / 226 - 227 ، وابن حبان في كتاب المجروحين ، رقم : 265 . وهو ضعيف جدا . قال البخاري : "منكر الحديث" . وقال أبو حاتم : "ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، قد لزم عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود ، ولا يعرف لعبد الله بن الحارث عن ابن مسعود شيء!" . وقال ابن حبان : "يروى عن عبد الله بن الحرث عن ابن مسعود- نسخة كأنها موضوعة . لا يحتج بخبره إذا انفرد" .

عبد الله بن الحارث الزبيدي النجراني المكتب : ثقة . سبق في ترجمة الراوي عنه قول أبي حاتم أنه لا يعرف له شيء عن ابن مسعود . فالبلاء في هذه الرواية من حميد الأعرج .

وهذا الحديث رواه أيضًا ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن عرفة ، عن خلف بن خليفة ، بهذا الإسناد . على ما نقله عنه ابن كثير 1 : 593- 594 .

وذكره السيوطي 1 : 312 ، وزاد نسبته لسعيد بن منصور ، وابن سعد ، والبزار ، وابن المنذر ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والطبراني ، والبيهقي في شعب الإيمان .

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6 : 320 ، بنحوه . وقال : "رواه البزار ، ورجاله ثقات" . ثم ذكره مرة أخرى 9 : 324 بلفظ آخر نحوه . وقال : " رواه أبو يعلى ، والطبراني ، ورجالهما ثقات . ورجال أبي يعلى رجال الصحيح" .

هكذا قال الهيثمي في الموضعين . وليس عندي إسناد من الأسانيد التي نسبه إليها ، ولا الكتب التي ذكرها السيوطي ، إلا ابن سعد . ولم أجده فيه ، لأن النسخة المطبوعة من طبقات ابن سعد تنقص كثيرا من الكتاب ، كما هو معروف .

ولقصة أبي الدحداح أصل آخر صحيح . من حديث أنس ، رواه أحمد في المسند : 12509 (3 : 146 حلبي) ، بإسناد صحيح : "عن أنس : أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن لفلان نخلة ، وأنا أقيم حائطي بها ، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أعطها إياه بنخلة في الجنة ، فأبى ، فأتاه أبو الدحداح ، فقال : بعني نخلتك بحائطي! ففعل ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، . فقال : يا رسول الله ، إني قد ابتعت النخلة بحائطي ، قال : فاجعلها له ، فقد أعطيتكها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم من عذق راح ، لأبي الدحداح ، في الجنة . قالها مرارا ، قال : فأتى امرأته فقال : يا أم الدحداح ، اخرجي من الحائط ، فإني قد بعته بنخلة في الجنة . فقالت : ربح البيع ، أو كلمة تشبهها" .

وحديث أنس هذا في مجمع الزوائد 9 : 323-324 . وقال : "رواه أحمد ، والطبراني ، ورجالهما رجال الصحيح" . ووقع في مطبوعة مجمع الزوائد سقط نحو سطر أثناء الحديث ، يصحح من هذا الموضع .

وله أصل ثان صحيح . فروى مسلم في صحيحه 1 : 264 ، عن جابر بن سمرة ، قال : "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ، ثم أتى بفرس عري ، فعقله رجل فركبه ، فجعل يتوقص به ، ونحن نتبعه نسعى خلفه ، قال : فقال رجل من القوم : إن لنبي صلى الله عليه وسلم قال : كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح" . "أو قال شعبة : لأبي الدحداح" .

و"أبو الدحداح" : هو ثابت بن الدحداح ، أو ابن الدحداحة . ويكنى"أبا الدحداح" أو"أبا الدحداحة" ، مترجم في الإصابة 1 : 199 . ثم ترجمه في الكنى 7 : 57 - 58 ، وذكر الخلاف في أنه واحد أو اثنان . ثم زعم أن الحق أن الثاني غير الأول! واستدل بحديث نقله من رواية أبي نعيم ضعيف ، وأن في إسناده رجلا"واهى الحديث" !! فسقط الاستدلال به دون ريب .

الحائط : بستان النخيل إذا كان عليه جدار يحيط به ، فإن لم يكن عليه الحائط فهو"ضاحية" .

(232) يريد قول الله تعالى في [سورة البقرة : 156 ، 157] { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }

(233) الحديث : 5623 -عبد الملك بن محمد الرقاشي أبو قلابة- شيخ الطبري : مضت ترجمته في : 4331 .

الحجاج؛ هو ابن المنهال الأنماطي .

أبو ربيعة : هو زيد بن عوف القطعي ، ولقبه"فهد" . تكلموا فيه كثيرا لأحاديث رواها عن حماد بن سلمة . وأما البخاري فقال في الكبير 2/1/ 369 : "سكتوا عته" . وهو مترجم أيضًا في ابن أبي حاتم 1/2/ 570 - 571 ، ولسان الميزان .

ومهما يكن من شأنه ، فإنه لم ينفرد بهذا الحديث ، فلا يؤثر فيه ضعفه إن كان ضعيفا .

والحديث صحيح بهذا الإسناد ، من جهة الحجاج بن المنهال ، ومن الروايات الأخر التي سنذكر .

فرواه أحمد في المسند : 12618 (3 : 156 حلبي) ، عن سريج ويونس بن محمد ، عن حماد ابن سلمة ، عن قتادة وثابت البناني ، عن أنس .

ورواه أيضًا : 14102 ( 3 : 286 حلي) ، عن عفان ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة وثابت وحميد ، عن أنس .

ورواه الترمذي 2 : 271- 272 ، وابن ماجه : 2200- كلاهما من طريق الحجاج بن النهال بهذا الإسناد . قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح" .

ورواه أبو دواد : 3451 ، من طريق عفان ، عن حماد ، به .

وذكره السيوطي 1 : 313 ، وزاد نسبته للبيهقي في السنن .

(234) الحمولة (بفتح الحاء) : كل ما يحمل عليه الناس من إبل وحمير وغيرها . والحمولة (بضم الحاء) الأحمال والأثقال . هذا وأخشى أن يكون صواب العبارة في الأصل"بالأنفاق عليه وعلىحملته" وقوله : "علي النهوض" متعلق بقوله : "ومعونته" .

(235) في المطبوعة : "فإني أنا الموسع الذى قبضت" ، وهو كلام لا يستقيم أبدا ، و الصواب ما في المخطوطة . و"الموسع" : الغني الذى كثر ماله . من قولهم : "أوسع الرجل" ، صار ذا سعة وغنى وكثر ماله . وقال الله تعالى : "علي الموسع قدره وعلي المقتر قدره" . وانظر ما سلف في تفسير"الوسع" في هذا الجزء : 45 . وسياق العبارة"فانى .... الذي قبضت" .

(236) في المطبوعة والمخطوطة : "يبسط عليك" مضارعا ، وهو لا يطابق قوله بعد : "وقبض" . فجعلتها"بسط" ، وإن شئت جعلت الأخرى : "ويقبض" ، كما في الدر المنثور 1 : 313 ، وأنا أرجع الأولى .

(237) في المطبوعة : "وأن يحل بالمقتر منكم فقبض عنه رزقه ، إقتاره ...." ، وهو كلام فاسد وفي المخطوطة : "وأن يحمل المقتر منكم فقبض عنه رزقه . . . " وهو لا يستقيم أيضًا ، ورجحت أن تكون الأولى" المقتر" كما في المخطوطة ، وأن تكون الأخرى"إذ قبض" ، أو"بقبضه عنه ..." وسياق الجملة : "وأن يحمل المقتر منكم ... إقتاره علي معصيته) .

(238) في المطبوعة : "فيستوجب بذلك منه بمصيره . . . وهو كلام شديد الخلل . وفي المخطوطة : "عنه مصيره" ، وظاهر أن الهاء المرسلة من"عنه" ، دال"عند" .

(239) في المخطوطة : "و إلى الثواب" ، و"من الثواب ..." وهو ظاهر الفساد ، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب ، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق .

(240) في المخطوطة : "و إلى الثواب" ، و"من الثواب..." وهو ظاهر الفساد ، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب ، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق .

التدبر :

وقفة
[245] قرضًا حسنًا يعني: محتسبًا طيبةً بها نفسه، وقال ابن المبارك: «من مال حلال»، وقيل: لا يمن، ولا يؤذي.
لمسة
[245] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ استفهام يراد به الطلب والحض على الإنفاق، وذكر لفظ القرض تقريبًا للأفهام؛ لأن المنفق ينتظر الثواب كما ينتظر المسلف ردّ ما أسلف.
وقفة
[245] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ أكمل الصدقات، قال الآلوسي: «وذكر بعضهم أن القرض الحسن ما يجمع عشر صفات: 1- أن يكون من الحلال، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا. 2- وأن يكون من أكرم ما يملكه المرء. 3- وأن يكون والمرء صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر. 4- وأن يضعه في الأحوج الأَوْلى. 5- وأن يكتم ذلك. 6- وأن لا يتبعه بالمنِّ والأذى. 7- وأن يقصد به وجه الله تعالى. 8- وأن يستحقر ما يعطي وإن كثُر. 9- وأن يكون من أحب أمواله إليه. 10- وأن يتوخى في إيصاله للفقير ما هو أسَرُّ لديه من الوجوه كحمله إلى بيته».
وقفة
[245] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ في أفريقيا قبيل الزوال وتحت أشعة الشمس الحارقة صائمة، تحمل طفلها وتقف في صف طويل تنتظر وجبة إفطار، غربت الشمس وارتفعت الأصوات وأفطرت بالنية.
وقفة
[245] في قوله تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ إشـارة إلى أن الـصدقة ترجع لصاحبها حقيقة, ناهيك عـن الأجــر حيــث ســماها (قَرْضًا), والقرض حقـه السداد, والمقترض هو الله سـبحانه, ومن أوفى من الله؟ فكان رجوعها مقطوعًا به.
وقفة
[245] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾، قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ»، قَالَ: أَرِنَا يَدَكَ، قَالَ: فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، قَالَ: قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي -وَحَائِطُهُ فِيهِ سِتُّ مِائَةِ نَخْلَةٍ- فَجَاءَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ، وَأُمُّ الدَّحْدَاحِ فِيهَا وَعِيَالُهَا فَنَادَى: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ قَالَتْ: لَبَّيْكَ، فَقَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي» [الطبراني في الكبير 22/301، وصححه الألباني].
وقفة
[245] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ ما أخذ الله من المؤمن شيئًا إلا ليعطيه أضعافًا كثيرة، فكيف إذا أخذ منه الولد؟!
وقفة
[245] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ وهذا من كرم الله حيث سماه قرضًا، والمال ماله، والعبد عبده.
عمل
[245] أقرض ربك قرضا حسنًا؛ فستحتاجه كثيرًا وقت الوفاء ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
وقفة
[245] ﴿وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ الله تعالى قد يبتلي بعض عباده فيضيِّق عليهم الرزق، ويبتلي آخرين بسعة الرزق، وله في ذلك الحكمة البالغة.

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي:
  • من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع خبر «مَنْ». الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع عطف بيان لاسم الاشارة.
  • ﴿ يُقْرِضُ اللَّهَ:
  • يقرض: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. الله لفظ الجلالة: مفعول به للتعظيم منصوب بالفتحة. وجملة «يُقْرِضُ اللَّهَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ قَرْضاً حَسَناً:
  • قرضا: مفعول به منصوب بالفتح المنون. حسنا: صفة للموصوف «قَرْضاً» منصوب مثله بالفتحة.
  • ﴿ فَيُضاعِفَهُ لَهُ:
  • الفاء: سببية. يضاعفه: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء لأنه جواب الاستفهام والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. له: جار ومجرور متعلق بيضاعف.
  • ﴿ أَضْعافاً كَثِيرَةً:
  • أضعافا «مصدر» مفعول مطلق منصوب بالفتحة. كثيرة: صفة- نعت- لأضعافا منصوبة بالفتحة.
  • ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع بالضمة. يقبض: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. والجملة الفعلية «يَقْبِضُ» في محل رفع خبر المبتدأ. الواو: عاطفة. يبسط: معطوفة على «يَقْبِضُ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:
  • الواو حالية. إليه: جار ومجرور متعلق بترجعون. ترجعون: فعل مضارع مبني للمجهول. مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «أنتم إليه ترجعون» في محل نصب حال. والجملة الفعلية «إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف اختصارا تقديره: وأنتم اليه تعادون. '

المتشابهات :

البقرة: 245﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
الحديد: 11﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ

أسباب النزول :

  • .قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله الآية روى ابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال لما نزلت مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة إلى آخرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب زد أمتي فنزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة'
  • المصدر أسباب النزول للواحدي

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [245] لما قبلها :     ولَمَّا حثَّ اللهُ عز وجل على القتال؛ حثَّ هنا على الإنفاق؛ فإنَّ القِتال يَستدعي أموالًا؛ لتجهيزِ الجيش، ولَمَّا كان الإنسانُ ربَّما يتوهَّم أنَّه إذا أنفق افتقر؛ دفَع اللهُ عز وجل هذا الوهم هنا، فقال تعالى:
﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

القراءات :

فيضاعفه:
قرئ:
1- فيضعفه، بالتشديد، وهى قراءة ابن كثير، وابن عامر.
2- فيضاعفه، بالنصب، وهى قراءة ابن عامر، وعاصم.
3- فيضاعفه، بالرفع عطفا على صلة «الذي» ، وهى قراءة الباقين.
ويبسط:
قرئ:
1- بالسين، وهى قراءة حمزة، بخلاف عن خلاد، وحفص، وهشام، وقتبل، والنقاش عن الأخفش.
2- بالصاد، وهى قراءة الباقين.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف