ترتيب المصحف | 10 | ترتيب النزول | 51 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 13.50 |
عدد الآيات | 109 | عدد الأجزاء | 0.65 |
عدد الأحزاب | 1.30 | عدد الأرباع | 5.30 |
ترتيب الطول | 10 | تبدأ في الجزء | 11 |
تنتهي في الجزء | 11 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 4/29 | آلر: 1/5 |
للَمَّا أقسَمَ اللهُ أنَّ العذابَ حقٌّ ذكَرَ هنا بعضَ أحوالِ الظَّالِمينَ في الآخرةِ، وأنَّ القرآنَ موعظةٌ للناسِ، وشفاءٌ لِما في القلوبِ من الشُبُهاتِ والشكوكِ، ورحمةٌ للمؤمنينَ.
قريبًا إن شاء الله
لَمَّا مَدَحَ القرآنَ وما اشتملَ عليه بَيَّنَ هنا فسادَ شَرائِعِهم وأحكامِهم من الحلالِ والحرامِ مِن غَيرِ مُستنَدٍ في ذلك من وَحيٍ، ثُمَّ بيانُ إحاطةِ علمِ اللهِ بكلِّ شيءٍ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{و} إذا كانت القيامة فـ {لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} بالكفر والمعاصي جميع {مَا فِي الْأَرْضِ} من ذهب وفضة وغيرهما، لتفتدي به من عذاب الله {لَافْتَدَتْ بِهِ} ولما نفعها ذلك، وإنما النفع والضر والثواب والعقاب، على الأعمال الصالحة والسيئة.
{وَأَسَرُّوا} [أي] الذين ظلموا {النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} ندموا على ما قدموا، ولات حين مناص، {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي: العدل التام الذي لا ظلم ولا جور فيه بوجه من الوجوه.
ثم بين- سبحانه- أنهم لن يستطيعوا افتداء أنفسهم من العذاب عند وقوعه فقال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ.
أى: ولو أن لكل نفس تلبست بالظلم بسبب شركها وفسوقها، جميع ما في الأرض من مال ومتاع، وأمكنها أن تقدمه كفداء لها من العذاب يوم القيامة، لقدمته سريعا دون أن تبقى منه شيئا حتى تفتدى ذاتها من العذاب المهين.
ومفعول لَافْتَدَتْ محذوف. أى لافتدت نفسها به.
ولو هنا امتناعية، أى: امتنع افتداء كل نفس ظالمة، لامتناع ملكها لما تفدى به ذاتها وهو جميع ما في الأرض من أموال، ولامتناع قبول ذلك منها فيما لو ملكته على سبيل الفرض.
وقوله وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ بيان لما انتابهم من حسرات عند مشاهدتهم لأهوال العذاب المعد لهم.
وأَسَرُّوا من الإسرار بمعنى الإخفاء والكتمان. يقال: أسر فلان الحديث. أى: خفض صوته به، ويقابله الإعلان والجهر، ومنه قوله- تعالى- وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
والندامة والندم: ما يجده الإنسان في نفسه من آلام وحسرات على أقوال أو أفعال سيئة، فات أوان تداركها.
أى: وأخفى هؤلاء الظالمون الندامة حين رأوا بأبصارهم مقدمات العذاب، وحين أيقنوا أنهم لا نجاة لهم منه، ولا مصرف لهم عنه.
قال صاحب الكشاف: «قوله- سبحانه- وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه، ولم يخطر ببالهم، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه، ما سلبهم قواهم، وبهرهم، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع، سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب، كما ترى المقدم للصلب يثخنه ما دهمه من فظاعة الخطب ويغلب، حتى لا ينبس بكلمة ويبقى جامدا مبهوتا.
وقيل: أسر رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم، حياء منهم وخوفا من توبيخهم..
وقيل أسروا الندامة: أظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره وليس هناك تجلد» .
وقوله: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بيان لعدالة الله في أحكامه بين عباده.
أى: وقضى الله- تعالى- بين هؤلاء الظالمين وبين غيرهم بالعدل دون أن يظلم أحدا.
ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على كمال قدرته، وسعة رحمته، وعلى أنه وحده الذي يملك التحليل والتحريم، ويعلم السر وأخفى فقال- تعالى-:
ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يود الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ، ( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط ) أي : بالحق ، ( وهم لا يظلمون ) .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو أن لكل نفس كفرت بالله ، و " ظلمها " ، في هذا الموضع، عبادتُها غيرَ من يستحق عبادته، (1) وتركها طاعة من يجب عليها طاعته ، (ما في الأرض) ، من قليل أو كثير ، (لافتدت به) ، يقول: لافتدت بذلك كلِّه من عذاب الله إذا عاينته (2) ، وقوله: (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) ، يقول: وأخفتْ رؤساء هؤلاء المشركين من وضعائهم وسفلتهم الندامةَ حين أبصرُوا عذاب الله قد أحاط بهم، وأيقنوا أنه واقع بهم ، ( وقضي بينهم بالقسط)، يقول: وقضى الله يومئذ بين الأتباع والرؤساء منهم بالعدل (3) ، (وهم لا يظلمون)، وذلك أنه لا يعاقب أحدًا منهم إلا بجريرته ، ولا يأخذه بذنب أحدٍ، ولا يعذِّب إلا من قد أعذر إليه في الدنيا وأنذر وتابع عليه الحجج.
------------------------
الهوامش :
(1) في المطبوعة : " من يستحق عبادة " ، غير ما في المخطوطة .
(2) انظر تفسير " الافتداء " فيما سلف من فهارس اللغة ( فدى ) .
(3) انظر تفسير " القسط " فيما سلف ص : 99 ، تعليق : 1، والمراجع هناك .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 47 | ﴿فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ |
---|
يونس: 54 | ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ۖ وَ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ |
---|
الزمر: 69 | ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السموات وَالْأَرْضِ} يحكم فيهم بحكمه الديني والقدري، وسيحكم فيهم بحكمه الجزائي. ولهذا قال: {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فلذلك لا يستعدون للقاء الله، بل ربما لم يؤمنوا به، وقد تواترت عليه الأدلة القطعية والبراهين النقلية والعقلية.
أى: ألا إن لله وحده لا لغيره، ملك ما في السموات وما في الأرض من مخلوقات، وهو- سبحانه- يتصرف فيها وفق إرادته ومشيئته كما يتصرف المالك فيما يملكه، فهو يعطى من يشاء ويغفر لمن يشاء، ويتوب على من يشاء لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.
وقوله: أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أى: ألا إن كل ما وعد الله به الناس من ثواب وعقاب وغيرهما، ثابت ثبوتا لا ريب فيه، وواقع وقوعا لا محيص عنه.
وصدرت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح أَلا الدالة على التنبيه، لحض الغافلين عن هذه الحقيقة على التذكر والاعتبار والعودة إلى طريق الحق.
وأعيد حرف التنبيه في جملة أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لتمييزها بهذا التنبيه عن سابقتها، لأنها مقصودة بذاتها: إذ أن المشركين كانوا يظنون أن ما وعدهم به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من باب الترغيب والترهيب وليس من باب الحقائق الثابتة.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى ولكن أكثر هؤلاء الناس الذين بعثت إليهم يا محمد، لا يعلمون ما جئت به علما نافعا لسوء استعدادهم، وضعف عقولهم، وخبث نفوسهم.
وقال أَكْثَرَهُمْ: إنصافا للقلة المؤمنة التي علمت الحق فاتبعته وصدقته، ووقفت إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم تؤيده وتفتدى دعوته بالنفس والمال.
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأن وعده حق كائن لا محالة.
القول في تأويل قوله تعالى : أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (55)
قال أبو جعفر: يقول جل ذكره: ألا إنّ كل ما في السموات وكل ما في الأرض من شيء ، لله مِلْك، لا شيء فيه لأحدٍ سواه . يقول: فليس لهذا الكافربالله يومئذٍ شيء يملكه فيفتدي به من عذاب ربّه، وإنما الأشياء كلها للذي إليه عقابه. ولو كانت له الأشياء التي هي في الأرض ثم افتدى بها ، لم يقبل منه بدلا من عذابه ، فيصرف بها عنه العذاب، فكيف وهو لا شيء له يفتدى به منه ، وقد حقَّ عليه عذاب الله؟ يقول الله جل ثناؤه: (ألا إن وعد الله حق)، يعني أن عذابه الذي أوعد هؤلاء المشركين على كفرهم حقٌّ، فلا عليهم أن لا يستعجلوا به ، فإنه بهم واقع لا شك ، (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ، يقول: ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون حقيقةَ وقوع ذلك بهم، فهم من أجل جهلهم به مكذِّبون.
* * *
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 55 | ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ |
---|
النور: 64 | ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي: هو المتصرف بالإحياء والإماتة، وسائر أنواع التدبير ، لا شريك له في ذلك.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يوم القيامة، فيجازيكم بأعمالكم خيرها وشرها.
وقوله: هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بيان لكمال قدرته، إثر بيان عظم ملكوته، ونفاذ وعده.
أى: هو- سبحانه- الذي يحيى من يريد إحياءه ويميت من يريد إماتته وإليه وحده ترجعون جميعا، فيحاسبكم على أعمالكم، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وأنه يحيي ويميت وإليه مرجعهم; وأنه القادر على ذلك العليم بما تفرق من الأجسام وتمزق في سائر أقطار الأرض والبحار والقفار.
القول في تأويل قوله تعالى : هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله هو المحيي المميت ، لا يتعذّر عليه فعلُ ما أراد فعله من إحياء هؤلاء المشركين إذا أراد إحياءهم بعد مماتهم ، ولا إماتتهم إذا أراد ذلك، وهم إليه يصيرون بعد مماتهم ، فيعاينون ما كانوا به مكذبين من وعيدِ الله وعقابه.
* * *
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 258 | ﴿إِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ |
---|
يونس: 56 | ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ |
---|
الأعراف: 158 | ﴿ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ﴾ |
---|
الدخان: 8 | ﴿ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ |
---|
المؤمنون: 80 | ﴿وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ |
---|
غافر: 68 | ﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ترجعون:
1- بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- يرجعون، بالياء، على الغيبة، وهى قراءة عيسى بن عمر، والحسن بخلاف عنه.
التفسير :
يقول تعالى ـ مرغبًا للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله، المقتضية لعقابه وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها.
{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.
وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه.
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين.
وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية، تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده. {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} فالهدى هو العلم بالحق والعمل به.
والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين.
وإذا حصل الهدى، وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور.
ثم وجه- سبحانه- نداء إلى الناس، أمرهم فيه بالانتفاع بما اشتمل عليه القرآن الكريم، من خيرات وبركات فقال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
والموعظة معناها: التذكير بالتزام الحق والخير، واجتناب الباطل والشر، بأسلوب يلين القلوب، ويرقق النفوس.
والشفاء: هو الدواء الشافي من كل ما يؤذى، ويجمع على أشفيه.
والهدى: هو الإرشاد والدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المقصد والبغية، والرحمة معناها الإحسان، أو إرادة الإحسان.
والمعنى: يا أيها الناس قد جاءكم من الله- تعالى- كتاب جامع لكل ما تحتاجون اليه من موعظة حسنة ترق لها القلوب، وتخشع لها النفوس. وتصلح بها الأخلاق ومن شفاء لأمراض صدوركم. ومن هداية لكم إلى طريق الحق والخير، ومن رحمة للمؤمنين ترفعهم الى أعلى الدرجات وتكفر ما حدث منهم من سيئات.
وجاء هذا الإرشاد والتوجيه عن طريق النداء، استمالة لهم إلى الحق بألطف أسلوب، وأكمل بيان، حتى يثوبوا إلى رشدهم، ويتنبهوا من غفلتهم.
ووصفت الموعظة بأنها من ربكم. لتذكيرهم بما يزيدها تعظيما وقبولا، لأنها لم تصدر عن مخلوق تحتمل توجيهاته الخطأ والصواب، وإنما هي صادرة من خالق النفوس ومربيها، العليم بما يصلحها ويشفيها.
وقيد الرحمة بأنها للمؤمنين، لأنهم هم المستحقون لها، بسبب إيمانهم وتقواهم.
قال الآلوسى ما ملخصه: «واستدل بالآية على أن القرآن يشفى من الأمراض البدنية كما يشفى من الأمراض القلبية، فقد أخرج ابن مردويه عن أبى سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنى اشتكى صدري، فقال- عليه الصلاة والسلام-: «اقرأ القرآن، يقول الله- تعالى- شفاء لما في الصدور» .
وأخرج البيهقي في الشعب عن وائلة بن الأسفع أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع حلقه، فقال له: «عليك بقراءة القرآن» .
وأنت تعلم أن الاستدلال بهذه الآية على ذلك مما لا يكاد يسلم، والخبر الثاني لا يدل عليه، إذ ليس فيه أكثر من أمره صلى الله عليه وسلم الشاكي بقراءة القرآن إرشادا له إلى ما ينفعه ويزول به وجعه.
ونحن لا ننكر أن لقراءة القرآن بركة، قد يذهب الله بسببها الأمراض والأوجاع، وإنما ننكر الاستدلال بالآية على ذلك.
والخبر الأول وإن كان ظاهرا في المقصود، لكن ينبغي تأويله، كأن يقال: لعله صلى الله عليه وسلم اطلع على أن في صدر الرجل مرضا معنويا قلبيا، قد صار سببا للمرض الحسى البدني، فأمره صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن ليزول عنه الأول فيزول الثاني.
والحسن البصري ينكر كون القرآن شفاء للأمراض، فقد أخرج أبو الشيخ عنه أنه قال:
إن الله- تعالى- جعل القرآن شفاء لما في الصدور، ولم يجعله شفاء لأمراضكم، والحق ما ذكرنا» .
يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنزل إليهم من القرآن العظيم على رسوله الكريم : ( ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم ) أي : زاجر عن الفواحش ، ( وشفاء لما في الصدور ) أي : من الشبه والشكوك ، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس ، ( وهدى ورحمة ) أي : محصل لها الهداية والرحمة من الله تعالى . وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه ، كما قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] ، وقال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لخلقه: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) ، يعني : ذكرى تذكركم عقابَ الله وتخوّفكم وعيده (4) ، (من ربكم)، يقول: من عند ربكم ، لم يختلقها محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يفتعلها أحد، فتقولوا: لا نأمن أن تكون لا صحةَ لها. وإنما يعني بذلك جلّ ثناؤه القرآن، وهو الموعظة من الله.
وقوله: (وشفاء لما في الصدور)، يقول: ودواءٌ لما في الصدور من الجهل، يشفي به الله جهلَ الجهال، فيبرئ به داءهم ، ويهدي به من خلقه من أراد هدايته به ، (وهدى)، يقول: وهو بيان لحلال الله وحرامه، ودليلٌ على طاعته ومعصيته ، (ورحمة)، يرحم بها من شاء من خلقه، فينقذه به من الضلالة إلى الهدى، وينجيه به من الهلاك والردى. وجعله تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين به دون الكافرين به، لأن من كفر به فهو عليه عمًى، وفي الآخرة جزاؤه على الكفر به الخلودُ في لظًى.
----------------------
الهوامش :
(4) انظر تفسير " الموعظة " فيما سلف 8 : 528 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 57 | ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾ |
---|
النساء: 170 | ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ﴾ |
---|
النساء: 174 | ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ |
---|
يونس: 108 | ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده {وَبِرَحْمَتِهِ} الدين والإيمان، وعبادة الله ومحبته ومعرفته. {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} من متاع الدنيا ولذاتها.
فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين، لا نسبة بينها، وبين جميع ما في الدنيا، مما هو مضمحل زائل عن قريب.
وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم كما قال [تعالى عن] قوم قارون له: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} .
وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل المناقض لما جاءت به الرسل: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}
وقوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ حض للناس على اغتنام ما في تعاليم الإسلام من خيرات، وإيثارها على ما في الدنيا من شهوات.
أى: قل يا محمد لمن يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة: اجعلوا فرحكم الأكبر، وسروركم الأعظم، بفضل الله الذي شرع لكم هذا الدين على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبرحمته التي وسعت كل شيء وهي بالمؤمنين أوسع، لا بما تجمعون في هذه الدنيا من أموال زائلة ومتع فانية.
وقد فسر بعضهم فضل الله ورحمته بالقرآن، ومنهم من فسر فضل الله بالقرآن، ورحمته بالإسلام. ومنهم من فسرهما بالجنة والنجاة من النار.
ولعل تفسير هما بما يشمل كل ذلك أولى: لأنه لم يرد نص صحيح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يحدد المراد منهما، وما دام الأمر كذلك فحملهما على ما يشمل الإسلام والقرآن والجنة أولى.
قال ابن كثير: قوله- تعالى- قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أى:
بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى مما يفرحون به من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية والذاهبة لا محالة.
فعن أيفع بن عبد الكلاعى قال: لما قدم خراج العراق إلى عمر- رضى الله عنه- خرج عمر ومولى له، فجعل يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله- تعالى- ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله- تعالى- قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ .
أى: ليس هذا المال هو المعنى بهذه الآية، وإنما فضل الله ورحمته يتمثل فيما جاءهم من الله- تعالى- من دين قويم، ورسول كريم، وقرآن مبين.
ودخلت الباء على كل من الفضل والرحمة، للإشعار باستقلال كل منهما بالفرح به.
والجار والمجرور في كل منهما متعلق بمحذوف، وأصل الكلام: قل لهم يا محمد ليفرحوا بفضل الله وبرحمته، ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة الاختصاص، وأدخلت الفاء لإفادة السببية، فكأنه قيل: إن فرحوا بشيء فليكن بسبب ما أعطاهم الله- تعالى- من فضل ورحمة، لا بسبب ما يجمعون من زينة الحياة الدنيا.
قال القرطبي: «والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب. وقد ذم الله الفرح في مواضع، كقوله- سبحانه- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وكقوله إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ولكنه مطلق. فإذا قيد الفرح لم يكن ذما، لقوله- تعالى- فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وكقوله- سبحانه- هنا فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أى بالقرآن والإسلام فليفرحوا ... » .
وقوله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) أي : بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا ، فإنه أولى ما يفرحون به ، ( هو خير مما يجمعون ) أي : من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة ، كما قال ابن أبي حاتم ، في تفسير هذه الآية : " وذكر عن بقية - يعني ابن الوليد - عن صفوان بن عمرو ، سمعت أيفع بن عبد الكلاعي يقول : لما قدم خراج العراق إلى عمر ، رضي الله عنه ، خرج عمر ومولى له فجعل عمر يعد الإبل ، فإذا هي أكثر من ذلك ، فجعل عمر يقول : الحمد لله تعالى ، ويقول مولاه : هذا والله من فضل الله ورحمته . فقال عمر : كذبت . ليس هذا ، هو الذي يقول الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) وهذا مما يجمعون .
وقد أسنده الحافظ أبو القاسم الطبراني ، فرواه عن أبي زرعة الدمشقي ، عن حيوة بن شريح ، عن بقية ، فذكره .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) يا محمد لهؤلاء المكذِّبين بك وبما أنـزل إليك من عند ربك ، (5) (بفضل الله)، أيها الناس ، الذي تفضل به عليكم، وهو الإسلام، فبيَّنه لكم ، ودعاكم إليه ، (وبرحمته)، التي رحمكم بها، فأنـزلها إليكم، فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه، وبصَّركم بها معالم دينكم، وذلك القرآن ، (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه ، والقرآن الذي أنـزله عليهم، خيرٌ مما يجمعون من حُطَام الدنيا وأموالها وكنوزها.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
17668- حدثني علي بن الحسن الأزدي قال ، حدثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري في قوله: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) ، قال: بفضل الله القرآن (وبرحمته) أن جعَلَكم من أهله. (6)
17669- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا فضيل، عن منصور، عن هلال بن يساف: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) ، قال: بالإسلام الذي هداكم، وبالقرآن الذي علّمكم.
17670- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا ابن يمان قال ، حدثنا سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف: (قل بفضل الله وبرحمته)، قال: بالإسلام والقرآن ، (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، من الذهب والفضَّة.
17671- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، في قوله: (قل بفضل الله وبرحمته) ، قال: " فضل الله " ، الإسلام، و " رحمته "، القرآن.
17672- حدثني علي بن سهل قال ، حدثنا زيد قال ، حدثنا سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، في قوله: (قل بفضل الله وبرحمته)، قال: الإسلام والقرآن.
17673- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف مثله.
17674- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال، مثله.
17675- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، أما فضله فالإسلام، وأما رحمته فالقرآن.
17676- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (قل بفضل الله وبرحمته)، قال: فضله: الإسلام، ورحمته القرآن.
17677- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قل بفضل الله وبرحمته)، قال: القرآن.
17678- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (وبرحمته) ، قال: القرآن.
17679- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: (هو خير مما يجمعون) ، قال: الأموال وغيرها.
17680- حدثنا علي بن داود قال ، حدثني أبو صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (قل بفضل الله وبرحمته) يقول: فضله: الإسلام، ورحمته: القرآن.
17681- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) ، قال: بكتاب الله ، وبالإسلام ، (هو خير مما يجمعون).
* * *
وقال آخرون: بل " الفضل ": القرآن ، و " الرحمة "، الإسلام.
*ذكر من قال ذلك:
17682- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، قال: (بفضل الله)، القرآن، (وبرحمته)، حين جعلهم من أهل القرآن.
17683- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا جعفر بن عون قال ، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: " فضل الله "، القرآن، و " رحمته "، الإسلام.
17684- حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قوله: (قل بفضل الله وبرحمته) قال: (بفضل الله) القرآن، (وبرحمته)، الإسلام.
17685- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، قال: كان أبي يقول: فضله القرآن، ورحمته الإسلام.
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: (فبذلك فليفرحوا).
فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار: (فَلْيَفْرَحُوا) بالياء ( هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) بالياء أيضًا على التأويل الذي تأولناه ، من أنه خبر عن أهل الشرك بالله. يقول: فبالإسلام والقرآن الذي دعاهم إليه ، فليفرح هؤلاء المشركون، لا بالمال الذي يجمعون، فإن الإسلام والقرآن خيرٌ من المال الذي يجمعون، وكذلك:-
17686- حدثت عن عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن أبي التيّاح: (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، يعني الكفار.
* * *
ورُوي عن أبيّ بن كعب في ذلك ما:-
17687- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أسلم المنقري، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبيّ بن كعب : أنه كان يقرأ: (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، بالتاء.
17688- حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن الأجلح، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب ، مثل ذلك.
* * *
وكذلك كان الحسن البصري يقول: غير أنه فيما ذُكر عنه كان يقرأ قوله: ( هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )، بالياء; الأول على وجه الخطاب، والثاني على وجه الخبر عن الغائب.
* * *
وكان أبو جعفر القارئ، فيما ذكر عنه، يقرأ ذلك نحو قراءة أبيّ ، بالتاء جميعًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار من قراءة الحرفين جميعًا بالياء: ( فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) لمعنيين:
أحدهما: إجماع الحجة من القراء عليه.
والثاني: صحته في العربية، وذلك أن العرب لا تكاد تأمر المخاطب باللام والتاء، وإنما تأمره فتقول: " افعل ولا تفعل ".
وبعدُ، فإني لا أعلم أحدًا من أهل العربية إلا وهو يستردئ أمر المخاطب باللام، ويرى أنها لغة مرغوب عنها ، غير الفراء، فإنه كان يزعم أن الّلام في الأمر [هي البناء الذي خلق له] ، (7) واجهتَ به أم لم تُوَاجِهْ، إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجَه ، لكثرة الأمر خاصةً في كلامهم، كما حذَفوا التاء من الفعل. قال: وأنت تعلم أن الجازم والناصب لا يقعان إلا على الفعل الذي أوله الياء والتاء والنون والألف، فلما حُذِفت التاء ذهبت اللام ، وأُحدِثَت الألف في قولك: " اضرب " و " افرح "، لأن الفاء ساكنة، فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكنٍ، فأدخلوا ألفًا خفيفة يقع بها الابتداء، كما قال: ادَّارَكُوا ، [سورة الأعراف: 38] (8)
و اثَّاقَلْتُمْ ، [سورة التوبة: 38]. (9)
وهذا الذي اعتلّ به الفراء عليه لا له، وذلك أن العَرب إن كانت قد حذفت اللام في المواجَه وتركتها، فليس لغيرها إذا نطق بكلامها أن يُدْخِل فيها ما ليس منه ما دام متكلِّمًا بلغتها. فإن فعل ذلك ، كان خارجًا عن لغتها، وكتابُ الله الذي أنـزله على محمد بلسانها، (10) فليس لأحدٍ أن يتلوه إلا بالأفصح من كلامها، وإن كان معروفًا بعضُ ذلك من لغة بعضها، فكيف بما ليس بمعروف من لغة حيّ ولا قبيلة منها؟ وإنما هو دعوى لا تثبتُ بها [حجّة] ولا صحة . (11)
---------------------
الهوامش :
(5) في المطبوعة والمخطوطة : " لهؤلاء المشركين بك " ، وهو فاسد جدًا ، ورجحت أن الصواب ما أثبت .
(6) الأثر: 17668- " علي بن الحسن الأزدي " شيخ الطبري ، مضى برقم : 10258، وأننا لم نجد له ترجمة . وكان في المطبوعة هنا "بن الحسين" وهو خطأ ، وقع مثله عندنا في هامش التعليق علىالأثر المذكور 9: 98، تعليق: 1
(7) في المطبوعة : " أن اللام في ذي التاء الذي خلق له " ، وهو كلام ساقط بمرة واحدة . وكان في المخطوطة : " أن اللام هي البناء . . . " ، والزيادة التي بين القوسين من عندي ، لأن الناسخ أسقط : كما هو ظاهر . واستظهرت ذلك من كتاب الفراء ، وهذا كله نصه ، كما سيأتي .
(8) في المطبوعة : " ادراكتم " ، وفي المخطوطة " قالوا : ادراكوا واثاقلتم " ، وأثبت نص الفراء .
(9) هذا كله نص الفراء في معاني القرآن 1 : 469 .
(10) في المطبوعة : " وكلام الله " ، والجيد ما في المخطوطة .
(11) في المطبوعة : " لا ثبت بها ولا حجة " ، وفي المخطوطة : " لا تثبت بها ولا صحة " فزدت " حجة " بين القوسين ، لاقتضاء السياق إياها .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 157 | ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ |
---|
يونس: 58 | ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ |
---|
الزخرف: 32 | ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فليفرحوا:
1- بالياء، على أمر الغائب، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- فلتفرحوا، بالتاء على الخطاب، وهى قراءة عثمان بن عفان، وأبى، وأنس، والحسن، وأبى رجاء، وابن هرمز، وابن سيرين، وأبى جعفر المدني، وغيرهم.
3- فليفرحوا، بالياء وكسر اللام، وهى قراءة أبى.
يجمعون:
قرئ:
تجمعون، بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة ابن عامر.
التفسير :
يقول تعالى ـ منكرًا على المشركين، الذين ابتدعوا تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه ـ : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} يعني أنواع الحيوانات المحللة، التي جعلها الله رزقا لهم ورحمة في حقهم. {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} قل لهم ـ موبخا على هذا القول الفاسد ـ : {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} ومن المعلوم أن الله لم يأذن لهم، فعلم أنهم مفترون.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد أيضا على أولئك الذين أحلوا وحرموا على حسب أهوائهم دون أن يأذن الله لهم بذلك فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ أى: قل لهم يا محمد- أيضا- أخبرونى أيها المبدلون لشرع الله على حسب أهوائكم: إن الله- تعالى- قد أفاض عليكم ألوانا من الرزق الحلال فجئتم أنتم، وقسمتم هذا الرزق الحلال، فجعلتم منه حلالا وجعلتم منه حراما.
وقد حكى الله- تعالى- فعلهم هذا في آيات متعددة، منها قوله- تعالى-: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا .
قال الإمام ابن كثير: «قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، نزلت إنكارا على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصائل كقوله- تعالى-: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ... الآيات.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبى إسحاق، سمعت أبا الأحوص وهو عوف بن مالك بن نضلة يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رث الهيئة فقال: هل لك مال؟ قلت: نعم. قال: من أى المال؟ قال: قلت: من كل
المال. من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك ثم قال: هل تنتج إبلك صحاحا آذانها، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر. وتشق جلودها وتقول هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك. قال: نعم. قال: فإن ما آتاك الله لك حل.
ساعد الله أشد من ساعدك. وموسى الله أحد من موساك» .
وقوله: قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ استفهام قصد به التوبيخ والزجر أى:
قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ والزجر: إن الله وحده هو الذي يملك التحليل والتحريم، فهل هو- سبحانه- أذن لكم في ذلك، أو إنما أنتم الذين حللتم وحرمتم على حسب أهوائكم. لأنه لو أذن لكم في ذلك لبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب الكشاف: «وقوله: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ متعلق بأرأيتم، وقل تكرير للتوكيد. والمعنى أخبرونى آلله أذن لكم في التحليل والتحريم، فأنتم تفعلون ذلك بإذنه، أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه. ويجوز أن تكون الهمزة للإنكار وأم منقطعة، بمعنى: بل أتفترون على الله، تقريرا للافتراء.
ثم قال: وكفى بهذه الآية زاجرا بليغا عن التجوز فيما يسأل عنه من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر على الله» .
ال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : نزلت إنكارا على المشركين فيما كانوا يحرمون ويحلون من البحائر والسوائب والوصايا ، كقوله تعالى : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) [ الأنعام : 136 ] الآيات .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمعت أبا الأحوص - وهو عوف بن [ مالك بن ] نضلة - يحدث عن أبيه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة ، فقال : " هل لك مال ؟ " قال : قلت : نعم . قال : " من أي المال ؟ " قال : قلت : من كل المال ، من الإبل والرقيق والخيل والغنم . فقال إذا آتاك مالا فلير عليك " . وقال : " هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها ، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها ، فتقول : هذه بحر وتشقها ، أو تشق جلودها وتقول : هذه صرم ، وتحرمها عليك وعلى أهلك ؟ " قال : نعم . قال : " فإن ما آتاك الله لك حل ، وساعد الله أشد من ساعدك ، وموسى الله أحد من موساك " وذكر تمام الحديث .
ثم رواه عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ، عن عمه أبي الأحوص وعن بهز بن أسد ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي الأحوص ، به وهذا حديث جيد قوي الإسناد .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل) يا محمد لهؤلاء المشركين: (أرأيتم) أيها الناس ، (ما أنـزل الله لكم من رزق)، يقول: ما خلق الله لكم من الرزق فخَوَّلكموه، وذلك ما تتغذون به من الأطعمة ، (فجعلتم منه حرامًا وحلالا) ، يقول: فحللتم بعضَ ذلك لأنفسكم، وحرمتم بعضه عليها، وذلك كتحريمهم ما كانوا يحرِّمونه من حُروثهم التي كانوا يجعلونها لأوثانهم، كما وصفهم الله به فقال: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا [سورة الأنعام: 136].
ومن الأنعام ما كانوا يحرّمونه بالتبحير والتسيبب ونحو ذلك، مما قدّمناه فيما مضى من كتابنا هذا. (12)
يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد (آلله أذن لكم) بأن تحرِّموا ما حرَّمتم منه (أم على الله تفترون) ، : أي تقولون الباطل وتكذبون؟ (13)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
17689- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: (قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالا) وهو هذا. فأنـزل الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ الآية [سورة الأعراف: 32].
17690- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبى قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم) إلى قوله: (أم على الله تفترون)، قال: هم أهل الشرك.
17691- حدثني القاسم، قال، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: (فجعلتم منه حرامًا وحلالا) ، قال: الحرث والأنعام ، قال ابن جريج قال ، مجاهد: البحائر والسُّيَّب .
17692- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فجعلتم منه حرامًا وحلالا) قال: في البحيرة والسائبة.
17693- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالا)، الآية، يقول: كل رزق لم أحرِّم حرَّمتموه على أنفسكم من نسائكم وأموالكم وأولادكم ، آلله أذن لكم فيما حرمتم من ذلك ، أم على الله تفترون؟
17694- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالا)، فقرأ حتى بلغ: (أم على الله تفترون)، وقرأ : وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [سورة الأنعام: 139]، وقرأ: وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ حتى بلغ: لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا [سورة الأنعام: 138] فقال: هذا قوله: جعل لهم رزقًا، فجعلوا منه حرامًا وحلالا وحرموا بعضه وأحلوا بعضه. وقرأ: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ ، أيّ هذين حرم على هؤلاء الذين يقولون وأحل لهؤلاء، نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا ، إلى آخر الآيات، [سورة الأنعام: 144].
17695- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالا) ، هو الذي قال الله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا إلى قوله: سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ، [سورة الأنعام: 136].
-------------------------
الهوامش :
(12) انظر ما سلف 11 : 116 - 134 .
(13) انظر تفسير " الافتراء " فيما سلف من فهارس اللغة ( فرى ) .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أن يفعل الله بهم من النكال، ويحل بهم من العقاب، قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} .
{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} كثير، وذو إحسان جزيل، وَلَكِنَّ أكثر الناس لا يشكرون، إما أن لا يقوموا بشكرها، وإما أن يستعينوا بها على معاصيه، وإما أن يحرموا منها، ويردوا ما منَّ الله به على عباده، وقليل منهم الشاكر الذي يعترف بالنعمة، ويثني بها على الله، ويستعين بها على طاعته.
ويستدل بهذه الآية على أن الأصل في جميع الأطعمة الحل، إلا ما ورد الشرع بتحريمه، لأن الله أنكر على من حرم الرزق الذي أنزله لعباده.
ثم توعدهم- سبحانه- بسوء المصير على جرأتهم وكذبهم فقال وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ....
أى: هؤلاء الذين أحلوا وحرموا افتراء على الله ماذا يظنون أن الله سيفعل بهم يوم القيامة؟ أيظنون أن الله سيتركهم بدون عقاب؟ كلا إن عقابهم لشديد بسبب افترائهم عليه الكذب.
وأبهم- سبحانه- هذا العقاب للتهويل والتعظيم، حيث أباحوا لأنفسهم ما لم يأذن به الله- تعالى-:
وقال- سبحانه- وَما ظَنُّ ... بصيغة الماضي لتحقيق الوقوع، وأكثر أحوال القيامة يعبر عنها بهذه الصيغة لهذا الغرض.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ تذييل قصد به حض الناس على شكر خالقهم، واتباع شريعته فيما أحل وحرم.
أى: إن الله لذو فضل عظيم على عباده، حيث خلقهم ورزقهم، وشرع لهم ما فيه مصلحتهم ومنفعتهم، ولكن أكثرهم لا يشكرونه على هذه النعم، لأنهم يستعملونها في غير ما خلقت له.
وقد أنكر [ الله ] تعالى على من حرم ما أحل الله ، أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء ، التي لا مستند لها ولا دليل عليها . ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة ، فقال : ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) أي : ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة .
وقوله : ( إن الله لذو فضل على الناس ) قال ابن جرير : في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا .
قلت : ويحتمل أن يكون المراد : لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا ، ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم .
( ولكن أكثرهم لا يشكرون ) بل يحرمون ما أنعم الله [ به ] عليهم ، ويضيقون على أنفسهم ، فيجعلون بعضا حلالا وبعضا حراما . وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم ، وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم . وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا رباح ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا موسى بن الصباح في قول الله عز وجل : ( إن الله لذو فضل على الناس ) قال : إذا كان يوم القيامة ، يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل ، فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف قال : فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول : عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول : يا رب : خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها ، وحورها ونعيمها ، وما أعددت لأهل طاعتك فيها ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليها . قال : فيقول الله تعالى : عبدي ، إنما عملت للجنة ، هذه الجنة فادخلها ، ومن فضلي عليك أن أعتقتك من النار ، [ ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي ] قال : فيدخل هو ومن معه الجنة .
قال : ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني ، قال : فيقول : عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول : يا رب ، خلقت نارا وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها ، وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها . فيقول : عبدي ، إنما عملت ذلك خوفا من ناري ، فإني قد أعتقتك من النار ، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي . فيدخل هو ومن معه الجنة .
ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث ، فيقول : عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول : رب حبا لك ، وشوقا إليك ، وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليك وحبا لك ، فيقول تبارك وتعالى : عبدي ، إنما عملت حبا لي وشوقا إلي ، فيتجلى له الرب جل جلاله ، ويقول : ها أنا ذا ، انظر إلي ثم يقول : من فضلي عليك أن أعتقك من النار ، وأبيحك جنتي ، وأزيرك ملائكتي ، وأسلم عليك بنفسي . فيدخل هو ومن معه الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما ظن هؤلاء الذين يتخرَّصون على الله الكذبَ فيضيفون إليه تحريم ما لم يحرّمه عليهم من الأرزاق والأقوات التي جعلها الله لهم غذاءً، أنَّ الله فاعلٌ بهم يوم القيامة بكذبهم وفريتهم عليه؟ أيحسبون أنه يصفح عنهم ويغفر؟ كلا بل يصليهم سعيرًا خالدين فيها أبدًا ، (إن الله لذو فضل على الناس) ، يقول: إن الله لذو تفضُّل على خلقه بتركه معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا ، وإمهاله إياه إلى وروده عليه في القيامة ، (ولكن أكثرهم لا يشكرون) ، يقول: ولكن أكثر الناس لا يشكرونه على تفضُّله عليهم بذلك ، وبغيره من سائر نعمه.
* * *
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 50 | ﴿ٱنظُرۡ كَيۡفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِۦٓ إِثۡمٗا مُّبِينًا﴾ |
---|
المائدة: 103 | ﴿وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ |
---|
يونس: 60 | ﴿وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ |
---|
يونس: 69 | ﴿قُلۡ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ﴾ |
---|
النحل: 116 | ﴿لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى، عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم، وسكناتهم، وفي ضمن هذا، الدعوة لمراقبته على الدوام فقال: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} أي: حال من أحوالك الدينية والدنيوية. {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} أي: وما تتلو من القرآن الذي أوحاه الله إليك.
{وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} صغير أو كبير {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: وقت شروعكم فيه، واستمراركم على العمل به.
فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة، والاجتهاد فيها، وإياكم، وما يكره الله تعالى، فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم.
{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} أي: ما يغيب عن علمه، وسمعه، وبصره ومشاهدته {مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} أي: قد أحاط به علمه، وجرى به قلمه.
وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر، كثيرًا ما يقرن الله بينهما، وهما: العلم المحيط بجميع الأشياء، وكتابته المحيطة بجميع الحوادث، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}
وبعد أن ذكر- سبحانه- عباده بفضله، وما يجب عليهم من شكره، عطف على ذلك تذكيره إياهم بإحاطة علمه بكل صغير وكبير في هذا الكون فقال: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ. وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ، وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً....
أى: وما تكون- أيها الرسول الكريم- في شأن من الشئون أو في حال من الأحوال.
وما تتلو من أجل ذلك الشأن من قرآن يهدى الى الرشد.
ولا تعملون- أيها الناس- عملا ما صغيرا أو كبيرا، إلا كنا عليكم مطلعين.
ومن في قوله مِنْهُ للتعليل، والضمير يعود إلى الشأن، إذ التلاوة أعظم شئونه صلى الله عليه وسلم ولذا خصت بالذكر. ويجوز أن يعود للقرآن الكريم، ويكون الإضمار قبل الذكر لتفخيم شأنه، وتعظيم أمره.
ومن في قوله مِنْ قُرْآنٍ مزيدة لتأكيد النفي.
وقال الآلوسى: «والخطاب الأول خاص برأس النوع الإنسانى، وسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم هذا. وقوله وَلا تَعْمَلُونَ ... عام يشمل سائر العباد برهم وفاجرهم وقد روعي في كل من المقامين ما يليق به، فعبر في مقام الخصوص في الأول بالشأن، لأن عمل العظيم عظيم، وفي الثاني بالعمل العام للجليل والحقير. وقيل: الخطاب الأول عام للأمة أيضا كما في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ.
وقوله: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة. أى: وما تلابسون بشيء منها في حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه، حافظين له» .
وقوله: إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ أى: تخوضون وتندفعون في ذلك العمل، لأن الإفاضة في الشيء معناها الاندفاع فيه بكثرة وقوة.
وقوله: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ بيان لشمول علمه- سبحانه- لكل شيء.
ويعزب: أى يبعد ويغيب، وأصله من قولهم: عزب الرجل يعزب بإبله إذا أبعد بها وغاب في طلب الكلأ والعشب. والكلام على حذف مضاف.
أى: وما يغيب ويخفى عن علم ربك مثقال ذرة في الوجود علويه وسفليه ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا وهو معلوم ومسجل عنده في كتاب عظيم الشأن، تام البيان.
وقوله: مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ تمثيل لقلة الشيء ودقته، ومن فيه لتأكيد النفي وقدمت الأرض على السماء هنا، لأن الكلام في حال أهلها، والمقصود إقامة البرهان على إحاطة علمه- سبحانه- بتفاصيلها. فكأنه- سبحانه- يقول: إن من يكون هذا شأنه لا يخفى عليه شيء من أحوال أهل الأرض مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقوله: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ جملة مستقلة ليست معطوفة على ما قبلها.
ولا نافية للجنس وأَصْغَرَ اسمها منصوب لشبهه بالمضاف، وأَكْبَرَ معطوف عليه. وفِي كِتابٍ مُبِينٍ متعلق بمحذوف خبرها.
وقدم ذكر الأصغر على الأكبر، لأنه هو الأهم في سياق العلم بما خفى من الأمور.
وقرأ حمزة ويعقوب وخلف وَلا أَصْغَرَ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى:
ولا ما هو أصغر من ذلك.
والمراد بالكتاب المبين: علم الله الذي وسع كل شيء، أو اللوح المحفوظ الذي حفظ الله فيه كل شيء.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد أقامت الأدلة على شمول قدرة الله- تعالى- لكل شيء، وعلى دعوة الناس إلى الانتفاع بما جاء به القرآن من خيرات وبركات، وعلى وجوب التزامهم بما شرعه- سبحانه- وعلى إحاطة علمه بما ظهر وبطن من الأمور.
وبعد أن وجه- سبحانه- نداء إلى الناس دعاهم فيه إلى الانتفاع بما جاء في القرآن من خيرات، وتوعد الذين شرعوا شرائع لم يأذن بها الله، وأقام الأدلة على نفاذ قدرته، وشمول علمه.
بعد كل ذلك، بشر أولياءه بحسن العاقبة، وأنذر أعداءه بسوء المصير، ورد على الذين قالوا اتخذ الله ولدا بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم فقال- تعالى-:
يخبر تعالى نبيه ، صلوات الله عليه وسلامه أنه يعلم جميع أحواله وأحوال أمته ، وجميع الخلائق في كل ساعة وآن ولحظة ، وأنه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السماوات ولا في الأرض ، ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين ، كقوله : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) [ الأنعام : 59 ] ، فأخبر تعالى أنه يعلم حركة الأشجار وغيرها من الجمادات وكذلك الدواب السارحة في قوله : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) [ الأنعام : 38 ] ، وقال تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] .
وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الأشياء ، فكيف بعلمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة ، كما قال تعالى : ( وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) [ الشعراء : 217 - 219 ] ؛ ؛ ولهذا قال تعالى : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ) أي : إذ تأخذون في ذلك الشيء نحن مشاهدون لكم راءون سامعون ، ولهذا قال ، عليه السلام لما سأله جبريل عن الإحسان [ قال ] أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وما تكون)، يا محمد ، (في شأن) ، يعني: في عمل من الأعمال ، (وما تتلوا منه من قرآن)، يقول: وما تقرأ من كتاب الله من قرآن (14)
(ولا تعملون من عمل)، يقول: ولا تعملون من عمل أيها الناس ، من خير أو شر ، (إلا كنَّا عليكم شهودًا) ، يقول: إلا ونحن شهود لأعمالكم وشئونكم ، إذ تعملونها وتأخذون فيها. (15)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك رُوي القول عن ابن عباس وجماعة.
ذكر من قال ذلك:
17696- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إذ تفيضون فيه) ، يقول: إذ تفعلون.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إذ تشيعون في القرآن الكذبَ.
*ذكر من قال ذلك:
17697- حدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك: (إذ تفيضون فيه) ، يقول: تشيعون في القرآن من الكذب. (16)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إذ تفيضون في الحق.
*ذكر من قال ذلك:
17698- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إذ تفيضون فيه)، في الحق ما كان.
17699- . . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17700- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه فيه، لأنه تعالى ذكره أخبر أنه لا يعمل عباده عملا إلا كان شاهدَه، ثم وصل ذلك بقوله: (إذ يفيضون فيه) ، فكان معلومًا أن قوله: (إذ تفيضون فيه) إنما هو خبرٌ منه عن وقت عمل العاملين أنه له شاهد ، لا عن وَقْت تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، لأن ذلك لو كان خبرًا عن شهوده تعالى ذكره وقتَ إفاضة القوم في القرآن، لكانت القراءة بالياء: " إذ يفيضون فيه " خبرًا منه عن المكذبين فيه.
فإن قال قائل: ليس ذلك خبرًا عن المكذبين، ولكنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، (17) أنه شاهده إذْ تلا القرآن.
، فإن ذلك لو كان كذلك لكان التنـزيل : (إذ تفيضون فيه) ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم واحدٌ لا جمع، كما قال: (وما تتلوا منه من قرآن)، فأفرده بالخطاب ، ولكن ذلك في ابتدائه خطابَه صلى الله عليه وسلم بالإفراد ، ثم عَوْده إلى إخراج الخطاب على الجمع نظير قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ، [سورة الطلاق: 1] ، وذلك أن في قوله: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ، دليلا واضحًا على صرفه الخطابَ إلى جماعة المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم مع جماعة الناس غيره، لأنه ابتدأ خطابه ، ثم صرف الخطابَ إلى جماعة الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم فيهم.
، وخبرٌ عن أنه لا يعمل أحدٌ من عباده عملا إلا وهو له شاهد ، (18) يحصى عليه ويعلمه كما قال: (وما يعزب عن ربك) ، يا محمد ، عمل خلقه، ولا يذهب عليه علم شيء حيث كان من أرض أو سماء.
* * *
وأصله من " عزوب الرجل عن أهله في ماشيته "، وذلك غيبته عنهم فيها، يقال منه: " عزَبَ الرَّجل عن أهله يَعْزُبُ ويَعْزِبُ".
* * *
، لغتان فصيحتان، قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء. وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لاتفاق معنييهما واستفاضتهما في منطق العرب، غير أني أميل إلى الضم فيه ، لأنه أغلب على المشهورين من القراء.
* * *
وقوله: (من مثقال ذرة)، يعني: من زنة نملة صغيرة.
* * *
يحكى عن العرب: " خذ هذا فإنه أخف مثقالا من ذاك، أي: أخفُّ وزنًا. (19)
* * *
و " الذرّة " واحدة : " الذرّ"، و " الذرّ"، صغار النمل. (20)
* * *
قال أبو جعفر: وذلك خبَرٌ عن أنه لا يخفى عليه جل جلاله أصغر الأشياء، وإن خف في الوزن كلّ الخفة، ومقاديرُ ذلك ومبلغه، ولا أكبرها وإن عظم وثقل وزنه، وكم مبلغ ذلك . يقول تعالى ذكره لخلقه: فليكن عملكم أيها الناس فيما يرضي ربَّكم عنكم، فإنّا شهود لأعمالكم، لا يخفى علينا شيء منها، ونحن محصُوها ومجازوكم بها.
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: ( ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ) .
فقرأ ذلك عامة القراء بفتح الراء من (أَصْغَرَ) و (أَكْبَرَ) على أن معناها الخفض، عطفًا بالأصغر على الذرة ، وبالأكبر على الأصغر، ثم فتحت راؤهما ، لأنهما لا يُجْرَيان.
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين: [وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ] رفعًا، عطفًا بذلك على معنى المثقال، لأن معناه الرفع. وذلك أن (مِنْ) لو ألقيت من الكلام ، لرفع المثقال، وكان الكلام حينئذٍ: " وما يعزُب عن ربك مثقالُ ذرة ولا أصغرُ من مثقال ذرة ولا أكبرُ" ، وذلك نحو قوله: مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ، و غَيْرُ اللَّهِ ، [سورة فاطر: 3]. (21)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب، قراءةُ من قرأ بالفتح ، على وجه الخفض والردّ على الذرة، لأن ذلك قراءة قراء الأمصار ، وعليه عَوَامٌّ القراء، وهو أصحُّ في العربية مخرجًا ، وإن كان للأخرى وجهٌ معروفٌ.
* * *
وقوله: (إلا في كتاب) ، يقول: وما ذاك كله إلا في كتاب عند الله ، (مبين) ، عن حقيقة خبر الله لمن نظر فيه. (22) أنه لا شيء كان أو يكون إلا وقد أحصاه الله جل ثناؤه فيه، وأنه لا يعزُب عن الله علم شيء من خلقه حيث كان من سمائه وأرضه.
* * *
17701- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وما يعزب) ، يقول: لا يغيب عنه.
17702- حدثني محمد بن عمارة قال ، حدثنا عبد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وما يعزب عن ربك)، قال: ما يغيب عنه.
------------------------
الهوامش:
(14) انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف من فهارس اللغة ( تلا . ) .
(15) انظر تفسير " الإفاضة " فيما سلف 4 : 170 .
(16) في المطبوعة : " فتشيعون " بالفاء ، لم يحسن قراءة المخطوطة .
(17) في المطبوعة : " ولكن خطاب " ، بحذف الهاء ، وأثبتها من المخطوطة .
(18) قوله : " وخبر عن أنه لا يعمل أحد " معطوف على قوله في أول هذه الفقرة : " إنما هو خبر عن وقت عمل العاملين . . . " .
(19) انظر تفسير " المثقال " فيما سلف 8 : 360 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 278 ، وهو نص كلامه .
(20) انظر تفسير " الذرة " فيما سلف 8 : 360 ، 361 .
(21) لم يذكر أبو جعفر قراءة الرفع في هذه الآية ، في موضعها من تفسير " سورة فاطر " ، فيما سيأتي 22 : 77 ( بولاق ) ، وسأشير إلى ذلك في موضعه هناك . وهذا دليل آخر على اختصار أبي جعفر ، تفسيره في مواضع ، كما أشرت إليه في كثير من تعليقاتي .
(22) انظر تفسير " مبين " فيما سلف من فهارس اللغة ( بين )
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 61 | ﴿وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ |
---|
سبإ: 3 | ﴿قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يعزب:
وقرئ:
بكسر الزاى، وهى قراءة ابن وثاب، والأعمش، وابن مصرف، والكسائي.
ولا أصغر ... ولا أكبر:
1- بفتح الراء فيهما، وهى قراءة الجمهور.
وقرئا:
2- بالرفع فيهما، وهى قراءة حمزة.