70154155156157

الإحصائيات

سورة آل عمران
ترتيب المصحف3ترتيب النزول89
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات27.00
عدد الآيات200عدد الأجزاء1.30
عدد الأحزاب2.60عدد الأرباع10.60
ترتيب الطول3تبدأ في الجزء3
تنتهي في الجزء4عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 2/29آلم: 2/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (154) الى الآية رقم (154) عدد الآيات (1)

7- عنايةُ اللهِ بأوليائِه وحفظُه لهم، فألقى في قلوبِهم اطمئنانًا وغَشِيَ النَّومُ طائفةً منهم. 8- الأعمارُ بيدِ اللهِ. 9- الهزيمةُ في أُحدٍ امتحانُ لِما في الصدورِ من الإخلاصِ والثباتِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (155) الى الآية رقم (157) عدد الآيات (3)

10- الفرارُ سببُه الذنوبُ وطاعةُ الشيطانِ، ثُمَّ لمَّا حَذَّرَ في الآيةِ السابقةِ من وسوسةِ الشياطينِ التي أدَّتْ إلى هزيمةِ أُحدٍ حَذَّرَ هنا من أقوالِ المنافقينَ، ثُمَّ رَغَّبَ في الجهادِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة آل عمران

إثبات الوحدانية لله تعالى/ الثبات أمام أهل الباطل في ميدان الحجة والبرهان وفي ميدان المعركة والقتال

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هم آل عمران؟:   آل عمران أسرة كريمة اصطفاها الله لما أخلصت له العبادة وتوجهت إليه بالطاعة. هذه الأسرة تتكون من: عمران، وزوجته (امرأة عمران: حَنَّةُ بنت فاقوذا التي نذرت ما في بطنها لله)، وابنتهما: مريم، وابنها: عيسى عليهم السلام. وهذا الاسم (آل عمران) فيه إشارة عظيمة في الرد على النصارى الذين ألّهوا عيسى عليه السلام ، فهو يشير إلى أصل عيسى البشري، فهو من (آل عمران). هذا الاسم (آل عمران) نداء للنصارى للاقتداء بهم في الطاعة، والتشبه بهم في اتباع الدين الحق.
  • • علاقة سورة آل عمران بسورة البقرة، ثم علاقتهما بالفاتحة::   تحدَّثت سورة البقرة عن النصف الأول من حياة أُمَّة بني إسرائيل، وهم اليهود قوم موسى عليه السلام ومَن جاء بعده من الأنبياء، ثم تتحدَّث سورة آل عمران عن النصف الثاني من هذه الأُمَّة، ألا وهم النصارى قوم عيسى عليه السلام ، فتحدَّثت البقرة عن اليهود (المغضوب عليهم)، وتحدَّثت آل عمران عن النصارى (الضالين)، وهما ما حذرت الفاتحة من طريقهما.
  • • جو السورة::   أجمع علماء التفسير والسيرة على أن صدر هذه السورة نزل بسبب قدوم وفد نصارى نجران على النبي ﷺ في المدينة، 60 راكبًا، فيهم 14 رجلًا من أشرافهم، وكانوا قد وفدوا إثر صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات ، وجُبب وأردية، فقال بعض الصحابة: ما رأينا وفدًا مثلهم جمالًا وجلالة. وأقاموا أيامًا يناظرون رسول اللّه ﷺ في شأن عيسى، ورسول اللّه ﷺ يرد عليهم بالبراهين الساطعة، ودعاهم رسول اللّه ﷺ إلى المباهلة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «آل عمران»، وتسمى مع سورة البقرة بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم ::   آل عمران: أي أهل عمران، وعمران: هو والد مريم (أم عيسى عليه السلام)، وليس المراد هنا عمران والد موسى وهارون عليهما السلام، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية ::   تسمى آل عمران لورود قصة هذه الأسرة المباركة فيها، وتسمى مع سورة البقرة بـ (الزَّهراوَين) لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «طيبة»، و«الكنز»، و«الاستغفار»، و«المجادلة».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الطريق إلى الله مأهولة بالسالكين من النبيين والصالحين الذين آثروا الله على كل شيء، وضحوا في سبيله بكل غال ونفيس، وثبتوا على طريق الله، وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان.
  • • علمتني السورة ::   كيف أرد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى بن مريم عليه السلام : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن نهاية القصة هي في يوم: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ، وليس في أيام عابرة مهما كانت مؤلمة.
  • • علمتني السورة ::   أن الله لن يسألنا لماذا لم ننتصر؟ لكنه سيسألنا لماذا لم نجاهد؟ لأن النصر من عنده يؤيد به من يشاء: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ، الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا».ففي حرَّ يوم القيامة الشديد، عندما تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، تأتي سورة البقرة لتظلل على صاحبها.تأمل كيف أنّ سورتي البقرة وآل عمران تحاجان -أي تدافعان- عن صاحبهما.
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة آل عمران من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي فيها قصة أم مريم، فقصتها ليست مذكورة حتى في سورة مريم.
    • تحتوى على آية المباهلة (آية 61).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقتدي بآل عمران في عبادتهم لله.
    • ألا ننسى الدروس التي تعلمناها من غزوةِ أُحدٍ.
    • أن نراقب الله دومًا: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ (5).
    • أن نكثر من سؤال الله الثبات على الهداية والحق: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ (8).
    • ألا نقول: (الديانات السماوية)، بل نقول: (الشرائع السماوية)؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ (19).
    • ألا نتكبر بما لدينا من الملك والغنى؛ فالله يبدل من حال إلى حال: ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ...﴾ (26، 27).
    • أن نبتعد عن موالاة الكفار: ﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ...﴾ (28).
    • أن نحرص على عمل الخير مهما قل؛ من إطعام جائع، أو مساعدة محتاج، أو أي خير؛ فسوف تجده حاضرًا أمام عينيك: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا﴾ (30).
    • أن نبتعد عن السيئات وأماكنها قبل أن نتمنى ذلك ولا نستطيعه: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ (30).
    • أن نجتهد في اتباع السنة: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (31).
    • أن نبيع أغلى ما نملك وكل ما نملك ونشتري قربه وحبه عز وجل، فلقد وهبت امرأة عمران ما في بطنها لربها، فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبت مريم نباتًا حسنًا، وجعلها وابنها آية للعالمين: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ (35).
    • أن نفرح عند رؤية النعم على غيرنا ونتفاءل بها: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ (38). • أن نختار الأسماء ذات المعاني الحسنة لنسم بها أبناءنا وبناتنا؛ وندع الأسماء المستغربة: ﴿أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ﴾ (39).
    • أن نكثر من ذكر الله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾ (41).
    • أن نبحث عن الرفيق الصادق عندما تشتد علينا الأمور: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ﴾ (52).
    • ألا تحملنا الخصومة على سلب حق نعرفه في خصومنا: ﴿هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ﴾ (66).
    • ألا نجعل أيماننا وحلفنا بالله سببًا لبيعنا وربحنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ...﴾ (77).
    • أن ننفق من أفضل ما نملك: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (92).
    • أن نحرص دومًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...﴾ (110).
    • ألا نطلب النصيحة ولا نستشير إلا المؤمنين الصادقين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾ (118).
    • أن نحذر الربا، ونحذِّر من حولنا من هذا الذنب العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾ (130).
    • أن نسارع بـ: الإنفاق في الشدة والرخاء، كظم الغيظ، العفو عند المقدرة، التوبة والاستغفار، التوبة وعدم الإصرار على الذنب ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ ...﴾ (133-136).
    • أن نحقق هذه الآية في حياتنا: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (134). • ألا نشمت بغيرنا: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (140).
    • ألا نأمن على أنفسنا الفتنة والوقوع في المعصية؛ فقد قال تعالى عن الصحابة: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ (152).
    • أن نتشاور مع غيرنا ممن نثق في رأيهم، فقد أمر الله نبيه ﷺ بالشورى مع أن الوحي ينزل ويحسم الأمر: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (159).
    • أن نستجيب لأوامر الله ورسولهr : ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (172).
    • ألا نخاف إلا الله، فليس في الوجود من يستحق الخشية سواه: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ﴾ (175).
    • أن نكثر من الذكر والتفكر: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (190-191).
    • أن نجاهد أنفسنا على: الصبر على فعل الطاعات، والصبر على ما نبتلى به، والمداومة على العبادة، وتقوى الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (200).

تمرين حفظ الصفحة : 70

70

مدارسة الآية : [154] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ ..

التفسير :

[154] ثم كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم -من بعد ما نزل بها مِن همٍّ وغمٍّ- اطمئناناً وثقة في وعد الله، وكان من أثره نعاس غَشِيَ طائفة منهم، وهم أهل الإخلاص واليقين، وطائفة أُخرى أهمَّهم خلاص أنفسهم خاصة، وضَعُفت عزيمتهم وشُغِلوا بأن

ويحتمل أن معنى قوله:{ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم} يعني:أنه قدَّر ذلك الغم والمصيبة عليكم، لكي تتوطن نفوسكم، وتمرنوا على الصبر على المصيبات، ويخف عليكم تحمل المشقات:{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم} الذي أصابكم{ أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم} ولا شك أن هذا رحمة بهم، وإحسان وتثبيت لقلوبهم، وزيادة طمأنينة؛ لأن الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس. وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم هم إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين. وأما الطائفة الأخرى الذين{ قد أهمتهم أنفسهم} فليس لهم هم في غيرها، لنفاقهم أو ضعف إيمانهم، فلهذا لم يصبهم من النعاس ما أصاب غيرهم،{ يقولون هل لنا من الأمر من شيء} وهذا استفهام إنكاري، أي:ما لنا من الأمر -أي:النصر والظهور- شيء، فأساءوا الظن بربهم وبدينه ونبيه، وظنوا أن الله لا يتم أمر رسوله، وأن هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله، قال الله في جوابهم:{ قل إن الأمر كله لله} الأمر يشمل الأمر القدري، والأمر الشرعي، فجميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وعاقبة النصر والظفر لأوليائه وأهل طاعته، وإن جرى عليهم ما جرى.{ يخفون} يعني المنافقين{ في أنفسهم ما لا يبدون لك} ثم بين الأمر الذي يخفونه، فقال:{ يقولون لو كان لنا من الأمر شيء} أي:لو كان لنا في هذه الواقعة رأي ومشورة{ ما قتلنا هاهنا} وهذا إنكار منهم وتكذيب بقدر الله، وتسفيه منهم لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأي أصحابه، وتزكية منهم لأنفسهم، فرد الله عليهم بقوله:{ قل لو كنتم في بيوتكم} التي هي أبعد شيء عن مظان القتل{ لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} فالأسباب -وإن عظمت- إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئا، بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة،{ وليبتلي الله ما في صدوركم} أي:يختبر ما فيها من نفاق وإيمان وضعف إيمان،{ وليمحص ما في قلوبكم} من وساوس الشيطان، وما تأثر عنها من الصفات غير الحميدة.{ والله عليم بذات الصدور} أي:بما فيها وما أكنته، فاقتضى علمه وحكمته أن قدر من الأسباب، ما به تظهر مخبآت الصدور وسرائر الأمور.

ثم ذكرهم- سبحانه- ببعض مظاهر لطفه بهم ورحمته لهم حيث أنزل على طائفة منهم النعاس الذي أدخل الطمأنينة على قلوبهم وأزال الخوف والفزع من نفوسهم فقال- تعالى- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ والجملة الكريمة معطوفة على قوله فَأَثابَكُمْ.

والأمنة- بفتحتين- مصدر كالأمن. يقال: أمن أمنا وأمانا وأمنة.

والنعاس: الفتور في أوائل النوم ومن شأنه أن يزيل عن الإنسان بعض متاعبه ولا يغيب صاحبه فلذلك كان أمنة لهم: لأنه لو كان نوما ثقيلا لهاجمهم المشركون.

أى: ثم أنزل عليكم- أيها المؤمنون- بعد أن أصابكم من الهم والغم ما أصابكم، أمنا كان مظهره نعاسا اطمأنت معه نفوسكم واستراحت معه أبدانكم من غير فزع ولا قلق، وكان هذا الأمان والاطمئنان لطائفة معينة منكم أخلصت جهادها الله، وخافت مقام ربها ونهت نفسها عن الهوى.

قال ابن كثير: يقول- تعالى- ممتنا على المؤمنين فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذي غشيهم وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم والنعاس في مثل تلك الحال.

دليل على الأمان، كما قال في سورة الأنفال: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ فعن ابن مسعود قال: النعاس في القتال من الله وفي الصلاة من الشيطان» .

وروى البخاري عن أبى طلحة قال: كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط وآخذه» .

وقوله نُعاساً بدل من أَمَنَةً أو عطف بيان.

قال الفخر الرازي: واعلم أن ذلك النعاس فيه فوائد:

أحدها: أنه وقع على كافة المؤمنين لا على الحد المعتاد، فكان ذلك معجزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولا شك أن المؤمنين متى شاهدوا تلك المعجزة الجديدة ازدادوا إيمانا مع إيمانهم، ومتى صاروا كذلك ازداد جدهم في محاربة العدو. ووثوقهم بأن الله منجز وعده.

وثانيهما: أن الأرق والسهر يوجبان الضعف والكلال والنوم يفيد عود القوة والنشاط واشتداد القوة والقدرة.

وثالثها: أن الكفار لما اشتغلوا بقتل المسلمين ألقى الله النوم على عين من بقي منهم لئلا يشاهدوا قتل أعزتهم فيشتد خوفهم.

ورابعها: أن الأعداء كانوا في غاية الحرص على قتلهم فبقاؤهم في النوم مع السلامة في مثل تلك المعركة من أول الدلائل على أن حفظ الله وعصمته معهم وذلك مما يزيل الخوف عن قلوبهم ويورثهم مزيد الوثوق بوعد الله» .

هذا جانب مما امتن الله به على المؤمنين من فضل ورعابة، حيث أنزل عليهم النعاس في أعقاب ما أصابهم من هموم ليكون راحة لأبدانهم، وأمانا لنفوسهم.

أما غير المؤمنين الصادقين فلم ينزل عليهم هذا النعاس بل بقوا في قلقهم وحسرتهم وقد عبر الله- تعالى- عنهم بقوله: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ.

وقوله أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ حملتهم على الهم، والهم ما يهتم له الإنسان أو ما يحزنه يقال:

أهمنى الأمر أى أقلقنى وأزعجنى، كما يقال: أهمنى الشيء، أى جعلني مهتما به اهتماما شديدا.

والمعنى: أن الله- تعالى- أنزل النعاس أمانا واطمئنانا للمؤمنين الصادقين بعد أن أصابتهم الغموم، وهناك طائفة أخرى من الذين اشتركوا في غزوة أحد لم تكن صادقة في إيمانها لأنها كانت لا يهمها شأن الإسلام انتصر أو انهزم ولا شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. وإنما الذي كان يهمها هو شيء واحد وهو أمر نفسها وما يتعلق بذلك من الحصول على الغنائم ومتع الدنيا.

أو المعنى: أن هذه الطائفة قد أوقعت نفسها في الهم والحزن بسبب عدم اطمئنانها وعدم صبرها، وجزعها المستمر.

وإلى هذين المعنيين أشار صاحب الكشاف بقوله: قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أى: ما يهم إلا هم أنفسهم، لا هم الدين ولا هم الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين. وقد أوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الهموم والأشجان فهم في التشاكى والتباكي» .

والجملة الكريمة مستأنفة مسوقة لبيان حال ضعاف الإيمان بعد أن بين- سبحانه- ما امتن به على أقوياء الإيمان.

وقوله: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ وصف آخر لسوء أخلاق هذه الطائفة التي ضعف إيمانها، وصارت لا يهمها إلا ما يتعلق بمنافعها الخاصة.

أى أن هذه الطائفة لم تكتف بما استولى عليها من طمع وجشع وحب لنفسها بل تجاوزت ذلك إلى سوء الظن بالله بأن توهمت بأن الله- تعالى- لن ينصر رسوله صلّى الله عليه وسلّم وأن الإسلام ليس دينا حقا وأن المسلمين لن ينتصروا على المشركين بعد معركة أحد.. إلى غير ذلك من الظنون الباطلة التي تتولد عند المرء الذي ضعف إيمانه وصار لا يهمه إلا أمر نفسه.

وقوله يَظُنُّونَ بِاللَّهِ حال من الضمير المنصوب في أَهَمَّتْهُمْ أو استئناف على وجه البيان لما قبله.

وقوله غَيْرَ الْحَقِّ مفعول مطلق وصف لمصدر محذوف أى يظنون بالله ظنا غير الحق الذي يجب أن يتحلى به المؤمنون إذ من شأن المؤمنين الصادقين أن يستسلموا لقدر الله بعد أن يباشروا الأسباب التي شرعها لهم: وأن يصبروا على ما أصابهم وأن يوقنوا بأن ما أصابهم هو بتقدير الله وبحكمته وبإرادته وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ.

وقوله ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بدل أو عطف بيان مما قبله.

أى يظنون بالله شيئا هو من شأن أهل الجاهلية الذين يتوهمون أن الله لا ينصر رسله ولا يؤيد أولياءه ولا يهزم أعداءه.

ثم بين- سبحانه- ما صدر عنهم من كلام باطل بسبب ظنونهم السيئة فقال- تعالى-

يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ. والاستفهام للإنكار بمعنى النفي، وهم يريدون بهذا القول تبرئة نفوسهم من أن يكونوا سببا فيما أصاب المسلمين من آلام يوم أحد، وأن الذين تسببوا في ذلك هم غيرهم.

أى: يقول بعضهم لبعض ليس لنا من الأمر شيء أى شيء فلسنا مسئولين عن الهزيمة التي حدثت للمسلمين في أحد لأننا لم يكن لنا رأى يطاع ولأن الله- تعالى- لو أراد نصر محمد صلّى الله عليه وسلّم لنصره.

وهذا القول قاله عبد الله بن أبى بن سلول حين أخبروه بمن استشهد من قبيلة الخزرج في غزوة أحد.

وذلك أن عبد الله بن أبى لما استشاره النبي صلّى الله عليه وسلّم في شأن الخروج لقتال المشركين في أحد أشار عليه بأن لا يخرج من المدينة، إلا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم خرج لقتال المشركين بناء على إلحاح بعض الصحابة.

فلما أخبر ابن أبى بمن قتل من الخزرج قال: هل لنا من الأمر شيء؟ يعنى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقبل قوله حين أشار عليه بعدم الخروج من المدينة.

وقد أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرد على هؤلاء الظانين بالله ظن السوء بقوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ.

أى قل لهم إن تقدير الأمور كلها الله- تعالى- وحده وإن العاقبة ستكون للمتقين، إلا أنه- سبحانه- قد جعل لكل شيء سببا، فمن أخلص الله في جهاده وباشر الأسباب التي شرعها للنصر نصره الله- تعالى- ومن تطلع إلى الدنيا وزينتها وخالف أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أدبه الله- تعالى- بحجب نصره عنه حتى يفيء إلى رشده ويتوب توبة صادقة إلى ربه، ويتخذ الوسائل التي شرعها الله- تعالى- للوصول إلى الفوز والظفر.

فالجملة الكريمة معترضة للرد عليهم فيما تقولوه من أباطيل.

ثم كشف- سبحانه- عما تخفيه نفوسهم من أمور سيئة فقال: يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ. يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا.

أى: أن هؤلاء الذين أهمتهم أنفسهم: والذين يظنون بالله غير الحق. يخفون في أنفسهم من الأقوال القبيحة والظنون السيئة أو يقولون فيما بينهم بطريق الخفية مالا يستطيعون إظهاره أمامك.

وهذه الجملة حال من الضمير في قوله يَقُولُونَ هَلْ لَنا السابقة.

وقوله يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا بيان لبعض ما يخفون أو لما يقولونه فيما بينهم.

أى يقولون لو كان لنا من الأمر المطاع أو المسموع شيء ما خرجنا من المدينة إلى هذا المكان الذي قتل فيه أقاربنا وعشائرنا.

فأنت ترى أن القرآن يحكى عنهم أنهم يريدون تبرئة أنفسهم مما نزل بالمسلمين بأحد، وأنهم لو كان لهم رأى مطاع لبقوا في المدينة ولم يخرجوا منها لقتال المشركين، وأن التبعة في كل ما جرى في غزوة أحد يتحملها النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الذين ألحوا عليه في الخروج لقتال المشركين خارج المدينة، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لو كانوا على الحق لانتصروا.

قال ابن جرير: وذكر أن ممن قال هذا القول- لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا معتب بن قشير من بنى عمرو بن عوف. فعن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال، والله إنى لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم حين قال: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا .

وقد أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم بما يدفع أقوالهم الباطلة فقال: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ.

وقوله لَبَرَزَ من البروز وهو الخروج من المكان الذي يستتر فيه الإنسان والمضاجع جمع مضجع وهو مكان النوم. والمراد به هنا المكان الذي استشهد فيه من استشهد من المسلمين.

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء الذين يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتل أقاربنا في هذا المكان من جبل أحد. قل لهم لو كنتم في بيوتكم ومنازلكم بالمدينة ولم تخرجوا للقتال بجملتكم، لخرج لسبب من الأسباب الداعية إلى الخروج الذين كتب عليهم القتل في اللوح المحفوظ إلى مضاجعهم أى أماكن قتلهم التي قدر الله لهم أن يقتلوا فيها لأنه ما من نفس تموت إلا بإذن الله وبإرادته، ولن يستطيع أحد أن ينجو من قدر الله المحتوم وقضائه النافذ، فإن الحذر لا يدفع القدر، والتدبير لا يقاوم التقدير وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ .

وفي هذا الرد مبالغة في إبطال ما قاله هؤلاء الذين يظنون بالله الظنون السيئة حيث لم يقتصر- سبحانه- على تحقيق القتل نفسه متى قدره بل عين مكانه- أيضا-.

ثم بين- سبحانه- بعض الحكم من وراء ما حدث للمسلمين في أحد فقال: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ، وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

والابتلاء: الاختبار، وهو هنا كناية عن أثره، وهو إظهاره للناس ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه.

والتمحيص تخليص الشيء مما يخالطه مما فيه عيب له.

والجملة معطوفة على كلام سابق يفهم من السياق. والتقدير: نزل بكم ما نزل من الشدائد في أحد لتتعودوا تحمل الشدائد والمحن، وليعاملكم- سبحانه- معاملة المختبر لنفوسكم، فيظهر ما تنطوى عليه من خير أو شر، حتى يتبين الخبيث من الطيب وليخلص ما في قلوبكم ويزيل ما عساه يعلق بها من أدران، ويطهرها مما يخالطها من ظنون سيئة- فإن القلوب يخالطها بحكم العادة وتزيين الشيطان واستيلاء الغفلة وحب الشهوات. ما يضاد ما أودع الله فيها من إيمان وإسلام وبر وتقوى.

فلو تركت في عافية دائمة مستمرة لم تتخلص من هذه المخالطة، ولم تتمحص من الآثام فاقتضت حكمة الله- تعالى- أن ينزل بها من المحن والبلاء ما يكون بالنسبة لها كالدواء الكريمة لمن عرض له داء.

وقوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أى عليم بأسرارها وضمائرها الخفية التي لا تفارقها فهو القائل إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وهو القائل وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى .

يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة ، وهو النعاس الذي غشيهم وهم مستلئمو السلاح في حال همهم وغمهم ، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان كما قال تعالى في سورة الأنفال ، في قصة بدر : ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه [ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ] ) [ الأنفال : 11 ] .

وقال [ الإمام ] أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم ووكيع عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن عبد الله بن مسعود قال : النعاس في القتال من الله ، وفي الصلاة من الشيطان .

قال البخاري : قال لي خليفة : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، رضي الله عنه ، قال : كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مرارا ، يسقط وآخذه ، ويسقط وآخذه .

هكذا رواه في المغازي معلقا . ورواه في كتاب التفسير مسندا عن شيبان ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد . قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه .

وقد رواه الترمذي والنسائي والحاكم ، من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد ، وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس . لفظ الترمذي ، وقال : حسن صحيح .

ورواه النسائي أيضا ، عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث ، عن أبي قتيبة ، عن ابن أبي عدي ، كلاهما عن حميد ، عن أنس قال : قال أبو طلحة : كنت فيمن ألقي عليه النعاس - الحديث .

وهكذا روي عن الزبير وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه .

وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شيبان ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، قال : والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعنه ، وأخذله للحق ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كذبة ، أهل شك وريب في الله عز وجل .

هكذا رواه بهذه الزيادة ، وكأنها من كلام قتادة ، رحمه الله ، وهو كما قال ، فإن الله عز وجل يقول : ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ) يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله ، ولهذا قال : ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كما قال في الآية الأخرى : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [ وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ] ) [ الفتح : 12 ] وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة وأن الإسلام قد باد وأهله ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة ، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة .

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم ( يقولون ) في تلك الحال : ( هل لنا من الأمر من شيء ) قال الله تعالى : ( قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ) ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله : ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) أي : يسرون هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال [ محمد ] بن إسحاق بن يسار : فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم ، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، قال : فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، ما أسمعه إلا كالحلم ، [ يقول ] ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله [ تعالى ] ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) لقول معتب . رواه ابن أبي حاتم .

قال الله تعالى : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) أي : هذا قدر مقدر من الله عز وجل ، وحكم حتم لا يحاد عنه ، ولا مناص منه .

وقوله : ( وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ) أي يختبركم بما جرى عليكم ، وليميز الخبيث من الطيب ، ويظهر أمر المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال ، ( والله عليم بذات الصدور ) أي : بما يختلج في الصدور من السرائر والضمائر .

القول في تأويل قوله : ثُمَّ أَنْـزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ثم أنـزل الله، أيها المؤمنون من بعد الغم الذي أثابكم ربكم بعد غم تقدمه قبله =" أمنة "، وهي الأمان، (1) على أهل الإخلاص منكم واليقين، دون أهل النفاق والشك.

* * *

ثم بين جل ثناؤه، عن " الأمنة " التي أنـزلها عليهم، ما هي؟ فقال =" نعاسًا "، بنصب " النعاس " على الإبدال من " الأمنة ".

* * *

ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله: " يغشى ".

فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة وبعض الكوفيين بالتذكير بالياء: (يَغْشَى).

* * *

وقرأ جماعة من قرأة الكوفيين بالتأنيث: (تَغْشَى) بالتاء.

* * *

وذهب الذين قرأوا ذلك بالتذكير، إلى أن النعاس هو الذي يغشى الطائفة من &; 7-316 &; المؤمنين دون الأمَنة، فذكَّره بتذكير " النعاس ".

وذهب الذين قرأوا ذلك بالتأنيث، إلى أنّ الأمَنة هي التي تغشاهم فأنثوه لتأنيث " الأمنة ".

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، غير مختلفتين في معنى ولا غيره. لأن " الأمنة " في هذا الموضع هي النعاس، والنعاس هو الأمنة. فسواء ذلك، (2) وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءته. وكذلك جميع ما في القرآن من نظائره من نحو قوله: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [سورة الدخان: 43-45] و أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى [سورة القيامة: 37]، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ [سورة مريم: 25]. (3) .

* * *

فإن قال قائل: وما كان السبب الذي من أجله افترقت الطائفتان اللتان ذكرهما الله عز وجل فيما افترقتا فيه من صفتهما، فأمِنت إحداهما بنفسها حتى نعست، وأهمَّت الأخرى أنفسها حتى ظنت بالله غير الحق ظن الجاهلية؟

قيل: كان سبب ذلك فيما ذكر لنا، كما:-

8072- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين، فواعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بدرًا من قابلٍ، فقال نعم! نعم! فتخوف المسلمون أن ينـزلوا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: " انظر، فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم، (4) فإن القوم ذاهبون، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم، (5) فإن القوم ينـزلون المدينة، فاتقوا الله واصبروا " ووطَّنهم على القتال. فلما أبصرهم الرسولُ قعدوا على الأثقال سراعًا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم. فلما رأى المؤمنون ذلك صدَّقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فناموا، وبقى أناس من المنافقين يظنون أنّ القوم يأتونهم. فقال الله جل وعز، يذكر حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا: " ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحقّ ظن الجاهلية ".

8073- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: أمَّنهم يومئذ بنعاس غشَّاهم. وإنما ينعُسُ من يأمن =" يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ".

8074- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة قال: كنت فيمن أنـزل عليه النعاس يوم أحد أمنة، حتى سقط من يدي مرارًا = قال أبو جعفر: يعني سوطه، أو سيفه.

8075- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحُد، فجعلت ما أرى أحدًا من القوم إلا تحت حجفته يميد من النعاس. (6) .

&; 7-318 &;

8076- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو داود قال، حدثنا عمران، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة قال: كنت فيمن صبَّ عليه النعاس يوم أحد.

8077- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا أنس بن مالك: عن أبي طلحة: أنه كان يومئذ ممن غشِيه النعاس، قال: كان السيف يسقط من يدي ثم آخذه، من النعاس.

8078- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ذكر لنا، والله أعلم، عن أنس: أن أبا طلحة حدثهم: أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه، ويسقط = والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم همَّة إلا أنفسهم،" يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية "، الآية كلها.

8079- حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال، حدثنا ضرار بن صُرد قال، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبيه قال: سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله عز وجل: " ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمَنةً نعاسًا ". قال: ألقي علينا النوم يوم أحد.

8080- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا "، الآية، وذاكم يوم أحد، كانوا يومئذ فريقين، فأما المؤمنون فغشّاهم الله النعاس أمنةً منه ورحمة.

8081- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، نحوه.

8082- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " أمنة نعاسًا "، قال: ألقي عليهم النعاس، فكان ذلك أمنةً لهم.

8083- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين قال، قال عبد الله: النعاس في القتال أمنة، والنعاس في الصلاة من الشيطان.

8084- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا "، قال: أنـزل النعاس أمنة منه على أهل اليقين به، فهم نيامٌ لا يخافون. (7)

8085- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " أمنة نعاسًا "، قال: ألقى الله عليهم النعاس، فكان " أمنة لهم ". وذكر أن أبا طلحة قال: ألقي عليًّ النعاس يومئذ، فكنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي.

8086- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا إسحاق بن إدريس قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا ثابت، عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة = وهشام بن عروة، عن عروة، عن الزبير، أنهما قالا لقد رفعنا رءوسنا يوم أحد، فجعلنا ننظر، فما منهم من أحد إلا وهو يميل بجنب حجفته. قال: وتلا هذه الآية: " ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمنةً نعاسًا ".

* * *

القول في تأويل قوله : وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وطائفة منكم "، أيها المؤمنون =" قد أهمتهم أنفسهم "، يقول: هم المنافقون لا هم لهم غير أنفسهم، فهم من حذر القتل على أنفسهم، وخوف المنية عليها في شغل، قد طار عن أعينهم الكرى، يظنون بالله الظنون الكاذبة، ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله، شكًا في أمر الله، وتكذيبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم، وَمحْسَبة منهم أن الله خاذل نبيه ومُعْلٍ عليه أهل الكفر به، (8) يقولون: هل لنا من الأمر من شيء. كالذي:-

8087- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: والطائفة الأخرى: المنافقون، ليس لهم همٌّ إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبُه وأخذله للحق، يظنون بالله غير الحق ظنونًا كاذبة، إنما هم أهل شك وريبة في أمر الله: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ .

8088- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم همة إلا أنفسهم، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قال الله عز وجل: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ الآية.

8089- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم "، قال: أهل النفاق قد أهمتهم أنفسهم تخوُّف القتل، وذلك أنهم لا يرجون عاقبةٌ. (9)

8090- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " إلى آخر الآية، قال: هؤلاء المنافقون.

* * *

وأما قوله: " ظنّ الجاهلية "، فإنه يعني أهل الشرك. كالذي:-

8091- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ظنّ الجاهلية "، قال: ظن أهل الشرك.

8092- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " ظن الجاهلية "، قال: ظن أهل الشرك.

* * *

قال أبو جعفر: وفي رفع قوله: " وطائفة "، وجهان.

أحدهما، أن تكون مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله: " قد أهمتهم ".

والآخر: بقوله: " يظنون بالله غير الحق "، ولو كانت منصوبة كان جائزًا، وكانت " الواو "، في قوله: " وطائفة "، ظرفًا للفعل، بمعنى: وأهمت طائفة أنفسهم، كما قال وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [سورة الذاريات: 47]. (10)

* * *

القول في تأويل قوله : يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا

قال أبو جعفر: يعني بذلك الطائفة المنافقةَ التي قد أهمَّتهم أنفسهم، يقولون: ليس لنا من الأمر من شيء، قل إن الأمر كله لله، ولو كان لنا من الأمر شيء ما خرجنا لقتال من قاتلنا فقتلونا. كما:-

8093- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قيل لعبد الله بن أبيّ: قُتل بنو الخزرج اليوم! قال: وهل لنا من الأمر من شيء؟ قيل إنّ الأمر كله لله!. (11)

* * *

وهذا أمر مبتدأ من الله عز وجل، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المنافقين: " إن الأمر كله لله "، يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف يحبّ.

ثم عاد إلى الخبر عن ذكر نفاق المنافقين، فقال: " يُخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك " يقول: يخفي، يا محمد، هؤلاء المنافقون الذين وصفتُ لك صفتهم، في أنفسهم من الكفر والشك في الله، ما لا يبدون لك. ثم أظهر نبيَّه صلى الله عليه وسلم على ما كانوا يخفونه بينهم من نفاقهم، والحسرة التي أصابتهم على حضورهم مع المسلمين مشهدهم بأحد، فقال مخبرًا عن قيلهم الكفرَ وإعلانهم النفاقَ بينهم: " يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا "، يعني بذلك، أنّ هؤلاء المنافقين يقولون: لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين إلينا، ما خرجنا &; 7-323 &; إليهم، ولا قُتل منا أحد في الموضع الذي قتلوا فيه بأحد.

* * *

وذكر أن ممن قال هذا القول، معتّب بن قشير، أخو بني عمرو بن عوف.

*ذكر الخبر بذلك:

8094- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، قال، قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: والله إنّي لأسمع قول معتِّب بن قشير، أخي بني عمرو بن عوف، والنعاسُ يغشاني، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال: لوْ كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا هاهنا! (12)

8095- حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي، عن ابن إسحاق قال، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، بمثله.

* * *

قال أبو جعفر: واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق: ( قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ )، بنصب " الكل " على وجه النعت لـ" الأمر " والصفة له.

* * *

وقرأه بعض قرأة أهل البصرة: ( قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) برفع " الكل "، على توجيه " الكل " إلى أنه اسم، وقوله " لله " خبره، كقول القائل: " إن الأمر بعضه لعبد الله " (13) .

* * *

وقد يجوز أن يكون " الكل " في قراءة من قرأه بالنصب، منصوبًا على البدل.

* * *

قال أبو جعفر: والقراءة التي هي القراءة عندنا، النصبُ في" الكل " لإجماع أكثر القرأة عليه، من غير أن تكون القراءة الأخرى خطأ في معنى أو عربية. ولو كانت القراءة بالرفع في ذلك مستفيضة في القرأة، لكانت سواءً عندي القراءةُ بأيِّ ذلك قرئ، لاتفاق معاني ذلك بأيَ وجهيه قرئ.

* * *

القول في تأويل قوله : قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قل، يا محمد، للذين وصفت لك صفتهم من المنافقين: لو كنتم في بيوتكم لم تشهدوا مع المؤمنين مشهدهم، ولم تحضروا معهم حرب أعدائهم من المشركين، فيظهرَ للمؤمنين ما كنتم تخفونه من نفاقكم، وتكتمونه من شككم في دينكم (14) =" لبرز الذين كُتب عليهم القتل "، يقول: لظهر للموضع الذي كتب عليه مصرعه فيه، من قد كتب عليه القتل منهم، (15) ولخرج من بيته إليه حتى يصرع في الموضع الذي كُتب عليه أن يصرع فيه. (16) .

* * *

وأما قوله: " وليبتلي الله ما في صدوركم "، فإنه يعني به: وليبتلي الله ما في صدوركم، أيها المنافقون، كنتم تبرزون من بيوتكم إلى مضاجعكم.

* * *

&; 7-325 &;

ويعني بقوله: " وليبتلي الله ما في صدوركم "، وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك، فيميِّزكم = بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم = من المؤمنين. (17)

* * *

وقد دللنا فيما مضى على أنّ معاني نظائر قوله: " ليبتلي الله " و لِيَعْلَمَ اللَّهُ وما أشبه ذلك، وإن كان في ظاهر الكلام مضافًا إلى الله الوصف به، فمرادٌ به أولياؤه وأهل طاعته = (18) وأنّ معنى ذلك: وليختبر أولياءُ الله، وأهل طاعته الذي في صدوركم من الشك والمرض، فيعرفوكم، [فيميّزوكم] من أهل الإخلاص واليقين =" وليمحص ما في قلوبكم "، يقول وليتبينوا ما في قلوبكم من الاعتقاد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من العداوة أو الولاية. (19)

* * *

" والله عليم بذات الصدور "، يقول: والله ذو علم بالذي في صدور خلقه من خير وشر، وإيمان وكفر، لا يخفى عليه شيء من أمورهم، سرائرها علانيتها، وهو لجميع ذلك حافظ، حتى يجازي جميعهم جزاءهم على قدر استحقاقهم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن إسحاق يقول:

8096- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ذكر الله تلاومَهم -يعني: تلاوم المنافقين - وحسرتهم على ما أصابهم، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل: " لو كنتم في بيوتكم "، لم تحضروا هذا الموضع الذي أظهر الله جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم، لأخرج الذي كتب عليهم القتل إلى موطن غيره يصرعون فيه، حتى يبتلي به ما في صدوركم =" وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور "، أي لا يخفى عليه ما في صدورهم، (20) &; 7-326 &; مما اسْتَخْفَوْا به منكم. (21)

8097- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا الحارث بن مسلم، عن بحر السقاء، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن قال: سئل عن قوله: " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم "، قال: كتب الله على المؤمنين أن يقاتلوا في سبيله، وليس كل من يقاتل يُقتل، ولكن يُقتل من كَتب الله عليه القتل. (22)

--------------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"الأمن" فيما سلف 3: 29 / 4 : 87.

(2) في المطبوعة: "وسواء ذلك" بالواو ، والصواب من المخطوطة.

(3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 240.

(4) الأثقال جمع ثقل (بفتحتين): وهو متاع المسافر ، وعنى به الإبل التي تحمل المتاع. وجنب الفرس والأسير وغيره: قاده إلى جنبه.

(5) في المطبوعة والمخطوطة والدر المنثور 2: 87: "وجنبوا على أثقالهم" ، والصواب الذي لا شك فيه حذف"على".

(6) "الحجفة": ضرب من الترسة ، تتخذ من جلود الإبل مقورة ، يطارق بعضها على بعض ، ليس فيه خشب ، وهي الحجفة والدرقة."ماد يميد": مال وتحرك واضطرب.

(7) الأثر: 8084- سيرة ابن هشام 3: 122 ، وهو من تتمة الأثار التي آخرها: 8067.

(8) حسب الشيء يحسبه (بكسر السين) حسبانًا (بكسر الحاء) ومحسبة ومحسبة (بكسر السين وفتحها) ، ظنه طنًا.

(9) الأثر: 8089- سيرة ابن هشام 3: 122 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8084.

(10) قد استقصى هذا الباب من العربية ، الفراء في معاني القرآن 1: 240 - 242.

(11) في المطبوعة: "قل إن الأمر كله لله" كنص الآية ، وأثبت ما في المخطوطة.

(12) لم أجد نص الخبر في سيرة ابن هشام ، في خبر أحد ، ولكني وجدت معناه والإشارة إليه قبل أحد في ذكر من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار 2: 169.

(13) انظر معاني القرآن للفراء 1: 243.

(14) في المطبوعة: "من شرككم في دينكم" ، والصواب من المخطوطة.

(15) انظر تفسير"برز" فيما سلف 5: 354.

(16) في المطبوعة: "ويخرج من بيته" ، لم يحسن قراءة المخطوطة.

(17) انظر تفسير"الابتلاء" فيما سلف 7: 297 تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(18) انظر ما سلف قريبًا ص: 246 ، تعليق 2 ، / ثم انظر 3: 160 - 162.

(19) انظر تفسير"محص" فيما سلف ص: 244.

(20) في المطبوعة"لا يخفى عليه شيء مما في صدورهم" ، وفي المخطوطة"لا يخفى عليه شيء ما في صدورهم" ، وضرب بالقلم على"شيء" ، ولكن الناشر آثر إثباتها ، وجعل"ما""مما" ، والصواب المطابق لنص السيرة هو ما أثبت.

(21) الأثر: 8096- سيرة ابن هشام 3: 122 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8089.

(22) الأثر: 8097-"الحارث بن مسلم الرازي المقرئ" ، روى عن الثوري ، والربيع بن صبيح وغيرهما. قال أبو حاتم: "الحارث بن مسلم ، عابد ، شيخ ثقة صدوق. رأيته وصليت خلفه". مترجم في ابن أبي حاتم 1 / 2 / 88.

و"بحر السقاء" ، هو"بحر بن كنيز الباهلي السقاء أبو الفضل" روي عن الحسن ، والزهري وقتادة. وهو جد"عمرو بن علي الفلاس". وروى عنه الثوري وكناه ولم يسمه ، قال يحيى بن سعيد القطان: "كان سفيان الثوري يحدثني ، فإذا حدثني عن رجل يعلم أني لا أرضاه كناه لي ، فحدثني يوما قال حدثني أبو الفضل ، يعني بحرًا السقاء". وقال يحيى بن معين: "بحر السقاء ، لا يكتب حديثه". وهو متروك. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 418.

التدبر :

وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾ النعاس والنوم أمنة من الحزن بإذن الله، ولذلك كثيرًا ما ينسى الإنسان حزنه بعد نومه.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾ قد يحاول اﻵخرون مساعدتنا من الخارج، لكن الذي يخلق الراحة والفرج في دواخلنا هو الله وحده.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾ توسدوا غمهم، فلما علموا أن الأمر كله لله ارتاحت نفوسهم وناموا.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾ فيه دليل لقول الأطباء إن الخوف يمنع النوم.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾ من رحمة الله يا مؤمن مع كل ألم يحل بك، انتظر بعده أمنًا ينزل في أعماقك، وسكينة تشد على قلبك.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾ الأمنة من الأمن، والنعاس أول النوم، وكان مقتضى الظاهر أن يقدِّم النعاس ويؤخر الأمنة؛ لأن (أمنة) بمنزلة النتيجة والغاية للنعاس، تمامًا كما جاء في آية الأنفال: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَة مِّنْهُ﴾ [الأنفال: 11]، ولكنه قدَّم الأمنة هنا؛ تشريفًا لشأنها حيث جُعِلت كالمنزَّل من الله تعالى لنصرهم، ولأن الأمن فيه سكينة واطمئنان للنفس أكثر من النعاس، فالنعاس يُخشى منه أن يكون نومًا ثقيلًا وعندها يؤخَذون على حين غرَّة.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ﴾ وقد استجدوا بذلك نشاطهم، ونسوا حزنهم؛ لأن الحزن تبتدئ خفته بعد أول نومة تعفيه، كما هو مشاهد في أحزان الموت وغيرها.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ﴾ الأمن والأمان منبعها القلب، والقلب لا سلطان لأحد عليه إلا الله؛ ولذا كان الأمن والأمان من الله وحده.
وقفة
[154] آيتان جمعت حروف المعجم: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ ...﴾، وآخر آية في الفتح، وهناك ثالثة ينقصها حرف الشين، وهي آخر آية في المزمل.
وقفة
[154] من إكرام الله تعالى لأوليائه أن ينزل الأمان في قلوبهم عند الحاجة ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ﴾.
وقفة
[154] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ قال عن الطائفة الأولى (مِّنكُمْ) ولم يقيِّد الثانية بهذا الوصف؛ لأنها فئة منافقة ليست من المؤمنين الذين أمّنهم الله بالنعاس.
وقفة
[154] ﴿نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ﴾ تخيل هذه الصورة: المنافق يرتعد قابضًا على سيفه، والمؤمن يخفق رأسه ويسقط سيفه من يده.
وقفة
[154] ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ كان غرض المنافقين لا المدافعة عن الدين؛ فهم إنما يطلبون خلاص أنفسهم, فعوقبوا على ذلك بأنه لم يحصل لهم الأمن المذكور.
وقفة
[154] ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ إما أن نحمل هم غيرنا بالإيثار أو سنتمحور حول ذواتنا بالأنانية والأثرة.
وقفة
[154] ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ الصادقون يجتازون أنانيتهم في المحن ويلغون ذواتهم فيها، ويفكرون في الناس.
وقفة
[154] ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ نحن الذين نصنع الهموم لأنفسنا، لنتوقف عن ذلك، سوف تتوقف همومنا فورًا.
وقفة
[154] ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ لو أحسنوا الظن بالله ما أصابتهم الهموم.
وقفة
[154] ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ ما اهتم قلب يحسن الظن بالله قط.
وقفة
[154] أكثر الناس سوء ظن بالله: من يعمل لنفسه أكثر من الحق ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
وقفة
[154] إذا احتدم الصراع بين الحق والباطل كشف الله ضعاف النفوس الذين لا يطيقون مواصلة الحق ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
وقفة
[154] هؤلاء الذين تهمهم أنفسهم! أبشروا بذم الله لكم ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ ظن الجاهلية: عدم نصره للمؤمنين.
وقفة
[154] في الأحداث والأزمات كثيرًا ما يفكر أهل الدنيا بأنفسهم ومصالحهم ويظنون بالله سوءً ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
وقفة
[154] أكثر الناس سوء ظن بالله من يعمل لنفسه أكثر من الحق ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
وقفة
[154] ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ الجهل بالله تعالى وصفاته يُورث سوء الاعتقاد وفساد الأعمال.
وقفة
[154] ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ من ظن أن المسلمين لن يُنصروا فقد ظن بالله ظن السوء، ولم يعرف الله حق المعرفة؛ فاعرف وثق بالله.
وقفة
[154] المتشائمون بقايا جاهلية ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
عمل
[154] ذكِّر بعض أهل الابتلاء بحسن الظن بالله تعالى، وأنهم سيعلمون غدًا أن الله سبحانه قد أراد بهم خيرًا، ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
وقفة
[154] أضيف لفظ (الْجَاهِلِيَّةِ) في القرآن إلى أربع كلمات: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [المائدة: 50]، ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الأحزاب: 23]، ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: 26]، فالأول يأتي من فساد النظم، والثاني من فساد التصورات والمشاعر، والثالث من فساد اللباس لدى المرأة، والرابع من العصبيات والموروثات الفاسدة.
عمل
[154] ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ لا تقل: نعمل كذا والباقي على الله؛ لأن الأمر كله لله.
تفاعل
[154] ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ سل الذي بيده كل شيء أن يعطيك أي شيء!
وقفة
[154] ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ تأكيد رباني جازم ينزع عنك أوهامًا ثلاثة: تعلق القلب بغيره والتوكل على عدتك وعددك، والشك في وعده، وسوء الظن بربك.
وقفة
[154] ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ اختفى بهذا النداء فى ساحات روحك، أعلم به كل ذرة فيك، طارد به كل قلق يكدر صباحك (كُلَّهُ لِلَّهِ).
وقفة
[154] ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ من استقرت هذه الآية في قلبه حلت به السكينة.
اسقاط
[154] ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ ثم لا تُيمِّـم آمـالكَ لغير السَّماء!
وقفة
[154] ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ كله، لا شئ لك.
عمل
[154] إذا خشيت سطوة جبار أو ظلم ظالم أو أمرًا تخشى عاقبته، فاقرأ: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ ثم نم قرير العين!
عمل
[154] لا تحزن إذا أحسنت تربية أبنائك أو طلابك ثم خرج أحدهم معوجًّا ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾، فسل من بيده كل شيء ما تريد.
وقفة
[154] ﴿إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ﴾ فعلام القلق والخوف والهمِّ والحزن، كن موقنًا بأمر الحكيم العليم وفوّض أمرك إليه وتوكل عليه وحده وقل يا رب.
وقفة
[154] ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَا هُنَا﴾ هذا إنكار منهم وتكذيب بقدر الله، وتسفيه منهم لرأي رسول الله ورأي أصحابه، وتزكية منهم لأنفسهم، فرد الله عليهم بقوله: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ التي هي أبعد شيء عن مظان القتل ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ فالأسباب -وإن عظمت- إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء.
وقفة
[154] ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَا هُنَا﴾ أثقل النصائح أن تنصح الموجعين وجراحهم تنزف.
وقفة
[154] ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ﴾ آجال العباد مضروبة محدودة، لا يُعجِّلها الإقدام والشجاعة، ولا يؤخرها الجبن والحرص.
وقفة
[154] ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ﴾ لـمَّا قَـتـل إبراهيمُ باشا الشيخَ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب أراد أن يغيظ أباه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، فـقـال له: «قـتـلـنـا ابنك سليمان»، فأجابه الشيخ عبد الله بكل يقين وإخلاص وإيمان: «إن لـم تـقـتـلـه مات»، قال الشيخ البسام معلقًا: فنالت هذه الكلمة الصادقة من هذا الشجاع المؤمن ما لـم تـنـلـه السهام الحداد، فأخذ الباشا يرددها بلسانه ويتأملها بعقله.
عمل
[154] استغفر اليوم سبعين مرة، واسأل الله حسن الخاتمة؛ فالموت قد يأتي فجأة، وفي مكان وزمان لا تتوقعه ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ﴾.
وقفة
[154] الفرار من مواضع القتال لن يؤخر الأجل إذا وجب ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ﴾ فلمَ القعود إذن!
وقفة
[154] ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ﴾ [145]، ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ﴾، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [185] الموت هو الحقيقة التي لا مفر ولا مهرب منها؛ فاستعد له قبل أن يباغتك.
وقفة
[154] ﴿إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ وليس من مضاجعهم، ليس من الفراش، ولكن يذهبون إلى مضاجع الموت حيث يموتون، هذا هو المضجع النهائي الذي يموتون فيه.
وقفة
[154] ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ يحل الابتلاء بالعباد ليختبر الله ما في صدورهم من حسن الظن به أو عدمه.
وقفة
[154] ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ أنزل الله الابتلاء بعباده ليختبر الله ما في صدورهم من حسن الظن به أو سوء الظن.
وقفة
[154] ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ قال الزجاج: «أي ليختبر الله تعالى ما في صدوركم بأعمالكم، فإنه قد علمه غيبًا، ويريد أن يعلمه شهادة لتقع المجازاة عليه».
وقفة
[154] ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ ختم الله بهذه الجملة الآية حتى لا يظن ظان أن الابتلاء يضيف الله سبحانه علمًا جديدًا، ويعلمه ما لم يكن يعلم، حاشاه سبحانه!
وقفة
[154] ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ المواقف تخرج ما في القلوب، وكل إناء بما فيه ينضح.
وقفة
[154] من سُنَّة الله تعالى الجارية ابتلاء عباده؛ ليميز الخبيث من الطيب ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ:
  • ثم: حرف عطف. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. عليكم: جار ومجرور متعلق بأنزل والميم علامة الجمع. من بعد: جار ومجرور متعلق بأنزل. الغم: مضاف اليه مجرور بالكسرة و «أَنْزَلَ» معطوفة على «أثاب».
  • ﴿ أَمَنَةً نُعاساً:
  • أي أمنا واطمئنانا: مفعول به منصوب بالفتحة. نعاسا: بدل من «أَمَنَةً» منصوب بالفتحة. ويجوز أن يكون «نُعاساً» مفعولا به و «أَمَنَةً» حالا منه أو مفعولا لأجله.
  • ﴿ يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ:
  • الجملة: في محل نصب صفة لنعاسا بمعنى يأتي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الالف. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. طائفة: مفعول به منصوب بالفتحة. منكم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «طائِفَةً» و «من» حرف جر بياني والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ:
  • الواو: حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. طائفة: مبتدأ مرفوع بالضمة. قد: حرف تحقيق. أهمتهم: فعل ماض مبني على الفتح. والتاء: تاء التأنيث لا محل لها. والهاء: والميم: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. أنفسهم: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة وجملة «قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ» في محل رفع خبر المبتدأ «طائِفَةً».
  • ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ:
  • يظنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيظنون ولفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم بالباء وعلامة الجر الكسرة. غير: مفعول به منصوب بالفتحة. الحق: مضاف اليه مجرور بالكسرة. وجملة «يَظُنُّونَ» في محل نصب حال.
  • ﴿ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ:
  • مصدر مفعول مطلق منصوب بالفتحة. الجاهلية: مضاف اليه مجرور بالكسرة. يقولون: تعرب اعراب «يَظُنُّونَ». وجملة «يَقُولُونَ» تفسيرية ليظنون. ويجوز أن تكون في محل نصب حالا ثانيا.
  • ﴿ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ:
  • هل وما بعدها: في محل نصب مفعول به «مقول القول». هل: حرف استفهام. لنا: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. من الأمر: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «شَيْءٍ» من: حرف جر زائد للتاكيد و «شَيْءٍ» إسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر او يكون من الأمر بمعنى بعض الامر.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت.
  • ﴿ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ:
  • الجملة في محل نصب مفعول به «مقول القول». إنّ حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل اسم الأمر «إِنَّ» منصوب بالفتحة. كله: توكيد منصوب بالفتحة. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. لله: اللام: حرف جر. ولفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم باللام وعلامة الجر الكسرة. وشبه الجملة «لِلَّهِ» متعلق بخبر «إِنَّ» في محل رفع.
  • ﴿ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما:
  • الجملة في محل نصب حال. يخفون: تعرب إعراب «يَظُنُّونَ». في أنفسهم: جار ومجرور متعلق بيخفون. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. ما: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لا يُبْدُونَ لَكَ:
  • نافية لا عمل لها. يبدون: تعرب إعراب «يَظُنُّونَ». وجملة «يُبْدُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به التقدير: ما لا يبدونه. لك: جار ومجرور متعلق بيبدون.
  • ﴿ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا:
  • تعرب اعراب «يَظُنُّونَ» وجملة «يَقُولُونَ» في محل نصب حال من فاعل «يُخْفُونَ» لو: حرف شرط غير جازم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لنا: جار ومجرور متعلق بخبر «كانَ» المحذوف. وجملة «لَوْ كانَ وما تلاها» في محل نصب مفعول به «مقول القول
  • ﴿ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوف من «شَيْءٍ». شيء: اسم «كانَ» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ ما قُتِلْنا هاهُنا:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها. ما: نافية لا عمل لها. قتلنا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلمين و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل. ههنا: الهاء: للتنبيه. و «هنا» اسم اشارة للمكان متعلق بقتلنا مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية.
  • ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ:
  • قل لو: سبق إعرابها. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع المذكرين. في بيوتكم: جار ومجرور متعلق بخبر «كان» وجملة «لَوْ كُنْتُمْ وما تبعها» في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ لَبَرَزَ الَّذِينَ:
  • اللام: واقعة في جواب الشرط. برز: فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. وجملة «برز الذين» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ:
  • كتب: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. عليهم: جار ومجرور متعلق بكتب و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. القتل: نائب فاعل مرفوع بالضمة وجملة «كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ» صلة الموصول.
  • ﴿ إِلى مَضاجِعِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق ببرز و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى فرض عليهم القتل في اللوح المحفوظ.
  • ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. اللام: للتعليل وهي حرف جر. يبتلي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه: الفتحة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة «يبتلي الله» صلة «أن» المضمرة لا محل لها و «أن المضمرة وما تلاها» بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق ببرز.
  • ﴿ ما فِي صُدُورِكُمْ:
  • ما: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في صدوركم: جار ومجرور. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وشبه الجملة «فِي صُدُورِكُمْ» متعلق بصلة الموصول المحذوفة تقديرها: استقر أو ما هو. مستقر.
  • ﴿ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ:
  • الجملة معطوفة بواو العطف على «يبتلي الله ما في صدوركم» وتعرب إعرابها. وفاعل «يمحص» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.
  • ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ:
  • الواو: إستئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة عليم خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بذات: جار ومجرور متعلق بعليم. الصدور: مضاف اليه مجرور بالكسرة. '

المتشابهات :

آل عمران: 154﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
التغابن: 4﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

أسباب النزول :

  • قوله تعالى ثم أنزل عليكم الآيات أخرج ابن راهويه عن الزبير قال لقد رأيتني يوم أحد حين اشتد علينا الخوف وأرسل علينا النوم فما منا أحد إلا ذقنه في صدره فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير لو كان لنا من الأمر شما قتلنا ههنا فحفظتها فأنزل الله في ذلك ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا إلى قوله والله عليم بذات الصدور '
  • المصدر أسباب النزول للواحدي

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [154] لما قبلها :     عنايةُ اللهِ بأوليائِه وحفظُه لهم، فألقى في قلوبِهم اطمئنانًا وغَشِيَ النَّومُ طائفةً منهم. 9- الأعمارُ بيدِ اللهِ. 10- الهزيمةُ في أُحدٍ امتحانُ لِما في الصدورِ من الإخلاصِ والثباتِ، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

القراءات :

أمنة:
قرئ:
1- بفتح الميم، على أنه بمعنى الأمر، أو جمع أمنة، وهى قراءة الجمهور.
2- بسكون الميم، بمعنى الأمن، وهى قراءة النخعي، وابن محيصن.
كله:
قرئ:
1- بالنصب، تأكيد للأمر، وهى قراءة الجمهور.
2- بالرفع، على أنه مبتدأ، أو توكيدا للأمر على الموضع، وهى قراءة أبى عمرو.
لبرز:
قرئ:
1- ثلاثيا مبنيا للفاعل، أي: لصاروا فى البراز من الأرض، وهى قراءة الجمهور.
2- مشدد الراء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة أبى حيوة.
كتب:
قرئ:
1- مبنيا للمفعول، ورفع «القتل» ، وهى قراءة الجمهور.
2- مبنيا للفاعل، ونصب «القتل» .
القتل:
وقرئ:
القتال، مرفوعا، وهى قراءة الحسن، والزهري.

مدارسة الآية : [155] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ..

التفسير :

[155] إن الذين فرُّوا منكم -يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- عن القتال يوم التقى المؤمنون والمشركون في غزوة «أُحد»، إنما أوقعهم الشيطان في هذا الذنب ببعض ما عملوا من الذنوب، ولقد تجاوز الله عنهم فلم يعاقبهم. إن الله غفور للمذنبين التائبين، حليم لا يعاجل

يخبر تعالى عن حال الذين انهزموا يوم "أحد"وما الذي أوجب لهم الفرار، وأنه من تسويل الشيطان، وأنه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم. فهم الذين أدخلوه على أنفسهم، ومكنوه بما فعلوا من المعاصي، لأنها مركبه ومدخله، فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان. قال تعالى:{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} ثم أخبر أنه عفا عنهم بعدما فعلوا ما يوجب المؤاخذة، وإلا فلو واخذهم لاستأصلهم.{ إن الله غفور} للمذنبين الخطائين بما يوفقهم له من التوبة والاستغفار، والمصائب المكفرة،{ حليم} لا يعاجل من عصاه، بل يستأني به، ويدعوه إلى الإنابة إليه، والإقبال عليه. ثم إن تاب وأناب قبل منه، وصيره كأنه لم يجر منه ذنب، ولم يصدر منه عيب، فلله الحمد على إحسانه.

ثم أخبر- سبحانه- عن الذين لم يثبتوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، وبين السبب في ذلك وفتح لهم باب عفوه فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا. وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.

وقوله تَوَلَّوْا من التولي ويستعمل هذا اللفظ بمعنى الإقبال وبمعنى الإدبار فإن كان متعديا بنفسه كان بمعنى الإقبال كما في قوله- تعالى- وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وإذا كان متعديا بعن أو غير متعد أصلا كان بمعنى الإعراض كما في الآية التي معنا.

والتولي الذي وقع فيه من ذكرهم الله- تعالى- في الآية التي معنا يتناول الرماة الذين تركوا أماكنهم التي أمرهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالبقاء فيها لحماية ظهور المسلمين كما يتناول الذين لم يثبتوا

بجانب النبي صلّى الله عليه وسلّم بل فروا إلى الجبل أو إلى غيره عند ما اضطربت الصفوف.

ولقد حكى لنا التاريخ أن هناك جماعة من المسلمين ثبتت إلى جانب النبي صلّى الله عليه وسلّم بدون وهن أو ضعف وقد أصيب ممن كان حوله أكثر من ثلاثين، وكلهم يفتدى النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه ويقول:

وجهى لوجهك الفداء ونفسي لنفسك الفداء. وعليك السلام غير مودع .

ومعنى اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ طلب لهم الزلل والخطيئة، أو حملهم عليها بوسوسته لهم: أن يخالفوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهم بالثبات في مواقفهم التي عينها لهم، فكانت مخالفتهم لرسولهم وقائدهم طاعة للشيطان. فحرمهم الله تأييده وتقوية قلوبهم.

قال الراغب: استزله إذا تحرى زلته، وقوله- تعالى- إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا أى استجرهم الشيطان حتى زلوا، فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه، والزلة في الأصل: استرسال الرجل من غير قصد» .

والمراد بالزلة هنا ما حدث منهم من مخالفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقد ترتب عليها هزيمتهم.

والمعنى: إن الذين تولوا منكم- يا معشر المؤمنين- عن القتال أو تركوا أماكنهم فلم يثبتوا فيها طلبا للغنيمة يوم التقيتم بالمشركين في معركة أحد إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ أى طلب منهم الزلل والمعصية، ودعاهم إليها بمكر منه وكان ذلك بِبَعْضِ ما كَسَبُوا أى بسبب بعض ما اكتسبوه من ذنوب، لأن نفوسهم لم تتجه بكليتها إلى الله فترتب على ذلك أن منعوا النصر والتأييد وقوة القلب والثبات.

قال ابن القيم: «كانت أعمالهم جندا عليهم ازداد بها عدوهم قوة. فإن الأعمال جند للعبد وجند عليه ولا بد للعبد في كل وقت من سرية من نفسه تهزمه أو تنصره. فهو يمد عدوه بأعماله من حيث يظن أنه يقاتل بها، ويبعث إليه سرية تغزوه مع عدوه من حيث يظن أنه يغزو عدوه.

فأعمال العبد تسوقه قسرا إلى مقتضاها من الخير والشر والعبد لا يشعر أو يشعر ويتعامى.

ففرار الإنسان من عدوه وهو يطيقه إنما هو بجند من عمله بعثه له الشيطان واستزله به» .

ثم أخبر- سبحانه- أنه قد عفا عن هؤلاء الزالين، حتى تكون أمامهم الفرصة لتطهير

نفوسهم. وبعثها على التوبة الصادقة والإخلاص الله رب العالمين، فقال- تعالى- وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.

أى: ولقد عفا- سبحانه- عنهم لصدق توبتهم وندمهم على ما فرط منهم، لأن فرارهم لم يكن عن نفاق، بل كان عارضا عرض لهم عند ما اضطربت الصفوف واختلطت الأصوات ثم عادوا إلى صفوف الثابتين من المؤمنين ليكونوا معهم في قتال أعدائهم.

ولقد أكد الله- تعالى- هذا العفو بلام التأكيد وبقد المفيدة للتحقيق، وبوصفه- سبحانه- لذاته بالمغفرة فإن هذا الوصف يؤكد أن العفو شأن من شئونه، وبوصفه- سبحانه- لذاته بالحلم، فإن هذا الوصف يفيد أنه لا يعاجل عباده بالعقاب، بل إن ما أصابهم من مصائب فهو بسبب ما اقترفوه من ذنوب ويعفو- سبحانه- عن كثير.

وصدق الله إذ يقول: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ .

وقد أكد- سبحانه- شأن هذا العفو لتذهب عن نفوس هؤلاء الذين استزلهم الشيطان حيرتها ولتنخلع عن الماضي، ولتستقبل الحاضر والمستقبل بقلوب عامرة بالإيمان، وبنفوس متغلبة على أهوائها مطيعة لتعاليم دينها.

وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت للمؤمنين بعض الأسباب الظاهرة والخفية لما أصابهم في أحد، وفتحت لهم باب التوبة لتطهير أنفسهم، وأخبرتهم بعفو الله عنهم، وفي ذلك ما فيه من عظات وعبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وبعد هذا الحديث الحكيم عن أحداث معركة أحد، وعما تم للمسلمين في أولها من نصر، ثم عما جرى لهم بعد ذلك من اضطراب وتفرق بسبب مخالفة بعضهم لوصايا نبيهم صلّى الله عليه وسلّم.

بعد كل ذلك وجه القرآن نداء إلى المؤمنين نهاهم عن التشبه بالكافرين وعن الاستماع إلى أباطيلهم وحضهم فيه على مواصلة الجهاد في سبيل الله، حتى تكون كلمة الله هي العليا وأخبرهم بأن الآجال بيد الله، وأن موتهم من أجل الدفاع عن الحق أشرف لهم من الحياة الذليلة.

استمع إلى القرآن وهو يصور هذه المعاني بأسلوبه البليغ فيقول:

ثم قال ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ) أي : ببعض ذنوبهم السالفة ، كما قال بعض السلف : إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، وإن من جزاء السيئة السيئة بعدها .

ثم قال تعالى : ( ولقد عفا الله عنهم ) أي : عما كان منهم من الفرار ( إن الله غفور حليم ) أي : يغفر الذنب ويحلم عن خلقه ، ويتجاوز عنهم ، وقد تقدم حديث ابن عمر في شأن عثمان ، رضي الله عنه ، وتوليه يوم أحد ، وأن الله [ قد ] عفا عنهم ، عند قوله : ( ولقد عفا عنكم ) ومناسب ذكره هاهنا .

قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن عاصم ، عن شقيق ، قال : لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة ، فقال له الوليد : ما لي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان ؟ فقال له عبد الرحمن : أبلغه أني لم أفر يوم عينين - قال عاصم : يقول يوم أحد - ولم أتخلف عن بدر ، ولم أترك سنة عمر . قال : فانطلق فخبر ذلك عثمان ، قال : فقال : أما قوله : إني لم أفر يوم عينين فكيف يعيرني بذنب قد عفا الله عنه ، فقال : ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ) وأما قوله : إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت ، وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم ، ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم فقد شهد . وأما قوله : " إني لم أترك سنة عمر " فإني لا أطيقها ولا هو ، فأته فحدثه بذلك .

القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إنّ الذين ولَّوا عن المشركين، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وانهزموا عنهم.

* * *

وقوله: " تولَّوا "،" تفعَّلوا "، من قولهم: " ولَّى فلان ظهره ". (23)

* * *

وقوله: " يوم التقى الجمعان "، يعني: يوم التقى جمعُ المشركين والمسلمين بأحد =" إنما استزلهم الشيطان "، أي: إنما دعاهم إلى الزّلة الشيطانُ.

* * *

وقوله " استزل "" استفعل " من " الزلة ". و " الزلة "، هي الخطيئة. (24)

* * *

=" ببعض ما كسبوا "، يعني ببعض ما عملوا من الذنوب (25) . =" ولقد عفا الله عنهم "، يقول: ولقد تجاوز الله عن عقوبة ذنوبهم فصفح لهم عنه (26) =" إن الله غفور "، يعني به: مغطّ على ذنوب من آمن به واتبع رسوله، بعفوه عن عقوبته إياهم عليها =" حليم "، يعني أنه ذو أناة لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة. (27)

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين عُنوا بهذه الآية.

فقال بعضهم: عني بها كلُّ من ولَّى الدُّبُرَ عن المشركين بأحد.

*ذكر من قال ذلك:

8098- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه قال: خطب عمر يوم الجمعة فقرأ "آل عمران "، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها، فلما انتهى إلى قوله: " إنّ الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان "، قال: لما كان يوم أحد هزمناهم، ففررتُ حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنـزو كأنني أرْوَى، (28) والناس يقولون: " قُتل محمد "! فقلت: لا أجد أحدًا يقول: " قتل محمد "، إلا قتلته!. حتى اجتمعنا على الجبل، فنـزلت: " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان "، الآية كلها. (29)

8099- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان "، الآية، وذلك يوم أحد، ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبيّ الله يومئذ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه، فأنـزل الله عز وجل ما تسمعون: أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم.

8100- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان "، الآية، فذكر نحو قول قتادة.

* * *

وقال آخرون: بل عني بذلك خاصٌّ ممن ولَّى الدبر يومئذ، قالوا: وإنما عنى به الذين لحقوا بالمدينة منهم دون غيرهم.

*ذكر من قال ذلك:

8101- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما انهزموا يومئذ، تفرّق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم &; 7-329 &; أصحابه، فدخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها، فذكر الله عز وجل الذين انهزموا فدخلوا المدينة فقال: " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان "، الآية.

* * *

وقال آخرون: بل نـزل ذلك في رجال بأعيانهم معروفين.

*ذكر من قال ذلك:

8102- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عكرمة قوله: " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان "، قال: نـزلت في رافع بن المعلَّى وغيره من الأنصار، وأبي حُذيفة بن عتبة ورجل آخر = قال ابن جريج: وقوله: " إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم "، إذ لم يعاقبهم.

8103- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فرّ عثمان بن عفان، وعقبة بن عثمان، وسعد بن عثمان -رجلان من الأنصار- حتى بلغوا الجلْعَب = (30) جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص - فأقاموا به ثلاثًا، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضةً!! (31)

8104- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " الآية، &; 7-330 &; والذين استزلهم الشيطان: عثمان بن عفان، وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان، الأنصاريان، ثم الزّرَقَّيان (32) .

* * *

وأما قوله: " ولقد عفا الله عنهم "، فإن معناه: ولقد تجاوز الله عن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان، أن يعاقبهم بتوليهم عن عدوّهم. كما:-

8105- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: " ولقد عفا الله عنهم "، يقول: " ولقد عفا الله عنهم "، إذ لم يعاقبهم.

8106- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله في تولِّيهم يوم أحد: " ولقد عفا الله عنهم "، فلا أدري أذلك العفو عن تلك العصابة، أم عفوٌ عن المسلمين كلهم؟.

* * *

وقد بينا تأويل قوله: " إن الله غفور حليم "، فيما مضى. (33)

-------------------

الهوامش :

(23) انظر تفسير"تولى" فيما سلف 2: 162 ، 299 / 3 : 115 ، 131 / 4 : 237 / 6 : 283 ، 291 ، 477 ، 483.

(24) انظر تفسير: "زل" فيما سلف 1: 524 ، 525 / 4: 259 ، 260.

(25) انظر تفسير"كسب" فيما سلف 2: 273 ، 274 / 3: 101 ، 128 / 4: 449 / 6 : 131 ، 295.

(26) انظر تفسير"عفا" فيما سلف من فهارس اللغة.

(27) انظر تفسير"غفور حليم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(28) "أنزو": أثبت ، والنزو الوثب. والأروى: أنثى الوعول ، وهي قوية على التصعيد في الجبال.

(29) الأثر: 8098-"أبو هشام الرفاعي" هو"محمد بن يزيد بن محمد بن كثير" ، مضى في رقم: 3286 ، 4557 ، 4888 ، وغيرها. و"أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي الحناط" ، قيل اسمه"محمد" ، وقيل: "عبد الله" وقيل وقيل ، ولكن الحافظ قال: "والصحيح أن اسمه كنيته ، كان حافظًا متقنًا ، ولكنه لما كبر ساء حفظه ، فكان يهم إذا روى ، والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر ، كما قال ابن حبان". مترجم في التهذيب.

و"عاصم بن كليب بن شهاب المجنون الجرمي" ، روى عن أبيه ، وأبي بردة بن أبي موسى ، ومحمد بن كب القرظي ، وغيرهم. روى عنه ابن عون وشعبة وشريك والسفيانان وغيرهم. قال أحمد: "لا بأس بحديثه" ، وقال النسائي وابن معين: "ثقة". وكان من العباد ، ولم يكن كثير الحديث. مترجم في التهذيب.

وأبوه: "كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي" ، روى عن أبيه ، وعن خاله الفلتان بن عاصم ، وعمر ، وعلي ، وسعد ، وأبي ذر ، وأبي موسى ، وأبي هريرة وغيرهم. قال ابن سعد: "كان ثقة ، ورأيتهم يستحسنون حديثه ويحتجون به". مترجم في التهذيب.

(30) "الجلعب" ضبطه البكري بفتح الجيم وسكون اللام وفتح العين ، وضبطه ياقوت بفتح الجيم واللام وسكون العين ، وقال: وقد تناء بعضهم في الشعر كعادتهم في أمثاله فقال (من أبيات صححتها ، ففي مطبوعة معجم البلدان خطأ كثير):

فَمَـا فَتِئَـتْ ضُبْـعُ الجَـلَعْبَيْنِ تَعْتَرى

مَصَـارِعَ قَتْـلَى فِـي الـتُّرَابِ سِبَالُهَا

(31) قوله: "لقد ذهبتم فيها عريضة" ، أي واسعة. والضمير في قوله: "فيها" إلى"الأرض" ، يقول: لقد اتسعت منادح الأرض في وجوهكم حين فررتم ، فأبعدتم المذهب ، يتعجب من فعلهم. هذا ، ولم أجد الأثر في سيرة ابن هشام.

(32) الأثر: 8104- لم أجد هذا الأثر أيضًا في سيرة ابن هشام.

(33) انظر ما سلف 5: 117 ، 521.

التدبر :

وقفة
[15٥] إن القتال في الجهاد إنما هو بالأعمال, فمن كان أصبر في أعمال الطاعة كان أجلد على قتال الكفار.
وقفة
[15٥] قد يكون تقصيرك وبعدك عن الله تعالى بسبب ذنب فعلته، فأكثر اليوم من الصدقة، والاستغفار، والتوبة ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
وقفة
[155] إذا قارف العبد الذنب، ولم يبادر إلى التوبة؛ فلا يأمن أن يسلط الله عليه الشيطان؛ فيستنزله ويغويه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
وقفة
[15٥] الذنب يولد الذنب، والسيئة تولد السيئة؛ وهذا ما يوجب التوبة من الذنب فورًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
وقفة
[15٥] الذنوب في أوقات السراء سببٌ لمزلة القدم عند الضراء ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
تفاعل
[15٥] ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[15٥] ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ بسبب ذنوب فعلوها؛ كانوا أكثر عرضة لوسوسة الشيطان، الذنوب لا تأتي فرادى!
وقفة
[15٥] ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ من عقوبة الذنب: الذنب بعده، وأيضًا: عدم التوفيق إلى الطاعة.
وقفة
[15٥] ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ بعض ذنوبك أو نياتك السيئة؛ قد تكون سببًا في تسلط الشيطان عليك وصرفك عن الحق!
وقفة
[15٥] ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ بعض معاصينا كانزلاق القدم تحدث فجأة، نتعثر، نسقط، المهم أن لا تموت فينا عزيمة النهوض من جديد.
وقفة
[15٥] ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ المعصية قد تكون سبب الخذلان في المواقف الحاسمة.
وقفة
[15٥] ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ قيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساءهم؟! فقال: إنهم علموا أن الله ابتلاهم بذنوبهم ثم قرأ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: 30].
اسقاط
[15٥] بعض ذنوبك أو نواياك السيئة قد تكون سببًا لتسلط الشيطان عليك وصرفك عن الحق! ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
وقفة
[15٥] لا يضعف العالِم عن مواجهة الباطل إلا بسبب ذنب، فالذنوب تورث التردد ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
تفاعل
[15٥] ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يعفو عنك.
وقفة
[15٥] ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ اســم الله (الـعفو): الذي يمحو الذنب كله، وكأنه لم يكن.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: إسم موصول مبني على الفتح في محل نصب إسمها. تولوا: الجملة صلة الموصول. وهي: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. منكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «الَّذِينَ» و «من» بيانية والميم علامة الجمع.
  • ﴿ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ:
  • ظرف زمان متعلق بتولوا منصوب بالفتحة. التقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الجمعان: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. وجملة «الْتَقَى الْجَمْعانِ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ:
  • إنما: كافة ومكفوفة لأنّ «ما» هنا حرفية. استزلهم: فعل ماض مبني على الفتح. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة وجملة «اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ» في محل رفع خبر «ان» بمعنى طلب ايقاعهم في الزلل أي الخطيئة.
  • ﴿ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا:
  • جار ومجرور متعلق باستزلّ. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. كسبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. وجملة «كَسَبُوا» صلة الموصول لا محل لها والعائد محذوف أي بسبب ما اكتسبوه من الذنوب.
  • ﴿ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ:
  • الواو: استئنافية. اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. عفا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. عنهم: جار ومجرور متعلق بعفا.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة. غفور: خبرها مرفوع بالضمة. حليم صفة- نعت- لغفور أو خبر ثان للحرف «إِنَّ» مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

آل عمران: 155﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا
آل عمران: 166﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّـهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ
الأنفال: 41﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [155] لما قبلها :     وبعد أن امتَنَّ اللهُ عز وجل على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأَمَنة؛ امتَنَّ هنا على الذين انهزموا يوم أُحُد بالعفو عليهم، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [156] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ ..

التفسير :

[156] يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تُشابهوا الكافرين الذين لا يؤمنون بربهم، فهم يقولون لإخوانهم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون في أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُتِلوا:لو لم يخرج هؤلاء ولم يقاتلوا وأقاموا

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يشابهوا الكافرين، الذين لا يؤمنون بربهم، ولا بقضائه وقدره، من المنافقين وغيرهم. ينهاهم عن مشابهتهم في كل شيء، وفي هذا الأمر الخاص وهو أنهم يقولون لإخوانهم في الدين أو في النسب:{ إذا ضربوا في الأرض} أي:سافروا للتجارة{ أو كانوا غزى} أي:غزاة، ثم جرى عليهم قتل أو موت، يعارضون القدر ويقولون:{ لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} وهذا كذب منهم، فقد قال تعالى:{ قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} ولكن هذا التكذيب لم يفدهم، إلا أن الله يجعل هذا القول، وهذه العقيدة حسرة في قلوبهم، فتزداد مصيبتهم، وأما المؤمنون بالله فإنهم يعلمون أن ذلك بقدر الله، فيؤمنون ويسلمون، فيهدي الله قلوبهم ويثبتها، ويخفف بذلك عنهم المصيبة. قال الله ردا عليهم:{ والله يحيي ويميت} أي:هو المنفرد بذلك، فلا يغني حذر عن قدر.{ والله بما تعملون بصير} فيجازيكم بأعمالكم وتكذيبكم.

فقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إلخ كلام مستأنف قصد به تحذير المؤمنين من التشبه بالكافرين ومن الاستماع إلى أقوالهم الذميمة.

والمراد بالذين كفروا المنافقون كعبد الله بن أبى بن سلول وأشباهه من المنافقين الذين سبق للقرآن أن حكى عنهم أنهم قالوا: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا.

وإنما ذكرهم بصفة الكفر للتصريح بمباينة حالهم لحال المؤمنين وللتنفير عن مماثلتهم ومسايرتهم. وقيل المراد بهم جميع الكفار.

والمراد بإخوانهم: إخوانهم في الكفر والنفاق والمذهب أو في النسب وقوله إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أى سافروا فيها للتجارة أو غيرها فماتوا. وأصل الضرب: إيقاع شيء على شيء ثم استعمل في السير، لما فيه من ضرب الأرض بالأرجل، ثم صار حقيقة فيه.

وقوله: غُزًّى جمع غاز كراكع وركع، وصائم وصوم، ونائم ونوم.

والمعنى: يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا بفزع وجزع من أجل إخوانهم الذين فقدوهم بسبب سفرهم للتجارة أو بسبب غزوهم في سبيل الله.

قالوا على سبيل التفجع: لو كان هؤلاء الذين ماتوا في السفر أو الغزو مقيمين معنا، أو ملازمين بيوتهم، ولم يضربوا في الأرض ولم يغزوا فيها لبقوا أحياء ولما ماتوا أو قتلوا.

وقولهم هذا يدل على جبنهم وعجزهم، كما يدل على ضعف عقولهم وعدم إيمانهم بقضاء الله وقدره، إذ لو كانوا مؤمنين بقضاء الله وقدره لعلموا أن كل شيء عنده بمقدار، وأن العاقل هو الذي يعمل ما يجب عليه بجد وإخلاص ثم يترك بعد ذلك النتائج الله يسيرها كيف يشاء.

وقولهم هذا بجانب ذلك يدل على سوء نيتهم، وخبث طويتهم، لأنهم قصدوا به تثبيط عزائم المجاهدين عن الجهاد، وعن السعى في الأرض من أجل طلب الرزق الذي أحله الله.

والنهى في قوله- تعالى- لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا يشعر بالتفاوت الشديد بين المقامين:

مقام الإيمان ومقام الكفران، وأنه لا يليق بالمؤمن أن ينحدر إلى المنحدر الدون وهو التشبه بالكافرين، بعد أن رفعه الله بالإيمان إلى أعلى عليين، وفي هذا تقبيح للمنهى عنه بأبلغ وجه وبأدق تصوير.

واللام في قوله لِإِخْوانِهِمْ يرى صاحب الكشاف أنها للتعليل فقد قال: قوله: وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ أى لأجل إخوانهم، كقوله- تعالى- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ .

ويجوز أن تكون اللام للدلالة على موضع الخطاب، ويكون المعنى: لا تكونوا أيها المؤمنون كهؤلاء الذين كفروا وقالوا لإخوانهم الأحياء: لو كان أولئك الذين فقدناهم ملازمين لبيوتهم ولم يضربوا في الأرض ولم يغزوا لما أصابهم ما أصابهم من الموت أو القتل.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: فإن قيل إن قوله قالُوا لِإِخْوانِهِمْ يدل على الماضي، وقوله إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ يدل على المستقبل فكيف الجمع بينهما؟

فالجواب من وجوه:

أولها: أن قوله قالُوا تقديره: يقولون، فكأنه قيل: لا تكونوا كالذين كفروا ويقولون لإخوانهم كذا وكذا..

وإنما عبر عن المستقبل بلفظ الماضي للتأكيد وللإشعار بأن جدهم في تقرير الشبهة قد بلغ الغاية، وصار بسبب ذلك الجد ينظر إلى هذا المستقبل كالكائن الواقع.

وثانيها: أن الكلام خرج على سبيل حكاية الحال الماضية. والمعنى أن إخوانهم إذا ضربوا في الأرض، فالكافرون يقولون لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فمن أخبر عنهم بعد ذلك فلا بد أن يقول: قالوا.

وثالثها: قال «قطرب» كلمة «إذ» و «وإذا يجوز إقامة كل واحدة منهما مقام الأخرى وهو حسن لأنا إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول، فلأن يجوز إثباتها بالقرآن العظيم أولى»

وقوله أَوْ كانُوا غُزًّى معطوف على ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ من عطف الخاص بعد العام، اعتناء به لأن الغزو هو المقصود في هذا المقام وما قبله توطئة له.

قالوا: على أنه قد يوجد الغزو بدون الضرب في الأرض بناء على أن المراد بالضرب في الأرض السفر البعيد، فيكون على هذا بين الضرب في الأرض وبين الغزو خصوص وعموم من وجه.

وإنما لم يقل أو غزوا: للإيذان باستمرار اتصافهم بعنوان كونهم غزاة، أو لانقضاء ذلك، أى كانوا غزاة فيما مضى.

وقوله لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا في محل نصب مقول القول.

ثم بين- سبحانه- ما ترتب على أقوالهم من عواقب سيئة فقال: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ.

والحسرة- كما يقول الراغب- هي غم الإنسان على ما فاته، والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، أو انحسرت قواه- أى انسلخت- من فرط الغم، وأدركه إعياء عن تدارك ما فرط» .

فالحسرة هي الهم المضنى الذي يلقى على النفس الحزن المستمر والألم الشديد، واللام في قوله لِيَجْعَلَ هي التي تسمى بلام العاقبة، وهي متعلقة بقالوا أى قالوا ما قالوه لغرض من أغراضهم التي يتوهمون من ورائها منفعتهم ومضرة المؤمنين فكان عاقبة قولهم ومصيره إلى الحسرة والندامة لأن المؤمنين الصادقين لن يلتفتوا إلى هذا القول. بل سيمضون في طريق الجهاد الذي كتبه الله عليهم وسيكون النصر الذي وعدهم الله إياه حليفهم وبذلك يزداد الكافرون المنافقون حسرة على حسرتهم.

ويجوز أن تكون اللام للتعليل ويكون المعنى: ان الله- تعالى- طبع الكفار على هذه الأخلاق السيئة بسبب كفرهم وضلالهم لأجل أن يجعل الحسرة في قلوبهم والغم في نفوسهم والضلال بهذه الأقوال والأفعال في عقولهم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما متعلق ليجعل؟ قلت: قالوا. أى قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم على أن اللام مثلها في لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً أو لا تكونوا بمعنى:

لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعله الله حسرة في قلوبهم خاصة ويصون منها قلوبكم. فإن قلت: ما معنى إسناد الفعل إلى الله؟ قلت: معناه أن الله- تعالى- عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغم والحسرة في قلوبهم ويضيق صدورهم عقوبة لهم..

كما قال- تعالى- وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ.

ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دل عليه النهى، أى لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون ومضادتهم مما يغمهم ويغيظهم» .

والجعل هنا بمعنى التصيير، وقوله حَسْرَةً مفعول ثان له، وقوله، فِي قُلُوبِهِمْ متعلق بيجعل.

وذكر القلوب مع أن الحسرة لا تكون إلا فيها، لإرادة التمكن، والإيذان بعدم الزوال.

وقوله وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ رد على قولهم الباطل أثر بيان سوء عاقبته وحض للمؤمنين على الجهاد في سبيل الله وترغيب لهم في العمل الصالح، أى أن الأرواح كلها بيد الله يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء فالقعود في البيوت لا يطيل الآجال كما أن الخروج للجهاد في سبيل الله أو للسعي في طلب الرزق لا ينقصها ومادام الأمر كذلك فعلى العاقل أن يسارع إلى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله، وأن يسعى في الأرض ذات الطول والعرض ليأكل من رزق الله وأن يباشر الأسباب التي شرعها الله بدون عجز أو كسل وليعلم أن الله مطلع على أعمال الناس وأقوالهم وسيجازيهم عليها يوم القيامة بما يستحقون من خير أو شر.

ينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد ، الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار وفي الحروب : لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم . فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم ) أي : عن إخوانهم ( إذا ضربوا في الأرض ) أي : سافروا للتجارة ونحوها ( أو كانوا غزى ) أي : في الغزو ( لو كانوا عندنا ) أي : في البلد ( ما ماتوا وما قتلوا ) أي : ما ماتوا في السفر ولا قتلوا في الغزو .

وقوله : ( ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ) أي : خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتهم وقتلهم ثم قال تعالى ردا عليهم : ( والله يحيي ويميت ) أي : بيده الخلق وإليه يرجع الأمر ، ولا يحيا أحد ولا يموت إلا بمشيئته وقدره ، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه إلا بقضائه وقدره ( والله بما تعملون بصير ) أي : وعلمه وبصره نافذ في جميع خلقه ، لا يخفى عليه من أمورهم شيء .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وأقرّوا بما جاء به محمد من عند الله، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله، فجحد نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لإخوانه من أهل الكفر =" إذا ضربوا في الأرض " &; 7-331 &; فخرجوا من بلادهم سفرًا في تجارة =" أو كانوا غُزًّى "، يقول: أو كان خروجهم من بلادهم غزاةً فهلكوا فماتوا في سفرهم، أو قتلوا في غزوهم =" لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا "، يخبر بذلك عن قول هؤلاء الكفار أنهم يقولون لمن غزا منهم فقتل، أو مات في سفر خرج فيه في طاعة الله، أو تجارة: لو لم يكونوا خرجوا من عندنا، وكانوا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا =" ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم "، يعني: أنهم يقولون ذلك، كي يجعل الله قولهم ذلك حزنًا في قلوبهم وغمًّا، ويجهلون أن ذلك إلى الله جل ثناؤه وبيده.

* * *

وقد قيل: إن الذين نهى الله المؤمنين بهذه الآية أن يتشبَّهوا بهم فيما نهاهم عنه من سوء اليقين بالله، هم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه.

*ذكر من قال ذلك:

8107- حدثني محمد قال: حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية، قال: هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي.

8108- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: " وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزًّى "، قول المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول.

8109- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

* * *

وقال آخرون في ذلك: هم جميع المنافقين.

*ذكر من قال ذلك:

8110- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " يا أيها &; 7-332 &; الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية، أي: لا تكونوا كالمنافقين الذي ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله، ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا: لو أطاعونا ما ماتوا وما قُتلوا. (34)

* * *

وأما قوله: " إذا ضربوا في الأرض "، فإنه اختلف في تأويله. (35) فقال بعضهم: هو السفر في التجارة، والسير في الأرض لطلب المعيشة.

*ذكر من قال ذلك:

8111- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إذا ضربوا في الأرض "، وهي التجارة.

* * *

وقال آخرون: بل هو السير في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

*ذكر من قال ذلك:

8112- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إذا ضربوا في الأرض "، الضربُ في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله. (36)

* * *

وأصل " الضرب في الأرض "، الإبعاد فيها سيرًا. (37)

* * *

وأما قوله: " أو كانوا غُزًّى "، فإنه يعني: أو كانوا غزاة في سبيل الله.

* * *

و " الغزَّى " جمع " غاز "، جمع على " فعَّل " كما يجمع " شاهد "" شهَّد "، و " قائل "" قول "،. وقد ينشد بيت رؤبة:

&; 7-333 &; فــاليوم قَــدْ نَهْنَهِنــي تَنَهْنُهِــي

وَأوْلُ حِــــلْمٍ لَيْسَ بِالمُسَــــفَّهِ

وَقُوَّلٌ: إلا دَهٍ فَلا دَهِ (38)

وينشد أيضًا:

وقَوْلُهُمْ: إلا دَهٍ فَلا دَهِ *

* * *

وإنما قيل: " لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى "، فأصحبَ ماضي الفعل، الحرفَ الذي لا يصحب مع الماضي منه إلا المستقبل، فقيل: " وقالوا لإخوانهم "، ثم قيل: " إذا ضربوا "، وإنما يقال في الكلام: " أكرمتك إذْ زرتني"، ولا يقال: " أكرمتك إذا زرتني". لأن " القول " الذي في قوله: " وقالوا لإخوانهم "، وإن كان في لفظ الماضي فإنه بمعنى &; 7-334 &; المستقبل. وذلك أن العرب تذهب بـ" الذين " مذهب الجزاء، وتعاملها في ذلك معاملة " من " و " ما "، لتقارب معاني ذلك في كثير من الأشياء، وإن جميعهنّ أشياء (39) مجهولات غير موقتات توقيت " عمرو " و " زيد ". (40) .

فلما كان ذلك كذلك = وكان صحيحًا في الكلام فصيحًا أن يقال للرجل: " أكرمْ من أكرمك "" وأكرم كل رجل أكرمك "، فيكون الكلام خارجًا بلفظ الماضي مع " من "، و " كلٍّ"، مجهولَيْنِ ومعناه الاستقبال، (41) إذ كان الموصوف بالفعل غير مؤقت، وكان " الذين " في قوله: " لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض "، غير موقَّتين، (42) = أجريت مجرى " من " و " ما " في ترجمتها التي تذهب مذهب الجزاء، (43) وإخراج صلاتها بألفاظ الماضي من الأفعال وهي بمعنى الاستقبال، كما قال الشاعر في" ما ": (44)

وإنّــي لآتِيكُـمْ تَشَـكُّرَ مَـا مَضَـى

مِـنَ الأمْـرِ واسْتِيجَابَ مَا كَانَ فِي غَدِ (45)

فقال: " ما كان في غد "، وهو يريد: ما يكون في غد. ولو كان أراد الماضي لقال: " ما كان في أمس "، ولم يجز له أن يقول: " ما كان في غد ".

ولو كان " الذي" موقَّتًا، لم يجز أن يقال ذلك. خطأ أن يقال: " لتُكرِمن &; 7-335 &; هذا الذي أكرمك إذا زرته "، (46) لأن " الذي" ههنا موقّت، فقد خرج من معنى الجزاء، ولو لم يكن في الكلام " هذا "، لكان جائزًا فصيحًا، لأن " الذي" يصير حينئذ مجهولا غير موقت. ومن ذلك قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [سورة الحج: 25] فردّ" يصدون " على " كفروا "، لأن " الذين " غير موقتة. فقوله: " كفروا "، وإن كان في لفظ ماض، فمعناه الاستقبال، وكذلك قوله: إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [سورة مريم: 60] وقوله: إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [سورة المائدة: 34]، معناه: إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم = وإلا من يتوب ويؤمن. ونظائر ذلك في القرآن والكلام كثير، والعلة في كل ذلك واحدة. (47) .

* * *

وأما قوله: " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم "، فإنه يعني بذلك: حزنًا في قلوبهم، (48) كما:-

8113- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " في قلوبهم "، قال: يحزنهم قولهم، لا ينفعهم شيئًا.

8114- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

8115- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم "، لقلة اليقين بربهم جل ثناؤه. (49)

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (والله يحيي ويميت) والله المعجِّل الموتَ لمن يشاء من حيث يشاء، (50) والمميت من يشاء كلما شاء، دون غيره من سائر خلقه.

وهذا من الله عز وجل ترغيبٌ لعباده المؤمنين على جهاد عدوه والصبر على قتالهم، وإخراج هيبتهم من صدورهم، وإن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم وأعداء الله = وإعلامٌ منه لهم أن الإماتة والإحياء بيده، وأنه لن يموت أحدٌ ولا يقتل إلا بعد فناء أجله الذي كتب له = ونهيٌ منه لهم، إذ كان كذلك، أن يجزعوا لموت من مات منهم أو قتل من قتل منهم في حرب المشركين.

* * *

ثم قال جل ثناؤه: " والله بما تعملون بصيرٌ"، يقول: إن الله يرى ما تعملون من خير وشر، فاتقوه أيها المؤمنون، إنه محصٍ ذلك كله، حتى يجازي كل عامل بعمله على قدر استحقاقه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال ابن إسحاق.

8116- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " والله يحيي ويميت "، أي: يعجل ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته. (51)

-----------------

الهوامش :

(34) الأثر: 8110- سيرة ابن هشام 3: 122 ، 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8096.

(35) انظر تفسير"ضرب في الأرض" فيما سلف 5: 593 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 106.

(36) الأثر: 8112- سيرة ابن هشام 3: 122 ، 123 ، وهو بعض الأثر السالف: 8110 ، وتتمته.

(37) انظر تفسير"ضرب في الأرض" فيما سلف 5: 593 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 106.

(38) ديوانه: 166 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 106 ، ومشكل القرآن: 438 ، وجمهرة الأمثال: 23 ، وأمثال الميداني 1: 38 ، والخزانة 3: 90 ، واللسان (قول) (دها) ، وغيرها كثير ، وسيأتي في التفسير 24: 66 (بولاق). وهو من قصيدته التي يذكر فيها نفسه وشبابه ، وقد سلفت منها عدة أبيات في مواضع متفرقة.

"نهنهت فلانًا عن الشيء فتنهنه" ، أي: زجرته فانزجر ، وكففته فانكف. و"الأول": الرجوع. يقول: قد كفني عن الصبا طولى عتابي لنفسي وملامتي إياها ، ورجوع عقل لا يوصف بالسفه ، بعد جنون الشباب ، ثم قول الناس: "إلا ده ، فلا ده".

وقد اختلف في تفسير"إلا ده فلا ده" ، اختلاف كثير ، قال أبو عبيدة: "يقول إن لم يكن هذا فلا ذا. ومثل هذا قولهم: إن لم تتركه هذا اليوم فلا تتركه أبدًا ، وإن لم يكن ذاك الآن ، لم يكن أبدًا". وقال ابن قتيبة: "يريدون: إن لم يكن هذا الأمر لم يكن غيره . . . ويروى أهل العربية أن الدال فيه مبدلة من ذال ، كأنهم أرادوا: إن لم تكن هذه ، لم تكن أخرى".

وقال أبو هلال: "قال بعضهم: يضرب مثلا للرجل يطلب شيئًا ، فإذا منعه طلب غيره. وقال الأصمعي: لا أدري ما أصله! وقال غيره: أصله أن بعض الكهان تنافر إليه رجلان فامتحناه ، فقالا له: في أي شيء جئناك؟ قال: في كذا ، قالا: لا! فأعاد النظر وقال: إلا ده فلا ده - أي: إن لم يكن كذا فليس غيره ، ثم أخبرهما. . . وكانت العرب تقول ، إذا رأى الرجل ثأره: إلا ده فلا ده - أي: إن لم يثأر الآن ، لم يثأر أبدًا".

ومهما يكن من أصله ، فإن رؤبة يريد: زجرني عن ذلك كف نفسي عن الغي ، وأوبة حلم أطاره جنون الشباب ، وقول ناصحين يقول: إن لم ترعو الآن عن غيك ، فلن ترعوى ما عشت!

(39) في المطبوعة: "وأن جمعهن أشياء. . ." ، وهو خطأ صوابه من المطبوعة.

(40) الموقت ، والتوقيت: هو المعرفة المحددة ، والتعريف المحدد ، وهو الذي يعني سماه تعيينًا مطلقًا غير مقيد ، مثل"زيد" ، فإنه يعين مسماه تعيينًا مطلقًا ، أو محددًا. وانظر ما سلف 1: 181 ، تعليق: 1 / 2: 339. والمجهول: غير المعروف ، وهو النكرة.

(41) في المخطوطة والمطبوعة"مع من وكل مجهول" ، والصواب ما أثبت ، ويعني بقوله"مجهولين": نكرتين.

(42) "موقتين" جمع"موقت" بالياء والنون ، وهي المعرفة كما سلف. والسياق"وكان الذين .. .. .. غير موقتين" ، لأن"الذين" جمع ، فوصفها بالجمع.

(43) في المخطوطة"التي تذهب الجزاء" ، وفي معاني القرآن للفراء 1: 243: "لأن"الذين" يذهب بها إلى معنى الجزاء ، من: من ، وما". فالتصرف الذي ذهب إليه الناشر الأول صواب جيد جدًا."والترجمة" هنا: التفسير والبيان.

(44) هو الطرماح بن حكيم.

(45) مضى تخريج البيت وشرحه فيما سلف 2: 351 ، تعليق: 5.

(46) في المطبوعة"خطأ أن يقال لك من هذا الذي. . ." أخطأ قراءة المخطوطة فجعل"لتكرمن""لك من" وهو فاسد ، والصواب ما أثبت ، وهو الذي يدل عليه السياق.

(47) انظر معاني القرآن للفراء 1: 243 ، 244.

(48) انظر تفسير"الحسرة" فيما سلف 3: 295 - 299.

(49) الأثر: 8115- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8110 ، 8112.

(50) أخشى أن يكون سقط من الناسخ بعض تفسير الآية ، وكأنه كان: "والله المؤخر أجل من يشاء من حيث شاء ، وهو المعجل. . ." ، وانظر الأثر الآتي رقم: 8116.

(51) الأثر: 8116- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8115.

التدبر :

وقفة
[156] المنافقون يتهمون جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالتسبب بقتل المسلمين ﴿وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾.
وقفة
[156]﴿لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا﴾ (لو) حرف يفتح باب الحسرة على ما فات، والتردد في ما هو آت، لا تقل: لو.
وقفة
[156] ﴿لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا﴾ (لو) حرف يفسد أجر الماضي، ويعكر صفو المستقبل.
وقفة
[156] من عمل الشيطان: تشييع الماضي بالنحيب والعويل، وما يلقيه في النفوس من أسى وقنوط على ما فات: ﴿لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ﴾.
وقفة
[156] ﴿لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ كل من لم يسلم للقضاء والقدر فسيشرب من كأس الحسرة، شاء أم أبى.
وقفة
[156] ذم الله قومًا تسخَّطوا القدر، واعترضوا على قضاء الله في حقِّ المجاهدين، وخذلوا بكلامهم، فقالوا: ﴿لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾، وها نحن نسمع من يقولُ مثل هذا القول في حقِّ إخوتنا في غزة.
وقفة
[156] كل ما في القرآن العظيم من حسرة, فهي: الندامة؛ إلا ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾، فمعناه: الحزن.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء. أيّ: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح ب «في» محل نصب بدل من «أي» أو عطف بيان لها. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة .. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا:
  • لا: ناهية جازمة. تكونوا: فعل مضارع ناقص مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة كالذين. الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب خبر «كان» الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة كفروا تعرب اعراب «آمَنُوا
  • ﴿ وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ:
  • وقالوا: معطوفة بواو العطف على «كَفَرُوا» وتعرب إعرابها لإخوانهم جار ومجرور متعلق بقالوا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ:
  • إذا: ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون. متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه أو تكون «إِذا» لحكاية الحال أي لا يراد بها المستقبل فلا جواب لها أي تكون ظرف زمان بمعنى «حين» مبنيا على السكون متعلقا بقالوا. ضربوا: تعرب إعراب «كَفَرُوا» وجملة «ضَرَبُوا» في محل جر بالاضافة. في الأرض: جار ومجرور متعلق بضربوا وجملة «إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى جمع غاز» اعتراضية لا محل لها بمعنى سافروا فيها.
  • ﴿ أَوْ كانُوا غُزًّى:
  • أو كانوا: معطوفة بحرف العطف «أَوْ» على «ضَرَبُوا». كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» غزا خبر «كان» منصوب بالفتحة لأن أصل الكلمة «غزا» وجملة «أَوْ كانُوا غُزًّى» في محل جر بالاضافة لأنها معطوفة على جملة في محل جر بمعنى أو كانوا محاربين.
  • ﴿ لَوْ كانُوا عِنْدَنا:
  • حرف شرط غير جازم- حرف امتناع لامتناع. كانوا: سبق إعرابها. عندنا: ظرف مكان متعلق بخبر «كان» المحذوف. و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجملة «لَوْ كانُوا عِنْدَنا» في محل نصب مفعول به- مقول القول- أي لو كانوا مجتمعين عندنا.
  • ﴿ ما ماتُوا وَما قُتِلُوا:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها. ما: نافية لا عمل لها. ماتوا: تعرب اعراب «كَفَرُوا» وما قتلوا معطوفة بواو العطف على «ما ماتُوا» والفعل «قتل» مبني للمجهول والواو في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ:
  • اللام: لام التعليل وهي حرف جر. يجعل: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه: الفتحة والفعل «يجعل» من أفعال الصيرورة. وجملة «يجعل الله» صلة «أن» لا محل لها. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. ذلك: ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول. اللام: للبعد والكاف للخطاب. و «أن المضمرة وما بعدها» بتاويل مصدر في محل جر بلام التعليل.
  • ﴿ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ:
  • حسرة: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. في قلوبهم: جار ومجرور و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من حسرة.
  • ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ:
  • الواو: استئنافية. الله: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة يحيي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يُحْيِي» في محل رفع خبر للمبتدأ ويميت: معطوفة بواو العطف على «يُحْيِي» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل «يُمِيتُ» الضمة الظاهرة ومفعولا «يُحْيِي» و «يُمِيتُ» محذوفان اختصارا. بتقدير: يحيي الخارجين للقتال ويميت القاعدين عنه.
  • ﴿ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
  • الواو: عاطفة. الله: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. بما: جار ومجرور متعلق ببصير. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. تعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بصير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وجملة «تَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: بما تعملونه أو تكون «ما» مصدرية أي بعملكم. '

المتشابهات :

آل عمران: 156﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ
الأحزاب: 69﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّـهُ مِمَّا قَالُوا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [156] لما قبلها :     ولَمَّا سبق ذكر المنافقين وما دعوا إليه؛ جاء هنا تحذير المؤمنين منهم، والتأكيد على عدم متابعتهم ومشابهتهم، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

القراءات :

تعملون:
قرئ:
1- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة ابن كثير، والأخوين.
2- بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة الباقين.

مدارسة الآية : [157] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ..

التفسير :

[157] ولئن قُتِلتم -أيها المؤمنون- وأنتم تجاهدون في سبيل الله أو متم في أثناء القتال، ليغفرن الله لكم ذنوبكم، وليرحمنكم رحمة من عنده، فتفوزون بجنات النعيم، وذلك خير من الدنيا وما يجمعه أهلها.

ثم أخبر تعالى أن القتل في سبيله أو الموت فيه، ليس فيه نقص ولا محذور، وإنما هو مما ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنه سبب مفض وموصل إلى مغفرة الله ورحمته، وذلك خير مما يجمع أهل الدنيا من دنياهم، وأن الخلق أيضا إذا ماتوا أو قتلوا بأي حالة كانت، فإنما مرجعهم إلى الله، ومآلهم إليه، فيجازي كلا بعمله، فأين الفرار إلا إلى الله، وما للخلق عاصم إلا الاعتصام بحبل الله؟"

ثم رد الله- تعالى- على أولئك الكافرين برد آخر، فيه تثبيت للمؤمنين، وترغيب لهم في الجهاد فقال: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ أيها المؤمنون وأنتم تجاهدون فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ على فراشكم بدون قتل بعد أن أديتم رسالتكم في الحياة على أكمل وجه، وأطعتم ربكم فيما أمركم به أو نهاكم عنه لنلتم مغفرة من الله- تعالى- لذنوبكم ولظفرتم برحمته الواسعة التي تسعدكم.

وقوله خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أى خير مما يجمعه الكفرة من متع الدنيا وشهواتها الزائلة بخلاف مغفرة الله ورحمته فإنهما باقيتان ولا كدر معهما ولا تعب ولا قلق. واللام في قوله وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ.

موطئة للقسم، أى: والله لئن قتلتم في سبيل الله أو متم.

وقوله لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ جواب القسم وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ووفائه بمعناه.

وقوله : ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ) تضمن هذا أن القتل في سبيل الله ، والموت أيضا ، وسيلة إلى نيل رحمة الله وعفوه ورضوانه ، وذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)

قال أبو جعفر: يخاطب جل ثناؤه عباده المؤمنين، يقول لهم: (52) لا تكونوا، أيها المؤمنون، في شك من أن الأمور كلها بيد الله، وأن إليه الإحياء والإماتة، كما شك المنافقون في ذلك، ولكن جاهدوا في سبيل الله وقاتِلوا أعداء الله، على يقين منكم بأنه لا يقتل في حرب ولا يموت في سفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته. ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمةَ، وأخبرهم أن موتًا في سبيل الله وقتلا في الله، (53) خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حُطامها ورغيد عيشها الذي من أجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله، ويتأخرون عن لقاء العدو، كما:-

8117- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون "، أي: إن الموت كائن لا بد منه، فموت في سبيل الله أو قتل، خير = لو علموا فأيقنوا = مما يجمعون في الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد، تخوفًا من الموت والقتل لما جمعوا من زَهرة الدنيا، وزهادةً في الآخرة. (54) .

* * *

قال أبو جعفر: وإنما قال الله عز وجل: " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون "، وابتدأ الكلام: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ بحذف جواب " لئن "، (55) لأن في قوله: &; 7-338 &; " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " معنى جواب للجزاء، (56) وذلك أنه وَعدٌ خرج مخرج الخبر.

* * *

فتأويل الكلام: ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم، ليغفرن الله لكم وليرحمنّكم = فدلّ على ذلك بقوله: " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون "، وجمع مع الدلالة به عليه، الخبَرَ عن فضل ذلك على ما يؤثرونه من الدنيا وما يجمعون فيها.

* * *

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة، أنه إن قيل: كيف يكون: " لمغفرة من الله ورحمة " جوابًا لقوله: " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم "؟ فإن الوجه فيه أن يقال فيه كأنه قال: ولئن متم أو قتلتم فذلك لكم رحمة من الله ومغفرة، إذ كان ذلك في سبيلي، (57) فقال: " لمغفرة من الله ورحمة " يقول: لذلك خير مما تجمعون، يعني: لتلك المغفرة والرحمة خير مما تجمعون.

* * *

ودخلت اللام في قوله: " لمغفرة من الله "، لدخولها في قوله: و " لئن "، كما قيل: وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ [سورة الحشر: 12]

* * *

---------------

الهوامش:

(52) في المطبوعة: "فخاطب" ، وأثبت صوابها من المخطوطة.

(53) في المطبوعة: "وقتلا" وأثبت ما في المخطوطة ، وهو أجود.

(54) الأثر: 8117- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8116. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "لما جمعوا من زهيد الدنيا" وهو تحريف ، والصواب من سيرة ابن هشام. وزهرة الدنيا: حسنها وبهجتها وغضارتها ، وكثرة خيرها ، ورغيد عيشها. وفي سيرة ابن هشام: "زهادة في الآخرة" ، بغير واو.

(55) في المطبوعة والمخطوطة"بحذف جزاء لئن" ، وهو خطأ بين وتصحيف من الناسخ ، سقطت منه باء"جواب" فكتب"جزاء".

(56) في المطبوعة والمخطوطة: "معنى جواز للجزاء" ، وهو تصحيف لا معنى له ، والصواب ما أثبت.

(57) في المطبوعة والمخطوطة: "فإن [القول] فيه أن يقال فيه: كأنه قال: ولئن متم أو قتلتم [فذكر لهم] رحمة من الله ومغفرة ، إذا كان ذلك في [السبيل]" ، وقد وضعت الكلمات التي استبدلت بها غيرها بين أقواس. وهذه الجملة التي في المطبوعة والمخطوطة لا يكاد يكون لها معنى. فالكلمة الأولى"القول" لا شك في خطئها ، وصوابها ما أثبت. أما "فذكر لهم" ، فإني أظن أن الناسخ قد أخطأ قراءة المخطوطة القديمة التي نقل عنها فقرأ"فذلك لكم""فذكر لهم" وأما "السبيل" ، ففي المخطوطة ضرب خفيف على ألف"السبيل" ، فرجحت قراءتها كما أثبت. وهو حق المعنى ، فاستقامت هذه الجملة مع ما بعدها ، والحمد لله.

التدبر :

وقفة
[157] من أعظم المنازل وأكرمها عند الله تعالى منازل الشهداء في سبيله.
وقفة
[157] ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ﴾ أيها المؤمنون في سبيل الله؛ أي: في الجهاد، أو متم حتف الأنف؛ وأنتم متلبسون به فعلًا أو نية, ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي: الكفار من منافع الدنيا ولذاتها مدة أعمارهم؛ وهذا ترغيب للمؤمنين في الجهاد، وأنه مما يجب أن يتنافس فيه المتنافسون، وفيه تعزية لهم وتسلية مما أصابهم في سبيل الله تعالى إثر إبطال ما عسى أن يثبطهم عن إعلاء كلمة الله تعالى.
وقفة
[157] ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ قال الإمام القشيري: «بذل الروح في الله خير من الحياة بغير الله».
وقفة
[157] ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ خياراتك كلها سعيدة يا مؤمن.
وقفة
[157] المجاهد في سبيل الله ينال الأجر، ولو مات على فراشه ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
تفاعل
[157] ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ سَل الله من فضله.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ:
  • الواو: استئنافية. اللام: مؤذنة موطئة للقسم. إن: أداة شرط جازمة. قتلتم: فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين: التاء ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والميم علامة جمع الذكور. وجملة «إن قتلتم» اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها. التقدير والله لئن.
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ:
  • جار ومجرور متعلق بقتلتم. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. أو متّم: معطوفة بحرف العطف «أَوْ» على «قُتِلْتُمْ». ومتّم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ:
  • اللام: واقعة في جواب القسم المقدر. مغفرة: مبتدأ مرفوع بالضمة. من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة محذوفة من مغفرة وجملة «لمغفرة خير» جواب قسم لا محل لها.
  • ﴿ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ:
  • ورحمة: معطوفة بواو العطف على «مغفرة» مرفوعة مثلها بالضمة. خير: خبر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مِمَّا يَجْمَعُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بخير مكون من «من» حرف جرّ و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. يجمعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يَجْمَعُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد محذوف التقدير: مما يجمعونه من حطام الدنيا وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم أو جواب القسم سدّ مسدّ الجوابين. '

المتشابهات :

آل عمران: 157﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
يونس: 58﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
الزخرف: 32﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [157] لما قبلها :     وبعد التحذير من متابعة المنافقين وطاعتهم في صدهم عن الجهاد؛ جاء هنا فضل القتل أو الموت في سبيل الله، قال تعالى:
﴿ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ

القراءات :

متم:
قرئ:
1- بالضم، وهى قراءة الابنين، والأبوين، هنا وفى جميع القرآن، وقراءة حفص هنا.
2- بالكسر، وهى قراءة الباقين.
يجمعون:
قرئ:
1- بالتاء، على سياق الخطاب، وهى قراءة الجمهور.
2- بالياء أي: مما يجمعه الكفار والمنافقون وغيرهم، وهى قراءة قوم، منهم: حفص عن عاصم.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف