4912324252627282930313233

الإحصائيات

سورة الزخرف
ترتيب المصحف43ترتيب النزول63
التصنيفمكيّةعدد الصفحات6.70
عدد الآيات89عدد الأجزاء0.33
عدد الأحزاب0.65عدد الأرباع2.60
ترتيب الطول30تبدأ في الجزء25
تنتهي في الجزء25عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 24/29الحواميم: 4/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (23) الى الآية رقم (30) عدد الآيات (8)

الردُّ على شبهةِ تقليدِ الآباءِ، ثُمَّ تذكيرُهم بأنَّ إبراهيمَ عليه السلام وهو أبو العربِ وأشرفُ آبائِهم تبرَّأَ من دينِ آبائِه، فوجبَ تقليدُه في تركِ تقليدِ الآباءِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (31) الى الآية رقم (33) عدد الآيات (3)

الردُّ على شبهةٍ رابعةٍ للمشركينَ لمَّا اقترحُوا نزولَ القرآنِ على رجلٍ له جاهٌ ومالٌ من مكَّةَ أو الطَّائفَ، كالوَلِيدِ بن المُغِيرَة أو عُرْوَةَ بن مَسْعُود، فلمَّا فضَّلُوا الغَنيَّ على الفقيرِ بَيَّنَ اللهُ أنَّ منافعَ الدُّنيا =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الزخرف

التحذير من الانبهار بالمظاهر المادية/ الدعوة إلى الإيمان والتوحيد

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هدف السورة::   التحذير من الانبهار بالمظاهر المادية. وهذا واضح من اسم السورة (الزخرف)، فالسورة تحذر من خطورة الانبهار بالمظاهر المادية وزخارف الدنيا، وفي المقابل تؤكد على أن الزخرف الحقيقي والنعيم الحقيقي ليس في الدنيا، بل في الجنة التي وعد بها المتقون.ولذلك تكرّر في السورة ذكر الذهب والفضة أكثر من أي سورة أخرى.
  • • متاع الحياة الدنيا::   هذه الدنيا لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة لحرم منها أهل الكفر، لكن لهوانها على الله أعطاها لهم، بل كان من الممكن أن يمنحهم منها أكثر وأكثر، لكن الله لم يفعل ذلك؛ لكي لا يفتن المؤمن بهم ويسلك سبيلهم، قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰبًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾
  • • الزخرف الحقيقي::   وفي مقابل حديث السورة عن زخارف الدنيا والمظاهر المادّية، تأتي السورة بالزخرف الحقيقي: الجنة وما أعد الله فيها للمتقين: ﴿ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ﴾ وكأن المعنى: لا تنبهروا يا مؤمنين بزينة الدنيا ولا تنخدعوا بمتاعها؛ لأن متاع الآخرة الذي أعده الله للمتقين أهم وأعظم.
  • • حذار من الزخرف::   إنَّ سورة الزخرف تحذِّر المسلمين من أنّهم لو تعلّقوا بالمظاهر المادّية فلن يفلحوا، وهل تخلّفت أمّتنا في هذا العصر إلاّ بسبب تعلّقها بالمظاهر المادّية وانبهار أفرادها بحضارة الغرب الماديّة؟!كما تحذر السورة أيضًا كل من يختار أصدقاءه وفقًا للمظاهر الماديّة: ﴿ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ﴾
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   ‏«الزخرف».
  • • معنى الاسم ::   الزخرف: الزينة، وكمال حُسن الشيء، والمزخرف: المزين.
  • • سبب التسمية ::   لورود كلمة (وزخرفًا) في الآية (35)، وهذه الكلمة وردت في سور أخرى لكن هذه السورة اشتملت على وصف لبعض نعيم الدنيا الفاني وهو (الزخرف) ومقارنته بنعيم الآخرة الخالد، فكانت أولى بهذه التسمية.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : «حم الزخرف»؛ لتمييزها عن بقية سور الحواميم.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   عدم الانبهار بالمظاهر المادية.
  • • علمتني السورة ::   أن الزخرف الحقيقي والنعيم الحقيقي ليس في الدنيا، بل في الجنة.
  • • علمتني السورة ::   أن الله خلق الإنسان ورزقه نعمة العقل وترك له حرية اختيار طريق الخير والشر: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الله كَرَّمَ الإنسانَ ورزقه نعمة العقل فلا تتبع من كان قبلك وتقلدهم دون علم: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ». قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة الزخرف) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الزخرف من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة الزخرف) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الزخرف هي السورة الرابعة من الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • سورة الزخرف السورة على دعاء الركوب، في الآيتين (13-14).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتجنب الانبهار بالمظاهر المادية وزخارف الدنيا.
    • أن نشكر الله تعالى على نعمه علينا، ومنها قول: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) عند ركوب وسائل النقل: ﴿وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ (13، 14).
    • أن نضع خطةً للقضاء على أنواع الترف الذي يجعلنا نرتكب محرمًا أو نترك واجبًا: ﴿وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ (23).
    • أن نرضى بقِسْمَتِنا، ولا نَحْسُدُ أحدًا؛ فاللهُ هو من يَقْسِمُ الأرزاقَ: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (32).
    • أن ندون ما مرَّ بنا اليوم من أنواع تسخير الله تعالى الناس بعضهم لبعض: ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (32).
    • أن نتذكر مصيبة أصابتنا، ثم نتذكر ذنبًا فعلناه قبلها ونستغفر الله منه؛ فربما أُصبنا بالمصيبة لكي نرجع إلى ربنا: ﴿وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (48).
    • أن نتبع صراط الله في أمورنا كلها ولا نَحِد عنه: ﴿إِنَّ اللَّـهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ (64). • أن نحذر من الاختلاف في الدين: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ (65).
    • أن ننزه الله عما افتراه عليه الكفار من نسبة الولد إليه: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ (81).
    • أن نسبح الله تعالى عند سماع: ﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ (82).

تمرين حفظ الصفحة : 491

491

مدارسة الآية : [23] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ..

التفسير :

[23] وكذلك ما أرسلنا من قبلك -أيها الرسول- في قرية مِن نذير ينذرهم عقابنا على كفرهم بنا، فأنذروهم وحذَّروهم سخَطنا وحلول عقوبتنا، إلَّا قال الذين أبطرتهم النعمة من الرؤساء والكبراء:إنَّا وجدنا آباءنا على ملة ودين، وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون.

{ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} أي:منعموها، وملأها الذين أطغتهم الدنيا، وغرتهم الأموال، واستكبروا على الحق.{ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} أي:فهؤلاء ليسوا ببدع منهم، وليسوا بأول من قال هذه المقالة.

وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل.

وقوله- سبحانه-: وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها، إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ، وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه منهم من أذى، ومن قول باطل.

والكاف بمعنى مثل. واسم الإشارة ذلك يعود إلى حال الكافرين من قبلهم.

أى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لما تراه من إعراض المشركين عن دعوتك. فإن شأنهم كشأن سابقيهم في الكفر والضلال، فإننا ما أرسلنا من قبلك من رسول في قرية من القرى، أو في قوم من الأقوام، إلا قال المنعمون منهم، والذين أبطرهم الترف لمن جاءهم بالحق: إنا وجدنا آباءنا على دين وطريقة تؤم وتقصد، وإنا على آثارهم، وعلى نهجهم، مقتدون. أى: مقتدون بهم في عبادتهم وأفعالهم.

وخص المترفين بالذكر، لأنهم القادة الذين صرفهم التنعم وحب الجاه والسلطان، عن النظر والتدبر والاستماع للحق، وجعلهم يستحبون العمى على الهدى.

وهنا يحكى القرآن رد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيقول: قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ..

أى: قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لقومه الذين أصروا على تقليد آبائهم في الكفر والضلال:

أتتبعون آباءكم وتقتدون بهم في الكفر، حتى ولو جئتكم بدين أهدى وأصوب مما كان عليه آباؤكم؟

ثم بين تعالى أن مقالة هؤلاء قد سبقهم إليها أشباههم ونظراؤهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل ، تشابهت قلوبهم ، فقالوا مثل مقالتهم : ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ) [ الذاريات : 52 ، 53 ] ، وهكذا قال هاهنا : ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)

يقول تعالى ذكره: وهكذا كما فعل هؤلاء المشركون من قريش فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله, وقالوا مثل قولهم, لم نرسل من قبلك يا محمد في قرية, يعني إلى أهلها رسلا تنذرهم عقابنا على كفرهم بنا فأنذروهم وحذروهم سخطنا, وحلول عقوبتنا بهم ( إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا ), وهم رؤساؤهم وكبراؤهم.

كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا ) قال: رؤساؤهم وأشرافهم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا ) قادتهم ورءوسهم فى الشرك.

وقوله: ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ) يقول: قالوا: إنا وجدنا آباءنا على ملة ودين ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ ) يعني: وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون بفعلهم نفعل كالذي فعلوا, ونعبد ما كانوا يعبدون; يقول جلّ ثناؤه لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فإنما سلك مشركو قومك منهاج من قبلهم من إخوانهم من أهل الشرك بالله في إجابتهم إياك بما أجابوك به, وردّهم ما ردّوا عليك من النصيحة, واحتجاجهم بما احتجوا به لمُقامهم على دينهم الباطل.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) قال بفعلهم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) فاتبعوهم على ذلك.

التدبر :

عمل
[23] الترف من أسباب التكبر والبعد عن الحق؛ فاحذره ﴿وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾.
عمل
[23] ضع خطةً للقضاء على أنواع الترف في حياتك الذي يجعلك ترتكب محرمًا أو تترك واجبًا ﴿وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾.
وقفة
[23] ﴿إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون﴾ [سبأ: 34]، ﴿إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ المترفين الأغنياء أكثر المستفيدون من بقاء الحال، لذلك هم دائمًا أعداء الإصلاح والتغيير، ويسخرون أموالهم وأدواتهم ضدها.
وقفة
[23] ﴿قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق﴾ [البقرة: 133]، ﴿واتبعت ملة آبائي﴾ [يوسف: 38]، ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ قوة التأثر والالتزام بما عليه الآباء والأجداد حقيقة غالبة وأمر لا ينكر، فالهداية تتوارث فطرة، والضلال يورثه التعصب؛ لذا لابد أن يعي الآباء ذلك، فكيفما تحب أن يكون أبناؤك وأحفادك فكن ﴿وكان أبوهما صالحا﴾ [الكهف: 82].
وقفة
[23] الجاهليون العرب في الدين خير من الجاهليين اليوم؛ لأن جاهلية العرب بتقليد الآباء وجاهلية اليوم بتقليد الأعداء وحجتهم: ﴿وإنا على آثارهم مقتدون﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَكَذلِكَ:
  • الواو عاطفة. الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. وخبره محذوف بتقدير: ومثل ذلك أي ومثل حال الكاذبين حال مترفيهم. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. اللام للبعد والكاف للخطاب.
  • ﴿ ما أَرْسَلْنا:
  • نافية لا عمل لها. أرسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من مفعول «أرسلنا» والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فِي قَرْيَةٍ:
  • جار ومجرور متعلق بأرسلنا. وأصله: في أهل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه.
  • ﴿ مِنْ نَذِيرٍ:
  • حرف جر زائد. نذير: اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به لأرسلنا. وهو فعيل بمعنى فاعل أي من صيغ المبالغة بمعنى:رسول منذر
  • ﴿ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها:
  • أداة حصر لا عمل لها. قال: فعل ماض مبني على الفتح. مترفو: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم وحذفت نونها للاضافة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة.'

المتشابهات :

الأعراف: 94﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ
سبإ: 34﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا
الزخرف: 23﴿وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     وبعد ذمِّ تقليدِ الآباءِ؛ يُسلِّي اللهُ نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم هنا بأنَّ هؤلاءِ المشركينَ قد سبَقهم مَن قال مِثلَ مقالتِهم، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [24] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا ..

التفسير :

[24] قال محمد -صلى الله عليه وسلم- ومَن سبقه من الرسل لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة:أتتبعون آباءكم، ولو جئتكم مِن عند ربكم بأهدى إلى طريق الحق وأدلَّ على سبيل الرشاد مما وجدتم عليه آباءكم من الدين والملة؟ قالوا -في عناد-:إنا بما أرسلتم به جاحدون كافرون.

ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة:{ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} أي:فهل تتبعوني لأجل الهدى؟{ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} فعلم بهذا، أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الباطل والهوى.

وقوله: - تعالى-: قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ ... قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم.

وقرأ الجمهور قل أولو جئتكم ... على أن الأمر للرسول صلّى الله عليه وسلّم.

وقوله- تعالى-: قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ أى: قال المترفون في الرد على رسلهم: إنا بما أرسلتم به من الهدى والدعوة إلى الدين الحق كافرون، وباقون على الدين الذي كان عليه آباؤنا.

ثم قال تعالى : ( قل ) أي : يا محمد لهؤلاء المشركين : ( أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ) أي : ولو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به ، لما انقادوا لذلك بسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك, القائلين إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ ) أيها القوم من عند ربكم ( بِأَهْدَى ) إلى طريق الحق, وأدل لكم على سبيل الرشاد ( مِمَّا وَجَدْتُمْ ) أنتم عليه آباءكم من الدين والمِلَّة.( قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) يقول: فقال ذلك لهم, فأجابوه بأن قالوا له كما قال الذين من قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها لأنبيائها: إنا بما أرسلتم به يا أيها القوم كافرون, يعني: جاحدون منكرون.

وقرأ ذلك قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر " قل أولو جئتكم " بالتاء. وذُكر عن أبي جعفر القارئ أنه قرأه " قُلْ أوَلَوْ جِئْنَاكُمْ" بالنون والألف.

والقراءة عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة عليه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[24] ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ هنا أوضَحَ إبراهيم بأظهر دليل وأقصر سبيل أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى، بل قصدوا اتباع الباطل والهوى.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.أي قال الرسول.
  • ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ:
  • الهمزة همزة استفهام داخلة على واو العطف على معطوف محذوف بتقدير: أتتبعون آباءكم. لو: حرف شرط‍ غير جازم بمعنى «ان» وحذف جوابه لتقدم معناه. أي لو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم. أو تكون الألف ألف انكار بلفظ‍ استفهام. والواو: حالية. و «لو» مصدرية.وجملة «جئتكم» صلة «لو» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «لو» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر. التقدير: حتى مع مجيئكم من قبلي بدين أهدى من دين آبائكم والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة. جئت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل-ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع فاعل. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ بِأَهْدى:
  • جار ومجرور متعلق بجئتكم وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر وهو صفة-نعت-لموصوف محذوف أقيمت صفته مقامه. أي بدين أهدى.
  • ﴿ مِمّا وَجَدْتُمْ:
  • أصله: من: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأهدى. وجدت: تعرب اعراب «جئت» والميم علامة جمع الذكور وجملة «وجدتم» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ عَلَيْهِ آباءَكُمْ:
  • جار ومجرور في مقام المفعول الثاني. آباء: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين- مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. بمعنى وجدتموهم كائنين عليه وفي هذه الحالة يجوز أن يكون الظرف-شبه الجملة- في محل نصب متعلقا بحال محذوفة.
  • ﴿ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة الرابعة عشرة من سورة «فصلت».'

المتشابهات :

سبإ: 34﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ
فصلت: 14﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَـ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ
الزخرف: 24﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ أن تقليد الآباء قديم، وأنه سنة جارية في الأمم؛ بَيَّنَ هنا ما جَرى بَيْنَ المُنْذَرِينَ وبَيْنَ أُمَمِهِمْ عِنْدَ تَعَلُّلِهِمْ بِتَقْلِيدِ آبائِهِمْ، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قل:
1- على الأمر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- قال، على الخبر، وهى قراءة ابن عامر، وحفص.
جئتكم:
1- بتاء المتكلم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- جئناكم، بنون المتكلمين، وهى قراءة أبى جعفر، وشيبة، وابن مقسم، والزعفراني، وأبى شيخ الهنائى.

مدارسة الآية : [25] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ ..

التفسير :

[25] فانتقمنا من هذه الأمم المكذبة رسلها بإحلالنا العقوبة بهم خَسْفاً وغرقاً وغير ذلك، فانظر -أيها الرسول- كيف كان عاقبة أمرهم إذ كذبوا بآيات الله ورسله؟ وليحْذَر قومك أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم مثل ما أصابهم.

{ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} بتكذيبهم الحق، وردهم إياه بهذه الشبهة الباطلة.{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} فليحذر هؤلاء أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم ما أصابهم.

وقوله- سبحانه-: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ بيان للعاقبة السيئة التي حاقت بهم بسبب إصرارهم على كفرهم وتقليدهم لآبائهم.

أى: قالوا للرسل هذا القول الذي يدل على إيثارهم الغي على الرشد، فانتقمنا منهم.

بأن أخذناهم أخذ عزيز مقتدر، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة. ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا.

فَانْظُرْ- أيها العاقل- وتأمل كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ لقد كانت عاقبتهم أن دمرناهم تدميرا.

هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يراها من أجمع الآيات القرآنية التي حكت الأقوال الباطلة التي تفوه بها المشركون، وردت عليهم ردا منطقيا حكيما يهدمها من قواعدها.

لقد ذكرت- أولا- أنهم جعلوا لله- تعالى- من عباده جزءا ... ثم ردت عليهم بأنهم جاحدون لنعم الله، وأنهم لو كانوا يعقلون لما حكموا هذا الحكم الذي يدل على جهلهم وغفلتهم، لأنه لو كان الأمر كما ذكروا- على سبيل الفرض والتقدير- لما اختار- سبحانه- لذاته جنس البنات، وأعطاهم البنين..

ثم ذكرت- ثانيا- حالهم عند ما يبشرون بالأنثى، وتهكمت بهم حين نسبوا إلى الله مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ والمقصود بذلك جنس البنات، ثم ذكرت- ثالثا- أنهم حكموا على الملائكة بأنهم إناث، وردت عليهم بأن حكمهم هذا ساقط، لأنهم لم يشهدوا خلقهم حتى يحكموا عليهم هذا الحكم الفاسد، وأنهم سيجازون على أحكامهم التي لا دليل عليها، بما يستحقون من عقاب.

ثم ذكرت- رابعا- معاذيرهم التي اعتذروا بها عند ما حاصرتهم الحجج الدامغة، فقد قالوا: لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ فرد- سبحانه- عليهم بقوله: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ، لأن قولهم هذا ما هو إلا لون من ألوان الاحتيال على الحقيقة بالأقوال الساقطة.

ثم ذكرت- خامسا- أنهم في إصرارهم على كفرهم لم يستندوا إلى دليل عقلي أو نقلي، وإنما استندوا على شيء واحد هو التقليد لآبائهم في جهلهم وضلالهم..

وهكذا ذكر القرآن أقوالهم وشبهاتهم.. ثم رد عليها بما يدحضها..

وبعد هذا البيان الماحق لشبهات المشركين ولأقوالهم الباطلة.. أتبع- سبحانه- ذلك بذكر جانب من قصة إبراهيم- عليه السلام- مع قومه، وبذكر جانب من اعتراضاتهم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعلى دعوته، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم فقال- تعالى-:

قال الله تعالى : ( فانتقمنا منهم ) أي : من الأمم المكذبة بأنواع من العذاب ، كما فصله تعالى في قصصهم ، ( فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ) ؟ أي : كيف بادوا وهلكوا ، وكيف نجى الله المؤمنين ؟ .

القول في تأويل قوله تعالى : فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)

يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من هؤلاء المكذّبة رسلها من الأمم الكافرة بربها, بإحلالنا العقوبة بهم, فانظر يا محمد كيف كان عقبى أمرهم, إذ كذّبوا بآيات الله. ويعني بقوله: ( عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) آخر أمر الذين كذبوا رسل الله إلام صار, يقول: ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم؟

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) قال: شر والله, أخذهم بخسف وغرق, ثم أهلكهم فأدخلهم النار.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

تفاعل
[25] ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ استعذ بالله من انتقامه.
وقفة
[25] ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ هذا تهديد بالانتقام من كل من شابههم في أقوالهم وأفعالهم، فليست قصص القرآن للتسالي.

الإعراب :

  • ﴿ فَانْتَقَمْنا:
  • الفاء سببية. انتقم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا.و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ مِنْهُمْ:
  • حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بانتقمنا بمعنى فانتقمنا منهم بقلعهم.
  • ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ:
  • أعربت في سور متعددة. تراجع الآية الثالثة والسبعون من سورة «الصافات» وذكر فعل «عاقبة» لأنها بمعنى «عقاب».'

المتشابهات :

الأنعام: 11﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
آل عمران: 137﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
النحل: 36﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
الزخرف: 25﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد الإصرار على تقليد الآباء؛ استحقوا الانتقام منهم، وهَذا تَهْدِيدٌ بِالِانْتِقامِ مِنَ الَّذِينَ شابَهُوهم في مَقالِهِمْ، وهم كُفّارُ قُرَيْشٍ، قال تعالى:
﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [26] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ..

التفسير :

[26] واذكر -أيها الرسول- إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه الذين كانوا يعبدون ما يعبده قومك:إنني براء مما تعبدون من دون الله.

يخبر تعالى عن ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي ينتسب إليه أهل الكتاب والمشركون، وكلهم يزعم أنه على طريقته، فأخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ} الذين اتخذوا من دون اللّه آلهة يعبدونهم ويتقربون إليهم:

{ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} أي:مبغض له، مجتنب معاد لأهله،

أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- لقومك حال جدك إبراهيم- عليه السلام- وقت أن قال لأبيه آزر، ولقومه الذين كانوا عاكفين على عبادة الأصنام، مقلدين في ذلك آباءهم..

قال لهم: إننى برىء مما تعبدونه من هذه الأوثان.

وذكرهم- سبحانه- هنا بحال إبراهيم، لأنه كان أعظم آبائهم، ومحط فخرهم، والمجمع على محبته منهم.

فكأنه- تعالى- يقول لهم: هذا هو حال جدكم إبراهيم الذي تعتزون به فلماذا لم تقلدوه في إنكاره لعبادة الأصنام، وفي هجره لما كان عليه أبوه وقومه، وإخلاصه العبادة لله- تعالى- وحده.

وقوله: بَراءٌ مصدر وقع موقع الصفة وهي برىء، على سبيل المبالغة في التبري من عبادتهم لغير الله- تعالى- يقال: تبرأت من فلان، فأنا منه براء.

أى: كرهت قوله وفعله والقرب منه.

يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ، ووالد من بعث بعده من الأنبياء ، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها : أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان ،

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)

يقول تعالى ذكره: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ ) الذين كانوا يعبدون ما يعبده مشركو قومك يا محمد ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ) من دون الله, فكذّبوه, فانتقمنا منهم كما انتقمنا ممن قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها. وقيل: ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ) فوضع البراء وهو مصدر موضع النعت, والعرب لا تثني البراء ولا تجمع ولا تؤنث, فتقول: نحن البراء والخلاء: لِما ذكرت أنه مصدر, وإذا قالوا: هو بريء منك ثنوا وجمعوا وأنَّثوا, فقالوا: هما بريئان منك, وهم بريئون منك. وذُكر أنها في قراءة عبد الله: " إنَّنِي بَرِيءٌ" بالياء, وقد يجمع برئ: براء وأبراء.

التدبر :

وقفة
[26] ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ جاء بذكر إبراهيم عليه السلام بعدما ذكر اتباعهم لأبآءهم، وأنهم مهتدون ومقتدون بهم، فذكَّرهم بأبيهم إبراهيم الذي جاء بدين التوحيد، وأنهم لو كانوا صادقين في اتباع الآباء؛ لاتبعوا أباهم إبراهيم عليه السلام.
عمل
[26] ﴿وَإِذ قالَ إِبراهيمُ لِأَبيهِ وَقَومِهِ إِنَّني بَراءٌ مِمّا تَعبُدونَ﴾ فى بعض المواقف لابد أن تكون حاسمًا وتعلن موقفك بقوة.
وقفة
[26] ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ لما ذكر لهم الأدلة، وحذَّرهم بالأخذ, وتحرر أنهم مع التقليد لا ينفكون عنه، ذكَّرَهم بأعظم آبائهم، ومحط فخرهم، وأحقهم بالاتباع؛ للفوز باتباع الأب في ترك التقليد أو في تقليده إن كان لا بد لهم من التقليد؛ لكونه أعظم الآباء، ولكونه مع الدليل.
وقفة
[26] ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ براءة إبراهيم مما يَعبُد أبُوه أدَلُّ على تجنب عبادة الأصنام بحيث لا يتسامح فيها، ولو كان الذي يعبدها أقربَ النَّاس إلى موحِّد الله.
وقفة
[26] ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ حكمتان لتخصيص والد إبراهيم بالذكر: الأولى: أنها أدلُّ على اجتناب عبادة الأصنام، بحيث لا يُتَسامح فيها ولو مع أقرب الناس إليه. الثانية: إبراهيم قدوة في إبطال قول المشركين عن آبائهم: ﴿وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ [22]، فقد خالف إبراهيم أباه لأنه على باطل، فخالفوا أيها المشركون آباءكم المبطلين.
عمل
[26] اكتب ثلاثة مظاهر في تحقيق إبراهيم عليه السلام للتوحيد ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾.
اسقاط
[26] محمد ﷺ: ﴿قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين﴾ [الأحزاب: 59]، وإبراهيم ﷺ: ﴿قال إبراهيم لأبيه وقومه﴾، وإسماعيل ﷺ: ﴿وكان يأمر أهله﴾ [مريم: 55]؛ الداعية الناجح يبدأ بأهل بيته، فماذا عنك؟!
وقفة
[26] البراءة من الكفر والكافرين لازمة ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾.
وقفة
[26، 27] من العدل وكمال العقل: عدم رد ما عليه المخالف جملة، إذا كان عنده شيء من الحق، ولو كان كافرًا؛ تأمل دقة استثناء إبراهيم عليه السلام في خطابه لقومه: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾، وكذلك قال الفتية: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ [الكهف: 16]، على القول بأن الاستثناء متصل في الموضعين.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ:
  • أعربت في الآية الخامسة والثمانين من سورة «الصافات».
  • ﴿ إِنَّنِي بَراءٌ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «ان» والنون: نون الوقاية. براء: خبرها مرفوع بالضمة. والكلمة مصدر ولذلك استوى فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث والتقدير: انني ذو براء.
  • ﴿ مِمّا تَعْبُدُونَ:
  • أصلها: من: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق ببراء. تعبدون: صلة الموصول والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل. التقدير: مما تعبدونه. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية فتكون جملة «تعبدون» صلتها لا محل لها من الاعراب. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بمن. التقدير: من معبودكم. و «تعبدون»: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير منفصل في محل رفع فاعل.'

المتشابهات :

البقرة: 126﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ
البقرة: 260﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ
الأنعام: 74﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً
ابراهيم: 35﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ
الزخرف: 26﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     وبعد ذمِّ تقليدِ الآباءِ؛ جاء هنا تذكيرُهم بأنَّ إبراهيمَ عليه السلام وهو أبو العربِ، وأشرفُ آبائِهم، تبرَّأَ من دينِ آبائِه، فوجبَ تقليدُه في تركِ تقليدِ الآباءِ، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

براء:
1- مصدر، يستوى فيه المفرد والمذكر، ومقابلهما، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الباء، وهى قراءة الزعفراني، والقورصي، عن أبى جعفر، وابن المناذرى، عن نافع.
3- برئ، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [27] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ

التفسير :

[27] إلَّا الذي خلقني، فإنه سيوفقني لاتباع سبيل الرشاد.

{ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} فإني أتولاه، وأرجو أن يهديني للعلم بالحق والعمل به، فكما فطرني ودبرني بما يصلح بدني ودنياي، فـ{ سَيَهْدِينِ} لما يصلح ديني وآخرتي.

والاستثناء في قوله: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ منقطع، أى: أنا برىء من عبادة أصنامكم، لكني أعبد الذي خلقني وفطرني بقدرته، فإنه هو الذي سيهدين إلى الصراط المستقيم.

ويصح أن يكون متصلا بناء على أنهم كانوا يعبدون الله- تعالى- ويشركون معه في هذه العبادة أصنامهم.

أى: إننى برىء من عبادة أصنامكم، إلا أنى لا أعبد إلا الله- تعالى- الذي فطرني.

أى: خلقني بقدرته على غير مثال سابق.

وقال هنا سَيَهْدِينِ وقال في آية أخرى: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، للدلالة على ثقة إبراهيم- عليه السلام- بفضل ربه- تعالى- عليه، وأنه يهديه في الحال وفي الاستقبال، وأن هذه الهداية مصاحبة له في كل وقت من أوقات حياته.

ومن الآيات الكثيرة التي تشبه هاتين الآيتين قوله- تعالى- حكاية عن نبيه إبراهيم:

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ، فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ... .

وقوله- سبحانه-: قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ. الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. .

( إِلا الَّذِي فَطَرَنِي ) يقول: إني بريء مما تعبدون من شيء إلا من الذي فطرني, يعني الذي خلقني ( فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) يقول: فإنه سيقومني للدين الحقّ,ويوفقني لاتباع سبيل الرشد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ )... الآية, قال: كايدهم, كانوا يقولون: إن الله ربنا وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فلم يبرأ من ربه.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ) يقول: إنني بريء مما تعبدون " إلا الذي خلقني".

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِلا الَّذِي فَطَرَنِي ) قال: خلقني.

التدبر :

لمسة
[27] قال إبراهيم عليه السلام: ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ ولم يقل: (إلا الله)؛ لفائدتين: 1. الإشارة إلى علة إفراد الله بالعبادة؛ لأنه كما أنه منفرد بالخلق فيجب أن يفرد بالعبادة. 2. الإشارة إلى بطلان عبادة الأصنام لأنها لم تفطركم حتى تعبدوها، وهذه من البلاغة التامة في تعبير إبراهيم عليه السلام.
وقفة
[27] ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ ما أجمل التوسل إلى الله بسابق إنعامه! فإني أرجوه أن يهديني لما فيه صلاح ديني وآخرتي، كما سبق أن خلقني في أحسن تقويم وصوَّرني.
وقفة
[27] ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ من صدق مع الله هداه الله.
وقفة
[27] ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ لم يقل: (إلا الله)؛ للإشارة إلى سبب إفراد الله بالعبادة؛ لأنه كما أنه منفرد بالخلق؛ فيجب أن يفرد بالعبادة.
وقفة
[27] ﴿إِلَّا الَّذي فَطَرَني فَإِنَّهُ سَيَهدينِ﴾ عندما تظل النفس على الفطرة ولم تلوث بالذنوب والآثام والعثرات؛ فاعلم أن الهدى آتٍ آت.
وقفة
[27] ﴿إِلَّا الَّذي فَطَرَني فَإِنَّهُ سَيَهدينِ﴾ المؤمن يعرف أن الهداية من الله ولكن لينالها لابد من التبروء من الذنوب صغيرها وكبيرها، كما ورد فى الآية التى تسبقها: ﴿وَإِذ قالَ إِبراهيمُ لِأَبيهِ وَقَومِهِ إِنَّني بَراءٌ مِمّا تَعبُدونَ﴾.
وقفة
[27] ﴿إِلَّا الَّذي فَطَرَني فَإِنَّهُ سَيَهدينِ﴾ معية الله فيها الهداية، التوجه إلى الله بالكلية فيه الهداية، الحفاظ على الفطرة سليمة نقية فيه الهداية.
تفاعل
[27] ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ إِلاَّ الَّذِي:
  • أداة استثناء. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بالا وهو استثناء منقطع بتقدير: لكن الذي. أو يكون في محل جر بدلا من المجرور بما. بمعنى: انني براء مما تعبدون إلا من الذي.والتقدير على التفسير «انهم قالوا كانوا يعبدون الله مع أوثانهم» وأن تكون «إلا» صفة بمعنى غير. على أن «ما» في «ما تعبدون» موصوفة بتقدير: انني براء من آلهة تعبدونها غير الذي
  • ﴿ فَطَرَنِي:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب بمعنى «خلقني» وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. النون نون الوقاية والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب مفعول به
  • ﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ:
  • الفاء استئنافية. تفيد التعليل. السين حرف-تسويف- للاستقبال. يهدين: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والنون نون الوقاية والياء المحذوفة خطا واختصارا اكتفاء بالكسرة الدالة عليها ضمير المتكلم في محل نصب مفعول به، «ان» حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «ان» وجملة «سيهدين» في محل رفع خبر «ان».'

المتشابهات :

الشعراء: 78﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ
الزخرف: 27﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     ولَمَّا تبرأ إبراهيمُ عليه السلام من كل معبود؛ اسْتَثْنى خالِقَهُ مِنَ البَراءَةِ، قال تعالى:
﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [28] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ..

التفسير :

[28] وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) باقية فيمن بعده؛ لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم وتوحيده، ويتوبون مِن كفرهم وذنوبهم.

{ وَجَعَلَهَا} أي:هذه الخصلة الحميدة، التي هي أم الخصال وأساسها، وهي إخلاص العبادة للّه وحده، والتبرِّي من عبادة ما سواه.

{ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} أي:ذريته{ لَعَلَّهُمْ} إليها{ يَرْجِعُونَ} لشهرتها عنه، وتوصيته لذريته، وتوصية بعض بنيه -كإسحاق ويعقوب- لبعض، كما قال تعالى:{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} إلى آخر الآيات.

فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان.

والضمير المنصوب في قوله- تعالى- بعد ذلك: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ...

يعود إلى كلمة التوحيد، المشتملة على البراءة من كل عبادة لغير الله- تعالى-، والمعبر عنها قبل ذلك بقوله- تعالى-: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ.

وضمير الفاعل المستتر في قوله- سبحانه-: وَجَعَلَها ... يعود إلى الله- تعالى-.

أى: وجعل الله- تعالى- بفضله وكرمه، كلمة التوحيد، باقية في عقب ابراهيم، وفي ذريته من بعده، بأن جعل من ذريته الأنبياء والصالحين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.

ويؤيد هذا المعنى قوله- تعالى- في سورة الصافات: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ، كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ...

ويصح أن يكون ضمير الفاعل يعود إلى إبراهيم- عليه السلام-، على معنى أنه أوصى ذريته من بعده بعبادة الله- تعالى- وحده، وأنه دعا ربه أن يجعل في ذريته من يعبده وحده.

فيكون المعنى: وجعل ابراهيم هذه الكلمة وهي كلمة التوحيد باقية في ذريته حيث أوصاهم بعبادة الله وحده.

ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَوَصَّى بِها- أى بكلمة التوحيد- إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ... .

ثم بين- سبحانه- الحكمة في ذلك الجعل فقال: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أى: جعلها كذلك رجاء أن يرجع إلى كلمة التوحيد من أشرك من ذرية ابراهيم، ببركة دعائه لهم بالإيمان ودعاء من آمن منهم.

فلقد حكى القرآن عن إبراهيم أن دعا الله- تعالى- بقوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ... وبقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ.

فقال : ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) أي : هذه الكلمة ، وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وخلع ما سواه من الأوثان ، وهي " لا إله إلا الله " أي : جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم ، عليه السلام ، ( لعلهم يرجعون ) أي : إليها .

وقال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم في قوله تعالى : ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) يعني : لا إله إلا الله ، لا يزال في ذريته من يقولها . وروي نحوه عن ابن عباس .

وقال ابن زيد : كلمة الإسلام . وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة .

وقوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي ) وهو قول: لا إله إلا الله, كلمة باقية في عقبه, وهم ذريّته, فلم يزل فى ذريّته من يقول ذلك من بعده.

واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه, فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: لا إله إلا الله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله, والتوحيد لم يزل في ذريته من يقولها من بعده.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: التوحيد والإخلاص, ولا يزال في ذريّته من يوحد الله ويعبده.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: لا إله إلا الله.

وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم الإسلام.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فى قوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) فقرأ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ قال: جعل هذه باقية في عقبه, قال: الإسلام, وقرأ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فقرأ وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ

وبنحو ما قلنا في معنى العقب قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( فِي عَقِبِهِ ) قال: ولده.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: يعني من خلَفه.

حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فِي عَقِبِهِ ) قال: في عقب إبراهيم آل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا ابن أبي فديك, قال: ثنا ابن أبي ذئب, عن ابن شهاب أنه كان يقول: العقب: الولد, وولد الولد.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد ( فِي عَقِبِهِ ) قال: عقبه: ذرّيته.

وقوله: ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم, ويثوبوا إلى عبادته, ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) : أي يتوبون, أو يذَّكرون.

التدبر :

وقفة
[28] ﴿وَجَعَلَهَا﴾ أي: هذه الخصلة الحميدة التي هي أم الخصال وأساسها؛ وهي إخلاص العبادة لله وحده، والتبري من عبادة ما سواه، فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان.
وقفة
[28] إبراهيم عليه السلام أورث عقبه كلمة التوحيد: ﴿وجعلها كلمة باقية في عقبه﴾، الفكر الحق يبقى دون موت.
وقفة
[28] ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أعظم ما تورِّث أبناءك: كلمة التوحيد، وعبادة الله وحده، فإنها مفتاح النجاة.

الإعراب :

  • ﴿ وَجَعَلَها:
  • الواو استئنافية. جعل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بمعنى: وجعل ابراهيم كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي» وقيل جعلها الله.
  • ﴿ كَلِمَةً باقِيَةً:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. باقية: صفة -نعت-لكلمة منصوبة مثلها. وعلامة نصبها الفتحة المنونة أيضا.
  • ﴿ فِي عَقِبِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بباقية والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. أي في ذريته.
  • ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ:
  • حرف مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «لعل» يرجعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يرجعون» في محل رفع خبر «لعل» بمعنى:يعودون الى التوبة الى الله.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     وبعد أن أعلن إبراهيمُ عليه السلام كلمة التوحيد؛ جعلها باقيةً دائمةً في ذريته؛ لأنه وصَّى بها أولاده من بعده، وظلُّوا يتوارثون هذه الوصية، قال تعالى:
﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كلمة:
وقرئ:
بكسر الكاف وسكون اللام، وهى قراءة حميد بن قيس.
عقبه:
وقرئ:
1- بسكون القاف.
2- فى عاقبه.

مدارسة الآية : [29] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى ..

التفسير :

[29] بل متعتُ -أيها الرسول- هؤلاء المشركين من قومك وآباءهم مِن قبلهم بالحياة، فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم، حتى جاءهم القرآن ورسول يبيِّن لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم.

فقال تعالى:{ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ} بأنواع الشهوات، حتى صارت هي غايتهم ونهاية مقصودهم، فلم تزل يتربى حبها في قلوبهم، حتى صارت صفات راسخة، وعقائد متأصلة.{ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ} الذي لا شك فيه ولا مرية ولا اشتباه.{ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} أي:بين الرسالة، قامت أدلة رسالته قياما باهرا، بأخلاقه ومعجزاته، وبما جاء به، وبما صدق به المرسلين، وبنفس دعوته صلى اللّه عليه وسلم.

وقوله- سبحانه-: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ إضراب عن كلام محذوف ينساق إليه الكلام، والمراد «بهؤلاء» أهل مكة المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقوله: مَتَّعْتُ من التمتع بمعنى إعطائهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب والنعم المتعددة، واشتغالهم بذلك عن طاعة الله- تعالى- وشكره.

والمعنى: اقتضت حكمتنا أن نجعل كلمة التوحيد باقية في بعض ذرية إبراهيم لعل من بقي من هذه الذرية على الشرك أن يرجع إليها، ولكنهم لم يرجعوا بل أصروا على كفرهم، فلم أعاجلهم بالعقوبة، بل متعت هؤلاء المشركين المعاصرين لك- أيها الرسول الكريم- بأن أمددتهم بالنعم المتعددة هم وآباءهم، وبقيت تلك النعم فيهم: حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وهو دعوتك إياهم إلى إخلاص العبادة لنا، وجاءهم رَسُولٌ مُبِينٌ هو أنت- أيها الرسول الكريم- فإن رسالتك واضحة المعالم، بينة المقاصد، ليس فيها شيء من الغموض الذي يحملهم على الإعراض عنها.

فالمقصود من الآية الكريمة، بيان أن الكلمة الباقية في عقب إبراهيم وهي كلمة التوحيد، لم يتبعها جميع أفراد ذريته، بل اتبعها قوم وكفر بها آخرون وأن هؤلاء الكافرين- وعلى رأسهم كفار قريش- لم يعاجلهم الله- تعالى- بالعقوبة، بل أعطاهم نعما متعددة، فلم يشكروه- تعالى- عليها، واستمروا على ذلك، حتى جاءهم الحق، فلم يؤمنوا به، ولا بمن حمله إليهم وهو الرسول المبين صلّى الله عليه وسلّم.

ومن الآيات التي تدل على أن ذرية إبراهيم كان منها المؤمن، وكان منها الكافر. قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ، وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ .

ثم قال تعالى : ( بل متعت هؤلاء ) يعني : المشركين ، ( وآباءهم ) أي : فتطاول عليهم العمر في ضلالهم ، ( حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) أي : بين الرسالة والنذارة .

القول في تأويل قوله تعالى : بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)

يقول تعالى ذكره: ( بَلْ مَتَّعْتُ ) يا محمد ( هَؤُلاءِ ) المشركين من قومك ( وَآبَاءَهُمْ ) من قبلهم بالحياة, فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم ( حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ ) يعني جلّ ثناؤه بالحقّ: هذا القرآن: يقول: لم أهلكهم بالعذاب حتى أنـزلت عليهم الكتاب, وبعثت فيهم رسولا مبينا. يعني بقوله: ( وَرَسُولٌ مُبِينٌ ) : محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, والمبين: أنه يبين لهم بالحجج التي يحتج بها عليهم أنه لله رسول محقّ فيما يقول

التدبر :

وقفة
[29] ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ أحيانًا يكون التمتع بألوان الشهوات والغرق في الملذات من أعظم العقوبات؛ لأنه يصد عن الحق، هروبًا من البذل والتبعات.

الإعراب :

  • ﴿ بَلْ مَتَّعْتُ:
  • حرف اضراب للاستئناف. متعت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. أي متعتهم بالمد في العمر والنعمة
  • ﴿ هؤُلاءِ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به. والاشارة الى أهل مكة وهم من ذرية ابراهيم.
  • ﴿ وَآباءَهُمْ:
  • معطوفة بالواو على «هؤلاء» بمعنى ومتعت آباءهم منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ حَتّى جاءَهُمُ:
  • حرف غاية وابتداء. جاء: فعل ماض مبني على الفتح.و«هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. ورسول: معطوف بالواو على «الحق» مرفوع مثله بالضمة. مبين: صفة-نعت-لرسول مرفوع مثله بالضمة بمعنى القرآن ورسول موضح للتوحيد.'

المتشابهات :

الأنبياء: 44﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
الزخرف: 29﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     ولَمَّا جعلَ إبراهيمُ عليه السلام كلمةَ التوحيد باقية دائمة في ذريته، إذ وصاهم بها؛ بَيَّنَ اللهُ هنا عاقبةَ من فرَّطوا في وصية إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:
﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

متعت:
1- بتاء المتكلم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتاء الخطاب، وهى قراءة قتادة، والأعمش، ورواها يعقوب، عن نافع.

مدارسة الآية : [30] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا ..

التفسير :

[30] ولما جاءهم القرآن من عند الله قالوا:هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سحرٌ يسحرنا به، وليس بوحي مِن عند الله، وإنا به مكذِّبون.

{ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ} الذي يوجب على من له أدنى دين ومعقول أن يقبله وينقاد له.{ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} وهذا من أعظم المعاندة والمشاقة، فإنهم لم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه، بل ولا جحده، فلم يرضوا حتى قدحوا به قدحا شنيعا، وجعلوه بمنزلة السحر الباطل، الذي لا يأتي به إلا أخبث الخلق وأعظمهم افتراء، والذي حملهم على ذلك، طغيانهم بما متعهم اللّه به وآباءهم.

ثم بين- سبحانه- موقفهم من الحق الذي جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ.

أى: وحين جاءهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالحق من عند ربهم، لكي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.. قالوا- على سبيل الجحود والعناد-: هذا الذي جئتنا به نوع من السحر، وإنا به كافرون مكذبون.

والتعبير بقوله: جاءَهُمُ يشعر بأن الحق قد وصل إليهم دون أن يتعبوا أنفسهم في البحث عنه، ومع ذلك فقد استقبلوه بالجحود والإنكار.

( ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ) أي : كابروه وعاندوه ودفعوا بالصدور والراح كفرا وحسدا وبغيا ،

( وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ ) يقول جلّ ثناؤه: ولما جاء هؤلاء المشركين القرآنُ من عند الله, ورسول من الله أرسله إليهم بالدعاء إليه ( قَالُوا هَذَا سِحْرٌ ) يقول: هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سحر يسحرنا به, ليس بوحي من الله ( وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ) يقول: قالوا: وإنا به جاحدون, ننكر أن يكون هذا من الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ) قال: هؤلاء قريش قالوا القرآن الذي جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: هذا سحر.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[30] ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ وهذا من أعظم المعاندة والمشاقة؛ فإنهم لم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه، بل ولا جحده، فلم يرضوا حتى قدحوا به قدحًا شنيعًا، وجعلوه بمنزلة السحر الباطل الذي لا يأتي به إلا أخبث الخلق وأعظمهم افتراء.
وقفة
[30] ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ اعلم أن القائم بالدعوة معرض للسخرية والاستهزاء، فلا يَضُرك هذا فهي سنة ماضية.
وقفة
[30] ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ أبوا إلا أن يضيفوا إلى وزر تكذيبهم بالحق وزر الصد عنه، وهؤلاء هم أعظم أنواع المجرمين.
وقفة
[30] ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ همم سافلة وأخرى عالية! التعبير بقوله: ﴿جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾ يشعر بأن الحق وصل إليهم دون أن يتعبوا أنفسهم في البحث عنه، ومع هذا فقد استقبلوه بالجحود والإنكار.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَمّا:
  • الواو استئنافية، لما: اسم شرط‍ غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. متعلق بجوابها.
  • ﴿ جاءَهُمُ الْحَقُّ:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة. والجملة جاءَهُمُ الْحَقُّ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد لما.
  • ﴿ قالُوا:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب مفعول به
  • ﴿ هذا سِحْرٌ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. سحر: خبر «هذا» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَإِنّا بِهِ:
  • الواو عاطفة. ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل نصب اسم «انّ» وقد حذفت احدى النونين تخفيفا. به: جار ومجرور متعلق بخبر «ان».
  • ﴿ كافِرُونَ:
  • خبر «ان» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     ولَمَّا امتنَّ اللهُ عليهم بعدم معاجلتهم بالعقوبة على كفرهم، حتى جاءهم القرآن والرسول؛ بَيَّنَ سُبْحانَهُ هنا ما صَنَعُوهُ عِنْدَ مَجِيءِ الحَقِّ، قال تعالى:
﴿ وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ ..

التفسير :

[31] وقال هؤلاء المشركون مِن قريش:إنْ كان هذا القرآن مِن عند الله حقّاً، فهلَّا نُزِّل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين «مكة» أو «الطائف».

{ وَقَالُوا} مقترحين على اللّه بعقولهم الفاسدة:{ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} أي:معظم عندهم، مبجل من أهل مكة، أو أهل الطائف، كالوليد بن المغيرة ونحوه، ممن هو عندهم عظيم.

ثم حكى- سبحانه- لونا آخر من ألوان حسدهم وعنادهم فقال: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ.

والمراد بالقريتين مكة أو الطائف. ومقصودهما إحداهما، كالوليد بن المغيرة من مكة، وكعروة بن مسعود من الطائف..

ويعنون بالعظم: كثرة المال، والرئاسة في قومه.

أى: وقال هؤلاء المشركون- على سبل العناد والحسد-: هلا أنزل هذا القرآن، الذي يقرؤه علينا محمد صلّى الله عليه وسلّم على رجل عظيم في ماله وسلطانه، ويكون من إحدى هاتين القريتين، وهما مكة أو الطائف.

فهم لجهلهم وانطماس بصائرهم، استكثروا أن ينزل هذا القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي وإن كان في القمة من الشرف والسمو بين قومه إلا أنه لم يكن أكثرهم مالا وسلطانا، وهم يريدون أن تكون النبوة في زعيم من زعمائهم، أو رئيس من رؤسائهم.

وهذا منهم- كما يقول الآلوسى- لجهلهم بأن رتبة الرسالة، إنما تستدعى عظيم النفس، بالتخلي عن الرذائل الدنية، والتحلي بالكمالات والفضائل القدسية، دون التزخرف بالزخارف الدنيوية.

( وقالوا ) [ أي ] كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس : ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) أي : هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب القرظي ، وقتادة والسدي ، وابن زيد .

وقد ذكر غير واحد منهم : أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة ، وعروة بن مسعود الثقفي .

وقال مالك عن زيد بن أسلم ، والضحاك ، والسدي : يعنون الوليد بن المغيرة ، ومسعود بن عمرو الثقفي .

وعن مجاهد : عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي . وعنه أيضا : أنهم يعنون الوليد بن المغيرة ، وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي .

وعن مجاهد : يعنون عتبة بن ربيعة بمكة ، وابن عبد ياليل بالطائف .

وقال السدي : عنوا [ بذلك ] الوليد بن المغيرة ، وكنانة بن عمرو بن عمير الثقفي .

والظاهر : أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)

يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر, فإن كان حقا فهلا نـزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف.

واختلف في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم, فقالوا: هلا نـزل عليه هذا القرآن, فقال بعضهم: هلا نـزل على الوليد بن المُغيرة المخزومي من أهل مكة, أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف؟.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال: يعني بالعظيم: الوليد بن المغيرة القرشيّ, أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي, وبالقريتين: مكة والطائف.

وقال آخرون: بل عُنِي به عُتْبةُ بن ربيعة من أهل مكة, وابن عبد ياليل, من أهل الطائف.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال عتبة بن ربيعة من أهل مكة, وابن عبد ياليل الثقفي من الطائف.

وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المُغيرة, ومن أهل الطائف: ابن مسعود (1) .

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال: الرجل: الوليد بن المغيرة, قال: لو كان ما يقول محمد حقا أنـزل عليّ هذا, أو على ابن مسعود الثقفي, والقريتان: الطائف ومكة, وابن مسعود الثقفي من الطائف اسمه عروة بن مسعود.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) والقريتان: مكة والطائف; قال: قد قال ذلك مشركو قريش, قال: بلغنا أنه ليس فخذ من قريش إلا قد ادّعته, وقالوا: هو منا, فكنا نحدّث أن الرجلين: الوليد بن المغيرة, وعروة الثقفي أبو مسعود, يقولون: هلا كان أنـزل على أحد هذين الرجلين.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب: قال ابن زيد, في قوله: ( لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال: كان أحد العظيمين عروة بن مسعود الثقفي, كان عظيم أهل الطائف.

وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المغيرة, ومن أهل الطائف: كنانة بن عَبد بنِ عمرو.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَقَالُوا لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال: الوليد بن المغيرة القرشي, وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير, عظيم أهل الطائف.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جلّ ثناؤه, مخبرا عن هؤلاء المشركين ( وَقَالُوا لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء, ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عنوا منهم في كتابه, ولا على لسان رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, والاختلاف فيه موجود على ما بيَّنت.

--------------------

الهوامش :

(1) هو عروة بن مسعود الثقفي ، كما تكرر في الروايات ، لا أبو مسعود ، كما في هذه الرواية ؛ فلعلها من تحريف الناسخ .

التدبر :

وقفة
[31] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ﴾ دعُونا من الاعتراضاتِ على تقسيمِ رحماتِ ربِّنا، ليس لنا شيءٌ.
وقفة
[31] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ والرجلان: الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود من الطائف، هذا إيمان على مقاس القوم، ووفق ما يشتهون! أي إيمان هذا؟
وقفة
[31] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ داء الحسد قديم، وكثيرًا ما صدَّ أناسًا عن الهداية رغم معرفتهم بالحق.
وقفة
[31] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ قال عثمان بن عفان t: «يكفيك من الحاسد أن يغتمّ وقت سرورك».
وقفة
[31] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ إن محمدًا فقير ليس معه شيء، فكيف يصير نبيًّا رسولًا! إنها المقاييس المادية حين تكون سببًا في الضلالة وحرمان الهداية.
وقفة
[31] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ لا تؤلمك اقتراحاتهم بأن غيرك كان أولى منك بهذه النعمة، حتى الأنبياء لم يسلموا.
وقفة
[31] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ ومحمد عظيم أيضًا؛ الحسد يُعمي عن رؤية الحقيقة.
وقفة
[31، 32] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية بيد الله تعالى؛ هو الذي يقسمها بين عباده؛ فيبسط الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية التي أعلاها النبوة والرسالة أولى وأحرى أن تكون بيد الله تعالى؛ فالله أعلم حيث يجعل رسالته، فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، وأن التدبير للأمور كلها دينيها ودنيويها بيد الله وحده.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالُوا:
  • الواو عاطفة. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة
  • ﴿ لَوْلا نُزِّلَ هذَا:
  • لولا: حرف تحضيض بمعنى «هلا» نزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ:
  • بدل من عطف بيان أو «هذا» مرفوع مثله بالضمة.على رجل: جار ومجرور متعلق بنزل.
  • ﴿ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة لرجل و «من» حرف جر بياني. عظيم: صفة-نعت-لرجل مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة بمعنى من احدى القريتين وحذف المضاف المجرور «احدى» وحل المضاف اليه محله بمعنى على رجل من أهل مكة ورجل من أهل الطائف أي من رجلي القريتين. وقولهم هذَا الْقُرْآنُ» ذكر له على وجه الاستهانة به.'

المتشابهات :

الفرقان: 32﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً
الزخرف: 31﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ عن طعنِ المشركين في القرآنِ؛ أخبَرَ هنا عن طعنِهم فيمَنْ جاء به، فاقترحُوا نزولَ القرآنِ على رجلٍ له جاهٌ ومالٌ من مكَّةَ أو الطَّائفَ، كالوَلِيدِ بن المُغِيرَة أو عُرْوَةَ بن مَسْعُود، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

رجل:
وقرئ:
بسكون الجيم.

مدارسة الآية : [32] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ ..

التفسير :

[32] أهم يقسمون النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات:هذا غنيٌّ وهذا فقير، وهذا قويٌّ وهذا ضعيف؛ ليكون بعضهم مُسَخَّراً لبعض في المعاش. ورحمة ربك -أيها الرسول- بإدخالهم الجنة خ

قال اللّه ردا لاقتراحهم:{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} أي:أهم الخزان لرحمة اللّه، وبيدهم تدبيرها، فيعطون النبوة والرسالة من يشاءون، ويمنعونها ممن يشاءون؟

{ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} أي:في الحياة الدنيا، والحال أن رَحْمَةَ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من الدنيا.

فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية بيد اللّه تعالى، وهو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية، التي أعلاها النبوة والرسالة، أولى وأحرى أن تكون بيد اللّه تعالى، فاللّه أعلم حيث يجعل رسالته.

فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، وأن التدبير للأمور كلها، دينيها ودنيويها، بيد اللّه وحده. هذا إقناع لهم، من جهة غلطهم في الاقتراح، الذي ليس في أيديهم منه شيء، إن هو إلا ظلم منهم ورد للحق.

وقولهم:{ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} لو عرفوا حقائق الرجال، والصفات التي بها يعرف علو قدر الرجل، وعظم منزلته عند اللّه وعند خلقه، لعلموا أن محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى اللّه عليه وسلم، هو أعظم الرجال قدرا، وأعلاهم فخرا، وأكملهم عقلا، وأغزرهم علما، وأجلهم رأيا وعزما وحزما، وأ كملهم خلقا، وأوسعهم رحمة، وأشدهم شفقة، وأهداهم وأتقاهم.

وهو قطب دائرة الكمال، وإليه المنتهى في أوصاف الرجال، ألا وهو رجل العالم على الإطلاق، يعرف ذلك أولياؤه وأعداؤه، فكيف يفضل عليه المشركون من لم يشم مثقال ذرة من كماله؟!، ومن جرمه ومنتهى حمقه أن جعل إلهه الذي يعبده ويدعوه ويتقرب إليه صنما، أو شجرا، أو حجرا، لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، وهو كل على مولاه، يحتاج لمن يقوم بمصالحه، فهل هذا إلا من فعل السفهاء والمجانين؟

فكيف يجعل مثل هذا عظيما؟ أم كيف يفضل على خاتم الرسل وسيد ولد آدم صلى اللّه عليه وسلم؟ ولكن الذين كفروا لا يعقلون.

وفي هذه الآية تنبيه على حكمة اللّه تعالى في تفضيل اللّه بعض العباد على بعض في الدنيا{ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} أي:ليسخر بعضهم بعضا، في الأعمال والحرف والصنائع.

فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم.

وفيها دليل على أن نعمته الدينية خير من النعمة الدنيوية كما قال تعالى في الآية الأخرى:{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}

وقد وبخهم الله- تعالى- على جهلهم هذا بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ..

فالاستفهام للإنكار والتهكم بهم، والتعجب من تفكيرهم.

والمراد بالرحمة: ما يشمل النبوة، وما أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم من وحى، وما منحه إياه من خلق كريم، وخير عميم.

أى: كيف بلغ الجهل والغباء بهؤلاء المشركين إلى هذه الدرجة؟ إنهم ليس بيدهم ولا بيد غيرهم عطاء ربك، وليس عندهم مفاتيح الرسالة ليضعوها حيث شاءوا، وليختاروا لها من أرادوا. ومادام الأمر كذلك فكيف يعترضون على نزول القرآن عليك- أيها الرسول الكريم-؟.

ثم بين- سبحانه- مظاهر قدرته في خلقه فقال: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ... أى: نحن قسمنا بينهم أرزاقهم في هذه الدنيا، ولم نترك تقسيمها لأحد منهم، ونحن الذين- بحكمتنا- تولينا تدبير أسبابها ولم نكلها إليهم لعلمنا بعجزهم وقصورهم.

ونحن الذين رفعنا بعضهم فوق بعض درجات في الدنيا، فهذا غنى وذاك فقير، وهذا مخدوم، وذاك خادم، وهذا قوى، وذاك ضعيف.

ثم ذكر- سبحانه- الحكمة من هذا التفاوت في الأرزاق فقال: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا.

أى: فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضا في حوائجهم، ويعاون بعضهم بعضا في مصالحهم، وبذلك تنتظم الحياة، وينهض العمران. ويعم الخير بين الناس، ويصل كل واحد إلى مطلوبه على حسب ما قدر الله- تعالى- له من رزق واستعداد..

ولو أنا تركنا أمر تقسيم الأرزاق إليهم لتهارجوا وتقاتلوا، وعم الخراب في الأرض، لأن كل واحد منهم يريد أن يأخذ ما ليس من حقه، لأن الحرص والطمع من طبيعته.

وإذا كان هذا هو حالهم بالنسبة لأمور دنياهم فكيف أباحوا لأنفسهم التحكم في منصب النبوة، وهو بلا شك أعلى شأنا، وأبعد شأوا من أمور الدنيا.

وقوله سُخْرِيًّا بضم السين- من التسخير، بمعنى تسخير بعضهم لبعض وخدمة بعضهم لبعض، وعمل بعضهم لبعض، فالغنى- مثلا- يقدم المال لغيره، نظير ما يقدمه له ذلك الغير من عمل معين..

وبذلك تنتظم أمور الحياة، وتسير في طريقها الذي رسمه- سبحانه- لها.

قال الجمل ما ملخصه: قوله: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا أى: ليستخدم بعضهم بعضا، فيسخر الأغنياء بأموالهم، الأجراء الفقراء بالعمل، فيكون بعضهم سببا لمعاش بعض، هذا بماله، وهذا بأعماله، فيلتئم قوام العالم، لأن الأرزاق لو تساوت لتعطلت المعايش، فلم يقدر أحد منهم أن ينفك عما جعلناه إليه من هذا الأمر الدنىء، فكيف يطمعون في الاعتراض في أمر النبوة، أيتصور عاقل أن نتولى قسم الناقص، ونكل العالي إلى غيرنا..؟ .

هذا، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها تقرر سنة من سنن الله- تعالى- التي لا تغيير لها ولا تبديل، والتي تؤيدها المشاهدة في كل زمان ومكان، فحتى الدول التي تدعى المساواة في كل شيء.. ترى سمة التفاوت في الأرزاق وفي غيرها واضحة جلية، وصدق الله في قوله:

وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ.

ومن الآيات التي تشبه هذه الآية قوله- تعالى-: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ... .

وقوله- سبحانه-: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ، وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا.

قال الله تعالى رادا عليهم في هذا الاعتراض : ( أهم يقسمون رحمة ربك ) ؟ أي : ليس الأمر مردودا إليهم ، بل إلى الله ، عز وجل ، والله أعلم حيث يجعل رسالاته ، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبا ونفسا ، وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصلا .

ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم ، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ، فقال : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )

وقوله : ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) قيل : معناه ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال ، لاحتياج هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا ، قاله السدي وغيره .

وقال قتادة والضحاك : ليملك بعضهم بعضا . وهو راجع إلى الأول .

ثم قال : ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) أي : رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا .

وقوله: ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) يقول تعالى ذكره: أهؤلاء القائلون: لولا نـزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يا محمد, يقسمون رحمة ربك بين خلقه, فيجعلون كرامته لمن شاءوا, وفضله لمن أرادوا, أم الله الذي يقسم ذلك, فيعطيه من أحبّ, ويحرمه مَنْ شاء؟.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا عثمان بن سعيد, قال: ثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك, ومن أنكر منهم, فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد, قال: فأنـزل الله عزّ وجلّ: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وقال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني: أهل الكتب الماضية, أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم, وإن كانوا بشرا فلا تنكرون أن يكون محمد رسولا قال: ثم قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم; قال: فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا, وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة فـ( لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) يقولون: أشرف من محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي, وكان يسمى ريحانة قريش, هذا من مكة, ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من أهل الطائف, قال: يقول الله عزّ وجلّ ردّا عليهم ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) أنا أفعل ما شئت.

وقوله: ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره: بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا من خلقنا, فنجعل من شئنا رسولا ومن أردنا صديقا, ونتخذ من أردنا خليلا كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات, فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة, بل جعلنا هذا غنيا, وهذا فقيرا, وهذا ملكًا, وهذا مملوكًا( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الله تبارك وتعالى ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فتلقاه ضعيف الحيلة, عي اللسان, وهو مبسوط له في الرزق, وتلقاه شديد الحيلة, سليط اللسان, وهو مقتور عليه, قال الله جلّ ثناؤه: ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى.

وقوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) يقول: ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه, وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل, يقول: جعل تعالى ذكره بعضا لبعض سببا فى المعاش, في الدنيا.

وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) فقال بعضهم: معناه ما قلنا فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) قال: يستخدم بعضهم بعضا في السخرة.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) قال: هم بنو آدم جميعا, قال: وهذا عبد هذا, ورفع هذا على هذا درجة, فهو يسخره بالعمل, يستعمله به, كما يقال: سخر فلان فلانا.

وقال بعضهم: بل عنى بذلك: ليملك بعضهم بعضا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, في قوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) يعني بذلك: العبيد والخدم سخر لهم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) مِلْكة.

وقوله: ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يقول تعالى ذكره: ورحمة ربك يا محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الأموال في الدنيا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يعني الجنة.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ ) يقول: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا.

التدبر :

وقفة
[32] ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ كلا، كلا، لن يستشيرهم الله قبل أن يعطيك، لا عليك مما يقولون فيك، ستأتيك رحمته رغما عنهم.
وقفة
[32] ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ قال ابن كثير: «ليس الأمر مردودًا إليهم، بل إلى الله عز وجل، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبًا ونفسًا، وأشرفهم بيتًا، وأطهرهم أصلًا».
وقفة
[32] ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ لا أحد يحدد رحمة الله بعباده، إنما يقسمها سبحانه وتعالى بين الخلق بحكمته وعلمه، قَسَمك من رحمة الله سيصلك رغمًا عنك وعن الناس أجمعين، وقَسَم غيرك من رحمة الله سيصله؛ فاطمئن واستمطر رحمة ربك بكثرة التذلل بين يديه والاستغفار والتضرع له، ربنا آتنا من لدنك رحمة.
وقفة
[32] ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ الرحمة هنا هي النبوة، ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ والرحمة هنا هي الجنة.
وقفة
[32] ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ السؤال الذي يطيح بمشاعر الحسد فينا.
وقفة
[32] لتهدأ روحك ولتقر عينك، ما قسمه الله لك سيأتيك، ولن يستطيع أحد أن يحول بينك وبينه ﴿أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم﴾.
عمل
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا﴾ اللهُ هو من يَقْسِمُ الأرزاقَ، ارضَ بقِسْمَتِه، ولا تَحْسُدُ أحدًا.
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُم﴾ على قدر يقينك بأنها قسمة الله، تُنير الطمأنينة قلبك، ويعمُر الرضا حياتك.
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهم في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى.
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال حاتم الأصم: «تأملتها فعلمت أن القسمة من الله فما حسدت أحدا أبدًا».
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ آية تبعث الطمآنينة في النفس وتُوجب الرضا بما قسم الله لنا ونبذ الحسد.
عمل
[32] ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾ سيأخذ الجميع نصيبه وقسمته من هذه الدنيا سعادةٌ أو حزن، لن يفوتك شيء كتبه الله لك أو عليك؛ فارضِ بالقدر، وقل الحمد لله.
وقفة
[32] ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾ فلـمــاذا تــحــســد؟!
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الأَرزَاقُ مَقسُومَة، مَن رَضِيَ سَعِدَ، وَمَن سَخِطَ شَقِيَ، وَلَنْ يَنَالَ مع شَقَائِهِ وَنَكدِهِ أَكثَرَ مِمَّا كُتِبَ لَهُ.
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وما دامت القسمة من الله؛ فلا تنظر لما في يدي غيرك أو تحسده على رزق ربه.
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ المتفضِّل هو الله، الرازق هو الله، فلمَ التحاسد؟
وقفة
[32] الناس يذم بعضهم بعضًا، وأصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، ومن يتأمل قوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعلم أن القسمة من الله، فما يحسد أحدًا، ويرضي بقسمة الله تعالى.
وقفة
[32] إذا كان ربنا الرزاق يقول في بيانه: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ فلماذا تحسد؟!
وقفة
[32] آية في القرآن تقضي على الحسد، وهي: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.
عمل
[32] كلما رأيت من يفوقك في الرزق والعافية ومتع الحياة فتذكر: ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾.
وقفة
[32] ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهم في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ عَنْ قَتادَةَ: «قَسَمَ بَيْنَهم مَعِيشَتَهم في الحَياةِ الدُّنْيا كَما قَسَمَ بَيْنَهم صُوَرَهم وأخْلاقَهم فَتَعالى رَبُّنا وتَبارَكَ»، ﴿ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ﴾ قالَ: «فَتَلَقّاهُ ضَعِيفُ الحِيلَةِ عَيِيَّ اللِّسانِ وهو مَبْسُوطٌ لَهُ في الرِّزْقِ، وتَلَقّاهُ شَدِيدَ الحِيلَةِ سَلِيطَ اللِّسانِ وهو مَقْتُورٌ عَلَيْهِ».
وقفة
[32] ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم﴾ فالخلق خلق الله ﴿في الحياة الدنيا﴾ تهوينًا على النفوس ما فاتها ﴿ورحمة ربك خير مما يجمعون﴾ توجيه وهدى وشفاء للنفوس.
وقفة
[32] كل ما يجري في هذا الكون بقضاء الله وقدره وقوته، وما من أحد في هذه الدنيا يستطيع أن ينقص مما قدره الله لك من الرزق ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا﴾.
وقفة
[32] ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ كل واحد مرفوع بشيء يجيد عمله ، والناس كلهم محتاجون لبعضهم البعض، حتى من يقومون بأعمال أقل، المجتمع بحاجة لهم، ولا يستغني عنهم، ولا يمكن لأحد أن يقوم بجميع أعمال الحياة.
وقفة
[32] قال ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ ليس معنى (سُخْرِيًّا) من السخرية؛ بل من التسخير؛ لأنها بالضم وتلك بالكسر.
وقفة
[32] تقسيم الأرزاق خاضع لحكمة الله ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.
وقفة
[32] ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ وهو من التسخير في الخدمة: أي رفعنا بعضهم فوق بعض ليخدم بعضهم بعضًا.
وقفة
[32] من رحمة الله بعباده تسخير بعضهم لبعض، وجعل الفقير يحتاج إلى الغني، والغني يحتاج إلى الفقير ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وقفة
[32] ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ فيه إباحة استخدام الحر برضاه، واستئجاره.
وقفة
[32] ﴿لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا﴾ ليصرف بعضهم بعضًا في حوائجهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويتسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم، هذا بماله وهذا بأعماله.
عمل
[32] دون ما مرَّ بك اليوم من أنواع تسخير الله تعالى الناس بعضهم لبعض ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وقفة
[32] ما الفرق بين سِخريًا وسُخريًا؟ ﴿سِخريًا﴾ بكسر السين هي من الإستهزاء والسخرية، أما ﴿سُخريًا﴾ بضم السين فهي من باب الإستغلال والتسخير.
وقفة
[32] كل ما في القرآن العظيم من (سخر): فالاستهزاء, إلا ﴿سُخْرِيًّا﴾, فهو: من التسخير والاستخدام.
وقفة
[32] ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ إنْ أحرق قلبك متاع لا تقدر عليه؛ أطفئ الأسى والحسرة بهذه الآية.
تفاعل
[32] ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ ادعُ الله الآن أن يرحمك.
وقفة
[32] ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ إنْ أحرقَ قلبك ما تراه من متاع لا تقدر عليه .. أطفئ الأسى بهذه الآية.
وقفة
[32] كلما فاتك شيء من حظوظ الدنيا فتذكر أن ما عند الله خير وأبقى قال ﷻ : ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وقفة
[32] ترد ﴿رحمت﴾ هكذا وفي مواضع بالمربوطة ﴿رحمة﴾، ما سبب الاختلاف وما الفرق بينهما ؟ الجواب: هذا مكتوب كما وجده العلماء في رسم المصحف العثماني المكتوب في عهد عثمان بن عفان، ولا يوجد تعليل دقيق لهذه الظاهرة في القرآن، والفرق بينها وبين المكتوبة بالتاء المربوطة هو في نطقها عند الوقف عليها، فتنطق بالتاء.

الإعراب :

  • ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ:
  • الهمزة همزة انكار وتعجيب من اعتراضهم بلفظ‍ استفهام.هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. يقسمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل
  • ﴿ رَحْمَةِ رَبِّكَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ربك: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالاضافة وجملة يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ» أي نبوته: في محل رفع خبر «هم».
  • ﴿ نَحْنُ قَسَمْنا:
  • ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. قسم:فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة «قسمنا» في محل رفع خبر «نحن».
  • ﴿ بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بقسمنا وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. معيشة: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة
  • ﴿ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة للمعيشة. الدنيا:صفة-نعت-للحياة مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ:
  • معطوفة بالواو على قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ دَرَجاتٍ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم بمعنى الى درجات. فحذف الجار وأوصل الفعل.
  • ﴿ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ:
  • اللام حرف جر للتعليل. يتخذ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. بعض: فاعل مرفوع بالضمة.و«هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بَعْضاً سُخْرِيًّا:
  • مفعولا «يتخذ» منصوبان وعلامة نصبهما الفتحة. وجملة «يتخذ وما بعدها» صلة «ان» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «ان» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بيتخذ.
  • ﴿ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ:
  • الواو استئنافية. رحمة: مبتدأ مرفوع بالضمة. ربك:أعربت. خير: خبر «رحمة» مرفوع بالضمة. بمعنى: ونبوة ربك أحسن وأفضل.
  • ﴿ مِمّا يَجْمَعُونَ:
  • أصلها: من: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. يجمعون: تعرب اعراب «يقسمون» وجملة «يجمعون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: مما يجمعونه بمعنى: مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا. أو من الأموال.'

المتشابهات :

البقرة: 253﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ
الأنعام: 165﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ
الزخرف: 32﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     ولَمَّا فضَّلُوا الغَنيَّ على الفقيرِ؛ أنكرَ اللهُ عليهم ذلك ورَدَّ عليهم، ثم ذكرَ الحكمةَ من هذا التفاوت في الأرزاق، قال تعالى:
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

معيشتهم:
1- على الإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- معائشهم، على الجمع، وهى قراءة عبد الله، والأعمش، وابن عباس، وسفيان.
سخريا:
1- بضم السين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسرها، وهى قراءة عمرو بن ميمون، وابن محيصن، وابن أبى ليلى، وأبى رجاء، والوليد بن مسلم، وابن عامر.

مدارسة الآية : [33] :الزخرف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً ..

التفسير :

[33] ولولا أن يكون الناس جماعة واحدة على الكفر، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفاً من فضة وسلالم عليها يصعدون.

يخبر تعالى بأن الدنيا لا تسوى عنده شيئا، وأنه لولا لطفه ورحمته بعباده، التي لا يقدم عليها شيئا، لوسَّع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما، ولجعل{ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ} أي:درجا من فضة{ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} على سطوحهم.

ثم ختم- سبحانه- هذا التهوين لحطام الدنيا فقال: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ، وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ.

ولَوْلا حرف امتناع لامتناع. والكلام على حذف مضاف. والمراد بالأمة الواحدة:

أمة الكفر. والمعارج جمع معرج وهي المصاعد التي يصعد عليها إلى أعلى.

أى: ولولا كراهة أن يكون الناس جميعا أمة واحدة مجتمعة على الكفر حين يشاهدون سعة الرزق، ورفاهية العيش، ظاهرة بين الكافرين..

لولا كراهية ذلك. لجعلنا بمشيئتنا وقدرتنا، لمن يكفر بالرحمن، الشيء الكثير من حطام الدنيا، بأن نجعل لبيوتهم سقفا من فضة، ولجعلنا لهم مصاعد فخمة عليها يرقون إلى أعلى مساكنهم.

ثم قال تعالى : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) أي : لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال - هذا معنى قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم - ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) أي سلالم ودرجا من فضة - قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي : وابن زيد ، وغيرهم - ( عليها يظهرون ) ، أي : يصعدون .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)

يقول تعالى ذكره: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً ) : جماعة واحدة.

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم يؤمن اجتماعهم عليه, لو فعل ما قال جلّ ثناؤه, وما به لم يفعله من أجله, فقال بعضهم: ذلك اجتماعهم على الكفر. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر, فيصيرَ جميعهم كفارا( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ).

* ذكر من قال ذلك.

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول الله سبحانه: لولا أن أجعل الناس كلهم كفارا, لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا هوذة بن خليفة, قال: ثنا عوف, عن الحسن, في قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: لولا أن يكون الناس كفارا أجمعون, يميلون إلى الدنيا, لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال, ثم قال: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها, وما فعل ذلك, فكيف لو فعله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) : أي كفارا كلهم.

حدثنا محمد بن عيد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: لولا أن يكون الناس كفارا.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال. ثما أسباط, عن السديّ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول: كفارا على دين واحد.

وقال آخرون: اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الآخرة. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الآخرة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: لولا أن يختار الناس دنياهم على دينهم, لجعلنا هذا لأهل الكفر.

وقوله: ( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ) يقول تعالى ذكره: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن فى الدنيا سقفا, يعني أعالي بيوتهم, وهي السطوح فضة .

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ) السقف: أعلى البيوت.

واختلف أهل العربية فى تكرير اللام التي في قوله: ( لِمَنْ يَكْفُرُ ) وفي قوله: ( لِبُيُوتِهِمْ ), فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت حملتها في ( لِبُيُوتِهِمْ ) مكرّرة، كما في يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين, كأن الثانية في معنى على, كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم سقفا. قال: وتقول العرب للرجل في وجهه: جعلت لك لقومك الأعطية: أي جعلته من أجلك لهم.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: " سُقُفًا " فقرأته عامة قرّاء أهل مكة وبعض المدنيين وعامة البصريين ( سَقْفا ) بفتح السين وسكون القاف اعتبارا منهم ذلك بقوله: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وتوجيها منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع. وقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة ( سُقُفًا ) بضم السين والقاف، ووجهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف. وإذا وجهت إلى أنها جمع سقوف كانت جمع الجمع, لأن السقوف: جمع سقف, ثم تجمع السقوف سقفا, فيكون ذلك نظير قراءة من قرأه " فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ" بضم الراء والهاء, وهي الجمع, واحدها رهان ورهون, وواحد الرهون والرهان: رهن.

وكذلك قراءة من قرأ " كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ" بضم الثاء والميم, ونظير قول الراجز:

حتى إذَا ابْتَلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ (2)

وقد زعم بعضهم أن السُّقُف بضم السين والقاف جمع سقف, والرُّهُن بضم الراء والهاء جمع رهن, فأغفل وجه الصواب في ذلك, وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون العين مجموعا على فعل, فيجعل السُّقُف والرُّهُن مثله.

والصواب من القول في ذلك عندي, أنهما قراءتان متقاربتا المعنى, معروفتان في قراءة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) يقول: ومراقي ودَرَجا عليها يصعدون, فيظهرون على السقف والمعارج: هي الدرج نفسها, كما قال المثنى بن جندل?

يا رَبّ ربَّ البَيْتِ ذي المَعَارِج (3)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ( وَمَعَارِجَ ) قال: معارج من فضة, وهي درج.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ): أي دَرجا عليها يصعدون.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: المعارج: المراقي.

حدثنا محمد, قال: ثنا ابن ثور, عن حمر, عن قتادة, في قوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: درج عليها يرفعون.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن ابن عباس قوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: درج عليها يصعدون إلى الغرف.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: المعارج: درج من فضة.

------------------------

الهوامش:

(2) البيت في ( اللسان : حلق ) ، ولم ينسبه ، ولعله لرؤبة . قال : الحلق : مساغ الطعام والشراب في المريء ، والجمع القليل : أحلاق ، والكثير : حلوق ، وحلق . الأخيرة ككتب عزيزة . أنشد الفارسي :

* حـتى إذا ابتلـت حـلاقيم الحلق *

وفي معاني القرآن للفراء ( الورقة 295) قال عند قوله تعالى : ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا ) : والسقف قرأها عاصم والأعمش" سقفا" ( أي بضم السين والقاف ) . وإن شئت جعلت واحدها" سقيفة" ، وإن شئت جعلت" سقوفا" ، فيكون جمع الجمع ، كما قال الشاعر :

* حـتى إذَا بُلَّـتْ حَـلاقِيمُ الحُـلُقْ *

* أهْـوَى لأدْنـى فَقْـرَةٍ عَلى شَفَقٍ *

ومثله قراءة من قرأ :" كلوا من ثمره" ( بضم الثاء والميم ) ، وهو جمع ، وواحده : ثمار وكقول من قرأ :" فرهن مقبوضة" واحدها" رهان" و" رهون" . ا هـ .

(3) البيت نسبه المؤلف إلى المثنى بن جندل . ونسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ( الورقة 220 - ب ) إلى جندل بن المثنى ، وهو الصواب ، وهو جندل بن المثنى الطهوي ، كما في سمط اللآلي ( 702 ) . والمعارج : جمع معراج ، وهي كما في ( اللسان : عرج ) المصاعد والدرج . واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى : ( ومعارج عليها يظهرون ) . قال أبو عبيدة : المعارج : الدرج . قال جندل ابن المثنى :

* يـا رب رب البيـت ذي المعارج *

التدبر :

وقفة
[33] ﴿ولولا أن يكون الناس﴾ كفارًا ﴿لجلعنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة﴾ لهوان الدنيا على الله . فلا تكن أكبر هم المؤمن.
وقفة
[33] ﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ قال الحسن: المعنى لولا أن يكفر الناس جميعًا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه؛ لهوان الدنيا عند الله عز وجل.
وقفة
[33] ﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ لو شاهد الناس سعة الرزق ورفاهية العيش بين جموع الكافرين، لأقبل الناس كلهم على الكفر طمعًا في المال، لكن الله لرحمته بعباده ما جعل هذه التوسعة ملازمة للكافرين، ولو فعل لافتتن الناس.
وقفة
[33] ﴿وَلَولا أَن يَكونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلنا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمنِ لِبُيوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيها يَظهَرونَ﴾ حتى قيام الساعة سيظل عند البعض اعتقاد خاطئ: أن من يوسع عليه ربه هو من الذين يرضى الله عنهم.
وقفة
[33] ﴿لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون﴾ لِمَ وهم قد كفروا بالرحمن؟ الجواب: أي: ليعلم الناس حقارة الدنيا بالنسبة للآخرة، وأنها لا تستحق التنافس.
وقفة
[33] حقارة الدنيا عند الله، فلو كانت تزن عنده جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء ﴿لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ:
  • الواو: استئنافية. لولا: حرف شرط‍ غير جازم وهي هنا حرف امتناع لوجود. ان: حرف مصدري ناصب. يكون: فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً:
  • اسم «يكون» مرفوع بالضمة. أمة: خبرها منصوب بالفتحة. واحدة: صفة-نعت-لأمة منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.وجملة «يكون» وما بعدها: صلة «ان» المصدرية لا محل لها من الاعراب و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ وخبره محذوف وجوبا بمعنى: ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر. أو ان اجماعهم على الكفر مانع من بسط‍ الدنيا
  • ﴿ لَجَعَلْنا:
  • اللام واقعة في جواب «لولا» جعل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا، و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.وجملة «جعلنا» وما بعدها: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.بمعنى لجعلنا لحقارة زهرة الحياة الدنيا عندنا.
  • ﴿ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ:
  • اللام حرف جر. و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. والجار والمجرور في مقام المفعول به الثاني.يكفر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالرحمن: جار ومجرور متعلق بيكفر أي يكفر بالله سبحانه. وجملة يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً:
  • جار ومجرور في محل نصب بدل اشتمال من قوله لِمَنْ يَكْفُرُ» سقفا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أو على معنى «لجعلنا لبيوت من كفروا بالله سقفا».
  • ﴿ مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من سقفا. و «من» حرف جر بياني. ومعارج: معطوفة بالواو على «فضة» مجرور مثلها وعلامة جرها الفتحة بدلا من الكسرة لأنها ممنوعة من الصرف على وزن مفاعل أو لأنها صيغة جمع بعد ألفه حرفان. بمعنى مصاعد.
  • ﴿ عَلَيْها يَظْهَرُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل جر صفة-نعت-لمعارج.عليها: جار ومجرور متعلق بيظهرون. يظهرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى على المصاعد يظهرون أي يعلون السطوح فما استطاعوا أن يعلوه أو يظهروه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     ولَمَّا فَضَّلَ اللهُ الجنةَ على المال والمتاع الدنيوي؛ بَيَّنَ هنا شِدَّةَ حَقارة الدنيا، ولولا أن يكون النَّاس جماعةً واحدةً على الكفر، لأعطى زَخارِفَ الدُّنيا كُلَّها للكُفَّارِ، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سقفا:
1- بضمتين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم وسكون، وهى قراءة أبى رجاء.
وهما جمع «سقف» .
3- بفتح السين والسكون على الإفراد، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
4- بفتحتين، كأنه لغة فى «سقف» .
5- سقوفا، جمعا، على «فعول» ، نحو: كعب وكعوب.
معارج:
1- جمع «معرج» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ومعاريج، جمع «معراج» ، وهى قراءة طلحة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف