2713536373839404142

الإحصائيات

سورة النحل
ترتيب المصحف16ترتيب النزول70
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.50
عدد الآيات128عدد الأجزاء0.75
عدد الأحزاب1.50عدد الأرباع6.00
ترتيب الطول9تبدأ في الجزء14
تنتهي في الجزء14عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 3/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (35) الى الآية رقم (37) عدد الآيات (3)

الشُبْهَةُ الثانيةُ: احتجاجُهم بالقدرِ، فقالُوا: لو شاءَ اللهُ أنْ نؤمنَ لآمنَّا، ثُمَّ بيانُ أنَّ سنَّتَه تعالى في عبادِه: إرسالُ الرُّسلِ إليهم، وأمرُهم بعبادتِه، ونهيُهُم عن عبادةِ الطَّاغوتِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (38) الى الآية رقم (42) عدد الآيات (5)

الشُبْهَةُ الثالثةُ: إنكارُهم البَعثَ، فأقسَمُوا أنَّ اللهَ لا يبعثُ من يموتُ، والردُّ عليهم، ثُمَّ جزاءُ المهاجرينَ الذينَ تركُوا ديارَهم وأموالَهم وصبرُوا على أذى المشركينَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النحل

التعرف على نعم الله وشكره عليها

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هي سورة النعم تخاطب قارئها قائلة::   فسورة النحل هي أَكْثَرُ سُورَةٍ نُوِّهَ فِيهَا بِالنِّعَمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سُورَةٍ تَكَرَّرَتْ فِيهَا مُفْرَدَةُ (نِعْمَة) وَمُشْتَقَّاتُهَا.
  • • سورة إبراهيم وسورة النحل::   انظر لنعم الله تعالى في الكون، من النعم الأساسيّة (ضروريّات الحياة) إلى النعم الخفيّة التي يغفل عنها الكثير وينساها، وحتى التي يجهلها، كل أنواع النعم. ثم تعرض السورة النعم وتناديك وتذكرك وتنبهك: المنعم هو الله، احذر من سوء استخدام النعم، اشكر الله عليها ووظفها فيما خلقت له.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النحل».
  • • معنى الاسم ::   النحل: حشرة صغيرة تربى للحصول على العسل.
  • • سبب التسمية ::   قال البعض: لذكر لفظ النحل فيها في الآية (68)، ولم يذكر في سورة أخرى غيرها
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة النِّعَم»؛ لكثرة ذكر النعم فيها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   التفكر في نعم الله الكثيرة علينا.
  • • علمتني السورة ::   أنّ الوحي قرآنًا وسنة هو الرُّوح الذي تحيا به النفوس: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أنّ نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ما نعرف منها وما لا نعرف: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (18)، فلو أننا قضينا حياتنا في عدّها ما أحصيناها، فكيف بشكرها؟
  • • علمتني السورة ::   أن العاقل من يعتبر ويتعظ بما حل بالضالين المكذبين، كيف آل أمرهم إلى الدمار والخراب والعذاب والهلاك: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النحل من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
    • عن عَبْدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:‏ «مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعَ لِحَلاَلٍ وَحَرَامٍ وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏﴿‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏ ...‏‏﴾».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة النحل احتوت على السجدة الثالثة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم، في الآية (49).
    • سورة النحل وسورة هود تعتبر من أطول سور المئين، فهما من أطول سور القرآن الكريم بعد سور السبع الطِّوَال.
    • سورة النحل تشبه سورة إبراهيم في التركيز على موضوع تعدد نعم الله على عباده، ولكن سورة النحل أكثر تفصيلًا للموضوع لطولها.
    • السور الكريمة المسماة بأسماء الحيوانات 7 سور، وهي: البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقرأ سورة النحل، ثم نتبّع النعم المذكورة فيها، ونكتبها بالقلم في ورقة.
    • أن نتفكّر في نعم الله، وفي كيفية توظيف كل هذه النعم في طاعة الله.
    • أن نتذكر من فقد أحد هذه النعم، ونحن نردد: (الحمد لله الذي أنعم علينا بهذه النعمة).
    • أن نقتدي بإبراهيم عليه السلام الشاكر لأنعم الله عليه.
    • ألا ننسى قول: "الحمد لله" عندما نرتدي ملابسنا الشتوية: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ (5).
    • أن نتأمل وسائل النقل الحديثة كالسيارات والطائرات، وندرك سعة معاني كلام الله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (8).
    • أن نحذر السخـرية، أو الاستـهزاء بالدعاة إلى الله، والعلماء المصلحين: ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ (34).
    • أن نبلِّغ الناس مسألة نافعة اقتداء بالأنبياء، وسيرًا على نهجهم: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (35).
    • ألا نحمل أنفسنا ما لا تطيق, علينا النصح فقط, والله أعلم بقلوب عباده ومن يستحق القرب منه: ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ (37).
    • ألا تيأس؛ ليس بين الضيق والفرج إلا كلمة (كن) فيكون الفرج ويزول الضيق: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (40).
    • أن نتذكر نعمة أنعم الله بها علينا، ثم ننسب الفضل فيها لله وحده: " الحمد لله، الله أنعم علينا بكذا": ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ (53).
    • أن نحسن معاملة بناتنا وأخواتنا، ونظهر البشر لمقدمهن: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (58).
    • أن نتفكر -ونحن نشرب اللبن- كيف تدرج اللبن من برسيم في المزرعة إلى مصنع في بطن الحيوان، حتى صار مشروبًا لذيذًا على المائدة، ثم نحمد الله على نعمه: ﴿لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ﴾ (66).
    • أن نحذر الحسد؛ فإن الله تعالى هو الذي فاضل بين الناس في أرزاقهم وعقولهم: ﴿وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ (71).
    • أن نستخدم ضرب المثل في نصحنا ودعوتنا؛ لتقريب الأمور: ﴿وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا ...﴾ (76).
    • أن نتخَيل لو تعطَّلَت إحدَى النِّعَمِ، ثُمَّ نشْكُر اللهَ عليها: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (78).
    • أن نشكر نعمة الله علينا بالسكن، ونتصدق بصدقة نساعد بها فقيرًا في دفع إيجار مسكنه: ﴿وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾ (80). • أن نستعذ بالله من الشيطان الرجيم، لنقرأ القرآن بقلب حاضر وبتدبر وتفكر: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ (98).
    • أن نهتم كثيرًا بتعـلم اللـغة العـربية؛ لأنـها تـوصل إلى فــهم القرآن: ﴿وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ (103).
    • أن نحرص على اتباع المنهج لا اتباع الأشخاص: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ (123).

تمرين حفظ الصفحة : 271

271

مدارسة الآية : [35] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء ..

التفسير :

[35] وقال المشركون:لو شاء الله أن نعبده وحده ما عبدنا أحداً غيره، لا نحن ولا آباؤنا مِن قبلنا، ولا حَرَّمْنا شيئاً لم يحرمه، بمثل هذا الاحتجاج الباطل احتج الكفار السابقون، وهم كاذبون؛ فإن الله أمرهم ونهاهم ومكَّنهم من القيام بما كلَّفهم به، وجعل لهم قوة

أي:احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله، وأن الله لو شاء ما أشركوا، ولا حرموا شيئا من [الأنعام] التي أحلها كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه، وهذه حجة باطلة، فإنها لو كانت حقا ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث أشركوا به، فعاقبهم أشد العقاب. فلو كان يحب ذلك منهم لما عذبهم، وليس قصدهم بذلك إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل، وإلا فعندهم علم أنه لا حجة لهم على الله.

فإن الله أمرهم ونهاهم ومكنهم منالقيام بما كلفهم وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها أفعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل الباطل، هذا وكل أحد يعلم بالحس قدرة الإنسان على كل فعل يريده من غير أن ينازعه منازع، فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله وتكذيب الأمور العقلية والحسية،{ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ْ} أي:البين الظاهر الذي يصل إلى القلوب، ولا يبقى لأحد على الله حجة، فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه، واحتجوا عليهم بالقدر، فليس للرسل من الأمر شيء، وإنما حسابهم على الله عز وجل.

إن هذه الآيات الكريمة، تعالج شبهة من الشبهات القديمة الحديثة.

قديمة، لأن كثيرا من مجادلى الرسل- عليهم الصلاة والسلام- جادلوا بها.

وحديثة، لأنها كثيرا ما تراود الذين يتمسكون بالأوهام، إرضاء لنزواتهم وشهواتهم.

إنهم جميعا يقولون عند ارتكابهم للقبائح والمنكرات: هذا أمر الله وهذا قضاؤه، وتلك مشيئته وإرادته، ولو شاء الله عدم فعلنا لهذه الأشياء لما فعلناها ومادام الله- تعالى- قد قضى علينا بها فما ذنبنا؟ ولماذا يعاقبنا عليها مادام قد شاءها لنا؟

استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى هذه الشبهة بأسلوبه الخاص فيقول: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا، وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ....

أى: وقال الذين أشركوا، مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة، لنبيهم صلى الله عليه وسلم:

لو شاء الله- تعالى- لنا عبادته وحده لعبدناه نحن وآباؤنا الذين هم قدوتنا.

ولو شاء لنا ولآبائنا- أيضا- ألا نحرم شيئا مما حرمناه من البحائر والسوائب وغيرهما، لتمت مشيئته، ولما حرمنا شيئا لم يأذن به- سبحانه-.

ولكنه- عز وجل- لم يشأ ذلك، بل شاء لنا أن نشرك معه في العبادة هذه الأصنام، وأن نحرم بعض الأنعام، وقد رضى لنا ذلك، فلماذا تطالبنا يا محمد صلى الله عليه وسلم بتغيير مشيئة الله، وتدعونا إلى الدخول في دين الإسلام والذي لم يشأ لنا الله- تعالى- الدخول فيه؟

هذه حجتهم، ولا شك أنها حجة داحضة، لأنهم يحيلون شركهم وفسوقهم على مشيئة الله- تعالى- مع أن مشيئته- تعالى- لم يطلع عليها أحد من خلقه حتى يقولوا ما قالوا.

وإنما الذي أطلعنا عليه- سبحانه- أنه أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم لهدايتنا، ومنحنا العقول التي نميز بها بين الحق والباطل، فمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم سعد وفاز، ومن أعرض عن هدايته خسر وخاب، قال- تعالى-: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً .

وقال- سبحانه: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.. .

ولقد حكى- سبحانه- شبهة المشركين هذه في آيات أخرى ورد عليها، ومن ذلك قوله- تعالى- وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ .

وقوله- سبحانه-: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا، وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا، قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ. قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ، فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.. .

هذا، وقد قلنا عند تفسيرنا لهذه الآيات ما ملخصه: ونريد أن نزيد هذه الشبهة القديمة الحديثة تمحيصا وكشفا ودفعا، فنقول لأولئك الذين يبررون ارتكابهم للموبقات بأنها واقعة بمشيئة الله.

نقول لهم: نحن معكم في أنه لا يقع في ملكه- سبحانه- إلا ما يشاؤه. فالطائع تحت المشيئة، والعاصي تحت المشيئة، ولكن هذه المشيئة لم تجبر أحدا على طاعة أو معصية، وقضاء الله هو علمه بكل ما هو كائن قبل أن يكون وليس العلم صفة تأثير وجبر.

ولقد شاء- سبحانه- أن يجعل في طبيعة البشر الاستعداد للخير والشر، ووهبهم العقل ليهتدوا به، وأرسل إليهم الرسل لينمو فيهم استعدادهم، وسن لهم شريعة لتكون مقياسا ثابتا لما يأخذون وما يدعون، كي لا يتركهم لعقولهم وحدها.

وإذا فمشيئة الله متحققة حسب سنته التي ارتضاها، سواء اتخذ العبد طريقه إلى الهدى أم إلى الضلال، وهو مؤاخذ إن ضل، ومأجور إذا اهتدى، غير أن سنة الله اقتضت أن من يفتح عينيه يبصر النور، ومن يغمضهما لا يراه.

كذلك من يفتح قلبه لإدراك دلائل الإيمان يهتدى، ومن يحجب قلبه عنها يضل. سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا.

وإذا فزعم الزاعمين بأن الله شاء هذا، على معنى أنه أجبرهم عليه، فهم لا يستطيعون عنه فكاكا، إنما هو زعم باطل لا سند له من العلم والتفكير الصحيح..» .

وقوله- سبحانه-: ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما قاله هؤلاء المشركون من كذب، وما نطقوا به من باطل.

واسم الإشارة «كذلك» يعود إلى إشراكهم وتحريمهم لما أحله الله- تعالى- أى: مثل ذلك الفعل الشنيع الذي فعله قومك معك يا محمد، فعل أشباههم السابقون مع أنبيائهم الذين أرسلهم الله- تعالى- لهدايتهم، فلا تبتئس- أيها الرسول الكريم- مما فعله معك مشركو قومك. فإننا لولا وجودك فيهم، لأنزلنا بهم ما أنزلنا على سابقيهم من عذاب.

والاستفهام في قوله- تعالى-: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. إنكارى في معنى النفي. والبلاغ: اسم مصدر بمعنى الإبلاغ. والمبين: الواضح الصريح.

أى: ما على الرسل الكرام الذين أرسلهم الله- تعالى- لإرشاد أقوامهم إلى الصراط المستقيم إلا الإبلاغ الواضح، المظهر لأحكام الله، المميز بين الحق والباطل، أما إجبار الناس على الدخول في الحق فليس من وظيفتهم.

قال- تعالى-: وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ .

وقال- تعالى-: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ.. .

يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الشرك واعتذارهم محتجين بالقدر ، في قولهم : ( لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ) أي : من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك ، مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ، ما لم ينزل الله به سلطانا .

ومضمون كلامهم : أنه لو كان تعالى كارها لما فعلنا لأنكره علينا بالعقوبة ولما مكنا منه . قال الله رادا عليهم شبهتهم : ( فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ) أي : ليس الأمر كما تزعمون أنه لم يعيره عليكم ولم ينكره ، بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار ، ونهاكم عنه آكد النهي ،

يقول تعالى ذكره: وقال الذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام من دون الله: ما نعبد هذه الأصنام إلا لأن الله قد رضي عبادتنا هؤلاء، ولا نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب ، إلا أن الله شاء منا ومن آبائنا تحريمناها ورضيه، لولا ذلك لقد غير ذلك ببعض عقوباته أو بهدايته إيانا إلى غيره من الأفعال. يقول تعالى ذكره: كذلك فعل الذين من قبلهم من الأمم المشركة الذين استَن هؤلاء سنتهم، فقالوا مثل قولهم، سلكوا سبيلهم في تكذيب رسل الله ، واتباع أفعال آبائهم الضلال ، وقوله ( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) يقول جلّ ثناؤه: فهل أيها القائلون: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ، على رسلنا الذين نرسلهم بإنذاركم عقوبتنا على كفركم، إلا البلاغ المبين: يقول: إلا أن تبلغكم ما أرسلنا إليكم من الرسالة. ويعني بقوله ( المُبِينُ) : الذي يبين عن معناه لمن أبلغه، ويفهمه من أرسل إليه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[35] الاحتجاج بالباطل والأعذار الواهية سنة ظالمي أنفسهم في كل عصر وقرن ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾.
عمل
[35] ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ بلِّغ أصدقاءك أو إخوانك مسألة نافعة اقتداء بالأنبياء، وسيرًا على نهجهم.
وقفة
[35] الحق قوي بذاته، فإذا بلّغه الداعية الحكيم بما يليق به من بيان؛ كان منتصرًا بمجرد الكلمة، وذلك كان هو أساس دعوة جميع الأنبياء والرسل ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ فلا يستهين أحد بقوة الكلمة وخطورتها في الخير والشر، فأما كلمة الحق والهدى في الدعوة إلى الله فهي الغالبة بإذن الله.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا:
  • الواو: استئنافية. قال: فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم: موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.أشركوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لَوْ شاءَ اللهُ:
  • الجملة-مقول القول-أي قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء.لو: حرف شرط‍ غير جازم. شاء: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. أي لو أراد الله أن لا نعبد من دونه شيئا.
  • ﴿ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. ما: نافية لا عمل لها بمعنى «لما».عبد: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. من دونه:جار ومجرور متعلق بعبدنا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. من:حرف جر زائد. شيء: اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به.أي لما عبدنا شيئا من الآلهة.
  • ﴿ نَحْنُ وَلا آباؤُنا:
  • نحن: ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع توكيد للضمير في «عبدنا» الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. آباء:معطوفة على الضمير-نا-في «عبدنا» مرفوعة وعلامة رفعها الضمة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ:
  • معطوفة بالواو على ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ» وتعرب إعرابها. أي ولا حرمنا غير ما حرمه.
  • ﴿ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:
  • أعربت في الآية الكريمة الثالثة والثلاثين.أي كذلك قال الذين من قبلهم من المشركين.
  • ﴿ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ:
  • الفاء: استئنافية. هل: حرف استفهام لا محل لها من الاعراب. على الرسل: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ:
  • إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. البلاغ: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. المبين: صفة-نعت-للبلاغ مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

الأنعام: 148﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ
النحل: 35﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     الشُبْهَةُ الثانيةُ من شبهاتِ المشركين: احتجاجُهم بالقَدرِ، فقالُوا: «لو شاءَ اللهُ أنْ نؤمنَ لآمنَّا»، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [36] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ ..

التفسير :

[36] ولقد بعثنا في كل أمة سبقَتْ رسولاً آمراً لهم بعبادة الله وطاعته وحده وتَرْكِ عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليّاً، فكان منهم مَن هدى الله، فاتبع المرسلين، ومنهم المعاند الذي اتبع سبيل الغيِّ، فوجبت عليه الضلال

يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولا، وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له{ أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ْ} فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين،{ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ْ} فاتبعوا المرسلين علما وعملا،{ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ْ} فاتبع سبيل الغي.

{ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ْ} بأبدانكم وقلوبكم{ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ْ} فإنكم سترون من ذلك العجائب، فلا تجدون مكذبا إلا كان عاقبته الهلاك.

ثم بين- سبحانه- أن من رحمته بعباده، أن أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فقال- تعالى-: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ...

والطاغوت: اسم لكل معبود من دون الله- تعالى-، كالأصنام والأوثان وغير ذلك من المعبودات الباطلة، مأخوذ من طغا يطغى طغوا.. إذا جاوز الحد في الضلال.

أى: ولقد اقتضت حكمتنا ورحمتنا أن نبعث في كل أمة، من الأمم السالفة «رسولا» من رسلنا الكرام، ليرشدوا الناس إلى الحق والخير، وليقولوا «أن اعبدوا الله» - تعالى- وحده، «واجتنبوا» عبادة «الطاغوت» الذي يضل ولا يهدى.

وأكد- سبحانه- الجملة باللام وقد، للرد على ما زعمه المشركون من أن الله- تعالى- لم ينكر عليهم عبادتهم لغيره، وأنه- سبحانه- راض لتحريمهم لما أحله.

حيث بين لهم- عز وجل- أنه قد أرسل الرسل للدعوة إلى عبادته وحده، ولتجنب عبادة أحد سواه. و «أن» في قوله «أن اعبدوا..» تفسيرية، لأن البعث يتضمن معنى القول، إذ هو بعث للتبليغ.

ثم بين- سبحانه- موقف هؤلاء الأقوام من رسلهم فقال- تعالى-: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ...

أى: بعثنا في كل أمة من الأمم السابقة رسولا لهداية أبنائها فمن هؤلاء الأبناء من هداهم الله- تعالى- إلى الحق وإلى الصراط المستقيم. بأن وفقهم إليه، لانشراح صدورهم له، ومنهم من ثبتت وحقت عليه الضلالة، لاستحبابه العمى على الهدى.

وأسند- سبحانه- هداية بعض أفراد هذه الأمم إليه، مع أنه أمر جميعهم- على ألسنة رسله- بالدخول في طريق الهدى، للرد على المشركين الذين أحالوا شركهم وفسوقهم على مشيئة الله، إذ أن الله- تعالى- قد بين للناس جميعا طرق الخير وطرق الشر، فمنهم من استجاب للأولى، ومنهم من انحدر إلى الثانية، وكلاهما لم يقسره الله- تعالى- قسرا على الهدى أو الضلال.

فاهتداء المهتدين إنما هو بسبب اختيارهم لذلك، واتباعهم الرسل، وضلال الضالين إنما هو بسبب استحواذ الشيطان عليهم.

وعبر- سبحانه- في جانب الضالين بقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ للإشارة إلى أنهم لم يستجيبوا لما أرشدهم- سبحانه- إليه، بل ظلوا ثابتين مصممين على البقاء في طريق الضلالة، فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ .

وقوله- سبحانه-: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.

تحريض لهم على التأمل في آثار المكذبين، لعلهم عن طريق هذا التأمل والتدبر يثوبون إلى رشدهم، ويعودون إلى صوابهم، ويدركون سنة من سنن الله في خلقه، وهي أن العاقبة الطيبة للمتقين، والعاقبة السيئة للكافرين.

والفاء في قوله «فسيروا ... » للتفريع، وقد جيء بها للإشعار بوجوب المبادرة إلى التأمل والاعتبار.

أى: إن كنتم في شك مما أخبرناكم به، فسارعوا إلى السير في الأرض، لتروا بأعينكم آثار المجرمين، الذين كذبوا الرسل وأسندوا شركهم إلى مشيئة الله. لقد نزل بهؤلاء المكذبين عذاب الله، فدمرهم تدميرا وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

.

وبعث في كل أمة رسولا أي : في كل قرن من الناس وطائفة رسولا وكلهم يدعو إلى عبادة الله ، وينهى عن عبادة ما سواه : ( أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك ، منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح ، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب ، وكلهم كما قال الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ الزخرف : 45 ] وقال تعالى في هذه الآية الكريمة : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول : ( لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ) فمشيئته تعالى الشرعية منتفية ; لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله ، وأما مشيئته الكونية - وهي تمكينهم من ذلك قدرا - فلا حجة لهم فيها ؛ لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة ، وهو لا يرضى لعباده الكفر ، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة .

ثم إنه تعالى قد أخبر أنه عير عليهم ، وأنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل ; فلهذا قال : ( فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) أي : اسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف ( دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) [ محمد : 10 ] ( ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ) [ الملك : 18 ] .

يقول تعالى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس في كلّ أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأفردوا له الطاعة ، وأخلصوا له العبادة ( وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم ، ويصدكم عن سبيل الله ، فتضلوا ، ( فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ) يقول: فممن بعثنا فيهم رسلنا من هدى الله، فوفَّقه لتصديق رسله ، والقبول منها ، والإيمان بالله ، والعمل بطاعته، ففاز وأفلح ، ونجا من عذاب الله ( وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) يقول: وممن بعثنا رسلنا إليه من الأمم آخرون حقَّت عليهم الضلالة، فجاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله وكذّبوا رسله ، واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم الله بعقابه ، وأنـزل عليهم بأسه الذي لا يردّ عن القوم المجرمين ، ( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: إن كنتم أيها الناس غير مصدّقي رسولنا فيما يخبركم به عن هؤلاء الأمم الذين حلّ بهم ما حلّ من بأسنا بكفرهم بالله ، وتكذيبهم رسوله، فسيروا في الأرض التي كانوا يسكنونها ، والبلاد التي كانوا يعمرونها ، فانظروا إلى آثار الله فيهم ، وآثار سخطه النازل بهم، كيف أعقبهم تكذيبهم رسل الله ما أعقبهم ، فإنكم ترون حقيقة ذلك ، وتعلمون به صحة الخبر الذي يخبركم به محمد صلى الله عليه وسلم.

التدبر :

وقفة
[36] ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ لم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم؛ من عهد نوح أول رسول إلى أهل الأرض إلى زمن خاتم النبيين -صلوات الله عليه وعليهم- ودعوة الكل واحدة كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، وكما أخبر هنا في هذه الآية، فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [35]؟!
وقفة
[36] ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ إنها رسالة الأنبياء جميعًا: لا إله إلا الله، سعد وفاز من اتبعها، وشقي وخاب من أعرض عنها.
عمل
[36] ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ اهتم كثيرًا بتوحيد الله سبحانه في تعلُّمِك، وتعليمِك، ودعوتك.
وقفة
[36] ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ أعظم أمر وأعظم نهي، ولأجلهما أنزل الله الكتب وأرسل الرسل، وبهما يحقق العبد: لا إله إلا الله.
وقفة
[36] نحن أمة تحمل رسالة، وهذا الحِمل له ركنان: العبودية: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، والبلاغ: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [آل عمران: 110]، فمن قصّر في الركنين أو أحدهما: ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ [محمد: 38] .
وقفة
[36] ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ الهداية منحة ربانية، والضلالة عدل واستحقاق، نسألك يا رب هداك.
وقفة
[36] ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ اتخذها البعض حجة لعدم اهتدائه، وأن الهداية بيد الله لا بيده، والحقيقة أن الهداية هدايتان: هداية دلالة وإرشاد وهذه للجميع من مؤمن وكافر، وهداية اختيار وهذه باختيار العبد (أنت مخير لا مسير).
وقفة
[36] ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ من اهتدى فبتوفيق الله، ومن ضل فقد استحق الضلالة، وكله الله إلى نفسه، وهو سبحانه أعلم بمواضع فضله، وفي الآية إشارة إلى أن من أعظم وسائل الهداية طلبها ممن بيده التوفيق إليها.
تفاعل
[36] ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.
تفاعل
[36] ﴿وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ استعذ بالله من الضلال.
وقفة
[36] ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ العاقل من يعتبر ويتعظ بما حل بالضالين المكذبين كيف آل أمرهم إلى الدمار والخراب والعذاب والهلاك.
عمل
[36] ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ حدد ثلاثة من أسباب إهلاك الله للمكذِّبين.
عمل
[36] ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ تأمل في أحوال الأمم السابقة إذا مررت بديارهم، أو قرأت شيئًا عنهم؛ فإن ذلك معين على ثبوت التوحيد واستقراره في قلبك.
لمسة
[36] كلمة (العاقبة) يستعملها القرآن مرة مذكرة ومرة مؤنثة بحسب المعنى، فإذا أنّث العاقبة تكون بمعنى الجنة؛ لأن الجنة مؤنثة: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾ [الأنعام: 135]، لكن لم يذكِّر العاقبة إلا بمعنى العذاب: ﴿فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، والعذاب مذكر.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنا:
  • الواو: استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. بعث: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً:
  • جار ومجرور متعلق ببعث. أمة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره: الكسرة. رسولا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ:
  • أن: حرف تفسير لا عمل لها وكسر آخره لالتقاء الساكنين.اعبدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة. الله لفظ‍ الجلالة:مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. وجملة اُعْبُدُوا اللهَ» تفسيرية لا محل لها من الاعراب. المعنى. وأمرناه أن يقول لهم اعبدوا الله. ويجوز أن تكون «أن» مصدرية. و «أن» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر. التقدير: بعبادة الله. وجملة اُعْبُدُوا اللهَ» صلة «أن» المصدرية لا محل لها
  • ﴿ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ:
  • معطوفة بالواو على اُعْبُدُوا اللهَ» وتعرب إعرابها.الطاغوت: مفعول به منصوب بالفتحة. أي اجتنبوا عبادة الشيطان.
  • ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ:
  • الفاء استئنافية. منهم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر و «هدى» فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وجملة هَدَى اللهُ» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلا. التقدير: من هداهم الله لدينه.
  • ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ:
  • ومنهم من: معطوفة بالواو على مثيلتها وتعرب اعرابها. حقّت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. عليه: جار ومجرور متعلق بحقت. الضلالة:فاعل مرفوع بالضمة. وجملة حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا:
  • الفاء: عاطفة. سيروا: تعرب اعراب «اعبدوا».في الأرض: جار ومجرور متعلق بسيروا. فانظروا: معطوفة بالفاء على «سيروا» وتعرب مثلها.
  • ﴿ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به. كيف:اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر «كان» مقدم و «كان» فعل ماض ناقص مبني على الفتح. عاقبة: اسم «كان» مرفوع بالضمة.المكذبين: مضاف اليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 137﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
النحل: 36﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     وبعد احتجاج المشركين بالقَدرِ؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنه أرسل الرسل لعباده، فمنهم من استجاب لهم فهداه الله، ومنهم من أعرض وكفر (13- النعمة الثالثة عشرة: إرسال الرسل)، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [37] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ ..

التفسير :

[37] إن تبذل -أيها الرسول- أقصى جهدك لهداية هؤلاء المشركين فاعلم أن الله لا يهدي مَن يُضِلُّ، وليس لهم من دون الله أحد ينصرهم، ويمنع عنهم عذابه.

{ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ ْ} وتبذل جهدك في ذلك{ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ْ} ولو فعل كل سبب لم يهده إلا الله،{ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ْ} ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه.

ثم أخبر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بأن حرصه على هداية المصرين على ضلالهم، لن يغير من واقع أمرهم شيئا، فقال- تعالى- إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ والفعل المضارع «تحرص» بكسر الراء، ماضيه «حرص» بفتحها كضرب يضرب.

والحرص: شدة الرغبة في الحصول على الشيء، والاستئثار به.

وقوله: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ تعليل لجواب الشرط المحذوف، والتقدير:

إن تحرص- أيها الرسول الكريم- على هداية هؤلاء المصرين على كفرهم لن ينفعهم حرصك. فإن الله- تعالى- قد اقتضت حكمته أن لا يهدى من يخلق فيه الضلالة بسبب سوء اختياره، وفساد استعداده.

وفي الجملة الكريمة إشارة إلى ما جبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق، فإنه مع ما لقيه من مشركي قومه من أذى وعناد وتكذيب ... كان حريصا على ما ينفعهم ويسعدهم.

قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ جواب الشرط على معنى فاعلم ذلك، أو علة للجواب المحذوف، أى: إن تحرص على هداهم لن ينفع حرصك شيئا، فإن الله لا يهدى من يضل.

والمراد بالموصول: كفار قريش المعبر عنهم قبل ذلك بالذين أشركوا، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتنصيص على أنهم ممن حقت عليهم الضلالة وللإشعار بعلة الحكم.

ومعنى الآية: أنه- سبحانه- لا يخلق الهداية جبرا وقسرا فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره. و «من» على هذا. مفعول «يهدى» وضمير الفاعل في «يضل» لله- تعالى- والعائد محذوف، أى من يضله.

وقرأ غير واحد من السبعة «فإن الله لا يهدى..» بضم الياء وفتح الدال- على البناء للمفعول.

و «من» على هذا نائب فاعل، والعائد وضمير الفاعل كما مر..».

والمعنى على هذه القراءة: إن تحرص على هداهم- يا محمد- لن ينفعهم حرصك، فإن من أضله الله- تعالى- لا يهديه أحد.

وقوله: وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ تذييل مؤكد لما قبله.

أى: وليس لهؤلاء الضالين من ناصر يدفع عنهم عذاب الله- تعالى- إن نزل بهم،أو يصرفهم عن سبيل الغي الذي آثروه على سبيل الرشد.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً..

وقوله- تعالى-: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك مقولة أخرى من مقولاتهم الباطلة، التي أكدوها بالأيمان المغلظة، ورد عليها بما يدمغها، فقال- تعالى-:

ثم أخبر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم ، إذا كان الله قد أراد إضلالهم ، كما قال تعالى : ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) [ المائدة : 41 ] وقال نوح لقومه : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) [ هود : 34 ] وقال في هذه الآية الكريمة : ( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل ) كما قال تعالى : ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأعراف : 186 ] وقال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] .

فقوله : ( فإن الله ) أي : شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ; فلهذا قال : ( لا يهدي من يضل ) أي : من أضله فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ أي : لا أحد ( وما لهم من ناصرين ) أي : ينقذونهم من عذابه ووثاقه ، ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) [ الأعراف : 54 ] .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء المشركين إلى الإيمان بالله واتباع الحق ( فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ )

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء الكوفيين (فإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يَضِلُّ ) بفتح الياء من يهدي، وضمها من يضلّ ، وقد اختلف في معنى ذلك قارِئوه كذلك، فكان بعض نحويي الكوفة يزعم أن معناه: فإن الله من أضله لا يهتدي، وقال: العرب تقول: قد هدى الرجل: يريدون قد اهتدى، وهدى واهتدى بمعنى واحد ، وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه: فإن الله لا يهدي من أضله، بمعنى: أن من أضله الله فإن الله لا يهديه. وقرأ ذلك عامَّة قرّاء المدينة والشام والبصرة (فإنَّ اللَّهَ لا يُهْدَى) بضم الياء من يُهدى ومن يضل ، وفتح الدال من يُهدَى بمعنى: من أضله الله فلا هادي له.

وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصواب، لأن يهدي بمعنى يهتدي قليل في كلام العرب غير مستفيض، وأنه لا فائدة في قول قائل: من أضله الله فلا يهديه، لأن ذلك مما لا يجهله أحد ، وإذ كان ذلك كذلك، فالقراءة بما كان مستفيضا في كلام العرب من اللغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى.

فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا: إن تحرص يا محمد على هداهم، فإن من أضله الله فلا هادي له ، فلا تجهد نفسك في أمره ، وبلغه ما أرسلت به لتتم عليه الحجة ( وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) يقول: وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم، فيحول بين الله وبين ما أراد من عقوبتهم.

وفي قوله ( إِنْ تَحْرِصْ ) لغتان: فمن العرب من يقول: حرَص، يحرَص بفتح الراء في فعَل وكسرها في يفعل ، وحرِص يحرَص بكسر الراء في فعِل وفتحها في يفعَل ، والقراءة على الفتح في الماضي ، والكسر في المستقبل، وهي لغة أهل الحجاز.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[37] ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ فلا تتعب نفسك كثيرًا, عليك بالنصح فقط, فالله أعلم بقلوب عباده ومن يستحق القرب منه.
عمل
[37] ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ الهداية لا تكون إلا بعد مشيئة الله وإرادته، فاسأل الله هدايتك.
وقفة
[37] ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ ثناء على النبي ﷺ في حرصه على خير قومه رغم ما لقيه منهم من أذى، وهكذا يجب أن تكون نفوس الدعاة الصادقين المقتفين لآثار سيد المرسلين.

الإعراب :

  • ﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ:
  • إن: حرف شرط‍ جازم. تحرص: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بإن وعلامة جزمه: السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أي يا محمد. على هدى: جار ومجرور متعلق بتحرص وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أي على هدايتهم.
  • ﴿ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: رابطة لجواب الشرط‍ -الجزاء-إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «انّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. لا:نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ» في محل رفع خبر «إنّ».من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يضل: تعرب إعراب «يهدي» وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. وجملة «يضل» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.والعائد ضمير في محل نصب لأنه مفعول به. التقدير: من يضلّه أو يضلهم.
  • ﴿ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ:
  • الواو عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. لهم:جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. من: حرف جر زائد. ناصرين: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر. أي ما لهم من ناصرين إذا حل بهم العذاب. وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 22﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
آل عمران: 56﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
آل عمران: 91﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
النحل: 37﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
الروم: 29﴿فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     وبعد ذكرِ مَن وجبت عليه الضلالة؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل لنبيِّه صلى الله عليه وسلم هنا بأن حرصَه على هدايةِ المُصِرِّين على ضلالِهم، لن يغير من واقع أمرهم شيئًا، قال تعالى:
﴿ إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إن:
وقرئ:
وإن، بزيادة واو، وهى قراءة النخعي.
تحرص:
1- بكسر الراء، وهى لغة الحجاز، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الراء، وهى قراءة النخعي، والحسن، وأبى حيوة.
لا يهدى:
وقرئ:
1- لا يهدى، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الحرميين، والعربيين، والحسن، والأعرج، ومجاهد، وشيبة، وشبل، ومزاحم الخراسانى، والعطاردي، وابن سيرين.
2- لا يهدى، مبنيا للفاعل، وهى قراءة الكوفيين، وابن مسعود، ابن المسيب.
3- لا يهدى، بفتح الياء وكسر الهاء والدال المشددة، وهى قراءة فرقة، منهم: عبد الله.
4- لا يهدى، بضم الياء، وكسر الدال.
قال ابن عطية: وهى ضعيفة.

مدارسة الآية : [38] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ ..

التفسير :

[38] وحلف هؤلاء المشركون بالله أيماناً مغلَّظة إنَّ الله لا يبعث مَن يموت بعدما بَلِيَ وتفرَّق، بلى سيبعثهم الله حتماً، وعداً عليه حقّاً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون قدرة الله على البعث، فينكرونه.

يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله أنهم{ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ْ} أي:حلفوا أيمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله، وأن الله لا يبعث الأموات، ولا يقدر على إحيائهم بعد أن كانوا ترابا، قال تعالى مكذبا لهم:{ بَلَى ْ} سيبعثهم ويجمعهم ليوم لا ريب فيه{ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ْ} لا يخلفه ولا يغيره{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ْ} ومن جهلهم العظيم إنكارهم للبعث والجزاء،

قوله- سبحانه-: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ... معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا..

للإيذان بأنهم قد جمعوا بين إنكار التوحيد وإنكار البعث بعد الموت.

والقسم: الحلف: وسمى الحلف قسما، لأنه يكون عند انقسام الناس إلى مصدق ومكذب والجهد- بفتح الجيم- المشقة. يقال جهد فلان دابته وأجهدها، إذا حمل عليها فوق طاقتها. وجهد الرجل في كذا، إذا جد فيه وبالغ، وبابه قطع.

والمراد بقوله: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أنهم أكدوا الأيمان ووثقوها بكل ألفاظ التأكيد والتوثيق،على أنه لا بعث ولا حساب بعد الموت، لأنهم يزعمون أن إعادة الميت إلى الحياة بعد أن صار ترابا وعظاما نخرة، أمر مستحيل.

وقد أكدوا زعمهم هذا بالقسم، للتدليل على أنهم متثبتون مما يقولونه. ومتيقنون من صحة ما يدعونه، من أنه لا يبعث الله من يموت.

قال القرطبي. قوله- تعالى- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ.. هذا تعجيب من صنعهم، إذ أقسموا بالله وبالغوا في تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت.

ووجه العجب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات.

وقال أبو العالية: كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه، وكان في بعض كلامه: والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا، فأقسم المشرك بالله: لا يبعث الله من يموت، فنزلت الآية.

وفي البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «قال الله- تعالى- كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياى فقوله: لن يعيدني كما بدأنى، وأما شتمه إياى فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» .

وقوله- سبحانه-: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ تكذيب لهم فيما زعموه من أن الله- تعالى- لا يبعث من يموت، ورد عليهم فيما قالوه بغير علم.

و «بلى» حرف يؤتى به لإبطال النفي في الخبر والاستفهام.

أى: بلى سيبعث الله- تعالى- الأموات يوم القيامة، وقد وعد بذلك وعدا صدقا لا خلف فيه ولا تبديل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة لجهلهم بكمال قدرة الله- تعالى- وعموم علمه، ونفاذ إرادته، وسمو حكمته.

قال الجمل: وقوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا هذان المصدران منصوبان على المصدر المؤكد، أى: وعد ذلك وعدا، وحق حقا. وقيل: حقا نعتا لوعدا، والتقدير، بلى يبعثهم وعد بذلك وعدا حقا» .

وجيء بقوله «عليه» لتأكيد هذا الوعد، تفضلا منه- سبحانه- وكرما.

والمراد بالحق هنا: الصدق الذي لا يتخلف، والثابت الذي لا يتبدل.

أى: وعدا صادقا ثابتا لا يقبل الخلف، لأن البعث من مقتضيات حكمته- سبحانه-.

والمراد بأكثر الناس: المشركون ومن كان على شاكلتهم في إنكار البعث والحساب والثواب والعقاب يوم القيامة.

وفي التنصيص على أكثر الناس، مدح للأقلية منهم، الذين آمنوا بالبعث وبالآخرة وما فيها من حساب، وهم المؤمنون الصادقون.

هذا، وقد حكى- سبحانه- مزاعم المشركين ورد عليها في آيات كثيرة ومن ذلك قوله- تعالى-: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ، ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ.. .

وقوله- تعالى-: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ.. .

يقول تعالى مخبرا عن المشركين : أنهم حلفوا فأقسموا ( بالله جهد أيمانهم ) أي : اجتهدوا في الحلف وغلظوا الأيمان على أنه ( لا يبعث الله من يموت ) أي : استبعدوا ذلك ، فكذبوا الرسل في إخبارهم لهم بذلك ، وحلفوا على نقيضه . فقال تعالى مكذبا لهم وردا عليهم : ( بلى ) أي : بلى سيكون ذلك ، ( وعدا عليه حقا ) أي : لا بد منه ، ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : فلجهلهم يخالفون الرسل ويقعون في الكفر .

يقول تعالى ذكره: وحلف هؤلاء المشركون من قريش بالله جَهْد أيمانِهِمْ حلفهم، لا يبعث الله من يموت بعد مماته، وكذبوا وأبطلوا في أيمانهم التي حلفوا بها كذلك، بل سيبعثه الله بعد مماته، وعدا عليه أن يبعثهم وعد عباده، والله لا يخلف الميعاد ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) يقول: ولكن أكثر قريش لا يعلمون وعد الله عباده ، أنه باعثهم يوم القيامة بعد مماتهم أحياء.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ) تكذيبا بأمر الله أو بأمرنا، فإن الناس صاروا في البعث فريقين: مكذّب ومصدّق ، ذُكر لنا أن رجلا قال لابن عباس: إن ناسا بهذا العراق يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، ويتأوّلون هذه الآية ، فقال ابن عباس: كذب أولئك، إنما هذه الآية للناس عامَّة، ولعمري لو كان عليّ مبعوثا قبل يوم القيامة ما أنكحنا نساءه ، ولا قسمنا ميراثه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال ابن عباس: إن رجالا يقولون: إن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، ويتأوّلون ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) قال: لو كنا نعلم أن عليا مبعوث، ما تزوّجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه، ولكن هذه للناس عامة.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع، في قوله ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ) قال: حلف رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم عند رجل من المكذّبين، فقال: والذي يرسل الروح من بعد الموت ، فقال: وإنك لتزعم أنك مبعوث من بعد الموت ، وأقسم بالله جهد يمينه: لا يبعث الله من يموت.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به: والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا ، فقال المشرك: إنك تزعم أنك تُبعث بعد الموت ، فأقسم بالله جهد يمينه: لا يبعث الله من يموت ، فأنـزل الله ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ).

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن عطاء بن أبي رباح أنه أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: " قال الله: سبني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذّبني ولم يكن ينبغي له أن يكذّبني فأما تكذيبه إياي ، فقال ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ) قال: قلت ( بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ) وأما سبه إياي ، فقال: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وقلت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .

التدبر :

وقفة
[38] ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّـهُ مَن يَمُوتُ﴾ من العجائب أن الملحد يقسم بالله على إلحاد !
وقفة
[38] ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّـهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به، ثم يعجزونه عن بعث الأموات.
وقفة
[38] ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّـهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سبب النزول: قال أبو العالية: كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه، وكان في بعض كلامه: والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا، فأقسم المشرك بالله: لا يبعث الله من يموت، فنزلت الآية.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على قالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا» الواردة في الآية الكريمة الخامسة والثلاثين و «أقسموا» تعرب إعراب «أشركوا».بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بأقسموا. جهد: مفعول مطلق لفعل مقدر تقديره اقسموا بالله يجهدون. جهدا: منصوب بالفتحة وهو مضاف. ايمان: مضاف اليه مجرور بالكسرة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى: اقسموا بالله مصرين.
  • ﴿ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ:
  • أي لا يحييه بعد موته. لا: نافية لا عمل لها.يبعث: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يموت: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يموت» صلةالموصول لا محل لها.
  • ﴿ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا:
  • بلى: حرف جواب لا عمل له يجاب به عن النفي ويقصد به الإيجاب وعدا مفعول مطلق منصوب بالفتحة لفعل محذوف عليه. جار ومجرور متعلق بفعل المصدر «حقا».حقا: تعرب إعراب «وعدا» أي وعد بإعادة الموتى وعدا حقا أي وحقّ عليه حقا.
  • ﴿ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ:
  • الواو للاستئناف أو زائدة. لكن: حرف مشبه بالفعل. اكثر: اسم «لكنّ» منصوب بالفتحة. الناس: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ لا يَعْلَمُونَ:
  • الجملة: في محل رفع خبر «لكن».لا: نافية لا عمل لها.يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل أي لا يعلمون أنهم يبعثون وحذف المفعول اختصارا لأن ما قبله يدل عليه. '

المتشابهات :

المائدة: 53﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَٰٓؤُلَآءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ
الأنعام: 109﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ
النحل: 38﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ
النور: 53﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ
فاطر: 42﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ﴾ قالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ: كانَ لِرَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلى رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ دَيْنٌ، فَأتاهُ يَتَقاضاهُ، فَكانَ فِيما تَكَلَّمَ بِهِ: والَّذِي أرْجُوهُ بَعْدَ المَوْتِ. فَقالَ المُشْرِكُ: وإنَّكَ لَتَزْعُمُ أنَّكَ تُبْعَثُ بَعْدَ المَوْتِ ؟ فَأقْسَمَ بِاللَّهِ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     الشُبْهَةُ الثالثةُ من شبهاتِ المشركين: إنكارُهم البَعثَ، فأقسَمُوا أنَّ اللهَ لا يبعثُ من يموتُ، قال تعالى:
﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [39] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ..

التفسير :

[39] يبعث الله جميع العباد؛ ليبين لهم حقيقة البعث الذي اختلفوا فيه، وليعلم الكفار المنكرون له أنهم على باطل، وأنهم كاذبون حين حلفوا أنْ لا بعث.

تفسير الآيتين 39 و40:ـ

{ لِيُبَيِّنَ لَهُم الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ْ} من المسائل الكبار والصغار، فيبين حقائقها ويوضحها.

{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ْ} حين يرون أعمالهم حسرات عليهم، وما نفعتهم آلهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم، وتكور الشمس والقمر وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات، وليس ذلك على الله بصعب، ولا شديد فإنه إذا أراد شيئا قال له:كن فيكون، من غير منازعة ولا امتناع، بل يكون على طبق ما أراده وشاءه.

ثم بين- سبحانه- الحكمة من بعث الناس يوم القيامة، فقال- تعالى-: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ.

واللام في قوله «ليبين لهم..» وفي قوله «وليعلم..» متعلقة بما دل عليه حرف «بلى» وهو يبعثهم. أى: بلى يبعث الله- تعالى- الموتى، ليظهر لهم وجه الحق فيما اختلفوا فيه في شأن البعث وغيره، وليعلم الذين كفروا علم مشاهدة ومعاينة، أنهم كانوا كاذبين في قسمهم أن الله- تعالى- لا يبعث من يموت، وفي غير ذلك من أقوالهم الباطلة.

وفي إظهار الحق، وفي بيان كذبهم يوم البعث، حسرة وندامة لهم، حيث ظهر لهم ما أنكروه في الدنيا، وما كانوا يستهزئون به، عند ما كان الرسل- عليهم الصلاة والسلام- يدعونهم إلى نبذ الشرك، وإلى إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده.

فالآية الكريمة قد بينت حكمتين لبعث الناس للحساب يوم القيامة، الأولى إظهار ما اختلفوا فيه في شأن البعث وغيره مما جاءتهم به الرسل. والثانية: إظهار كذب الكافرين الذين أنكروا البعث واستهزءوا بمن دعاهم إلى الإيمان به.

ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد ، فقال : ( ليبين لهم ) أي : للناس ( الذي يختلفون فيه ) أي : من كل شيء ، و ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] ( وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ) أي : في أيمانهم وأقسامهم : لا يبعث الله من يموت ; ولهذا يدعون يوم القيامة إلى نار جهنم دعا ، وتقول لهم الزبانية : ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [ الطور : 14 - 16 ] .

يقول تعالى ذكره: بل ليبعثن الله من يموت وعدا عليه حقا، ليبين لهؤلاء الذين يزعمون أن الله لا يبعث من يموت ، ولغيرهم الذين يختلفون فيه من إحياء الله خلقه بعد فنائهم، وليعلم الذين جحدوا صحة ذلك ، وأنكروا حقيقته أنهم كانوا كاذبين في قيلهم: لا يبعث الله من يموت.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) قال: للناس عامَّة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[39] لما يقول: ﴿كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [البقرة: 113] بالماضي؛ فالكلام عن يوم القيامة، والموقف آنذاك، ويذكر الاختلاف في الدنيا فيتكلم عنه بالماضي، أما ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ هذه الآن في الدنيا، وليس في يوم القيامة، فيتكلم عنها بالمضارع.
وقفة
[39] ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ الحكمة من البعث والمعاد إظهار الله الحق فيما يختلف فيه الناس من أمر البعث وكل شيء.
وقفة
[39] ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ حين يرون أعمالهم حسراتٍ عليهم، وما نفعتهم آلهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطبًا لجهنم، وتكور الشمس والقمر، وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات.
وقفة
[39] ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ قال ابن القيم: «فذكر تعالی حکمتين بالغتين في بعثة الأموات بعدما أماتهم، إحداهما: أن يبين للناس الذي اختلفوا فيه، وهذا بيان عياني تشترك فيه الخلائق كلهم، الحكمة الثانية: علم المبطل بأنه كان كاذبًا وعلى باطل، فيخزيه ذلك أعظم خزي».

الإعراب :

  • ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ:
  • ل ام: حرف جر للتعليل. يبين: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لهم: جار ومجرور متعلق بيبين و «أن» المضمرة وما بعدها:بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بما دلّ عليه «بلى» أي بعثهم أو يعيدهم ليبين لهم. ويجوز أن يتعلق بقوله: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا. أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه. وجملة «يبين لهم» صلة «أن» المصدرية المضمرة لا محل لها وحركت ميم «لهم» بالضمة لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يختلفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فيه: جار ومجرور متعلق بيختلفون. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • معطوفة بالواو على «ليبين» وتعرب إعرابها.الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. كفروا: الجملة:صلة الموصول لا محل لها. وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ:
  • الجملة من «أن» مع اسمها وخبرها: بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «يعلم» أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «أنّ».كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. كاذبين: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. وجملة كانُوا كاذِبِينَ» في محل رفع خبر «أنّ». '

المتشابهات :

النحل: 39﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ
النحل: 64﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     ولَمَّا أقسَم المشركون أنَّ اللهَ لا يبعثُ من يموتُ؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا حِكمتين من حِكَم البعث: 1) إظهار ما اختلف الناس فيه من التوحيد والبعث والنبوَّة. 2) إظهار كذب من أنكر البعث، قال تعالى:
﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ ..

التفسير :

[40] إنَّ أمر البعث يسير علينا، فإنَّا إذا أردنا شيئاً فإنما نقول له:«كن»، فإذا هو كائن موجود.

تفسير الآيتين 39 و40:ـ

{ لِيُبَيِّنَ لَهُم الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ْ} من المسائل الكبار والصغار، فيبين حقائقها ويوضحها.

{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ْ} حين يرون أعمالهم حسرات عليهم، وما نفعتهم آلهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم، وتكور الشمس والقمر وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات، وليس ذلك على الله بصعب، ولا شديد فإنه إذا أراد شيئا قال له:كن فيكون، من غير منازعة ولا امتناع، بل يكون على طبق ما أراده وشاءه.

وقوله- سبحانه-: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ استئناف لتأكيد قدرة الله- تعالى- النافذة، وشمولها لكل شيء من بعث وغيره، وذلك لأن الكفار لما أقسموا بالله جهد أيمانهم بأنه- سبحانه- لا يبعث الموتى، ورد عليهم بما يبطل مزاعمهم، أتبع ذلك ببيان أن قدرته- تعالى- لا يتعاصى عليها شيء، ولا يحول دون نفاذها حائل.

قال الإمام ابن كثير: «أخبر- سبحانه- عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له «كن فيكون» . والمراد من ذلك إذا أراد كونه، فإنما يأمر به مرة واحدة فيكون كما يشاء، قال- تعالى-: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وقال- سبحانه- ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ .

وقال- سبحانه- في هذه الآية إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أى:

يأمر به دفعة واحدة فإذا هو كائن قال الشاعر:

إذا ما أراد الله أمرا فإنما ... يقول له «كن» قولة فيكون

أى: أنه- تعالى- لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به، فإنه- سبحانه- لا يمانع ولا يخالف، لأنه الواحد القهار العظيم، الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء..» .

وقال بعض العلماء: وعبر- تعالى- عن المراد قبل وقوعه باسم الشيء، لأن تحقق وقوعه كالوقوع بالفعل، فلا تنافى الآية إطلاق الشيء- على خصوص الموجود دون المعدوم، لأنه لما سبق في علم الله أنه يوجد ذلك الشيء- وأنه يقول كن فيكون-، كان تحقق وقوعه بمنزلة وقوعه.

أو لأنه أطلق عليه اسم الشيء باعتبار وجوده المتوقع كتسمية العصير خمرا في قوله إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً.. نظرا لما يؤول إليه..» .

وقوله «فيكون» قرأه الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أى: فهو يكون.

وقرأ ابن عامر والكسائي «فيكون» بالنصب عطفا على قوله «أن نقول له..» .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت جانبا من أقوال المشركين، وردت عليها بما يبطلها، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم.

وبعد أن عرضت السورة الكريمة لأقاويل المشركين وردت عليها.. أتبعت ذلك بذكر جانب من الثواب العظيم الذي أعده الله- تعالى- للمؤمنين الصادقين، الذين فارقوا الدار والأهل والخلان، من أجل إعلاء كلمة الله- تعالى-، فقال- سبحانه-:

ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء ، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : " كن " فيكون ، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة ، فيكون كما يشاء ، كما قال ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) [ القمر : 50 ] وقال : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ لقمان : 28 ]وقال في هذه الآية الكريمة : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : 40 ] أي : أن يأمر به دفعة واحدة فإذا هو كائن ، كما قال الشاعر :

إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له : " كن " قولة فيكون

أي : أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به ، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف ؛ لأنه [ هو ] الواحد القهار العظيم ، الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني عطاء : أنه سمع أبا هريرة يقول : قال الله تعالى : سبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني ، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني ، فأما تكذيبه إياي فقال : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ) قال : وقلت : ( بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) وأما سبه إياي فقال : ( إن الله ثالث ثلاثة ) [ المائدة : 73 ] وقلت : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) [ سورة الإخلاص ] .

هكذا ذكره موقوفا ، وهو في الصحيحين مرفوعا ، بلفظ آخر .

يقول تعالى ذكره: إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم، ولا في غير ذلك ما نخلق ونكوّن ونحدث ، لأنا إذا أردنا خلقه وإنشاءه ، فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ، ولا كُلفة علينا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يكون ، فقرأه أكثر قرّاء الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أن قوله (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) كلام تامّ مكتف بنفسه عما بعده، ثم يبتدأ فيقال: فيكون، كما قال الشاعر:

يُريدُ أنْ يُعْرِبَهُ فيعجِمُهْ (1)

وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام وبعض المتأخرين من قرّاء الكوفيين (فَيَكُونَ) نصبا، عطفا على قوله ( أَنْ نَقُولَ لَهُ ) وكأن معنى الكلام على مذهبهم: ما قولنا لشيء إذا أردناه إلا أن نقول له: كن، فيكون. وقد حُكي عن العرب سماعا: أريد أن آتيك فيمنعني المطر، عطفا بيمنعني على آتيك .

------------------------

الهوامش:

(1) هذا بيت من مشطور الرجز من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص 161) والشاهد في البيت: أن قوله فيعجمه بالرفع ليس معطوفاً على أن يعربه وإنما هو كلام مستأنف، أي فهو يعجمه ولا يعربه. ومثله قوله تعالى: (أن نقول له كن فيكون) بالرفع وليس معطوفاً على "أن نقول". ومثله أيضاً قوله تعالى: (ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل) بالرفع، وليس بالنصب على الجواب للنفي ومثله قوله تعالى: (لنبين لكم، ونقر في الأرحام) برفع نقر على الاستئناف وقوله تعالى في براءة: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) ثم قال: (ويتوب الله على من يشاء) . قال الفراء: فإذا رأيت الفعل منصوبًا، وبعده فعل قد نسق عليه بواو أو فاء أو ثم، فإن كان يشاكل معنى الفعل الذي قبله، نسقته عليه، وإن رأيته غير مشاكل لمعناه، استأنفته فرفعته. ومنه قوله:

والشِّــعْرُ لا يَسْـتَطِيعُهُ مَـنْ يَظْلِمُـهْ

يُرِيـــدُ أنْ يُعْربَـــهُ فَيُعْجِمُـــهْ

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[40] ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ لا تيأس، ليس بين الضيق والفرج إلا كلمة (كن)، فيكون الفرج ويزول الضيق.
وقفة
[40] ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ كل أحد يستطيع أن يقول كلمة (كن)، لكن لا يستطيع تحقيق الكينونة؛ فعلق قلبك بمن لا يملك تحقيقها إلا هو.
عمل
[40] ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ آية تبعث السكينة لروحك، قُل لأمنياتك وأحلامك، أهدافك وطموحاتك، حزنك ومرضك: «إن الأمر كله بيد الله»، توكل عليه، فوض أمرك إليه، هو حسبك.
وقفة
[40] ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ إن قلتَ: هذا يدلُّ على أنَّ المعدوم شيءٌ، وعلى أنَّ خطابَ المعدومِ جائزٌ، مع أنَّ الأول منتفٍ عند أكثرِ العلماء، والثاني بالِإجماع، قلتُ: أما تسميتُه (شيئًا) فمجازٌ بالأول، وأمَّا الثاني فلأنَّ ذلِكَ خطابُ تكوين، لا خطابُ إيجاد، فيمتنع أن يكون المخاطب به موجودًا قبل الخطاب، لأنه إنما يكون بالخطاب.
لمسة
[40] ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ هو تقريب للأذهان؛ والحقيقة أن الله تعالى لو أراد شيئًا لكان؛ بغير حاجة إلى لفظ (کن).

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. قول: مبتدأ مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. لشيء: جار ومجرور متعلق بالقول.
  • ﴿ إِذا أَرَدْناهُ:
  • إذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو أداة شرط‍ غير جازم. أردنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به وجملة «أردناه» في محل جر بالاضافة. وجواب الشرط‍ محذوف يفسره السياق. التقدير: اذا أردنا وجود شيء فليس إلاّ أن نقول:أحدث فهو يحدث عقب ذلك لا يتوقف.
  • ﴿ أَنْ نَقُولَ لَهُ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. نقول: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع خبر المبتدأ-قولنا-وجملة «نقول» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب. له: جار ومجرور متعلق بنقول.
  • ﴿ كُنْ:
  • فعل أمر تام مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بمعنى: احدث.
  • ﴿ فَيَكُونُ:
  • الفاء: استئنافية تقطع المعنى السابق وتبتدئ بغيره أي فهو يكون عندئذ أو حينئذ بمعنى فيحصل وهو فعل مضارع تام مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة في محل رفع خبر «هو». '

المتشابهات :

النحل: 40﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
يس: 82﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     ولَمَّا بيَّنَ اللهُ عز وجل تحتُّمَ البَعثِ، وحِكمَتَه؛ بيَّنَ هنا إمكانَه ويُسْرَه عليه تعالى، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [41] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن ..

التفسير :

[41] والذين تركوا ديارهم مِن أجل الله، فهاجروا بعدما وقع عليهم الظلم، لنسكننهم في الدنيا داراً حسنة، ولأَجر الآخرة أكبر؛ لأن ثوابهم فيها الجنة. لو كان المتخلفون عن الهجرة يعلمون علم يقين ما عند الله من الأجر والثواب للمهاجرين في سبيله، ما تخلَّف منهم أحد

يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين{ الَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ ْ} أي:في سبيله وابتغاء مرضاته{ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ْ} بالأذية والمحنة من قومهم، الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر والشرك، فتركوا الأوطان والخلان، وانتقلوا عنها لأجل طاعة الرحمن، فذكر لهم ثوابين:ثوابا عاجلا في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيء، الذي رأوه عيانا بعد ما هاجروا، وانتصروا على أعدائهم، وافتتحوا البلدان وغنموا منها الغنائم العظيمة، فتمولوا وآتاهم الله في الدنيا حسنة.

{ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ ْ} الذي وعدهم الله على لسان رسوله{ أَكْبَرُ ْ} من أجر الدنيا، كما قال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ْ} وقوله:{ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ْ} أي:لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الأجر والثواب لمن آمن به وهاجر في سبيله لم يتخلف عن ذلك أحد.

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: قوله- تعالى-: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا.. هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله- تعالى- المدينة فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين. وعن ابن عباس: هم قوم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، بعد أن ظلمهم المشركون، .

والذي نراه أن الآية الكريمة تشمل هؤلاء، وتشمل غيرهم ممن هاجر من بلده إلى غيرها، رجاء ثواب الله، وخدمة لدينه.

والمهاجرة في الأصل تطلق على المفارقة والمتاركة للديار وغيرها، واستعملت شرعا في المهاجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، أو من دار الكفر إلى غيرها لنشر دعوة الإسلام.

وقوله «لنبوئنهم» من التبوؤ بمعنى الإحلال والإسكان والإنزال يقال بوأ فلان فلانا منزلا، إذا أسكنه فيه، وهيأه له.

«وحسنة» صفة لموصوف محذوف أى: لنبوئنهم تبوئة حسنة، أو دارا حسنة.

والمراد بهذه الحسنة ما يشمل نزولهم في المدينة، ونصرهم على أعدائهم، وإبدال خوفهم أمنا.

قال القرطبي في المراد بالحسنة هنا ستة أقوال: نزول المدينة قاله ابن عباس والحسن..

الثاني: الرزق الحسن. قاله مجاهد. الثالث: النصر على عدوهم، قاله الضحاك، الرابع:

لسان صدق، حكاه ابن جريج. الخامس: ما استولوا عليه من البلاد.. السادس: ما بقي لهم في الدنيا من ثناء، وما صار فيها لأولادهم من الشرف.

ثم قال: وكل ذلك قد اجتمع لهم بفضل الله- تعالى-» .

والمعنى: والذين هاجروا في سبيل الله، وفارقوا قومهم وأوطانهم وأموالهم وأولادهم.. من أجل إعلاء كلمته، بعد أن تحملوا الكثير من أذى المشركين وظلمهم وطغيانهم.

هؤلاء الذين فعلوا ذلك من أجل نصرة ديننا، لنسكننهم في الدنيا مساكن حسنة يرضونها، ولنعطينهم عطاء حسنا يسعدهم، ولننصرنهم على أعدائهم نصرا مؤزرا.

وقوله «في الله» أى: في سبيله، ومن أجل نصرة دينه. فحرف «في» مستعمل للتعليل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها ... » .

والمقصود أن هذا الأجر الجزيل إنما هو للمهاجرين من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل نصرة الحق، وليس لمن هاجر لنشر الظلم أو الفساد في الأرض.

وأسند فعل «ظلموا» إلى المجهول، لظهور الفاعل من السياق وهو المشركون.

وفي ذلك إشارة إلى أن هؤلاء المهاجرين لم يفارقوا ديارهم، إلا بعد أن أصابهم ظلم أعدائهم لهم، كتعذيبهم إياهم، وتضييقهم عليهم، إلى غير ذلك من صنوف الأذى.

وأكد- سبحانه- الجزاء الحسن الذي وعدهم به باللام وبنون التوكيد «لنبوئنهم..» ،

زيادة في إدخال السرور والطمأنينة على قلوبهم، وجبرا لكل ما اشتملت عليه الهجرة من مصاعب وآلام وأضرار.

إذ الحسنة- كما قلنا- تشمل كل حسن أعطاه الله- تعالى- للمهاجرين في هذه الدنيا.

أما في الآخرة فأجرهم أعظم، وثوابهم أجزل، كما قال- تعالى-: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

والضمير في قوله «لو كانوا يعلمون» يعود على أعدائهم الظالمين.

أى: ولثواب الله- تعالى- لهم في الآخرة على هجرتهم من أجل إعلاء كلمته، أكبر وأعظم، ولو كان أعداؤهم الظالمون يعلمون ذلك لدخلوا في دين الإسلام، ولأقلعوا عن ظلمهم لهؤلاء المهاجرين.

وكأن جملة «لو كانوا يعلمون» جوابا عن سؤال تقديره: كيف لم يقتد بهم من بقي على الكفر مع هذا الثواب الذي أعده الله لهؤلاء المهاجرين؟

فكان الجواب: لو كان هؤلاء الكافرون يعلمون ذلك لأقلعوا عن كفرهم.

ويصح أن يكون الضمير يعود على المهاجرين، فيكون المعنى: لو كانوا يعلمون علم مشاهدة ومعاينة ما أعده الله لهم، لما حزنوا على مفارقة الأوطان والأولاد والأموال، ولازدادوا حبا وشوقا واجتهادا في المهاجرة.

أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب، أنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول له «خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ذخره لك في الآخرة أفضل، ثم تلا هذه الآية .

وجوز بعضهم أن يكون الضمير يعود للمتخلفين عن الهجرة أى: لو علم هؤلاء المتخلفون عن الهجرة، ما أعده- سبحانه- من أجر للمهاجرين، لما تخلفوا عن ذلك.

وعلى أية حال فلا مانع من أن يكون الضمير يعود على كل من يتأتى له العلم، بهذا الثواب الجزيل لهؤلاء المهاجرين في سبيل الله- تعالى-.

خبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته ، الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان رجاء ثواب الله وجزائه .

ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مهاجرة الحبشة الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة ، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ، ليتمكنوا من عبادة ربهم ، ومن أشرافهم : عثمان بن عفان ، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجعفر بن أبي طالب ، ابن عم الرسول وأبو سلمة بن عبد الأسد في جماعة قريب من ثمانين ، ما بين رجل وامرأة ، صديق وصديقة ، رضي الله عنهم وأرضاهم . وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال : ( لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) قال ابن عباس والشعبي ، وقتادة : المدينة . وقيل : الرزق الطيب ، قاله مجاهد .

ولا منافاة بين القولين ، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا ، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله بما هو خير له منه وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد وحكمهم على رقاب العباد ، فصاروا أمراء حكاما ، وكل منهم للمتقين إماما ، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا ، فقال : ( ولأجر الآخرة أكبر ) أي : مما أعطيناهم في الدنيا ( لو كانوا يعلمون ) أي : لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله ; ولهذا قال هشيم ، عن العوام ، عمن حدثه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ادخر لك في الآخرة أفضل ، ثم قرأ هذه الآية : ( لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) .

وقوله ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) يقول تعالى ذكره: والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم ( مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) يقول: من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله ( لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) يقول: لنسكننهم في الدنيا مسكنا يرضونه صالحا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ) قال: هؤلاء أصحاب محمد ظلمهم أهل مكة، فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين.

حُدثت عن القاسم بن سلام، قال: ثنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي ( لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) قال: المدينة.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) قال: هم قوم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون.

وقال آخرون: عنى بقوله ( لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) لنرزقهم في الدنيا رزقا حسنا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ) لنرزقنهم في الدنيا رزقا حسنا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن العوّام، عمن حدثه أن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول: خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ذخره لك في الآخرة أفضل. ثم تلا هذه الآية ( لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ( لَنُبَوِّئَنَّهُم ) : لنحلنهم ولنسكننهم، لأن التبوء في كلام العرب الحلول بالمكان والنـزول به ، ومنه قول الله تعالى وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وقيل: إن هذه الآية نـزلت في أبي جندل بن سهيل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن داود بن أبي هند، قال: نـزلت ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) ... إلى قوله وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ في أبي جندل بن سهيل.

وقوله ( وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) يقول: ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه في الآخرة أكبر، لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الله ( وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ ) أي والله لما يثيبهم الله عليه من جنته أكبر ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) .

التدبر :

وقفة
[41] ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ هؤلاء قوم هاجروا في طلب مرضاة الله، فدل ذلك على أن ظلمهم المنوه به منعم إياه في دار إقامتهم، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، فلا جرم أن قال: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ تكفل الله لهم بالكرامتين.
وقفة
[41] ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ يحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مهاجرة الحبشة، تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرًا منها في الدنيا؛ فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك وقع، ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي: لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله.
وقفة
[41] ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ جزاء المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وصبروا على الأذى وتوكلوا على ربِّهم، هو الموطن الأفضل، والمنزلة الحسنة، والعيشة الرَّضية، والرّزق الطّيّب الوفير، والنّصر على الأعداء، والسّيادة على البلاد والعباد.
وقفة
[41] ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ قال قتادة: «هم أصحاب النبي ﷺ ظلمهم أهل مكة، وأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك؛ فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارًا من المؤمنين».
وقفة
[41] ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ كان عمر بن الخطاب t إذا دفع إلى المهاجرين العطاء قال: «هذا ما وعدكم الله الدنيا، وما ادخر لكم في الآخرة أكثر»، ثم تلا عليهم هذه الآية.
لمسة
[41] ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ الضمير إلى من يعود؟ قال الزمخشري فيه قولان: «الأول: أنه عائد إلى الكفار، أي لو علموا ما أعد الله لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة، لرغبوا في دينهم، والثاني: أنه راجع إلى المهاجرين، أي لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم!».

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ هاجَرُوا:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. هاجروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما:
  • جار ومجرور متعلق بمفعول له أي في مرضاة الله أو في حقه ولوجهه. من بعد: جار ومجرور متعلق بهاجروا. ما: مصدرية.
  • ﴿ ظُلِمُوا:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. أي من بعد ما ظلمهم المشركون. و «ما» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة.وجملة «ظلموا» صلة «ما» لا محل لها.
  • ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً:
  • اللام للتوكيد. نبوئن: أي «ننزلن» فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة التي لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. في الدنيا: جار ومجرور متعلق بنبوأ وعلامة جر الاسم:الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. حسنة: صفة للمصدر منصوبة بالفتحة أي لنبوئنهم تبوئة حسنة. أو مباءة حسنة. والجملة لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً» في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» والمقصود بالمباءة أو المنزلة المدينة أو بلدة حسنة هي يثرب.
  • ﴿ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ:
  • الواو: استئنافية. اللام لام الابتداء للتوكيد.أجر: مبتدأ مرفوع بالضمة. الآخرة: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. أكبر: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف -التنوين-على وزن أفعل
  • ﴿ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ:
  • لو: حرف شرط‍ غير جازم. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يعلمون» في محل نصب خبر «كان» ولو كانوا يعلمون بمعنى: لو علموا أن الله يجمع لهم في أيديهم الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم. وجواب الشرط‍ محذوف التقدير. لزادوا في اجتهادهم وصبرهم-اذا كان الضمير راجعا الى المهاجرين-أما في حالة رجوع الضمير الى الكفار فيكون الجواب: لرغبوا في دينهم. كما جاء في هذه السطور. '

المتشابهات :

النحل: 41﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
الحج: 58﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّـهُ رِزْقًا حَسَنًا

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ نَزَلَتْ في أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَكَّةَ: بِلالٍ، وصُهَيْبٍ، وخَبّابٍ، وعَمّارٍ، وأبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ؛ أخَذَهُمُ المُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ فَعَذَّبُوهم وآذَوْهم، فَبَوَّأهُمُ اللَّهُ تَعالى المَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     جولَمَّا أنكر المشركون البَعثَ واشتد إيذاؤهم للمُسلِمينَ؛ بين اللهُ عز وجل هنا حُكمَ الهجرةِ، وبيَّنَ ما لهؤلاءِ المهاجرينَ مِن الحَسَناتِ في الدُّنيا، والأجرِ في الآخرةِ، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لنبوئنهم:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- لنثوينهم، بالثاء المثلثة، مضارع «أثوى» ، وهى قراءة على، وعبد الله، ونعيم، وابن ميسرة، والربيع بن خثيم.

مدارسة الآية : [42] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

التفسير :

[42] هؤلاء المهاجرون في سبيل الله هم الذين صبروا على أوامر الله وعن نواهيه وعلى أقداره المؤلمة، وعلى ربهم وحده يعتمدون، فاستحقوا هذه المنزلة العظيمة.

ثم ذكر وصف أوليائه فقال:{ الَّذِينَ صَبَرُوا ْ} على أوامر الله وعن نواهيه، وعلى أقدار الله المؤلمة، وعلى الأذية فيه والمحن{ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ْ} أي:يعتمدون عليه في تنفيذ محابّه، لا على أنفسهم. وبذلك تنجح أمورهم وتستقيم أحوالهم، فإن الصبر والتوكل ملاك الأمور كلها، فما فات أحدا شيء من الخير إلا لعدم صبره وبذل جهده فيما أريد منه، أو لعدم توكله واعتماده على الله.

ثم وصف- سبحانه- هؤلاء المهاجرين بوصفين كريمين فقال: الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أى: هذا الأجر العظيم لهؤلاء المهاجرين الذين صبروا على ما أصابهم من عدوان وظلم، وفوضوا أمرهم إلى خالقهم، فاعتمدوا عليه وحده، ولم يعتمدوا على أحد سواه.

وصفتا الصبر والتوكل على الله. إذا دخلا في قلب، حملاه على اعتناق كل فضيلة، واجتناب كل رذيلة.

وعبر عن صفة الصبر بصيغة الماضي للدلالة على أن صبرهم قد آذن بالانتهاء لانقضاء أسبابه وهو ظلم أعدائهم لهم، لأن الله- تعالى- قد جعل لهم مخرجا بالهجرة، وذلك بشارة لهم.

وعبر عن صفة التوكل بصيغة المضارع للإشارة إلى أن هذه الصفة ديدنهم في كل وقت، فهم متوكلون عليه- سبحانه- وحده في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، وفي المنشط والمكره.

والمتأمل في هاتين الآيتين الكريمتين، يراهما قد غرستا في النفوس محبة هذا الدين، والاستهانة بكل ألم أو ضر أو مصيبة في سبيل إعلاء كلمته، والرغبة فيما عند الله- تعالى- من أجر وثواب.

ثم رد- سبحانه- على المشركين الذين أنكروا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم من البشر، فبين- سبحانه- أن الرسل السابقين الذين لا ينكر المشركون نبوتهم كانوا من البشر، فقال- تعالى-.

ثم وصفهم تعالى فقال : ( الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ) أي : صبروا على أقل من آذاهم من قومهم ، متوكلين على الله الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة .

يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، وآتيناهم الثواب الذي ذكرناه، الذين صيروا في الله على ما نابهم في الدنيا( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) يقول: وبالله يثقون في أمورهم، و إليه يستندون في نوائب الأمور التي تنوبهم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[42] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ اصبر في عبادتك، وتوكل على الله سبحانه وتعالى في جميع أمورك؛ فإن ذلك سببٌ للفلاح.
لمسة
[42] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ والتعبير في جانب الصبر بالماضي، وفي جانب التوكُّل بالمضارع؛ إيماء إلى أن صبرهم قد أذن بالانقضاء؛ لانقضاء أسبابه، وأن الله قد جعل لهم فرجًا بالهجرة الواقعة، والهجرة المترقَّبة، فهذا بشارة لهم، وأنَّ التوكُّل ديدنهم؛ لأنهم يستقبلون أعمالًا جليلة تتمُّ لهم بالتوكُّل على الله في أمورهم؛ فهم يكرِّرونه، وفي هذا بشارة بضمان النجاح.
وقفة
[42] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ فضيلة الصّبر والتوكل: أما الصَّبر: فلما فيه من قهر النفس، وأما التَّوكل: فللعزوف عن الخلق والاتِّجاه إلى الحقِّ.
وقفة
[42] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ صبر الصابرين لا يكون إلا لثقتهم وتوكلهم على الوکيل.
وقفة
[42] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ التعبير بالصبر بالماضي؛ إيماء بأن صبرهم قد أذن بالانقضاء، والتوكُّل بالمضارع؛ لأنه ديدنهم يستقبلون به أمورهم.
وقفة
[42] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ من توَكل على الله ووثق بهِ لن يخيبهُ أبدًا أبدًا.
وقفة
[42] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ في أي شيء يتوكلون؟ في رزقهم، في أولادهم، في أعمالهم، في مستقبلهم، في صحتهم؟ في ذلك كله.
وقفة
[42] لا توكل إلا بصبر، لا يعجل ولا يتذمر ولا يسوء ظنه بربه مهما تراكمت المشكلات وأدلهمت الخطوب ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
وقفة
[42] ﴿وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ في كل أمورهم، وقال بعض أهل التحقيق: خيار الخلق من إذا نابه أمر صبر، وإذا عجز عن أمر توكل؛ قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف على المدح أي هم الذين صبروا أو أعني هم الذين صبروا وكلاهما مدح. صبروا: صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. ويجوز أن تكون «الذين» في محل رفع بدلا من الَّذِينَ هاجَرُوا» الواردة في الآية الكريمة السابقة أو في محل نصب بدلا من الضمير «هم» في «نبوئنّهم».
  • ﴿ وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ:
  • الواو: استئنافية. على ربّ: جار ومجرور متعلق بيتوكلون و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. يتوكلون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

النحل: 42﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
العنكبوت: 59﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     وبعد أن مدحَ اللهُ عز وجل المهاجرين؛ وصفهم هنا بصفتين: الصبر والتوكل، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف