4072526272829303132

الإحصائيات

سورة الروم
ترتيب المصحف30ترتيب النزول84
التصنيفمكيّةعدد الصفحات6.50
عدد الآيات60عدد الأجزاء0.30
عدد الأحزاب0.57عدد الأرباع2.30
ترتيب الطول35تبدأ في الجزء21
تنتهي في الجزء21عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 16/29آلم: 4/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (25) الى الآية رقم (27) عدد الآيات (3)

ومن الأدلَّةِ أيضًا: إقامةُ السَّماءِ والأرضِ، وإعادةُ الخلقِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (28) الى الآية رقم (29) عدد الآيات (2)

بعدَ أدلَّةِ الوحدانيةِ ذَكَرَ هنا مَثلاً لإثباتِ الوحدانيةِ: هل يرضى أحدٌ منكم أن يكونَ عبدُه المملوكُ له شريكًا له في مالِه الذي يملِكُه؟ فإذا لم يرضَ لنفسِه الشَّريكَ فكيفَ يرضاه للهِ الخالقِ؟

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (30) الى الآية رقم (32) عدد الآيات (3)

بعدَ بيانِ أدلَّةِ الوحدانيةِ وإبطالِ الشِّركِ، أمَرَ اللهُ هنا باتِّباعِ الإسلامِ، ثُمَّ حذَّرَ من الفُرقَةِ والاختلافِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الروم

آيات الله واضحة بينة، فكيف لا تؤمنون؟! / بيد الله مقاليد الأمور، ووعده لا يُخْلف

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • آية تاريخية::   نزلت الآيات الأولى من السورة عندما قامت حرب بين الفرس والروم في عهد النبي ، فانتصر الفرس على الروم انتصارًا ساحقًا، وكان الروم نصارى بينما الفرس مجوس يعبدون النار، فاستبشر المشركون أنهم سينتصرون على المؤمنين كما انتصر الفرس على الروم وهم أهل كتاب.
  • • آية كونية::   يضاف للآية السابقة آية أخرى لم يفهمها الأوائل ولم ينتبهوا لها، تزيدنا إيمانًا بهذا الكتاب المبيّن وآياته المبهرة: فالسورة تقول عن هذه المعركة -التي دارت بين الفرس والروم- أنها حصلت في أدنى الأرض: ﴿غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِى أَدْنَى ٱلأَرْضِ ...﴾، وهذه الآية لا يستطيع أحد من عصرنا إنكارها، فقد دل العلم الحديث أن المكان الذي حدثت فيه المعركة، المعروف بحوض البحر الميت حاليًا، هو أدنى (أخفض) مكان على الكرة الأرضية، حيث تنخفض عن سطح البحر بعمق 395 مترًا، وقد أكدت ذلك صور وقياسات الأقمار الصناعية، فماذا يملك كل مكذّب قديمًا أو حديثًا بعد هذه الآيات؟!
  • • آية اقتصادية::   وتمضي السورة لتذكر لنا آية أخرى، آية مادية نراها في الدنيا، ليست آية علمية بل آية اقتصادية، اسمع قوله تعالى: ﴿وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن رِبًا لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱلله وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن زَكَوٰةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ﴾ (39)، والمعنى أن الربا لا يزيد المال بل ينقصه، ويأتي علم الاقتصاد الحديث فيثبت أن أفضل وسيلة تجعل الاقتصاد مستقرًا هي أن تكون نسبة الفائدة صفرًا بالمئة، أي بإلغاء الفوائد كليًا، ثم يثبت علم الاقتصاد أيضًا أن الزكاة هي من أفضل الأساليب التنموية. ولعل هذا هو سر مجيء آية الربا والزكاة ضمن آيات الكون المنظورة الدالة على الإيمان بالله. كأن السورة تقول للناس كلهم، في كل العصور: انظروا إلى آيات الله في كل المجالات: في التاريخ، والكون، والاقتصاد.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الروم».
  • • معنى الاسم ::   : الروم: اسم قوم، يقال أصلهم من روما، وكانت لهم مملكة تحتل قطعة من أوروبا وقطعة من آسيا، وعاصمتهم القسطنطينية، وقد امتد سلطانهم في بلاد كثيرة.
  • • سبب التسمية ::   لافتتاحها بذكر هزيمة الروم، ثم الإخبار بانتصارهم على الفرس في المستقبل، وهذه اللفظة لم ترد إلا مرة واحدة في القرآن الكريم.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن مقاليد الأمور بيد الله، ووعده لا يُخْلف.
  • • علمتني السورة ::   : اعمل لدنياك؛ ولكن لا تغفل عن الآخرة: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من مظاهر رحمة الله تعالى بين الزوجين: السكن، والمودة، والرحمة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن اختلاف الألسن كاختلاف الألوان من آيات الله، والسخرية بالألسن واللغات واللهجات عصبية مقيتة كالسخرية بالألوان: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي رَوْحٍ الْكَلَاعِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً فَقَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الرُّومِ فَلَبَسَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا، قَالَ: «إِنَّمَا لَبَسَ عَلَيْنَا الشَّيْطَانُ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَجْلِ أَقْوَامٍ يَأْتُونَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ؛ فَإِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الروم من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أفاضت سورة الروم في ذكر الأدلة المتعددة التي تشهد بوحدانية الله تعالى وكمال قدرته.
    • هي أكثر سورة ذكر فيها قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ءايَـٰتِهِ﴾، تكرر فيها 7 مرات.
    • جرت عادة السور التي تبدأ بالحروف المقطعة (وهي: 29 سورة) أن يأتي الحديث عن القرآن الكريم بعد الأحرف المقطعة مباشرة؛ إلا أربع سور، وهي: مريم والعنكبوت والروم والقلم.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتأمل آيات الله ونؤمن بها، فهي ظاهرة وواضحة.
    • أن نربط ما نتعلمه من علوم دنيوية بعظمة الله وقدرته حتى تنتفع به: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (7).
    • أن نأخذ العبرة والعظة من الأمم السابقة: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ...﴾ (9).
    • أن نسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يوفقنا لحسن اتباعه: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ (13).
    • أن نكثر من الحمد والتسبيح لله: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ (17، 18).
    • أن نحذر من اتباع الهوى؛ فهذا هو الضلال: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ (29).
    • أن نخلص العبادة لله وحده في السراء والضراء: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ (33).
    • إذا أذاقنا الله رحمة فلنفرح فرح شكر؛ وليس فرح بطر وتكبر: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ (36).
    • أن نعلم أن الأرزاق بيد الله تعالى؛ ونرضى بما قسم الله لنا: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (37).
    • أن نشكر الله عند النعم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (46).
    • أن نسأل الله حسن الخاتمة: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ (54).
    • ألا نتنازل عن الحق من أجل غوغائية أهل الباطل: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ (60).

تمرين حفظ الصفحة : 407

407

مدارسة الآية : [25] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء ..

التفسير :

[25] ومن آياته الدالة على قدرته قيام السماء والأرض واستقرارهما وثباتهما بأمره، فلم تتزلزلا، ولم تسقط السماء على الأرض، ثم إذا دعاكم الله إلى البعث يوم القيامة، إذا أنتم تخرجون من القبور مسرعين.

أي:ومن آياته العظيمة أن قامت السماوات والأرض واستقرتا وثبتتا بأمره فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الأرض، فقدرته العظيمة التي بها أمسك السماوات والأرض أن تزولا، يقدر بها أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض إذا هم يخرجون{ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}

ثم ذكر- سبحانه- آية سادسة فقال: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ والمراد بقيامهما: ثباتهما وبقاؤهما بتلك الصورة العجيبة البديعة.

أى: ومن آياته- سبحانه- الدالة على كمال قدرته، خلقه للسموات وللأرض، وإبقاؤه لهما على هذه الصورة البديعة، وقيامهما وثباتهما واستمساكهما على تلك الهيئة العجيبة، وذلك كله بإرادته وأمره ومشيئته.

قال ابن كثير: وشبيه بذلك قوله- تعالى-: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا. وكان عمر بن الخطاب. رضى الله عنه- إذا اجتهد في اليمين قال: لا، والله الذي تقوم السماء والأرض بأمره، أى: هي قائمة ثابتة بأمره وتسخيره إياها .

وقوله- تعالى-: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ بيان لامتثالهم لأمره بدون تقاعس، عند ما يدعوهم الداعي للخروج من قبورهم للبعث والحساب.

و «ثم» بعدها كلام محذوف، و «إذا» الأولى شرطية، والثانية فجائية، والداعي هو إسرافيل بأمر الله- تعالى-: وقوله: مِنَ الْأَرْضِ متعلق بقوله دَعاكُمْ.

أى: ثم بعد موتكم ووضعكم في قبوركم، إذا دعاكم الداعي دعوة واحدة من الأرض التي أنتم مستقرون فيها، إذا أنتم تخرجون من قبوركم مسرعين بدون تلبث أو توقف، كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع.

قال صاحب الكشاف: وإنما عطف هذه الجملة على قيام السموات والأرض بثم، بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر، واقتداره- سبحانه- على مثله وهو أن يقول: يا أهل القبور قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر، كما قال- تعالى-: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ .

وكما في قوله- سبحانه-: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وكما في قوله- عز وجل-: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا

ثم قال : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) كقوله : ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) [ الحج : 65 ] ، وقوله : ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ) [ فاطر : 41 ] . وكان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، إذا اجتهد في اليمين يقول : لا والذي تقوم السماء والأرض بأمره ، أي : هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها ، ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض والسماوات ، وخرجت الأموات من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم; ولهذا قال : ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) كما قال تعالى : ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) [ الإسراء : 52 ] .

وقال تعالى : ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) [ النازعات : 13 ، 14 ] ، وقال : ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ) [ يس : 53 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)

يقول تعالى ذكره: ومن حججه أيها القوم على قُدرته على ما يشاء، قيام السماء والأرض بأمره خضوعا له بالطاعة بغير عمد ترى ( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) يقول: إذا أنتم تخرجون من الأرض، إذا دعاكم دعوة مستجيبين لدعوته إياكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ) قامتا بأمره بغير عمد ( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) قال: دعاهم فخرجوا من الأرض.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِذَا أنتُمْ تَخْرُجُونَ) يقول: من الأرض.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[25] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ هي قائمة ثابتة بأمره لها، وتسخيره إياها، ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض والسماوات، وخرج من القبور الأموات؛ ولذا قال: ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾.
وقفة
[25] كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتهد في اليمين يقول: «لا، والذي تقوم السماء والأرض بأمره».

الإعراب :

  • ﴿ وَمِنْ آياتِهِ:
  • الواو عاطفة. من آياته: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ:
  • ان: حرف مصدري ناصب. تقوم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. السماء: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة تَقُومَ السَّماءُ» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «ان» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر بمعنى: ومن آياته قيام السموات والأرض واستمساكها بغير عمد.
  • ﴿ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ:
  • معطوفة بالواو على «السماء».وتعرب مثلها. بأمره:جار ومجرور متعلق بتقوم والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. أي بقدرته أو بقوله: كونا قائمتين. أي بإرادته.
  • ﴿ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ:
  • ثم: حرف عطف يفيد التراخي. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط‍ خافض لشرطه متعلق بجوابه مبني على السكون في محل نصب. دعاكم: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف:ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «دعاكم» في محل جر بالاضافة. وقد اجتمعت في هذه الآية الكريمة «اذا» غير الفجائية و «اذا» الفجائية.
  • ﴿ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ:
  • مفعول مطلق منصوب على المصدر وعلامة نصبه الفتحة. من الأرض: جار ومجرور متعلق بصفة لدعوة وعلامة جر الاسم الكسرة بمعنى اذا دعاكم دعوة واحدة بعد تلاشيكم فيها يا أهل القبور اخرجوا.
  • ﴿ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ:
  • اذا فجائية لا عمل لها-حرف فجاءة-سادة مسدّ الفاء في المجازاة. انتم: ضمير منفصل-ضمير المخاطبين-في محل رفع مبتدأ. تخرجون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تخرجون» في محل رفع خبر «أنتم» وجملة أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. بمعنى تخرجون منها أحياء.'

المتشابهات :

الروم: 25﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخْرُجُونَ
الأعراف: 25﴿قَالَ فِيهَا تَحۡيَوۡنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخْرَجُونَ
الروم: 19﴿وَيُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ
الزخرف: 11﴿فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     الدَّلِيلُ الثامنُ: ثُبُوتُ السماواتِ والأرضِ وبقاؤُهما بانتظامٍ واستقرارٍ، قال تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تخرجون:
1- بفتح التاء وضم الراء، وهى قراءة حمزة، والكسائي.
وقرئ:
2- بضم التاء وفتح الراء، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [26] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..

التفسير :

[26] ولله وحده كل مَن في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن والحيوان والنبات والجماد، كل هؤلاء منقادون لأمره خاضعون لكماله.

{ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الكل خلقه ومماليكه المتصرف فيهم من غير منازع ولا معاون ولا معارض وكلهم قانتون لجلاله خاضعون لكماله.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات، بآية جامعة لكل معاني القدرة والإيجاد والهيمنة على هذا الكون فقال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى من الملائكة والجن والإنس، خلقا، وملكا، وتصرفا، كل ذلك له وحده- سبحانه- لا لأحد غيره.

وقوله: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ مؤكد لما قبله ومقرر له، أى: كل الخلائق له لا لغيره طائعون خاضعون، خاشعون، طوعا وكرها، إذ لا يمتنع عليه- سبحانه- شيء يريد فعله بهم، من حياة أو موت، ومن صحة أو مرض، ومن غنى أو فقر.

هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يرى أكثر من عشرة أدلة، على وحدانية الله- تعالى- وعلى انفراده بالخلق، وعلى إمكانية البعث، ومن هذه الأدلة خلق الإنسان من تراب، وصيرورته بعد تقلبه في أطوار التكوين بشرا سويا، وإيجاده- سبحانه- للذكور والإناث، حتى يبقى النوع الإنسانى إلى الوقت المقدر في علمه- تعالى-: وإيجاده للناس على هذه الصورة التي اختلفت معها ألسنتهم وألوانهم، مع أن أصلهم واحد، وجعله- تعالى- الليل مناما لراحة الناس، والنهار معاشا لابتغاء الرزق، وإنزاله المطر من السماء لإحياء الأرض بالنبات، وبقاء السموات والأرض على هذه الصورة العجيبة بأمره وتدبيره..

إلى غير ذلك من الأدلة المبثوثة في الأنفس والآفاق.

يقول تعالى : ( وله من في السماوات والأرض ) أي : ملكه وعبيده ، ( كل له قانتون ) أي : خاضعون خاشعون طوعا وكرها .

وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، مرفوعا : " كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)

يقول تعالى ذكره: من في السموات والأرض من ملك وجنّ وإنس عبيد وملك (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) يقول: كلّ له مطيعون، فيقول قائل: وكيف قيل (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) وقد علم أن أكثر الإنس والجنّ له عاصون؟ فنقول: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فنذكر اختلافهم، ثم نبين الصواب عندنا في ذلك من القول، فقال بعضهم: ذلك كلام مخرجه مخرج العموم، والمراد به الخصوص، ومعناه: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) في الحياة والبقاء والموت، والفناء والبعث والنشور، لا يمتنع عليه شيء من ذلك، وإن عصاه بعضهم في غير ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ... إلى (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) يقول: مطيعون، يعني الحياة والنشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) : أي مطيع مقرٌّ بأن الله ربه وخالقه.

وقال آخرون: هو على الخصوص، والمعنى: (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) من ملك وعبد مؤمن لله مطيع دون غيرهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس. قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد في قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) قال: كلّ له مطيعون، المطيع: القانت. قال: وليس شيء إلا وهو مطيع، إلا ابن آدم، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم لله. وفي قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ .

قال: هذا في الصلاة. لا تتكلموا في الصلاة، كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة. قال: وأهل الكتاب يمشي بعضهم إلى بعض في الصلاة. قال: ويتقابلون في الصلاة، فإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: لكي تذهب الشحناء من قلوبنا، تسلم قلوب بعضنا لبعض، فقال الله: وقوموا لله قانتين لا تزولوا كما يزولون. قانتين: لا تتكلموا كما يتكلمون. قال: فأما ما سوى هذا كله في القرآن من القنوت فهو الطاعة، إلا هذه الواحدة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أن كلّ من في السماوات والأرض من خلق لله مطيع في تصرّفه فيما أراد تعالى ذكره، من حياة وموت، وما أشبه ذلك، وإن عصاه فيما يكسبه بقوله، وفيما له السبيل إلى اختياره وإيثاره على خلافه.

وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك؛ لأن العصاة من خلقه فيما لهم السبيل إلى اكتسابه كثير عددهم، وقد أخبر تعالى ذكره عن جميعهم أنهم له قانتون، فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فيما هو له عاص. وإذا كان ذلك كذلك، فالذي فيه عاص هو ما وصفت، والذي هو له قانت ما بينت.

التدبر :

وقفة
[26] ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ خضوع جميع الخلق لله سبحانه قهرًا واختيارًا.
عمل
[26] ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ الكونُ من حولِك خاضعٌ للهِ، فلا تكن من المُعرِضِين الغَافِلين.
وقفة
[26] ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ قال مجاهد: «كل له مطيعون، فطاعة الكافر في سجود ظله».
وقفة
[26] ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ القنوت نوعان: خضوع شرعي، هذا للمؤمن، وخضوع کوني، وهو للكافر.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَهُ مَنْ:
  • الواو عاطفة. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر.
  • ﴿ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة بتقدير: وله من هو كائن في السموات أو ما استقر في السموات.والأرض: معطوفة بالواو على «السموات».
  • ﴿ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ:
  • الجملة الاسمية بدل من الجملة الاسمية وَلَهُ مَنْ فِي السَّماااتِ وَالْأَرْضِ» أي وله كل من في السموات والأرض من الأحياء والجمادات خاشعون خاضعون أو مطيعون. كل: مبتدأ مرفوع بالضمة ونون لانقطاعه عن الاضافة لفظا والمعنى كل من في السموات والأرض.له: جار ومجرور متعلق بخبر «كل» قانتون: خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

الأنبياء: 19﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ
الروم: 26﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     الدَّلِيلُ التاسعُ: خُضُوعُ الكونِ كلَّه لله تعالى، قال تعالى:
﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [27] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ ..

التفسير :

[27] والله وحده الذي يبدأ الخلق من العدم ثم يعيده حيّاً بعد الموت، وإعادة الخلق حيّاً بعد الموت أهون على الله من ابتداء خلقهم، وكلاهما عليه هيِّن. وله سبحانه الوصف الأعلى في كل ما يوصف به، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. وهو العزيز الذي لا يغالَب، الحكي

{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ} أي:الإعادة للخلق بعد موتهم{ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} من ابتداء خلقهم وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول، فإذا كان قادرا على الابتداء الذي تقرون به كانت قدرته على الإعادة التي أهون أولى وأولى.

ولما ذكر من الآيات العظيمة ما به يعتبر المعتبرون ويتذكر المؤمنون ويتبصر المهتدون ذكر الأمر العظيم والمطلب الكبير فقال:{ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهو كل صفة كمال، والكمال من تلك الصفة والمحبة والإنابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين والذكر الجليل والعبادة منهم. فالمثل الأعلى هو وصفه الأعلى وما ترتب عليه.

ولهذا كان أهل العلم يستعملون في حق الباري قياس الأولى، فيقولون:كل صفة كمال في المخلوقات فخالقها أحق بالاتصاف بها على وجه لا يشاركه فيها أحد، وكل نقص في المخلوق ينزه عنه فتنزيه الخالق عنه من باب أولى وأحرى.

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم} أي:له العزة الكاملة والحكمة الواسعة، فعزته أوجد بها المخلوقات وأظهر المأمورات، وحكمته أتقن بها ما صنعه وأحسن فيها ما شرعه.

ثم أكد- سبحانه- ما يدل على إمكانية البعث، فقال- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ...

أى: وهو- سبحانه- الذي يبدأ الخلق بدون مثال سابق، ثم يعيد هذه المخلوقات بعد موتها إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء.

والضمير في قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ للإعادة المفهومة من قوله ثُمَّ يُعِيدُهُ والتذكير للضمير باعتبار المعنى، أى: والعود أو الرد، أو الإرجاع أهون عليه.

أى: وهو- سبحانه- وحده الذي يخلق المخلوقات من العدم، ثم يعيدها إلى الحياة مرة أخرى في الوقت الذي يريده، وهذه الإعادة للأموات أهون عليه، أى: أسهل عليه من البدء.

وهذه الأسهلية على طريقة التمثيل والتقريب، بما هو معروف عند الناس من أن إعادة الشيء من مادته الأولى أسهل من ابتدائه.

ورحم الله صاحب الكشاف، فقد وضح هذا المعنى فقال: قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أى: فيما يجب عندكم، وينقاس على أصولكم، ويقتضيه معقولكم لأن من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها، وتعتذرون للصانع إذا خطئ في بعض ما ينشئه بقولكم: أول الغزل أخرق، وتسمون الماهر في صناعته معاودا، تعنون أنه عاودها كرة بعد أخرى، حتى مرن عليها وهانت عليه.

فإن قلت لم أخرت الصلة في قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وقدمت في قوله هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ؟ قلت. هناك قصد الاختصاص وهو محزه، فقيل: هو عليه هين، وان كان مستصعبا عندكم أن يولد بين همل- أى: شيخ فان- وعاقر. وأما هنا فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبنى على ما يعقلون، من أن الإعادة أسهل من الابتداء، فلو قدمت الصلة لتغير المعنى..» .

ومنهم من يرى أن أهون هنا بمعنى هين، أى: إرجاعكم إلى الحياة بعد موتكم هين عليه.

والعرب تجعل أفعل بمعنى فاعل في كثير من كلامهم، ومنه قول الشاعر:

إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول

أى: بنى لنا بيتا دعائمه عزيزة طويلة ومنه قولهم: الله أكبر أى: كبير.

وقوله- تعالى-: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. أى: وله- سبحانه- الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله، لا في السموات ولا في الأرض، إذ لا يشاركه أحد في ذاته أو صفاته فهو- سبحانه- ليس كمثله شيء.

وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي يغلب ولا يغلب الْحَكِيمُ في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته.

وبعد هذا التطواف المتنوع في آفاق الأنفس، وفي أعماق هذا الكون، ضرب- سبحانه- مثلا لا مجال للجدل فيه، لوضوحه واعتماده على المنطق السليم، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضى في طريقه المستقيم، كما أمر المؤمنين بأن يلتجئوا إليه- سبحانه- وحده، وأن يصونوا أنفسهم عن كل ما يغضبه، فقال- تعالى-:

وقوله : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) قال [ علي ] بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني : أيسر عليه .

وقال مجاهد : الإعادة أهون عليه من البداءة ، والبداءة عليه هين . وكذا قال عكرمة وغيره .

وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، أخبرنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد " .

انفرد بإخراجه البخاري كما انفرد بروايته - أيضا - من حديث عبد الرزاق عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، به . وقد رواه الإمام أحمد منفردا به عن حسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس سليم بن جبير ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، أو مثله .

وقال آخرون : كلاهما بالنسبة إلى القدرة على السواء .

قال العوفي ، عن ابن عباس : كل عليه هين . وكذا قال الربيع بن خثيم . ومال إليه ابن جرير ، وذكر عليه شواهد كثيرة ، قال : ويحتمل أن يعود الضمير في قوله : ( وهو أهون عليه ) إلى الخلق ، أي : وهو أهون على الخلق .

وقوله : ( وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس كقوله : ( ليس كمثله شيء ) [ الشورى : 11 ] .

وقال قتادة : مثله أنه لا إله إلا هو ، ولا رب غيره ، وقال مثل هذا ابن جرير .

وقد أنشد بعض المفسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف :

إذا سكن الغدير على صفاء وجنب أن يحركه النسيم ترى فيه السماء بلا امتراء

كذاك الشمس تبدو والنجوم كذاك قلوب أرباب التجلي

يرى في صفوها الله العظيم

( وهو العزيز ) الذي لا يغالب ولا يمانع ، بل قد غلب كل شيء ، وقهر كل شيء بقدرته وسلطانه ، ( الحكيم ) في أفعاله وأقواله ، شرعا وقدرا .

وعن مالك في تفسيره المروي عنه ، عن محمد بن المنكدر ، في قوله تعالى : ( وله المثل الأعلى ) ، قال : لا إله إلا الله .

وقوله: ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) يقول تعالى ذكره: والذي له هذه الصفات تبارك وتعالى، هو الذي يبدأ الخلق من غير أصل فينشئه ويوجده، بعد أن لم &; 20-92 &; يكن شيئا، ثم يفنيه بعد ذلك، ثم يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون عليه.

اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ) فقال بعضهم: معناه: وهو هين عليه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، عن سفيان، عمن ذكره، عن منذر الثوري، عن الربيع بن خيثم (وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ) قال: ما شيء عليه بعزيز.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) يقول: كلّ شيء عليه هين.

وقال آخرون: معناه: وإعادة الخلق بعد فنائهم أهون عليه من ابتداء خلقهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: (وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ) قال: يقول: أيسر عليه.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) قال: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هين.

حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرِمة قرأ هذا الحرف ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) قال: تعجب الكفار من إحياء الله الموتى، قال: فنـزلت هذه الآية: ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) إعادة الخلق أهون عليه من إبداء الخلق.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن سماك، عن عكرِمة، بنحوه. إلا أنه قال: إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْه) : يقول: إعادته أهون عليه من بدئه، وكلّ على الله هين. وفي بعض القراءة: (وكلٌ على الله هين).

وقد يحتمل هذا الكلام وجهين، غير القولين اللذين ذكرت، وهو أن يكون معناه: &; 20-93 &; وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون على الخلق؛ أي إعادة الشيء أهون على الخلق من ابتدائه. والذي ذكرنا عن ابن عباس في الخبر الذي حدثني به ابن سعد قول أيضا له وجه.

وقد وجَّه غير واحد من أهل العربية قول ذي الرمة:

أخـي قَفَـرَاتٍ دَبَّيَـتْ فِـي عظامـه

شُـفافات أعْجـاز الكَـرَى فهوَ أخْضَعَ (1)

إلى أنه بمعنى خاضع. وقول الآخر:

لَعَمْـــرُكَ إنَّ الزِّبْرَقــانَ لَبــاذِلٌ

لَمعْروفِــه عِنْــدَ السِّـنِينَ وأفْضَـلُ

كَــرِيمٌ لَــه عَـنْ كُـلّ ذَمّ تَـأَخُّرٌ

وفِــي كُــلّ أسْـبابِ المَكـارِمِ أوَّلُ (2)

إلى أنه بمعنى: وفاضل. وقول معن:

لَعَمْــرُكَ مـا أْدِري وإنّـي لأوْجَـلُ

عــلى أيِّنــا تَعْــدُو المَنِيَّـةُ أوَّلُ (3)

إلى أنه بمعنى: وإني لوجل. وقول الآخر:

تَمَنَّـى مُـرَيْءُ القَيْسِ مَوْتي وإنْ أمُتْ

فَتِلــكَ سَـبِيلٌ لَسْـتُ فِيهـا بـأوْحَدِ (4)

إلى أنه بمعنى: لست فيها بواحد. وقول الفرزدق:

إنَّ الَّـذِي سَـمَكَ السَّـماءَ بَنـى لَنـا

بَيْتــا دَعائمُــهُ أعَــزُّ وأطْــوَلُ (5)

إلى أنه بمعنى: عزيزة طويلة.

قالوا: ومنه قولهم في الأذان: الله أكبر؛ بمعنى: الله كبير؛ وقالوا: إن قال قائل: إن الله لا يوصف بهذا، وإنما يوصف به الخلق، فزعم أنه وهو أهون على الخلق، فإن الحجة عليه قول الله: وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ، وقوله: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا أي: لا يثقله حفظهما.

وقوله: (وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى) يقول: ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وهو أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ليس كمثله شيء، فذلك المثل الأعلى، تعالى ربنا وتقدّس.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: (وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ) يقول: ليس كمثله شيء.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ والأرْضِ) مثله أنه لا إله إلا هو، ولا ربّ غيره.

وقوله: (وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) يقول تعالى ذكره: وهو العزيز في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفهم فيما أراد من إحياء وإماتة، وبعث ونشر، وما شاء.

---------------------

الهوامش:

(1) البيت في ديوان ذي الرمة (طبع جامعة كيمبردج سنة 1919 ص 348). قال في شرحه: شفافات: بقايا أعجاز الكرى، أواخر النوم، فاستعار له المنهل. فكأنه قد سكر، فهو أخضع.

(2) البيتان لم أقف على قائلهما. والزبرقان بن بدر من سادات بني تميم. والسنون جمع سنة، والمراد بها الجدب والقحط. والشاهد في قول الشاعر "وأفضل" فإنه بمعنى "فاضل" ولا تفضيل فيه، كما قال المؤلف: على أنه يمكن تخريج البيت على معنى التفضيل، كما يأتي في الشواهد الأخرى، أي وهو أفضل من غيره على كل حال.

(3) البيت لمعن بن أوس المزني (ذيل الأمالي لأبي علي القالي ص 218). واستشهد به المؤلف على أن قوله: "لأوجل": أي لوجل، وانظر شرح البيت وإعرابه في خزانة الأدب الكبرى للبغدادي (3 : 505 - 506).

(4) البيت لمالك بن القين الخزرجي الأنصاري، حققه الأستاذ عبد العزيز الميمني في شرح ذيل الأمالي ص 104 (وهو من ثلاثة أبيات كتب بها يزيد بن عبد الملك إلى أخيه هشام وقد بلغه أنه يتمنى موته. وقيل: كتب بها الوليد إلى أخيه سليمان) كما في مروج الذهب للمسعودي (ورواية صدر البيت الأول مخالفة لما في ذيل الأمالي ص 218) والأبيات الثلاثة هي:

تَمَنَّـى رِجَـالٌ أَنْ أَمُـوتَ وَإِنْ أَمُـتْ

فَتِلْــكَ سَـبِيلٌ لَسْـتُ فِيهَـا بِـأَوْحَدِ

فَمَـا عَيْشُ مَـنْ يَرْجُو رَدَايَ بِضَائرِي

وَمَـا عَيْشُ مَـنْ يَرْجُـو رَدَايَ بِمُخْلَدِ

فَقُـلْ للَّـذِي يَبْغـي خِلافَ الَّذِي مَضَى

تَجَــهَّزْ لأُخْـرَى مِثْلِهَـا فَكَـأَنْ قَـدِ

وقوله: "خلاف الذي مضى": يريد: أن يخلف على ميراثه أو محله. وقد استشهد المؤلف على أن قوله "بأوحد" معناه واحد، مثل قول الله تعالى: (وهو أهون عليه): أي هين عليه، فالصيغة وإن كانت صيغة أفعل التي للتفضيل إلا أنه لا تفضيل هنا، وإنما هو لمجرد الوصف بدون تفضيل. وإنما ذكر يزيد هذه الأبيات على سبيل التمثل بها وليست من شعره. قال القالي: فرد عليه هشام بيتين وهما:

وَمَـنْ لا يُغْمِـض عَيْنَـهُ عَنْ صَـدِيقِهِ

وَعَـنْ بَعْـضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهُوَ عَاتِبُ

وَمَــنْ يَتَتَبَّــعْ جَـاهِدًا كُـلَّ عَـثْرَةٍ

يَجِدْهَـا وَلا يَسْـلَمْ لَـهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ

ثم قال: فرد عليه يزيد بقصيدة معن بن أوس التي يقول فيها:

لَعَمْــرُكَ مـا أدْرِي وَإِنّـي لأَوْجَـلُ

عَــلى أينــا تَعْــدُو المَنِيَّـةُ أوَّلُ

وقد بين البغدادي في خزانة الأدب الكبرى (500 - 502) أن هذا الشاهد وما ماثله يمكن أن يحمل على التفضيل لا على مجرد الوصف، فراجعه ثمة.

(5) البيت للفرزدق (ديوانه طبعة الصاوي بالقاهرة ص 714) وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 187 - ب) قال أبو عبيدة: أي عزيزة طويلة. فإن احتج فقال: إن الله عز وجل لا يوصف بهذا، وإنما يوصف الخلق، فزعم أن (وهو أهون عليه) على الخلق؛ فإن الحجة عليه قول الله عز وجل: (وكان ذلك على الله يسيرًا). وفي آية أخرى: (ولا يئوده حفظهما) أي لا يثقله.

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ (وَهُوَ) أي: الإعادة للخلق بعد موتهم، (أَهْوَنُ عَلَيْهِ) من ابتداء خلقهم، وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول؛ فإذا كان قادرًا على الابتداء الذي تُقِرُّون به؛ كانت قدرته على الإعادة أهون وأولى.
لمسة
[27] ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ فكلمة (أهون) في حق الله لا تؤخذ على حقيقتها؛ لأن (أهون) تقتضي صعبًا وأصعب، وهي كلمات تناسب فعل العبد لا الرب، لكن الله خاطبنا بها لإفهامنا وتقريب الصورة إلى عقولنا.
وقفة
[27] ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ الذي يعيد إنما يعيد من موجود، أما الذي بدأ فمن معدوم، فالأهون -بمقاییس البشر- هو الإعادة، أما الابتداء فأصعب، وكلاهما من قدرة الله سبحانه.
وقفة
[27] ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ دلالة النشأة الأولى على البعث واضحة المعالم.
وقفة
[27] ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ومن جملة المثَل الأعلى: عزته وحكمته تعالى؛ فخُصّا بالذكر هنا لأنهما الصفتان اللتان تظهر آثارهما في الغرض المتحدث عنه؛ وهو: بدء الخلق وإعادته؛ فالعزة تقتضي الغِنى المطلق، فهي تقتضي تمام القدرة، والحكمة تقتضي عموم العلم.
وقفة
[27] ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ كل صفة وصف الله بها نفسه هي صفة كمال فوق كل ما يخطر ببال.
وقفة
[27] ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هل المثل يعنى الشبيه؟ الجواب: يعني المثل: الوصف الأعلى من كل الوجوه، فهو سبحانه الموصوف بالكمال المطلق من كل الوجوه، كما قال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1-4].
وقفة
[27] قال ابن عباس في قوله: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: «ليس كمثله شئ».

الإعراب :

  • ﴿ وَهُوَ الَّذِي:
  • الواو عاطفة. هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الذي:اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هو».
  • ﴿ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. يبدأ: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود الى الله سبحانه. الخلق: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ثم: حرف عطف. يعيده: معطوفة على يَبْدَؤُا الْخَلْقَ» وتعرب اعرابها والهاء ضمير متصل يعود على الخلق في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ:
  • الواو عاطفة ويجوز أن تكون استئنافية أو حالية. هو:ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. اهون: خبر «هو» مرفوع بالضمة ولم تنون لأنها ممنوعة من الصرف-التنوين-بمعنى «هين» وهو صيغة-أفعل- مجرد عن معنى التفضيل. عليه: جار ومجرور متعلق بأهون بمعنى والاعادة أهون أي أسهل عليه من البدء. وقد ذكر الضمير رغم أن المراد به الاعادة لأن المعنى وأن يعيده أي واعادته أهون عليه. وقيل الضمير في «عليه» للخلق ومعناه أن البعث-الاعادة-أهون على الخلق من البدء-الإنشاء-.
  • ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى:
  • الواو عاطفة. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.المثل: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الأعلى: صفة-نعت-للمثل مرفوع مثلها بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة ثانية للمثل.والأرض: معطوفة بالواو على «السموات».وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:
  • وهو: أعربت. العزيز الحكيم: خبران على التتابع للمبتدإ «هو» ويجوز أن تكون كلمة «الحكيم» صفة-نعتا-للعزيز.'

المتشابهات :

النحل: 60﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
الروم: 27﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     الدَّلِيلُ العاشرُ: البعث والنُّشُور، قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [28] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ ..

التفسير :

[28] ضرب الله مثلاً لكم -أيها المشركون- من أنفسكم:هل لكم من عبيدكم وإمائكم مَن يشارككم في رزقكم، وترون أنكم وإياهم متساوون فيه، تخافونهم كما تخافون الأحرار الشركاء في مقاسمة أموالكم؟ إنكم لن ترضوا بذلك، فكيف ترضون بذلك في جنب الله بأن تجعلوا له شريكاً من

هذا مثل ضربه اللّه تعالى لقبح الشرك وتهجينه مثلا من أنفسكم لا يحتاج إلى حل وترحال وإعمال الجمال.

{ هَلْ لَكُمْ ممَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ} أي:هل أحد من عبيدكم وإمائكم الأرقاء يشارككم في رزقكم وترون أنكم وهم فيه على حد سواء.

{ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي:كالأحرار الشركاء في الحقيقة الذين يخاف من قسمه واختصاص كل شيء بحاله؟

ليس الأمر كذلك فإنه ليس أحد مما ملكت أيمانكم شريكا لكم فيما رزقكم اللّه تعالى.

هذا، ولستم الذين خلقتموهم ورزقتموهم وهم أيضا مماليك مثلكم، فكيف ترضون أن تجعلوا للّه شريكا من خلقه وتجعلونه بمنزلته، وعديلا له في العبادة وأنتم لا ترضون مساواة مماليككم لكم؟

هذا من أعجب الأشياء ومن أدل شيء على [سفه] من اتخذ شريكا مع اللّه وأن ما اتخذه باطل مضمحل ليس مساويا للّه ولا له من العبادة شيء.

{ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ} بتوضيحها بأمثلتها{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الحقائق ويعرفون، وأما من لا يعقل فلو فُصِّلَت له الآيات وبينت له البينات لم يكن له عقل يبصر به ما تبين ولا لُبٌّ يعقل به ما توضح، فأهل العقول والألباب هم الذين يساق إليهم الكلام ويوجه الخطاب.

وإذا علم من هذا المثال أن من اتخذ من دون اللّه شريكا يعبده ويتوكل عليه في أموره، فإنه ليس معه من الحق شيء فما الذي أوجب له الإقدام على أمر باطل توضح له بطلانه وظهر برهانه؟ [لقد] أوجب لهم ذلك اتباع الهوى .

ومِنْ في قوله- سبحانه-: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور في محل نصب، صفة لقوله: مَثَلًا.

أى: ضرب لكم- أيها الناس- مثلا، يظهر منه بطلان الشرك ظهورا واضحا، وهذا المثل كائن من أحوال أنفسكم، التي هي أقرب شيء لديكم.

قال القرطبي: والآية نزلت في كفار قريش، كانوا يقولون في التلبية: «لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك..» .

وقوله- تعالى-: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ تصوير وتفصيل للمثل، والاستفهام للإنكار والنفي. ومِنْ الأولى للتبعيض، والثانية لتأكيد النفي، وقوله شُرَكاءَ مبتدأ، وخبره لَكُمْ وقوله: مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ متعلق بمحذوف حال من شركاء.

وقوله: فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ جواب للاستفهام الذي هو بمعنى النفي. والجملة مبتدأ وخبر. وقوله: تَخافُونَهُمْ خبر ثان لأنتم، وقوله: كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ صفة لمصدر محذوف، أى: تخافونهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم.

والمعنى: ضرب الله- تعالى- لكم- أيها الناس- مثلا منتزعا من أنفسكم التي هي أقرب شيء إليكم، وبيان هذا المثل: أنكم لا ترضون أن يشارككم في أموالكم التي رزقناكم إياها، عبيدكم وإماؤكم، مع أنهم مثلكم في البشرية، ونحن الذين خلقناهم كما خلقناكم، بل إنكم لتخافون على أموالكم منهم، أن يشاركوكم فيها، كما تخافون عليها من الأحرار المشابهين لكم في الحرية وفي جواز التصرف في تلك الأموال. فإذا كان هذا شأنكم مع عبيدكم- الذين هم مثلكم في البشرية، والذين لم تخلقوهم بل نحن الذين خلقناكم وخلقناهم- فكيف أجزتم لأنفسكم أن تشركوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة، مع أنه- سبحانه- هو الخالق لكم ولهم، والرازق لكم ولهم؟!!.

إن تصرفكم هذا ظاهر التناقض والبطلان، لأنكم لم ترضوا أن يشارككم غيركم في أموالكم، ورضيتم أن تشركوا مع الله- تعالى-: غيره في العبادة، مع أنه- سبحانه- هو الخالق والرازق لكل شيء.

فالمقصود من الآية الكريمة، إبطال الشرك بأبلغ أسلوب، وأوضح بيان، وأصدق حجة، وأقوى دليل.

ولذا ختمها- سبحانه- بقوله: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أى: مثل ذلك التفصيل الجلى الواضح، نفصل الآيات الدالة على وحدانيتنا، لقوم يعقلون هذه الأمثال، وينتفعون بها في إخلاص العبادة لله الواحد القهار.

قال الإمام القرطبي: قال بعض العلماء: هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقين، لافتقار بعضهم إلى بعض، ونفيها عن الله- سبحانه- وذلك أنه قال- سبحانه-:

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ فيجب أن يقولوا: ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا، فيقال لهم: فكيف يتصور أن تنزهوا أنفسكم عن مشاركة عبيدكم، وتجعلوا عبيدي شركائى في خلقي، فهذا حكم فاسد، وقلة نظر وعمى قلب!! فإذا أبطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة، والخلق كلهم عبيد الله- تعالى- فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله- تعالى- في شيء من أفعاله.

ثم قال- رحمه الله-: وهذه المسألة أفضل للطالب، من حفظ ديوان كامل في الفقه،لأن جميع العبادات البدنية، لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب فافهم ذلك .

هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين به ، العابدين معه غيره ، الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من الأصنام والأنداد عبيد له ، ملك له ، كما كانوا في تلبيتهم يقولون : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . فقال تعالى : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) أي : تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم ، ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) أي : لا يرتضي أحد منكم أن يكون عبده شريكا له في ماله ، فهو وهو فيه على السواء ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) أي : تخافون أن يقاسموكم الأموال .

قال أبو مجلز : إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك ، وليس له ذاك ، كذلك الله لا شريك له .

والمعنى : أن أحدكم يأنف من ذلك ، فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه . وهذا كقوله تعالى : ( ويجعلون لله ما يكرهون ) [ النحل : 62 ] أي : من البنات ، حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وجعلوها بنات الله ، وقد كان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، فهم يأنفون من البنات . وجعلوا الملائكة بنات الله ، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم ، فهذا أغلظ الكفر . وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه ، وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك ، أن يكون عبده شريكه في ماله ، يساويه فيه . ولو شاء لقاسمه عليه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

قال الطبراني : حدثنا محمود بن الفرج الأصبهاني ، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، حدثنا حماد بن شعيب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان يلبي أهل الشرك : لبيك اللهم [ لبيك ] ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . فأنزل الله : ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) .

ولما كان التنبيه بهذا المثل على براءته تعالى ونزاهته بطريق الأولى والأحرى ، قال : ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)

يقول تعالى ذكره: مثل لكم أيها القوم ربكم مثلا من أنفسكم، (هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم) يقول: من مماليككم من شركاء، فيما رزقناكم من مال، فأنتم فيه سواء وهم. يقول: فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إياي، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي، وأنا مالك جميعكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ) قال: مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته؟! فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ) قال: هل تجد أحدا يجعل عبده هكذا في ماله، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنهم عبيدي وخلقي، وتجعل لهم نصيبا في عبادتي، كيف يكون هذا؟ قال: وهذا مثل ضربه الله لهم، وقرأ: ( كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ).

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشركاء، مما ملكت أيمانكم، أن يرثوكم أموالكم من بعد وفاتكم، كما يرث بعضكم بعضا.

* ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: في الآلهة، وفيه يقول: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشركاء مما ملكت أيمانكم أن يقاسموكم أموالكم، كما يقاسم بعضكم بعضا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت عمران، قال: قال أبو مجلز: إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذلك، كذلك الله لا شريك له.

وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك، القول الثاني؛ لأنه أشبههما بما دلّ عليه ظاهر الكلام، وذلك أن الله جلّ ثناؤه وبخ هؤلاء المشركين، الذين يجعلون له من خلقه آلهة يعبدونها، وأشركوهم في عبادتهم إياه، وهم مع ذلك يقرّون بأنها خلقه وهم عبيده، وعيرهم بفعلهم ذلك، فقال لهم: هل لكم من عبيدكم شركاء فيما خوّلناكم من نعمنا، فهم سواء، وأنتم في ذلك تخافون أن يقاسموكم ذلك المال الذي هو بينكم وبينهم، كخيفة بعضكم بعضا أن يقاسمه ما بينه وبينه من المال شركة، فالخيفة التي ذكرها تعالى ذكره بأن تكون خيفة مما يخاف الشريك من مقاسمة شريكه المال الذي بينهما إياه، أشبه من أن تكون خيفة منه بأن يرثه؛ لأن ذكر الشركة لا يدلّ على خيفة الوراثة، وقد يدلّ على خيفة الفراق والمقاسمة.

وقوله: (كَذَلكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يقول تعالى ذكره: كما بيَّنا لكم أيها القوم حججنا في هذه الآيات من هذه السورة على قدرتنا على ما نشاء من إنشاء ما نشاء، وإفناء ما نحبّ، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه، ودللنا على أنه لا تصلح العبادة إلا للواحد القهار، الذي بيده ملكوت كلّ شيء كذلك نبين حججنا في كل حقّ لقوم يعقلون، فيتدبرونها إذا سمعوها، ويعتبرون فيتعظون بها.

التدبر :

وقفة
[18-27] اقرأ هذه الآيات متأملًا في عظمة الله سبحانه وتعالى، فسبّحه تسبيحًا يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه وقدرته في خلقه، ثم اقرأ هذه الآيات متفكرًا في النعم التي أنعم الله تعالى علينا بها في كل آية منها، واحمد الله عز وجل حمدًا يليق به سبحانه على واسع نعمه التي منّ بها علينا، استحضر هذه الآيات كلما فتر قلبك، وكلما خبت جذوة الإيمان فيه، وألِفت نعم الله تعالى عليه.
وقفة
[28] قال الإمام القرطبي: «قال سبحانه: ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ فيجب أن يقولوا: ليس عبیدنا شركاءنا فيما رزقتنا، فيقال لهم: فكيف يتصور أن تنزهوا أنفسكم عن مشاركة عبیدكم، وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي، فهذا حكم فاسد، وقلة نظر وعمی قلب! فإذا أبطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملکه السادة، والخلق كلهم عبيد الله تعالى، فيبطل أن يكون شيء من العالم شریكًا لله تعالى في شيء من أفعاله».
وقفة
[28] ﴿ضَرَبَ لَكُم مَثَلًا مِن أَنفُسِكُم﴾ الإتيان بالمثل شديد القرب من واقعكم يكون فعالًا، وله أعظم الأثر فى التوضيح والبيان، وفى الإفحام أيضًا.
وقفة
[28] ﴿كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ والقوم الذين يعقلون هم المتنزهون عن المكابرة والإعراض، والطالبون للحق والحقائق لوفرة عقولهم، فيزداد المؤمنون يقينا، ويؤمن الغافلون والذين تروج عليهم ضلالات المشركين ثم تنكشف عنهم بمثل هذه الدلائل البينة ... وفي هذا تعريض بالمتصلبين في شركهم بأنهم ليسوا من أهل العقول، وليسوا ممن ينتفعون.
وقفة
[28] ﴿كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ وأما من لا يعقل؛ فلو فُصِّلت له الآيات، وبُيِّنت له البينات، لم يكن له عقل يبصر به ما تبين، ولا لُبٌّ يعقل به ما توضح، فأهل العقول والألباب هم الذين يساق إليهم الكلام، ويوجه الخطاب.

الإعراب :

  • ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الله سبحانه. لكم: جار ومجرور متعلق بضرب والميم علامة جمع الذكور. مثلا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ:
  • جار ومجرور في محل نصب صفة-نعت-لمثلا. والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة.والميم علامة جمع الذكور ويجوز آن تكون «مثلا» تمييزا
  • ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما:
  • هل: حرف استفهام لا محل له من الاعراب. لكم:جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والميم علامة جمع الذكور. من: حرف جر للتبعيض. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن
  • ﴿ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب. ايمانكم: فاعل مرفوع بالضمة. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور بمعنى: من أرقائكم-مماليككم-.وجملة مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد الى الموصول محذوف وهو منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: ملكتهم أيمانكم أي أيديكم.
  • ﴿ مِنْ شُرَكاءَ:
  • من: حرف جر زائد-مزيدة-لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. شركاء: اسم مجرور لفظا بمن مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر وقد جر -لفظا-وحتى لو جر على المعنى بحرف جر فعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن-فعلاء.
  • ﴿ فِي ما رَزَقْناكُمْ:
  • أي في أموالكم. أو من الأموال وغير الاموال. في:حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بفي.رزقناكم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور. وجملة «رزقناكم» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. أو تكون «ما» مصدرية وجملة «رزقناكم» صلتها لا محل لها من الاعراب. و «ما» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بفي والجار والمجرور متعلقا بشركاء.
  • ﴿ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ:
  • الفاء استئنافية للتعليل. أنتم: ضمير منفصل-ضمير المخاطبين-في محل رفع مبتدأ و «فيه» جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ.سواء: خبر «أنتم» مرفوع بالضمة. أي بمعنى فأنتم وهم سواء في التصرف في أموالكم.
  • ﴿ تَخافُونَهُمْ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدإ. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ:
  • الكاف اسم مبني على الفتح بمعنى «مثل» في محل نصب صفة-نعت-للمصدر المحذوف-المفعول المطلق-بتقدير:تخافونهم خيفة مثل خيفتكم أو تكون نائبة عن المصدر. خيفتكم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.أو تكون «كخيفتكم» جارا ومجرورا متعلقا بمصدر-مفعول مطلق محذوف.التقدير: تخافونهم خيفة كخيفتكم أنفسكم. بمعنى تخافون منهم أن يستبدوا بالتصرف في أموالكم كما تخافون أنفسكم. أنفسكم: مفعول به للمصدر- خيفتكم-و «كم» أعربت في» خيفتكم.
  • ﴿ كَذلِكَ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب نائبة عن المفعول المطلق-المصدر أو صفة أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات أي نبينها. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة اللام للبعد والكاف حرف خطاب.
  • ﴿ نُفَصِّلُ الْآياتِ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. الآيات: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بنفصل. يعقلون: تعرب اعراب «تخافون» وجملة «يعقلون» في محل جر صفة-نعت-لقوم.'

المتشابهات :

التوبة: 11﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
الأعراف: 32﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
يونس: 24﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
الروم: 28﴿فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ من أدلَّةِ الوحدانيةِ؛ ذَكَرَ اللهُ هنا مَثلًا لإثباتِ الوحدانيةِ، ولبيان قُبح الشركِ وبُطلانه: هل يرضى أحدٌ منكم أن يكونَ عبدُه المملوكُ له شريكًا له في مالِه الذي يملِكُه؟ فإذا لم يرضَ لنفسِه الشَّريكَ فكيفَ يرضاه للهِ الخالقِ؟!، قال تعالى:
﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أنفسكم:
1- بالنصب، أضيف المصدر إلى الفاعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، أضيف المصدر للمفعول، وهى قراءة ابن أبى عبيدة.
نفصل:
1- بالنون، حملا على «رزقناكم» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بياء الغيبة، رعيا ل «ضرب» ، إذ هو مسند للغائب، ورويت عن ابن عمر.

مدارسة الآية : [29] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم ..

التفسير :

[29] بل اتبع المشركون أهواءهم بتقليد آبائهم بغير علم، فشاركوهم في الجهل والضلالة، ولا أحد يقدر على هداية مَن أضلَّه الله بسبب تماديه في الكفر والعناد، وليس لهؤلاء مِن أنصار يُخَلِّصونهم من عذاب الله.

{ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} هويت أنفسهم الناقصة التي ظهر من نقصانها ما تعلق به هواها، أمرا يجزم العقل بفساده والفطر برده بغير علم دلهم عليه ولا برهان قادهم إليه.

{ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} أي:لا تعجبوا من عدم هدايتهم فإن اللّه تعالى أضلهم بظلمهم ولا طريق لهداية من أضل اللّه لأنه ليس أحد معارضا للّه أو منازعا له في ملكه.

{ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ينصرونهم حين تحق عليهم كلمة العذاب، وتنقطع بهم الوصل والأسباب.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن هؤلاء المشركين لم ينتفعوا بهذه الأمثال لاستيلاء الجهل والعناد عليهم فقال: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...

أى: لم ينتفع هؤلاء الظالمون بهذا المثل الجلى في إبطال الشرك، بل لجوا في كفرهم، واتبعوا أهواءهم الزائفة، وأفكارهم الفاسدة، وجهالاتهم المطبقة دون أن يصرفهم عن ذلك علم نافع فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أى: إذا كان هذا هو حالهم، فمن الذي يستطيع أن يهدى إلى الحق، من أضله الله- تعالى-: عنه بسبب زيفه واستحبابه العمى على الهدى.

إنه لا أحد يستطيع ذلك وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ينصرونهم من عقابه- سبحانه- لهم.

ثم قال تعالى مبينا أن المشركين إنما عبدوا غيره سفها من أنفسهم وجهلا ( بل اتبع الذين ظلموا ) أي : المشركون ) أهواءهم ) أي : في عبادتهم الأنداد بغير علم ، ( فمن يهدي من أضل الله ) [ أي : فلا أحد يهديهم إذا كتب الله إضلالهم ] ، ( وما لهم من ناصرين ) أي : ليس لهم من قدرة الله منقذ ولا مجير ، ولا محيد لهم عنه; لأنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .

القول في تأويل قوله تعالى : بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)

يقول تعالى ذكره: ما ذلك كذلك، ولا أشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله &; 20-97 &; الآلهة والأوثان؛ لأن لهم شركاء فيما رزقهم الله من ملك أيمانهم، فهم وعبيدهم فيه سواء، يخافون أن يقاسموهم ما هم شركاؤهم فيه، فرضوا لله من أجل ذلك بما رضوا به لأنفسهم، فأشركوهم في عبادته، ولكن الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله، اتبعوا أهواءهم، جهلا منهم لحقّ الله عليهم، فأشركوا الآلهة والأوثان في عبادته، (فَمَنْ يهْدِي مَنْ أضَلَّ اللهُ) يقول: فمن يسدّد للصواب من الطرق، يعني بذلك من يوفق للإسلام مَن أضلّ الله عن الاستقامة والرشاد (وَما لَهُمْ منْ ناصرِينَ) يقول: وما لمن أضلّ الله من ناصرين ينصرونه، فينقذونه من الضلال الذي يبتليه به تعالى ذكره.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[29] ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ﴾ لاحظ الارتباط العجيب، لا تتعجب من عدم هداية الظالمين، فإن الله تعالى أضلهم بسبب ظلمهم، ولا هداية لمن أضل الله.
وقفة
[29] كثيرًا ما يبين الله في كتابه أن سبب إعراض المعرضين هو اتباع الهوى ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾.
وقفة
[29] اتباع الهوى يضل ويطغي ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ﴾.
تفاعل
[29] ﴿فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ بَلِ اتَّبَعَ:
  • بل: حرف اضراب للاستئناف وكسر آخره لالتقاء الساكنين.اتبع: فعل ماض مبني على الفتح.
  • ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. ظلموا:فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وحذف مفعولها اختصارا لأنه معلوم بتقدير:ظلموا أنفسهم. ويجوز أن يكون لازما بمعنى «أشركوا» كقوله تعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» وجملة «ظلموا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ أَهْاواءَهُمْ:
  • مفعول به لا تبع منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال بمعنى غير عالمين أي اتبعوا ميولهم جاهلين. علم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة
  • ﴿ فَمَنْ يَهْدِي:
  • الفاء استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ مَنْ أَضَلَّ اللهُ:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أضل: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة أَضَلَّ اللهُ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير:من أضله الله. بمعنى: من خذله ولم يلطف به فمن يقدر على هداية مثل هذا المخذول؟ والجملة الفعلية يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ» في محل رفع خبر المبتدأ «من».
  • ﴿ وَما لَهُمْ:
  • الواو حالية والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال. ما:نافية لا عمل لها. لهم: اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم.
  • ﴿ مِنْ ناصِرِينَ:
  • من: حرف جر زائد لتأكيد النفي. ناصرين: اسم مجرور لفظا بمن وعلامة جره الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر'

المتشابهات :

آل عمران: 22﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
آل عمران: 56﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
آل عمران: 91﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
النحل: 37﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
الروم: 29﴿فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     وبعد أن ضربَ اللهُ المثال السابق؛ بَيَّنَ هنا أن هؤلاء المشركين ليس لهم حجة، ولا عذر فيما يفعلونه من الشرك، قال تعالى:
﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [30] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ ..

التفسير :

[30] فأقم -أيها الرسول أنت ومن اتبعك- وجهك، واستمر على الدين الذي شرعه الله لك، وهو الإسلام الذي فطر الله الناس عليه، فبقاؤكم عليه، وتمسككم به، تمسك بفطرة الله من الإيمان بالله وحده، لا تبديل لخلق الله ودينه، فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا الله رب الع

يأمر تعالى بالإخلاص له في جميع الأحوال وإقامة دينه فقال:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ} أي:انصبه ووجهه إلى الدين الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان بأن تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها. وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة، والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة بأن تعبد اللّه فيها كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

وخص اللّه إقامة الوجه لأن إقبال الوجه تبع لإقبال القلب ويترتب على الأمرين سَعْيُ البدن ولهذا قال:{ حَنِيفًا} أي:مقبلا على اللّه في ذلك معرضا عما سواه.

وهذا الأمر الذي أمرناك به هو{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللّه في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة.

ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"

{ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} أي:لا أحد يبدل خلق اللّه فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه اللّه،{ ذَلِكَ} الذي أمرنا به{ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي:الطريق المستقيم الموصل إلى اللّه وإلى كرامته، فإن من أقام وجهه للدين حنيفا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه،{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} فلا يتعرفون الدين القيم وإن عرفوه لم يسلكوه.

ثم أمر سبحانه رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يثبت على الحق الذي هداه- عز وجل- إليه فقال:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً.. والفاء هي الفصيحة، وقوله: فَأَقِمْ من الإقامة على الشيء والثبات عليه، وعدم التحول عنه.

قوله: حَنِيفاً من الحنف، وهو الميل من الباطل إلى الحق، وضده الجنف، وحَنِيفاً حال من فاعل فَأَقِمْ.

أى: إذا كان الأمر كما ذكرت لك- أيها الرسول الكريم- من بطلان الشرك فاثبت على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، وأقبل على هذا الدين الذي أوحاه الله إليك، بدون التفات عنه، أو ميل إلى سواه.

قال صاحب الكشاف: قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً أى: فقوم وجهك له وعدّله، غير ملتفت عنه يمينا أو شمالا، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته، واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدد إليه نظره، وقوم له وجهه، مقبلا به عليه.

والمراد بالفطرة في قوله- تعالى-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ الملة. أى: ملة الإسلام والتوحيد.

أو المراد بها: قابلية الدين الحق، والتهيؤ النفسي لإدراكه. والأصل فيها أنها بمعنى الخلقة.

أى: اثبت- أيها الرسول الكريم- على هذا الدين الحق، والزموا- أيها الناس- فطرة الله، وهي ملة الحق، التي فطر الناس عليها، وخلقهم قابلين لها.

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: يقول- تعالى-: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك، من الحنيفية ملة إبراهيم، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله الخلق عليها، فإنه- تعالى-: فطر خلقه على معرفته وتوحيده.

وفي الحديث: «إنى خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم- أى حولتهم- الشياطين عن دينهم» .

وروى البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول: فطرة الله التي فطر الناس عليها..»

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم وحّد الخطاب أولا، ثم جمع؟ قلت: خوطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولا، وخطاب الرسول خطاب لأمته، مع ما فيه من التعظيم للإمام، ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص .

وقوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ تعليل لما قبله من الأمر بلزوم الفطرة التي فطر- سبحانه- الناس عليها.

أى: الزموا فطرة الله التي هي دين الإسلام، وقبول تعاليمه والعمل بها، لأن هذا الدين قد ارتضاه الله- تعالى- لكم، ولا تبديل ولا تغيير لما فطركم عليه وارتضاه لكم.

وذلِكَ الدين الذي اختاره- سبحانه- لكم، هو الدِّينُ الْقَيِّمُ أى: القويم المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف.

فاسم الإشارة يعود إلى الدين الذي أمرنا- سبحانه- بالثبات عليه، في قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً.

وقوله- تعالى-: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ استدراك لبيان موقف الناس من هذا الدين القيم.

أى: ذلك الدين الذي ارتضيته لكم هو الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة، بسبب استحواذ الشيطان عليهم، واتباعهم للأهواء الزائفة، والتقاليد الفاسدة.

يقول تعالى : فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك ، من الحنيفية ملة إبراهيم ، الذي هداك الله لها ، وكملها لك غاية الكمال ، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة ، التي فطر الله الخلق عليها ، فإنه تعالى فطر خلقه على [ معرفته وتوحيده ، وأنه لا إله غيره ، كما تقدم عند قوله تعالى : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ] ، وفي الحديث : " إني خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم " . وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على ] الإسلام ، ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية .

وقوله : ( لا تبديل لخلق الله ) قال بعضهم : معناه لا تبدلوا خلق الله ، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها . فيكون خبرا بمعنى الطلب ، كقوله تعالى : ( ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمران : 97 ] ، وهذا معنى حسن صحيح .

وقال آخرون : هو خبر على بابه ، ومعناه : أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة ، لا يولد أحد إلا على ذلك ، ولا تفاوت بين الناس في ذلك; ولهذا قال ابن عباس ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد في قوله : ( لا تبديل لخلق الله ) أي : لدين الله .

وقال البخاري : قوله : ( لا تبديل لخلق الله ) : لدين الله ، خلق الأولين : [ دين الأولين ] ، والدين والفطرة : الإسلام .

حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " ؟ ثم يقول : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) .

ورواه مسلم من حديث عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري ، به . وأخرجاه - أيضا - من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة ، فمنهم الأسود بن سريع التميمي . قال الإمام أحمد :

حدثنا إسماعيل ، حدثنا يونس ، عن الحسن عن الأسود بن سريع [ التميمي ] قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه ، فأصبت ظهرا ، فقتل الناس يومئذ ، حتى قتلوا الولدان . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية ؟ " . فقال رجل : يا رسول الله ، أما هم أبناء المشركين ؟ فقال : " ألا إنما خياركم أبناء المشركين " . ثم قال : " لا تقتلوا ذرية ، لا تقتلوا ذرية " . وقال : " كل نسمة تولد على الفطرة ، حتى يعرب عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها " .

ورواه النسائي في كتاب السير ، عن زياد بن أيوب ، عن هشيم ، عن يونس - وهو ابن عبيد - عن الحسن البصري ، به .

ومنهم جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال الإمام أحمد :

حدثنا هاشم ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، حتى يعرب عنه لسانه ، فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا " .

ومنهم عبد الله بن عباس الهاشمي ، قال الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين ، فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مرفوعا بذلك .

وقد قال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - أنبأنا عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس قال : أتى علي زمان وأنا أقول : أولاد المسلمين مع أولاد المسلمين ، وأولاد المشركين مع المشركين . حتى حدثني فلان عن فلان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " . قال : فلقيت الرجل فأخبرني . فأمسكت عن قولي .

ومنهم عياض بن حمار المجاشعي ، قال الإمام أحمد :

حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا هشام ، حدثنا قتادة ، عن مطرف ، عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته : " إن ربي - عز وجل - أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا ، كل مال نحلته عبادي حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ، ثم إن الله - عز وجل - نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ، عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب ، وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرؤه نائما ويقظان . ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا ، فقلت : يا رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة . قال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأنفق عليهم فسننفق عليك . وابعث جيشا نبعث خمسة مثله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك " . قال : " وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير متصدق . وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا ، لا يبتغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه . ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " وذكر البخيل ، أو الكذاب ، والشنظير : الفحاش .

انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من طرق عن قتادة ، به .

وقوله تعالى : ( ذلك الدين القيم ) أي : التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم ، ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : فلهذا لا يعرفه أكثر الناس ، فهم عنه ناكبون ، كما قال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) الآية [ الأنعام : 116 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)

يقول تعالى ذكره: فسدّد وجهك نحو الوجه الذي وجهك إليه ربك يا محمد لطاعته، وهي الدين، (حَنِيفًا) يقول: مستقيما لدينه وطاعته (فِطرةَ اللهِ التي فَطَر النَّاسَ عَلَيْهَا) يقول: صنعة الله التي خلق الناس عليها ونصبت " فطرة " على المصدر من معنى قوله: (فَأقِم وَجْهَكَ للدّينِ حَنِيفًا) وذلك أن معنى ذلك: فطر الله الناس على ذلك فطرة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَر النَّاسَ عَلَيْها) قال: الإسلام مُذ خلقهم الله من آدم جميعا، يقرّون بذلك، وقرأ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا قال: فهذا قول الله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ بعد.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فِطْرَةَ اللهِ) قال: الإسلام.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن أبي صالح، &; 20-98 &; عن يزيد بن أبي مريم، قال: مرّ عمر بمُعاذ بن جبل، فقال: ما قوام هذه الأمة؟ قال معاذ: ثلاث، وهنّ المنجيات: الإخلاص، وهو الفطرة (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)، والصلاة: وهي الملة، والطاعة: وهي العصمة. فقال عمر: صدقت.

حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن أبي قلابة أن عمر قال لمعاذ: ما قوام هذه الأمة؟ ثم ذكر نحوه.

وقوله: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يقول: لا تغيير لدين الله؛ أي لا يصلح ذلك، ولا ينبغي أن يفعل.

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ) قال: لدينه.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له: قاسم، إلى عكرِمة يسأله عن قول الله: (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ) إنما هو الدين، وقرأ: (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ ذلكَ الدّينُ القَيِّمُ).

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرِمة (فطْرَةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) قال: الإسلام.

قال: ثني أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.

قال: ثني أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: لدين الله.

قال: ثنا أبي، عن عبد الجبار بن الورد، عن القاسم بن أبي بزّة، قال: قال مجاهد، فسل عنها عكرِمة، فسألته، فقال عكرِمة: دين الله تعالى ما له أخزاه الله؟! ألم يسمع إلى قوله: (فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ)؟

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) : أي لدين الله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن عكرِمة، قال: &; 20-99 &; لدين الله.

قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الأعرج، قال: قال سعيد بن جُبَير (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.

قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: دين الله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر وسفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم، قال: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.

قال: ثنا أبي، عن جعفر الرازي، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: لدين الله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تغيير لخلق الله من البهائم، بأن يخصي الفحول منها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن رجل، سأل ابن عباس عن خصاء البهائم، فكرهه، وقال: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).

قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الأعرج، قال: قال عكرِمة: الإخصاء.

قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن مجاهد، قال: الإخصاء.

وقوله: (ذلكَ الدِّينُ القَيِّمُ) يقول تعالى ذكره: إن إقامتك وجهك للدين حنيفا، غير مغير ولا مبدّل، هو الدين القيم، يعني: المستقيم الذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفية إلى اليهودية والنصرانية، وغير ذلك من الضلالات والبدع المحدثة.

وقد وجَّه بعضهم معنى الدين في هذا الموضع إلى الحساب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة (ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ) قال: الحساب القيم.

(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الدين الذي أمرتك يا محمد به بقولي (فَأقمْ وَجْهَكَ للدِّينِ حَنِيفا) هو الدين الحقّ دون سائر الأديان غيره.

التدبر :

وقفة
[30] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ من الحنف، وهو الميل من الباطل إلى الحق، وضده الجنف، أي: اثبت على ما أنت عليه من الحق، ولا تلتفت عنه إلى غيره.
وقفة
[30] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ قال صاحب الكشاف: «أي فقوم وجهك له وعدله، غير ملتفت عنه يمينًا أو شمالًا، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته، واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدد إليه نظره، وقوم له وجهه، مقبلًا به عليه»، فهل هذا اهتمامك بدينك؟!
وقفة
[30] ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا﴾ الأمر ليس للرسول ﷺ فقط؛ بل لعباد الله أجمعين.
وقفة
[30] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ خص اللّه إقامة الوجه لأن إقبال الوجه تبع لإقبال القلب، ويترتب على الأمرين سَعْيُ البدن.
وقفة
[30] لا يشعر الإنسان بالطمأنينة حتى يوافق طبيعته وفطرته، وذلك يتحقق بأن يقيم حياته لله حنيفًا ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾.
وقفة
[30] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ أعظم ما يعين على تطبيق الدين والدعوة إليه كونه الموافق للعقول والقلوب.
عمل
[30] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ استفتح صلواتك بهذا الدعاء الثابت: «وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»؛ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ: « وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّى، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِى جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». [مسلم 771].
وقفة
[30] تقرأ القرآن فيحدثك بما يجول فى خاطرك؛ لأن القرآن يعيدك إلى نفسك، يعيدك إلى فطرتك ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ﴾.
عمل
[30] هل تحب أن تكون على الدين القيم؟ أقم وجهك وأمرك كله لله ولدينه ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ... ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾.
لمسة
[30] ﴿فِطْرَتَ اللَّـهِ﴾ جاءت بالنصب، والأصل أن تأتي بالضم، والسبب أنها نصبت بفعلٍ تقديره الزم فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وقفة
[30] ﴿فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ خلق الله قلبك ليحب الله، محاولاتنا لتغيير وظيفته توجعه، وتؤلمه، دعه لما خلق له.
وقفة
[30] ﴿فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ دين الإسلام دين الفطرة السليمة.
وقفة
[30] صلاح القلب بالتقوى واستقامة الفطرة بالتوحيد واستنارتها بنور القرآن ﴿فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ يحول دون المؤمن وفعل ما لا يرضاه الله.
وقفة
[30] عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، قال أَبُو هُرَيْرَةَ: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾ [الروم: 30]. [البخاري 1359].
وقفة
[30] قِيَم الدين ثابتة لا تتغير، وخطابها لا يحتاج إلى تجديد، وبعد الناس عنه وقربهم منه راجع إليهم، فلا يحسب عليه ولا يغير من حقيقته ﴿ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾.
عمل
[30] كن من القِلَّةِ الذين يَعلَمون ﴿وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، ومن القِلَّةِ الذين يشكرون ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ 13)، ومن القِلَّةِ التي تُحِبُّ الحقَّ ﴿وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ (الزخرف 78).

الإعراب :

  • ﴿ فَأَقِمْ:
  • الفاء: استئنافية. أقم: فعل أمر مبني على السكون وحذفت الياء لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.للدين: جار ومجرور متعلق بأقم. حنيفا: حال من المأمور أي من ضمير «أقم» أو من الدين منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى فقوم وجهك للدين مائلا عن العقائد المضللة.
  • ﴿ فِطْرَتَ اللهِ:
  • فطرة: مفعول به لفعل مضمر تقديره: الزموا فطرة الله أو عليكم فطرة الله وانما أضمر على خطاب الجماعة لقوله: منيبين اليه. في الآية الكريمة التالية. أو تكون كلمة «فطرة» منصوبة على المصدر-مفعولا مطلقا على ما في «فطرة» من معنى لأن المعنى: فطر الله الناس فطرة أي خلقهم خلقه. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها:
  • التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة-نعت-لفطرة الله. فطر: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الله و «الناس» مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. عليها: جار ومجرور متعلق بفطر.
  • ﴿ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ:
  • لا: نافية للجنس تعمل عمل «ان» تبديل اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب وخبرها محذوف وجوبا. لخلق: جار ومجرور متعلق بخبر «لا» الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.اللام للبعد والكاف حرف خطاب. الدين: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو.القيم: صفة-نعت-للدين مرفوعة بالضمة والجملة الاسمية «هو الدين القيم» في محل رفع خبر المبتدأ «ذلك» بمعنى: ذلك أو فهذا الدين الفطري الذي يهدي النفوس هو الدين القيم.
  • ﴿ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ:
  • الواو: استدراكية. لكن: حرف مشبه بالفعل.أكثر: اسمها منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الناس: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ لا يَعْلَمُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «لكن» لا: نافية لا عمل لها. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وحذف مفعولها اختصارا لأنه معلوم من سياق القول. أي لا يعلمون ذلك.'

المتشابهات :

التوبة: 36﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ
يوسف: 40﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
الروم: 30﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     وبعد بيانِ أدلَّةِ الوحدانيةِ، ثم ضرب هذا المثل الذي بَيَّنَ بطلان عقائد المشركين؛ أمرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يتمسَّك بالحقِّ، ويثبت عليه، قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ..

التفسير :

[31] وكونوا راجعين إلى الله بالتوبة وإخلاص العمل له، واتقوه بفعل الأوامر واجتناب النواهي، وأقيموا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وشروطها، ولا تكونوا من المشركين مع الله غيره في العبادة.

{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} وهذا تفسير لإقامة الوجه للدين، فإن الإنابة إنابة القلب وانجذاب دواعيه لمراضي اللّه تعالى.

ويلزم من ذلك حمل البدن بمقتضى ما في القلب فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة، ولا يتم ذلك إلا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة فلذلك قال:{ وَاتَّقُوهُ} فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات.

وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو إلى الإنابة والتقوى لقوله تعالى:{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} فهذا إعانتها على التقوى.

ثم قال:{ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} فهذا حثها على الإنابة. وخص من المنهيات أصلها والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك فقال:{ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لكون الشرك مضادا للإنابة التي روحها الإخلاص من كل وجه.

ثم حرضهم- سبحانه- على الاستمرار في اتباع توجيهات هذا الدين القيم فقال:

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ.

قال القرطبي: وفي أصل الإنابة قولان: أحدهما: أنه القطع. ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله- عز وجل- بالطاعة. والثاني: أن أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة، ولفظ مُنِيبِينَ منصوب على الحال والمعنى: أقيموا وجوهكم- أيها الناس- لخالقكم وحده، حالة كونكم راجعين إليه بالتوبة والطاعة، ومقبلين إليه بالاستغفار والعبادة، ومتقين له في كل أحوالكم، ومداومين على إقامة الصلاة في أوقاتها بخشوع واطمئنان.

وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ المبدلين لفطرة الله- تعالى- المتبعين لأهوائهم وشهواتهم.

وقوله : ( منيبين إليه ) قال ابن زيد ، وابن جريج : أي راجعين إليه ، ( واتقوه ) أي : خافوه وراقبوه ، ( وأقيموا الصلاة ) وهي الطاعة العظيمة ، ( ولا تكونوا من المشركين ) أي : بل من الموحدين المخلصين له العبادة ، لا يريدون بها سواه .

قال ابن جرير : [ حدثنا ابن حميد ] ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن يزيد بن أبي مريم قال : مر عمر رضي الله عنه ، بمعاذ بن جبل فقال : ما قوام هذه الأمة ؟ قال معاذ : ثلاث ، وهن [ من ] المنجيات : الإخلاص ، وهي الفطرة ، فطرة الله التي فطر الناس عليها ، والصلاة وهي الملة ، والطاعة وهي العصمة . فقال عمر : صدقت .

حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة : أن عمر ، رضي الله عنه ، قال لمعاذ : ما قوام هذا الأمر ؟ فذكره نحوه .

القول في تأويل قوله تعالى : مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)

يعني تعالى ذكره بقوله: (مُنِيِبِين إلَيْهِ) تائبين راجعين إلى الله مقبلين.

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (مُنِيبينَ إلَيْهِ) قال: المنيب إلى الله: المطيع لله، الذي أناب إلى طاعة الله وأمره، ورجع عن الأمور التي كان عليها قبل ذلك، كان القوم كفارا، فنـزعوا ورجعوا إلى الإسلام.

وتأويل الكلام: فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفا، منيبين إليه، إلى الله، فالمنيبون حال من الكاف التي في وجهك.

فإن قال قائل: وكيف يكون حالا منها، والكاف كناية عن واحد، والمنيبون صفة لجماعة؟ قيل: لأن الأمر من الكاف كناية اسمه من الله في هذا الموضع أمر منه له ولأمته، فكأنه قيل له: فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفا لله، منيبين إليه.

وقوله: (واتَّقُوهُ) يقول جلّ ثناؤه: وخافوا الله وراقبوه، أن تفرّطوا في طاعته، وتركبوا معصيته (وَلا تَكُونَوا مِنَ المُشْرِكِينَ) يقول: ولا تكونوا من أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه، وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه.

التدبر :

وقفة
[31] ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ ما الإنابة؟ قال الماوردي: «وفي أصل الإنابة قولان: أحدهما: أن أصله القطع، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة. الثاني: أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب، إذا رجع مرة بعد أخرى، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة».
عمل
[31] ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ أقم الصلاة مع الجماعة بخشوع وطمأنينة؛ لتحقق الإيمان.
وقفة
[31] ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ اتقوا غضب الله خاصة في حصائد الألسنة، يقول الإمام الشافعي: لِسَانَكَ لا تَذْكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئ ... فَكلُّكَ عَوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ وَعَينكَ إنْ أَبْدَتْ إَلَيكَ مَعَايِبًا ... فَصُنْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْينُ
وقفة
[31] ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ترك الصلاة من أفعال المشركين، قال ابن حجر: «وهذه الآية مما استدل به من یری تکفیر تارك الصلاة، لما يقتضيه مفهومها، وأجيب بأن المراد: أن ترك الصلاة من أفعال المشركين، فورد النهي عن التشبه بهم، لا أن من وافقهم في الترك صار مشركًا، وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة».
وقفة
[31، 32] ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ فإذا اختلفوا في أمور الدين الاختلاف الذي يقتضيه اختلاف الاجتهاد، أو اختلفوا في الآراء والسياسات لاختلاف العوائد؛ فليحذروا أن يجرهم ذلك الاختلاف إلى أن يكونوا شيعًا متعادين متفرقين.
وقفة
[31، 32] ﴿ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم﴾ كل من فرق دينه؛ فيه شبه من المشركين.
عمل
[31، 32] من عادة المشركين الافتراق؛ فاحذر من مشابهتهم ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ مُنِيبِينَ:
  • حال من ضمير الرفع في «الزموا» المقدر مع فِطْرَتَ اللهِ» أي الزموا فطرة الله نائبين راجعين وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. أو على معنى أقيموا وجوهكم للدين تائبين اليه. وقد وحد سبحانه الخطاب أولا في «أقم» ثم جمع في «منيبين» لأن المخاطبة كانت لرسول الله «ص» أولا وخطاب الرسول خطاب لأمته وأصحابه ثم جمع للبيان.
  • ﴿ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ:
  • جار ومجرور متعلق بمنيبين. الواو عاطفة. اتقوه: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ:
  • معطوفة بالواو على «اتقوه» وتعرب إعرابها. الصلاة:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَلا تَكُونُوا:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تكونوا: فعل مضارع ناقص مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «تكون» والألف فارقة.
  • ﴿ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «تكونوا» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     وبعد الأمر بالتمسك بالحقِّ، والثبات عليه؛ أمرَ اللهُ الغافلين عن الفطرة المركوزة في أعماق نفوسهم بالعودة إليه، وإلى طاعته وعبادته، قال تعالى:
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [32] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا ..

التفسير :

[32] ولا تكونوا من المشركين وأهل الأهواء والبدع الذين بدَّلوا دينهم وغيَّروه، فأخذوا بعضه وتركوا بعضه؛ تبعاً لأهوائهم، فصاروا فرقاً وأحزاباً، يتشيعون لرؤسائهم وأحزابهم وآرائهم، يعين بعضهم بعضاً على الباطل، كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون، يحكمون لأنفسهم بأ

ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقال:{ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} مع أن الدين واحد وهو إخلاص العبادة للّه وحده وهؤلاء المشركون فرقوه، منهم من يعبد الأوثان والأصنام. ومنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى.

ولهذا قال:{ وَكَانُوا شِيَعًا} أي:كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل ومنابذة غيرهم ومحاربتهم.

{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ} من العلوم المخالفة لعلوم الرسل{ فَرِحُونَ} به يحكمون لأنفسهم بأنه الحق وأن غيرهم على باطل، وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد.

وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها اللّه وربطها أتم ربط، فما بال ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا، ويتميز بها بعضهم عن بعض؟

فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مقاصده التي كاد بها للمسلمين؟

وهل السعي في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الأصل الباطل، إلا من أفضل الجهاد في سبيل اللّه وأفضل الأعمال المقربة إلى اللّه؟

ولما أمر تعالى بالإنابة إليه -وكان المأمور بها هي الإنابة الاختيارية، التي تكون في حَالَي العسر واليسر والسعة والضيق- ذكر الإنابة الاضطرارية التي لا تكون مع الإنسان إلا عند ضيقه وكربه، فإذا زال عنه الضيق نبذها وراء ظهره وهذه غير نافعة فقال:

وقوله مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً بدل مما قبله.

أى: ولا تكونوا من المشركين، الذين اختلفوا في شأن دينهم اختلافات شتى على حسب أهوائهم، وصاروا شيعا وفرقا وأحزابا متنازعة.

كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أى: كل حزب منهم صار مسرورا بما لديه من دين باطل، وملة فاسدة، وعقيدة زائفة، وهذا الفرح بالباطل سببه جهلهم، وانطماس بصائرهم عن الانقياد للحق.

ثم بين- سبحانه- أحوال الناس في السراء والضراء وعند ما يوسع الله- تعالى- في أرزاقهم، وعند ما يضيق عليهم هذه الأرزاق، فقال- تعالى-:

وقوله : ( من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) أي : لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي : بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض .

وقرأ بعضهم : " فارقوا دينهم " أي : تركوه وراء ظهورهم ، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان ، وسائر أهل الأديان الباطلة ، مما عدا أهل الإسلام ، كما قال تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) [ الأنعام : 159 ] ، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملل باطلة ، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء ، وهذه الأمة أيضا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة ، وهم أهل السنة والجماعة ، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين ، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه ، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل ، عليه السلام عن الفرقة الناجية منهم ، فقال : " ما أنا عليه [ اليوم ] وأصحابي " .

وقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا) يقول: ولا تكونوا من المشركين الذين بدّلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه (وكانوا شِيَعًا) يقول: وكانوا أحزابا فرقا كاليهود والنصارى.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعا) : وهم اليهود والنصارى.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعا) إلى آخر الآية، قال: هؤلاء يهود، فلو وجِّه قوله: (مِنَ الِّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) إلى أنه خبر مستأنف منقطع عن قوله: (وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ)، وأن معناه: (من الذين فرّقوا دِينَهُم وكانُوا شيَعا) أحزابا، (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) كان وجها يحتمله الكلام.

وقوله: (كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ) يقول: كل طائفة وفرقة من هؤلاء الذين فارقوا دينهم الحقّ، فأحدثوا البدع التي أحدثوا(بِمَا لَديْهم فَرِحُونَ) يقول: بما هم به متمسكون من المذهب، فرحون مسرورون، يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم.

التدبر :

وقفة
[32] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ قال ابن كثير: «فرقوا دينهم أي: بدلوه وغيروه، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض».
وقفة
[32] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ الإسلام دين توحد واجتماع، وقد نهى أشد النهي عن التفرق والاختلاف، فلا عصبية فيه لمذهب ولا حزب ولا أرض ولا عرق.
وقفة
[32] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ لا ينبغي أن يكون الخلاف في فروع الدين والمسائل الاجتهادية سببًا للتفرق في الدين، ففي ذلك مشابهة للمشركين.
وقفة
[32] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (شِيَعًا) أي: فرقًا؛ كل واحدة منهم تُشايع من دان بدينها على من خالفهم؛ حتى كفّر بعضهم بعضًا، واستباحوا الدماء والأموال، فعُلم قطعًا أنهم كلهم ليسوا على الحق، (فَرِحُونَ) ظنًا منهم أنهم صادفوا الحق، وفازوا به دون غيرهم.
عمل
[32] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ حذّر من حولك من تفريق جماعة المؤمنين.
وقفة
[32] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ ذمت الآية الافتراق وبينت قبائحه؛ ومنها: أن الافتراق غير الثوابت، فأصبح معيار الفرح ليس إصابة الحق؛ وإنما (بِمَا لَدَيْهِمْ).
وقفة
[32] ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ اقتصروا بالفرح على أفكارهم وآرائهم، ولم يفرحوا بالحق إن كان مع غيرهم.

الإعراب :

  • ﴿ مِنَ الَّذِينَ:
  • من: حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بمن. والجار والمجرور في محل جر لأنه بدل من مجرور على اللفظ‍ أي بدل من «المشركين» الواردة في الآية الكريمة السابقة.
  • ﴿ فَرَّقُوا دِينَهُمْ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب بمعنى اختلفوا في دينهم. فرقوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. دين:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَكانُوا شِيَعاً:
  • الواو عاطفة. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو لجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. شيعا: خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى وكانوا أحزابا أو فرقا كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها.
  • ﴿ كُلُّ حِزْبٍ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. حزب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة أي كل حزب منهم
  • ﴿ بِما لَدَيْهِمْ:
  • الباء حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بخبر المبتدأ. لدى: ظرف مكان متعلق بصلة الموصول المحذوفة بتقدير بما هو كائن لديهم أو بما استقر لديهم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة
  • ﴿ فَرِحُونَ:
  • خبر «كل» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد ويجوز أن تكون «فرحون» صفة لكل. وشبه الجملة بِما لَدَيْهِمْ» في محل رفع خبر المبتدأ كُلُّ حِزْبٍ».'

المتشابهات :

الأنعام: 159﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
الروم: 32﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     ولَمَّا قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ بَيَّنَ هنا صفات هؤلاء المشركين، قال تعالى:
﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف