618485868788899091

الإحصائيات

سورة آل عمران
ترتيب المصحف3ترتيب النزول89
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات27.00
عدد الآيات200عدد الأجزاء1.30
عدد الأحزاب2.60عدد الأرباع10.60
ترتيب الطول3تبدأ في الجزء3
تنتهي في الجزء4عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 2/29آلم: 2/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (84) الى الآية رقم (85) عدد الآيات (2)

لمَّا ذكرَ ميثاقَ الأنبياءِ أن يؤمنُوا بمُحَمَّدٍ ﷺ أمرَ هنا مُحَمَّدًا ﷺ وأمَّتَه أن يؤمنُوا بجميعِ الأنبياءِ المتقدمينَ وبكتبِهم وبالإسلامِ الذي هو دينُ الأنبياءِ قاطبةً.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (86) الى الآية رقم (92) عدد الآيات (7)

بعدَ أن عظَّمَ اللهُ أمرَ الإسلامِ بَيَّنَ هنا وعيدَ من تركَ الإسلامَ، ثُمَّ ذكرَ أنواعَ الكفارِ من حيثُ التوبةِ: 1- من يتوبُ توبةً صحيحةً. 2- من يتوبُ توبةً فاسدةً. 3- من يموتُ على الكفرِ من غيرِ توبةٍ،=

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة آل عمران

إثبات الوحدانية لله تعالى/ الثبات أمام أهل الباطل في ميدان الحجة والبرهان وفي ميدان المعركة والقتال

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هم آل عمران؟:   آل عمران أسرة كريمة اصطفاها الله لما أخلصت له العبادة وتوجهت إليه بالطاعة. هذه الأسرة تتكون من: عمران، وزوجته (امرأة عمران: حَنَّةُ بنت فاقوذا التي نذرت ما في بطنها لله)، وابنتهما: مريم، وابنها: عيسى عليهم السلام. وهذا الاسم (آل عمران) فيه إشارة عظيمة في الرد على النصارى الذين ألّهوا عيسى عليه السلام ، فهو يشير إلى أصل عيسى البشري، فهو من (آل عمران). هذا الاسم (آل عمران) نداء للنصارى للاقتداء بهم في الطاعة، والتشبه بهم في اتباع الدين الحق.
  • • علاقة سورة آل عمران بسورة البقرة، ثم علاقتهما بالفاتحة::   تحدَّثت سورة البقرة عن النصف الأول من حياة أُمَّة بني إسرائيل، وهم اليهود قوم موسى عليه السلام ومَن جاء بعده من الأنبياء، ثم تتحدَّث سورة آل عمران عن النصف الثاني من هذه الأُمَّة، ألا وهم النصارى قوم عيسى عليه السلام ، فتحدَّثت البقرة عن اليهود (المغضوب عليهم)، وتحدَّثت آل عمران عن النصارى (الضالين)، وهما ما حذرت الفاتحة من طريقهما.
  • • جو السورة::   أجمع علماء التفسير والسيرة على أن صدر هذه السورة نزل بسبب قدوم وفد نصارى نجران على النبي ﷺ في المدينة، 60 راكبًا، فيهم 14 رجلًا من أشرافهم، وكانوا قد وفدوا إثر صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات ، وجُبب وأردية، فقال بعض الصحابة: ما رأينا وفدًا مثلهم جمالًا وجلالة. وأقاموا أيامًا يناظرون رسول اللّه ﷺ في شأن عيسى، ورسول اللّه ﷺ يرد عليهم بالبراهين الساطعة، ودعاهم رسول اللّه ﷺ إلى المباهلة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «آل عمران»، وتسمى مع سورة البقرة بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم ::   آل عمران: أي أهل عمران، وعمران: هو والد مريم (أم عيسى عليه السلام)، وليس المراد هنا عمران والد موسى وهارون عليهما السلام، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية ::   تسمى آل عمران لورود قصة هذه الأسرة المباركة فيها، وتسمى مع سورة البقرة بـ (الزَّهراوَين) لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «طيبة»، و«الكنز»، و«الاستغفار»، و«المجادلة».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الطريق إلى الله مأهولة بالسالكين من النبيين والصالحين الذين آثروا الله على كل شيء، وضحوا في سبيله بكل غال ونفيس، وثبتوا على طريق الله، وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان.
  • • علمتني السورة ::   كيف أرد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى بن مريم عليه السلام : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن نهاية القصة هي في يوم: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ، وليس في أيام عابرة مهما كانت مؤلمة.
  • • علمتني السورة ::   أن الله لن يسألنا لماذا لم ننتصر؟ لكنه سيسألنا لماذا لم نجاهد؟ لأن النصر من عنده يؤيد به من يشاء: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ، الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا».ففي حرَّ يوم القيامة الشديد، عندما تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، تأتي سورة البقرة لتظلل على صاحبها.تأمل كيف أنّ سورتي البقرة وآل عمران تحاجان -أي تدافعان- عن صاحبهما.
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة آل عمران من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي فيها قصة أم مريم، فقصتها ليست مذكورة حتى في سورة مريم.
    • تحتوى على آية المباهلة (آية 61).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقتدي بآل عمران في عبادتهم لله.
    • ألا ننسى الدروس التي تعلمناها من غزوةِ أُحدٍ.
    • أن نراقب الله دومًا: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ (5).
    • أن نكثر من سؤال الله الثبات على الهداية والحق: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ (8).
    • ألا نقول: (الديانات السماوية)، بل نقول: (الشرائع السماوية)؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ (19).
    • ألا نتكبر بما لدينا من الملك والغنى؛ فالله يبدل من حال إلى حال: ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ...﴾ (26، 27).
    • أن نبتعد عن موالاة الكفار: ﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ...﴾ (28).
    • أن نحرص على عمل الخير مهما قل؛ من إطعام جائع، أو مساعدة محتاج، أو أي خير؛ فسوف تجده حاضرًا أمام عينيك: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا﴾ (30).
    • أن نبتعد عن السيئات وأماكنها قبل أن نتمنى ذلك ولا نستطيعه: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ (30).
    • أن نجتهد في اتباع السنة: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (31).
    • أن نبيع أغلى ما نملك وكل ما نملك ونشتري قربه وحبه عز وجل، فلقد وهبت امرأة عمران ما في بطنها لربها، فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبت مريم نباتًا حسنًا، وجعلها وابنها آية للعالمين: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ (35).
    • أن نفرح عند رؤية النعم على غيرنا ونتفاءل بها: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ (38). • أن نختار الأسماء ذات المعاني الحسنة لنسم بها أبناءنا وبناتنا؛ وندع الأسماء المستغربة: ﴿أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ﴾ (39).
    • أن نكثر من ذكر الله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾ (41).
    • أن نبحث عن الرفيق الصادق عندما تشتد علينا الأمور: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ﴾ (52).
    • ألا تحملنا الخصومة على سلب حق نعرفه في خصومنا: ﴿هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ﴾ (66).
    • ألا نجعل أيماننا وحلفنا بالله سببًا لبيعنا وربحنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ...﴾ (77).
    • أن ننفق من أفضل ما نملك: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (92).
    • أن نحرص دومًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...﴾ (110).
    • ألا نطلب النصيحة ولا نستشير إلا المؤمنين الصادقين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾ (118).
    • أن نحذر الربا، ونحذِّر من حولنا من هذا الذنب العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾ (130).
    • أن نسارع بـ: الإنفاق في الشدة والرخاء، كظم الغيظ، العفو عند المقدرة، التوبة والاستغفار، التوبة وعدم الإصرار على الذنب ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ ...﴾ (133-136).
    • أن نحقق هذه الآية في حياتنا: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (134). • ألا نشمت بغيرنا: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (140).
    • ألا نأمن على أنفسنا الفتنة والوقوع في المعصية؛ فقد قال تعالى عن الصحابة: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ (152).
    • أن نتشاور مع غيرنا ممن نثق في رأيهم، فقد أمر الله نبيه ﷺ بالشورى مع أن الوحي ينزل ويحسم الأمر: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (159).
    • أن نستجيب لأوامر الله ورسولهr : ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (172).
    • ألا نخاف إلا الله، فليس في الوجود من يستحق الخشية سواه: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ﴾ (175).
    • أن نكثر من الذكر والتفكر: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (190-191).
    • أن نجاهد أنفسنا على: الصبر على فعل الطاعات، والصبر على ما نبتلى به، والمداومة على العبادة، وتقوى الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (200).

تمرين حفظ الصفحة : 61

61

مدارسة الآية : [84] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ ..

التفسير :

[84] قل لهم -أيها الرسول-:صدَّقنا بالله وأطعنا، فلا رب لنا غيره، ولا معبود لنا سواه، وآمنَّا بالوحي الذي أنزله الله علينا، والذي أنزله على إبراهيم خليل الله، وابنيه إسماعيل وإسحاق، وابن ابنه يعقوب بن إسحاق، والذي أنزله على الأسباط -وهم الأنبياء من ولد يع

تقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة

قوله «وَالْأَسْباطِ» جمع سبط وهو الحفيد، والمراد بهم أولاد يعقوب- عليه السلام- وكانوا اثنى عشر ولدا قال- تعالى-: «وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً» .

وسموا بذلك لكونهم حفدة إبراهيم وإسحاق- عليهم السلام-.

والمعنى: «قُلْ» يا محمد لأهل الكتاب الذين جادلوك بالباطل وجحدوا الحق مع علمهم به، قل لهم ولغيرهم «آمَنَّا بِاللَّهِ» أى آمنت أنا وأتباعى بوجود الله ووحدانيته، واستجبنا له في كل ما أمرنا به، أو نهانا عنه.

وآمنا كذلك بما «أُنْزِلَ عَلَيْنا» من قرآن يهدى إلى الرشد، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.

وآمنا أيضا بما أنزله الله- تعالى- من وحى وصحف على «إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ» .

وآمنا- أيضا- بما آتاه الله لموسى وعيسى من التوراة والإنجيل وغيرهما من المعجزات، وبما آتاه لسائر أنبيائه من وحى وآيات تدل على صدقهم.

«لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ» أى لا نفرق بين جماعة الرسل فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل أهل الكتاب، إذ فرقوا بين أنبياء الله وميزوا بينهم وقالوا- كما حكى القرآن عنهم- «نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ» وهم في الحقيقة كافرون بهم جميعا، لأن الكفر بواحد من الأنبياء يؤدى إلى الكفر بهم جميعا، ولذا فنحن معاشر المسلمين نؤمن بجميع الأنبياء بلا تفرقة أو استثناء.

«وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» أى خاضعون له وحده بالطاعة والعبودية. مستجيبون له في كل ما أمرنا به وما نهانا عنه.

فالآية الكريمة تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخبر عن نفسه وعمن معه بأنهم آمنوا بالله وبكتبه وبرسله جميعا بدون تفرقة بينهم، لأنها شرائع الله- تعالى- التي أنزلها على أنبيائه، كلها مرتبط بعضها ببعض، وكلها تتفق على كلمة واحدة هي إفراد الله- تعالى- بالعبودية والطاعة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم عدى أنزلها على أنبيائه، كلها مرتبط بعضها ببعض، وكلها تتفق على كلمة واحدة هي إفراد الله- تعالى- بالعبودية والطاعة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم عدى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء «أُنْزِلَ عَلَيْنا» ، وفيما تقدم من مثلها- في سورة البقرة- بحرف الانتهاء؟ «أُنْزِلَ إِلَيْنا» قلت: لوجود المعنيين جميعا، لأن الوحى ينزل من فوق وينتهى إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر.

ومن قال إنما قيل هنا «عَلَيْنا» لقوله «قُلْ» وقيل هناك «إِلَيْنا» لقوله «قُولُوا» تفرقة بين الرسل والمؤمنين، لأن الرسول يأتيه الوحى على طريق الاستعلاء، ويأتيهم على وجه الانتهاء، من قال ذلك تعسف. ألا ترى إلى قوله «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» وإلى قوله «آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا» .

وخص هؤلاء الأنبياء الذين ذكرتهم الآية بالذكر، لأن أهل الكتاب يزعمون أنهم يؤمنون بهم ويتبعونهم، فأراد القرآن أن يبين لهم أن زعمهم باطل، لأنهم لن يكونوا مؤمنين بهم إلا إذا آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم.

وقوله- تعالى- «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ» بيان لثمرة الإيمان الحق الذي رسخ في قلوب المؤمنين وعلى رأسهم هاديهم ومرشدهم محمد صلّى الله عليه وسلّم، لأن هذا الإيمان الحق جعلهم يصدقون بأن رسل الله جميعا قد أرسلهم- سبحانه- بالدعوة إلى توحيده وإخلاص العبادة له، وإذا وجد تفاضل أو اختلاف فهذا التفاضل والاختلاف يكون في أمور أخرى سوى الإيمان بالله وإفراده بالعبودية، سوى ما اتفقت عليه الشرائع جميعها من الدعوة إلى الحق وإلى مكارم الأخلاق. وقد جاءت رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتمة للرسالات، وجامعة لكل ما فيها من محاسن فوجب الإيمان بها، وإلا كان الكفر به كفرا بجميع الرسالات السابقة عليها.

وقوله «وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» يفيد الحصر، نحن له وحده أسلمنا وجوهنا، وأخلصنا عبادتنا. لا لغيره كائنا من كان هذا الغير.

وهذا يدل على أنهم بلغوا أعلى مراتب الإخلاص والطاعة لله رب العالمين.

ثم قال تعالى : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا ) يعني : القرآن ( وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ) أي : من الصحف والوحي : ( والأسباط ) وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل - هو يعقوب - الاثني عشر . ( وما أوتي موسى وعيسى ) يعني : بذلك التوراة والإنجيل ( والنبيون من ربهم ) وهذا يعم جميع الأنبياء جملة ( لا نفرق بين أحد منهم ) يعني : بل نؤمن بجميعهم ( ونحن له مسلمون ) فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل ، وبكل كتاب أنزل ، لا يكفرون بشيء من ذلك بل هم مصدقون بما أنزل من عند الله ، وبكل نبي بعثه الله .

القول في تأويل قوله : قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " أفغير دين الله تبغون "، يا معشر اليهود،" وله أسلم مَنْ في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه ترجعون " = فإن ابتغوا غيرَ دين الله، يا محمد، فقل لهم: "آمَنَّا بِاللَّهِ"، فترك ذكر قوله: " فإن قالوا: نعم "، أو ذكر قوله: (1) " فإن ابتغوا غير دين الله "، لدلالة ما ظهر من الكلام عليه.

وقوله: " قل آمنا بالله "، يعني به: قل لهم، يا محمد، : صدقنا بالله أنه ربنا وإلهنا، لا إله غيره، ولا نعبد أحدًا سواه =" وما أنزل علينا "، يقول: وقل: وصدَّقنا أيضًا بما أنـزل علينا من وَحيه وتنـزيله، فأقررنا به =" وما أنزل على إبراهيم "، يقول: وصدقنا أيضًا بما أنـزل على إبراهيم خليل الله، وعلى ابنيه إسماعيل وإسحاق، وابن ابنه يعقوب = وبما أنـزل على " الأسباط"، وهم ولد يعقوب الاثنا عشر، وقد بينا أسماءَهم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) =" وما أوتي موسى وعيسى "، يقول: وصدّقنا أيضًا مع ذلك بالذي أنـزل الله على موسى وعيسى من الكتب والوَحْي، وبما أنـزل على النبيين من عنده.

والذي آتى الله موسى وعيسى = مما أمرَ الله عز وجل محمدًا بتصديقهما فيه، والإيمان به = التوراة التي آتاها موسى، والإنجيل الذي أتاه عيسى.

=" لا نفرق بين أحد منهم "، يقول: لا نصدّق بعضهم ونكذّب بعضَهم، &; 6-570 &; ولا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم، كما كفرت اليهود والنصارى ببعض أنبياء الله وصدّقت بعضًا، ولكنا نؤمن بجميعهم، ونصدّقهم =" ونحن له مسلمون ". يعني: ونحن ندين لله بالإسلام لا ندين غيره، بل نتبرأ إليه من كل دين سواه، ومن كل ملة غيره.

ويعني بقوله: " ونحن له مسلمون ". ونحن له منقادون بالطاعة، متذللون بالعبودة، (3) مقرّون لهُ بالألوهة والربوبية، وأنه لا إله غيره. وقد ذكرنا الروايةَ بمعنى ما قلنا في ذلك فيما مضى، وكرهنا إعادته. (4)

--------------------

الهوامش :

(1) في المطبوعة: "وذكر قوله" ، جعل الواو مكان "أو" ، والصواب ما في المخطوطة.

(2) انظر ما سلف 2: 120 ، 121 / 3: 111-113.

(3) في المطبوعة: "بالعبودية" كما فعل في سابقتها ، وأثبت ما في المخطوطة ، وانظر ما سلف قريبًا ص: 565 ، تعليق: 2.

(4) يعني ما سلف 3: 109-111 ، وهي نظيرة هذه الآية ، وانظر فهارس اللغة"سلم".

التدبر :

وقفة
[84] خاصية انفرد بها المسلمون عن كل من ادعى له دينًا، وهي أننا نؤمن بجميع الرسل، أما اليهود والنصارى فيؤمنون برسلهم، ويكفرون بغيرهم، فيفرقون بين الرسل، ويفرقون كذلك بين الرسل والكتب، فيؤمنون بكتابهم ويكفرون بغيره من الكتب التي أنزلها الله، مع أن رسولهم الذي زعموا أنهم آمنوا به، قد صدق سائر الرسل، وخاصة محمد ﷺ، فإذا كذبوا محمدًا، فقد كذبوا رسولهم.
لمسة
[84] ﴿وَمَا أُنزِلَ ... وَمَا أُوتِيَ ...﴾ ما الفرق بين (أنزل) و(أوتي)؟ الآية فيها (إنزال) و(إيتاء)، (الإنزال) يأتي من السماء، ويستعمل للكتب، أما (الإيتاء) فهو يستعمل للكتب وغيرها مثل المعجزات.
وقفة
[84] ﴿وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ يجب الإيمان بجميع الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى، وجميع ما أنزل عليهم من الكتب، دون تفريق بينهم.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ :
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. آمنّا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلمين و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بالله: الباء: حرف جر لفظ الجلالة اسم مجرور للتعظيم بالباء وعلامة الجر الكسرة والجار والمجرور متعلق بآمنّا وجملة «آمَنَّا بِاللَّهِ وما بعدها» في محل نصب مفعول به «مقول القول» أي قل لهم يا محمد أن يقولوا.
  • ﴿ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا:
  • الواو: عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون بمعني «الذي» في محل جر معطوف على لفظ الجلالة. أنزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. علينا: جار ومجرور متعلق بأنزل. وجملة «أُنْزِلَ عَلَيْنا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ:
  • الجملة معطوفة بواو العطف على لفظ الجلالة وعلامة جر الاسم «إِبْراهِيمَ» الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. وما أنزل: سبق إعرابها.
  • ﴿ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ:
  • أسماء معطوفة بواوات العطف على «إِبْراهِيمَ» وتعرب إعرابه. وعلامة جر «الْأَسْباطِ» الكسرة لأنه اسم منصرف والجار والمجرور «عَلى إِبْراهِيمَ» متعلق بأنزل.
  • ﴿ وَما أُوتِيَ مُوسى:
  • وما أوتي: تعرب إعراب «وَما أُنْزِلَ». موسى: نائب فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر و «ما» معطوفة على لفظ الجلالة. والجملة صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ:
  • الواو: عاطفة. عيسى: معطوف على «مُوسى» ويعرب إعرابه. والنبيون: معطوف بحرف العطف الواو على «مُوسى» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بأوتي وعلامة جر الاسم: الكسرة. و«هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لا نُفَرِّقُ:
  • لا: نافية لا محل لها. نفرق: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن وجملة «لا نُفَرِّقُ» في محل نصب حال.
  • ﴿ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ:
  • ظرف مكان متعلق بنفرق منصوب بالفتحة وهو مضاف. أحد: مضاف اليه مجرور بالكسرة. من: حرف جر بياني. و «هم» ضمير الغائبين في محل جرّ بمن. والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «أَحَدٍ».
  • ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ:
  • الواو: استئنافية. نحن: ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. له: جار ومجرور متعلق بخبر «نَحْنُ». مسلمون: خبر «نَحْنُ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 285﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ
البقرة: 136﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
آل عمران: 84﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
النساء: 152﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [84] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ ميثاقَ الأنبياءِ أن يؤمنُوا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ أمرَ اللهُ عز وجل هنا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وأمَّتَه أن يؤمنُوا بجميعِ الأنبياءِ المتقدمينَ، وبكتبِهم، وبالإسلامِ الذي هو دينُ الأنبياءِ قاطبةً، قال تعالى:
﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [85] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا ..

التفسير :

[85] ومن يطلب ديناً غير دين الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والعبودية، ولرسوله النبي الخاتم محمد -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان به وبمتابعته ومحبته ظاهراً وباطناً، فلن يُقبل منه ذلك، وهو في الآخرة من الخاسرين الذين بخسوا أنفسهم

أي:من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا وانقيادا لرسله فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل دين سواه فباطل، ثم قال تعالى:

ثم بين- سبحانه- أن كل من يطلب دينا سوى دين الإسلام فهو خاسر فقال- تعالى-:

«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» .

أى: ومن يطلب دينا سوى دين الإسلام الذي أتى به محمد- عليه الصلاة والسلام- فلن يقبل منه هذا الدين المخالف لدين الإسلام، لأن دين الإسلام الذي جاء به محمد، هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده قال- تعالى- «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» ولأنه هو الدين الذي ختم الله به الديانات، وجمع فيه محاسنها.

أما عاقبة هذا الطالب لدين سوى دين الإسلام فقد بينها- سبحانه- بقوله: «وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ» .

أى وهو في الآخرة من الذين خسروا أنفسهم بحرمانهم من ثواب الله، واستحقاقهم لعقابه جزاء ما قدمت أيديهم من كفر وضلال.

وفي الحديث الشريف «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» أى مردود عليه، وغير مقبول منه.

وفي الأخبار بالخسران عن الذي يبتغى أى يطلب دينا سوى الإسلام، إشعار بأن من يتبع دينا سوى دين الإسلام يكون أشد خسرانا، وأسوأ حالا، لأن الطلب أقل شرا من الاتباع الفعلى.

وبعد أن عظم- سبحانه- شأن الإسلام، وبين أنه هو الدين المقبول عنده، أتبع ذلك ببيان أن سنته جرت في خلقه بأن يزيد الذين اهتدوا هدى، أما الجاحدون للحق عن علم، والمتبعون لأهوائهم وشهواتهم فهم بعيدون عن هداية الله، ولن يقبلهم- سبحانه- إلا إذا تابوا عن ضلالهم، وأصلحوا ما فسد منهم، استمع إلى القرآن وهو يصور هذا المعنى بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول:

ثم قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) أي : من سلك طريقا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه ( وهو في الآخرة من الخاسرين ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عباد بن راشد ، حدثنا الحسن ، حدثنا أبو هريرة ، إذ ذاك ونحن بالمدينة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجيء الأعمال يوم القيامة ، فتجيء الصلاة فتقول : يا رب ، أنا الصلاة . فيقول : إنك على خير . فتجيء الصدقة فتقول : يا رب ، أنا الصدقة . فيقول : إنك على خير . ثم يجيء الصيام فيقول : أي يا رب ، أنا الصيام . فيقول : إنك على خير . ثم تجيء الأعمال ، كل ذلك يقول الله تعالى : إنك على خير ، ثم يجيء الإسلام فيقول : يا رب ، أنت السلام وأنا الإسلام . فيقول الله [ تعالى ] : إنك على خير ، بك اليوم آخذ وبك أعطي ، قال الله في كتابه : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .

تفرد به أحمد . قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد : عباد بن راشد ثقة ، ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة .

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يطلب دينا غيرَ دين الإسلام ليدين به، فلن يقبل الله منه (5) =" وهو في الآخرة من الخاسرين "، يقول: من الباخسين أنفسَهم حظوظَها من رحمة الله عز وجل. (6)

* * *

وذُكر أنّ أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم المسلمون، لما نـزلت هذه الآية، فأمرهم الله بالحج إن كانوا صادقين، لأن من سُنة الإسلام الحج، فامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم.

ذكر الخبر بذلك:

7356 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح قال، زعم عكرمة: " ومن يبتغ غير الإسلام دينًا "، فقالت الملل: نحن المسلمون! فأنـزل الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران: 97]، فحجَّ المسلمون، وقعدَ الكفار.

7357 - حدثني المثنى قال، حدثنا القعنبي قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: " ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه "، قالت اليهود: فنحن المسلمون! فأنـزلَ الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يحُجُّهم أنْ: ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ). (7)

7358 - حدثني يونس قال، أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: لما نـزلت: " ومن يبتغ غير الإسلام دينًا " إلى آخر الآية، قالت اليهود: فنحن مسلمون! قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم إنْ: ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ ) من أهل الملل فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ .

* * *

وقال آخرون: في هذه الآية بما:-

7359 - حدثنا به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني &; 6-572 &; معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ إلى قوله: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة: 62]، فأنـزل الله عز وجل بعد هذا: " ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه ".

--------------------

الهوامش :

(5) انظر معنى"يبتغي" فيما سلف ص: 564 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(6) انظر تفسير"الخاسرين" فيما سلف 1: 417 / 2: 166 ، 572.

(7) الأثر: 7357-"القعنبي" ، هو: "عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي الحارثي" ، روى عنه الأئمة. قال ابن سعد: "كان عابدًا فاضلا ، قرأ عن مالك كتبه". وقال العجلي: "قرأ عليه مالك نصف الموطأ ، وقرأ هو على مالك النصف الباقي" ، وسئل ابن المديني عنه فقال: "لا أقدم من رواة الموطأ أحدًا على القعنبي".

التدبر :

وقفة
[85] الآية إبطال لجميع الأديان غير الإسلام.
وقفة
[85] ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ قال ابن عباس: «نزلت في يهود بني قريظة والنضير ومن دان بدينهم، كفروا بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد أن كانوا مؤمنين قبل مبعثه، وكانوا يشهدون له بالنبوة، فلما بعث وجاءهم بالبينات والمعجزات كفروا بغيًا وحسدًا».
وقفة
[85] ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ هذا تأييس لأهل الكتاب من النجاة في الآخرة، ورد لقولهم: نحن على ملة إبراهيم؛ لذا فنحن ناجون على كل حال.
وقفة
[85] قاعدة صريحة لا تقبل التأويل، ولا التحريف: الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من العبد ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وقفة
[85] اليهودية والنصرانية ليست أديان سماوية كما يقول الكثير ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
عمل
[85] ادع أحد الكفار إلى الإسلام مستخدمًا وسائل التواصل الحديثة، أو غيرها من الأساليب ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
عمل
[85] أرسل رسالة ترد فيها على أهل وحدة الأديان وحرية التدين من خلال قول الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
تفاعل
[85] ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ استعذ بالله أن تكون من الخاسرين.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ:
  • الواو: استئنافية من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يبتغ: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف آخره حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. الاسلام: مضاف اليه مجرور بالكسرة. دينا: تمييز منصوب بالفتحة ويجوز أن يكون مفعول «يبتغي» فيكون «غَيْرَ» حالا من «دِيناً» بعد أن قدمت عليه.
  • ﴿ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. لن: حرف نصب ونفي واستقبال. يقبل: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة وهو مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. منه: جار ومجرور متعلق بيقبل. وجملة «فَلَنْ يُقْبَلَ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء لاداة نافية في محل جزم. وجملة «يَبْتَغِ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ:
  • الواو: استئنافية. هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. في الآخرة: جار ومجرور متعلق بالخاسرين وخبر المبتدأ متعلق بمن الخاسرين أي الخاسر من الخاسرين.
  • ﴿ مِنَ الْخاسِرِينَ:
  • جار ومجرور وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 85﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
المائدة: 5﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [85] لما قبلها :     وبعد بيان أن الدين الذي ارتضاه الله للخلق هو الإسلام؛ جاء هنا التأكيد على أن من طلب دينًا غيره فلن يقبل منه، وعاقبته الخسران، قال تعالى:
﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [86] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ ..

التفسير :

[86] كيف يوفق الله للإيمان به وبرسوله قوماً جحدوا نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد إيمانهم به، وشهدوا أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- حق وما جاء به هو الحق، وجاءهم الحجج من عند الله والدلائل بصحة ذلك؟ والله لا يوفق للحق والصواب الذين عدلوا عن الحق إلى ال

هذا من باب الاستبعاد، أي:من الأمر البعيد أن يهدي الله قوما اختاروا الكفر والضلال بعدما آمنوا وشهدوا أن الرسول حق بما جاءهم به من الآيات البينات والبراهين القاطعات{ والله لا يهدي القوم الظالمين} فهؤلاء ظلموا وتركوا الحق بعدما عرفوه، واتبعوا الباطل مع علمهم ببطلانه ظلما وبغيا واتباعا لأهوائهم، فهؤلاء لا يوفقون للهداية، لأن الذي يرجى أن يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية.

روى المفسرون روايات في سبب نزول هذه الآيات الكريمة منها ما أخرجه النسائي عن ابن عباس قال. إن رجلا من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا. هل له من توبة؟

فنزلت هذه الآيات، فأرسل إليه قومه فأسلم.

وعن مجاهد قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله هذه الآيات. قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه. فقال الحارث:

إنك والله- ما عملت- لصدوق، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصدق منك، وإن الله- عز وجل- لأصدق الثلاثة، قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه وعن الحسن البصري أنه قال:

إنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم في كتابهم وأقروا به، وشهدوا أنه حق، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب حين بعث من غيرهم .

هذه بعض الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآيات، ويبدو لنا أن أقربها إلى سياق الآيات هي الرواية التي جاءت عن الحسن البصري بأن المقصود بالآيات أهل الكتاب، وذلك لأن الحديث معهم من أول السورة ولأن القرآن قد ذكر في غير موضع أن أهل الكتاب كانوا يعرفون صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم كما يعرفون أبناءهم، وأنهم كانوا يستفتحون به عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ.

ومع هذا فليس هناك ما يمنع من أن يكون حكم هذه الآيات شاملا لكل من ذكرتهم الروايات ولكل من يشابههم، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

قال ابن جرير- بعد أن ساق هذه الروايات- ما ملخصه: وأشبه هذه الأقوال بظاهر التنزيل ما قاله الحسن: من أن هذه الآيات معنى بها أهل الكتاب على ما قال، وجائز أن يكون الله- تعالى- أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا ارتدوا عن الإسلام، فجمع قصتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآيات، ثم عرف عباده سنته فيهم فيكون داخلا في ذلك كل من كان مؤمنا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعث ثم كفر به بعد أن بعث، وكل من كان كافرا ثم أسلم على عهده صلّى الله عليه وسلّم ثم ارتد وهو حي عن إسلامه، فيكون معنيا بالآيات جميع هذين الصنفين وغيرهما ممن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء الله «2» .

والاستفهام في قوله- تعالى- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ للنفي ولاستبعاد هدايتهم إلى الصراط المستقيم وهم على هذا الحال من الارتكاس في الكفر والضلال، مع علمهم بالحق، وإيمانهم به لفترة من الوقت.

والمعنى: أن الله- تعالى- جرت سنته في خلقه ألا يهدى إلى الصراط المستقيم، قوما كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ أى ارتدوا إلى الكفر بعد أن آمنوا، وبعد أن شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم «حق» وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه، وبعد أن جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ أى البراهين والحجج الناطقة بحقيقة ما يدعيه، من قرآن كريم عجز البشر عن الإتيان بسورة من مثله، ومن معجزات باهرة دالة على صدقه صلّى الله عليه وسلّم.

فأنت ترى أن حالهم التي أوجبت هذا النفي والاستبعاد تتمثل في أنهم كانوا مؤمنين، وكانوا يشهدون بأن الرسول حق، وجاءتهم البينات اليقينية الملزمة التي تؤيد إيمانهم وشهادتهم، ومع كل ذلك استحبوا العمى على الهدى، واختاروا الكفر على الإيمان، واستولى عليهم التعصب بالباطل فأرداهم وحرمهم من هداية الله حتى يغيروا ما بأنفسهم ويتوبوا عن غيهم، ويصلحوا ما أفسدوه، ويخلصوا وينيبوا إلى خالقهم وبارئهم.

قال صاحب الكشاف: «قوله كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً أى كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف، لما علم الله من تصميمهم على كفرهم، ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد إيمانهم، وبعد ما شهدوا بأن الرسول حق وبعد ما جاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوة- وهم اليهود- كفروا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد أن كانوا مؤمنين به، وذلك حين عاينوا ما يوجب قوة إيمانهم من البينات.

فإن قلت: علام عطف قوله وَشَهِدُوا؟ قلت: فيه وجهان: أن يعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل، لأن معناه بعد أن آمنوا. ويجوز أن تكون الواو للحال بإضمار «قد» . بمعنى كفروا وقد شهدوا أن الرسول حق» .

وقوله- تعالى- وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ جملة حالية أو معترضة.

والمعنى: أنه- سبحانه- قد مضت سنته في خلقه أنه لا يهدى إلى الحق أولئك الذين آثروا الكفر على الإيمان، عن تعمد وإصرار، ووضعوا الشيء في غير موضعه مع علمهم بسوء صنيعهم.

وفي تذييل الآية الكريمة بهذه الجملة مع إطلاق لفظ الظلم، إشعار بأنهم قد ظلموا أنفسهم.

بإيقاعها في مهاوي الردى والعذاب وظلموا الرسول الذي شهدوا له بأن ما جاء به هو الحق ثم كفروا به، وظلموا الحقائق والبراهين التي نطقت بأحقية الإيمان وببطلان الكفر ثم تركوا هذه الحقائق والبراهين وانقادوا لأهوائهم وشهواتهم ومطامعهم.

وإن الظلم متى سيطر على النفوس أفقدها رشدها وإدراكها للأمور إدراكا سليما، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول: «اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة» .

قال ابن جرير : حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع البصري ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ، ثم ندم ، فأرسل إلى قومه : أن سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لي من توبة ؟ قال : فنزلت : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ) إلى قوله : ( [ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ] فإن الله غفور رحيم ) .

وهكذا رواه النسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، من طريق داود بن أبي هند ، به . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا جعفر بن سليمان ، حدثنا حميد الأعرج ، عن مجاهد قال : جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ) إلى قوله : ( [ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله ] غفور رحيم ) قال : فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه . فقال الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك ، وإن الله لأصدق الثلاثة . قال : فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه .

فقوله تعالى : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات ) أي : قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ، ووضح لهم الأمر ، ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك ، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية ، ولهذا قال : ( والله لا يهدي القوم الظالمين )

القول في تأويل قوله : كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)

اختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية، وفيمن نـزلت.

فقال بعضهم: نـزلت في الحارث بن سويد الأنصاري، وكان مسلمًا فارتدّ بعد إسلامه.

ذكر من قال ذلك:

7360 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع البصري قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي من توبة؟ قال: فنـزلت: " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم " إلى قوله: " وجاءَهم البيناتُ والله لا يهدي القوم الظالمين ... إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "، فأرسل إليه قومه فأسلم.

7361 - حدثني ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة بنحوه، ولم يرفعه إلى ابن عباس = إلا أنه قال: فكتب إليه قومه، فقال: ما كذَبني قومي! فرجع.

7362 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حكيم بن جُميع، عن علي بن مُسْهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ارتد رجل من الأنصار، فذكر نحوه. (8)

7363 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان قال، أخبرنا حميد الأعرج، عن مجاهد قال: جاء الحارث بن سُوَيد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنـزل الله عز وجل فيه القرآن: " كيف يَهدي الله قومًا كفروا بعدَ إيمانهم " إلى " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ"، قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك والله ما علمتُ لصَدُوقٌ، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدقُ منك، وإنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة. قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه.

7364 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدُوا أنّ الرسول حق "، قال: أنـزلت في الحارث بن سُوَيد الأنصاري، كفر بعد إيمانه، فأنـزل الله عز وجل فيه هذه الآيات، إلى: " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "، &; 6-574 &; ثم تاب وأسلم، فنسخها الله عنه، فقال: " إلا الذين تابوا من بعد ذلك، وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ".

7365 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءَهم البينات "، قال: رجلٌ من بني عمرو بن عوف، كفر بعد إيمانه.

7366 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

7367 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: هو رجل من بني عمرو بن عوف، كفر بعد إيمانه = قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: لحق بأرض الرّوم فتنصَّر، ثم كتب إلى قومه: " أرسلوا، هل لي من توبة؟" قال: فحسبتُ أنه آمن، ثم رَجع = قال ابن جريج، قال عكرمة، نـزلت في أبي عامر الرّاهب، والحارث بن سويد بن الصامت، ووَحْوَح بن الأسلت = في اثني عشر رجلا رَجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش، ثم كتبوا إلى أهلهم: هل لنا من توبة؟ فنـزلت: " إلا الذين تابوا من بعد ذلك "، الآيات.

* * *

وقال آخرون: عنى بهذه الآية أهل الكتاب، وفيهم نـزلت.

ذكر من قال ذلك:

7368 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " كيف يهدي الله قومًا كفرُوا بعد إيمانهم "، فهم أهلُ الكتاب، عرَفوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ثم كفروا به.

7369 - حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد بن منصور، عن الحسن في قوله: " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم " الآية كلها، قال: اليهود والنصارى.

7370 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول في قوله: " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم " الآية، هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعتَ محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم وأقرّوا به، وشهدوا أنه حقٌّ، فلما بُعث من غيرهم حَسدوا العربَ على ذلك فأنكروه، وكفروا بعد إقرارهم، حسدًا للعرب، حين بُعثَ من غيرهم.

7371 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم "، قال: هم أهل الكتاب، كانوا يجدون محمدًا صلى الله عليه وسلم في كتابهم، ويستفتحون به، فكفروا بعد إيمانهم.

* * *

قال أبو جعفر: وأشبه القولين بظاهر التنـزيل ما قال الحسن: منْ أنّ هذه الآية معنيٌّ بها أهل الكتاب على ما قال، غيرَ أنّ الأخبار بالقول الآخر أكثر، والقائلين به أعلم، بتأويل القرآن. (9) وجائز أن يكون الله عز وجل أنـزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذُكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصّتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات. ثم عرّف عباده سُنته فيهم، فيكون داخلا في ذلك كلّ من كان مؤمنًا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أنُ يبعث، ثم كفر به بعد أن بُعث، وكلّ من كان كافرًا ثم أسلم على عهده صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد وهو حيٌّ عن &; 6-576 &; إسلامه. فيكون معنيًّا بالآية جميعُ هذين الصنفين وغيرُهما ممن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء الله.

* * *

فتأويل الآية إذًا: " كيف يَهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم "، يعني: كيف يُرشد الله للصواب ويوفّق للإيمان، قومًا جحدُوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم =" بعد إيمانهم "، أي: بعد تصديقهم إياه، وإقرارهم بما جاءَهم به من عند ربه =" وَشهدوا أن الرسول حقّ"، يقول: وبعد أن أقرّوا أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلقه حقًّا =" وجاءهم البينات "، يعني: وجاءهم الحجج من عند الله والدلائلُ بصحة ذلك؟ =" والله لا يهدي القوم الظالمين "، يقول: والله لا يوفّق للحق والصّواب الجماعة الظَّلمة، وهم الذين بدّلوا الحق إلى الباطل، فاختارُوا الكفر على الإيمان.

* * *

وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى " الظلم "، وأنه وضعُ الشيء في غير موضعه، بما أغنى عن إعادته. (10)

_________________________

الهوامش :

(8) الأثر: 7362-"حكيم بن جميع الكوفي" ، مترجم في الكبير 2 / 1 / 18 ، والجرح 1 / 2 / 202.

(9) هذا حكم جيد فاصل في هذه الآية ، وفي غيرها مما اختلف في معانيه المختلفون.

(10) انظر ما سلف 1: 523 ، 524 / ثم باقي المواضع في فهرس اللغة"ظلم" ، وانظر أيضًا فهارس اللغة في سائر ألفاظ الآية.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[86] من عرف الحق ثم تركه، وعرف الباطل فآثره، عاقبه الله بالانتكاس وانقلاب القلب وحرمان الهداية، جزاء وفاقًا.
لمسة
[86] ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّـهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ يجيء البيان بالاستفهام وليس بالخبر؛ لغرضٍ أراده الله تعالى لا يتأتى إلا بهذا، وهو استبعاد الهداية عنهم لأنهم كفروا وكذبوا بعدما شهدوا الحق.
وقفة
[86] ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّـهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ فهؤلاء لا يوفقون للهداية؛ لأن الذي يرجى أن يهتدي هو الذي لم يعرف الحق، وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية، ويصونه من أسباب الغواية.
وقفة
[86] مَنْ أصرَّ على الضلال، واستمر عليه، فقد يعاقبه الله بعدم توفيقه إلى التوبة والهداية ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
تفاعل
[86] ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ استعذ بالله أن تكون من الظالمين.
وقفة
[86] الضلال والخيبة وعدم الهداية مصير كل ظالم ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ [نوح: 24]، ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: 111].

الإعراب :

  • ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ:
  • كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ قَوْماً كَفَرُوا:
  • قوما: مفعول به منصوب بالفتحة. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «كَفَرُوا» في محل نصب صفة- نعت- للموصوف- المنعوت- قوما شهدوا بأن .....
  • ﴿ بَعْدَ إِيمانِهِمْ:
  • ظرف زمان متعلق بكفروا منصوب على الظرفية وهو مضاف. إيمان: مضاف إليه مجرور بالكسرة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ:
  • الواو: عاطفة. شهدوا: تعرب إعراب «كَفَرُوا» وهي معطوفة على ما في ايمانهم من معنى الفعل وهو آمنوا «أَنَّ» حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الرسول: اسم «أَنَّ» منصوب بالفتحة حق: خبرها مرفوع بالضمة. و «أَنَّ» وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض. التقدير: شهدوا بأن ....
  • ﴿ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ:
  • الواو: عاطفة. جاء: فعل ماض مبني على الفتح وقد ذكّر لأنه فصل عن فاعله بفاصل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. البينات: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: نافية لا محل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. والجملة الفعلية «لا يَهْدِي» في محل رفع خبر المبتدأ
  • ﴿ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
  • القوم: مفعول به منصوب بالفتحة الظالمين: صفة- نعت- للقوم منصوبة بالياء لانها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 213﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
البقرة: 253﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ اخْتَلَفُوا
النساء: 153﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ
آل عمران: 86﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّـهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ
آل عمران: 105﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج النَّسَائِي وأحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: سلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن فلانًا قد ندم، دانه قد أمرنا أن نسألك: هل له من توبة؟ فنزلتكَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) إلى (غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأرسل إليه فأسلم.* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات، وقد ذكر المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال الطبرياختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية، وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري وكان مسلماً فارتد بعد إسلامه ثم ساق الحديث الذي معنا، وذكر قولاً آخر في نزولها، إلا أن الأخبار بالقول الأول أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن) اهـ بتصرف.وقال البغوي عن الآيةفحملها إليه رجل من قومه، وقرأها عليه فقال الحارث: إنك والله فيما علمت لصدوق، وإن رسول الله - جمعّ - لأصدق منك، وإن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه) اهـ.* النتيجة:أن الحديث المذكور سبب نزول الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به، وموافقته لسياق الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [86] لما قبلها :     وبعدَ أن عظَّمَ اللهُ عز وجل أمرَ الإسلامِ؛ بَيَّنَ هنا وعيدَ من تركَ الإسلامَ، قال تعالى:
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [87] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ..

التفسير :

[87] أولئك الظالمون جزاؤهم أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناسِ أجمعين، فهم مطرودون من رحمة الله.

ثم أخبر عن عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والأخروية، فقال{ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي:لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا لحظة، لا بإزالته أو إزالة بعض شدته،{ ولا هم ينظرون} أي:يمهلون، لأن زمن الإمهال قد مضى، وقد أعذر الله منهم وعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، فلو كان فيهم خير لوجد، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.

ثم بين- سبحانه- عاقبة هؤلاء الظالمين فقال: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

قال الراغب: اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله- تعالى- في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره» .

والمعنى: أولئك المتصفون بتلك الصفات القبيحة جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ أى جزاؤهم أن عليهم غضب الله وسخطه بسبب استحبابهم الكفر على الإيمان وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ أى وعليهم كذلك سخط الملائكة والناس أجمعين وغضبهم، ودعاؤهم عليهم باللعنة والطرد من رحمة الله.

وقوله أُولئِكَ مبتدأ. وقوله جَزاؤُهُمْ مبتدأ ثان، وقوله أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ إلخ..

خبر المبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر المبتدأ الأول.

والآية الكريمة قد بينت أن اللعنة على هؤلاء القوم، صادرة من الله وهي أشد ألوان اللعن، وصادرة من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وصادرة من الناس أجمعين، أى أن الفطر الإنسانية تلعنهم لنبذهم الحق بعد أن عرفوه وشهدوا به، وقامت بين أيديهم الأدلة على أنه حق.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: فإن قيل: لم عم جميع الناس مع أن من وافقهم في كفرهم لا يلعنهم؟ قلنا فيه وجوه: منها أنهم في الآخرة يلعن بعضهم بعضا كما قال- تعالى- كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها. فعلى هذا التقدير يكون اللعن قد حصل للكفار من الكفار. ومنها كأن الناس هم المؤمنون، والكفار ليسوا من الناس، ثم لما ذكر لعن الثلاث قال أَجْمَعِينَ.

ومنها وهو الأصح عندي: أن جميع الخلق يلعنون المبطل والكافر، ولكنه يعتقد في نفسه أنه ليس بمبطل ولا كافر، فإذا لعن الكافر وكان هو في علم الله كافرا فقد لعن نفسه وإن كان لا يعلم ذلك» .

ثم قال : ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) أي : يلعنهم الله ويلعنهم خلقه

=" أولئك جزاؤهم "، يعني: هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، وبعد أن شهدوا أن الرسول حَقّ -" جزاؤهم "، ثوابهم من عملهم الذي عملوه (11) =" أنّ عليهم لعنة الله "، يعني: أن يحلّ بهم من الله الإقصاء والبعد، (12) ومن الملائكة والناس الدعاءُ بما يسوؤهم من العقاب (13) =" أجمعين "، يعني: من جميعهم، لا من &; 6-577 &; بعض من سمَّاه جل ثناؤه من الملائكة والناس، ولكن من جميعهم. وإنما جعل ذلك جل ثناؤه ثواب عملهم، لأن عملهم كان بالله كفرًا.

* * *

وقد بينا صفة " لعنة الناس " الكافرَ في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (14)

-------------------

الهوامش :

(11) انظر تفسير"الجزاء" فيما سلف 2: 27 ، 28 ، 314 ، وغيره في فهارس اللغة"جزى".

(12) في المخطوطة والمطبوعة: "أن حل بهم" ، فعل ماض ، والسياق يقتضي المضارع.

(13) في المخطوطة والمطبوعة: "ومن الملائكة والناس إلا مما يسوءهم..." ، وهو كلام غير مستقيم ، وهو تصحيف لما كتبت ، كان في الأصل"الدعاما يسوءهم" بغير همزة"الدعاء" ، وبغير نقط"بما" ، فاشتبهت الحروف على الناسخ ، فحرفها إلى ما ترى.

(14) انظر ما سلف 2: 328 ، 329 / ثم 3: 254-258 ، 261-263 ، وفيها نظير ما في هذه الآية.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

تفاعل
[87] ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ:
  • أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب. جزاؤهم: مبتدأ ثان مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر مضاف.
  • ﴿ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. عليهم: على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بخبر «أَنَّ» المحذوف. لعنة: اسم «أَنَّ» مؤخر منصوب بالفتحة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة وجملة «أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ» في محل رفع خبر «جَزاؤُهُمْ» وجملة «جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ» في محل رفع خبر المبتدأ «أُولئِكَ».
  • ﴿ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ:
  • الملائكة .. الناس: إسمان معطوفان بواوي العطف على لفظ الجلالة مجروران بالكسرة. أجمعين: توكيد منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. '

المتشابهات :

البقرة: 161﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
آل عمران: 87﴿أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج النَّسَائِي وأحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: سلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن فلانًا قد ندم، دانه قد أمرنا أن نسألك: هل له من توبة؟ فنزلتكَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) إلى (غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأرسل إليه فأسلم.* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات، وقد ذكر المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال الطبرياختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية، وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري وكان مسلماً فارتد بعد إسلامه ثم ساق الحديث الذي معنا، وذكر قولاً آخر في نزولها، إلا أن الأخبار بالقول الأول أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن) اهـ بتصرف.وقال البغوي عن الآيةفحملها إليه رجل من قومه، وقرأها عليه فقال الحارث: إنك والله فيما علمت لصدوق، وإن رسول الله - جمعّ - لأصدق منك، وإن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه) اهـ.* النتيجة:أن الحديث المذكور سبب نزول الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به، وموافقته لسياق الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [87] لما قبلها :     ولَمَّا عُلِمتْ بشاعةُ خيانتهم؛ تشوف السامع إلى معرفة جزائهم، قال تعالى:
﴿ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [88] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ..

التفسير :

[88] ماكثين في النار، لا يُرفع عنهم العذاب قليلاً ليستريحوا، ولا يُؤخر عنهم لمعذرة يعتذرون بها.

ثم أخبر عن عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والأخروية، فقال{ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي:لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا لحظة، لا بإزالته أو إزالة بعض شدته،{ ولا هم ينظرون} أي:يمهلون، لأن زمن الإمهال قد مضى، وقد أعذر الله منهم وعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، فلو كان فيهم خير لوجد، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.

ثم أكد- سبحانه- تلك العقوبة بعقوبة أخرى لازمة لها ما داموا على تلك الحالة الشنيعة فقال- تعالى- خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ بسبب إصرارهم على الكفر في الدنيا، وانغماسهم فيما يغضب الله وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أى ولا هم يمهلون ولا يؤخر عنهم العذاب بل عذابهم عاجل لا يقبل الإمهال أو التأخير بسبب ما ارتكبوه في الدنيا من شرور وآثام.

( خالدين فيها ) أي : في اللعنة ( لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) أي : لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة .

=" خالدين فيها " يعني: ماكثين فيها، يعني في عقوبة الله (15)

=" لا يخفَّف عنهم العذاب "، لا ينقصون من العذاب شيئًا في حال من الأحوال، ولا ينفَّسون فيه (16) =" ولا هم ينظرون "، يعني: ولا هم ينظرون لمعذرة يعتذرون. (17) وذلك كله عَينُ الخلود في العقوبة في الآخرة. (18)

----------------

الهوامش :

(15) انظر تفسير"خالدين" فيما سلف 1: 397 ، 398 / 2: 287 / 4: 317 ، وفهارس اللغة.

(16) انظر تفسير"يخفف" فيما سلف 2: 316 ، 317 ، والتنفيس: والترفيه والتفريج هنا.

(17) انظر تفسير"ينظرون" في نظيرة هذه الآية فيما سلف 3: 264 ، 265 ، وقبله 2: 467 ، 468.

(18) في المخطوطة والمطبوعة: "وذلك كله أعني الخلود في العقوبة في الآخرة" ، وهي جملة فاسدة البناء والمعنى ، أخطأ الناسخ فهم مراد أبي جعفر ، فكتب ما كتب ، والصواب هو ما أثبت. فإن أبا جعفر قد لجأ إلى الاختصار في مواضع كثيرة من تفسيره ، منها هذا الموضع ، فلم يبين إعراب قوله تعالى: "لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون" ، وأهل الإعراب يعربونها حالا متداخلة - أي حالا من حال - لأن"خالدين" حال من الضمير في"عليهم". وأما أبو جعفر ، فهو يعدها جملة مستأنفة ، وهي بذلك بيان عن الخلود في النار. والدليل على صحة ذلك ، وعلى صحة ما أثبت من الصواب في نص أبي جعفر هنا ، أنه قال في تفسير نظيرة هذه الآية من"سورة البقرة: 162" في الجزء 3: 264 ما نصه.

"وأما قوله: " لا يخفف عنهم العذاب" ، فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن دوام العذاب أبدًا من غير توقيت ولا تخفيف". فهذا نص قاطع في أن إعراب الطبري لهذا الموضع من الآية هو ما ذهبت إليه ، وفي أنه يرى أن معنى هذه الجملة من الآية ، هو معنى"الخلود" بعينه. والحمد لله أولا وآخرًا.

التدبر :

وقفة
[88] في هذه الآية ما فيها من عذاب للكافرين تقشعر من هوله الأبدان، وترتجف من تصويره النفوس والقلوب، نسأل الله بفضله ورحمته أن يجنبنا هذا المصير المؤلم.
تفاعل
[88] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ استعذ بالله من عذابه.

الإعراب :

  • ﴿ خالِدِينَ فِيها:
  • حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. فيها: جار ومجرور متعلق بخالدين.
  • ﴿ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ:
  • الجملة: في محل نصب حال. لا: نافية لا عمل لها. يخفف: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. عنهم: جار ومجرور متعلق بيخفف والميم علامة جمع الذكور. العذاب: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ:
  • الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. هم: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ينظرون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل وجملة «يُنْظَرُونَ» في محل رفع خبر «هُمْ». '

المتشابهات :

البقرة: 162﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ
آل عمران: 88﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج النَّسَائِي وأحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: سلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن فلانًا قد ندم، دانه قد أمرنا أن نسألك: هل له من توبة؟ فنزلتكَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) إلى (غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأرسل إليه فأسلم.* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات، وقد ذكر المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال الطبرياختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية، وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري وكان مسلماً فارتد بعد إسلامه ثم ساق الحديث الذي معنا، وذكر قولاً آخر في نزولها، إلا أن الأخبار بالقول الأول أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن) اهـ بتصرف.وقال البغوي عن الآيةفحملها إليه رجل من قومه، وقرأها عليه فقال الحارث: إنك والله فيما علمت لصدوق، وإن رسول الله - جمعّ - لأصدق منك، وإن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه) اهـ.* النتيجة:أن الحديث المذكور سبب نزول الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به، وموافقته لسياق الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [88] لما قبلها :     وبعد ذكرِ الجزاء؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا مدته، قال تعالى:
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [89] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ..

التفسير :

[89] إلا الذين رجعوا إلى ربهم بالتوبة النصوح من بعد كفرهم وظلمهم، وأصلحوا ما أفسدوه بتوبتهم فإن الله يقبلها، فهو غفور لذنوب عباده، رحيم بهم.

ثم أخبر عن عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والأخروية، فقال{ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي:لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا لحظة، لا بإزالته أو إزالة بعض شدته،{ ولا هم ينظرون} أي:يمهلون، لأن زمن الإمهال قد مضى، وقد أعذر الله منهم وعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، فلو كان فيهم خير لوجد، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.

ولكن القرآن- مع هذا- يفتح باب التوبة لمن أراد أن يتوب، وينهى الناس عن أن يقنطوا من رحمة الله متى تابوا وأنابوا وأصلحوا فيقول- بعد تلك الحملة المرعبة التي شنها على الكفر والكافرين: - إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

أى: أن اللعنة مستمرة على هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، وهم خالدون في العذاب يوم القيامة بدون إمهال أو تأخير، إلا الذين تابوا منهم عن الكفر الذي ارتكبوه، وعن الظلم الذي اقترفوه، وأصلحوا ما أفسدوه بأن قالوا ربنا الله ثم استقاموا على طريق الحق، وحافظوا على أداء الأعمال الصالحة «فإن الله- تعالى- غفور رحيم» أى فإنه سبحانه يغفر لهم ما سلف منهم من كفر وظلم.

ففي هذه الآية الكريمة إغراء للكافرين بأن يقلعوا عن كفرهم وللمذنبين بأن يثوبوا إلى رشدهم وبأن يتوبوا إلى ربهم، فإنه- سبحانه- يغفر الذنوب جميعا لمن يتوب ويحسن التوبة، فهو القائل قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ .

أما الذين لا يتوبون ولا يستغفرون ولا يثوبون إلى رشدهم. بل يصرون على الكفر فيزدادون كفرا. والذين يرتكسون في كفرهم وضلالهم حتى تفلت منهم الفرصة، وينتهى أمد الاختبار، ويأتى دور الجزاء، فهؤلاء لا توبة لهم ولا نجاة، فقد قال- تعالى- بعد هذه الآيات:

ثم قال تعالى : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه : أنه من تاب إليه تاب عليه .

ثم استثنى جل ثناؤه الذين تابوا، من هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم فقال تعالى ذكره: " إلا الذين تَابوا من بعد ذلك وأصلحوا "، يعني: إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم، فراجعوا الإيمان بالله وبرسوله، وصدّقوا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند ربهم =" وأصلحوا "، يعني: وعملوا الصالحات من الأعمال =" فإنّ الله غفور رحيم "، يعني: فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره =" غفور "، يعني: ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الرّدّة، فتاركٌ عقوبته عليه، وفضيحته به يوم القيامة، غيرُ مؤاخذه به إذا مَات على التوبة منه =" رحيم "، متعطِّف عليه بالرحمة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[89] ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ وردت في خمس آيات: 1- في أهل الكتاب. 2- المرتدين. 3- قطاع الطريق. 4- القاذفين. 5- المنافقين، ولما كان النفاق أخطر كانت شروط التوبة منه أكثر.
وقفة
[89] ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ باب التوبة مفتوح للعبد ما لم يحضره الموت، أو تشرق الشمس من مغربها، فعندئذ لا تُقْبل منه التوبة.
وقفة
[89] باب التوبة لا يقفل أمام عاصٍ؛ مهما بالغ في الكفر أو المعاصي ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
وقفة
[89] ما أجمل التوبة إذا تبعها إصلاح ودعوة! ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
عمل
[89] تذكر ذنبًا فعلته، وأكثر من الاستغفار منه، ثم تصدق بصدقة عسى الله أن يغفره لك ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا:
  • إلّا أداة استثناء. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مستثنى بالّا. تابوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «تابُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ:
  • جار ومجرور متعلق بتابوا. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة واللام: للبعد والكاف: للخطاب.
  • ﴿ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ:
  • الواو: عاطفة. أصلحوا: معطوفة على «تابُوا» وتعرب إعرابها. الفاء استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إن» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
  • غفور: خبر «إن» مرفوع بالضمة. رحيم: صفة- نعت- لغفور مرفوع مثله بالضمة ويجوز أن يكون «رَحِيمٌ» خبرا ثانيا لإنّ. '

المتشابهات :

البقرة: 160﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
النساء: 146﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
آل عمران: 89﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
النور: 5﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج النَّسَائِي وأحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: سلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن فلانًا قد ندم، دانه قد أمرنا أن نسألك: هل له من توبة؟ فنزلتكَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) إلى (غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأرسل إليه فأسلم.* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات، وقد ذكر المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال الطبرياختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية، وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري وكان مسلماً فارتد بعد إسلامه ثم ساق الحديث الذي معنا، وذكر قولاً آخر في نزولها، إلا أن الأخبار بالقول الأول أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن) اهـ بتصرف.وقال البغوي عن الآيةفحملها إليه رجل من قومه، وقرأها عليه فقال الحارث: إنك والله فيما علمت لصدوق، وإن رسول الله - جمعّ - لأصدق منك، وإن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه) اهـ.* النتيجة:أن الحديث المذكور سبب نزول الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به، وموافقته لسياق الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [89] لما قبلها :     وبعد ذكرِ الجزاء ومدته؛ يفتح اللهُ عز وجل هنا بابَ التوبة لمن أراد أن يتوب، قال تعالى:
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [90] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ..

التفسير :

[90] إن الذين كفروا بعد إيمانهم واستمروا على الكفر إلى الممات لن تُقبل لهم توبة عند حضور الموت، وأولئك هم الذين ضلُّوا السبيل، فأخطَؤُوا منهجه.

يخبر تعالى أن من كفر بعد إيمانه، ثم ازداد كفرا إلى كفره بتماديه في الغي والضلال، واستمراره على ترك الرشد والهدى، أنه لا تقبل توبتهم، أي:لا يوفقون لتوبة تقبل بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، قال تعالى{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة}{ فلما زغوا أزاغ الله قلوبهم} فالسيئات ينتج بعضها بعضا، وخصوصا لمن أقدم على الكفر العظيم وترك الصراط المستقيم، وقد قامت عليه الحجة ووضح الله له الآيات والبراهين، فهذا هو الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه، وهو الذي سد على نفسه باب التوبة، ولهذا حصر الضلال في هذا الصنف، فقال{ وأولئك هم الضالون} وأي:ضلال أعظم من ضلال من ترك الطريق عن بصيرة،

قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً.

قال قتادة وعطاء: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم. بموسى والتوراة. ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن.

وقال أبو العالية والحسن: نزلت في أهل الكتاب جميعا، آمنوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل مبعثه ثم كفروا به بعد مبعثه، ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم على ذلك، وطعنهم في نبوته في كل وقت، وعداوتهم له، ونقضهم لعهودهم وصدهم الناس عن طريق الحق، وسخريتهم بآيات الله.

ويمكن أن يقال: إن الآية الكريمة على عمومها فهي تتناول كل من آمن ثم ارتد عن الإيمان إلى الكفر، وازداد كفرا بمقاومته للحق، وإيذائه لأتباعه، وإصراره على كفره وعناده وجحوده.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبتهم فقال: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ.

أى إن هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا وعنادا وجحودا للحق لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ أى لن تتوقع منهم توبة حتى تقبل، لأنهم بإصرارهم على كفرهم، ورسوخهم فيه، وتلاعبهم بالإيمان، قد صاروا غير أهل للتوفيق لها، ولأنهم حتى لو تابوا فتوبتهم إنما هي بألسنتهم فحسب، أما قلوبهم فمليئة بالكفر والنفاق ولذا تعتبر توبتهم كلا توبة.

وبعضهم حمل عدم قبول توبتهم على أنهم تابوا عند حضور الموت، والتوبة في هذا الوقت لا قيمة لها.

قال القرطبي: وهذا قول حسن كما قال- تعالى-: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ.

وبعضهم حمل عدم قبول توبتهم على أنهم ماتوا على الكفر، وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقد قال. فإن قلت: قد علم أن المرتد كيفما ازداد كفرا فإنه مقبول التوبة إذا تاب فما معنى لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ؟ قلت: جعلت عبارة عن الموت على الكفر، لأن الذي لا تقبل توبته من الكفار هو الذي يموت على الكفر. كأنه قيل إن اليهود أو المرتدين الذين فعلوا ما فعلوا مائتون على الكفر، داخلون في جملة من لا تقبل توبتهم.

فإن قلت: فأى فائدة في هذه الكناية؟ أعنى أن كنى الموت على الكفر بامتناع قبول التوبة؟

قلت: الفائدة فيها جليلة وهي التغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفار، وإبراز حالهم في صورة حالة الآيسين من الرحمة التي هي أغلظ الأحوال وأشدها ألا ترى أن الموت على الكفر إنما يخاف من أجل اليأس من الرحمة» .

والذي يبدو لنا أن الآية الكريمة أشد ما تكون انطباقا على أولئك الذين تتكرر منهم الردة من الإيمان إلى الكفر فهم لفساد قلوبهم، وانطماس بصيرتهم واستيلاء الأهواء والمطامع على نفوسهم أصبح الإيمان لا استقرار له في قلوبهم بل يتلاعبون به، ويبيعونه نظير عرض قليل من أعراض الدنيا، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- في سورة النساء إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا. ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا .

وقوله وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ أى الكاملون في الضلال، البعيدون عن طريق الحق، المستحقون لسخط الله وعذابه.

يقول تعالى متوعدا ومتهددا لمن كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرا ، أي : استمر عليه إلى الممات ، ومخبرا بأنه لا يقبل لهم توبة عند مماتهم ، كما قال [ تعالى ] ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت [ قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ] ) [ النساء : 18 ] .

ولهذا قال هاهنا : ( لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ) أي : الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغي .

قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا ابن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ، ثم أسلموا ثم ارتدوا ، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : ( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم ) هكذا رواه ، وإسناده جيد .

القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضُهم: عنى الله عز وجل بقوله: " إنّ الذين كفروا " ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم (19) =" بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا " بكفرهم بمحمد =" لن تقبل توبتهم "، عند حُضور الموت وحَشرجته بنفسه.

ذكر من قال ذلك:

7372 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد بن منصور، عن الحسن في قوله: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالون "، قال: اليهودُ والنصارى، لن تُقبل توبتهم عند الموت.

7373 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، &; 6-579 &; قوله: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا "، أولئك أعداء الله اليهود، كفروا بالإنجيل وبعيسى، ثم ازدادوا كفرًا بمحمد صلى الله عليه وسلم والفُرْقان.

7374 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ثم ازدادوا كفرًا "، قال: ازدادوا كفرًا حتى حَضرهم الموت، فلم تقبل توبتهم حين حضرهم الموت = قال معمر: وقال مثلَ ذلك عطاءٌ الخراساني.

7375 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قوله: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون "، وقال: هم اليهود، كفروا بالإنجيل، ثم ازدادوا كفرًا حين بَعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فأنكرُوه، وكذبوا به.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: إن الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد، بعد إيمانهم بأنبيائهم =" ثم ازدادوا كفرًا "، يعني: ذنوبًا =" لن تقبل توبتهم " من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون.

ذكر من قال ذلك:

7376 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب، قال، حدثنا داود، عن رفيع: " إنّ الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا "، ازدادوا ذنوبًا وهم كفار =" لن تقبل توبتهم " من تلك الذنوب، ما كانوا على كفرهم وضَلالتهم.

7377 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود قال: سألت أبا العالية، قال، قلت: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تُقبل توبتهم "؟ قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم.

7378 - حدثنا عبد الحميد بن بيان السُّكري قال، أخبرنا ابن أبي عدي، &; 6-580 &; عن داود قال: سألت أبا العالية عن: الذين آمنوا ثم كفروا، فذكر نحوًا منه. (20)

7379 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود قال: سألت أبا العالية عن هذه الآية: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالون "، قال: هم اليهود والنصارى والمجوس، أصابوا ذنوبًا في كفرهم، فأرادوا أن يتوبوا منها، ولن يتوبوا من الكفر، (21) ألا ترى أنه يقول: " وأولئك هم الضالون "؟

7380 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن داود، عن أبي العالية في قوله: " لن تقبل توبتهم "، قال: تابوا من بعضٍ، ولم يتوبوا من الأصل.

7381 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قوله: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا "، قال: هم اليهود والنصارى، يصيبون الذنوبَ فيقولون: " نتوب "، وهم مشركون. قال الله عز وجل: لن تُقبل التوبة في الضّلالة.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم =" ثم ازدادوا كفرًا "، يعني: بزيادتهم الكفر: تمامُهم عليه، (22) حتى هلكوا وهم عليه مقيمون =" لن تقبل توبتهم "، لن تنفعهم توبتهم الأولى وإيمانهم، لكفرهم الآخِر وموتهم.

ذكر من قال ذلك:

7382 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " ثم ازدادوا كفرًا "، قال: تمُّوا على كفرهم = (23) قال ابن جريج: " لن تقبل توبتهم "، يقول: إيمانهم أوّلَ مرة لن ينفعهم.

* * *

وقال آخرون: معنى قوله: " ثم ازدادوا كفرًا "، ماتوا كفارًا، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم. وقالوا: معنى " لن تقبل توبتهم "، لن تقبل توبتهم عند موتهم.

ذكر من قال ذلك:

7383 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون "، أمّا " ازدادوا كفرًا "، فماتوا وهم كفار. وأما " لن تقبل توبتهم " فعند موته، إذا تاب لم تقبل توبته.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية، قولُ من قال: " عنى بها اليهودَ" = وأن يكون تأويله: إن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مَبعثه، بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرًا بما أصَابوا من الذنوب في كفرهم ومُقامهم على ضلالتهم، لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديقه بما جاء به من عند الله. (24)

* * *

وإنما قلنا: " ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصواب "، لأن الآيات &; 6-582 &; قبلها وبعدها فيهم نـزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها، إذ كانت في سياق واحد.

وإنما قلنا: " معنى ازديادهم الكفر: ما أصابوا في كفرهم من المعاصي"، لأنه جل ثناؤه قال: " لن تقبل توبتهم "، فكان معلومًا أن معنى قوله: " لن تقبل توبتهم "، إنما هو معنيٌّ به: لن تقبل توبتهم مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم، لا من كفرهم. لأن الله تعالى ذكره وعد أن يقبل التوبة من عباده فقال: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [سورة الشورى: 25]، فمحالٌ أنْ يقول عز وجل: " أقبل " و " لا أقبل " في شيء واحد. وإذْ كان ذلك كذلك = وكان من حُكم الله في عباده أنه قابلٌ توبةَ كل تائب من كل ذنب، وكان الكفر بعد الإيمان أحدَ تلك الذنوب التي وعد قَبول التوبة منها بقوله: إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) = علم أنّ المعنى الذي لا يقبل التوبةَ منه، غيرُ المعنى الذي يَقبل التوبة منه. (26) وإذْ كان ذلك كذلك، فالذي لا يَقبل منه التوبة، هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره، لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله. فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح، فإنّ الله - كما وصف به نفسه - غفورٌ رحيمٌ.

* * *

فإن قال قائل: وما تُنكر أن يكون معنى ذلك كما قال من قال: (27) " فلن تقبل توبته من كفره عند حضور أجله وتوبته الأولى "؟ (28)

قيل: أنكرنا ذلك، لأن التوبة من العبد غير كائنة إلا في حال حياته، فأما بعد مماته فلا توبة، وقد وعد الله عز وجل عبادَه قَبول التوبة منهم ما دامت أرواحُهم في أجسادهم. ولا خلاف بين جميع الحجة في أنّ كافرًا لو أسلم قبل خُرُوج نفسه بطرْفة عين، أنّ حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه، والموارثة، وسائر الأحكام غيرهما. فكان معلومًا بذلك أنّ توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة، لم ينتقل حكمه من حكم الكفار إلى حكم أهل الإسلام، ولا منـزلةَ بين الموت والحياة، يجوزُ أن يقال: " لا يقبل الله فيها توبةَ الكافر ". فإذْ صحّ أنها في حال حياته مقبولة، ولا سبيلَ بعد الممات إليها، بطل قولُ الذي زعم أنها غير مقبولة عند حُضُور الأجل.

* * *

وأما قول من زعم أنّ معنى ذلك: " التوبة التي كانت قبل الكفر "، فقولٌ لا معنى له. لأن الله عز وجل لم يصف القوم بإيمان كان منهم بعد كفر، ثم كُفْر بعد إيمان = بل إنما وصفهم بكفر بعد إيمان. فلم يتقدم ذلك الإيمانَ كفرٌ كان للإيمان لهم توبة منه، فيكون تأويل ذلك على ما تأوّله قائل ذلك. وتأويل القرآن على ما كان موجودًا في ظاهر التلاوة = إذا لم تكن حجة تدل على باطن خاص - أولى من غيره، وإن أمكن توجيهه إلى غيره.

* * *

وأما قوله: " وأولئك هم الضالون "، فإنه يعني بذلك: وهؤلاء الذين كفرُوا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرًا، هم الذين ضلوا سبيل الحقّ فأخطأوا منهجه، وتركوا نِصْف السبيل وهُدَى الدين، حَيرةً منهم، وعَمىً عنه. (29)

* * *

وقد بينا فيما مضى معنى " الضلال " بما فيه الكفاية. (30)

---------------------

الهوامش :

(19) في المطبوعة: "أي: ببعض أنبيائه" ، زاد ما ليس في المخطوطة.

(20) الأثر: 7378- في المطبوعة: "عبد الحميد بن بيان اليشكري" ، وهو خطأ والصواب ما أثبت من المخطوطة. وقد مضت الرواية عنه كثيرًا ، ينسبه أحيانًا"السكري" ، وأخرى"القناد" نسبة إلى"القند" ، وهو السكر. وقد مضت ترجمته برقم: 30 ، وسيأتي خطأ مثله في رقم: 7580.

(21) أخشى أن يكون الصواب ، "ولم يتوبوا من الكفر" ، وانظر التالي.

(22) في المطبوعة"بما هم عليه" ، وهو كلام غث. وفي المخطوطة: "ممامهم عليه" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها. يقال: و"تم على الشيء تمامًا" ثبت عليه وأقام ، وأمضى أمره فيه.

(23) في المطبوعة والمخطوطة: "نموا على كفرهم" بالنون ، وهو تصحيف. وانظر التعليق السالف.

(24) في المطبوعة"بتصديق ما جاء به من عند الله" وفي المخطوطة"بتصديقه ما جاء به من عند الله" ، وعلى الميم من"ما" فتحة مائلة ، وهي في الحقيقة"باء" ، فصواب قراءة المخطوطة ما أثبت.

(25) في المطبوعة والمخطوطة: "إلا الذين تابوا وأصلحوا..." ، سها الناسخ فأسقط"من بعد ذلك" من الآية ، وهي الآية السابقة. وسياق الكلام: وإذْ كان ذلك كذلك ، وكان من حكم... علم أن المعنى...".

(26) في المطبوعة: "تقبل.. تقبل.." بالتاء ، وما في المخطوطة هو السياق. ومثل ذلك فيما سيلي.

(27) في المطبوعة والمخطوطة: "وما ينكر" بالياء ، وهي بالتاء أجود ، كما يدل عليه الجواب بعد.

(28) في المخطوطة والمطبوعة: "توبتهم من كفرهم" بالجمع ، والسياق ما أثبت ، وهو الصواب. وفي المطبوعة: "أو توبته الأولى" والصواب بالواو كما في المخطوطة. وقوله هذا رد على القائلين بذلك فيما سلف في الأثر: 7382 ، والترجمة التي قبله ، وما قبله من الآثار ، وما يليه في الأثر رقم: 7382.

(29) في المطبوعة: "... وهدى الله الذي أخبرهم عنه فعموا عنه" ، ولم يقل ذلك أبو جعفر! وفي المخطوطة: "وهذي الذي حره منهم وعمى عنه" غير منقوطة ، فلم يستطع الناشر أن يقرأها على وجه صحيح ، ففعل بعبارة الطبري ما فعل ، وبئس ما فعل! وصواب قراءتها ما أثبت. وقوله: "نصف السبيل" ، كان أحب إلى أن أقرأها"قصد السبيل" ، ولكني رجحت أن أبا جعفر يترجم عن معنى قوله تعالى"سواء السبيل" ، وهو وسطه ، وقد بين شرح ذلك في تفسيره فيما مضى 2: 497 ، وقال: "... الذي إذا ركب محجته السائر فيه ، ولزم وسطه المجتاز فيه ، نجا وبلغ حاجته ، وأدرك طلبته" ، ورأيتهم يقولون: "منصف الطريق" (بفتح الميم ، وسكون النون ، وفتح الصاد): وسط الطريق و"نصف الطريق". وجائز أن تكون كانت"منصف الطريق" في كلام الطبري ومهما يكن من شيء ، فهي صحيحة المعنى ، جيدة المجاز في العربية.

(30) انظر ما سلف 1: 189-196 / 2: 496 ، 497 / 6: 66.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[90] ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ أي: لا يوفقون لتوبة تقبل، بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، فهذا هو الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه، وهو الذي سد على نفسه باب التوبة.
وقفة
[90] ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ كيف لا تقبل توبتهم وباب التوبة مفتوح؟! والجواب: كناية عن أنهم لا يتوبون، فيقبل الله توبتهم، أو الإخبار بأن الكفر قد رسخ في قلوبهم، فصار سجية لا يتحولون عنها, فإذا أظهروا التوبة كانوا كاذبين، أو المراد من ارتدوا عن الإسلام وماتوا على الكفر، فالمراد بالازدياد الاستمرار وعدم الإقلاع.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إِنَّ». كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «كَفَرُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ بَعْدَ إِيمانِهِمْ:
  • ظرف زمان متعلق بكفروا منصوب على الظرفية. إيمان: مضاف اليه مجرور بالكسرة. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً:
  • ثم: حرف عطف. ازدادوا: معطوفة على «كَفَرُوا» وتعرب إعرابها. كفرا: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ:
  • حرف نفي ونصب واستقبال. تقبل: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة وهو مبني للمجهول. توبتهم: نائب فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وجملة «لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ وَأُولئِكَ:
  • الواو: استئنافية. أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف: للخطاب.
  • ﴿ هُمُ الضَّالُّونَ:
  • هم: ضمير الغائبين- ضمير منفصل- في محل رفع مبتدأ ثان. الضالون: خبر المبتدأ الثاني «هُمُ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين الاسم المفرد والجملة الاسمية «هُمُ الضَّالُّونَ» في محل رفع خبر «أُولئِكَ». '

المتشابهات :

آل عمران: 90﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ
النساء: 137﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا

أسباب النزول :

  • أخرج الطبري من طريق عباد بن منصور عن الحسن قال: هم اليهود والنصارى. ومن طريق معمر عن قتادة نحوه قال: وقال عطاء الخراساني مثل ذلك. وذكره الثعلبي عن عطاء الخراساني بلفظ: نزلت في اليهود كفروا بعيسي ثم ازدادوا كفرا بمحمد. وأخرج عبد بن حميد عن روح عن الثوري عن داود عن أبي العالية، وعن روح عن سعيد عن قتادة هم اليهود، نحو الأول، قال أبو العالية: تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الكفر.'
  • المصدر المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [90] لما قبلها :     ولَمَّا رغَّبَ اللهُ عز وجل في التوبة؛ رهَّب هنا من التواني عنها، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ

القراءات :

تقبل:
وقرئ:
نقبل، بالنون، ونصب «توبتهم» ، وهى قراءة عكرمة.

مدارسة الآية : [91] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ ..

التفسير :

[91] إن الذين جحدوا نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وماتوا على الكفر بالله ورسوله، فلن يُقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الأرض ذهباً؛ ليفتدي به نفسه من عذاب الله، ولو افتدى به نفسه فِعْلاً. أولئك لهم عذاب موجع، وما لهم مِن أحد ينقذهم من عذاب الله.

وهؤلاء الكفرة إذا استمروا على كفرهم إلى الممات تعين هلاكهم وشقاؤهم الأبدي، ولم ينفعهم شيء، فلو أنفق أحدهم ملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب الله ما نفعه ذلك، بل لا يزالون في العذاب الأليم، لا شافع لهم ولا ناصر ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله فأيسوا من كل خير، وجزموا على الخلود الدائم في العقاب والسخط، فعياذا بالله من حالهم.

ثم صرح- سبحانه- ببيان عاقبة الذين يموتون على الكفر فقال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ.

أى استمروا على كفرهم وضلالهم حتى ماتوا على هذا الكفر والضلال فكأن الآيات الكريمة قد ذكرت لنا ثلاثة أصناف من الكافرين: قسم كان كافرا ثم تاب عن كفره توبة صادقة بأن آمن وعمل صالحا فقبل الله توبته. وهذا القسم هو الذي استثناه الله بقوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

وقسم كان كافرا ثم تاب عن كفره توبة ليست صادقة، فلم يقبلها الله- تعالى- منه.

وهو الذي قال الله في شأنه في الآية السابقة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ.

وقسم كان كافرا واستمر على كفره حتى مات عليه دون أن تحدث منه آية توبة، وهو الذي أخبر عنه- سبحانه- في هذه الآية بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ.

أى ماتوا على كفرهم دون أن يتوبوا منه. وقد بين الله- تعالى- سوء مصيرهم بقوله:

فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ.

أى أن هؤلاء الذين ماتوا على الكفر دون أن يتوبوا منه. لن يقبل الله- تعالى- من أحدهم ما كان قد أنفقه في الدنيا ولو كان هذا المنفق ملء الأرض ذهبا، لأن كفره قد أحبط أعماله وأفسدها كما قال- تعالى- وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً .

وكذلك لن يقبل الله- تعالى- عن أحدهم فدية عن عقابه الشديد له بسبب موته على الكفر. ولو كان ما يفتدى به نفسه ملء الأرض ذهبا، لأن الله- تعالى- غنى عنه وعن فديته- مهما عظمت- وسيعاقبه على كفره بما يستحق من عقاب.

نه، كما قال- تعالى- وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ» ، وقال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ .

ثم قال: وروى الشيخان والإمام أحمد عن أنس بن مالك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به؟ قال:

فيقول نعم، فيقول الله له، قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك» .

وفي رواية للإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله له: يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أى رب، خير منزل. فيقول الله- تعالى- له: سل وتمن، فيقول: ما اسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار- لما يرى من فضل الشهادة- ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له: كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أى رب! شر منزل، فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهبا؟ فيقول أى رب! نعم فيقول: كذبت! قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد إلى النار» «2» .

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: فلم قيل في الآية السابقة لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ بغير فاء.

وقيل هنا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ بوجود الفاء-؟ قلت: قد أوذن بالفاء أن الكلام بنى على الشرط والجزاء، وأن سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر، وبترك الفاء أن الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبيب، كما تقول: الذي جاءني له درهم، لم تجعل المجيء سببا في استحقاق الدرهم، بخلاف قولك: فله درهم» .

وقوله ذَهَباً منصوب على أنه تمييز.

وعبر بالذهب لأنه أنفس الأشياء وأعزها على النفس.

وقوله وَلَوِ افْتَدى بِهِ جملة حالية، والواو للحال، أى لا يقبل من الذي مات على كفره هذا الفداء ولو في حال افتراض تحقق هذا الفداء في يده وتقديمه إياه لكي يدفعه لخالقه وينجو من العقوبة التي توعده بها.

أى أن العذاب الأليم نازل قطعا على هذا الذي مات على كفره، حتى ولو فرضنا أنه تصدق في الدنيا بملء الأرض ذهبا. وحتى لو فرضنا أنه ملك هذا المقدار النفيس الكثير من الأموال في الآخرة وقدمه فدية لنفسه من العذاب، فإن كل ذلك غير مقبول منه، ولا بد من نزول العذاب به.

وقد أشار ابن المنير إلى هذا المعنى بقوله: «قبول الفدية التي هي ملء الأرض ذهبا يكون على أحوال: منها: أن يؤخذ منه على وجه القهر فدية من نفسه كما تؤخذ الدية قهرا من مال القاتل على قول. ومنها أن يقول المفتدى في التقدير: أفدى نفسي بكذا وقد لا يفعل. ومنها أن يقول هذا القول وينجز المقدار الذي يفدى به نفسه ويجعله حاضرا عتيدا، وقد يسلمه مثلا لمن يأمن منه قبول فديته. وإذا تعددت الأحوال فالمراد من الآية أبلغ الأحوال وأجدرها بالقبول، وهو أن يفتدى بملء الأرض ذهبا افتداء محققا بأن يقدر على هذا الأمر العظيم ويسلمه وينجزه اختيارا ومع ذلك لا يقبل منه، فمجرد قوله أبذل المال وأقدر عليه أو ما يجرى هذا المجرى بطريق الأولى. فيكون دخول الواو والحالة هذه على بابها تنبيها على أن ثم أحوالا أخر لا ينفع فيها القبول بطريق الأولى بالنسبة إلى الحالة المذكورة. وهذا كله تسجيل بأنه لا محيص ولا مخلص لهم من العذاب، وإلا فمن المعلوم أنهم أعجز عن الفلس في ذلك اليوم، ونظير هذا التقدير من الأمثلة أن يقول القائل: لا أبيعك هذا الثوب بألف دينار ولو سلمتها إلى في يدي هذه» .

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.

أى أولئك الذين ماتوا على كفرهم لهم عذاب أليم، وما لهم من ناصرين ينصرونهم بدفع العذاب عنهم، أو تخفيف وقعه عليهم.

ومن مزيدة لاستغراق النفي وتأكيده، أى لا يوجد أحد كائنا من كان ينقذهم من عذاب الله، أو يجيرهم من أليم عقابه.

وبذلك نرى أن الآيتين الكريمتين قد توعدتا الكافرين بأشد ألوان العذاب، وأقسى أنواع العقاب، حتى يقلعوا عن كفرهم، ويثوبوا إلى رشدهم.

ثم قال : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) أي : من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبدا ، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة ، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان - وكان يقري الضيف ، ويفك العاني ، ويطعم الطعام - : هل ينفعه ذلك ؟ فقال : لا ، إنه لم يقل يوما من الدهر : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين .

وكذلك لو افتدى بملء الأرض أيضا ذهبا ما قبل منه ، كما قال تعالى : ( ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ) [ البقرة : 123 ] ، [ وقال ( لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) ] [ البقرة : 254 ] وقال : ( لا بيع فيه ولا خلال ) [ إبراهيم : 31 ] وقال ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ) [ المائدة : 36 ] ، ولهذا قال تعالى هاهنا : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) فعطف ( ولو افتدى به ) على الأول ، فدل على أنه غيره ، وما ذكرناه أحسن من أن يقال : إن الواو زائدة ، والله أعلم . ويقتضي ذلك ألا ينقذه من عذاب الله شيء ، ولو كان قد أنفق مثل الأرض ذهبا ، ولو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهبا ، بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثني شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء ، أكنت مفتديا به ؟ قال : فيقول : نعم . قال : فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم ألا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك " . وهكذا أخرجاه البخاري ومسلم .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له : يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : أي رب ، خير منزل . فيقول : سل وتمن . فيقول : ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار - لما يرى من فضل الشهادة . ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له : يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : يا رب ، شر منزل . فيقول له : تفتدي مني بطلاع الأرض ذهبا ؟ فيقول : أي رب ، نعم . فيقول : كذبت ، قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل ، فيرد إلى النار " .

ولهذا قال : ( أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ) أي : وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ، ولا يجيرهم من أليم عقابه .

القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه " إنّ الذين كفروا "، أي: جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يصدقوا به وبما جاء به من عند الله من أهل كل ملة، يهودها ونصاراها ومجوسها وغيرهم =" وماتوا وهم كفار "، يعني: وماتوا على ذلك من جحود نبوته وجحود ما جاء به =" فلن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذَهبًا ولو افتدى به "، يقول: فلن يقبل ممن كان بهذه الصفة في الآخرة جَزَاءٌ ولا رِشْوةٌ على ترك عقوبته على كفره، ولا جُعْلٌ على العفو عنه، (31) ولو كان له من الذهب قدرُ ما يملأ الأرضَ من مشرقها إلى مغربها، فرَشَا وَجزَى على ترك عقوبته وفي العفو عنه على كفره عوضًا مما الله مُحلٌّ به من عذابه. لأنّ الرُّشا إنما يقبلها من كان ذَا حاجة إلى ما رُشى. فأما من له الدنيا والآخرة، فكيف يقبل &; 6-585 &; الفدية، وهو خلاق كل فدية افتدَى بها مفتدٍ منْ نفسه أو غيره؟ (32)

* * *

وقد بينا أن معنى " الفدية " العوَضُ، والجزاء من المفتدى منه = بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (33)

* * *

= ثم أخبر عز وجل عما لهم عنده فقال: " أولئك "، يعني هؤلاء الذين كفروا وماتوا وهم كفار =" لهم عذاب أليم "، يقول: لهم عند الله في الآخرة عذابٌ موجع =" وما لهم من ناصرين "، يعني: وما لهم من قريب ولا حميم ولا صديق ينصره، فيستنقذه من الله ومن عذابه كما كانوا ينصرونه في الدنيا على من حاول أذَاه ومكروهه؟ (34) وقد:-

7384 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا أنس بن مالك: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يُجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيتَ لو كان لك ملءُ الأرض ذهبًا، أكنت مفتديًا به؟ فيقول: نعم! قال فيقال: لقد سُئلت ما هو أيسرُ من ذلك! فذلك قوله: " إنّ الذين كفروا وماتوا وهم كفارٌ فلن يُقبل من أحدهم ملءُ الأرض ذهبًا ولو افتدى به ". (35)

7385 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد، عن الحسن قوله: " إنّ الذين كفروا وماتوا وهم كفارٌ فلن يقبل من أحدهم ملءُ الأرض ذهبًا "، قال: هو كل كافر.

* * *

ونصب قوله " ذهبًا " على الخروج من المقدار الذي قبله والتفسير منهُ، وهو قوله: " ملءُ الأرض "، كقول القائل: " عندي قدرُ زِقٍّ سمنًا = وقدْرُ رطل عَسلا "، ف " العسل " مبينٌ به ما ذكر من المقدار، وهو نكرة منصوبةٌ على التفسير للمقدار والخروج منه. (36)

* * *

وأما نحويو البصرة، فإنهم زعموا أنه نصب " الذهب " لاشتغال " الملء " بـ" الأرض "، ومجيء " الذهب " بعدهما، فصار نصبهُا نظيرَ نصب الحال. وذلك أن الحال يجيء بعد فعل قد شُغل بفاعله، فينصبُ كما ينصب المفعول الذي يأتي بعد الفعل الذي قد شُغل بفاعله. قالوا: ونظير قوله: " ملء الأرض ذهبًا " في نصب " الذهب " في الكلام: " لي مثلك رجُلا " بمعنى: لي مثلك من الرجال. وزعموا أن نصب " الرجل "، لاشتغال الإضافة بالاسم، فنصب كما ينصب المفعول به، لاشتغال الفعل بالفاعل.

* * *

وأدخلت الواو في قوله: " ولو افتدى به "، لمحذوف من الكلام بعدَه، دلّ عليه دخول " الواو "، وكالواو في قوله: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [سورة الأنعام: 75]، وتأويل الكلام: وليكون من الموقنين أرَيناه ملكوتَ السموات والأرض. فكذلك ذلك في قوله: " ولو افتدى به "، ولو لم يكن في الكلام " واو "، لكان الكلام صحيحًا، ولم يكن هنالك متروك، وكان: فلن يُقبل من أحدهم ملءُ الأرض ذهبًا لو افتدى به. (37)

* * *

---------------

الهوامش:

(31) "الجزاء" هنا: البدل والكفارة. و"الجعل" (بضم الجيم وسكون العين): الأجر على الشيء. يقول: لا يقبل منه أجر يدفعه على شريطة العفو عنه.

(32) في المخطوطة: "وهو خلاف" ، وهو تصحيف ، وفي المطبوعة: "عن نفسه" ، كأن الناشر استنكر عربية أبي جعفر ، فحولها إلى عربيته.

(33) انظر ما سلف 3: 438-439.

(34) اختلاف الضمائر في هذه العبارة جائز حسن ، وإن أشكل على بعض من يقرأه.

(35) الأثر: 7384- أخرجه البخاري في صحيحه (الفتح 11: 348-350) من طريقين طريق هشام الدستوائي عن قتادة ، ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، كرواية الطبري هنا. ورواه مسلم (17: 148 ، 149) من طريق هشام عن قتادة ، وأشار إلى طريق سعيد ، وذكر اختلافه. وللحديث طرق أخرى بغير هذا اللفظ أخرجها البخاري (الفتح 6: 262 / 11: 367) ومسلم 17: 148 ، 149.

(36) "التفسير": هو التمييز ، ويقال له أيضًا"التبيين" ، والمميز هو: "المفسر والمبين" ، وقد سلف ذلك فيما مضى 2: 338 ، تعليق: 1 / 3: 90 ، تعليق 2 / وانظر ما فصله الفراء في معاني القرآن 1: 225 ، 226.

(37) انظر معاني القرآن للفراء 1: 226.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[91] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي». [البخاري 6557].
وقفة
[91] ﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ﴾ لا ينجي المرء يوم القيامة من عذاب النار إلا عمله الصالح، وأما المال فلو كان ملء الأرض لم ينفعه شيئًا.
وقفة
[91] تأمل قوله تعالى: ﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ﴾، فلو أن كافرًا تقرب بسبيكة ذهبية بحجم الكرة الأرضية لينجو من النار ما قبل منه، بينما لو جاء أفقر مسلم مر على الدنيا كلها، فإن مآله إلى الجنة، فهل تدرك نعمة الله علينا بالهداية للإسلام ؟!
تفاعل
[91] ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ استعذ بالله من عذابه.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا:
  • إنّ الذين كفروا: سبق إعرابها في الآية الكريمة السابقة. وماتوا: معطوفة بحرف العطف «الواو» على «كَفَرُوا» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَهُمْ كُفَّارٌ:
  • الواو حالية. هم: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كفار: خبر «هُمْ» مرفوع بالضمة. والجملة الاسمية «هُمْ كُفَّارٌ» في محل نصب حال.
  • ﴿ فَلَنْ يُقْبَلَ:
  • الفاء: استئنافية. حرف نفي ونصب واستقبال. يقبل: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. ويجوز أن تكون الفاء في «فَلَنْ» زائدة. وجملة «لن يقبل» وما بعدها في محل رفع خبر «إِنَّ» والأصوب أن تكون الفاء واقعة في جواب الشرط لأن الذين متضمنة معنى الشرط.
  • ﴿ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ:
  • جار ومجرور متعلق بيقبل. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. ملء: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ الْأَرْضِ ذَهَباً:
  • الأرض: مضاف اليه مجرور بالكسرة. ذهبا: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَلَوِ افْتَدى بِهِ
  • الواو: حالية. لو: وصلية. افتدى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وحذف المفعول اختصارا أي ولو افتدى نفسه أو افتدى بمثله. به: جار ومجرور متعلق بافتدى وحذف المعطوف عليه. التقدير: ولو ملكه وافتدى به و «لَوِ» وما بعدها: في محل نصب حال ويجوز أن تكون «لَوِ» أداة شرط غير جازمة ويكون جواب الشرط محذوفا لتقدم معناه. التقدير «ولو افتدى نفسه فلن يقبل .... ». وكسر آخر «لَوِ» لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. لهم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف والميم علامة جمع الذكور. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. أليم: صفة لعذاب مرفوع بالضمة
  • ﴿ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ:
  • الواو: عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. لهم: أعربت. من: حرف جر زائد لتاكيد معنى النفي. ناصرين: اسم مجرور لفظا بمن وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر. '

المتشابهات :

البقرة: 161﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
آل عمران: 91﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [91] لما قبلها :     وبعد أن رَغَّبَ اللهُ عز وجل في التوبة، ورهَّب من التواني عنها؛ بَيَّنَ هنا عاقبة الذين يموتون على الكفر، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ

القراءات :

يقبل:
قرئ:
1- بالنون، ونصب «ملء» ، وهى قراءة عكرمة.
2- بالياء، مبنيا للفاعل، ونصب «ملء» أي: فلن يقبل الله.
ملء الأرض:
وقرئ:
مل الأرض، بدون همزة، وهى قراءة أبى جعفر، وأبى السمال.
ولو افتدى به:
قرئ:
1- بالواو، وهى قراءة الجمهور.
2- لو افتدى، بحذف الواو، وهى قراءة ابن أبى عبلة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف