101141142143144145146147

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (141) الى الآية رقم (143) عدد الآيات (3)

لمَّا ذكرَ اللهُ مصيرَ المنافقينَ في الآخرةِ بَيَّنَ هنا بعضَ صفاتِهم: حرصِهم على حظِّ أنفسِهم، وخداعِهم، وكسلِهم عندَ الصلاةِ، وتَذَبْذُبِهم.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (144) الى الآية رقم (147) عدد الآيات (4)

لَمَّا ذكَر اللهُ صفاتِ المنافقينَ ومنها اتِّخاذَ الكافرينَ أولياءَ، نهى هنا المؤمنينَ أنْ يتَّصِفُوا بهذه الصفةِ ويُشابهُوا المنافِقينَ، ثُمَّ ذكرَ عقوبةَ المنافقينَ الشهيرةَ: أنَّهم في الدَّرْكِ الأسفلِ من النَّارِ، واستثنى من تابَ منهم.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 101

101

مدارسة الآية : [141] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ ..

التفسير :

[141] المنافقون هم الذين ينتظرون ما يحلُّ بكم -أيها المؤمنون- من الفتن والحرب، فإن منَّ الله عليكم بفضله، ونصركم على عدوكم وغنمتم، قالوا لكم:ألم نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين لهذا الدين قدْرٌ من النصر والغنيمة، قالوا لهم:ألم نساعدكم بما قدَّمْناه ل

ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين ومعاداتهم للمؤمنين فقال:{ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} أي:ينتظرون الحالة التي تصيرون عليها، وتنتهون إليها من خير أو شر، قد أعدوا لكل حالة جوابا بحسب نفاقهم.{ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} فيظهرون أنهم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ليسلموا من القدح والطعن عليهم، وليشركوهم في الغنيمة والفيء ولينتصروا بهم.{ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} ولم يقل فتح؛ لأنه لا يحصل لهم فتح، يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة، بل غاية ما يكون أن يكون لهم نصيب غير مستقر، حكمة من الله. فإذا كان ذلك{ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} أي:نستولي عليكم{ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي:يتصنعون عندهم بكف أيديهم عنهم مع القدرة، ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع في تفنيدهم وتزهيدهم في القتال، ومظاهرة الأعداء عليهم، وغير ذلك مما هو معروف منهم.{ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فيجازي المؤمنين ظاهرا وباطنا بالجنة، ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات.{ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} أي:تسلطا واستيلاء عليهم، بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، ولا يزال الله يحدث من أسباب النصر للمؤمنين، ودفعٍ لتسلط الكافرين، ما هو مشهود بالعيان. حتى إن [بعض] المسلمين الذين تحكمهم الطوائف الكافرة، قد بقوا محترمين لا يتعرضون لأديانهم ولا يكونون مستصغرين عندهم، بل لهم العز التام من الله، فله الحمد أوّلًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.

ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك سمة أخرى من أبرز سمات المنافقين. وهى أنهم كانوا يلقون المسلمين بوجه ويلقون الكفر بوجه آخر. أى أنهم يحاولون أن يمسكوا العصا من وسطها حتى يأكلوا من كل مائدة. استمع إلى القرآن وهو يصور ذلك بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول: { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

وقوله: { يَتَرَبَّصُونَ } من التربص بمعنى الانتظار وترقب الحوادث. يقال: تربص به إذا انتظره مع ترقب وملاحظة.

وقوله: { نَسْتَحْوِذْ } من الاستحواذ بمعنى الغلبة والتمكن والاستيلاء، يقال: استحوذ فلان على فلان أى: غلب عليه وتمكن منه. ومنه قوله - تعالى -

{ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ }

والمعنى: إن من صفات هؤلاء المنافقين - أيها المؤمنون - أنهم يتربصون بكم. أى: ينتظرون بترقب وملاحظة ما يحدث لكم من خير أو شر، أو من نصر أو هزيمة { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } أى: من نصر وظفر على أعدائكم { قَالُوۤاْ } على سبيل التقرب إليكم { أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } فى الجهاد وغيره فاعطونا نصيبا من الخير الذى أصبتموه. { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } أى حظ من النصر عليكم - لأن الحرب سجال - { قَالُوۤاْ } لهم - أيضا - على سبيل التقرب إليهم { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أى: ألم نتمكن من قتلكم وأسركم ولكنا لم نفعل ذلك، بل أحطناكم بحمايتنا ورعايتنا ومنعنا المؤمنين من النصر عليكم بسبب تخذيلنا لهم، وتجسسنا على أحوالهم.

وإخباركم بما يهمكم من شئونهم. وما دام الأمر كذلك فاجعلوا لنا قسما من نصيبكم.

فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه المنافقون من تلون وتقلب وهرولة وراء شهوات الدنيا فى أى مكان كانت.

وعبر عن النصر فى جانب المؤمنين بأنه فتح، وعن انتصار الكافرين بأنه نصيب، لتعظيم شأن المسلمين وللتهوين من شأن الكافرين. ولأن انتصار المسلمين يترتب عليه فتح الطريق أمام الحق لكى يدركه الناس، ويدخلوا في دين الله أفواجا، ولأن الفتح من الله يكون معه الدوام وحسن العاقبة بخلاف انتصار الكافرين فهو أمر طارئ وليس بدائم.

قال صاحب الانتصاف: وهذا من محاسن نكت أسرار القرآن، فإن الذى يتفق للمسلمين فيه: استئصال لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤوها. وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التى لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحا. فالتفريق بينهما أيضا مطابق للواقع والاستفهام فى قوله { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } وفى قوله { أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } للتقرير أى: لقد كنا معكم واستحوذنا عليكم ومنعناكم من المؤمنين.

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين فقال: { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }.

والفاء هنا للإِفصاح عن كلام مقدر. أى: إذا كان هذا هو حال المنافقين والكافرين فى الدنيا، فأبشركم - أيها المؤمنون - بأن الله سيحكم بينكم وبينهم يوم القيامة بحكمه العادل، فيثيبكم بالثواب الجزيل لأنكم أولياؤه، ويعاقبهم بالعقاب الأليم لأنهم أعداؤه، وأبشركم - أيضا - بأنه - سبحانه - لن يجعل لأعدائكم الكافرين سلطانا عليكم ما دمتم متمسكين بدينكم ومعتصمين بحبل الله جميعا بدون فرقة أو تنازع أو فشل، وآخذين بالأسباب وبسنن الله الكونية التى تعينكم على الوصول إلى غاياتكم الشريفة، ومقاصدكم السليمة.

فالآية الكريمة تنفى أن يكون هناك سبيل للكافرين على المؤمنين فى الدنيا والآخرة.

ومنهم من يرى أن المراد بنفى السبيل هنا فى الآخرة.

وقد أشار الإِمام ابن كثير إلى هذين الاتجاهين بقوله - تعالى - { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }. أى: يوم القيامة كما روى عن على بن أبى طالب وغيره.

ويحتمل أن يكون المعنى: { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } أى: فى الدنيا، بأن يسلطوا عليهم تسليط استيلاء واستئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر فى بعض الأحيان على بعض الناس فإن العاقبة للمتقين فى الدنيا والآخرة، كما قال - تعالى -

{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ }

والذى نراه أولى أن تكون الجملة الكريمة عامة فى نفى أن يكون هناك سلطان للكافرين على المؤمنين ما دام المؤمنون متبعين اتباعا تاما تعاليم دينهم وآخذين فى الأسباب التى تجعل النصر حليفا لهم.

وإذا كان الكافرون فى بعض الازمان والأحوال قد صارت لهم الغلبة على المسلمين، فذلك قد يكون نوعا من الابتلاء أو التأديب أو التمحيص. حتى يعود المسملون إلى دينهم عودة كاملة تجعلهم يستجيبون لتوجيهاته. ويذعنون لأحكامه، ويطبقون أوامره ونواهيه. وهنا يحالفهم نصر الله الذى لا يقهر ووعده الذى لا يتخلف.

يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء ، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم ، وظهور الكفر عليهم ، وذهاب ملتهم ( فإن كان لكم فتح من الله ) أي : نصر وتأييد وظفر وغنيمة ( قالوا ألم نكن معكم ) ؟ أي : يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة ( وإن كان للكافرين نصيب ) أي : إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان ، كما وقع يوم أحد ، فإن الرسل تبتلى ثم يكون لها العاقبة ( قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ) ؟ أي : ساعدناكم في الباطن ، وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم .

وقال السدي : ( نستحوذ عليكم ) نغلب عليكم ، كقوله : ( استحوذ عليهم الشيطان ) [ المجادلة : 19 ] وهذا أيضا تودد منهم إليهم ، فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء ; ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم ، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم ، وقلة إيقانهم .

قال الله تعالى : ( فالله يحكم بينكم يوم القيامة ) أي : بما يعلمه منكم - أيها المنافقون - من البواطن الرديئة ، فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرا في الحياة الدنيا ، لما له [ تعالى ] في ذلك من الحكمة ، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم ، بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويحصل ما في الصدور .

وقوله : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) قال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن ذر ، عن يسيع الكندي قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ، فقال : كيف هذه الآية : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ؟ فقال علي ، رضي الله عنه : ادنه ادنه ، ثم قال : ( فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )

وكذا روى ابن جريج عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) قال : ذاك يوم القيامة . وكذا روى السدي عن أبي مالك الأشجعي : يعني يوم القيامة . وقال السدي : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) أي : حجة .

ويحتمل أن يكون المراد : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) أي : في الدنيا ، بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية ، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس ، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا [ ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ] ) [ غافر : 51 ، 52 ] . وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه وتربصوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين ، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين ، خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم ، كما قال تعالى : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم [ يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم ] نادمين ) [ المائدة : 52 ] .

وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء ، وهو المنع من بيع العبد المسلم من الكافر لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال ، ومن قال منهم بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال ; لقوله تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا (141)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " الذين يتربصون بكم "، الذين ينتظرون، أيها المؤمنون، (1) بكم=" فإن كان لكم فتح من الله "، يعني: فإن فتح الله &; 9-324 &; عليكم فتحًا من عدوكم، فأفاء عليكم فَيْئًا من المغانم=" قالوا " لكم=" ألم نكن معكمْ"، نجاهد عدوّكم ونغزوهم معكم، فأعطونا نصيبًا من الغنيمة، فإنا قد شهدنا القتال معكم=" وإن كان للكافرين نصيب "، يعني: وإن كان لأعدائكم من الكافرين حظّ منكم، بإصابتهم منكم (2) =" قالوا "، (3) يعني: قال هؤلاء المنافقون للكافرين=" ألم نستحوذ عليكم "، ألم نغلب عليكم حتى قهرتم المؤمنين=" ونمنعكم " منهم، بتخذيلنا إياهم، حتى امتنعوا منكم فانصرفوا=" فالله يحكم بينكم يوم القيامة "، يعني: فالله يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل، (4) بإدخال أهل الإيمان جنّته، وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناره=" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، يعني: حجة يوم القيامة. (5)

وذلك وعدٌ من الله المؤمنين أنه لن يدخل المنافقين مدخلَهم من الجنة، ولا المؤمنين مدخَل المنافقين، فيكون بذلك للكافرين على المؤمنين حجة بأن يقولوا لهم، إن أدخلوا مدخلهم: ها أنتم كنتم في الدنيا أعداءَنا، وكان المنافقون أولياءنا، وقد اجتمعتم في النار، فجمع بينكم وبين أوليائنا! فأين الذين كنتم تزعمون أنكم تقاتلوننا من أجله في الدنيا؟ فذلك هو " السبيل " الذي وعد الله المؤمنين أن لا يجعلها عليهم للكافرين.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10711- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " فإن كان لكم فتح من الله ". قال: المنافقون يتربَّصون بالمسلمين=" فإن كان لكم فتح "، قال: إن أصاب المسلمون من عدوهم غنيمة &; 9-325 &; قال المنافقون: " ألم نكن معكم "، قد كنا معكم فأعطونا غنيمة مثل ما تأخذون=" وإن كان للكافرين نصيب "، يصيبونه من المسلمين، قال المنافقون للكافرين: " ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين "، قد كنا نثبِّطهم عنكم.

* * *

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " ألم نستحوذ عليكم ".

فقال بعضهم: معناه: ألم نغلب عليكم.

*ذكر من قال ذلك:

10712- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: " ألم نستحوذ عليكم "، قال: نغلب عليكم.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ألم نبيِّن لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.

*ذكر من قال ذلك:

10713- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " ألم نستحوذ عليكم "، ألم نبين لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.

* * *

قال أبو جعفر: وهذان القولان متقاربا المعنى. وذلك أن من تأوله بمعنى: " ألم نبين لكم "، إنما أراد - إن شاء الله-: ألم نغلب عليكم بما كان منا من البيان لكم أنا معكم.

* * *

وأصل " الاستحواذ " في كلام العرب، فيما بلغنا، الغلبة، ومنه قول الله جل ثناؤه: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ، [سورة المجادلة: 19] ، بمعنى: غلب عليهم. يقال منه: " حاذ عليه واستحاذ، يحيذ ويستحيذ، وأحاذ (6) يحيذ ". ومن لغة من قال: " حاذ "، قول العجاج في صفة ثور وكلب:

يَحُوذُهُنَّ وَلَهُ حُوذِيّ (7)

وقد أنشد بعضهم:

يَحُوزُهُنَّ وَلَهُ حُوزِيُّ (8)

وهما متقاربا المعنى. ومن لغة من قال " أحاذ "، قول لبيد في صفة عَيْرٍ وأتُنٍ: (9)

إذَا اجْـــتَمَعَتْ وَأَحْــوَذَ جَانِبَيْهَــا

وَأَوْرَدَهــا عَــلَى عُــوجٍ طِـوَالِ (10)

يعني بقوله: " وأحوذ جانبيها "، غلبها وقهرَها حتى حاذ كلا جانبيها، فلم يشذّ منها شيء.

وكان القياس في قوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ أن يأتي: " استحاذ عليهم "، لأن " الواو " إذا كانت عين الفعل وكانت متحركة بالفتح وما قبلها ساكن، جعلت العرب حركتها في" فاء " الفعل قبلها، وحوَّلوها " ألفًا "، متبعة حركة ما قبلها، كقولهم: " استحال هذا الشيء عما كان عليه "، من " حال يحول "= و " استنار فلان بنور الله "، من " النور "= و " استعاذ بالله " من " عاذ يعوذ ". وربما تركوا ذلك على أصله كما قال لبيد: " وأحوذ "، ولم يقل " وأحاذ "، وبهذه اللغة جاء القرآن في قوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ .

* * *

وأما قوله: " فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، فلا خلاف بينهم في أن معناه: ولن يجعل الله للكافرين يومئذ على المؤمنين سبيلا.

ذكر الخبر عمن قال ذلك:

10714- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يُسَيْع الحضرمي قال: كنت عند علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أرأيت قول الله: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون؟ قال له عليّ: ادْنُه، ادْنُهْ! ثم قال: " فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، يوم القيامة.

10715- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يسيع الكندي في قوله: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: كيف هذه الآية: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "؟ فقال علي: ادْنُهْ،" فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله "، يوم القيامة،" للكافرين على المؤمنين سبيلا ".

10716- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ذر، عن يُسيع الحضرمي، عن علي بنحوه.

10717- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن شعبة قال: سمعت سليمان يحدّث، عن ذر، عن رجل، عن عليّ رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال: في الآخرة. (11)

10718- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، يوم القيامة.

* * *

10719- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال: ذاك يوم القيامة.

وأما " السبيل "، في هذا الموضع، فالحجة، (12) كما:-

10720- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال: حجةً.

--------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"التربص" فيما سلف 4 : 456 ، 515 / 5 : 79.

(2) انظر تفسير"نصيب" فيما سلف ص 212 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(3) في المطبوعة وحدها: "وقالوا ألم نكن معكم" ، وهو سهو من الناشر الأول.

(4) انظر تفسير"الحكم" فيما سلف ص: 175.

(5) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.

(6) قوله: "أحاذ يحيذ" ، لم أجده في معاجم اللغة ، وهو صحيح في العربية ، وقالوا مكانه: "أحوذ ثوبه" إذا ضمه ، وجاءوا ببيت لبيد الآتي شاهدا عليه. وانظر ما سيأتي بعد بيت لبيد.

(7) ديوانه: 71 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 141 ، واللسان (حوذ) (حوز) ، ورواية الديوان:

يَحُوذُهــا وَهْــوَ لَهَــا حُــوذِيُّ

خَــوْفَ الخِــلاطِ فَهْــوَ أَجْـنَبِيُّ

كَمَـــا يَحُــوذُ الفِئَــةَ الكَــمِيُّ

وفسروا"يحوذها": يسوقها سوقًا شديدًا ، ومثله"يحوزها" في الرواية الآتية.

(8) انظر اللسان (حوذ) و(حوز).

(9) "العير" حمار الوحش ، و"الأتن" جمع"أتان" ، وهي أنثاه.

(10) ديوانه: القصيدة: 17 ، البيت: 39 ، واللسان (حوذ) ، وقوله: "إذا اجتمعت" يعني إناث حمار الوحش حين دعاها إلى الماء ، فضمها من جانبيها ، يأتيها من هذا الجانب مرة ، ومن هذا مرة حتى غلبها ولم شتاتها ، و"العوج الطوال" قوائمه ، وبعد البيت:

رَفَعْــنَ سُــرَادِقًا فـي يَـوْمِ رِيـحٍ

يُصَفَّــقُ بيــن مَيْــلٍ واعْتِــدالِ

يعني غبارها ، ارتفع كأنه سرادق تصفقه الريح وتميله مرة هكذا ومرة هكذا ، فهو يميل ويعتدل.

(11) الآثار: 10714 - 10717-"ذر" (بفتح الذال) هو: "ذر بن عبد الله المرهبي" ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: 2918.

و"يسيع بن معدان الحضرمي ، والكندي" ، تابعي ثقة. مضى برقم: 2918. وكان في المطبوعة هنا: "نسيع" بالنون ، وهو خطأ صرف.

(12) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف قريبًا ص: 324 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.

التدبر :

وقفة
[141] تأمل هذا المشهد الحسي الذي يرصد حركة المنافقين، وكأنك ترى تقلبهم وتمالؤهم في صورة منفِّرة مزرية، فها هم يلقون المسلمين بوجه ويلقون الكافرين بوجه، ويمسكون العصا من وسطها، ويتلوَّنون كالثعابين.
وقفة
[141] ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّـهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ما يعتبره المنافق ذكاءً يعتبره القرآن تذبذبًا ونفاقًا ينتهي بصاحبه في الدرك الأسفل من النار.
وقفة
[141] المؤمنون لا يعلقون إيمانهم بنتائج الأحداث، إن إيمانهم فوق قيود الزمان والمكان ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾.
وقفة
[141] ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ﴾ المنافقون يفتحون خطوط الرجعة لكل الاحتمالات تحسبًا للقادم؛ لأنهم ليسوا أصحاب مبدأ.
وقفة
[141] ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ﴾ المنافقون لا يؤيدون صراحة أهل الحق في قتالهم؛ بل يغمغمون ويفتحون خطوط الرجعة لكل الاحتمالات.
وقفة
[141] ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ﴾ سَمَّى ظفرَ المسلمين فتحًا، وظَفَر الكافرين نصيبًا بعده؛ تعظيمًا لشأن المسلمين، وتحقيرًا لحظِّ الكافرينَ، لتضمُّنِ الأول نصرةَ دينِ اللَّه، وإِعلاء كلمته، ولهذا أضاف الفتحَ إليه تعالى، وحظُّ الكافرين في ظفرهم دنيويٌّ.
وقفة
[141] ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ مِنْ عظَمَة الجهاد والمجاهدين أن أعداءهم يتمسَّحون بانتصاراتهم.
وقفة
[141] قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ﴾، ولم يقل: «فتح»؛ لأنه لا يحصل لهم فتح يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة، بل غاية ما يكون أن يكون لهم نصيب غير مستقر.
وقفة
[141] لا يسلط الله الكافرين على المؤمنين إلا بمقدار نقص إيمانهم وابتعادهم عن دينهم ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّـهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة للمنافقين الواردة في الآية الكريمة السابقة. يتربصون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بكم: جار ومجرور متعلق بيتربصون. والميم: علامة جمع الذكور. وجملة «يَتَرَبَّصُونَ» صلة الموصول. ويجوز أن تكون جملة «الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ» في محل جر بدلا من «الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ» الواردة في الآية الكريمة التاسعة والثلاثين بعد المائة.
  • ﴿ فَإِنْ كانَ لَكُمْ:
  • الفاء: إستئنافية إن: حرف شرط جازم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم بإن فعل الشرط. لكم: جار ومجرور في محل نصب خبر «كانَ» مقدم والميم علامة الجمع.
  • ﴿ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ:
  • فتح: اسم «كانَ» مؤخر مرفوع بالضمة المنونه. من الله: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «فَتْحٌ».
  • ﴿ قالُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. والجملة. جواب الشرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ:
  • الهمزة: للاستفهام. لم: حرف نفي وجزم وقلب. نكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت واوه لالتقاء الساكنين واسمها: ضمير مستتر وجوبا تقديره: نحن وجملة «أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ» في محل نصب مفعول به «مقول القول» معكم: مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة والاجتماع وهو مضاف والكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. والميم: علامة جمع الذكور. وشبه الجملة «مَعَكُمْ» في محل نصب خبر «نَكُنْ».
  • ﴿ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ:
  • معطوفة بواو العطف على «إن كان لكم فتح قالوا ألم» وتعرب إعرابها وعلامة جر «الكافرين» الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ:
  • فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: سكون آخره وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. عليكم: جار ومجرور متعلق بنستحوذ والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
  • ونمنع: معطوفة بالواو على «نَسْتَحْوِذْ» وتعرب إعرابها. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. من المؤمنين: جار ومجرور متعلق بنمنع وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ:
  • الفاء: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يحكم: فعل مضارع مرفوع بالضمة. وفاعله: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. جملة «يَحْكُمُ» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • ظرف مكان متعلق بيحكم منصوب بالفتحة وهو مضاف، الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. يوم: ظرف زمان متعلق بيحكم منصوب بالفتحة القيامة: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. لن: حرف نفي ونصب واستقبال يجعل: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا:
  • جار ومجرور متعلق بيجعل. على المؤمنين: جار ومجرور متعلق بحال من سبيلا لأنه صفة مقدمة عليه وعلامة جر الاسمين الياء لانهما جمعا مذكر سالمان. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

البقرة: 113﴿كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡۚ فَاللَّـهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
النساء: 141﴿قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَاللَّـهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّـهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [141] لما قبلها :     المنافقون يتربصون بالمؤمنين، ويعدون لكل حالة جوابًا -يمسكون العصا من وسطها-، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً

القراءات :

ونمنعكم:
وقرئ:
1- بنصب العين، وهى قراءة ابن أبى عيلة.
2- ومنعناكم، وهى قراءة أبى.

مدارسة الآية : [142] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ ..

التفسير :

[142] إنَّ طريقة هؤلاء المنافقين مُخَادَعَةُ اللهِ تعالى، بما يظهرونه من الإيمان وما يبطنونه من الكفر، ظنّاً أنه يخفى على الله، والحال أن الله خادعهم ومجازيهم بمثل عملهم، وإذا قام هؤلاء المنافقون لأداء الصلاة، قاموا إليها في فتور، يقصدون بصلاتهم الرياء وا

يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه، من قبيح الصفات وشنائع السمات، وأن طريقتهم مخادعة الله تعالى، أي:بما أظهروه من الإيمان وأبطنوه من الكفران، ظنوا أنه يروج على الله ولا يعلمه ولا يبديه لعباده، والحال أن الله خادعهم، فمجرد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها، خداع لأنفسهم. وأي:خداع أعظم ممن يسعى سعيًا يعود عليه بالهوان والذل والحرمان؟"ويدل بمجرده على نقص عقل صاحبه، حيث جمع بين المعصية، ورآها حسنة، وظنها من العقل والمكر، فلله ما يصنع الجهل والخذلان بصاحبه"ومن خداعه لهم يوم القيامة ما ذكره الله في قوله:{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُـوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُـورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَـةُ وَظَاهـِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} إلى آخر الآيات. "وَ "من صفاتهم أنهم{ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ} -إن قاموا- التي هي أكبر الطاعات العملية{ قَامُوا كُسَالَى} متثاقلين لها متبرمين من فعلها، والكسل لا يكون إلا من فقد الرغبة من قلوبهم، فلولا أن قلوبهم فارغة من الرغبة إلى الله وإلى ما عنده، عادمة للإيمان، لم يصدر منهم الكسل،{ يُرَاءُونَ النَّاسَ} أي:هذا الذي انطوت عليه سرائرهم وهذا مصدر أعمالهم، مراءاة الناس، يقصدون رؤية الناس وتعظيمهم واحترامهم ولا يخلصون لله، فلهذا{ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} لامتلاء قلوبهم من الرياء، فإن ذكر الله تعالى وملازمته لا يكون إلا من مؤمن ممتلئ قلبه بمحبة الله وعظمته.

ثم تمضى السورة الكريمة بعد هذا الوعد المطمئن لقلوب المؤمنين، فى رسم صورة أخرى للمنافقين مبالغة فى الكشف عن قابئحهم وفى التحذير من شرورهم فتقول: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }.

وقوله: { يُخَادِعُونَ } من الخداع وهو أن يظهر الشخص من الأفعال ما يخفى أمره، ويستر حقيقته.

قال الراغب: الخداع: إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه...

ويقال: طريق خادع وخيدع. أى: مضل كأنه يخدع سالكه. وفى الحديث: " بين يدى الساعة سنون خداعة " أى: محتالة لتلونها بالجدب مرة وبالخصب مرة.

وقوله: { خَادِعُهُمْ } اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه.

والمعنى: إن المنافقين لسوء طواياهم، وخبث نواياهم { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } أى: يفعلون ما يفعل المخادع بأن يظهروا الإِيمان ويبطنوا الكفر { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } أى: وهو فاعل بهم ما يفعله الذى يغلب غيره فى الخداع، حيث تركهم فى الدنيا معصومى الدماء والأموال. وأعد لهم فى الآخرة الدرك الأسفل من النار.

ومنهم من جعل المراد بمخادعتهم لله مخادعتهم لرسوله وللمؤمنين فيكون الكلام على حذف مضاف. أى: إن المنافقين يخادعون رسول الله والمؤمنين وهو - سبحانه - خادعهم فهو كقوله - تعالى -

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ }

وعبر - سبحانه - عن خداعهم بصيغة تدل على المشاركة والمغالبة وهى قوله { يُخَادِعُونَ } ، للإِشعار بأنهم قد ينجحون فى خداعهم وقد لا ينجحون.

وعبر - سبحانه - عن خداعه لهم بصيغة اسم الفاعل، للدلالة على الغلب والقهر. لأن الله - تعالى - كاشف أمرهم، ومزيل مغبة خداعهم، ومحاسبهم حسابا عسيرا على ما ارتكبوه من جنايات وسيئات.

وقوله: { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ } بيان للون آخر من قبائحهم. و { كُسَالَىٰ } جمع كسلان وهو الذى يعتريه الفتور فى أفعاله لكراهيته لها أو عدم اكتراثه بها. وهى حال لازمة من ضمير قاموا أى: إن هؤلاء المنافقين إذا قاوموا إلى الصلاة، قاموا متثاقلين متباطئين لا نشاط عندهم لأدائها، ولا رغبة لهم فى القيام بها، لأنهم لا يعتقدون ثوابا فى فعلها، ولا عقابا على تركها.

وقوله { يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } حال من الضمير المستكن فى كسالى. أو جملة مستأنفة جوابا لمن يسأل: وما قصدهم من القيام للصلاة مع هذا التثاقل والتكاسل عنها؟ فكان الجواب: يراءون الناس. أى: يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة والخداع.

قال ابن كثير: وقوله: { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ } هذه صفة المنافقين فى أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها. وهى الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها، لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها، ولا خشية، ولا يعقلون معناها. وهذه صفة ظواهرهم.

ثم ذكر - سبحانه - صفة بواطنهم الفاسدة فقال: { يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } أى: إخلاص لهم ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التى لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء فى وقت العتمة وصلاة الصبح فى وقت الغلس كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا " وروى الحافظ ألو ليلى عن عبد الله قال: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة. استهان بها ربه - عز وجل -.

وقوله: { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } معطوف على { يُرَآءُونَ } أى: أن من صفات المنافقين أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا متباطئين متقاعسين يقصدون الرياء والسمعة بصلاتهم، ولا يذكرون الله فى صلاتهم إلا ذكرا قليلا أو وقتا قليلا؛ لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم فى صلاتهم ساهمون لاهون.

روى الإِمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك صلاة المنافق - تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا ".

قال ابن كثير: وكذا رواه مسلم والترمذى والنسائى من حديث إسماعيل بن جعفر المدنى عن العلاء بن عبد الرحمن. وقال الترمذى: حسن صحيح.

ومنهم من فسر قوله { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } أى: ولا يصلون إلا قليلا. لأنهم إنما يصلون رياء فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا. والأول أولى لأنه أعم وأشمل.

قال صاحب الكشاف: قوله { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } أى: ولا يصلون إلا قليلا، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به. وما يجاهرون به قليل أيضا، لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس فى قلوبهم لم تكلفوه. أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا فى الندرة، وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالإِسلام لو صحبته الأيام والليالى لم تسمع منه تهليلة ولا تسبيحة ولا تحميدة، ولكن حديث الدنيا يستغرق به أوقاته لا يفتر عنه.

فإن قلت ما معنى المراءاة وهى مفاعلة من الرؤية؟ قلت: فيها وجهان:

أحدهما: أن المرائى يريهم عمله وهم يرونه استحسانه.

والثانى: أن يكون من المفاعلة بمعنى التفعيل. فيقال: راءى الناس. يعنى رآهم كقولك نعمه وناعمه.. روى أبو زيد: رأت المرأة المرآة الرجل: إذا أمسكها لترى وجهه...

قد تقدم في أول سورة البقرة قوله تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا ) [ البقرة : 9 ] وقال هاهنا : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) ولا شك أن الله تعالى لا يخادع ، فإنه العالم بالسرائر والضمائر ، ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم ، يعتقدون أن أمرهم كما راج عند الناس وجرت عليهم أحكام الشريعة ظاهرا ، فكذلك يكون حكمهم يوم القيامة عند الله ، وأن أمرهم يروج عنده ، كما أخبر عنهم تعالى أنهم يوم القيامة يحلفون له : أنهم كانوا على الاستقامة والسداد ، ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده ، فقال تعالى : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم [ ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ] ) [ المجادلة : 18 ] .

وقوله : ( وهو خادعهم ) أي : هو الذي يستدرجهم في طغيانهم وضلالهم ، ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا وكذلك في يوم القيامة كما قال تعالى : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ألم يأن ) . [ الحديد : 13 - 15 ] وقد ورد في الحديث : " من سمع سمع الله به ، ومن راءى راءى الله به " وفي حديث آخر : " إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس ، ويعدل به إلى النار " عياذا بالله من ذلك .

وقوله : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى [ يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ] ) هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها ، وهي الصلاة . إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها ; لأنهم لا نية لهم فيها ، ولا إيمان لهم بها ولا خشية ، ولا يعقلون معناها كما روى ابن مردويه ، من طريق عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ، ولكن يقوم إليها طلق الوجه ، عظيم الرغبة ، شديد الفرح ، فإنه يناجي الله [ تعالى ] وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه ، ثم يتلو ابن عباس هذه الآية : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) وروي من غير هذا الوجه ، عن ابن عباس ، نحوه .

فقوله تعالى : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) هذه صفة ظواهرهم ، كما قال : ( ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) [ التوبة : 54 ] ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة ، فقال : ( يراؤون الناس ) أي : لا إخلاص لهم [ ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الصلاة تقية من الناس ومصانعة لهم ] ; ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون غالبا فيها كصلاة العشاء وقت العتمة ، وصلاة الصبح في وقت الغلس ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال ، معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة ، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " .

وفي رواية : " والذي نفسي بيده ، لو علم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين ، لشهد الصلاة ، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار " .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد - هو ابن أبي بكر المقدمي - حدثنا محمد بن دينار ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحسن الصلاة حيث يراه الناس ، وأساءها حيث يخلو ، فتلك استهانة ، استهان بها ربه عز وجل " .

وقوله : ( ولا يذكرون الله إلا قليلا ) أي : في صلاتهم لا يخشعون [ فيها ] ولا يدرون ما يقولون ، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون ، وعما يراد بهم من الخير معرضون .

وقد روى الإمام مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق : يجلس يرقب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان ، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .

وكذا رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

القول في تأويل قوله : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا (142)

قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى قبل على معنى " خداع المنافق ربه "، ووجه " خداع الله إياهم "، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، مع اختلاف المختلفين في ذلك. (13)

* * *

فتأويل ذلك: إنّ المنافقين يخادعون الله، بإحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم، والله خادعهم بما حكَم فيهم من منع دِمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان، مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفرَ، استدراجًا منه لهم في الدنيا، حتى يلقوه في الآخرة، فيوردهم بما استبطنوا من الكفر نارَ جهنم، كما:-

10721- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: يعطيهم يوم القيامة نورًا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم، ويُضرب بينهم بالسُّور.

10722- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: نـزلت في عبد الله بن أبيّ، وأبي عامر بن النعمان، (14) وفي المنافقين=" يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: مثل قوله في" البقرة ": يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ [سورة البقرة: 9]. (15) قال: وأما قوله: " وهو خادعهم "، فيقول: في النور الذي يعطَى المنافقون مع المؤمنين، فيعطون النور، فإذا بلغوا السور سُلب، وما ذكر الله من قوله (16) انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [سورة الحديد: 13]. قال قوله: " وهو خادعهم ".

10723- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحسن: أنه كان إذا قرأ: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: يُلقَى على كل مؤمن ومنافق نورٌ يمشونَ به، حتى إذا انتهوا إلى الصراط طَفِئ نورُ المنافقين، ومضى المؤمنون بنورهم، فينادونهم: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ إلى قوله: وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ [سورة الحديد: 13 ، 14]. قال الحسن: (17) فذلك خديعة الله إياهم. (18)

* * *

وأما قوله: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس "، فإنه يعني: أن المنافقين لا يعملون شيئًا من الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التقرُّب بها إلى الله، لأنهم غير موقنين بمعادٍ ولا ثواب ولا عقاب، وإنما يعملون ما عملوا من الأعمال الظاهرة إبقاءً على أنفسهم، (19) وحذارًا من المؤمنين عليها أن يُقتلوا أو يُسلبوا أموالهم. فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي من الفرائض الظاهرة، قاموا كسالى إليها، رياءً للمؤمنين ليحسبوهم منهم وليسوا منهم، لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كسالى، (20) كما:-

10724- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى "، قال: والله لولا الناسُ ما صَلَّى المنافق، ولا يصلِّي إلا رياء وسُمْعة.

10725- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس " ، قال: هم المنافقون، لولا الرياء ما صلُّوا.

* * *

وأما قوله: " ولا يذكرون الله إلا قليلا "، فلعل قائلا أن يقول: وهل من ذكر الله شيء قليل؟.

قيل له: إن معنى ذلك= بخلاف ما ذهبت=: ولا يذكرون الله إلا ذكر رياء، (21) ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلبَ الأموال، لا ذكر موقن مصدّق بتوحيد الله، مخلص له الربوبية. فلذلك سماه الله " قليلا "، لأنه غير مقصود به الله، ولا مبتغًي به التقرّب إلى الله، ولا مرادٌ به ثواب الله وما عنده. فهو، وإن كثر، من وجه نَصَب عامله وذاكره، (22) في معنى السراب الذي له ظاهرٌ بغير حقيقة ماء.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10726- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب قال: قرأ الحسن: " ولا يذكرون الله إلا قليلا "، قال: إنما قلَّ لأنه كان لغير الله.

10727- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولا يذكرون الله إلا قليلا "، قال: إنما قلّ ذكر المنافق، لأن الله لم يقبله. وكل ما رَدَّ الله قليل، وكل ما قبلَ الله كثير.

--------------------

الهوامش :

(13) انظر ما سلف 1: 272 - 277 ، ثم: 301 -306 ، تضمينًا.

(14) "أبو عامر بن النعمان" ، هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة ، وأظنه قد أسقط الناسخ من اسمه ما أنا مثبته ، فإن المذكور مع عبد الله بن أبي بن سلول في المنافقين هو: "أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان ، أحد بني ضبيعة بن زيد ، وهو الذي يقال له"أبو عامر الراهب" ، وهو أبو"حنظلة الغسيل" يوم أحد. وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح ، وكان في قومه من الأوس شريفًا مطاعًا. فلما جاء الله بالإسلام ، أبى إلا الكفر والفراق لقومه الأوس ، فخرج مفارقًا للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله: "لا تقولوا: الراهب ، ولكن قولوا: الفاسق". انظر سيرة ابن هشام 2 : 234 ، 235.

هذا ، ولم أجد أحدًا غيره في المنافقين أو غيرهم يقال له: "أبو عامر بن النعمان" ، فثبت عندي أن ما قلته هو الصواب.

(15) في المطبوعة: "وما يخادعون إلا أنفسهم" ، وهي إحدى قراءتين ، وأثبت قراءتنا في مصحفنا ، وهي أيضًا القراءة التي أوجب لها الصحة أبو جعفر فيما سلف 1 : 277.

(16) في المخطوطة: "وما ذكر منه انظرونا نقتبس من نوركم" ، وهو ناقص ، والذي في المطبوعة مقارب للصواب.

(17) في المطبوعة: "فتلك خديعة الله" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.

(18) الأثر: 10723 -"سفيان بن حسين بن الحسن الواسطي" ، مضى برقم: 3471 ، 3879 ، 6462.

(19) في المطبوعة: "بقاء على أنفسهم" ، والصواب ما في المخطوطة.

(20) انظر تفسير"الرياء" فيما سلف 5 : 521 ، 522 / 8 : 356.

(21) في المطبوعة: "إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، وإنما معناه: ولا يذكرون الله إلا ذكرًا رياء" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فإنه صواب ، وقوله: "بخلاف ما ذهبت" اعتراض في الكلام ، وضعته بين خطين.

(22) "النصب" (بفتحتين): التعب.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[142] هذه الأوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على أن المؤمنين متصفون بضدها من: الصدق ظاهرًا وباطنًا، والإخلاص، وأنهم لا يجهل ما عندهم، ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم، وكثرة ذكرهم لله تعالى، وأنهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم، فليعرض العاقل نفسه على هذين الأمرين، وليختر أيهما أولى به.
لمسة
[142] ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ﴾ ما الفرق بين الخداع والمخادعة؟ خدعت الرجل أي أوهمته، فعلت شيئًا يتصور أنه صواب فأغرر به لأنال هدفًا آخر، والآية استخدمت الفعل الرباعي (يخادع) ولم تستخدم (يخدع) مع المنافقين للدلالة على التجدد والاستمرار فهم مستمرون في الخداع، يخادع على وزن (يفاعل) تدل على شدة المفاعلة، كأنهم يحاولون أن يُظهِروا أمام المسلمين إظهارًا شديدًا أنهم مسلمون، فيذهبون إلى المسجد، ويتظاهرون أنهم يسمعون القرآن، ويضمرون عكس ما يظنون، ويحسبون أنهم يخادعون الله.
وقفة
[142] ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ استخدم ﴿يُخَادِعُونَ﴾ بالصيغة الفعلية و﴿خَادِعُهُمْ﴾ بالصيغة الاسمية، ﴿يُخَادِعُونَ﴾ هم يتصورون هذا في أفعالهم ومخادعتهم، ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ جملة اسمية والجملة الاسمية آكد في المعنى، وتدل على ثبات المعنى، كأنه قانون ثابت لا تغيُّر فيه، لا في الزمن الماضي ولا في المستقبل.
وقفة
[142] من فضل الله على أهل اﻹيمان أن كفاهم مؤونة فضح أهل النفاق، ورد كيدهم في نحورهم مهما بلغوا من مكر وتدبير ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾.
وقفة
[142] يعيش المنافقون في وهم الانتصار حتى على الله سبحانه ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾، ويأتيهم الله مما يأمنون.
وقفة
[142] ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ ... وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ كُلَّما زاد ذكرك لله؛ كُلَّما زاد بُعدك عن صفات المنافقين.
تفاعل
[142] ﴿يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ استعذ بالله من هذا.
وقفة
[142] يخادع المنافقون غيرهم بادعاء الدعوة لقيم سامية، كاحترام الحقوق والعدل والحرية، فتأتي الأزمات فتفضحهم وتكشف كذبهم ﴿يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾.
وقفة
[142] ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ﴾ حين يرحل الحب من القلب؛ يتثاقل المرء عن اللقاء.
وقفة
[142] ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ الكَسَل في القيام إلى الصَّلاة والاستعدادِ لها من علاماتِ النِّفاق.
وقفة
[142] ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ استدل به علي استحباب دخول الصلاة بنشاط.
وقفة
[142] ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ﴾ أي: متثاقلين، متباطئين، لا نشاط لهم، ولا رغبة؛ كالمكره على الفعل؛ لأنهم لا يعتقدون ثوابًا في فعلها، ولا عقابًا على تركها.
عمل
[142] إذا كنت لا تجد ألمًا في قلبك عند قيامك للصلاة كسلًا، فهذه مصيبة أخرى، فبادر للتخلص من هذه الصفة النفاقية ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.
عمل
[142] إذا رأيت الصلاة ثقيلة عليك، حتى ولو كانت نافلة، فاعلم أن في قلبك نفاقًا؛ لأن هذا شأن المنافقين، الذين قال الله فيهم: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾، وإذا رأيت من قلبك خفة واستبشارًا فاعلم أن هذا دليل على قوة إيمانك.
وقفة
[142] يتثاقل في مشيته فيدرك الناس أن به علةً، فماذا عن ثقل مشي القلب إلى الطاعة -الذي تترجمه الجوارح-؟ تأمل: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.
وقفة
[142] حين يرحل الحُب من القلب؛ يتثاقل المرء اللقاء ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.
وقفة
[142] من علامات الإيمان الفرح عند سماع الأذان، وإجابة النداء سريعًا بخلاف المنافقين ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.
وقفة
[142] الكسل عن الطاعات من علامات النفاق ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾، ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.
وقفة
[142] ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾ كسلت قلوبهم فكسلت جوارحهم وفسد عملهم، ولو طهرت قلوبهم لنشطوا وتلذذوا بالعبادة.
وقفة
[142] إذا تعلَّق القلب بالمخلوق ضَعُف اهتمامه بالخالق، لهذا أعظم أسباب التكاسل عن الصلاة الرياء ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾.
وقفة
[142] إذا رأيت من قلبك استبشارًا عند: (حي على الصلاة)؛ فاعلم أن هذا دليل على قوة إيمانك؛ لأن الله قال في المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾.
عمل
[142] قم اليوم إلى الصلاة مبكرًا وبنشاط وإقبال، ولا تكن كحال أهل النفاق ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾.
عمل
[142] ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ تفقَّد صلاتَك وذكرَك، فحتى المنافقين يصلُّون ويذكرون، ولكنْ مع قِلَّةٍ وكسَل!
وقفة
[142] في ذم المنافقين بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ دليل على وجوب الطمأنينة في الصلاة، وتكميل ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، لأن العبد لا يسلم من هذا الذم إلا بهذا التكميل والإخلاص لله تعالى.
عمل
[142] أكثر اليوم من ذكر الله تعالى وتسبيحه؛ ابتداءًا من أذكار الصباح والمساء، ثم بعموم الذكر ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[142] الصلاة ثقيلة على المنافقين، لو عظمت محبة الله تعالى عند هؤلاء، وكانت للصلاة مكانة في قلوبهم؛ لما كان حالهم مع الصلاة هذا الحال ﴿ كُسَالَىٰ﴾.
وقفة
[142] ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال الحسن البصري: «إنما قلَّ؛ لأنه كان لغير الله عز وجل».
وقفة
[142] ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ لأنهم لا يذكرونه إلا باللسان، وعند حضورهم بين الناس، بخلاف المؤمنين الصادقين؛ فإنهم إذا قاموا إلى الصلاة يطيرون إليها بجناحي الرغبة والرهبة، بل يحنون إلى أوقاتها.
وقفة
[142] ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ من أحب شيئًا أكثر من ذكره، فكيف حبك لربك؟! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41].
وقفة
[142] ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ من فوائد كثرة ذكر الله: أنه أمـان للإنسـان من النِّفـاق، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
وقفة
[142] قال الله في المنافقين: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال كعب: «من أكثر من ذكر الله برئ من النفاق».
وقفة
[142] الذكر أيسر العبادات، يقواه حتى العاجز، ومن صفات المنافقين: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، فمن عجز عن الذكر بلسانه لن تنشط للعبادة أركانه.
وقفة
[142] كثرةُ ذكرِ الله أمانٌ من النِّفاق، فإنَّ المنَافقين قليلو الذِّكر ﴿وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
وقفة
[142] ذكر الله أيسر الأعمال جهدًا، كثرته علامة على حياة القلب، وقلته علامة على مرضه أو موته، قال الله عن المنافقين: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[142] ذكر الله يطهر القلب من النفاق، قال الله في المنافقين: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، وقال في المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41].
وقفة
[142] المنافق يحتاج إلى قليل من الطاعة لستر نفاقه، قال تعالى فيهم: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، ﴿وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: 18]، والمؤمن يكثر من العمل الصالح: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41]، ذكر الله العلامة الفارقة بين الإيمان والكفر؛ كن ذاكرًا.
عمل
[142] وصف الله المنافقين بأنهم: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، وأنهم: ﴿وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54]، فاحذر أن تشابههم في صفة من صفاتهم.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الْمُنافِقِينَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. المنافقين: اسم «إِنَّ» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
  • ﴿ يُخادِعُونَ اللَّهَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الله: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَهُوَ خادِعُهُمْ:
  • الواو: حالية. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. خادعهم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. والجملة: في محل نصب حال وفي قوله تعالى يخادعون الله حذف المضاف المنصوب وحلّ المضاف اليه محله لان المعنى يخادعون أولياء الله وبما ان الخداع محال على الله سبحانه فيكون المعنى «هو محاسبهم» وجملة «يُخادِعُونَ» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ وَإِذا قامُوا:
  • الواو: استئنافية. إذا: ظرف زمان مبني على السكون أداة شرط غير جازمة خافض لشرطه منصوب بجوابه. قاموا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف: فارقة. وجملة «قامُوا» في محل جر بالاضافة
  • ﴿ إِلَى الصَّلاةِ قامُوا:
  • جار ومجرور متعلق بقاموا. قاموا: سبق إعرابها. وجملة «قامُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ:
  • كسالى: حال منصوب بالفتحة المقدرة على الالف للتعذر يراءون الناس تعرب إعراب «يُخادِعُونَ اللَّهَ» وجملة «يُراؤُنَ» في محل نصب حال من واو الجماعة في قاموا.
  • ﴿ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ:
  • الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. يذكرون الله: تعرب إعراب «يُخادِعُونَ اللَّهَ».
  • ﴿ إِلَّا قَلِيلًا:
  • أداة أستثناء. قليلا: نائب عن المستثنى بإلّا «المصدر المحذوف» أو صفة له التقدير: إلّا ذكرا قليلا. '

المتشابهات :

النساء: 142﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى
النساء: 145﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
التوبة: 67﴿نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
المنافقون: 1﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [142] لما قبلها :     الخداع. 5- الكسل عن الطاعات. 6- الرياء. 7- قلة ذكر الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً

القراءات :

خادعهم:
وقرئ:
بإسكان العين، على التخفيف واستثقال الخروج من كسر إلى ضم، وهى قراءة مسلمة ابن عبد الله النحوي.
كسالى:
قرئ:
1- بضم الكاف، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتح الكاف، وهى لغة تميم وأسد، وهى قراءة الأعرج.
3- كسلى، على وزن فعلى، وهى قراءة ابن السميفع.
يراءون:
وقرئ:
بهمزة مضمومة مشددة، بين الراء والواو.

مدارسة الآية : [143] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى ..

التفسير :

[143] إنَّ مِن شأن هؤلاء المنافقين التردد والحَيْرة والاضطراب، لا يستقرون على حال، فلا هم مع المؤمنين ولا هم مع الكافرين. ومن يصرف الله قلبه عن الإيمان به والاستمساك بهديه، فلن تجد له طريقاً إلى الهداية واليقين.

{ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} أي:مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا، ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. أعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين، وهذا أعظم ضلال يقدر. ولهذا قـال:{ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} أي:لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته، لأنه انغلق عنه باب الرحمة، وصار بدله كل نقمة. فهذه الأوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على أن المؤمنين متصفون بضدها، من الصدق ظاهرا وباطنا، والإخلاص، وأنهم لا يجهل ما عندهم، ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم، وكثرة ذكرهم لله تعالى. وأنهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين الأمرين وليختر أيهما أولى به، وبالله المستعان.

وقوله: { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ } حال من فاعل يراءون واسم الإِشارة " ذلك " مشار به إلى الإِيمان والكفر المدلول عليه بذكر المؤمنين والكافرين.

قال القرطبى: المذبذب: المتردد بين أمرين. والذبذبة: الاضطراب. يقال: ذبذبته فتذبذب. ومنه قول النابغة - فى مدح النعمان بل المنذر -

ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

أى: يضطرب وقال ابن جنى: المذبذب: المهتز القلق الذى لا يثبت ولا يتمهل. فهؤلاء المنافقون مترددون بين المؤمنين والمشركين. لا مخلصين للإِيمان ولا مصرحين بالكفر. وفى صحيح مسلم من حيث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم: " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين - أى المترددة بين قطيعين - تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى ".

وقوله { لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } فى محل نصب على أنه حال من ضمير { مُّذَبْذَبِينَ } أو على أنه بيان وتفسير له.

وقوله: { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أى: ومن يضلله الله - تعالى - عن طريق الحق، بسبب إيثاره الغواية على الهداية. فلن تجد له سبيلا يوصله إلى الصراط المسقيم.

وقوله : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) يعني : المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر ، فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ، ولا مع الكافرين ظاهرا وباطنا ، بل ظواهرهم مع المؤمنين ، وبواطنهم مع الكافرين . ومنهم من يعتريه الشك ، فتارة يميل إلى هؤلاء ، وتارة يميل إلى أولئك ( كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ) الآية [ البقرة : 20 ] .

قال مجاهد : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) يعني : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( ولا إلى هؤلاء ) يعني : اليهود .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة ، ولا تدري أيتهما تتبع " .

تفرد به مسلم . وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى ، عن عبد الوهاب ، فوقف به على ابن عمر ، ولم يرفعه ، قال : حدثنا به عبد الوهاب مرتين كذلك .

قلت : وقد رواه الإمام أحمد ، عن إسحاق بن يوسف بن عبيد الله ، به مرفوعا . وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا . وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة ، عن عبدة ، عن عبد الله ، به مرفوعا . ورواه حماد بن سلمة ، عن عبيد الله - أو عبد الله بن عمر - عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا . ورواه أيضا صخر بن جويرية ، عن نافع عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا الهذيل بن بلال ، عن ابن عبيد ، عن أبيه : أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه ، فقال أبي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الربيضين من الغنم ، إن أتت هؤلاء نطحتها ، وإن أتت هؤلاء نطحتها " فقال له ابن عمر : كذبت . فأثنى القوم على أبي خيرا - أو معروفا - فقال ابن عمر : لا أظن صاحبكم إلا كما تقولون ، ولكني شاهد نبي الله إذ قال : كالشاة بين الغنمين . فقال : هو سواء . فقال : هكذا سمعته .

وقال أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا المسعودي ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : بينما عبيد بن عمير يقص ، وعنده عبد الله بن عمر ، فقال عبيد بن عمير : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كالشاة بين ربيضين ، إذا أتت هؤلاء نطحتها ، وإذا أتت هؤلاء نطحتها " . فقال ابن عمر : ليس كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كشاة بين غنمين " . قال : فاحتفظ الشيخ وغضب ، فلما رأى ذلك ابن عمر قال : أما إني لو لم أسمعه لم أردد ذلك عليك .

طريق أخرى : عن ابن عمر ، قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن عثمان بن بودويه ، عن يعفر بن زوذى قال : سمعت عبيد بن عمير وهو يقص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين " . فقال ابن عمر : ويلكم . لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . إنما قال صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد ، فدفع أحدهم فعبر ، ثم وقع الآخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي : ويلك . أين تذهب ؟ إلى الهلكة ؟ ارجع عودك على بدئك ، وناداه الذي عبر : هلم إلى النجاة . فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة ، قال : فجاءه سيل فأغرقه ، فالذي عبر المؤمن ، والذي غرق المنافق : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) والذي مكث الكافر وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة عن قتادة : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) يقول : ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرحين بالشرك . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلا للمؤمن وللمنافق وللكافر ، كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر ، فوقع المؤمن فقطع ، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر : أن هلم إلي ، فإني أخشى عليك . وناداه المؤمن : أن هلم إلي ، فإني عندي وعندي ; يحصى له ما عنده . فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى أذى فغرقه . وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة ، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين ، رأت غنما على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف ، ثم رأت غنما على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف " .

ولهذا قال تعالى : ( ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) أي : ومن صرفه عن طريق الهدى ( فلن تجد له وليا مرشدا ) فإنه : ( من يضلل الله فلا هادي له ) والمنافقون الذين أضلهم عن سبيل النجاة فلا هادي لهم ، ولا منقذ لهم مما هم فيه ، فإنه تعالى لا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

القول في تأويل قوله : مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا (143)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " مذبذبين "، مردّدين.

* * *

وأصل " التذبذب "، التحرك والاضطراب، كما قال النابغة:

أَلــم تَـرَ أَنَّ اللـه أَعْطَـاكَ سُـورَةً

تَــرَى كُـلَّ مَلْـكٍ دُونَهَـا يَتَذَبْـذَبُ (23)

* * *

وإنما عنى الله بذلك: أن المنافقين متحيِّرون في دينهم، لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحة، فهم لا مع المؤمنين على بصيرة، ولا مع المشركين على جهالة، ولكنهم حيارَى بين ذلك، فمثلهم المثلُ الذي ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:-

10728- حدثنا به محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَثَلُ المنافق كمثل الشَّاة العائرة بين الغنمين، تَعِير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، لا تدري أيَّهُما تَتْبع!

10729- وحدثنا به محمد بن المثنى مرة أخرى، عن عبد الوهاب، فَوقفه على ابن عمر، ولم يرفعه قال، حدثنا عبد الوهاب مرتين كذلك. (24)

10730- حدثني عمران بن بكار قال، حدثنا أبو روح قال، حدثنا ابن عياش قال، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. (25)

* * *

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10731- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء "، يقول: ليسوا بمشركين فيظهروا الشرك، وليسوا بمؤمنين.

10732- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء "، يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مصرِّحين بالشرك. قال: وذُكر لنا أن نبيّ الله عليه السلام كان يضرب مَثَلا للمؤمن والمنافق والكافر، كمثل رَهْط ثلاثة دَفعوا إلى نهر، فوقع المؤمن فقَطع، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر: أن هلم إليَّ، فإنيّ أخشى عليك! وناداه المؤمن: أن هلم إليّ، فإن عندي وعندي! يحصي له ما عنده. فما زال المنافق يتردَّد بينهما حتى أتى عليه آذيٌّ فغرَّقه. (26) وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: مثل المنافق كمثل ثاغِيَة بين غنمين، (27) رأت غَنمًا على نَشَزٍ فأتتها فلم تعرف، (28) ثم رأت غنمًا على نَشَزٍ فأتتها وشامَّتها فلم تعرف. (29)

10733- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " مذبذبين "، قال: المنافقون.

10734- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء "، يقول: لا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا إلى هؤلاء اليهود.

10735- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قوله: " مذبذبين بين ذلك "، قال: لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين، وليسوا مع أهل الشرك.

10736- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " مذبذبين بين ذلك "، بين الإسلام والكفر=" لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ".

* * *

وأما قوله: " ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "، فإنه يعني: من يخذُله الله عن طريق الرشاد، وذلك هو الإسلام الذي دعا الله إليه عباده. يقول: من يخذله الله عنه فلم يوفقه له=" فلن تجد له "، يا محمد=" سبيلا "، يعني: طريقًا يسلُكه إلى الحق غيره. وأيّ سبيل يكون له إلى الحق غير الإسلام؟ وقد أخبر الله جل ثناؤه: أنه من يبتغ غيره دينًا فلن يُقبل منه، ومن أضله الله عنه فقد غَوَى فلا هادي له غيره. (30)

-------------

الهوامش:

(23) مضى البيت وتخريجه وشرحه ، في 1 : 105.

(24) الأثران: 10728 ، 10729 - إسناده صحيح.

"عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي" ثقة. مضى مرارًا كثيرة.

"عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم" ثقة ، مضى مرارًا.

وهذا الأثر رواه مسلم 17 : 128 ، من طريق محمد بن المثنى ، عن عبد الوهاب الثقفي ، بلفظه ، إلا أنه لم يذكر فيه: "لا تدري أيهما تتبع".

ورواه أيضًا من طريق محمد بن عبد الله بن نمير ، عن أبيه ، عن عبيد الله.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن عبد الله.

ورواه أحمد في المسند: 5079 ، من طريق إسحاق بن يوسف ، عن عبيد الله ، مع اختلاف يسير في لفظه.

ورواه أيضًا في المسند: 5790 ، من طريق محمد بن عبيد ، عن عبيد الله ، بمثل لفظ أبي جعفر.

ورواه بمعناه في المسند ، الآثار رقم: 472 ، 5359 ، 5546 ، 5610.

واستوفى تخريجه أخي السيد أحمد في شرح المسند ، وزاد في تخريجه الحافظ ابن كثير في تفسيره 2 : 611 ، فراجعه هناك.

وكان في المطبوعة: "لا تدري أيتهما تتبع" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لرواية أحمد في المسند.

"الشاة العائرة": هي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع. من قولهم: "عار الفرس والكلب وغيرهما يعير عيارًا" ، ذهب كأنه منفلت من صاحبه ، فهو يتردد هنا وهنا.

وقوله: "تعير إلى هذه مرة" ، أي: تذهب في ترددها إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة.

(25) الأثر: 10730 - مكرر الأثرين السالفين."عمران بن بكار الكلاعي" شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم: 2071 ، وروى عنه الطبري في مواضع كثيرة سالفة.

و"أبو روح" هو: "الربيع بن روح الحمصي" ، أبو روح الحضرمي ثقة. مضى برقم: 8164.

و"ابن عياش": هو: "إسماعيل بن عياش الحمصي" ، مضى برقم 5445 ، 8164. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ابن عباس" ، وهو خطأ.

وطريق ابن عياش ، عن عبيد الله ، مرفوعًا ، أشار إليها الحافظ ابن كثير في تفسيره 2 : 611.

(26) في المطبوعة: "حتى أتى عليه الماء فغرقه" ، وفي المخطوطة: "حتى أتى عليه أذى يغرقه" ، وصواب ذلك كله ما أثبت.

"الآذى": الموج الشديد. وقال ابن شميل: "آذى الماء" ، الأطباق التي تراها ترفعها من متنه الريح ، دون الموج.

(27) "الثاغية": الشاة."ثغت الشاة تثغو ثغاء": صاحت.

(28) "النشز": المتن المرتفع من الأرض أو الوادي ، كأنه رابية.

(29) "شامتها": دنت إليها وشمتها لتعرف أهي أخواتها أم غيرها. ومنه قيل"شاممت فلانًا" إذا قاربته ، ابتغاء أن تعرف ما عنده بالاختبار والكشف. وهو"مفاعلة" من"الشم".

(30) انظر تفسير: "الضلال" ، و"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.

التدبر :

عمل
[143] حدد موقفك في الصراع بين الحق الباطل، وإلا تسرب النفاق إلى قلبك، ومِلت بمرور الوقت إلى أهل الباطل دون أن تشعر.
وقفة
[143] ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ﴾ استخدم القرآن كلمة (مُّذَبْذَبِينَ)؛ ليعبِّر عن شدة خوفهم واضطرابهم، ولو ذهبت تضع مكانها أي كلمة لما أدَّت المعنى المطلوب، فهي تدل على الاضطراب والتعجُّل من جهة المعنى، وتفيد الكثرة من خلال تكرار الأحرف.
وقفة
[143] ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ﴾ ليس الحياد دائمًا فضيلة، أحيانًا يكون علامة نفاق!
وقفة
[143] ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ﴾ البقاء في المنطقة الرمادية؛ انتظارًا لما تسفر عنه الأيام.
وقفة
[143] ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾ ما دامت قضيتهم هؤلاء فستطول حيرتهم، المنهج ليس مرتبط بأي: هؤلاء.
وقفة
[143] التلون والتردد في مصاحبة أهل الخير دأب أهل النفاق؛ فلا تكن مثلهم ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾.
اسقاط
[143] الذين يغيرون مبادئهم كل يوم هم أشخاص لم يكن لهم يومًا مبادئ ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾.
اسقاط
[143] علامة النفاق: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾ إذا وجدت نفسك مترددًا بين القبول والإنكار لحكم شرعي، فاعلم أنَّ فيك شَبَهًا من المنافقين؛ لأن المؤمن لا يمكن أن يكون مترددًّا.
عمل
[143] أرسل رسالة تذكر فيها بالثبات ومصاحبة الصالحين وعدم التذبذب في الدين؛ فإنها من صفة المنافقين، ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾.
وقفة
[143] عدم وضوح المنهج في زمن قوَّة الصراع وحدَّته من علامات النفاق ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾.
وقفة
[143] الحياد عند ظهور الحق من الباطل علامة النفاق ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾.
وقفة
[143] عدم وضوح القول وصراحة الرأي لا تليق بمؤمن ولا بكافر، وإنما صفة لازمة للمنافق ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾.
وقفة
[143] متى ينتصر الشر؟ إذا وقف الأخيار على الحياد ﴿لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ﴾.
وقفة
[143] الهداية بيد الله سبحانه وحده؛ فاسأله إياها لك ولأهلك ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ:
  • مذبذبين: حال من واو الجماعة في «يُراؤُنَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن التنوين والحركة في المفرد. بين: ظرف مكان متعلق بمذبذبين. منصوب بالفتحة. ذلك: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. والكاف: حرف خطاب. واللام: للبعد
  • ﴿ لا إِلى هؤُلاءِ:
  • لا: نافية. لا عمل لها. أي لا ينتسبون. الى: حرف جر هؤلاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل جر بإلى والهاء: للتنبيه و «وإلى هؤلاء» متعلق بالفعل المقدر.
  • ﴿ وَلا إِلى هؤُلاءِ:
  • الواو: عاطفة. وما بعدها معطوفة على «لا إِلى هؤُلاءِ» ويعرب إعرابها.
  • ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يضلل: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه: سكون آخره حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الله: مفعول به للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. وما بعدها: جملة: جواب شرط جازم مسبوقة بلن مقترنة بالفاء في مجل جزم. لن: حرف نفي ونصب واستقبال. تجد: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. له: جار ومجرور متعلق بتجد أو بمفعوله. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة المنونة. جملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ». '

المتشابهات :

النساء: 88﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
النساء: 143﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
النساء: 52﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
الكهف: 17﴿وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [143] لما قبلها :     الحيرة والتردد بين الإيمان والكفر، قال تعالى:
﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

القراءات :

مذبذبين:
وقرئ:
1- بكسر الذال الثانية، اسم فاعل، وهى قراءة ابن عباس، وعمرو بن فائد.
2- بفتح الميم والذالين، وهى قراءة الحسن.
3- متذبذبين، اسم فاعل من تذبذب، وهى قراءة أبى.

مدارسة الآية : [144] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ ..

التفسير :

[144] يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا توالوا الجاحدين لدين الله، وتتركوا موالاة المؤمنين ومودتهم. أتريدون بمودَّة أعدائكم أن تجعلوا لله تعالى عليكم حجة ظاهرة على عدم صدقكم في إيمانكم؟

لما ذكر أن من صفات المنافقين اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، نهى عباده المؤمنين أن يتصفوا بهذه الحالة القبيحة، وأن يشابهوا المنافقين، فإن ذلك موجب لأن{ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} أي:حجة واضحة على عقوبتكم، فإنه قد أنذرنا وحذرنا منها، وأخبرنا بما فيها من المفاسد، فسلوكها بعد هذا موجِب للعقاب. وفي هذه الآية دليل على كمال عدل الله، وأن الله لا يُعَذِّب أحدا قبل قيام الحجة عليه، وفيه التحذير من المعاصي؛ فإن فاعلها يجعل لله عليه سلطانا مبينا.

وبعد هذا الذم الشديد لما كان عليه المنافقون من خداع ورياء وضلال. وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن موالاة الكافرين فقال - تعالى -: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

أى: يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان، لا يصح منكم ولا ينبغى لكم أن تتخذوا الكافرين بالحق الذى آمنتم به { أَوْلِيَآءَ } أى نصراء وأصدقاء، تاركين ولاية إخوانكم المؤمنين ونصرتهم، فإن ذلك لا يتفق مع الإِيمان، ولا يتناسب مع تعاليم دينكم.

فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة الكفرة. أى: عن مناصرتهم وإفشاء أسرار المؤمنين إليهم، وعن كل ما من شأنه أن يكون مضرة بالمؤمنين. كما قال - تعالى - فى آية أخرى:

{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

وفى هذا النهى - أيضاً - توبيخ للمنافقين الذين ما زال الحديث متصلا عن قبائحهم ورذائلهم، وتحذير من مسالكهم الخبيثة حيث كانوا يتركون ولاية المؤمنين وينضمون إلى صفوف الكافرين من اليهود وغيرهم ويقولون - كما حكى القرآن عنهم -

{ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ }

والاستفهام فى قوله: { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } للإِنكار والتحذير من أن تقع هذه الموالاة منهم. والمراد بالسلطان: الحجة والدليل أى: إنكم إن اتخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فقد جعلتم لله عليكم حجة فى عقابكم، وفى تخليه عن نصرتكم ورعايتكم.

وتوجيه الإِنكار إلى الإِرادة دون متعلقها بأن يقال، أتجعلون. للمبالغة فى التهويل من أمره؛ ببيان أنه مما لا ينبغى أن تصدر عن العاقل إرادته، فضلا عن صدوره فى نفسه.

قال بعضهم: وقد دلت الآية على تحريم موالاة المؤمنين للكافرين. قال الحاكم: وهى الموالاة فى الدين والنصرة فيه. لا المخالقه والإِحسان.

وقال الزمخشرى: وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له؛ خالص المؤمن، وخالق الكافر والفاجر. فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن. وأنه يحق عليكم أن تخالص المؤمن ".

ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم ، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم ، كما قال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه ) [ آل عمران : 28 ] أي : يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه . ولهذا قال هاهنا : ( أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ) أي : حجة عليكم في عقوبته إياكم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس قوله : ( سلطانا مبينا ) [ قال ] كل سلطان في القرآن حجة .

وهذا إسناد صحيح . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب القرظي ، والضحاك ، والسدي والنضر بن عربي .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)

قال أبو جعفر: وهذا نهي من الله عبادَه المؤمنين أن يتخلَّقوا بأخلاق المنافقين، الذين يتخذون الكافرين أولياءَ من دون المؤمنين، فيكونوا مثلهم في ركوب ما نهاهم عنه من موالاة أعدائه.

يقول لهم جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا توالوا الكفَّار فتؤازروهم من دون أهل ملَّتكم ودينكم من المؤمنين، فتكونوا كمن أوجبت له النار من المنافقين. ثم قال جل ثناؤه: متوعدًا من اتخذ منهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، إن هو لم يرتدع عن موالاته، وينـزجر عن مُخَالَّته (31) = أن يلحقه بأهل ولايتهم من المنافقين الذين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتبشيرهم بأن لهم عذابًا أليمًا=: " أتريدون "، أيها المتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ممن قد آمن بي وبرسولي=" أن تجعلوا لله عليكم سلطانًا مبينًا "، يقول: حجة، (32) باتخاذكم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فتستوجبوا منه ما استوجبه أهلُ النفاق الذين وصف لكم صفتهم، وأخبركم بمحلّهم عنده=" مبينًا "، (33) يعني: يبين عن صحتها وحقيقتها. (34) يقول: لا تعرَّضوا لغضب الله، بإيجابكم الحجة على أنفسكم في تقدمكم على ما نهاكم ربكم من موالاة أعدائه وأهلِ الكفر به.

* * *

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10737- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانًا مبينًا "، قال: إن لله السلطان على خلقه، ولكنه يقول: عذرًا مبينًا.

10738- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن رجل، عن عكرمة قال: ما كان في القرآن من " سلطان "، فهو حجّة.

10739- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " سلطانًا مبينًا "، قال: حُجَّة.

10740- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (35)

----------------

الهوامش :

(31) السياق: "ثم قال جل ثناؤه متوعدًا ... أن يلحقه ..."

(32) انظر تفسير"سلطان" فيما سلف 7 : 279.

(33) انظر تفسير"مبين" فيما سلف ص224 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(34) في المطبوعة: "عن صحتها وحقيتها" ، والصواب من المخطوطة. وكأن الناشر كان يستنكر أن تكون"الحقيقة" بمعنى أنها حق!! ولكنها صواب بلا شك ، ومن أجل هذا كان الناشر يضع مكان"حقيقتها""حقيتها" في كثير من المواضع ، أشرت إليها فيما سلف من التعليقات. وانظر ما سيأتي ص: 360 ، تعليق: 4.

(35) هذه الآثار في بيان معنى"السلطان" ، هنا ، دالة على أن أبا جعفر كان يختصر تفسيره ، فإن تفسير"سلطان" بمعنى"حجة" قد سلف 7 : 279 ، فلم يأت كعادته بالأخبار الدالة على تفسيره كذلك هناك.

التدبر :

وقفة
[144] أي: حجة ظاهرة في العذاب، وفيه دلالة على أن الله تعالى لا يعذب أحدًا بمقتضى حكمته إلا بعد قيام الحجة عليه؛ ويشعر بذلك كثير من الآيات، وقيل: أتريدون بذلك أن تجعلوا له تعالى حجة بينة على أنكم منافقون؛ فإن موالاة الكافرين أوضح أدلة النفاق.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء. أي: منادى مبني على الضم في محل نصب. ها: للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح بدل من«أي». آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ:
  • لا: ناهية جازمة. تتخذوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. الكافرين: مفعول به أول منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ:
  • أولياء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعلاء». من دون: جار ومجرور متعلق بصفة لأولياء. المؤمنين: مضاف اليه مجرور بالياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض عن حركة المفرد.
  • ﴿ أَتُرِيدُونَ:
  • الألف: ألف توبيخ في لفظ استفهام. تريدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. تجعلوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بتجعلوا و «أَنْ المصدرية وما تلاها» بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «تريد».
  • ﴿ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً:
  • جار ومجرور في محل نصب بمنزلة مفعول «تَجْعَلُوا» الثاني والميم علامة جمع الذكور. سلطانا: مفعول به أول منصوب بالفتحة. مبينا: صفة- نعت- لسلطانا منصوبة مثلها بالفتحة بمعنى حجة واضحة عليكم بنفاقكم. '

المتشابهات :

آل عمران: 118﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا
النساء: 144﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
المائدة: 51﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
المائدة: 57﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ
التوبة: 23﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ
الممتحنة: 1﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [144] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَر اللهُ عز وجل صفاتِ المنافقينَ، ومنها اتِّخاذَ الكافرينَ أولياءَ؛ نهى هنا المؤمنينَ أنْ يتَّصِفُوا بهذه الصفةِ ويُشابهُوا المنافِقينَ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [145] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ ..

التفسير :

[145] إن المنافقين في أسفل منازل النار يوم القيامة، ولن تجد لهم -أيها الرسول- ناصراً يدفع عنهم سوء هذا المصير.

يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب، وأشر الحالات من العقاب. فهم تحت سائر الكفار لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين، على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم، واستحقاق ما لا يستحقونه، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب، وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه، وهذا عام لكل منافق إلا مَنْ مَنَّ الله عليهم بالتوبة من السيئات.{ وَأَصْلَحُوا} له الظواهر والبواطن{ وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ} والتجأوا إليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم.{ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ} الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان{ لِلَّهِ} فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة وسلِمُوا من الرياء والنفاق، فمن اتصف بهذه الصفات{ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} أي:في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة{ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} لا يعلم كنهه إلا الله، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر، مع دخولهما في قوله:{ وَأَصْلَحُوا} لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح، لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي يمكن من القلوب النفاق، فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله، ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه، وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق، فذكرهما لفضلهما وتوقفِ الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما. وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل:وسوف يؤتيهم أجرا عظيما، مع أن السياق فيهم. بل قال:{ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} لأن هذه القاعدة الشريفة -لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد، إذا كان السياق في بعض الجزئيات، وأراد أن يرتب عليه ثوابًا أو عقابا وكان ذلك مشتركًا بينه وبين الجنس الداخل فيه، رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها، ولئلا يتوهم اختصاص الحكم بالأمر الجزئي، فهذا من أسرار القرآن البديعة، فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم.

ثم بين - سبحانه - المصير الشنيع الذى سيصير إليه المنافقون يوم القيامة فقال - تعالى -: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } أى: فى الطبقة السفلى من طبقاتها وسميت دركاتها لكونها متداركه أى: متتابعة بعضها تحت بعض. والدرك لغة فى الدرك وهو كالدرج، إلا أن الدرج يقال باعتبار الصعود. والدرك يقال باعتبار النزول والحدور. ولذا قيل: درجات الجنة ودركات النار.

قال الآلوسى: والنار لها طبقات سبع: تسمى الأولى كما قيل: جهنم: والثانية: لظى. والثالثة: الحطمة. والرابعة: السعير. والخامسة: سقر. والسادسة: الجحيم. والسابعة: الهاوية. وقد تسمى النار جميعاً باسم الطبقة الأولى، وبعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار يجمعها...

والمعنى: إن هؤلاء المنافقين الذين مردوا على النفاق. وسرى فى طباعهم مسرى الدم سيكونون يوم القيامة فى الطبقة السفلى من النار، ولن تجد لهم نصيراً ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه.

وإنما كان للمنافقين هذا العذاب الشديد، لأنهم أضافوا إلى كفرهم، الاستهزاء بالإِسلام وأهله، وجمعوا بسوء طباعهم بين الكفر. والفسق والتضليل، والخداع، وإشاعة الفاحشة فى صفوف المؤمنين، وغير ذلك من رذائلهم المتعددة، وقبائحهم المتنوعة.

قال بعض العلماء: ولكن من هو المنافق الذى يستحق أشد العقاب، ويكون فى أعمق النيران يوم القيامة؟ نقول فى الجواب عن ذلك: إنه المنافق الخالص الذى لم يكن فيه خصلة أو أكثر من خصلة فقط، ولكن هو الذى كفر بالله وبالرسالة المحمدية، ولم يكتف بذلك بل أظهر الإِسلام ليفسد بين المسلمين ويتعرف أسرارهم.

ذلك أن النفاق درجات هذا أعلاها، وهو أشد الكفر. ودونه بعد ذلك مراتب تكون بين المسلمين ولا تخرج المسلم عن إسلامه، وإن كانت تجعل إيمانه ضعيفا. ومن ذلك ممالأة الحكام، والسكوت عن كلمة الحق مع النطق بالباطل ملقا وخداعا.

قيل لابن عمر - رضى الله عنهما -: ندخل على السلطان ونتكلم بكلام فإذا خرجنا تكلمنا بخلافه!! فقال: كنا نعده من النفاق.

ولقد جاء فى الحديث الشريف ما يفيد أن المنافقين فريقان: فريق خصل للنفاق، وهذا منكوس القلب والنفس والفكر. وقسم فيه خصلة من النفاق، وهذا يتنازعه الخير والشر. فقد قال - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه الإِمام أحمد. " القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر. وقلب أغلف مربوط على غلافه. وقلب منكوس، وقلب مصفح. فأما القلب الأجرد، فقلب المؤمن سراجه فيه نوره. وأما القلب الأغلف: فقلب الكافر. وأما القلب المنكوس: فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح: فقلب فيه إيمان ونفاق. ومثل الإِيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب. ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم. فأى المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه ".

وإننا لهذا نقول: إن النفاق فى داخل الإِسلام مراتب. وأعلاها أولئك الذين يتملقون الحكام، وينحدرون إلى درجة وضعهم فى مقام النبيين. ومنهم من يذهب به فرط نفاقه، فيفضل بعض عملهم على عمل النبيين، وهؤلاء نتردد فى الحكم بأنهم مسلمون. وقريب منهم الذين يتأولون النصوص من غير حجة فى التأويل. ويعبثون بظواهرها القاطعة لهوى الحكام.

م أخبر تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) أي : يوم القيامة ، جزاء على كفرهم الغليظ . قال الوالبي عن ابن عباس : ( في الدرك الأسفل من النار ) أي : في أسفل النار . وقال غيره : النار دركات ، كما أن الجنة درجات . " وقال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن ذكوان أبي صالح ، عن أبي هريرة : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : في توابيت ترتج عليهم . كذا رواه ابن جرير ، عن ابن وكيع ، عن يحيى بن يمان ، عن سفيان ، به . ورواه ابن أبي حاتم ، عن المنذر بن شاذان ، عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم ، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن خيثمة ، عن عبد الله - يعني ابن مسعود : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : في توابيت من نار تطبق عليهم . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الأشج ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن سلمة ، عن خيثمة ، عن ابن مسعود : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : في توابيت من حديد مبهمة عليهم ، ومعنى قوله : ( مبهمة ) أي : مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن : أن ابن مسعود سئل عن المنافقين ، فقال : يجعلون في توابيت من نار ، فتطبق عليهم في أسفل درك من النار .

( ولن تجد لهم نصيرا ) أي : ينقذهم مما هم فيه ، ويخرجهم من أليم العذاب .

القول في تأويل قوله تعالى إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، إن المنافقين في الطَّبَق الأسفل من أطباق جهنم.

* * *

وكل طبَق من أطباق جهنم: " درك ". وفيه لغتان،" دَرَك "، بفتح " الراء " و " دَرْك " بتسكينها. فمن فتح " الراء "، جمعه في القلة " أدْرَاك "، وإن شاء جمعه في الكثرة " الدروك ". ومن سكن " الراء " قال: " ثلاثة أدرُك "، وللكثير " الدروك ".

* * *

وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك:

فقرأته عامة قرأة المدينة والبصرة ( فِي الدَّرَكِ ) بفتح " الراء ".

* * *

وقرأته عامة قرأة الكوفة بتسكين " الراء ".

قال أبو جعفر: وهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لاتفاق معنى ذلك، واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في قرأة الإسلام. غير أني رأيت أهل العلم بالعربيّة يذكرون أن فتح " الراء " منه في العرب، أشهر من تسكينها. وحكوا سماعًا منهم: " أعطني دَرَكًا أصل به حبلي"، (36) وذلك إذا سأل ما يصل به حَبْله الذي قد عجز عن بلوغ الركيَّة. (37)

* * *

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10741- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد الله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال: في توابيت من حديد مُبْهَمة عليهم. (38)

10742- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة، عن خيثمة، عن عبد الله قال: إن المنافقين في توابيتَ من حديد مقفلةٍ عليهم في النار.

10743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عاصم، عن ذكوان، عن أبي هريرة: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال: في توابيت تُرْتَجُ عليهم. (39)

10744- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، يعني: في أسفل النار.

10745- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال لي عبد الله بن كثير قوله: " في الدرك الأسفل من النار "، قال: سمعنا أن جهنم أدْراك، منازل. (40)

10746- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد الله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال، توابيت من نار تُطْبَقُ عليهم.

* * *

وأما قوله: " ولن تجد لهم نصيرًا "، فإنه يعني: ولن تجد لهؤلاء المنافقين، يا محمد، من الله= إذا جعلهم في الدرك الأسفل من النار= ناصرًا ينصرهم منه، فينقذهم من عذابه، ويدفع عنهم أليمَ عقابه. (41)

--------------------

الهوامش :

(36) هذه مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 142. وعجيب من أبي جعفر أن يستدل بهذا ، ويجعله أشهر في كلام العرب. فإن"الدرك" هنا بمعنى: الحبل ، لأنه يدرك به قعر البئر ، وهو عن معنى"الدرك" ، وهو الطبق ، بمعزل!!

(37) "الركية": البئر.

(38) "مبهمة": مصمتة مغلقة ، لا يهتدي لمكان فتحها ، أو إلى مخرج منها.

(39) "أرتج الباب يرتجه": أغلقه إغلاقًا وثيقًا.

(40) قوله: "منازل" تفسير"أدراك" جمع"درك".

(41) انظر تفسير"نصير" فيما سلف ص: 247 ، تعليق: 6 ، والمراجع هناك.

التدبر :

وقفة
[145] هذا في نفاق الاعتقاد الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر، فصاحبه في آخر دركة من دركات النار، وفي أقصى قعرها.
وقفة
[145] ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ هم في نظر المؤمنين أسفل طبقات المجتمع، ويوم القيامة في أسفل طبقات النار.
وقفة
[145] ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ لأن ذلك أخفى ما في النار، وأستره، وأدناه، وأوضعه، كما أن كفرهم أخفى الكفر وأدناه, وهو أيضًا أخبث طبقات النار، كما أن كفرهم أخبث أنواع الكفر.
تفاعل
[145] ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الْمُنافِقِينَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل المنافقين: اسم «إِنَّ» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
  • ﴿ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ:
  • في الدرك: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر «إِنَّ». الأسفل: صفة للدرك مجرورة بالكسرة.
  • ﴿ مِنَ النَّارِ وَلَنْ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الدرك. و «مِنَ» بيانية. الواو: استئنافية. لن: أداة نصب ونفي واستقبال.
  • ﴿ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً:
  • تجد: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لهم: جار ومجرور متعلق بتجد و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام. نصيرا: مفعول به منصوب بالفتحة المنونه. '

المتشابهات :

النساء: 145﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
النساء: 142﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ
التوبة: 67﴿نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
المنافقون: 1﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ َكَاذِبُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [145] لما قبلها :     وبعد أن نهى اللهُ عز وجل المؤمنينَ عن فِعلِ المنافقين؛ ذكرَ هنا عقوبةَ المنافقينَ الشهيرةَ: أنَّهم في الدَّرْكِ الأسفلِ من النَّارِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا

القراءات :

الدرك:
قرئ:
1- بفتح الراء، وهى قراءة الحرميين، والعربيين.
2- بسكون الراء، وهى قراءة حمزة، والكسائي، والأعمش، ويحيى بن وثاب.

مدارسة الآية : [146] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ ..

التفسير :

[146] إلا الذين رجعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه، وأصلحوا ما أفسدوا من أحوالهم باطناً وظاهراً، ووالَوا عباده المؤمنين، واستمسكوا بدين الله، وأخلصوا له سبحانه، فأولئك مع المؤمنين في الدنيا والآخرة، وسوف يعطي الله المؤمنين ثواباً عظيماً.

يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب، وأشر الحالات من العقاب. فهم تحت سائر الكفار لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين، على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم، واستحقاق ما لا يستحقونه، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب، وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه، وهذا عام لكل منافق إلا مَنْ مَنَّ الله عليهم بالتوبة من السيئات.{ وَأَصْلَحُوا} له الظواهر والبواطن{ وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ} والتجأوا إليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم.{ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ} الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان{ لِلَّهِ} فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة وسلِمُوا من الرياء والنفاق، فمن اتصف بهذه الصفات{ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} أي:في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة{ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} لا يعلم كنهه إلا الله، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر، مع دخولهما في قوله:{ وَأَصْلَحُوا} لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح، لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي يمكن من القلوب النفاق، فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله، ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه، وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق، فذكرهما لفضلهما وتوقفِ الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما. وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل:وسوف يؤتيهم أجرا عظيما، مع أن السياق فيهم. بل قال:{ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} لأن هذه القاعدة الشريفة -لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد، إذا كان السياق في بعض الجزئيات، وأراد أن يرتب عليه ثوابًا أو عقابا وكان ذلك مشتركًا بينه وبين الجنس الداخل فيه، رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها، ولئلا يتوهم اختصاص الحكم بالأمر الجزئي، فهذا من أسرار القرآن البديعة، فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم.

ثم بعد هذا الوعيد الشديد للمنافقين فتح - سبحانه - باب التوبة ليدخل فيه كل من يريد أن يقلع عن ذنوبه من المنافقين وغيرهم، حتى ينجو من عقابه - سبحانه - فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً }.

أى: هذا الجزاء الذى بيناه هو جزاء المنافقين. لكن الذين تابوا منهم عن النفاق، وأصلحوا ما أفسدوا من أقوالهم وأفعالهم { وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ } أى تمسكوا بكتابه، وتركوا موالاة الكافرين { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } بحيث لا يريدون بطاعتهم سوى رضاه ومثوبته، { فَأُوْلَـٰئِكَ } الذين فعلوا ذلك { مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الصادقين الذين لم يصدر منهم نفاق. أى: معهم فى فضيلة الإِيمان الصادق، وما يترتب على ذلك من أجر جزيل. وثواب عظيم. { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } لا يقادر قدره، ولا يكتنه كنهه.

فقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } استثناء من المنافقين فى قوله { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ }.

قال الفخر الرازى ما ملخصه: اشترط - سبحانه - فى إزالة العقاب عن المنافقين أموراً أربعة:

أولها: التوبة.

وثانيها: إصلاح العمل. فالتوبة عبارة عن ترك القبيح، وإصلاح العمل عبارة عن الإِقدام على الحسن.

وثالثها: الاعتصام بالله. وهو أن يكون غرضه من التوبة وإصلاح العمل طلب مرضاة الله.

ورابعها: الإِخلاص: بأن يكون طلب مرضاة الله خالصا وأن لا يمتزج به غرض آخر.

والإِشارة فى قوله { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } تعود إلى الاسم الموصول وهو { ٱلَّذِينَ } باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة.

والمقصود بالمعية فى قوله { مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } التشريف والتكريم بصحبة الأخيار والتعبير " بسوف " لتأكيد وقوع الأمر المبشر به فى المستقبل، وليس لمجرد التسويف الزمانى.

أى: وسوف يؤت الله المؤمنين ما وعدهم به إيتاء لا شك فى حصوله ووقوعه. ونكر - سبحانه - الآجر ووصفه بالعظم، للتنويه بشأنه. ولإِفادة أنه أجر لا يكتنه كنهه.

ثم أخبر تعالى أن من تاب [ منهم ] في الدنيا تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله ، واعتصم بربه في جميع أمره ، فقال : ( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله ) أي : بدلوا الرياء بالإخلاص ، فينفعهم العمل الصالح وإن قل .

قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران ، عن عمرو بن مرة ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخلص دينك ، يكفك القليل من العمل " .

( فأولئك مع المؤمنين ) أي : في زمرتهم يوم القيامة ( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما )

القول في تأويل قوله : إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)

قال أبو جعفر: وهذا استثناء من الله جل ثناؤه، استثنى التائبين من نفاقهم إذا أصلحوا، وأخلصوا الدين لله وحده، وتبرءوا من الآلهة والأنداد، وصدَّقوا رسوله، أن يكونوا مع المصرِّين على نِفاقهم حتى تُوافيهم مناياهم - في الآخرة، (42) وأن يدخلوا مدَاخلهم من جهنم. بل وعدهم جل ثناؤه أن يُحلَّهم مع المؤمنين محلَّ الكرامة، ويسكنهم معهم مساكنهم في الجنة. (43) ووعدهم من الجزاء على توبتهم الجزيلَ من العطاء فقال: " وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا ".

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الآية: " إلا الذين تابوا "، أي: راجعوا الحق، (44) وآبوا إلا الإقرار بوحدانية الله وتصديق رسوله وما جاء به من عند ربه من نفاقهم (45) =" وأصلحوا "، يعني: وأصلحوا أعمالهم، فعملوا بما أمرهم الله به، وأدَّوا فرائضه، وانتهوا عما نهاهم عنه، وانـزجروا عن معاصيه (46) =" واعتصموا بالله "، يقول: وتمسَّكوا بعهد الله.

* * *

وقد دللنا فيما مضى قبل على أن " الاعتصام " التمسك والتعلق. (47) فالاعتصام بالله: التمسك بعهده وميثاقه الذي عهد في كتابه إلى خلقه، من طاعته وترك معصيته.

* * *

=" وأخلصوا دينهم لله "، يقول: وأخلصوا طاعتَهم وأعمالهم التي يعملونها لله، فأرادوه بها، ولم يعملوها رئاءَ الناس، ولا على شك منهم في دينهم، وامتراءٍ منهم في أن الله محصٍ عليهم ما عملوا، فمجازي المحسن بإحسانه، (48) والمسيء بإساءته= ولكنهم عملوها على يقين منهم في ثواب المحسن على إحسانه، وجزاء المسيء على إساءته، أو يتفضَّل عليه ربه فيعفو= متقرِّبين بها إلى الله، مريدين بها وجه الله. فذلك معنى: " إخلاصهم لله دينهم ".

= ثم قال جل ثناؤه: " فأولئك مع المؤمنين "، يقول: فهؤلاء الذين وصف صفتَهم من المنافقين بعد توبتهم وإصلاحهم واعتصامهم بالله وإخلاصهم دينهم= أي: مع المؤمنين في الجنة، (49) لا مع المنافقين الذين ماتوا على نفاقهم، الذين أوعدهم الدَرَك الأسفل من النار.

= ثم قال: " وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا "، يقول: وسوف يُعطي الله هؤلاء الذين هذه صفتهم، (50) على توبتهم وإصلاحهم واعتصامهم بالله وإخلاصهم دينهم له، وعلى إيمانهم، (51) ثوابًا عظيمًا (52) = وذلك: درجات في الجنة، كما أعطى الذين ماتوا على النِّفاق منازل في النار، وهي السفلى منها. لأن الله جل ثناؤه وعد عباده المؤمنين أن يؤتيهم على إيمانهم ذلك، كما أوعد المنافقين على نفاقهم &; 9-342 &; ما ذكر في كتابه.

* * *

وهذا القول هو معنى قول حذيفة بن اليمان، الذي:-

10747- حدثنا به ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال، قال حذيفة: ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين! فقال عبد الله: وما علمك بذلك؟ فغضب حذيفة، ثم قام فتنحَّى. فلما تفرّقوا، مرَّ به علقمة فدعاه فقال: أمَا إنّ صاحبك يعلم الذي قلت! ثم قرأ: " إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا ".

--------------------

الهوامش :

(42) في المطبوعة والمخطوطة: "حتى يوفيهم مناياهم" ، وهو كلام بلا معنى."وافته منيته": أتته وأدركته وبلغته ، وسياق هذه الجملة: "أن يكونوا مع المصرين ... في الآخرة".

(43) في المطبوعة: "يسكنهم" بغير واو ، وهو سهو من ناسخ أو طابع.

(44) انظر تفسير"التوبة" فيما سلف 1 : 547 / 2 : 72 ، 73 ، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة.

(45) في المطبوعة: "وأبو إلا الإقرار" ، وهو لا شيء ، وإنما الصواب ما أثبت من المخطوطة."آبوا": رجعوا.

(46) انظر تفسير"الإصلاح" فيما سلف 8 : 88 ، وما سلف من فهارس اللغة.

(47) انظر تفسير"الاعتصام" فيما سلف 8 : 62 ، 63 ، 70.

(48) في المطبوعة: "فيجازي" وأثبت ما في المخطوطة.

(49) في المطبوعة: "وإخلاصهم له مع المؤمنين.." ، وأثبت الصواب من المخطوطة ، ولا معنى لتبديله.

(50) انظر تفسير"آتى" فيما سلف من فهارس اللغة.

(51) في المطبوعة والمخطوطة: "على إيمانهم" بغير واو ، والصواب إثباتها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[146] ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ وردت في خمس آيات: 1- في أهل الكتاب. 2- المرتدين. 3- قطاع الطريق. 4- القاذفين. 5- المنافقين، ولما كان النفاق أخطر كانت شروط التوبة منه أكثر.
وقفة
[146] ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إذا لم يتحسّن حالك بعد التوبة؛ جدد توبتك.
وقفة
[146] اشترط الله لتوبة الكافر شرطًا واحدًا: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38]، واشترط لتوبة المنافق أربعة شروط: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، مما يدل على أن النفاق خطره أعظم، والتوبة منه أشق.
وقفة
[146] هذه الآية فيها تغليظات عظيمة على المنافقين، وذلك لأنه تعالى شرط في إزالة العقاب عنهم أمورًا أربعة: أولها: التوبة، وثانيها: إصلاح العمل، فالتوبة عن القبيح وإصلاح العمل عبارة عن الإقدام على الحسن، وثالثها: الاعتصام بالله، وهو أن يكون غرضه من التوبة وإصلاح العمل طلب مرضاة الله تعالى، ورابعها: الإخلاص، فإذا حصلت هذه الشرائط الأربعة فعند ذلك قال: ﴿فَأولئك مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل فأولئك مؤمنون، ثم أعلن عن أجر المؤمنين ليحفِّز المنافقين إذا تابوا على الإنضمام إليهم، فقال: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾، وهذه القرائن دالة على أن حال المنافق شديد عند الله تعالى.
تفاعل
[146] ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ سَل الله من فضله.

الإعراب :

  • ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا:
  • إلا: أداة استثناء. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في نصب مستثنى بالا. تابوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. وجملة تابوا صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي العطف على «تابُوا» تعربان إعرابها. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق باعتصموا.
  • ﴿ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ:
  • معطوفة بواو العطف على «اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ» وتعرب «أَخْلَصُوا» إعراب «تابُوا» دينهم: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق باخلصوا وحذف مفعول «أَصْلَحُوا» أختصارا بمعنى: وأصلحوا ما أفسدوه.
  • ﴿ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ:
  • الفاء واقعة في جواب «الَّذِينَ» المتضمنة معنى الشرط. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. مع: ظرف مكان للاجتماع والمصاحبة مبني على الفتح وهو مضاف. المؤمنين: مضاف اليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم وشبة الجملة «مَعَ الْمُؤْمِنِينَ» في محل رفع خبر المبتدأ والاشارة الى التائبين. أي فأولئك التائبون يؤمنون مع المؤمنين والنون عوض عن حركة المفرد.
  • ﴿ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. سوف: حرف استقبال لا عمل له. يؤتي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا واختصارا. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة
  • ﴿ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً:
  • المؤمنين: مفعول به أول منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. أجرا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة المنونة. عظيما: صفة تابعة لأجرا منصوبة بالفتحة. '

المتشابهات :

البقرة: 160﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
آل عمران: 89﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
النور: 5﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
النساء: 146﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
المائدة: 34﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [146] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل عقوبةَ المنافقينَ الشهيرةَ: أنَّهم في الدَّرْكِ الأسفلِ من النَّارِ؛ استثنى هنا من تابَ منهم، قال تعالى:
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا

القراءات :

يؤت:
وقف يعقوب عليها بالياء، وروى هذا عن حمزة، والكسائي، ونافع.
ووقف السبعة بغير ياء، اتباعا لرسم المصحف.

مدارسة الآية : [147] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن ..

التفسير :

[147] ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، فإن الله سبحانه غني عمَّن سواه، وإنما يعذَّب العباد بذنوبهم. وكان الله شاكراً لعباده على طاعتهم له، عليماً بكل شيء.

ثم أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال:{ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} والحال أن الله شاكر عليم. يعطي المتحملين لأجله الأثقال، الدائبين في الأعمال، جزيل الثواب وواسع الإحسان. ومن ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه. ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق، وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه، فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه. والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله، وثناء اللسان على المشكور، وعمل الجوارح بطاعته وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه.

ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر رحمته بعباده، وفضله عليهم فقال - تعالى -: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً }.

و { مَّا } استفهامية. المراد بالاستفهام هنا النفى والإِنكار على أبلغ وجه وآكده والجملة الكريمة استئنافية مسوقة لبيان أن مدار تعذيبهم وجودا وعدما إنما هو كفرهم ومعاصيهم لا لشئ آخر.

والمعنى: أى منفعة له - سبحانه - فى عذابكم وعقوبتكم إن شكرتم نعمه، وأديتم حقها، وآمنتم به حق الإِيمان؟ لا شك أنه - سبحانه - لا يفعل بكم شيئا من العذاب ما دام الشكر والإِيمان واقعين منكم؛ فقد اقتضت حكمته - سبحانه - أن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، بل إنه - سبحانه - قد يتجاوز عن كثير من ذنوب عباده رحمة منه وفضلا.

وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله: قوله { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } أيتشفى به من الغيظ؟ أم يدرك به الثأر؟ أم يستجلب به نفعا؟ أم يستدفع به ضرراً؟ كما هو شأن الملوك. وهو الغنى المتعالى الذى لا يجوز عليه شئ من ذلك. وإنما هو أمر اقتضته الحكمة أن يعاقب المسئ. فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب.

و { مَّا } فى محصل نصب بـ { يَفْعَلُ } لأن الاستفهام له الصدارة. والباء فى قوله { بِعَذَابِكُمْ } سببية متعلقة بيفعل. والاستفهام هنا معناه النفى كما سبق أن أشرنا. وعبر عن النفى بالاستفهام للإِشارة إلى أنه - سبحانه - ربت الجزاء على العمل؛ وأنه يجب على كل عاقل أن يدرك أن عدالة الله قد اقتضت أنه - سبحانه - لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، ويعفو عن كثير من السيئات بفضله ومنته.

وقوله: { إِن شَكَرْتُمْ } جوابه محذوف دل عليه ما تقدم. أى: إن شكرتم وآمنتم فما الذى يفعله بعذابكم؟

وقدم الشكر على الإِيمان، لأن الشكر سبب فى الإِيمان، إذ الإِنسان عندما يرى نعم الله، ويتفكر فيها ويقدرها حق قدرها، يسوقه ذلك إلى الإِيمان الحق، فالشكر يؤدى إلى الإِيمان والإِيمان متى رسخ واستقر فى القلب ارتفع بصاحبه إلى أسمى ألوان الشكر وأعظمها. فعطف الإِيمان على الشكر من باب عطف المسبب على السبب.

وقوله: { وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } تذييل قصد به تأكيد ما سبق من الله - سبحانه - لا يعذب عباده الشاكرين المؤمنين.

أى: وكان الله شاكراً لعباده على طاعتهم.

أي مثيبهم ومجازيهم الجزاء الحسن على طاعتهم، عليما بجميع أقوالهم وأفعالهم، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه. فالمراد بالشكر منه - سبحانه - مجازاة عباده بالثواب الجزيل على طاعتهم له ووقوفهم عند أمره ونهيه.

وسمى - سبحانه - ثواب الطائعين شكراً منه، للتنويه بشأن الطاعة، وللتشريف للمطيع، ولتعليم عباده يشكروا للمحسنين إحسانهم. فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ورحم الله الإِمام ابن القيم حيث يقول:

وهو الشكور. فلن يضيع سعيهم لكن يضاعفه بلا حسبان

ما للعباد عليه حق واجب هو أوجب الأجر العظيم الشأن

كلا ولا عمل لديه بضائع إن كان بالإِخلاص والإِحسان

إن عذبوا فبعدله، أو نعموا فبفضله، والحمد للرحمن

وإلى هنا نرى أن الآيات الكريمة التى بدأت بقوله - تعالى - { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ } قد كشفت عن حقيقة النفاق والمنافقين فى المجتمع الإِسلامي، وأماطت اللثام عن طباعهم المعوجة، وأخلاقهم القبيحة، ومسالكهم الخبيثة، وهممهم الساقطة، ومصيرهم الأليم. وذلك لكى يحذرهم المؤمنون، ويتنبهوا إلى مكرهم وسوء صنيعهم. ثم نرى الآيات الكريمة خلال ذلك تفتح باب التوبة للتائبين من المنافقين وغيرهم وتعدهم إن تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله بالأجر العظيم. وأخيرا تجئ تلك اللفتة العجيبة المؤثرة العميقة. أخيرا بعد ذكر العقاب المفزع الذى توعد الله به المنافقين، وبعد ذكر الأجر العظيم الذى وعد الله به المؤمنين. أخيرا بعد كل ذلك تجئ الآية الكريمة التى تنفى بأبلغ أسلوب أن يكون هناك عذاب من الله لعباده الشاكرين المؤمنين، لأنه - سبحانه - وهو الغنى الحميد، قد اقتضت حكمته وعدالته أن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، وأنه - سبحانه - سيجازى الشاكرين المؤمنين بأكثر مما يستحقون من خير عميم، ونعيم مقيم، وما أحكم قوله - تعالى -: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } إنها الآية كريمة تخص الناس على أن يقبلوا على ربهم بقلب سليم فيعبدوه حق العبادة، ويطيعوه حق الطاعة لينالوا ثوابه وجزاءه الحسن؛

{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً }

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أنه يبغض الجهر بالسوء من القول إلا فى أحوال تقتضى ذلك، وتوعد الكافرين به ويرسله بالعذاب المهين، وبشر المؤمنين حق الإِيمان بالأجر العظيم فقال - تعالى: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ...غَفُوراً رَّحِيماً }.

ثم قال مخبرا عن غناه عما سواه ، وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم ، فقال : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) أي : أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله ، ( وكان الله شاكرا عليما ) أي : من شكر شكر له ومن آمن قلبه به علمه ، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء .

القول في تأويل قوله : مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم "، ما يصنع الله، أيها المنافقون، بعذابكم، إن أنتم تُبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادِكم، بالإنابة إلى توحيده، والاعتصام به، وإخلاصكم أعمالَكم لوجهه، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدَّقتموه، وأقررتم بما جاءكم به من عنده فعملتم به؟

يقول: لا حاجة بالله أن يجعلكم في الدَّرك الأسفل من النار، إن أنتم أنبتم إلى طاعته، وراجعتم العمل بما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه. لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعًا، ولا يدفع عنها ضُرًّا، وإنما عقوبته من عاقب من خلقه، جزاءٌ منه له على جرَاءته عليه، وعلى خلافه أمره ونهيه، وكفرانِه شكر نعمه عليه. فإن &; 9-343 &; أنتم شكرتم له على نعمه، وأطعتموه في أمره ونهيه، فلا حاجة به إلى تعذيبكم، بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعةٍ له وشكر، بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم، ولم تبلغه آمالكم (53) =" وكان الله شاكرا " لكم ولعباده على طاعتهم إياه، بإجزاله لهم الثوابَ عليها، وإعظامه لهم العِوَض منها=" عليمًا " بما تعملون، أيها المنافقون، وغيركم من خير وشر، وصالِح وطالح، محصٍ ذلك كله عليكم، محيط بجميعه، حتى يجازيكم جزاءَكم يوم القيامة، المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته. وقد:-

10748- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرًا عليمًا "، قال: إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا.

* * *

---------------

الهوامش :

(52) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف ص: 202 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(53) في المطبوعة: "فلم تبلغه" بالفاء ، والصواب ما في المخطوطة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[147] قال الزمخشري: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ﴾ أيتشفی به من الغيظ؟ أم يدرك به الثأر؟ أم يستجلب به نفعًا؟ أم يستدفع به ضررًا؟ كما هو شأن الملوك، وهو الغني المتعالي الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، وإنما هو أمر اقتضته الحكمة أن يعاقب المسيئ، فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب.
وقفة
[147] ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾ هذه بشارة! قال قتادة: «إن الله جلَّ ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا».
لمسة
[147] ﴿مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ﴾ قدَّم الشكر على الإيمان؛ لأن العبد ينظر إلى النعم فيشكر عليها، ثم يؤمن بالمنعم؛ فكان الشكر سببًا للإيمان، متقدِّم عليه.
وقفة
[147] ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾ يتوقف العذاب وأنواع البأساء والضراء والهموم والأحزان بمجرد الشكر بعد الإيمان.
وقفة
[147] ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾ هذه آية توجب حُسْنَ الرجاء وقوة الأمل؛ لأنه جعل من أمارات الأمان من العقوبة شيئين اثنين: الشكر والإيمان، وهما خصلتان يسیرتان خفيفتان، فإن الشكر قالة، والإيمان حالة، ولقد هوَّن السبيل على العبد حين رضي منه بقالته وحالته.
وقفة
[147] يُدفعُ عذابُ اللهِ بشكرِ نِعَمِه وتحقيقِ الإيمانِ به: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾.
وقفة
[147] من الغرائب أن بعض الناس فهم أن الإسلام يمجد الآلام لذاتها، ويكرم الأوجاع والأوصاب ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾.
وقفة
[147] أربع من كن فيه كن له: الشكر والإيمان والاستغفار والدعاء، قال الله تعالى: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾، وقال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33]، وقال: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان: 77].
وقفة
[147] الشكر أمان من العذاب، قال تعالى: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾.
وقفة
[147] الشكر يدفع البلاء والعذاب ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾ وقوله تعالى صريح في أنه لم يخلق أحدًا لغرض التعذيب.
وقفة
[147] قال أحدهم: «كنت استغفر واتوب باستمرار، فجاءني الشيطان قائلًا: كل هذا الاستغفار ولا فرج! فتركت وساوسه، فقرأت رسالة عظيمة من ربي، وهي قوله تعالي: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾ فقلت: نعم، والله إن ربنا لغني عنا وعن تعذيبنا! إنما هي ذنوبنا التي نسينا كثيرًا منها، فأدمت الاستغفار، والحمد لله».
وقفة
[147] إنما خلقكم لتسعدوا بطاعته ﴿مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾.
وقفة
[147] كل ما في الكون من شكر وثناء فالله أولى به لأنه (مسببه) ﴿وَكَانَ اللَّـهُ شَاكِرًا﴾.
عمل
[147] افعل الخير وانتظر شكر الله لك ﴿وَكَانَ اللَّـهُ شَاكِرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ:
  • أي ماذا ينال الله. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل يفعل. يفعل: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بعذابكم: جار ومجرور والكاف: ضمير متصل في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. و «بِعَذابِكُمْ» متعلق بيفعل. بمعنى: من عذابكم.
  • ﴿ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ:
  • إن: حرف شرط جزم. شكرتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين في محل جزم لأنه فعل الشرط. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور وآمنتم: معطوفة بواو العطف على «شَكَرْتُمْ» وتعرب إعرابها. وجواب الشرط محذوف لتقديم معناه
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله: اسم «كانَ» مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ شاكِراً عَلِيماً:
  • خبر «كانَ» منصوب بالفتحة المنونة. عليما: صفة- نعت- لشاكرا منصوب مثله بالفتحة المنونه. ويجوز أن يعرب خبرا ثانيا لكان. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [147] لما قبلها :     وبعد ذكر عذاب المنافقين، ثم استثناء من تاب منهم؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنه لا ينتفع بعذاب أحد، لا يريد عذاب أحد، وإنما يريد من عباده الشكر والإيمان، قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف