2951617181920

الإحصائيات

سورة الكهف
ترتيب المصحف18ترتيب النزول69
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات110عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول13تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء16عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 4/14الحمد لله: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (16) الى الآية رقم (18) عدد الآيات (3)

أصحابُ الكهفِ يعتزلُونَ قومَهم داخلَ الكهفِ، ثُمَّ ألقى اللهُ عليهم النومَ وحفظَهُم مِنْ عَدُّوِهم، وحفظَهُم مِن الشمسِ، فيظُنُّ النَّاظرُ إليهم أنَّهم أيقَاظٌ، وهم في الواقِعِ نِيامٌ، وقَلَّبَهم حالَ نومِهم حتى لا تأكلَ الأرضُ أجسامَهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (19) الى الآية رقم (20) عدد الآيات (2)

اللهُ يبعثُ أصحابَ الكهفِ من نومِهم الطويلِ، فظنُّوا أنَّهم لبثُوا يومًا أو بعضَ يومٍ، ثُمَّ يُرسِلُون أحدَهُم إلى المدينةِ لجلبِ الطعامِ بلطفٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الكهف

العصمة من الفتن/ الزينة

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • والآن مع تفصيل أوسع قليلًا::   • قصة أصحاب الكهف (فتنة الدين). • قصة صاحب الجنتين (فتنة المال). • قصة موسى مع الخضر (فتنة العلم). • قصة ذي القرنين (فتنة السلطة).
  • • ما علاقة سورة الكهف بالعصمة من الفتن؟:   • القصة الأولى (أصحاب الكهف): هي قصة شباب آمنوا بالله، لكن القرية التي عاشوا فيها كانت محكومة من ملك ظالم غير مؤمن، فعرضوا إسلامهم على الناس ورفض الناس دعوتهم، وبدأوا بالدعوة إلى الله فكُذِّبوا واضطهدوا، فأوحى الله إليهم أن يأووا إلى الكهف، وأيدهم الله بمعجزات عظيمة فهم قد ناموا في الكهف، ثم استيقظوا بعد 309 سنين، ووجدوا أن الناس جميعًا قد آمنوا وأنهم أصبحوا في مجتمع جديد كله إيمان. • القصة الثانية (صاحب الجنتين): قصة رجل أنعم الله عليه، فنسي واهب النعمة فطغى وتجرأ على ثوابت الإيمان بالطعن والشك. • القصة الثالثة (موسى مع الخضر): عندما سأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يكل العلم إليه تعالى، فأوحى الله إليه بأن هناك من هو أعلم منه، فارتحل حتى التقي بالخضر، وهناك حدثت 3 مواقف:  السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، وكان سبب ذلك وجود ملك ظالم يسلب كل سفينة صالحة يراها.  الغلام الذي قتله الخضر، وكان سبب ذلك أنه كان سيرهق أبويه المؤمنين لعصيانه وعقوقه.  الجدار الذي أقامه الخضر لغلامين يتيمين، وكان تحته كنز مدفون لهما ولو لم يقم الجدار لما حفظ لهما كنزهما.  والرسالة في هذه المواقف: أن يتعلم المؤمن أن الله تعالى يقدر أمورًا قد لا نعلم الحكمة منها والخير المقدر فيها. • القصة الرابعة (ذي القرنين): الملك العادل الذي ينشر الحق والعدل والخير في الأرض، ويملك كل الأسباب المادية التي تسهل له التمكين والنجاح في الحياة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الكهف»، و«سورة أصحاب ‏الكهف».
  • • معنى الاسم ::   الكهف: كالمغارة في الجبل، إلا أنه أوسع منها، فإذا صغر فهو غار.
  • • سبب التسمية ::   لورود ‏قصة ‏أصحاب ‏الكهف فيها، ولم يرد هذا اللفظ إلا في هذه السورة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   كيفية التعامل مع الفتن.
  • • علمتني السورة ::   خطورة الكلمة، فالبعض يطلق الكلام على عواهنه دون النظر في عواقب كلامه: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   شدة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ليؤمنوا؛ حتى يكاد أن يهلك نفسه لذلك: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الجليس الصالح خير من الوحدة، لكن الوحدة خير من الجليس السوء: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ».
    • عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ؛ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ».
    • عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَن نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن قَرَأَ سُورَةَ اَلْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ، كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مُقَامِهِ إَلَى مَكَّة، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْر آياتٍ منْ آخِرِهَا فَخَرَجَ الدَّجُّالُ لَم يُسَلُّطْ عَلَيْهِ».
    • عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الكهف من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • يستحب قراءتها يوم الجمعة لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
    • الآيات العشر الأولى من السورة عاصمة لمن حفظها من فتنة المسيح الدجال لحديث أَبِى الدَّرْدَاءِ.
    • انتصفت عدد كلمات القرآن في هذه السورة، فالكلمة التي تقع في وسط القرآن على مذهب الجمهور هي كلمة ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ ( 19).
    • هي إحدى سور خمس بُدِئت بـ «الحمد لله» وهذه السور هي: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نحذر الفتن، ونحصن أنفسنا منها.
    • أن ننتبه لأقوالنا، فرب كلمة تخرج من الفم ترجح كفة السيئات: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ (5).
    • ألا نصرف مشاعرنا وحزننا لمن لا يستحق: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (6).
    • أن نحسن العمل، فالله قال: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (7)، ولم يقل سُبحانه أكثر وأدوم! بل أحسن، أي: إخلاص النية واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
    • أن نلجأ إلى الله ونسأله الرحمة والرشاد دائمًا: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ (10).
    • ألا نغتر كثيرًا بصلاح حالنا، وشدة استقامتنا! فالقلوب تتقلب، والقلوب تتفلت، والقلوب تزيغ، والمثبت هو الله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ (14).
    • ألا نخوض فيما لا طائل وراءه، فوقت المسلم ثمين، فماذا يزيدنا لو عرفنا عدد الفتية؟ أو أسماءهم؟ أو أعمارهم؟: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ (22)، إنما الفائدة المرجوة في أفعالهم وثباتهم على المبدأ، وفرارهم بدينهم يحافظون عليه، وحذرهم في تصرفاتهم.
    • أن نرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله؛ لأن النسيان منشأه من الشيطان، وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان؛ فذكر الله سبب للذكر: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ (24).
    • ألا نستعجل؛ فقد يحتاج التغيير بالكامل إلى ٣٠٩ سنة!: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ (25).
    • أن نلزم كل تقي نقي: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ (28).
    • أن نستعيذ بالله من أن نتكبر بسبب ما وهبنا الله من النعم, ونسأل الله أن يجعلها عونًا لنا على عبادته: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (34).
    • أن نحذر الكبر والخيلاء، وكلما تعالينا واستكبرنا على خلق الله نتذكر: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ (37).
    • ألا نجعل المال والبنين مشغلة لنا عن عمل الصالحات: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (46).
    • أن ننتبه لكلماتنا، ونراقب حركاتنا؛ فهناك كتاب: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ (49).
    • أن نستخدم الترغيب والترهيب في دعوتنا إلى الله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ (56).
    • أن نحمل الزاد والطعام في السفر كما فعل موسى وتلميذه يوشع بن نون عليهما الصلاة والسلام: ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ (62).
    • أن نربط بين خطئنا وعذرنا؛ لأنه أرفق بصحبتنا: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ (63). • ألا نغتر بعلمنا: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ﴾ (66).
    • أن ننكر المنكر كما أنكر موسى أفعال الخضر عليهما السلام، وظن أنها منكر: ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ (71)، ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ (74).
    • ألا نعاندْ، إذا أخطَأنا اعتذرنا: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ (73)، فثقافةُ الاعتذارِ لا يعرفُ قيمتَهَا إلَّا الكبارُ.
    • أن نعمل أعمالًا صالحة يصل نفعها إلى الآخرين: ﴿يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ (77).
    • أن نجتهد في دفع الظلــم عن المظلومين أو الضعفاء: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ (79).
    • ألا نحزن على فوات شيء من الدنيا، فقد أعطاها الله ذا القرنين، وحرمها كثيرًا من الأنبياء وهم أفضل منه: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (84).

تمرين حفظ الصفحة : 295

295

مدارسة الآية : [16] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا ..

التفسير :

[16] وحين فارقتم قومكم بدينكم، وتركتم ما يعبدون من الآلهة إلا عبادة الله، فالجؤوا إلى الكهف في الجبل لعبادة ربكم وحده، يَبْسطْ لكم ربكم من رحمته ما يستركم به في الدارين، ويسهل لكم من أمركم ما تنتفعون به في حياتكم من أسباب العيش.

أي:قال بعضهم لبعض، إذ حصل لكم اعتزال قومكم في أجسامكم وأديانكم، فلم يبق إلا النجاء من شرهم، والتسبب بالأسباب المفضية لذلك، لأنهم لا سبيل لهم إلى قتالهم، ولا بقائهم بين أظهرهم، وهم على غير دينهم،{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} أي:انضموا إليه واختفوا فيه{ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} وفيما تقدم، أخبر أنهم دعوه بقولهم{ ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا} فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم، والالتجاء إلى الله في صلاح أمرهم، ودعائه بذلك، وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك، لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا، فحفظ أديانهم وأبدانهم، وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن، ما هو من رحمته بهم، ويسر لهم كل سبب، حتى المحل الذي ناموا فيه، كان على غاية ما يمكن من الصيانة

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما تناجوا به فيما بينهم ، بعد أن وضح موقفهم وضوحا صريحا حاسما ، وبعد أن أعلنوا كلمة التوحيد بصدق وقوة . . فقال - تعالى - : ( وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله فَأْوُوا إِلَى الكهف يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً ) .

و " إذ " يبدو أنها هنا للتعليل . والاعتزال : تجنب الشئ سواء أكان هذا التجنب بالبدن أم بالقلب . و " ما " فى قوله ( وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله ) اسم موصول فى محل نصب معطوف على الضمير فى قوله ( اعتزلتموهم ) وقوله : ( إلا الله ) استثناء متصل ، بناء على أن القوم كانوا يعبدون الله - تعالى - ويشكرون معه فى العبادة الأصنام . و " من " قالوا إنها بمعنى البدلية .

وقوله : ( مرفقاً ) من الارتفاق : بمعنى الانتفاع ، وقرأ نافع وابن عامر مرفقا - بفتح الميم وكسر الفاء .

.

والمعنى: أن هؤلاء الفتية بعد أن أعلنوا كلمة التوحيد، وعقدوا العزم على مفارقة قومهم المشركين تناجوا فيما بينهم وقالوا: ولأجل ما أنتم مقدمون عليه من اعتزالكم لقومكم الكفار، واعتزالكم الذي يعبدونه من دون الله لأجل ذلك فالجأوا إلى الكهف، واتخذوه مأوى ومستقرا لكم، ينشر لكم ربكم الكثير من الخير بفضله ورحمته، ويهيئ لكم بدلا من أمركم الصعب. أمرا آخر فيه اليسر والنفع.

وفي التعبير بقولهم- كما حكى القرآن عنهم.. يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ.. دلالة واضحة على صدق إيمانهم وحسن ظنهم الذي لا حدود له، بربهم- عز وجل- فهم عند ما فارقوا أهليهم وأموالهم وزينة الحياة، وقرروا اللجوء إلى الكهف الضيق الخشن المظلم.. لم ييأسوا من رحمة الله، بل أيقنوا أن الله- تعالى- سيرزقهم فيه الخير الوفير، وييسر لهم ما ينتفعون به، ببركة إخلاصهم وصدق إيمانهم.

وهكذا الإيمان الصادق، يجعل صاحبه يفضل المكان الخالي من زينة الحياة، من أجل سلامة عقيدته، على المكان المليء باللين والرخاء الذي يحس فيه بالخوف على عقيدته.

فالآية الكريمة تدل على أن اعتزال الكفر والكافرين من أجل حماية الدين، يؤدى إلى الظفر برحمة الله وفضله وعطائه العميم وصدق الله إذ يقول في شأن إبراهيم- عليه السلام- وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا. فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا. وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا .

ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال هؤلاء الفتية بعد أن استقروا في الكهف وبعد أن ألقى الله- تعالى- عليهم بالنوم الطويل فتقول:

فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم ، واختار الله تعالى لهم ذلك ، وأخبر عنهم بذلك في قوله : ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ) أي : وإذا فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله ، ففارقوهم أيضا بأبدانكم ( فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ) أي : يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم ( ويهيئ لكم من أمركم ) [ أي ] الذي أنتم فيه ، ( مرفقا ) أي : أمرا ترتفقون به . فعند ذلك خرجوا هرابا إلى الكهف ، فأووا إليه ، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم ، وتطلبهم الملك فيقال : إنه لم يظفر بهم ، وعمى الله عليه خبرهم . كما فعل بنبيه [ محمد ] صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق ، حين لجأ إلى غار ثور ، وجاء المشركون من قريش في الطلب ، فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه ، وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جزع الصديق في قوله : يا رسول الله ، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا ، فقال : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ " ، وقد قال تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) [ التوبة : 40 ] فقصة هذا الغار أشرف وأجل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف ، وقد قيل : إن قومهم ظفروا بهم ، وقفوا على باب الغار الذي دخلوه ، فقالوا : ما كنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم . فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعل [ لهم ] ذلك . وفي هذا نظر ، والله أعلم ؛ فإن الله تعالى قد أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشية ، كما قال تعالى :

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل بعض الفتية لبعض:

وإذا اعتزلتم أيها الفتية قومكم الذين اتخذوا من دون الله آلهة ( وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ ) يقول: وإذا اعتزلتم قومكم الذين يعبدون من الآلهة سوى الله، فـ " ما " إذ كان ذلك معناه في موضع نصب عطفا لها على الهاء، والميم التي في قوله ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ )

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ ) وهي في مصحف عبد الله: " ومَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله " هذا تفسيرها.

وأما قوله: ( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ) فإنه يعني به:

فصيروا إلى غار الجبل الذي يسمى بنجلوس، ( يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ) يقول: يبسط لكم ربكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي قد رُمِيتم به من الكافر دقينوس وطلبه إياكم لعرضكم على الفتنة.

وقوله: ( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ) جواب لـ " إذ " ، كأن معنى الكلام: وإذ اعتزلتم أيها القوم قومكم، فأْوُوا إلى الكهف ، كما يقال: إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه.

وقوله: ( وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ) يقول: وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغمِّ والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا، ويعني بالمرفق: ما ترتفقون به من شيء، وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان: كسر الميم وفتح الفاء، وفتح الميم وكسر الفاء ، وكان الكسائي يُنكر في مِرْفَق الإنسان الذي في اليد إلا فتح الفاء وكسر الميم ، وكان الفرّاء يحكي فيهما، أعني في مرفق الأمر واليد اللغتين كلتيهما، وكان ينشد في ذلك قول الشاعر:

بت أجافي مرفقا عن مرفقي (1)

ويقول: كسر الميم فيه أجود.

وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله: ( مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ) شيئا ترتفقون به مثل المقطع، ومرفقا جعله اسما كالمسجد، ويكون لغة، يقولون: رفق يرفق مرفقا، وإن شئت مرفقا تريد رفقا ولم يُقْرأ.

وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك. فقرأته عامة قراء أهل المدينة: " وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا " بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأته عامة قراء العراق في المصرين (مِرْفَقا) بكسر الميم وفتح الفاء.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان بمعنى واحد، قد قرأ بكل واحدة منهما قراء من أهل القرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الذي أختار في قراءة ذلك: ( وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ) بكسر الميم وفتح الفاء، لأن ذلك أفصح اللغتين وأشهرهما في العرب، وكذلك ذلك في كل ما ارتفق به من شيء.

------------------------

الهوامش:

(1) هذا بيت من الرجز ، استشهد به المؤلف على أن المرفق الذي يرتفق بع وينتفع : يجوز فيه فتح الميم مع كسر الراء وكسر الميم مع فتح . وكذلك مرفق اليدين ، وهو موافق لما قاله الفراء في معاني القرآن ( الورقة 184 من مصورة الجامعة ) قال : وقوله "من أمركم مرفقا " كسر الميم الأعمش والحسن ، ونصبها أهل المدينة وعاصم ، فكأن الذين فتحوا الميم وكسروا الفاء ، أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر ، والمرفق من الإنسان . وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن الإنسان. والعرب أيضا تفتح الميم من مرفق الإنسان، لغتان فيهما . أه أما أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 95 ذ) فإنه قال : المرفق : ما ارتفق به ، ويقرؤه قوم مرفقا ( أي بالفتح ) فأما في اليدين فهو مرفق . ولم أجد هذا الشاهد عند الفراء ، ولا عند أبي عبيدة ، ولا في لسان العرب . ومعنى أجافي : أبعد.

التدبر :

وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ﴾ لم يأت قرار الاعتزال إلا بعد أن: ﴿قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، لا اعتزال شرعي إلا بعد القيام بالأمر الرباني.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ﴾ مفارقة الأبدان عن أماكن المعصية، راحـة للقلوب وأيضًا ثباتٌ للنفـوس.
عمل
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ﴾ اهجر أهل الضلال قبل أن تهجر ضلالهم، فهو قبيح لولا تزيينهم، وقاتم لولا تلميعهم، وبغيض لولا تحبيبهم.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ فيقال: إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم، وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه، فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة، ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس، ولا تشرع فيما عداها لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع.
عمل
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ لا تعتزله وتكرهه لذاته، بل لفعله فقط! فإن عاد إلى الدين فهو أخوك.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ في الآيات دليل صريح على الفرار بالدين، وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ علمتني سورة الكهف: أن الجليس الصالح خير من الوحدة، لكن الوحدة خير من الجليس السوء!
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ لم يأتِ قرار الإعتزال إلا بعد أن: ﴿قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾، فمن فوائد الآية: الأمور لا تقاس بالعقل والنظر؛ فتنة أهل الكهف اعتزلوا قومهم؛ خوفًا فانتشر دينهم وكثر اتباعهم وحفظت قصتهم.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ لا يكفي مجرد اعتزال الباطل، ولكن لابد من اعتزال أهله.
عمل
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ ستجد عند من يخالفك جوانب صواب وأشياء يستفاد منها، اقتنصها.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ ما دام سلم لهم رأسمالهم؛ فكل البقاع قصور، ولو كانت العزلة في أضيق الدور.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ للكهوف والمغارات ذكريات للفارين بدينهم، فكان الكهف أنيسهم من دون البشر.
عمل
[16] ﴿وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّهَ فَأووا إِلَى الكَهفِ﴾ اجتهد أن تبتعد عن الكافرين والمنافقين أقصى ما يمكن، فالاعتزال ليس بالكلام فقط، فلن يطلق عليه اعتزال إلا إذا تحقق بالفعل.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ ناموا متفائلين فاستيقظوا وقد تغير العالم، نم وأنت تحسن الظن بالله؛ سيتغير لأجلك العالم.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ ربما تبدو لك الطاعة كهفًا متعبًا مريرًا، لا تقلق ادخل الكهف؛ سترى العالم أكثر رحابة، حيث تنشر لك الرحمة.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ مدحهم بجزمهم القاطع بأن الله سينشر لهم من رحمته، لم يكن وحيًا ولكنها الثقة.
عمل
[16] ﴿وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّهَ فَأووا إِلَى الكَهفِ يَنشُر لَكُم رَبُّكُم مِن رَحمَتِهِ وَيُهَيِّئ لَكُم مِن أَمرِكُم مِرفَقًا﴾ لا تكتفِ بالنية، تحرك وافعل شيئًا لتدخل فى رحمه الله.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّهَ فَأووا إِلَى الكَهفِ يَنشُر لَكُم رَبُّكُم مِن رَحمَتِهِ وَيُهَيِّئ لَكُم مِن أَمرِكُم مِرفَقًا﴾ هل فكرت فى ذلك من قبل؟ أن تبتعد عمن يضايقك بفكره وقناعاته الغير منطقية؟ الجأ لكهفك أيًا كان مكانه واعتزلهم، بلد، أو منزل، أو غرفة، أو حتى فى قلبك، أيًّا كان مكان كهفك، وقتها سيفاجئك ربك برحمات منه، وستجد حلًّا لكل ما تعانى منه.
وقفة
[16] ﴿وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّهَ فَأووا إِلَى الكَهفِ يَنشُر لَكُم رَبُّكُم مِن رَحمَتِهِ وَيُهَيِّئ لَكُم مِن أَمرِكُم مِرفَقًا﴾ كلمة (يَنشُرْ) دليل على السعة والكثرة والوضوح.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ رُبَّما تكون سعادتك في كهف، وشقاؤك في قصر!
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ لا تكترث بالمكان مهما كان متواضعًا أو وعرًا أو قاسيًا أو موحشًا، فرحمة الله تصل لكل الأماكن.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ وهو مجرد تجويف صخري، لكن إذا رضي الله عنك هيأ لك من الصخور منشر الرحمة وموطن اﻻرتفاق.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ نعم كهف، لا كهرباء مضيئة، ولا فرش وفيرة، لكن نور ورحمة من الله جل في علاه؛ فكن مع الله في ظلمات الدنيا تنل نوره في ظلمة القبر.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ مع الله تغدو الأماكن الموحشة واحات مؤنسة، وأفكار الرهبة ظلال رضا، وأيام الخوف حقبة أمان.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ سبحان من جعل السعادة في كهف، والشقاء في قصر! سعادتك من داخلك لا من خارجك.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ تركوا القصور والدور لتكون رحمة الله بهم في كهف مظلم، كثيرًا ما نرحم من حيث ما نكره.
وقفة
[16] فتية الكهف والراهب في قصة الأخدود والنبي ﷺ في الهجرة التجأوا للكهوف، عندما تقسوا قلوب الرجال يلين الله لهذا الدين قلوب الجبال ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ انظر كيف صنع التفاؤل؟! قالوا متأكدين بأن الله سينشر لهم من رحمته؛ فأعطاهم الله أعظم بكثير من ظنهم.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ عندما تنتشر الرحمة العظيمة في الكهف الضيق؛ تحدث المعجزات والكرامات والهدايات.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ علمتني سورة الكهف: أنه بقدر ما يأوي العبد إلى الله يرحمه جل في علاه.
عمل
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ اجعل لك مجلسًا يوميًّا مع الله، هذا المجلس هو الكهف الذي من خلاله يلقي الله على قلبك من رحمته.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ رحمة الله أثمن عطاء تناله من الله، رحمة لا حدود لهـا.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ كانوا في قصر فصاروا إلى كهفٍ ضيق، مع الله كل شيءٍ فسيح.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ الكهوف مكان للوحشة، لكنهم كانوا فتية متفائلين.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ حين تضيق الأماكن والظروف توسعها رحمة الله.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ كثيرًا ما تختبئ الأشياء الجميلة خلف قرارات مؤلمة وثقيلة.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ ضيق يأتى برحمه الله خير من سِعة تأتى بغضبه.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ فر الفتية بدينهم إلى الكهف، وفر الرسول ﷺ من عبادة الأصنام لغار حراء، وفر المجاهدون إلى الكهوف.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ بقدر ما يأوي العبد إلى الله يرحمه الله ﷻ .
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ رُبَّ كهف فيه السعادة والحبور، ورُبَّ ضيق وشقاء في القصور.
عمل
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ ظَنوا أن الله سينشر لهم من رحمته فنشر لهم من رحمته؛ ظن بربك الخير، فلن يخلف الكريم ظنك.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ من دلالات الآية الكريمة ما يلي: أ- إحسان الظن بالله لجزمهم بأن الله ينشر لهم من رحمته، وعلى هذا الظن الحسن يسير المؤمن. ب- العبرة بانتشار الرحمة لا بسعة المسكن، فقد ينشر الله الرحمة في كهف, وقد يكون البيت الواسع ضيقًا على أهله. جـ- في الآية سعة الرحمة لأن (مِنْ) تبعيضية أي بعضًا من رحمته الواسعة.
عمل
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ لا يهمك جمال المكان وحسنة، فأهم قضية نزول رحمة الله حتى ولو في كهف ضيق منعزل.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ تظن أنَّها اختياراتك، ولا تدري أنه أمر من الله لعقلك ولقلبك أن يختار ذاك الخيار، ويركن لذلك القرار.
وقفة
[16] علمتني سورة الكهف: أن رحمة الله قد تكون في أعتم الأماكن وأضيقها ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾؛ لا تيأس من روحِ الله.
وقفة
[16] فكرة سورة الكهف: أن جنة الإنسان في قلبه، ومن وجد تلك الجنة -وهي رحلة طويلة- لم تضق عليه تلك الدنيا، وتجاوز الزمان والمكان ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾.
عمل
[16] لا تقلق من ضيق الأماكن والأحوال إذا كان الله معك، رحمته تنتشر حتى في الكهوف والأماكن الضيقة ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ من ثمرة الإيمان أن أصبح الكهف الضيق الذي لا يعد لسكنى: منشورًا بالرحمة والتهيئة والارتفاق، فاعلم أن الأمر كله لله، وأن الأمور بحقائقها، لا بما يراه أهل الدنيا منها.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ تأمل جمال العبارة (يَنشُرْ) يبسط لكم، رحمة الله تبسط لك، وتغمرك، تحتويك، تحفك، تغشاك، تحتضنك.
وقفة
[16] ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ لا تشعروا بضيق الكهف؛ هنا تتسع الحياة وتنتشر الرحمة.
وقفة
[16] ﴿يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ إن انتشرت الرحمة في كهفك فلا تستغرب إن أمر الله قلبك ألا يخاف، وبطنك ألا يجوع، وعينك ألا ترى أشباح الرهبة.
وقفة
[16] ﴿يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته وهيأ لهم من أمرهم مرفقًا، فحفظ أديانهم وأبدانهم، وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن ما هو من رحمته بهم، ويسر لهم كل سبب، حتى المحل الذي ناموا فيه كان على غاية ما يمكن من الصيانة.
تفاعل
[16] ﴿يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ قل الآن: «اللهم انشر لنا من رحمتك، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا».

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ:
  • الواو استئنافية. اذ: اسم مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره واذكروا وحرك آخره بالكسر لالتقاء الساكنين. اعتزلتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. والميم علامة الجمع والواو لاشباع الميم او على الاصل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. وجملة اِعْتَزَلْتُمُوهُمْ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَما يَعْبُدُونَ:
  • الواو عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على «هم» في اعتزلتموهم بمعنى واعتزلتم معبوديهم.يعبدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يعبدون» صلة الموصول والعائد ضمير منصوب محلا والتقدير: وما يعبدونهم من الآلهة او تكون «ما» مصدرية. وجملة «يعبدون» صلة «ما».التقدير: ومعبوديهم.
  • ﴿ إِلاَّ اللهَ:
  • الا: أداة استثناء بمعنى: ما عدا. الله: مستثنى بإلا منصوب للتعظيم بالاستثناء وعلامة النصب الفتحة. وهو استثناء متصل على ما روي انهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه او يكون استثناء منقطعا. وقيل:هو كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفئة أنهم لم يعبدوا غير الله.
  • ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ:
  • الفاء استئنافية او واقعة في جواب الطلب. اي فالجئوا:فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. الى الكهف: جار ومجرور متعلق بأووا.
  • ﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ:
  • بمعنى: يبسط‍ لكم ربكم في الرزق. ينشر: فعل مضارع مجزوم لانه جواب الطلب-الامر-وعلامة جزمه سكون آخره.لكم: جار ومجرور متعلق بينشر والميم علامة جمع الذكور. ربكم: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بينشر والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. ويهيئ لكم: معطوفة بالواو على جملة يَنْشُرْ لَكُمْ» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً:
  • جار ومجرور متعلق بيهيئ والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. مرفقا: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: ما تنتفعون به. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز و جل ما أعلنه الفِتيَةُ؛ ذكرَ هنا ما تناجوا به فيما بينهم على سبيل النُّصح والمَشورة، قال تعالى:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مرفقا:
وقرئ:
1- بفتح الميم وكسر الفاء، وهى قراءة أبى جعفر، والأعرج، وشيبة، وحميد، وابن سعدان، ونافع، وابن عامر، وغيرهم.
2- بكسر الميم وفتح الفاء، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وطلحة، والأعمش، وباقى السبعة.

مدارسة الآية : [17] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ ..

التفسير :

[17] فلما فعلوا ذلك ألقى الله عليهم النوم وحَفِظهم. وترى -أيها المشاهد لهم- الشمس إذا طلعت من المشرق تميل عن مكانهم إلى جهة اليمين، وإذا غربت تتركهم إلى جهة اليسار، وهم في متسع من الكهف، فلا تؤذيهم حرارة الشمس، ولا ينقطع عنهم الهواء، ذلك الذي فعلناه بهؤلا

أي:حفظهم الله من الشمس فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس تميل عنه يمينا، وعند غروبها تميل عنه شمالا، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها،{ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} أي:من الكهف أي:مكان متسع، وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيق، خصوصا مع طول المكث، وذلك من آيات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم، وإجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الأمور، ولهذا قال:{ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أي:لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله، فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين،{ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} أي:لا تجد من يتولاه ويدبره، على ما فيه صلاحه، ولا يرشده إلى الخير والفلاح، لأن الله قد حكم عليه بالضلال، ولا راد لحكمه.

قال الآلوسى: قوله: وَتَرَى الشَّمْسَ.. بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف..

والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح، وهو للمبالغة في الظهور، وليس المراد الإخبار بوقوع الرؤية، بل المراد الإخبار بكون الكهف لو رأيته ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ... ».

وقوله تَتَزاوَرُ من الزور بمعنى الميل. ومنه قولهم: زار فلان صديقه، أى: مال إليه.

ومنه شهادة الزور، لأنها ميل عن الحق إلى الباطل. ويقال: فلان أزور، إذا كان مائل الصدر، ويقال: تزاور فلان عن الشيء، إذا انحرف عنه.

وفي هذا اللفظ ثلاث قراءات سبعية. فقد قرأ ابن عامر «تزور» بزنة تحمر. وقرأ الكوفيون- عاصم وحمزة والكسائي- «تزاور» بفتح الزاى- وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «تزّاور» بتشديد الزاى-. وأصله تتزاور فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.

ومعنى: «تقرضهم» تقطعهم وتتجاوزهم وتتركهم، من القرض بمعنى القطع والصرم، يقال: قرض المكان، أى: عدل عنه وتركه.

والمعنى: إنك- أيها المخاطب- لو رأيت أهل الكهف، لرأيتهم على هذه الصورة، وهي أن الشمس إذا طلعت من مشرقها، مالت عن كهفهم جهة اليمين، وإذا غربت، تراها عند غروبها، تميل عنهم كذلك، فهي في الحالتين لا تصل إليهم، حماية من الله- تعالى- لهم، حتى لا تؤذيهم بحرها، بأن تغير ألوانهم، وتبلى ثيابهم.

وقوله: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ جملة حالية. أى: والحال أنهم في مكان متسع من الكهف وهو وسطه، والفجوة: هي المكان المتسع، مأخوذة من الفجا، وهو تباعد ما بين الفخذين، ومنه قولهم: رجل أفجى، وامرأة فجواء.

وللمفسرين في تأويل هذه الآية اتجاهان لخصهما الإمام الرازي فقال: للمفسرين هنا قولان: أولهما: أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال، فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف، وإذا غربت كانت على شماله، فضوء الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف، وكان الهواء الطيب والنسيم الموافق يصل.

والثاني: يرى أصحابه أنه ليس المراد ذلك، وإنما المراد أن الشمس إذا طلعت منع الله- تعالى- ضوءها من الوقوع عليهم، وكذا القول في حال غروبها، وكان ذلك فعلا خارقا للعادة، وكرامة عظيمة خص الله بها أصحاب الكهف..».

ومن هذين الرأيين يتبين لنا أن أصحاب الرأى الأول، يرجعون عدم وصول حر الشمس إلى هؤلاء الفتية إلى أسباب طبيعية حماهم الله- تعالى- بها ومن بينها أن الكهف كان مفتوحا إلى جهة الشمال.

أما أصحاب الرأى الثاني فيردون عدم وصول أشعة الشمس إليهم إلى أسباب غير طبيعية، بمعنى أن الفتية كانوا في متسع من الكهف، أى: في مكان تصيبه الشمس، إلا أن الله- تعالى- بقدرته التي لا يعجزها شيء، منع ضوء الشمس وحرها من الوصول إليهم، خرقا للعادة على سبيل التكريم لهم.

ومع وجاهة الرأيين، إلا أن النفس أميل إلى الرأى الثاني، لأن قوله- تعالى- وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ يشير إلى أنهم مع اتساع المكان الذي ينامون فيه- وهو الفجوة- لا تصيبهم الشمس لا عند الطلوع ولا عند الغروب، وهذا أمر خارق للعادة، ويدل على عجيب حالهم، كما أن قوله- تعالى- بعد ذلك ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ يشعر بأن أمر هؤلاء الفتية فيه غرابة، وليس أمرا عاديا مألوفا.

قال الآلوسى: وأكثر المفسرين على أنهم لم تصبهم الشمس أصلا، وإن اختلفوا في منشأ ذلك واختار جمع منهم، أنه لمحض حجب الله- تعالى- الشمس على خلاف ما جرت به العادة، والإشارة تؤيد ذلك أتم تأييد، والاستبعاد مما لا يلتفت إليه، لا سيما فيما نحن فيه، فإن شأن أصحاب الكهف كله على خلاف العادة..».

وعلى هذا الرأى الثاني يكون اسم الإشارة في قوله: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ إلى ما فعله الله- تعالى- معهم، من حجب ضوء الشمس عنهم مع أنهم في متسع من الكهف.

أى: ذلك الذي فعلناه معهم من آياتنا الدالة على قدرتنا الباهرة، وإرادتنا التي لا يعجزها شيء.

وأما على الرأى الأول فيكون اسم الإشارة مرجعه إلى ما سبق من الحديث عنهم، كهدايتهم إلى التوحيد، وإخراجهم من بين عبدة الأوثان، ولجوئهم إلى الكهف، وجعل باب الكهف على تلك الكيفية، إلى غير ذلك مما ذكر- سبحانه- عنهم.

أى: ذلك الذي ذكرناه لك عنهم- أيها الرسول الكريم- هو من آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً.

أى: من يهده الله إلى طريق الحق، ويوفقه إلى الصواب، فهو المهتد، أى فهو الفائز بالحظ الأوفر في الدارين، ومن يضلله الله- تعالى- عن الطريق المستقيم، فلن تجد له- يا محمد- نصيرا ينصره، ومرشدا يرشده إلى طريق الحق.

كما قال تعالى-: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

وكما قال- سبحانه-: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ ....

هذا دليل على أن باب هذا الكهف من نحو الشمال ؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ) ذات اليمين ) أي : يتقلص الفيء يمنة كما قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة : ( تزاور ) أي : تميل ؛ وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان ؛ ولهذا قال : ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) أي : تدخل إلى غارهم من شمال بابه ، وهو من ناحية المشرق ، فدل على صحة ما قلناه ، وهذا بين لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة ، وسير الشمس والقمر والكواكب ، وبيانه أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب ، ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب ، ولا تزاور الفيء يمينا ولا شمالا ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع ، بل بعد الزوال ولم تزل فيه إلى الغروب . فتعين ما ذكرناه ولله الحمد .

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : ( تقرضهم ) تتركهم .

وقد أخبر الله تعالى بذلك وأراد منا فهمه وتدبره ، ولم يخبرنا بمكان هذا الكهف في أي البلاد من الأرض ؛ إذ لا فائدة لنا فيه ولا قصد شرعي . وقد تكلف بعض المفسرين فذكروا فيه أقوالا فتقدم عن ابن عباس أنه قال : [ هو ] قريب من أيلة . وقال ابن إسحاق : هو عند نينوى . وقيل : ببلاد الروم . وقيل : ببلاد البلقاء . والله أعلم بأي بلاد الله هو . ولو كان لنا فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله ورسوله إليه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت شيئا يقربكم إلى [ الجنة ] ويباعدكم من النار ، إلا وقد أعلمتكم به " . فأعلمنا تعالى بصفته ، ولم يعلمنا بمكانه ، فقال ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ) قال مالك ، عن زيد بن أسلم : تميل ( ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ) أي : في متسع منه داخلا بحيث لا تمسهم ؛ إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم وثيابهم ؛ قاله ابن عباس .

( ذلك من آيات الله ) حيث أرشدهم تعالى إلى هذا الغار الذي جعلهم فيه أحياء ، والشمس والريح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم ؛ ولهذا قال : ( ذلك من آيات الله )

ثم قال : ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) أي : هو الذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم ، فإنه من هداه الله اهتدى ، ومن أضله فلا هادي له .

القول في تأويل قوله تعالى : وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)

يقول تعالى ذكره ( وَتَرَى الشَّمْسَ ) يا محمد ( إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) يعني بقوله: ( تَزَاوَرُ ) : تعدل وتميل، من الزور: وهو الْعَوج والميل ، يقال منه: في هذه الأرض زَوَر: إذا كان فيها اعوجاج، وفي فلان عن فلان ازورار، إذا كان فيه عنه إعراض ، ومنه قول بشر بن أبي خازم:

يَــؤُمُّ بِهــا الحُــدَاةُ مِيـاهَ نَخْـلٍ

وفيهـــا عَـــنْ أبــانَين ازْوِرَارُ (2)

يعني: إعراضا وصدا.

وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء المدينة ومكة والبصرة: " تزَّاور " بتشديد الزاي، بمعنى: تتزاور بتاءين، ثم أدغم إحدى التاءين في الزاي، كما قيل: تظَّاهرون عليهم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: (تَزَاوَرُ) بتخفيف التاء والزاي، كأنه عنى به تفاعل من الزور ، ورُوي عن بعضهم: " تَزْوَرّ" بتخفيف التاء وتسكين الزاي وتشديد الراء مثل تحمرُّ، وبعضهم : تَزْوَارّ: مثل تحمارّ.

والصواب من القول في قراءه ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان، أعني (تَزَاوَرُ) بتخفيف الزاي، و (تزَّاوَرُ) بتشديدها معروفتان، مستفيضة القراءة بكلّ واحدة منهما في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. وأما القراءتان الأخريان فإنهما قراءتان لا أرى القراءة بهما، وإن كان لهما في العربية وجه مفهوم، لشذوذهما عما عليه قرأة الأمصار.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ، قال: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) قال: تميل.

حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) يقول: تميل عنهم.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول: تميل عن كهفهم يمينا وشمالا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) يقول: تميل ذات اليمين، تدعهم ذات اليمين.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين.

حُدثت عن يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم، ولو أنهم لا يقلَّبون لأكلتهم الأرض، قال: وذلك قوله: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ).

حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ) تميل.

وقوله: ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول تعالى ذكره:وإذا غربت الشمس تتركهم من ذات شمالهم. وإنما معنى الكلام: وترى الشمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم، فتطلع عليه من ذات اليمين، لئلا تصيب الفتية، لأنها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم، أو أشحبتهم ، وإذا غربت تتركهم بذات الشمال، فلا تصيبهم ، يقال منه:قرضت موضع كذا: إذا قطعته فجاوزته ، وكذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة ، وأما الكوفيون فإنهم يزعمون أنه المحاذاة، وذكروا أنهم سمعوا من العرب قرضته قُبُلا ودبرا، وحذوته ذات اليمين والشمال، وقُبلا ودبرا: أي كنت بحذائه ، قالوا: والقرض والحذو بمعنى واحد ، وأصل القرض: القطع، يقال منه: قرضت الثوب: إذا قطعته ، ومنه قيل للمقراض: مقراض، لأنه يقطع ، ومنه قرض الفأر الثوب ، ومنه قول ذي الرُّمَّة:

إلـى ظُعْـن يَقْـرِضْنَ أجْوَاز مُشْرِفٍ

شِــمالا وعـن أيمـانِهنَّ الفـوارِسُ (3)

يعنى بقوله: يَقْرِضْنَ: يقطعن.

وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثني أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول : تذرهم.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ) تتركهم ذات الشمال.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: (تَقْرِضُهُمْ) قال: تتركهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول: تدعهم ذات الشمال.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، عن قتادة، قوله: ( تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) قال: تدعهم ذات الشمال.

حدثنا ابن سنان القَزّاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمد بن مسلم بن أبي الوضَّاح عن سالم، عن سعيد بن جبير ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ) قال: تتركهم.

وقوله: ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) يقول: والفتية الذين أووا إليه في متسع منه يُجْمَع: فَجَوات، وفِجَاء ممدودا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) يقول: في فضاء من الكهف، قال الله ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ).

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) قال: المكان الداخل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) قال: المكان الذاهب.

حدثني ابن سنان، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن مسلم أبو سعيد بن أبي الوضَّاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ( فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) قال: في مكان داخل.

وقوله: (ذلك من آيات الله) يقول عز ذكره:

فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلاء الفتية الذين قصصنا عليكم أمرهم من تصييرناهم، إذ أردنا أن نضرب على آذانهم بحيث تزاور الشمس عن مضاجعهم ذات اليمين إذا هي طلعت، وتقرضهم ذات الشمال إذا هي غَرَبت، مع كونهم في المتسع من المكان، بحيث لا تحرْقهم الشمس فتُشحبهم، ولا تبلى على طول رقدتهم ثيابهم، فتعفَّن على أجسادهم، من حجج الله وأدلته على خلقه، والأدلة التي يستدل بها أولو الألباب على عظيم قدرته وسلطانه، وأنه لا يعجزه شيء أراده ، وقوله ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) يقول عزّ وجلّ: من يوفقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلى الحق التي جعلها أدلة عليه، فهو المهتدي : يقول: فهو الذي قد أصاب سبيل الحقّ( وَمَنْ يُضْلِلِ ) يقول: ومن أضله الله عن آياته وأدلته ، فلم يوفقه للاستدلال بها على سبيل الرشاد ( فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ) يقول: فلن تجد له يا محمد خليلا وحليفا يرشده لإصابتها، لأن التوفيق والخِذْلان بيد الله، يوفق من يشاء من عباده، ويخذل من أراد ، يقول: فلا يَحْزنُك إدبار من أدبر عنك من قومك وتكذيبهم إياك ، فإني لو شئت هديتهم فآمنوا، وبيدي الهداية والضلال.

------------------------

الهوامش:

(2) البيت لبشر بن خازم . ذكره البكري في معجم ما استعجم طبع القاهرة ( لجنة التأليف ، بتحقيق مصطفى السقا) في رسم "أبان" . قال : أبان جبل . وهما أبانان : أبان الأبيض وأبان الأسود ، بينهما فرسخ ، ووادي الرمة يقطع بينهما . فأبان الأبيض لبني جريد من بني فزارة خاصة ، والأسود لبني والبة ، من بني الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد .وقال بشر فيهما وفيهـــا عـــن أبــانين ازورار

. وقال الأصمعي : أراد أبانا ، فثناه للضرورة . ونخل ، كما في معجم ما استعجم : على لفظ جمع نخلة ، وقال يعقوب : هي قرية بواد يقال له شدخ ، لفزارة وأشجع وأنمار وقريش والأنصار ... على ليلتين من المدينة . أو هي ماء بين القصة والثاملية . ويؤم بها : يقصد بها بالإبل ، والحداة : جمع حاد وهو سائق الإبل يحدو بها ، ويغني لها. والازورار : الميل والعدول والإعراض عن الشيء ، كما استشهد به المؤلف عند قوله تعالى: ( تزاور عن كهفهم ) أي تميل عنه وتنحرف.

(3) البيت في ديوان ذي الرمة طبع كيمبردج سنة 1919 ص 313 من القصيدة رقم 41 ، وعدة أبياتها 51 بيتا . أي نظرت إلى ظعن يقرضن أي يملن عنها . والفوارس : رمال بالدهناء . والبيت من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن : 1 : 396 ) ، قال : " تقرضهم ذات الشمال ، أي تخلفهم شمالا ، وتجاوزهم وتقطعهم ، وتتركهم عن شمالها . ويقال : هل مررت بمكان كذا وكذا ؟ فيقول المسئول : قرضته ذات اليمين ليلا . وقال ذو الرمة : إلـى ظعـن يقـرضن أجواز مشرف

... البيت . ومشرف والفوارس : موضعان بنجد ، كما في معجم ما استعجم ، وأنشد البيت في رسم الفوارس ، ونسبه إلى ذي الرمة . والظعن : جمع ظعينة ، وهي المرأة في الهودج على جملها أو ناقتها .

التدبر :

وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت﴾ من حرَّك الشَّمس ذات اليمينِ وذاتَ الشّمال من أجلِ فتيةِ الكَهف؛ فهو قادرٌ على تصريف أمورك دونَ أنْ تشعر.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت﴾ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرهم، إنما إخبار الله تعالى له بأمرهم يجعله كرؤيا العين وأكثر.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ﴾ وفي كل كهف إطلالة على العالم -وفي كل ابتلاء رعاية ربانية- وفي كل ظلمة أرضية نور سماوي.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ﴾ إذا تولى الله العناية بك والرعاية لك، فنم قرير العين، فقد أمنت المخاوف كلها!
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ﴾ الإيمان الذي غير الله به مسار الشمس، سيغير الله به حياتك.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم﴾ الشمس يغير الله مسارها على بعد ٩٣ مليون ميل لمؤمنين نيام، كيف لا يغير أشياء صغيرة من أجلك!
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم﴾ إذا تولاك الله فنم قرير العين، فسيحفظك ويقيك من كل شر، ويسخر لك كل شيء.
وقفة
[17] من يصدق مع الله ويطلب رضاه يهيء الله له خلقه ويسخرهم له؛ تأمل كيف سخر الله الشمس للفتية ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ﴾.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ كان يكرمهم الله وهم نائمون لا يعلمون بإكرامه، كم يصنع الله لأوليائه دون علمهم!
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ تزاورت: مالت، الشمس الهائلة تزاورت أكثر من مائة ألف مرة من أجلهم.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ إن أراد لك ربك رحمة تناغمت مخلوقاته بأمره فيُكف عنك الضر ويُصب عليك عطاءه.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ﴾ الذي هيأ الكهف، وحرك الشمس لذات اليمين والشمال، يستطيع أن يغيِّر همومك، ويهيئ راحة بالك؛ ثق بالعزيز الحكيم.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ﴾ قال ابن كثير: «هذا دليل على أن باب هذا الكهف من نحو الشمال؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه (ذاتَ اليَمينِ) أي: يتقلص الفيء يمنة كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة، تزاور أي: تميل؛ وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان؛ ولهذا قال :(وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ (أي: تدخل إلى غارهم من شمال بابه، وهو من ناحية المشرق، فدل على صحة ما قلناه».
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ﴾ إذا صدق العبد في فراره إلى الله وتعلقه به سخَّر له مخلوقاته، ألا ترى كيف سخَّر الشمس مشرقًا ومغربًا لهؤلاء الفتية؟!
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ ذكر الشمس مع الكهف له أسرار، في كل ظلمة نافذة للضياء، وفي كل ضيق منفذ للفرج.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ حتى الشمس تشارك في حمايتهم، ما أغلى العبد الصالح على الله !
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ من آثر الله في أمره ونهيه آثره الله في جميع شأنه، وهذه كرامة لأصحاب الكهف جزاء تضحيتهم في سبيل الله، فقد خرق لهم النظام الكوني، فكانت الشمس إذا طلعت تميل عنهم يمينًا، وعند غروبها تميل عنهم شمالًا، فلا ينالهم حرها ولا تؤذي أبدانهم، بينما هم نائمون في فجوة من الكهف أي متسع منه، يطرقهم فيه الهواء والنسيم العليل.
لمسة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ استخدم (تزاور) عند الشروق، و(تقرضهم) عند الغروب؛ لأن هذا هو الواقع، (تزاور) بمعنى تبتعد وتتنحى عنهم، و(تقرضهم) يعني تتركهم جانبًا، وحاصل الجملتين أن الشمس لا تصيبهم لا في الشروق ولا في الغروب.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ لماذا استخدم تزاور عند الشروق وتقرضهم عند الغروب؟ لأن هذا هو الواقع، تقرضهم يعني تتركهم جانبًا، وتزاور بمعنى تتنحى عنهم، لا تدخل إليهم، حاصل الجملتين أن الشمس لا تصيبهم لا في الشروق ولا في الغروب، تزاور يعني تبتعد وتتنحى من ازورَّ، الشمس لا تدخل إليهم ولا يصيبهم نور الشمس، والمفهوم من الآية أن باب الكهف إلى الشمال تطلع الشمس فتبتعد وعندما تغرب تتركهم، والمفهوم أن الشمس لا تأتي عليهم.
وقفة
[17] كما سخر الله الشمس لكل أهل الأرض مع اتساعها سخرها لأهل الكهف في أضيق مكان ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ﴾ وصف الله (الكهف) واتجاهه وفجوته لانتشار الإيمان فيه، ولا نعرف شيئًا عن دار قارون وقصر فرعون.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ﴾ الشمس لا تصيبهم عند طلوعها، ولا عند غروبها؛ لئلا يحترقوا بحرها، فقيل: إن ذلك كرامة لهم وخرق عادة.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ وَهُم في فَجوَةٍ مِنهُ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ﴾ من آيات الله أن مدخل الكهف يسمح بدخول الشمس عند الشروق والغروب، فلو مال قليلا ناحية الشرق لما دخلته الشمس عند الغروب والعكس صحيح، ولدخولها مرتين يوميًّا فائدة كبرى من حفظ أجسادهم من العطن، وللقضاء على البكتيريا أو أى حشرات قد تأكل أجسادهم، والله أعلم.
وقفة
[17] ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾ من لاحظته عناية الله فكل الحوادث له أمان فعين الله ترقبه وتحميه وتدفع عنه الأذى.
وقفة
[17] ﴿تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ﴾ الشمس في ركاب الصالحين.
وقفة
[17] ﴿ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ﴾ قال ابن عباس: «حيث أرشدهم إلى هذا الغار، الذي جعلهم فيه أحياء والشمس والريح تدخل عليهم لتبقي أبدانهم».
وقفة
[17] ﴿ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ ستمر بك في الحياة آيات وعظات فإن أحسنت التفكر والتدبر فقد وفقت وهديت.
وقفة
[17] ﴿مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ الهداية من الله لكن يجب أن تطلبها بحسن عملك وصدقك مع الله، فالله لا يزرع بذرته إلا بالأرض الطيبة.
وقفة
[17] ﴿مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ إذا أنس الله ﷻ من عبد طلبًا للهداية؛ فإنه يهديه.
تفاعل
[17] ﴿مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[17] ﴿مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾ أي: لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله؛ فهو الهادي، المرشد لمصالح الدارين.
وقفة
[17] ﴿مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾ علمتني سورة الكهف: أن المهتدي الوحيد هو الذي عَرَفَ الله، وليس بعده إلا الضلال المبين.
عمل
[17] لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله؛ فاسألها ممن يملكها، واستعذ به من الضلال والغواية ﴿مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾
وقفة
[17] ﴿وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾ الذي اختار حتفه بيده، فلن تملك له شيئًا إلا أن تشاهد بنفسك ماذا يصنع الكبر والعناد بصاحبه؟!
تفاعل
[17] ﴿وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[17] ﴿وَمَن يُضلِل فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرشِدًا﴾ الصديق الحق هو من يرشدك عندما تخطئ.

الإعراب :

  • ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ:
  • الواو استئنافية. ترى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.الشمس: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِذا طَلَعَتْ:
  • اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو اداة شرط‍ غير جازمة. طلعت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.وجملة «طلعت» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ تزاور:
  • : تميل حتى لا يؤذيهم شعاعها. واصل الفعل «تتزاور» حذفت احدى التاءين تخفيفا. وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. وجملة «تزاور» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ:
  • جار ومجرور متعلق بتزاور. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. ذات: اسم مكان مبهم متعلق بتزاور منصوب على الظرفية لانه اسم جهة. وهو مضاف. اليمين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة اي جهة اليمين وحقيقتها الجهة المسماة باليمين.
  • ﴿ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها. و «هم» في «تقرضهم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ:
  • بمعنى: تقطعهم لا تقربهم او تدعهم الى احد الجانبين وهم في متسع من الكهف او في ساحة واسعة منه. الواو حالية.والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. في فجوة: جار ومجرور متعلق بخبر «هم».منه: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «فجوة».
  • ﴿ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.اللام للبعد والكاف للخطاب. والاشارة الى ما صنعه الله بهم من ازورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة. من آيات: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ. أي: ذلك آية من آيات الله. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ مَنْ يَهْدِ اللهُ:
  • من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. يهد: فعل مضارع فعل شرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-.الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ فَهُوَ الْمُهْتَدِ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء:رابطة لجواب الشرط‍.هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. المهتد: خبر «هو» مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة اختصارا وبقيت الكسرة دالة عليها.
  • ﴿ وَمَنْ يُضْلِلْ:
  • معطوفة على مَنْ يَهْدِ» وتعرب اعرابها. وعلامة جزم الفعل سكون آخره والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. والعائد محذوف وهو منصوب محلا لانه مفعول به والتقدير: ومن يضلله. لان «من» الشرطية هي نفسها الموصولة. ودعيت بالشرطية لانها ربطت الحدثين.
  • ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط‍.لن: حرف نفي ونصب واستقبال. تجد: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. والجملة: جواب شرط‍ جازم مسبوق بلن مقترنة بالفاء في محل جزم. له: جار ومجرور متعلق بتجد.
  • ﴿ وَلِيًّا مُرْشِداً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. مرشدا: صفة-نعت-لوليا منصوب مثله بالفتحة. '

المتشابهات :

الأعراف: 178﴿ مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
الإسراء: 97﴿ وَمَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ
الكهف: 17﴿ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     : ولَمَّا اعتزلَ الفِتيَةُ قومَهم وأوَوْا إلى الكهفِ؛ بَيَّنَ اللهُ عز و جل هنا حالَهم داخل الكهفِ، حيث ألقى عليهم النومَ، وحفظهم مِن عَدُوِّهم، وحفظهم مِن الشمسِ، قال تعالى:
﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تزاور:
قرئ:
1- تزاور، بإدغام تاء «تتزاور» فى الزاى، وهى قراءة الحرميين، وأبى عمرو.
2- بتخفيف الزاى، إذ حذفوا التاء، وهى قراءة الكوفيين، والأعمش، وطلحة، وابن أبى ليلى، وابن مناذر، وخلف، وأبى عبيد، وابن سعدان، ومحمد بن عيسى الأصبهانى، وأحمد بن جبير الأنطاكى.
3- تزور، على وزن «تحمر» ، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وابن عامر، وقتادة، وحميد، ويعقوب، عن العمرى.
4- تزوار، على وزن «تحمار» ، وهى قراءة الجحدري، وأيوب السختياني، وابن أبى عبلة، وجابر.
5- تزوئر، بهمزة قبل الراء، وهى قراءة ابن مسعود، وأبى المتوكل.
تقرضهم:
1- بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء أي: يقرضهم الكهف، وهى قراءة فرقة.

مدارسة الآية : [18] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ..

التفسير :

[18] وتظن -أيها الناظر- أهل الكهف أيقاظاً، وهم في الواقع نيام، ونتعهدُهم بالرعاية، فنُقَلِّبهم حال نومهم مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر؛ لئلا تأكلهم الأرض، وكلبهم الذي صاحَبهم مادٌّ ذراعيه بفناء الكهف، كأنه يحرسهم، لو عاينْتَهم لأدبرتَ عنهم هارباً، ول

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} أي:تحسبهم أيها الناظر إليهم [كأنهم] أيقاظ، والحال أنهم نيام، قال المفسرون:وذلك لأن أعينهم منفتحة، لئلا تفسد، فالناظر إليهم يحسبهم أيقاظا، وهم رقود،{ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} وهذا أيضا من حفظه لأبدانهم، لأن الأرض من طبيعتها، أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله، أن قلبهم على جنوبهم يمينا وشمالا، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض، من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها.

{ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} أي:الكلب الذي كان مع أصحاب الكهف، أصابه ما أصابهم من النوم وقت حراسته، فكان باسطا ذراعيه بالوصيد، أي:الباب، أو فنائه، هذا حفظهم من الأرض. وأما حفظهم من الآدميين، فأخبر أنه حماهم بالرعب، الذي نشره الله عليهم، فلو اطلع عليهم أحد، لامتلأ قلبه رعبا، وولى منهم فرارا، وهذا الذي أوجب أن يبقوا كل هذه المدة الطويلة، وهم لم يعثر عليهم أحد، مع قربهم من المدينة جدا، والدليل على قربهم، أنهم لما استيقظوا، أرسلوا أحدهم، يشتري لهم طعاما من المدينة، وبقوا في انتظاره، فدل ذلك على شدة قربهم منها.

ثم صور- سبحانه- بعد ذلك مشهدا عجيبا من أحوال هؤلاء الفتية فقال: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ...

والحسبان بمعنى الظن، والأيقاظ جمع يقظ وهو ضد النائم، والرقود: جمع راقد والمراد به هنا: النائم.

أى: وتظنهم- أيها المخاطب لو قدر لك أن تراهم- أيقاظا منتبهين، والحال أنهم رقود أى: نيام.

وقالوا: وسبب هذا الظن والحسبان، أن عيونهم كانت مفتوحة، وأنهم كانوا يتقلبون من جهة إلى جهة، كما قال- تعالى- بعد ذلك: وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ.

أى: ونحركهم وهم رقود إلى الجهة التي تلى أيمانهم، وإلى الجهة التي تلى شمائلهم، رعاية منا لأجسامهم حتى لا تأكل الأرض شيئا منها بسبب طول رقادهم عليها.

وعدد مرات هذا التقليب لا يعلمه إلا الله- تعالى- وما أورده المفسرون في ذلك لم يثبت عن طريق النقل الصحيح، لذا ضربنا صفحا عنه.

ثم بين- سبحانه- حالة- كلبهم فقال: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ.

والمراد بالوصيد- على الصحيح- فناء الكهف قريبا من الباب، أو هو الباب نفسه، ومنه قول الشاعر: بأرض فضاء لا يسد وصيدها. أى: لا يسد بابها.

أى: وكلبهم الذي كان معهم في رحلتهم ماد ذراعيه بباب الكهف حتى لكأنه يحرسهم ويمنع من الوصول إليهم.

وما ذكره بعض المفسرين هنا عن اسم الكلب وصفاته، لم نهتم بذكره لعدم فائدته.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً.

أى. لو عاينتهم وشاهدتهم- أيها المخاطب- لأعرضت بوجهك عنهم من هول ما رأيت. ولملئ قلبك خوفا ورعبا من منظرهم.

وقد أخذ العلماء من هذه الآية أحكاما منها: أن صحبة الأخيار لها من الفوائد ما لها.

قال ابن كثير- رحمه الله- ربض كلبهم على الباب كما جرت به عادة الكلاب وهذا من سجيته وطبيعته حيث يربض ببابهم كأنه يحرسهم، وكان جلوسه خارج الباب. لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب- كما ورد في الصحيح.. وشملت كلبهم بركتهم، فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، وهذا فائدة صحبة الأخيار، فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن.

وقال القرطبي- رحمه الله- ما ملخصه: قال ابن عطية: وحدثني أبى قال: سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله.

قلت- أى القرطبي-: إذا كان بعض الكلاب نال هذه الدرجة العليا بصحبة ومخالطة الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله بذلك في كتابه، فما ظنك بالمؤمنين المخالطين المحبين للأولياء.

والصالحين!! بل في هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكلمات: المحبين للنبي صلّى الله عليه وسلم وآله خير آل.

روى في الصحيح عن أنس قال: بينا أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم خارجان من المسجد،فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله. متى الساعة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما أعددت لها؟ قال: فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله، ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحببت الله ورسوله: قال صلّى الله عليه وسلم:

«فأنت مع من أحببت» . وفي رواية قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلّى الله عليه وسلم «فأنت مع من أحببت» .

قال أنس. فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بأعمالهم.

قلت: وهذا الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين كل ذي نفس، فلذلك تعلقت أطماعنا بذلك، وإن كنا مقصرين، ورجونا رحمة الرحمن، وإن كنا غير مستأهلين..

ثم حكى- سبحانه- حال هؤلاء الفتية بعد أن أعاد إليهم الحياة، فذكر بعض أقوالهم فيما بينهم فقال- تعالى-:

ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم ، لم تنطبق أعينهم ؛ لئلا يسرع إليها البلى ، فإذا بقيت‌ ظاهرة للهواء كان أبقى لها ؛ ولهذا قال تعالى : ( وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ) وقد ذكر عن الذئب أنه ينام فيطبق عينا ويفتح عينا ، ثم يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد ، كما قال الشاعر ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الرزايا فهو يقظان نائم

وقوله تعالى : ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) قال بعض السلف : يقلبون في العام مرتين . قال ابن عباس : لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض .

وقوله : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال ابن عباس ، وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير الوصيد : الفناء .

وقال ابن عباس : بالباب . وقيل : بالصعيد ، وهو التراب . والصحيح أنه بالفناء ، وهو الباب ، ومنه قوله تعالى : ( إنها عليهم مؤصدة ) [ الهمزة : 8 ] أي : مطبقة مغلقة . ويقال : " وصيد " و " أصيد " .

ربض كلبهم على الباب كما جرت به عادة الكلاب .

قال ابن جريج يحرس عليهم الباب . وهذا من سجيته وطبيعته ، حيث يربض ببابهم كأنه يحرسهم ، وكان جلوسه خارج الباب ؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب - كما ورد في الصحيح - ولا صورة ولا جنب ولا كافر ، كما ورد به الحديث الحسن وشملت كلبهم بركتهم ، فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال . وهذا فائدة صحبة الأخيار ؛ فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن .

وقد قيل : إنه كان كلب صيد لأحدهم ، وهو الأشبه . وقيل : كان كلب طباخ الملك ، وقد كان وافقهم على الدين فصحبه كلبه فالله أعلم .

وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " همام بن الوليد الدمشقي " : حدثنا صدقة بن عمر الغساني ، حدثنا عباد المنقري ، سمعت الحسن البصري ، رحمه الله ، يقول : كان اسم كبش إبراهيم : جرير واسم هدهد سليمان : عنقز ، واسم كلب أصحاب الكهف : قطمير ، واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه : بهموت . وهبط آدم ، عليه السلام ، بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس بدست بيسان ، والحية بأصبهان

وقد تقدم عن شعيب الجبائي أنه سماه : حمران .

واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ، ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ، ولا حاجة إليها ، بل هي مما ينهى عنه ، فإن مستندها رجم بالغيب .

وقوله تعالى : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) أي : أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم ؛ لما ألبسوا من المهابة والذعر ؛ لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس ، حتى يبلغ الكتاب أجله ، وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم ، لما له في ذلك من الحجة والحكمة البالغة ، والرحمة الواسعة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وتحسب يا محمد هؤلاء الفتية الذين قصصنا عليك قصتهم، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الذي أووا إليه أيقاظا. والأيقاظ: جمع يَقِظ ، ومنه قول الراجز:

وَوَجـــدُوا إخْـــوَتهُمْ أيْقاظـــا

وسَــيْفَ غَيَّــاظٍ لَهُــمْ غَيَّاظــا (4)

وقوله: ( وَهُمْ رُقُودٌ ) يقول: وهم نيام ، والرقود: جمع راقد، كالجلوس: جمع جالس، والقعود: جمع قاعد ، وقوله وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول جل ثناؤه: ونقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرّة للجنب الأيمن، ومرّة للجنب الأيسر.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) وهذا التقليب في رقدتهم الأولى ، قال: وذكر لنا أن أبا عياض قال: لهم في كل عام تقليبتان.

حُدثت عن يزيد، قال: أخبرنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) قال: لو أنهم لا يقلَّبون لأكلتهم الأرض.

وقوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بقوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ ) فقال بعضهم: هو كلب من كلابهم كان معهم ، وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى ، وقال بعضهم: كان إنسانا (5) من الناس طباخا لهم تَبِعهم.

وأما الوصيد، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: هو الفناء.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (بالوَصِيد) يقول: بالفِناء.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مَهديّ، قال: ثنا محمد بن أبي الوضَّاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال: بالفناء.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بالوَصِيد) قال: بالفناء.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (بالوَصِيد) قال: بالفناء. قال ابن جريج: يمسك باب الكهف.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) يقول: بفناء الكهف.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: (بالوَصِيد) قال: بفناء الكهف.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بالوَصِيد) قال: يعني بالفناء.

وقال آخرون: الوَصِيد: الصعيد.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) يعني فناءهم، ويقال: الوصيد: الصعيد.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن هارون، عن عنترة ، عن سعيد بن جبير، في قوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال : الوصيد: الصعيد.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، عن عمرو، في قوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال: الوصيد: الصعيد، التراب.

وقال آخرون: الوصيد الباب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم ، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال: بالباب، وقالوا بالفناء.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الوصيد: الباب، أو فناء الباب حيث يغلق الباب، وذلك أن الباب يُوصَد، وإيصاده: إطباقه وإغلاقه من قول الله عز وجل: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ وفيه لغتان: الأصيد، وهي لغة أهل نجد، والوصيد: وهي لغة أهل تهامة وذُكِر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنها لغة أهل اليمن، وذلك نظير قولهم: ورّخت الكتاب وأرخته، ووكدت الأمر وأكدته ، فمن قال الوصيد، قال: أوصدت الباب فأنا أُوصِده، وهو مُوصَد ، ومن قال الأصيد، قال: آصدت الباب فهو مُؤْصَد، فكان معنى الكلام: وكلبهم باسط ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب، يحفظ عليهم بابه.

وقوله : ( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا ) يقول: لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارّا، ( وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) يقول:

ولملئت نفسُك من اطلاعك عليهم فَزَعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمِسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أن وعد الله حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله: ( وَلَمُلِّئْتَ ) بمعنى أنه كان يمتلئ مرّة بعد مرّة. وقرأ ذلك عامة قراء العراق: (وَلَمُلِئْتَ) بالتخفيف، بمعنى: لملئت مرّة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

------------------------

الهوامش:

(4) البيتان (في ديوان العجاج الراجز ، في الملحق بديوانه ص 81 - 82 ) من أرجوزة عدتها 19 بيتا.

ورقما البيتين فيها هما 8 ، 16 . وهما من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 397 ) قال " وتحسبهم أيقاظا " : واحدهم يقظ . ورجال أيقاظ ؛ وكذلك جمع يقظان : أيقاظ ، يذهبون به إلى جمع يقظ.

وقال رؤبة : " ووجدوا ... البيتين" وقد نسبهما لرؤبة ، وهما في ديوان العجاج . وقد تداخلت أشعارهما على الرواة واللغويين . وغياظ : اسم رجل.

(5) قوله " كان إنسانا ... إلخ " كذا في الأصول وفي ابن كثير . قيل كلب طباخ الملك ، وقد كان وافقهم على الدين وصحبه كلبه. أ ه

التدبر :

وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ حفظ الله أولياءه في نومهم، أفلا يحفظهم في يقظهم؟!
وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ كن مع الله يلقِ الله عليك حبًا، أو هيبة، أو رعبًا، تجعل الآخرين لا يجرؤون على المساس بك.
عمل
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ ليس كل ما تراه هو الحقيقة، هناك قدرة وحكمة وإرادة إلهية فوق وعيك، وفوق حواسِّك؛ فسلِّم أمرك لله.
وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ قد يهدي الله عبده لكلمة يقولها في نقاش، فتُشعر تلك الكلمة الخصم المعاند أنه يعي تفاصيله، فيخشاه ويخنس.
وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ لما ضرب الله على آذانهم النوم لم تنطبق أعينهم؛ لئلا يسرع إليها البلى، فإذا بقيت ظاهره للهواء كان أبقى لها.
وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ الغفلة نوم القلب، ولهذا تجد كثيرًا من الأيقاظ في الحس نيامًا في الواقع.
وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ ظواهر الأمور لا تعكس الحقائق دائمًا.
وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ ما الفرق بين النوم والرقاد؟ النوم: هو النوم المعتاد، والرقاد: النوم الطويل، وورد في موضعين في الكهف، ويس: ﴿من بعثنا من مرقدنا﴾ [يس: 52].
وقفة
[18] ﴿وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ﴾ قد يظهر الله لك بعض الأمور على غير حقيقتها؛ لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه.
وقفة
[18] ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ هذه الحفاوة بأوليائه وهم (نائمون)، فكيف بحالهم وهم له (عابدون)؟!
وقفة
[18] ﴿وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ﴾ النائم لا يحاسب على تصرفاته، ولا يسئل عنها، فأمره كله بيد الله.
لمسة
[18] قال: ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ﴾ بالمضارع، ما قال: (قلبناهم) مع أن أهل الكهف كانوا في الماضي، هذا ما يسميه النحاة حكاية الحال، بمعنى أنه يعبِّر عن الحدث الماضى بفعل مضارع؛ استحضارًا لصورة الحدث، كأنك تراه أو تشاهده.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ إذا كنت مع الله، فحتى شؤونك الطبيعية يدبِّرها لك، حتى تقلبك في نومك يكون برعاية خاصة.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ هذا أيضًا من حفظه لأبدانهم؛ لأن الأرض من طبيعتها أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله أن قَلَّبَهم على جنوبهم يمينًا وشمالًا، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ تأمل قوله: (وَنُقَلِّبُهُمْ) ففيه دليل على أن فعل النائم لا ينسب إليه، فلو طلّق أو قال: في ذمتي لفلان كذا، لم يثبت؛ لأنه لا قصد له، وفي تقليبهم، وعدم استقرارهم على جنب واحدفائدة بدنية، وهي توازن الدم في الجسد.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ إذا كنت بالله ولله؛ فحتى شؤونك الطبيعية يدبِّرها لك، حتى تقلبك في نومك يكون برعاية خاصة.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ لم يذكر الله الظهر ولا البطن؛ لأن النوم على اليمين وعلى الشمال هو الأكمل.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ إذا كنتَ في رحمة الله لاحقتك عنايتُه في أدقِّ تفاصيل حياتك، حتى في تقلُّبك في منامك.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ إذا امتلأ قلبك إيمانًا بالله؛ سيدبر أمرك، ويفتح لك أسباب التيسير، ويسخرك لما هو الأصلح، حتى في نومك، وأدق تفاصيلك.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ جانب من عناية الله الدقيقة لعباده المؤمنين.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ من حكمة الله وقدرته أن قَلَّبهم على جنوبهم يمينًا وشمالًا بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، وهذا تعليم من الله لعباده.
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ الأخذ بالأسباب واجب، قال السعدي: «وهذا أيضًا من حفظه لأبدانهم؛ لأن الأرض من طبيعتها أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله أن قلبهم على جنوبهم يمينًا وشمالًا بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها».
وقفة
[18] ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ احفظ الله يحفظك، قال ابن عباس: «لو لم يُقَـلَّبوا لأكلتهم الأرض».
لمسة
[18] ما دلالة استعمال صيغة الفعل المضارع فى قوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾؟ ما قال: (قلبناهم)، أهل الكهف كانوا فى الماضي، هذا أشرنا إليه أكثر من مرة، ما يسميه النحاة حكاية الحال، بمعنى أنه يعبِّر عن الحدث الماضى بفعل مضارع؛ استحضارًا لصورة الحدث، يعني يجعل الصورة كأنها أمامك، والحدث الماضي عندما يعبر عنه بالفعل المضارع ينقله أمامك كأنك تراه أو تشاهده أو كما يقولون ينقل المخاطب إلى الماضي، فيجعله كأنه مشاهد لهذا الحدث، في كلتا الحالتين سيكون هذا الحدث كأنه معاصِر للمخاطب، المضارع قد يأتي بمعنى الماضي، والماضي يأتي بمعنى المستقبل، وهذا اسمه حكاية الحال.
وقفة
[18] ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ كلب يحرس الصالحين، ضرب عليه النوم معهم ثلاثمائة وتسع سنين، أذود عن الصالحين ولو لم أكن منهم.
وقفة
[18] ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ انظر الفرق: كيف نسب الله -في سورة الكهف- الكلب إلى الفتية؛ لأنهم صالحون، بينما في سورة الفيل نسب أبرهة وجيشه إلى الفيل؛ لحقارتهم عند الله.
وقفة
[18] ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ قد يكرم الوضيع بصحبة الأخيار، ويذل الشريف بصحبة الفجار.
وقفة
[18] قال القشيري: «كلب خطا مع أحبائه خطوات، فإلى يوم القيامة يقول الصبيان بل يقول الحق سبحانه: ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾، فهل ترى أن مسلمًا يصحب أولياء الله من وقت شبابه إلى وقت مشيبه، يرده الله يوم القيامة خائبًا؟! إنه لا يفعل ذلك».
وقفة
[18] خلَّد الله ذكر الكلب في كتابه فقط لمخالطته الصالحين: ﴿وكلبهم باسط ذراعيه﴾، علمتني سورة الكهف: أن صحبة الصالحين رفعة لك، ولو كنت أسوأ الناس.
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ إذ كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء، حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين؟ بل في هذا تسلية وأنس للمقصرين، المحبين للنبي ﷺ وآله خير آل.
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ جاء ذكر الكلب فى القرآن فقط لمصاحبته للمؤمنين؛ فأى شرف تناله بمصاحبتك المؤمنين! فالزمهم.
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ ذُكر كلبهم وهو حيوان، وأُهمل عدوهم وهو ملك، كن تابعًا للحق يمجِّدك الله، ولا تكن رأسًا في الباطل فيخذلك الله.
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ ذِكْرُ الكلب في معرض التنويه بشأن أصحاب الكهف يدل على أن صحبة الأخيار عظيمة الفائدة.
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ من صحب أهل الخير والصلاح عادت عليه بركتهم، فهذا (كلب) صحب قومًا صالحين -أصحاب الكهف- فكان من بركتهم عليه أن ذكره الله في القرآن .
اسقاط
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ إذا كان كلب قد خُلد ذكره في القرآن بسبب صحبته للصالحين، فهل تفكرنا في أنه كم تجلب لنا صحبة الأتقياء من بركات؟!
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ الوصيد: الباب، قال ابن كثير: «كان جلوسه خارج الباب؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب».
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ شملت كلبَهم بركتهم؛ فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، وهذا فائدة صحبة الأخيار، فإنه صار لهذا الكلب ذِكْر وخبر وشأن.
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ انتفاع الإنسان بصحبة الأخيار ومخالطة الصالحين، حتى لو كان أقل منهم منزلة، فقد حفظ ذكر الكلب لأنه صاحَبَ أهل الفضل.
وقفة
[18] ﴿وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ﴾ جواز اتخاذ الكلاب للحاجة والصيد والحراسة.
وقفة
[18] ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ مرافقة الأخيار والصالحين تمنحك ذكرًا حسنًا وشرف صحبة، وإن لم تكن بمنزلتهم.
وقفة
[18] ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ كلبٌ خلَّدَ القرآنُ ذِكره في سورة الكهف، لا لشيء غير أنه مشى مع رفقة صالحة؛ فأحسِنوا اختيار أصدقائكم، فإن الأصدقاء الصالحين يكونون شفعاء يوم القيامة، ومن حسرات أهل النار أن ليس لهم صديق صالح: ﴿فما لنا من شافعينَ * ولاصَديقٍ حميمٍ﴾ [الشعراء: 100، 101].
وقفة
[18] ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ كلب رافق الصالحين برهة من الوقت استحق أن يخلد اسمه؛ فكيف يضيع الله عبدًا نشأ بين الصالحين؟!
وقفة
[18] ﴿لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا﴾ بفرض أن هناك من رآهم على حالتهم تلك، فلن ينبئ ببنت شفة من كثرة الرعب، ولن يخبر أحدًا بما رآه، لهذا ظلوا فى كهفهم ثلاثمائة وازدادوا تسعة.
وقفة
[18] ﴿لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا﴾ وهذا الرعب حفظًا لهم حتى تستمر حكايتهم لنهايتها.
وقفة
[18] ﴿لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ لِم تقدم الفرار على الخوف والوجل، مع أن الحال في العادة يقتضي عكس ذلك؟ الجواب: قدم ما يكون ظاهرًا يتبادر إلى ذهن سامع القصة، فالناظر إلى ما يهوله يتذكر أولًا قدميه فيسرع بالهرب.
لمسة
[18] ﴿لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾، ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجنّ: 12] ما الفرق بين الفِرار والهروب؟ التعبير اللغوي الهرب فيها نوع من الذعر، والفِرار ليس بالضرورة فيه ذعر، والفرار فيه حركة والسياق يحدد.
وقفة
[18] ﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ تحملوا المخاوف من أجل دينهم؛ فعوضهم الله المهابة في قلوب الخلق.
لمسة
[18، 19] ما دلالة استخدام صيغة الفعل المضارع في قوله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ مع أن الأحداث انتهت ومضت؟ الفعل المضارع قد يستخدم ليعبِّر به عن الماضي في ما نسميه حكاية الحال، كما يُعبِّر عن الماضي للمستقبل كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 91]، تقتلون وقال معها من قبل، وحكاية الحال هو أن يُعبّر عن الحال الماضية بالفعل المضارع للشيء المهم، كأن يجعله حاضرًا أمام السامع، فقال هنا: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ وبعدها قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً:
  • لواو عاطفة. تحسب: فعل مضارع مرفوع بالضمة.والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به اول. ايقاظا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة اي منتبهين.
  • ﴿ وَهُمْ رُقُودٌ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال.هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. رقود: خبر «هم» مرفوع بالضمة. اي وهم نائمون. وايقاظا لان عيونهم مفتحة.
  • ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ:
  • الواو استئنافية. نقلب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. بمعنى: نقلبهم ذات اليمين وذات الشمال حتى لا تأكلهم الارض.
  • ﴿ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ:
  • اعربت في الآية الكريمة السابقة. الواو حالية. كلب: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. والجملة الاسمية بعد الواو في محل نصب حال.
  • ﴿ باسِطٌ‍ ذِراعَيْهِ:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. ذراعيه: مفعول به لاسم الفاعل-باسط‍ -منصوب بالياء لانه مثنى وحذفت النون للاضافة. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة بمعنى يبسط‍ على حكاية الحال.
  • ﴿ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بباسط‍.بمعنى: في فناء الكهف. لو: حرف شرط‍ غير جازم حرك آخره بالكسر لالتقاء الساكنين. اطلعت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب.التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. على: حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق باطلعت.
  • ﴿ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. اللام: واقعة في جواب «لو».وليت منهم: تعرب اعراب اِطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ». فرارا: نائب عن المصدر-المفعول المطلق-وقد اكد الفعل بفرارا لانه مرادف لمصدره. او لان معنى «وليت» فررت. منصوب بالفتحة المنونة.
  • ﴿ وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها. ملئت:فعل ماض مبني للمجهول. والتاء ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.رعبا: تمييز منصوب بالفتحة المنونة بمعنى «خوفا». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز و جل حالَ الفِتيَة داخل الكهفِ؛ ذكرَ هنا بعضًا من غرائب أحوالهم، قال تعالى:
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ونقلبهم:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، مشددا، أي يقلبهم الله، حكاها الزمخشري.
3- بياء مفتوحة ساكنة القاف مخففة اللام، وهى قراءة الحسن.
4- تقلبهم، مصدر «تقلب» على النصب بفعل مقدر، والتقدير: وترى، أو تشاهد، تقلبهم، حكاها ابن جنى، عن الحسن.
5- تقلبهم، مصدر «تقلب» ، على الرفع بالابتداء، وحكيت أيضا عن الحسن.
وكلبهم:
وقرئ:
وكالبهم أي: صاحب كلبهم، وهى قراءة أبى جعفر الصادق.
لو اطلعت:
قرئ:
1- بضم الواو وصلا، وهى قراءة ابن وثاب، والأعمش.
2- بكسرها، وهى قراءة الجمهور.
لملئت:
قرئ:
1- بتشديد اللام والهمزة، وهى قراءة ابن عباس، والحرميين، وأبى حيوة، وابن أبى عبلة.
2- بتخفيف اللام والهمزة، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بتشديد اللام وإبدال الياء من الهمزة، وهى قراءة أبى جعفر.
4- بتخفيف اللام والإبدال، وهى قراءة الزهري.
رعبا:
قرئ:
بضم العين، وهى قراءة أبى جعفر، وعيسى. (وانظر: الآية 151، من سورة آل عمران).

مدارسة الآية : [19] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ ..

التفسير :

[19] وكما أنمناهم وحفظناهم هذه المدة الطويلة أيقظناهم مِن نومهم على هيئتهم دون تغيُّر؛ لكي يسألَ بعضهم بعضاً:كم من الوقت مكثنا نائمين هنا؟ فقال بعضهم:مكثنا يوماً أو بعض يوم، وقال آخرون التبس عليهم الأمر:فَوِّضوا عِلْم ذلك لله، فربكم أعلم بالوقت الذي مك

يقول تعالى:{ وكذلك بعثناهم} أي:من نومهم الطويل{ ليتساءلوا بينهم} أي:ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبثهم.

{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} وهذا مبني على ظن القائل، وكأنهم وقع عندهم اشتباه. في طول مدتهم، فلهذا{ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء، جملة وتفصيلا، ولعل الله تعالى -بعد ذلك- أطلعهم على مدة لبثهم، لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم، وأخبر أنهم تساءلوا، وتكلموا بمبلغ ما عندهم، وصار آخر أمرهم، الاشتباه، فلا بد أن يكون قد أخبرهم يقينا، علمنا ذلك من حكمته في بعثهم، وأنه لا يفعل ذلك عبثا. ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك، وبما ذكر فيما بعده من قوله.{ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} فلولا أنه حصل العلم بحالهم، لم يكونوا دليلا على ما ذكر، ثم إنهم لما تساءلوا بينهم، وجرى منهم ما أخبر الله به، أرسلوا أحدهم بورقهم، أي:بالدراهم، التي كانت معهم، ليشتري لهم طعاما يأكلونه، من المدينة التي خرجوا منها، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه، أي:أطيبه وألذه، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه، وأن يختفي في ذلك، ويخفي حال إخوانه، ولا يشعرن بهم أحدا. وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم، وظهورهم عليهم، أنهم بين أمرين، إما الرجم بالحجارة، فيقتلونهم أشنع قتلة، لحنقهم عليهم وعلى دينهم، وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتم، وفي هذه الحال، لا يفلحون أبدا، بل يحشرون في دينهم ودنياهم وأخراهم، وقد دلت هاتان الآيتان، على عدة فوائد.

منها:الحث على العلم، وعلى المباحثة فيه، لكون الله بعثهم لأجل ذلك.

ومنها:الأدب فيمن اشتبه عليه العلم، أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده.

ومنها:صحة الوكالة في البيع والشراء، وصحة الشركة في ذلك.

ومنها:جواز أكل الطيبات، والمطاعم اللذيذة، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه لقوله{ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} وخصوصا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين، القائلين بأن هؤلاء أولاد ملوك لكونهم أمروه بأزكى الأطعمة، التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها.

وقوله- سبحانه-: وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم، بيان للعلة التي من أجلها بعث أصحاب الكهف من نومهم الطويل.

أى: وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة، بعثناهم من نومهم بعدها، ليسأل بعضهم بعضا، وكأنهم قد أحسوا بأن نومهم قد طال.

والاقتصار على التساؤل الذي حصل الإيقاظ من أجله، لا ينفى أن يكون هناك أسباب أخرى غيره حصل من أجلها إيقاظهم، وإنما أفرده- سبحانه- بالذكر لاستتباعه لسائر الآثار الأخرى.

ثم حكى- سبحانه- بعض تساؤلهم فقال: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ أى: كم مكثتم مستغرقين في النوم في هذا الكهف.

فأجابه بعضهم بقوله: لَبِثْنا يَوْماً لظنهم أن الشمس قد غربت، فلما رأوها لم تغرب بعد قالوا: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أى: مكثنا نائمين بعض ساعات اليوم.

ويصح أن تكون أو للشك. أى قال بعضهم في الرد على سؤال السائل كم لبثتم، لبثنا في النوم يوما أو بعض يوم، لأننا لا ندري على الحقيقة كم مكثنا نائمين.

ثم حكى القرآن أن بعضهم رد علم مقدار مدة نومهم على جهة اليقين إلى الله- تعالى- فقال: قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ أى: ربكم وحده هو العليم بمقدار الزمن الذي قضيتموه نائمين في هذا الكهف.

قال الآلوسى: وهذا رد منهم على الأولين، على أحسن ما يكون من مراعاة حسن الأدب، وبه كما قيل يتحقق التحزب إلى الحزبين المعهودين فيما سبق في قوله- تعالى- لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ.

وقال بعضهم: وقد استدل ابن عباس على أن عدد الفتية سبعة بهذه الآية، لأنه قد قال في الآية: قال قائل منهم، وهذا واحد، وقالوا في جوابه: لبثنا يوما، أو بعض يوم وهو جمع وأقله ثلاثة، ثم قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم، وهذا قول جمع آخرين فصاروا سبعة .

ثم بين- سبحانه- ما قالوه بعد أن تركوا الحديث في مسألة الزمن الذي قضوه نائمين في الكهف فقال- تعالى-: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ، وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً.

أى: كفوا عن الحديث في مسألة المدة التي نمتموها، فعلمها عند الله، وابعثوا أحدكم «بورقكم» . أى: بدراهمكم المضروبة من الفضة، إِلَى الْمَدِينَةِ التي يوجد بها الطعام الذي نحن في حاجة إليه، والتي هي أقرب مكان إلى الكهف.

قالوا: والمراد بها مدينتهم التي كانوا يسكنونها قبل أن يلجئوا إلى الكهف فرارا بدينهم.

فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً أى: ومتى وصل إلى المدينة، فليتفقد أسواقها، وليتخير أى أطعمتها أحل وأطهر وأجود وأكثر بركة.

فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ أى: فليأتكم بما يسد جوعكم من ذلك الأزكى طعاما، فيكون الضمير في «منه» للطعام الأزكى.

ويصح أن يكون للدراهم المضروبة المعبر عنها «بورقكم» ، أى: فليأتكم بدلا منها بطعام تأكلونه، وليتلطف، أى: وليتكلف اللطف في الاستخفاء، والدقة في استعمال الحيل حال دخوله وخروجه من المدينة، حتى لا يعرفه أحد من أهلها.

وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً أى: ولا يفعلن فعلا يؤدى إلى معرفة أحد من أهل المدينة بنا.

يقول تعالى : وكما أرقدناهم بعثناهم صحيحة أبدانهم وأشعارهم وأبشارهم ، لم يفقدوا من أحوالهم وهيئاتهم شيئا ، وذلك بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين ؛ ولهذا تساءلوا بينهم : ( كم لبثتم ) ؟ أي : كم رقدتم ؟ ( قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) كان دخولهم إلى الكهف في أول نهار ، واستيقاظهم كان في آخر نهار ؛ ولهذا استدركوا فقالوا : ( أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ) أي : الله أعلم بأمركم ، وكأنه حصل لهم نوع تردد في كثرة نومهم ، فالله أعلم ، ثم عدلوا إلى الأهم في أمرهم إذ ذاك وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب ، فقالوا : ( فابعثوا أحدكم بورقكم ) أي فضتكم هذه . وذلك أنهم كانوا قد استصحبوا معهم دراهم من منازلهم لحاجتهم إليها ، فتصدقوا منها وبقي منها ؛ فلهذا قالوا : ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ) أي مدينتكم التي خرجتم منها والألف واللام للعهد .

( فلينظر أيها أزكى طعاما ) أي : أطيب طعاما ، كقوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ) [ النور : 21 ] وقوله ) قد أفلح من تزكى ) [ الأعلى : 14 ] ومنه الزكاة التي تطيب المال وتطهره . وقيل : أكثر طعاما ، ومنه زكاة الزرع إذا كثر ، قال الشاعر :

قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب

والصحيح الأول ؛ لأن مقصودهم إنما هو الطيب الحلال ، سواء كان قليلا أو كثيرا .

وقوله ) وليتلطف ) أي : في خروجه وذهابه ، وشرائه وإيابه ، يقولون : وليتخف كل ما يقدر عليه ) ولا يشعرن ) أي : ولا يعلمن ( بكم أحدا)

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)

يقول تعالى ذكره: كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، فحفظناهم من وصول واصل إليهم، وعين ناظر أن ينظر إليهم، وحفظنا أجسامهم من البلاء على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مرّ الأيام بقدرتنا ، فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرّفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا في خلقنا، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه من براءتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم لعبادة الله وحده لا شريك له، إذا تبيَّنوا طول الزمان عليهم، وهم بهيئتهم حين رقدوا ، وقوله: (لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ) يقول: ليسأل بعضهم بعضا(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) يقول عزّ ذكره: فتساءلوا فقال قائل منهم لأصحابه: (كَمْ لَبِثْتُمْ) وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) يقول: فأجابه الآخرون فقالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم ، ظنا منهم أن ذلك كذلك كان، فقال الآخرون: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) فسلِّموا العلم إلى الله.

وقوله: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) يعني مدينتهم التي خرجوا منها هِرابا، التي تسمى أفسوس (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) ذكر أنهم هبوا من رقدتهم جِياعا، فلذلك طلبوا الطعام.

* ذكر من قال ذلك، وذكر السبب الذي من أجله ذكر أنهم بعثوا من رقدتهم حين بعثوا منها:

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني إسماعيل بن بشروس، أنه سمع وهب بن منبه يقول: إنهم غبروا، يعني الفتية من أصحاب الكهف بعد ما بني عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان، ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتح ما أدخله فيه، وردّ إليهم أرواحهم في أجسامهم من الغد حين أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورق يشتري طعاما ، فلما أتى باب مدينتهم، رأى شيئا يُنكره، حتى دخل على رجل فقال: بعني بهذه الدراهم طعاما، فقال: ومن أين لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس، فآوانا الليل، ثم أصبحوا، فأرسلوني، فقال: هذه الدراهم كانت على عهد مُلك فلان، فأنَّى لك بها، فرفعه إلى الملك، وكان ملكا صالحا، فقال: من أين لك هذه الورق؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس، حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا، ثم أمروني أن أشتريَ لهم طعاما ، قال: وأين أصحابك؟ قال: في الكهف ، قال: فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف، فقال: دعوني أدخل على أصحابي قبلكم ، فلما رأوه، ودنا منهم ضُرِب على أذنه وآذانهم، فجعلوا كلما دخل رجل أرعب، فلم يقدروا على أن يدخلوا عليهم، فبنوا عندهم كنيسة، اتخذوها مسجدا يصلون فيه.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن عكرمة، قال: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتعوّذوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على سمعهم، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم، وجاءت أمة مسلمة، وكان ملكهم مسلما، فاختلفوا في الروح والجسد، فقال قائل: يبعث الروح والجسد جميعا ، وقال قائل: يُبعث الروح، فأما الجسد فتأكله الأرض، فلا يكون شيئا ، فشقّ على ملكهم اختلافهم، فانطلق فلبس المُسُوح، وجلس على الرَّماد ، ثم دعا الله تعالى فقال: أي ربّ، قد ترى اختلاف هؤلاء، فابعث لهم آية تبين لهم، فبعث الله أصحاب الكهف، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما، فدخل السوق، فجعل يُنكر الوجوه، ويعرف الطرق، ويرى الإيمان بالمدينة ظاهرا، فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلا يشتري منه طعاما ، فلما نظر الرجل إلى الوَرِق أنكرها، قال: حسبت أنه قال: كأنها أخفاف الرُّبَع، يعني الإبل الصغار، فقال له الفتى: أليس ملككم فلانا؟ قال: بل ملكنا فلان ، فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك، فسأله، فأخبره الفتى خبر أصحابه، فبعث الملك في الناس، فجمعهم، فقال: إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد، وإن الله قد بعث لكم آية، فهذا رجل من قوم فلان، يعني ملكهم الذي مضى، فقال الفتى: انطلقوا بي إلى أصحابي ، فركب الملك، وركب معه الناس حتى انتهوا إلى الكهف ، فقال الفتى دعوني أدخل إلى أصحابي، فلما أبصرهم ضُرِب على أذنه وعلى آذانهم ، فلما استبطئوه دخل الملك، ودخل الناس معه، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئا، غير أنها لا أرواح فيها، فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم ، قال قتادة: وعن ابن عباس، كان قد غزا مع حبيب بن مسلمة، فمرّوا بالكهف، فإذا فيه عظام، فقال رجل: هذه عظام أصحاب الكهف، فقال ابن عباس ، لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلاث مئة سنة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما ذكر من حديث أصحاب الكهف، قال: ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له تيذوسيس ، فلما ملك بقي ملكه ثمانيا وستين سنة، فتحزّب الناس في مُلكه، فكانوا أحزابا، فمنهم من يؤمن بالله، ويعلم أنّ الساعة حقّ، ومنهم من يكذّب، فكبر ذلك على الملك الصالح تيذوسيس، وبكى إلى الله وتضرّع إليه، وحزن حزنا شديدا لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون: لا حياة إلا الحياة الدنيا ، وإنما تُبعث النفوس، ولا تُبعث الأجساد، ونسُوا ما في الكتاب ، فجعل تيذوسيس يرسل إلى من يظنّ فيه خيرا، وأنهم أئمة في الحق، فجعلوا يكذّبون بالساعة، حتى كادوا أن يُحوّلوا الناس عن الحق وملةِ الحَواريين ، فلما رأى ذلك الملك الصالح تيذوسيس، دخل بيته فأغلقه عليه، ولبس مِسْحا وجعل تحته رمادا، ثم جلس عليه، فدأب ذلك ليله ونهاره زمانا يتضرّع إلى الله، ويبكي إليه مما يرى فيه الناس ، ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد، أراد أن يَظْهر على الفتية أصحاب الكهف، ويبين للناس شأنهم، ويجعلهم آية لهم، وحجة عليهم، ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن يستجيب لعبده الصالح تيذوسيس، ويتمّ نعمته عليه، فلا ينـزع منه مُلكه، ولا الإيمان الذي أعطاه، وأن يعبد الله لا يشرك به شيئا، وأن يجمع من كان تبدّد من المؤمنين، فألقى الله في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي به الكهف ، وكان الجبل بنجلوس الذي فيه الكهف لذلك الرجل، وكان اسم ذلك الرجل أولياس، أن يهدم البنيان الذي على فم الكهف، فيبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين، فجعلا ينـزعان تلك الحجارة، ويبنيان بها تلك الحظيرة، حتى نـزعا ما على فم الكهف، حتى فتحا عنهم باب الكهف، وحجبهم الله من الناس بالرعب ، فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم غاية ما يمكنه أن يدخل من باب الكهف، ثم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم إلى باب الكهف نائما ، فلما نـزعا الحجارة، وفتحا عليهم باب الكهف، أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مُسْفِرة وجوههم طيِّبة أنفُسهم، فسلَّم بعضهم على بعض، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها ، ثم قاموا إلى الصلاة فصلّوا، كالذي كانوا يفعلون، لا يَرون، ولا يُرَى في وجوههم، ولا أبشارهم، ولا ألوانهم شيء يُنكرونه كهيئتهم حين رقدوا بعشيّ أمس، وهم يرون أن ملكهم دقينوس الجبار في طلبهم والتماسهم فلما قضوا صلاتهم كما كانوا يفعلون، قالوا ليمليخا، وكان هو صاحب نفقتهم، الذي كان يبتاع لهم طعامهم وشرابهم من المدينة، وجاءهم بالخبر أن دقينوس يلتمسهم، ويسأل عنهم: أنبئنا يا أخي ما الذي قال الناس في شأننا عشيّ أمس عند هذا الجبار، وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون، وقد خُيِّل إليهم أنهم قد ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها، حتى تساءلوا بينهم، فقال بعضهم لبعض: (كَمْ لَبِثْتُمْ) نياما؟(قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) وكل ذلك في أنفسهم يسير. فقال لهم يمليخا: افتُقِدتم والتمستم بالمدينة، وهو يريد أن يُؤْتَى بكم اليوم، فتَذْبحُون للطواغيت، أو يقتُلُكم، فما شاء الله بعد ذلك ، فقال لهم مكسلمينا: يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقَوْن، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدوّ الله، ولا تُنكروا الحياة التي لا تبيد بعد إيمانكم بالله، والحياة من بعد الموت ، ثم قالوا ليمليخا: انطلق إلى المدينة فتسمَّع ما يقال لنا بها اليوم، وما الذي نُذكر به عند دقينوس، وتلطَّف، ولا يشعرَنّ بنا أحد، وابتع لنا طعاما فأتنا به، فإنه قد آن لك، وزدنا على الطعام الذي قد جئتنا به، فإنه قد كان قليلا فقد أصبحنا جياعا ، ففعل يمليخا كما كان يفعل، ووضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وأخذ وَرِقا من نفقتهم التي كانت معهم، التي ضُربت بطابع دقينوس الملك، فانطلق يمليخا خارجا ، فلما مرّ بباب الكهف، رأى الحجارة منـزوعة عن باب الكهف. فعجب منها، ثم مرّ فلم يبال بها، حتى أتى المدينة مستخفيا يصدّ عن الطريق تخوّفا أن يراه أحد من أهلها، فيعرفه، فيذهب به إلى دقينوس ، ولا يشعر العبد الصالح أن دقينوس وأهل زمانه قد هَلكوا قبل ذلك بثلاثمائة وتسع سنين، أو ما شاء الله من ذلك ، إذ كان ما بين أن ناموا إلى أن استيقظوا ثلاثمائة وتسع سنين ، فلما رأى يمليخا باب المدينة رفع بصره، فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان، إذا كان ظاهرا فيها ، فلما رآها عجب وجعل ينظر مستخفيا إليها ، فنظر يمينا وشمالا فتعجب بينه وبين نفسه، ثم ترك ذلك الباب، فتحوّل إلى باب آخر من أبوابها، فنظر فرأى من ذلك ما يحيط بالمدينة كلها، ورأى على كلّ باب مثل ذلك ، فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالمدينة التي كان يعرف، ورأى ناسا كثيرين محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه، فجعل يعجب بينه وبين نفسه ويقول: يا ليت شعري، أما هذه عشية أمس، فكان المسلمون يخفون هذه العلامة ويستخفون بها ، وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلّي حالم ، ثم يرى أنه ليس بنائم ، فأخذ كساءه فجعله على رأسه، ثم دخل المدينة، فجعل يمشي بين ظهراني سوقها، فيسمع أناسا كثيرا يحلفون باسم عيسى ابن مريم، فزاده فرقا ، ورأى أنه حيران، فقام مسندا ظهره إلى جدار من جُدُر المدينة ويقول في نفسه: والله ما أدري ما هذا! أما عشية أمس فليس على الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قُتل ، وأما الغداة فأسمعهم، وكلّ إنسان يذكر أمر عيسى لا يخاف، ثم قال في نفسه: لعلّ هذه ليست بالمدينة التي أعرف أسمع كلام أهلها ولا أعرف أحدا منهم، والله ما أعلم مدينة قرب مدينتنا ، فقام كالحيران لا يتوجه وجها ، ثم لقي فتى من أهل المدينة، فقال له: ما اسم هذه المدينة يا فتى؟ قال: اسمها أفسوس، فقال في نفسه: لعلّ بي مسا، أو بي أمر أذهب عقلي، والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شرّ فأهلك ، هذا الذي يحدّث به يمليخا أصحابه حين تبين لهم ما به ، ثم إنه أفاق فقال: والله لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس لي ، فدنا من الذين يبيعون الطعام، فأخرج الورِق التي كانت معه، فأعطاها رجلا منهم، فقال: بعني بهذه الورق يا عبد الله طعاما ، فأخذها الرجل، فنظر إلى ضرب الورق ونقشها، فعجب منها، ثم طرحها إلى رجل من أصحابه، فنظر إليها، ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل، ويتعجبون منها، ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد أصاب كنـزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل ، فلما رآهم يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا، وجعل يرتعد ويظنّ أنهم قد فطنوا به وعرفوه، وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقينوس يسلمونه إليه ، وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرّفونه، فقال لهم وهو شديد الفرق منهم: أفضلوا عليّ، فقد أخذتم ورقي فأمسكوا، وأما طعامكم فلا حاجة لي به ، قالوا له: من أنت يا فتى، وما شأنك؟ والله لقد وجدت كنـزا من كنوز الأوّلين، فأنت تريد أن تخفيه منا، فانطلق معنا فأرناه وشاركنا فيه، نخف عليك ما وجدت، فإنك إن لا تفعل نأت بك السلطان، فنسلمك إليه فيقتلك ، فلما سمع قولهم، عجب في نفسه فقال : قد وقعت في كلّ شيء كنت أحذر منه ، ثم قالوا: يا فتى إنك والله ما تستطيع أن تكتم ما وجدت، ولا تظنّ في نفسك أنه سيخفى حالك ، فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم، وما يرجع إليهم، وفَرق حتى ما يحير إليهم جوابا ، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطوقوه في عنقه ، ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة ملببا، حتى سمع به من فيها، فقيل: أخذ رجل عنده كنـز واجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم، فجعلوا ينظرون إليه ويقولون: والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة، وما رأيناه فيها قطّ، وما نعرفه ، فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم، مع ما يسمع منهم ، فلما اجتمع عليه أهل المدينة، فرق، فسكت فلم يتكلم ، ولو أنه قال إنه من أهل المدينة لم يصدّق ، وكان مستيقنا أن أباه وإخوته بالمدينة، وأن حسبه من أهل المدينة من عظماء أهلها، وأنهم سيأتونه إذا سمعوا، وقد استيقن أنه من عشية أمس يعرف كثيرا من أهلها، وأنه لا يعرف اليوم من أهلها أحدا ، فبينما هو قائم كالحيران ينتظر متى يأته بعض أهله، أبوه أو بعض إخوته فيخلصه من أيديهم، إذ اختطفوه فانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها، وهما رجلان صالحان، كان اسم أحدهما أريوس، واسم الآخر أسطيوس ، فلما انطلق به إليهما، ظنّ يمليخا أنه ينطلق به إلى دقينوس الجبار ملكهم الذي هربوا منه، فجعل يلتفت يمينا وشمالا وجعل الناس يسخرون منه، كما يسخر من المجنون والحيران، فجعل يمليخا يبكي ، ثم رفع رأسه إلى السماء وإلى الله، ثم قال: اللهمّ إله السماوات والأرض، أولج معي روحا منك اليوم تؤيدني به عند هذا الجبار، وجعل يبكي ويقول في نفسه: فرق بيني وبين إخوتي ، يا ليتهم يعلمون ما لقيت، وأني يُذهب بي إلى دقينوس الجبار ، فلو أنهم يعلمون، فيأتون، فنقوم جميعا بين يدي دقينوس ، فإنا كنا تواثقنا لنكوننّ معا، لا نكفر بالله ولا نشرك به شيئا، ولا نعبد الطواغيت من دون الله ، فرق بيني وبينهم، فلن يروني ولن أراهم أبدا ، وقد كنا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا ، يا ليت شعري ما هو فاعل بي؟ أقاتلي هو أم لا؟ ذلك الذي يحدّث به يمليخا نفسه فيما أخبر أصحابه حين رجع إليهم.

فلما انتهى إلى الرجلين الصالحين أريوس وأسطيوس، فلما رأى يمليخا أنه لم يُذهب به إلى دقينوس، أفاق وسكن عنه البكاء ، فأخذ أريوس وأسطيوس الورِق فنظرا إليها وعجبا منها، ثم قال أحدهما: أين الكنـز الذي وجدت يا فتى، هذا الورِق يشهد عليك أنك قد وجدت كنـزا ، فقال لهما يمليخا: ما وجدت كنـزا ولكن هذه الورِق ورق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني، وما أدري ما أقول لكم ، فقال له أحدهما: ممن أنت؟ فقال له يمليخا: ما أدري، فكنت أرى أني من أهل هذه القرية، قالوا: فمن أبوك ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه، فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه ، فقال له أحدهما: أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحقّ ، فلم يدر يمليخا ما يقول لهم، غير أنه نكس بصره إلى الأرض ، فقال له بعض من حوله: هذا رجل مجنون ، فقال بعضهم: ليس بمجنون، ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي ينفلت منكم ، فقال له أحدهما، ونظر إليه نظرا شديدا: أتظنّ أنك إذ تتجانن نرسلك ونصدّقك بأن هذا مال أبيك، وضرب هذه الورِق ونقشها منذ أكثر من ثلاثمائة سنة؟ وإنما أنت غلام شاب تظنّ أنك تأفكنا، ونحن شمط كما ترى، وحولك سُراة أهل المدينة، وولاة أمرها، إني لأظنني سآمر بك فتعذّب عذابا شديدا، ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنـز الذي وجدت، فلما قال ذلك، قال يمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتكم عما عندي ، أرأيتم دقينوس الملك الذي كان في هذه المدينة عشية أمس ما فعل، فقال له الرجل: ليس على وجه الأرض رجل اسمه دقينوس، ولم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة ، فقال له يمليخا: فوالله إني إذا لحيران، وما هو بمصدّق أحد من الناس بما أقول ، والله لقد علمت، لقد فررنا من الجبار دقينوس، وإني قد رأيته عشية أمس حين دخل مدينة أفسوس، ولكن لا أدري أمدينة أفسوس هذه أم لا؟ فانطلقا معي إلى الكهف الذي في جبل بنجلوس أريكم أصحابي، فلما سمع أريوس ما يقول يمليخا قال: يا قوم لعلّ هذه آية من آيات الله جعلها لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه يرنا أصحابه، كما قال: فانطلق معه أريوس وأسطيوس، وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم، نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم.

ولما رأى الفتية أصحاب الكهف يمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به، ظنوا أنه قد أُخِذ فذُهب به إلى ملكهم دَقْينوس الذي هربوا منه ، فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه، إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل مصعدة نحوهم، فظنوا أنهم رُسل الجبار دقينوس بعث إليهم ليُؤْتي بهم، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة، وسلَّم بعضهم على بعض، وأوصى بعضهم بعضا، وقالوا: انطلقوا بنا نأت أخانا يمليخا، فإنه الآن بين يدي الجبار دقينوس ينتظر متى نأته ، فبينما هم يقولون ذلك، وهم جلوس بين ظهراني الكهف، فلم يروا إلا أريوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف، وسبقهم يمليخا، فدخل عليهم وهو يبكي ، فلما رأوه يبكي بكوا معه ، ثم سألوه عن شأنه، فأخبرهم خبره وقصّ عليهم النبأ كله، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقا للبعث، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ثم دخل على إثر يمليخا أريوس، فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة، فقام بباب الكهف ، ثم دعا رجالا من عظماء أهل المدينة، ففتح التابوت عندهم، فوجدوا فيه لوحين من رصاص، مكتوبا فيهما كتاب، فقرأهما فوجد فيهما (6) أن مكسلمينا، ومحسلمينا، ويمليخا، ومرطونس، وكسطونس، ويبورس، ويكرونس، ويطبيونس، وقالوش، كانوا فتية هربوا من ملكهم دقينوس الجبار، مخافة أن يفتنهم عن دينهم، فدخلوا هذا الكهف ، فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسدّ عليهم بالحجارة، وإنا كتبنا شأنهم وقصة خبرهم، ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم. فلما قرءوه، عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية للبعث فيهم، ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ، ثم دخلوا على الفتية الكهف، فوجودهم جلوسا بين ظهرانيه، مُشرقة وجوههم، لم تبل ثيابهم ، فخرّ أريوس وأصحابه سجودا، وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته ، ثم كلم بعضهم بعضا، وأنبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقينوس ذلك الجبار الذي كانوا هربوا منه ، ثم إن أريوس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح تيذوسيس، أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله، جعلها الله على ملكك، وجعلها آية للعالمين، لتكون لهم نورا وضياء، وتصديقا بالبعث، فاعجل على فتية بعثهم الله، وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة ، فلما أتى الملك تيذوسيس الخبر، قام من المَسْندة التي كان عليها، ورجع إليه رأيه وعقله، وذهب عنه همه، ورجع إلى الله عزّ وجلّ، فقال: أحمدك اللهمّ ربّ السماوات والأرض، أعبدك، وأحمدك، وأسبح لك ، تطوّلت عليّ، ورحمتني برحمتك، فلم تطفئ النور الذي كنت جعلته لآبائي، وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك، فلما نبأ به أهل المدينة ركبوا إليه، وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس، فتلقاهم أهل المدينة، وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف حتى أتوه ، فلما رأى الفتية تيذوسيس، فرحوا به، وخرّوا سجودا على وجوههم ، وقام تيذوسيس قدامهم، ثم اعتنقهم وبكى، وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله ويحمدونه، ويقول: والله ما أشبه بكم إلا الحواريون (7) حين رأوا المسيح ، وقال: فرج الله عنكم، كأنكم الذي تُدْعَون فتحْشَرون من القبور ، فقال الفتية لتيذوسيس: إنا نودّعك السلام، والسلام عليكم ورحمة الله، حفظك الله، وحفظ لك ملكك بالسلام، ونعيذك بالله من شرّ الجنّ والإنس ، فأمر بعيش من خُلَّر ونشيل إن أسوأ ما سلك في بطن الإنسان أن لا يعلم شيئا إلا كرامة إن أكرم بها، ولا هوان إن أهين به. (8) فبينما الملك قائم، إذ رجعوا إلى مضاجعهم، فناموا، وتوفى الله أنفسهم بأمره، وقام الملك إليهم، فجعل ثيابه عليهم، وأمر أن يجعل لكلّ رجل منهم تابوت من ذهب ، فلما أَمْسَوا ونام، أتوه في المنام، فقالوا: إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة، ولكنا خُلقنا من تراب وإلى التراب نصير، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه ، فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج، فجعلوهم فيه، وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب، فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم ، وأمر الملك فجعل كهفهم مسجدا يُصَلَّى فيه، وجعل لهم عيدا عظيما، وأمر أن يؤتى كلّ سنة ، فهذا حديث أصحاب الكهف.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: بعثهم الله - يعني الفتية أصحاب الكهف - وقد سلط عليهم ملك مسلم، يعني على أهل مدينتهم ، وسلَّط الله على الفتية الجوع، فقال قائل منهم: (كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قال: فردّوا علم ذلك إلى الله ، (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) وإذا معهم ورِق من ضرب الملك الذي كانوا في زمانه (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) : أي بطعام (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا). فخرج أحدهم فرأى المعالم متنكرة حتى انتهى إلى المدينة، فاستقبله الناس لا يعرف منهم أحدا ، فخرج ولا يعرفونه، حتى انتهى إلى صاحب الطعام، فسامه بطعامه، فقال صاحب الطعام: هات ورقك ، فأخرج إليه الورق، فقال: من أين لك هذا الورق؟ قال: هذه ورِقُنا وورِق أهل بلادنا ، فقال: هيهات هذه الورِق من ضرب فلان بن فلان منذ ثلاثمائة وتسع سنين ، أنت أصبت كنـزا ، ولست بتاركك حتى أرفعك إلى الملك ، فرفعه إلى الملك، وإذا الملك مسلم وأصحابه مسلمون، ففرح واستبشر، وأظهر لهم أمره، وأخبرهم خبر أصحابه ، فبعثوا إلى اللوح في الخزانة، فأتوا به، فوافق ما وصف من أمرهم، فقال المشركون: نحن أحقّ بهم هؤلاء أبناء آبائنا، وقال المسلمون: نحن أحقّ بهم، هم مسلمون منا ، فانطلقوا معه إلى الكهف ، فلما أتوا باب الكهف قال: دعوني حتى أدخل على أصحابي حتى أبشرهم، فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم ، فدخل فبشَّرهم، وقبض الله أرواحهم، قال: وعمى الله عليهم مكانهم، فلم يهتدوا، فقال المشركون: نبني عليهم بُنيانا، فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيه، وقال المسلمون: نحن أحق بهم، هم منا، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه، ونعبد الله فيه.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: إن الله تعالى بعثهم من رقدتهم ليتساءلوا بينهم كما بيَّنا قبل، لأن الله عزّ ذكره ، كذلك أخبر عباده في كتابه، وإن الله أعثر عليهم القوم الذين أعثرهم عليهم، ليتحقق عندهم ببعث الله هؤلاء الفتية من رقدتهم بعد طول مدتها بهيئتهم يوم رقدوا، ولم يشيبوا على مرّ الأيام والليالي عليهم، ولم يهرموا على كرّ الدهور والأزمان فيهم قدرته على بعث من أماته في الدنيا من قبره إلى موقف القيامة يوم القيامة، لأن الله عزّ ذكره بذلك أخبرنا، فقال: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا .

واختلفت القراء في قراءة قوله: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض العراقيين (بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) بفتح الواو وكسر الراء والقاف. وقرأ عامة قراء الكوفة والبصرة ( بَورْقِكُمْ ) بسكون الراء، وكسر القاف. وقرأه بعض المكيين بكسر الراء ، وإدغام القاف في الكاف، وكلّ هذه القراءات متفقات المعاني، وإن اختلفت الألفاظ منها، وهنّ لغات معروفات من كلام العرب، غير أن الأصل في ذلك فتح الواو وكسر الراء والقاف، لأنه الورق، وما عدا ذلك فإنه داخل عليه طلب التخفيف. وفيه أيضا لغة أخرى وهو الوَرْق ، كما يقال للكَبِد كَبْد. فإذا كان ذلك هو الأصل، فالقراءة به إلي أعجب، من غير أن تكون الأخريان مدفوعة صحتهما، وقد ذكرنا الرواية بأن الذي بعث معه بالوَرِق إلى المدينة كان اسمه يمليخا.

وقد: حدثني عبيد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، عن مقاتل (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) اسمه يمليخ.

وأما قوله: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم: معناه فلينظر أي أهل المدينة أكثر طعاما.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن عكرمة (أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) قال: أكثر.

وحدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حُصَين، عن عكرِمة مثله، إلا أنه قال: ( أيُّهُ أكْثَرُ).

وقال آخرون: بل معناه: أيها أحلّ طعاما.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) قال : أحلّ.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، مثله.

وقال آخرون: بل معناه: أيها خير طعاما.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (أَزْكَى طَعَامًا) قال: خير طعاما.

وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: أحلّ وأطهر، وذلك أنه لا معنى في اختيار الأكثر طعاما للشراء منه إلا بمعنى إذا كان أكثرهم طعاما، كان خليقا أن يكون الأفضل منه عنده أوجد، وإذا شرط على المأمور الشراء من صاحب الأفضل، فقد أمر بشراء الجيد، كان ما عند المشتري ذلك منه قليلا الجيد أو كثيرا، وإنما وجه من وجه تأويل أزكى إلى الأكثر، لأنه وجد العرب تقول: قد زكا مال فلان: إذا كثر، وكما قال الشاعر:

قَبائِلُنـــا سَــبْعٌ وأنْتُــمْ ثَلاثَــةٌ

وَللسَّـبْعُ أزْكَـى مِـن ثَـلاثٍ وأطْيَبُ (9)

بمعنى: أكثر، وذلك وإن كان كذلك، فإن الحلال الجيد وإن قل، أكثر من الحرام الخبيث وإن كثر. وقيل: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا) فأضيف إلى كناية المدينة، والمراد بها أهلها، لأن تأويل الكلام: فلينظر أيّ أهلها أزكى طعاما لمعرفة السامع بالمراد من الكلام ، وقد يُحتمل أن يكونوا عنوا بقوله (أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) : أيها أحلّ، من أجل أنهم كانوا فارقوا قومهم وهم أهل أوثان، فلم يستجيزوا أكل ذبيحتهم.

وقوله: (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) يقول: فليأتكم بقوت منه تقتاتونه ، وطعام تأكلونه.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) قال: بطعام.

وقوله: (وَلْيَتَلَطَّفْ) يقول: وليترفق في شرائه ما يشتري، وفي طريقه ودخوله المدينة (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) يقول: ولا يعلمنّ بكم أحدا من الناس ،

التدبر :

وقفة
[19] ﴿وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ ناموا على حسن الظن بربهم فاستيقظوا وقد تغير العالم، توسد حسن الظن بربك ونم قريرًا.
وقفة
[19] ﴿وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ نام الفتية على نية صالحة؛ فاستيقظوا على الفرج.
وقفة
[19] ﴿وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ الحث على العلم، وعلى المباحثة فيه؛ لكون الله بعثهم لأجل ذلك
وقفة
[19] ﴿وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ بعد أكثر من ثلاثمائة عام وهم نيام كانت أول استفاقتهم الأسئلة، عطش الإنسان للمعرفة .
وقفة
[19] ﴿لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ كيف (لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) ثم هم رأوا بعضهم فلِمَ لم يخافوا؟ هم في حالة حسنة لم يتغيروا لم يتغير حالهم، لذلك لم يخف بعضهم من بعض لكن حالتهم كما هي لم يتغير فيهم شيء.
وقفة
[19] ﴿قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده.
وقفة
[19] تأمل قصر عمر اﻹنسان-وإن طال-في سؤال أصحاب الكهف، وقد لبثوا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾.
وقفة
[19] ﴿قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ﴾ هذا دليل على أن شكلهم لم يصبه أى تغيير، فلم يندهشوا من مظهر بعضهم البعض، ولم يطرأ عليهم أى تغيير يذكر طوال هذه المدة، والله أعلم.
وقفة
[19] ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ صرفهم الله ﷻ عمَّا لا ينفعهم؛ لأنهم كانوا سألوه الرشد: ﴿هَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [10].
وقفة
[19] ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ تغيرت الأيام، وتعاقبت السنين، وتبدل الناس لكن إيمانهم بالله لم يتغير ولم يتبدل، فهكذا هو الإيمان الصادق.
عمل
[19] ﴿قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ﴾ لا تضيع الوقت فى القيل والقال، فقط اهتم بما يعود بالنفع الحقيقى عليك.
وقفة
[19] في قصة أصحاب الكهف تكرر رد العلم إلى الله: ﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾، ﴿رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ [21]، ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [22]، ﴿قُلِ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [26]؛ لأن العبرة هو العلم بثباتهم وتبرؤهم مما عليه قومهم، وأما غيره فالجهل به لا يضر.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم﴾ على قدر وثقل المهمة يكون إرسال العدد، وليس الكل يذهب.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ﴾ أي واحد منكم, لم يكن فيهم سادة وعبيد, وأشراف وسوقة, بل كانوا أخوة متواضعين يخدم بعضهم بعضًا.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم﴾ لا يلزم أن يكون صاحب الفكرة فاعلها؛ قد يقترح عاقلٌ أمرًا نافعًا للجميع، وهي في مقدور غيره.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم﴾ (أحدكم) ليس فيهم من يمتهنونه للخدمة أو يخصصونه لها، شركاء الإيمان متساوو الكرامة.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ﴾ تشاركوا في أموالهم فأصبحت لهم جميعًا، إنها صحبة الإيمان.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ﴾ هذه أصل في الوكالة والنيابة, وفيه دليل على جواز خلط دراهم الجماعة والشراء بها، والأكل من الطعام الذي بينهم بالشركة، وإن تفاوتوا في الأكل.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ﴾ الفتية أرسلوا واحد منهم فقط، وفيه درس للدعاة، وهو تكليف العدد المناسب للمهمة، فالزيادة قد تفسد العمل.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ﴾ جاء بلفظ الإشارة (هذه) ليشير إلى مال بعينه معهم، حفظه الله لهم وهم نيام أكثر من ثلاثمائة عام.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ﴾ ما معنى (ورِقكم)؟ الورِق هي الفضة سواء كانت مالًا أو غير مال، مضروبة أو غير مضروبة، مضروبة يعني مسكوكة، هنا دراهم مضروبة أي مسكوكة، أما الوَرِق هي الفضة في كل الأحوال سواء كانت على هيئة نقود أو لم تكن.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ﴾ في اللغة عمومًا الوَرِق هي الفضة، وليس العملة المالية، هذه وَرَق وليست وَرِقًا.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ هذه الآية تدل على صحة الوكالة، وهي أقوى آية في إثباتها.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ استعدادهم بالورق وهو الفضة دليل على أهمية الاستعداد المالي بادخار جزء من المال لحاجة المستقبل.
وقفة
[19] ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ وإذا كان التلطف مع الأعداء مطلوب لتحصيل منفعة دينية فهو مطلوب مع المؤمنين من باب أولى فعلى المربي مراعاة ذلك.
وقفة
[19] الاحتراز عن الأمور الضارة، وكتمان السر الذي تضر إذاعته ضررًا عامًّا أو خاصًّا، كل ذلك من كمال العقل، تأمل قوله جل وعلا: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾.
وقفة
[19] دلت الآيات على مشروعية الوكالة، وعلى حسن السياسة والتلطف في التعامل مع الناس ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ كهف وخوف وجوع ورعب، ومع ذلك لم يغفلوا على أن يكون طعامهم حلالًا طاهرًا.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ من عاش وتربى على منهج راسخ ومبادئ عظيمة يصعب عليه التخلي عنها حتى في أحلك الظروف.
عمل
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ لا تأكل إلا طيبًا، ولا تطعم إلا طيبًا، فالله طيب لا يقبل إلا الطيب.
لمسة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ قدموا الوصف بالطيب والحل قبل ذكرهم كونه طعامًا، مهددون بالقتل ويهتمون بتفاصيل الشريعة، تلك تقوى القلوب.
وقفة
[19] فسر بعض الأئمة قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف: ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾، أي: أيها أحل، من أجل أنهم كانوا فارقوا قومهم وهم أهل أوثان، فلم يستجيزوا أكل ذبيحتهم، وفي هذا إرشاد لتفقد الحلال في المطعم، وأن لا تنسينا لذة الطعام وجوده.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ جواز أكل الطيبات والمطاعم اللذيذة إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه، وخصوصًا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ طيب الطعام له منافع كثيرة؛ فهو سبب للهداية، وإجابة الدعاء، والبعد عن الأمراض.
عمل
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ رتّب لنفسك قائمة طعام تعتمد على الأزكى والأطيب من الأطعمة، وابتعد عن المحرم والمشتبه فيه؛ فإن هذا أصلح لقلبك، وأقوى لعقلك، وأحرى لاستجابة دعائك،
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ كانوا في قلب الصراع ومع ذلك طلبوا أطيب الطعام، إذ لا مانع أن يكون طعام أهل الصلاح طيبًا.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ البحث عن الطعام اللذيذ الزاكي ليس عارًا على الصالحين فلا داعي للتأويل.
لمسة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ لم يقولوا: (بطعام)، بل قالوا: ﴿ِبرِزْقٍ﴾، وفيه إشارة إلى أن ما سيؤتى لهم هو رزق من الله، ولو كان من مالهم.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ مطاردون ومهددون بالقتل، ومع هذا (أحرص) على (أَزْكَىٰ) طعام، أي أكثره حلالًا، وليس أي طعام حلال، ما أجمل أن تقتدي بهؤلاء!
عمل
[19] طيب الطعام سبب من أسباب الهداية وإجابة الدعاء، اسمع أهل الكهف أول ما أحياهم الله ماذا قالوا: ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾؛ احرص على طيب الأطعمة والرزق الحلال.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ تحرِّي الحلال في الطعام والشراب وغيره من دلائل الإيمان، واعلم أن: البحث عن الطعام اللذيذ الزَّاكي لا ينافي الإيمان، وليس عارًا على الصالحين.
وقفة
[19] حين تنتشر الوثنية يذبح لغير الله، ويعم غصب الأموال، وتظهر الأطعمة الفاسدة (فرحم الله فتية الكهف ما أفقههم وأورعهم حين قالوا: ﴿أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾.
وقفة
[19] ﴿أَزْكَىٰ طَعَامًا﴾ قيل: المذبوح لغير الأوثان, وقيل: غير المغضوب, وقيل: الأفضل نوعًا والأطيب طعمًا, وهي أقوال تصور لنا حال الأطعمة في المجتمع المشرك، فهي ما بين مذبوح لنصب أو مغضوب ظلمًا أو ردئ النوع القبيح الطعم, فرحم الله فتية الكهف ما أفقههم وأروعهم حين قالوا: ﴿أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا﴾ كما أنها تدل على بركة التوحيد تنعكس حتي على زكاء الأطعمة.
وقفة
[19] ﴿فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ﴾ الرزق من الغيبيات، فلا أحد يعرف رزقه الذى سيرزقه الله به؛ فقط توكل على الله نعم التوكل، وتوقع خيرًا.
وقفة
[19] ﴿فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ خذ احتياجاتك ومشترياتك بلطف وتسامح من غير مجادلة ومشادة في السعر.
عمل
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ (تلطف) لا تكن السبب في إثارة الأقلام المأجورة ضد دينك ومبادئك وإخوانك الصالحين.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ أتت في منتصف القرآن الكريم فهيَ تتوسط القرآن، والوسطية الحقة منهج رباني، وهي تقتضي كثيرًا من التلطف.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ باللطف والرفق تبلغ ما تريد، فانفذ إلى حاجاتك على رسلك.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ الحياة لا تخلو من المشكلات، والوصول إلى حلول هذه المشكلات لا بد له من تلطف وهدوء وتأن، وكلما كبرت المشكلة زادت الحاجة للهدوء والتروي.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ هذه الكلمة من سورة الكهف تمنحك درسًا في الخلُق واللطافة وانتقاء العبارات مع الناس، ولن تكسب الآخرين إن لم تعتني بكلماتك.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ فيها الحث على التحرز، والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ؛ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» [الطبرانى 20/94، وصححه الألباني].
تفاعل
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ قل: «اللهم ارزقنا اللطف في كل شيء».
عمل
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ احرص أن لا تكون السبب في أن يلمز أعداء الدين إخوانك بكلمة تقولها تهيج لها أعشاش الدبابير.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾، ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾ [يوسف: 100]، ﴿فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ [يوسف: 87]، عند التمعن في هذه الآيات: يتضح أن تحقيق الأمور العظيمة يحتاج إلى حكمة وتلطف ورفق وأناة مهما كانت قوة ومنزلة صاحبها.
وقفة
[19] ﴿وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا﴾ بعض الأمور بالفعل يحتاج التعامل حيالها إلى التلطف والحذر.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ كلَّما كبرت حجم المشاكل في حياتك قاومها باللُّطف والهدوء والتأنِّي، فأصحاب الكهف حينما تلطَّفوا في حلِّ مشكلتهم سخَّر اللَّه لهم الكون كله عضيدًا ومُناصرًا.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ علمتني سورة الكهف: أن بعض الأمور لا يحسن قضاؤها إلا بالكتمان.
وقفة
[19] ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ علمتني سورة الكهف: أنه كلما كبرت المشكلات زادت الحاجة للهدوء والتعامل معها بلطف وحكمة.
وقفة
[19] اسمه (اللطيف) يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية، ومنه التلطف كما قال أهل الكهف: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾.
وقفة
[19] ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ ليس كل شيء يقال، وليس كل فعل يعلن، استعينوا على قضاء بعض حوائجكم بالكتمان، فقد يكون كتمانها أنفع.
وقفة
[19] في الآية دلالة على لطف الله عز وجل وحفظه لأوليائه ورعايتهم وهم في ذلك الكهف، لا يصل إليهم نظر الناظرين، ولا يعتريهم ما يعتري الموتى، كل ذلك بأمره سبحانه وقدرته، وهذه رسالةٌ للتمسك بحبله المتين والتزام صراطه المستقيم.
وقفة
[19] ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ مشروعية كتمان بعض الأعمال، وعدم إظهارها في بعض الأحوال.
وقفة
[19] ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ شخص واحد فقط يلتقط بعدسته حركتك، أو يصوّر تغريدتك، أو يحرّف عبارتك، كفيل بأن يثير زوبعة تشلّ دعوتك.
وقفة
[19] ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ بعض حوائجنا لا تُقضى إلا بالكتمان.

الإعراب :

  • ﴿ وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ:
  • الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب مفعول مطلق او نائب عنه بفعل يفسره ما بعده او يكون في محل رفع مبتدأ وخبره جملة «بعثناهم» في محل رفع. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. بعث:فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. بمعنى: وكما انمناهم أيقظناهم. اي احييناهم بعد الموت. والواو في «وكذلك» استئنافية.
  • ﴿ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ:
  • اي ليسأل بعضهم بعضا عما حدث لهم. اللام:حرف جر للتعليل. يتساءلوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بين: ظرف مكان متعلق بيتساءلوا منصوب بالفتحة وهو مضاف.و«هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. و «ان» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق ببعثنا. وجملة «يتساءلوا» صلة «ان» المضمرة لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ
  • فعل ماض مبني على الفتح. قائل: فاعل مرفوع بالضمة. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «قائل».ومن:حرف جر بياني.
  • ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ:
  • كم: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول «لبثتم».لبثتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين.التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. والميم علامة جمع الذكور اي كم مكثتم نائمين ويجوز ان تكون «كم» في محل نصب على الحال. والجملة الفعلية الاستفهامية في محل نصب مفعول قال.
  • ﴿ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً:
  • قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. لبثنا: تعرب اعراب «بعثنا».يوما: مفعول به منصوب بالفتحة. ويجوز ان يكون منصوبا على الظرفية الزمانية ومتعلقا بلبثنا. وجملة «لبثنا وما بعدها» في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ:
  • او حرف عطف يفيد الشك. بعض: معطوفة على «يوما» وهي مضافة. يوم: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ:
  • قالوا: اعربت. والجملة بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول-.رب: مبتدأ مرفوع بالضمة. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور. اعلم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لانه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن افعل-صيغة تفضيل-ولانه بوزن الفعل.
  • ﴿ بِما لَبِثْتُمْ:
  • الباء حرف جر. ما: مصدرية. لبثتم: اعربت. و «ما» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأعلم.التقدير: بمدة لبثكم. وجملة «لبثتم» صلة «ما» المصدرية لا محل لها «اي بمدة مكوثكم».
  • ﴿ فَابْعَثُوا:
  • الفاء استئنافية. ابعثوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ أَحَدَكُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بابعثوا ويجوز ان يتعلق بحال محذوفة من «احدكم» بتقدير: محملا بورقكم بمعنى: بفضتكم لان «الورق» يعني الفضة والمقصود هنا: قطعة من النقود الفضية. والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. هذه: اسم اشارة مبني على الكسر في محل جر صفة-نعت-للورق. الى المدينة: جار ومجرور متعلق بابعثوا.
  • ﴿ فَلْيَنْظُرْ:
  • الفاء استئنافية. اللام: لام الامر. ينطر: فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه سكون آخره. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو.
  • ﴿ أَيُّها أَزْكى طَعاماً:
  • اي: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة والتقدير: اي اهلها كما في قوله تعالى -وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ - اي واسأل اهل القرية. فحذف الاهل المضاف اليه وحل المضاف اليه الثاني وهو الضمير «ها» محله. ازكى: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر وهو صيغة افضل ممنوع من الصرف-التنوين-وعلى وزن افعل ولانه بوزن الفعل. طعاما: تمييز منصوب بالفتحة. بمعنى اطهر طعاما والجملة الاسمية في محل نصب مفعول به للفعل «ينظر».
  • ﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ:
  • فليأتكم: تعرب اعراب «فلينظر» وعلامة جزم الفعل حذف آخره-حرف العلة-والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. برزق منه: جار ومجرور متعلق بيأت. منه: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من رزق.
  • ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ:
  • الواو عاطفة. ليتلطف تعرب اعراب «لينظر».
  • ﴿ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. يشعرن:فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا والنون لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.بكم: جار ومجرور متعلق بيشعر والميم علامة جمع الذكور. احدا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

يوسف: 10﴿ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ
الكهف: 19﴿وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
الصافات: 51﴿ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     : وبعد هذا النوم الطويل؛ أيقظهم اللهُ عز و جل، فظنُّوا أنَّهم لبثُوا يومًا أو بعضَ يومٍ، ثُمَّ أرسلوا أحدَهُم إلى المدينةِ لجلبِ الطعامِ بلطفٍ، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

بورقكم:
قرئ:
1- بإسكان الراء، وهى قراءة أبى عمرو، وحمزة، وأبى بكر، والحسن، والأعمش، واليزيدي، ويعقوب من رواية خلف، وأبى عبيد، وابن سعدان.
2- بكسرها، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بكسر الواو وإسكان الراء وإدغام القاف فى الكاف، وهى قراءة أبى رجاء.
4- بكسر الواو والراء وإدغام القاف فى الكاف، وهى قراءة ابن محيصن.
5- بكسر الواو وسكون الراء، دون إدغام، وحكيت عن الزجاج.
6- بوارقكم، اسم جمع، مثل «باقر» ، وهى قراءة على بن أبى طالب.
وليتلطف:
وقرئ:
1- بكسر لام الأمر، وهى قراءة الحسن.
2- بضم الياء، مبنيا للمفعول، ورويت عن قتيبة.
ولا يشعرون:
وقرئ:
ببناء الفعل للفاعل، ورفع «أحد» ، وهى قراءة أبى صالح، ويزيد بن القعقاع.

مدارسة الآية : [20] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ..

التفسير :

[20] إن قومكم إن يطَّلعوا عليكم يرجموكم بالحجارة، فيقتلوكم، أو يردوكم إلى دينهم، فتصيروا كفاراً، ولن تفوزوا بمطلبكم مِن دخول الجنة -إن فعلتم ذلك- أبداً.

ومنها:الحث على التحرز، والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين.

ومنها:شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة، في دينهم وتركهم أوطانهم في الله.

ومنها:ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد، الداعية لبغضه، وتركه، وأن هذه الطريقة، هي طريقة المؤمنين المتقدمين، والمتأخرين لقولهم:{ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}

وقوله: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً تعليل للأمر والنهى السابقين.

أى: قولوا لمن تختارونه لشراء طعامكم من المدينة: عليه أن يتخير أزكى الطعام، وعليه كذلك أن لا يخبر أحدا بأمركم من أهل المدينة، لأنهم إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أى: يطلعوا عليكم. أو يظفروا بكم.

وأصل معنى ظهر. أى: صار على ظهر الأرض. ولما كان ما عليها مشاهدا متمكنا منه، استعمل تارة في الاطلاع، وتارة في الظفر والغلبة، وعدى بعلى.

يَرْجُمُوكُمْ أى إن يعرفوا مكانكم، يرجموكم بالحجارة حتى تموتوا أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ الباطلة التي نجاكم الله- تعالى- منها.

وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً أى: وإن عدتم إليها بعد إذ نجاكم الله- تعالى- منها وعصمكم من اتباعها، فلن تفلحوا إذا أبدا، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وهكذا نجد هاتين الآيتين تصوران لنا بأسلوب مؤثر بليغ حال الفتية وهم يتناجون فيها بينهم، بعد أن استيقظوا من رقادهم الطويل.

ونراهم في تناجيهم- بعد أن تركوا الحديث عن المدة التي لبثوها في نومهم- نراهم حذرين خائفين، ولا يدرون أن الأعوام قد كرت. وأن عجلة الزمن قد دارت، وأن أجيالا قد تعاقبت، وأن مدينتهم التي يعرفونها قد تغيرت معالمها. وأن أعداءهم الكافرين قد زالت دولتهم.

ثم تمضى السورة الكريمة لتحدثنا عن مشهد آخر من أحوال هؤلاء الفتية. مشهد تتجلّى فيه قدرة الله- تعالى- على أبلغ وجه، كما تتجلى فيه حكمته ووحدانيته، استمع إلى القرآن الكريم وهو يحدثنا عن ذلك فيقول:

أي : إن علموا بمكانكم ، ( يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ) يعنون أصحاب دقيانوس ، يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم ، فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها أو يموتوا ، وإن واتوهم على العود في الدين فلا فلاح لكم في الدنيا ولا في الآخرة ؛ ولهذا قال ) ولن تفلحوا إذا أبدا ) .

القول في تأويل قوله : ( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ) يعنون بذلك: دقينوس وأصحابه، قالوا: إن دقينوس وأصحابه إن يظهروا عليكم، فيعلموا مكانكم، يرجموكم شتما بالقول.

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: ( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ) قال: يشتموكم بالقول، يؤذوكم.

وقوله: ( أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ) يقول: أو يردّوكم في دينهم، فتصيروا كفارا بعبادة الأوثان

( وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ) يقول:ولن تدركوا الفلاح، وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان، إذن: أي إن أنتم عُدْتم في ملتهم أبدا: أيام حياتكم.

------------------------

الهوامش:

(6) في عدد هذه الأسماء ، وضبطها ، اختلاف كثير بين ناقليها . وهي في المخطوطة رقم 100 تفسير ، غير منقوطة.

(7) في الأصل المخطوط رقم 100 تفسير: " وما أشبه بكم إلا الحراد " ولعله تحريف عن الحواريين.

(8) العبارة من أول قوله : فأمر بعيش من خلر ونشيل ...إلى هنا : ساقطة من هذا الخبر في عرائس المجالس للثعلبي المفسر ص 427 : والخلر : حب يقتات به ، قيل هو الجلبان ، والنشيل : اللبن ساعة يحلب ، والعبارة فيما يظهر من بقية كلام أصحاب الكهف.

(9) البيت للقتال الكلابي ، أنشده سيبويه في ( الكتاب 2: 181 ) وهو من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1: 237 ، 397 ) قال في الموضع الثاني : "أيها ازكى طعاما " أي أكثر ؛ قال : * قبائلنــا ســبع وأنتـم ثلاثـة *

البيت ، وقال في الموضع الأول : ذكر ثلاثة ، ذهب به إلى بطن ، ثم أنثه ؛ لأنه ذهب به إلى قبيلة . قلت: والنحاة يجوزون في اسم العدد التذكير والتأنيث ، إذا لم يذكر المعدود ، وهذا شاهد عليه . وفي ( اللسان : زكا ) الزكاء ممدودا : النماء والريع . زكا يزكو زكاء وزكوا.

التدبر :

وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾ الحذر الطبيعي من بطش الطغاة لا ينافي التوكل.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ أنها الجاهلية البشعة تضيق على المؤمنين، ولكن من تعامل مع الله اتسع قلبه لما يرضي الله.
وقفة
[20] علمتني الكهف: أن منطق الطغاة واحد، فليس هناك تفاهم أو حل سلمي، إما القتل، أو ترجع عما أنت عليه ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ لم يأمنوا من أنفسهم عند الشدة الرجوع إلى الكُفر.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ إن كنت قليل العدد تنحى عن العاصفة قليلًا ريثما يشتد عودك حتى تواجهها بقوة.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ مع أنهم فتية مؤمنون لكن الله كان أكرم من ظنونهم، لقد عثروا عليهم فما رجموهم ولا أعادوهم في ملتهم، اللهم امنحنا كمال حسن الظن بك.
عمل
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ لا تستغرب: في هذا الكون من يرغب في قتلك وتمزيقك؛ لأنك تسجد لله.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ ما أصعب أن يكون المرء مبصرًا في مجتمعٍ أعمى.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ في الآية بيان آثار ظهور أهل الكفر على الإسلام وهما إما: القتل أو الردة, وهذا في جميع الأزمان، فسبحان من جعل السنة واحدة ماضية مع اختلاف الأمم والأزمنة.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ ذكر فتية الكهف الرجم دون غيره: أ‌- لأنه أبشع أنواع القتل. ب‌- يحتمع فيه الأذي والتعذيب والقتل. جـ- الرجم يشارك فيه عدد كثير.
وقفة
[20] ﴿إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا﴾ الله هو الحافظ.
وقفة
[20]﴿إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا﴾ تفكير الكافرون يبدأ بالبطش قبل استعمال العقل ومحاولات الاقناع.
عمل
[20] لا تتـمنَّ لقـاء العـدو، واسـأل الله تعـالى المعـافـاة في دينـك ودنيـاك ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾.
وقفة
[20] معظم صراع أرض الكنانة بين الفساد والنزاهة، والتلويث والتطهير، وغاية المفسدين الفرار من يد العدالة ولسان حالهم ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾.
لمسة
[20] ﴿وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ جاءت (إذًا) لبيان أن عدم الفلاح خاص بعودتهم لدين قومهم، وللاحتراز من الظن أن الرجم داخل فيه.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّهُمْ إِنْ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «ان» يعود على «ايها» اي الى الاهل في «ايها» الواردة في الآية الكريمة السابقة. إن: حرف شرط‍ جازم. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر إن.
  • ﴿ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ:
  • اي يطلعوا عليكم: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. عليكم: جار ومجرور متعلق بيظهروا والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ يَرْجُمُوكُمْ:
  • فعل مضارع مجزوم بان لانه جواب الشرط‍ وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور بمعنى: يقتلوكم رجما بالحجارة.والجملة: جواب شرط‍ جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ:
  • معطوفة بأو على «يرجموكم» وتعرب اعرابها. في ملة: جار ومجرور متعلق بيعيدون و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بمعنى: او يدخلوكم في ملتهم بالاكراه ويصيروكم اليها. اي الى دينهم.
  • ﴿ وَلَنْ تُفْلِحُوا:
  • الواو استئنافية. لن: حرف نصب ونفي واستقبال.تفلحوا: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بمعنى: ولن تفلحوا اذا دخلتم في دينهم.
  • ﴿ إِذاً أَبَداً:
  • اذا: حرف جواب فيه معنى الشرط‍ وجوابه. ابدا: ظرف زمان يدل على الاستمرار متعلق بتفلحوا منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا أمروا رسولَهم بالتلطُّفِ، ونهوه عن الإشعارِ بهم؛ ذكروا هنا السبب، وهو: حتى لا يعرف المَلِك مكانَهم فيقتلهم، أو يردَّهم إلى عبادة الأوثان، قال تعالى:
﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يظهروا:
وقرئ:
بضم الياء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة زيد بن على.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف