190212223242526

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (21) الى الآية رقم (24) عدد الآيات (4)

بشارةُ الذينَ آمنُوا وهاجرُوا وجاهدُوا، ثُمَّ التحذيرُ من ولايةِ الكافرينَ وإن كانُوا أُولِي قُربى، ووجوبُ تقديمِ حبِّ اللهِ ورسولِه ﷺ والجهادِ على ثمانيةِ أشياء.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (25) الى الآية رقم (27) عدد الآيات (3)

لمَّا أَمَرَ بالقتالِ والجهادِ ذَكَّرَ المؤمنينَ هنا بأنَّه نَصَرَهم في مواطنَ كثيرةٍ ليعتزُوا بدينِهم، ولكن لا يُعجبُوا بكثرتِهم كيومِ حُنَينٍ 8 هـ، لمَّا أُعجبُوا بكثرتِهم انهزمُوا، فلمَّا تضرعُوا إلى اللهِ نَصَرَهم.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟:   1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟:   إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم ::   التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية ::   هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة ::   أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة ::   التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة ::   حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة التوبة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ».
    • وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء.
    • عن إبراهيم قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ مَرَّةً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُجَاعِلَ -أي يدفع جُعالة لمن يخرج بدلًا عنه-، فِي بَعْثٍ خَرَجَ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ فَقُلْتُ لَهُ: «مَا لَكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُجَاعِلَ؟»، قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةَ؛ فَسَمِعْتُهَا تَحُثُّ عَلَى الْجِهَادِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم».
    • تمتاز بكثرة أسمائها، فهي تأتي بعد سورة الفاتحة في كثرة الأسماء، ومعظم هذه الأسماء أطلق عليها بسبب ما فيها من دلالات وصفات تفضح المنافقين.
    • هي آخر سور السبع الطِّوَال، وهي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة».
    • أفاضت في الحديث عن المنافقين وصفاتهم إفاضة لا توجد في غيرها من سور القرآن الكريم.
    • ذكرت فيها أحداث غزوة تبوك، وهي آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب 9 هـ.
    • أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، ولذا لم تذكر فئة إلا وحثتها على التوبة: كالكفار، والمشركين والمنافقين والعصاة والمؤمنين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر إلى التوبة والرجوع إلى الله قبل أن يفاجئنا الموت، وندعو كل الناس إلى ذلك.
    • أن نتعلم سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين.
    • أن نلزم الوفاء بالعهود مع المشركين إلى مدتها إلا إذا خانوا؛ فإن خانوا فيجب إخبارهم بنقض العهد: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ...﴾ (4).
    • أن نقرأ كلام الله على من حولنا من غير المسلمين؛ رجاء هدايتهم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ (6).
    • ألا نَأْمَن غير المسلمين، ولا نُسَلِّم لهم أنفسنا مهما كانت وعودهم؛ فإنهم لا يؤمَنون: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ﴾ (8).
    • أن نحذر اتخاذ بطانة من أعداء الدين: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ (16).
    • أن نتعلم أحكام التعامل مع الكفار من أهل الذمة وغيرهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾ (28).
    • ألا نوالي الكفار؛ حتى ولو كانوا من الأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (23).
    • أن تكون محبة الله ورسوله أغلى عندنا من كلّ شيء سواها: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (24).
    • ألا نقدم على محبة الله أحدًا: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ...﴾ (24).
    • أن نستبشِر؛ سيُصبحُ الإسلام هو الدينُ الذي يُعبَدُ اللهُ به في الأرضِ لا غيره: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (33). • أن نظهر الأشهر الهجرية في تعاملاتنا قدر الاستطاعة؛ فهي المقدمة عند الله، وهي من مظاهر الدين الإسلامي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ (36).
    • أن نلقي المحاضرات، أو نرسل رسائل عن خطر التحايل على الشريعة وأهمية مراقبة الله: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ﴾ (37).
    • ألا نشعر بالضعف إلا لله، ولا نطأطئ رؤوسنا لسواه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ (40).
    • أن نتبرع بشيء من أموالنا للجهات الخيرية؛ فهذا من الجهاد بالمال: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (41).
    • أن نستفتِح العِتابَ بأجملِ الكلماتِ؛ لنستميلَ قلبَ مَن نُعاتِبُ: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (43)، تأمَّلْ: بدأَ بالعَفوِ عن الخَطأِ قبلَ أن يعاتِبَه على ارتكابِه.
    • ألا نتأثر لخذلان بعض الناس لنا؛ فقد يكون الله ثبطهم لفسادٍ عَلِمه أنه سيكون لو كانوا معكم: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ (46).
    • ألا نخاف ولا نحزن من أقدار الدنيا؛ فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (51).
    • ألا نضع زكاة أموالنا إلا في المصارف التي حددها الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (60).
    • ألا نتناول شعائر الدين وأحكامه بسخرية واستهزاء، ولو على سبيل المزاح والضحك، فالخائض فيها على خطر عظيم: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (65، 66).
    • أن نحرص على الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنْكرِ مخالفة لحالِ المنافقين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ (67).
    • أن ندرس قصص الأنبياءِ حتى نكونَ من الذين يعتبرون ويتعظون إذا تُليتْ عليهم أنباءُ الرسلِ وأممهِم: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (70).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فإن الله علام الغيوب: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (78).
    • ألا نسخر من صدقة مسلم؛ ولو قلت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (79).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الحلم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (114).

تمرين حفظ الصفحة : 190

190

مدارسة الآية : [21] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ ..

التفسير :

[21] إن هؤلاء المؤمنين المهاجرين لهم البشرى من ربهم بالرحمة الواسعة والرضوان الذي لا سخط بعده، ومصيرهم إلى جنات الخلد والنعيم الدائم.

{‏يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ‏}‏ جودًا منه، وكرما وبرا بهم، واعتناء ومحبة لهم، ‏{‏بِرَحْمَةٍ مِنْهُ‏}‏ أزال بها عنهم الشرور، وأوصل إليهم ‏[‏بها‏]‏ كل خير‏.‏ ‏{‏وَرِضْوَانٍ‏}‏ منه تعالى عليهم، الذي هو أكبر نعيم الجنة وأجله، فيحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبدًا‏.‏

‏{‏وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ‏}‏ من كل ما اشتهته الأنفس، وتلذ الأعين، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا اللّه تعالى، الذي منه أن اللّه أعد للمجاهدين في سبيله مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم‏.‏

ثم فصل- سبحانه- هذا الفوز فقال: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ. خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ.

أى يبشرهم ربهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعلى لسان الملائكة عند الموت بِرَحْمَةٍ مِنْهُ أى: برحمة واسعة منه- سبحانه- وبرضائه التام عنهم، وبجنات عالية لهم فيها نعيم عظيم لا يزول ولا يبيد.

قال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ، قال : إن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون ) [ المؤمنون : 66 ، 67 ] يعني : أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال : ( به سامرا ) كانوا يسمرون به ، ويهجرون القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - فخير الله الإيمان والجهاد مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به إن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه .

قال الله : ( لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني : الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله " ظالمين " بشركهم ، فلم تغن عنهم العمارة شيئا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية ، قال : نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر قال : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي [ الحاج ] ونفك العاني ، قال الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني أن ذلك كان في الشرك ، ولا أقبل ما كان في الشرك .

وقال الضحاك بن مزاحم : أقبل المسلمون على العباس وأصحابه ، الذين أسروا يوم بدر ، يعيرونهم بالشرك ، فقال العباس : أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ، فأنزل الله : ( أجعلتم سقاية الحاج [ وعمارة المسجد الحرام ] ) الآية .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي قال : نزلت في علي ، والعباس - رضي الله عنهما - تكلما في ذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرت عن أبي صخر قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار ، وعباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، معي مفتاحه ، ولو أشاء بت فيه . وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد . فقال علي - رضي الله عنه - : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) الآية كلها .

وهكذا قال السدي ، إلا أنه قال : افتخر علي ، والعباس ، وشيبة بن عثمان ، وذكر نحوه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن عمرو ، عن الحسن قال : نزلت في علي ، وعباس وعثمان ، وشيبة ، تكلموا في ذلك ، فقال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقيموا على سقايتكم ، فإن لكم فيها خيرا .

ورواه محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن فذكر نحوه .

وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع ، فلا بد من ذكره هاهنا ، قال عبد الرزاق :

أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير [ عن رجل ] عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن رجلا قال : ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي ألا أعمل بعد الإسلام ، إلا أن أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم عمر - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا عليه . فنزلت ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( لا يستوون عند الله )

طريق أخرى : قال الوليد بن مسلم : حدثني معاوية بن سلام ، عن جده أبي سلام الأسود ، عن النعمان بن بشير الأنصاري قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي ألا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام . وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم . فزجرهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . قال : ففعل ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين )

رواه مسلم في صحيحه ، وأبو داود - وابن جرير وهذا لفظه - وابن مردويه ، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه .

القول في تأويل قوله : يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يبشر هؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله (1) =(ربُّهم برحمة منه)، لهم، أنه قد رحمهم من أن يعذبهم = وبرضوان منه لهم, بأنه قد رضي عنهم بطاعتهم إياه، وأدائهم ما كلَّفهم (2) =(وجنات)، يقول: وبساتين (3) =(لهم فيها نعيم مقيم)، لا يزول ولا يبيد, ثابت دائمٌ أبدًا لهم. (4)

16567- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان, عن محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة, قال الله سبحانه: أُعطيكم أفضل من هذا, فيقولون: ربَّنا، أيُّ شيء أفضل من هذا؟ قال: رِضْواني. (5)

-----------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " الفوز " فيما سلف 11 : 286 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(2) انظر تفسير " التبشير " فيما سلف ص : 131 تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(3) انظر تفسير " الرضوان " فيما سلف 11 : 245 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(4) انظر تفسير " النعيم " فيما سلف 10 : 461 ، 462 .

= وتفسير " مقيم " فيما سلف 10 : 293 .

(5) الأثر : 16567 - مضى هذا الخبر بإسناده ولفظه ، وسلف تصحيحه برقم : 651 ( ج 6 : 262 ) . وكان في المطبوعة : " أبو أحمد الموسوي " ، خطأ محض ، لم يحسن قراءة المخطوطة .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[21] ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم﴾ مراتب فضل المجاهدين كثيرة، فهم أعظم درجة عند الله من كل ذي درجة، فلهم المزية والمرتبة العلية، وهم الفائزون الظافرون الناجون، وهم الذين يبشرهم ربهم بالنعيم.
عمل
[21] القرآن يملأ حياتنا بالأمل والبشرى: ﴿بشراكم اليوم جنات﴾ [الحديد: 12]، ﴿جاء البشير﴾ [يوسف: 96]، ﴿يبشرهم ربهم﴾، ﴿وبشرى للمؤمنين﴾ [البقرة: 97]، ﴿وبشر الذين آمنوا﴾ [البقرة: 25]؛ ثق بربك.
وقفة
[21] ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ ثلاثة في مقابل ثلاثة، قال الألوسي: «ذكر أبو حيان أنه تعالى لما وصف المؤمنين بثلاث صفات: الإيمان، والهجرة، والجهاد بالنفس والمال؛ قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاث: الرحمة، والرضوان، والجنة».
تفاعل
[21] ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ﴾ استبشر الآن.
تفاعل
[21] ﴿وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ سَل الله الجنة الآن.

الإعراب :

  • ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ:
  • الجملة: في محل رفع خبر ثان للمبتدأ «أُولئِكَ» الواردة في الأية الكريمة السابقة. يبشر: فعل مضارع مرفوع بالضمة. و «هم»:ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. ربّ: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيبشرهم. منه:جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رحمة» ورضوان وجنات معطوفتان بواوي العطف على «رحمة».
  • ﴿ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ:
  • الجملة: في محل جر صفة- نعت- لجنات. لهم:اللام حرف جر و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام.والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. فيها: جار ومجرور. نعيم: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة- مقيم: صفة- نعت- لنعيم مرفوعة مثلها بالضمة المنونة والجار والمجرور «فِيها» متعلق بحال من «نَعِيمٌ» لأنه صفة مقدمة. '

المتشابهات :

آل عمران: 118﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا
النساء: 144﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
المائدة: 51﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
المائدة: 57﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ
التوبة: 23﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ
الممتحنة: 1﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     ولما قال اللهُ عز وجل: ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾؛ أتبَعه ببيانِ هذه الدَّرَجةِ العَظيمةِ، وهذا الفَوزِ المُجمَلِ، فقال:
﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يبشرهم:
قرئ:
1- يبشرهم، بفتح الياء وضم الشين خفيفة، وهى قراءة الأعمش، وطلحة بن مصرف، وحميد ابن هلال.
ورضوان:
وقرئ:
1- بضم الراء، وهى قراءة عاصم.
2- بضم الراء والضاد معا، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [22] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ ..

التفسير :

[22] ماكثين في تلك الجنان لانهاية لإقامتهم وتنعمهم، وذلك ثواب ما قدَّموه من الطاعات والعمل الصالح في حياتهم الدنيا. إن الله تعالى عنده أجر عظيم لمن آمن وعمل صالحاً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏ لا ينتقلون عنها، ولا يبغون عنها حِوَلًا، ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏ لا تستغرب كثرته على فضل اللّه، ولا يتعجب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون‏.

خالِدِينَ فِيها أَبَداً أى: ماكثين في تلك الجنات مكثا أبديا.

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره لهؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

قال الآلوسى: ذكر أبو حيان أنه- تعالى- لما وصف المؤمنين بثلاث صفات الإيمان والهجرة، والجهاد بالنفس والمال، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاث: الرحمة، والرضوان، والجنة.

وبدأ- سبحانه- بالرحمة في مقابلة الإيمان لتوقفها عليه، ولأنها أعم النعم وأسبقها كما أن الإيمان هو السابق.

وثنى- سبحانه- بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة الجهاد الذي هو بذل الأنفس والأموال.

وثلث بالجنات في مقابلة الهجرة وترك الأوطان، إشارة إلى أنهم لما آثروا تركها- في سبيله أعطاهم بدلها دارا عظيمة دائمة وهي الجنات.

وفي الحديث الصحيح يقول الله- سبحانه-: «يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون كيف لا نرضى وقد باعدتنا عن نارك وأدخلتنا جنتك؟ فيقول- سبحانه- لكم عندي أفضل من ذلك، فيقولون: وما أفضل من ذلك؟ فيقول جل شأنه: أحل لكم رضائى فلا أسخط عليكم بعده أبدا» .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت أنه لا تصح المساواة بين المؤمنين الصادقين الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وبين غيرهم ممن لم يفعل فعلهم، ولم يجاهد جهادهم ...

وبعد أن بين- سبحانه- ما أعده من عطاء عظيم للمؤمنين الصادقين، الذين هاجروا وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم ... أتبع ذلك بتوجيه نداء إليهم، حثهم فيه على أن يجردوا أنفسهم لعقيدتهم، وأن يقاطعوا أعداءهم في الدين مهما بلغت درجة قرابتهم منهم، وأن يؤثروا حب الله ورسوله على كل شيء من زينة الحياة الدنيا فقال- تعالى-:

قال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ، قال : إن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون ) [ المؤمنون : 66 ، 67 ] يعني : أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال : ( به سامرا ) كانوا يسمرون به ، ويهجرون القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - فخير الله الإيمان والجهاد مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به إن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه .

قال الله : ( لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني : الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله " ظالمين " بشركهم ، فلم تغن عنهم العمارة شيئا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية ، قال : نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر قال : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي [ الحاج ] ونفك العاني ، قال الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني أن ذلك كان في الشرك ، ولا أقبل ما كان في الشرك .

وقال الضحاك بن مزاحم : أقبل المسلمون على العباس وأصحابه ، الذين أسروا يوم بدر ، يعيرونهم بالشرك ، فقال العباس : أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ، فأنزل الله : ( أجعلتم سقاية الحاج [ وعمارة المسجد الحرام ] ) الآية .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي قال : نزلت في علي ، والعباس - رضي الله عنهما - تكلما في ذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرت عن أبي صخر قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار ، وعباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، معي مفتاحه ، ولو أشاء بت فيه . وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد . فقال علي - رضي الله عنه - : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) الآية كلها .

وهكذا قال السدي ، إلا أنه قال : افتخر علي ، والعباس ، وشيبة بن عثمان ، وذكر نحوه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن عمرو ، عن الحسن قال : نزلت في علي ، وعباس وعثمان ، وشيبة ، تكلموا في ذلك ، فقال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقيموا على سقايتكم ، فإن لكم فيها خيرا .

ورواه محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن فذكر نحوه .

وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع ، فلا بد من ذكره هاهنا ، قال عبد الرزاق :

أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير [ عن رجل ] عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن رجلا قال : ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي ألا أعمل بعد الإسلام ، إلا أن أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم عمر - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا عليه . فنزلت ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( لا يستوون عند الله )

طريق أخرى : قال الوليد بن مسلم : حدثني معاوية بن سلام ، عن جده أبي سلام الأسود ، عن النعمان بن بشير الأنصاري قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي ألا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام . وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم . فزجرهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . قال : ففعل ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين )

رواه مسلم في صحيحه ، وأبو داود - وابن جرير وهذا لفظه - وابن مردويه ، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه .

القول في تأويل قوله : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره =(خالدين فيها)، ماكثين فيها, يعنى في الجنات (6) =(أبدا)، لا نهاية لذلك ولا حدَّ (7) =(إن الله عنده أجر عظيم)، يقول: إن الله عنده لهؤلاء المؤمنين الذين نعتَهم جل ثناؤه النعتَ الذي ذكر في هذه الآية =(أجر)، ثواب على طاعتهم لربّهم، وأدائهم ما كلفهم من الأعمال (8) =(عظيم), وذلك النعيم الذي وعدَهم أن يعطيهم في الآخرة. (9)

-------------------

الهوامش :

(6) انظر تفسير " الخلود " فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .

(7) انظر تفسير " أبدًا " فيما سلف 11 : 244 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(8) انظر تفسير " الأجر " فيما سلف من فهارس اللغة ( أجر ) .

(9) انظر تفسير " عظيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( عظم ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[22] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: «يُنَادِى مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا». [مسلم 2837].
تفاعل
[22] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ خالِدِينَ:
  • حال منصوب بالياء من «هم» من «يُبَشِّرُهُمْ» لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ فِيها أَبَداً:
  • جار ومجرور متعلق بخالدين. أبدا: أي أبد الدهر أو أبد الآبدين: ظرف زمان للمستقبل يدل على الاستمرار منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله: اسم إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. عند: ظرف مكان منصوب بالفتحة. والهاء:ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة وشبه الجملة «عِنْدَهُ» متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ:
  • أجر: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. عظيم: صفة- نعت- لأجر مرفوعة مثلها بالضمة. والجملة الاسمية «عِنْدَهُ أَجْرٌ. عَظِيمٌ» في محل رفع خبر «إِنَّ». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أن نعيم الجنة دائم لا يزول؛ أخبرَ هنا أن أهلها خالدون في هذا النعيم، قال تعالى:
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [23] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ ..

التفسير :

[23] يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تتخذوا أقرباءكم -من الآباء والإخوان وغيرهم- أولياء، تفشون إليهم أسرار المسلمين، وتستشيرونهم في أموركم، ما داموا على الكفر معادين للإسلام. ومن يتخذهم أولياء وَيُلْقِ إليهم المودة فقد عصى الله تعالى، وظ

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ اعملوا بمقتضى الإيمان، بأن توالوا من قام به، وتعادوا من لم يقم به‏.‏

و‏{‏لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ‏}‏ الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم ‏{‏أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا‏}‏ أي‏:‏ اختاروا على وجه الرضا والمحبة ‏{‏الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ‏}‏

‏{‏وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ لأنهم تجرؤوا على معاصي اللّه، واتخذوا أعداء اللّه أولياء، وأصل الولاية‏:‏ المحبة والنصرة، وذلك أن اتخاذهم أولياء، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة اللّه، ومحبتهم على محبة اللّه ورسوله‏.‏

والمعنى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إيمانا حقا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ المشركين أَوْلِياءَ وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم، وتطلعونهم على ما لا يجوز اطلاعهم عليه من شئونكم، وتلقون إليهم بالمودة.. فإن ذلك يتنافى مع الإيمان الحق، ومع الإخلاص للعقيدة وإيثارها على كل ما سواها من زينة الحياة.

والمراد النهى لكل فرد من أفراد المخاطبين عن موالاة أى فرد من أفراد المشركين، لأن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، كما في قوله- تعالى- وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ قال القرطبي: وخص- سبحانه- الآباء والإخوة إذ لا قرابة أقرب منها. فنفى الموالاة بينهم ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان.

ولم يذكر الأبناء في هذه الآية، إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء. والإحسان والهبة مستثناة من الولاية. قالت أسماء: يا رسول الله إن أمى قدمت على راغبة وهي مشركة أفأصلها؟ قال نعم. «صلى أمك» .

وقوله- سبحانه-: إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ قيد في النهى عن اتخاذهم أولياء. والاستحباب: طلب المحبة: يقال: استحب له بمعنى أحبه كأنه طلب محبته.

أى: لا تتخذوهم أولياء إن اختاروا الكفر على الإيمان وأصروا على شركهم وباطلهم..

أما إذا أقلعوا عن ذلك ودخلوا في دينكم، فلا حرج عليكم من اتخاذهم أولياء وأصفياء.

وقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ تذييل قصد به الوعيد والتهديد لمن يفعل ذلك.

أى: ومن يتولهم منكم في حال استحبابهم الكفر على الإيمان، فأولئك الموالون لهم هم الظالمون لأنفسهم، لأنهم وضعوا الموالاة في غير موضعها، وتجاوزوا حدود الله التي نهاهم عن تجاوزها، وسيجازيهم- سبحانه- على ذلك بما يستحقونه من عقاب.

أمر الله تعالى بمباينة الكفار به ، وإن كانوا آباء أو أبناء ، ونهى عن موالاتهم إذا ( استحبوا ) أي : اختاروا الكفر على الإيمان ، وتوعد على ذلك كما قال تعالى : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) الآية [ المجادلة : 22 ] .

وروى الحافظ [ أبو بكر ] البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال : جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر ، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله ، فأنزل الله فيه هذه الآية : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ) الآية [ المجادلة : 22 ] .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسرارَكم، وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله, وتؤثرون المُكْثَ بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام (10) =(إن استحبُّوا الكفر على الإيمان)، يقول: إن اختاروا الكفر بالله، على التصديق به والإقرار بتوحيده =(ومن يتولهم منكم)، يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين, ويؤثر المقَام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الإسلام (11) =(فأولئك هم الظالمون)، يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم، هم الذين خالفوا أمرَ الله, فوضعوا الولاية في غير موضعها، وعصوا الله في أمره. (12)

* * *

وقيل: إن ذلك نـزل نهيًا من الله المؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام.

* ذكر من قال ذلك:

16568- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، قال: أمروا بالهجرة, فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج! وقال طلحة أخو بني عبد الدار: أنا صاحب الكعبة، فلا نهاجر ! فأنـزلت: (لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء)، إلى قوله: يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ، بالفتح, في أمره إياهم بالهجرة. هذا كله قبل فتح مكة.

--------------------

الهوامش :

(10) انظر تفسير " ولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .

(11) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .

(12) انظر تفسير " الظلم " فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلم ) .

التدبر :

عمل
[23] ابحث عن صديق إذا جالسته زاد إيمانك، واتخذه صاحبًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾.
وقفة
[23] الولاية الدينية أعظم وأشرف من ولاية النسب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
وقفة
[23] ﴿لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ﴾ الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم ﴿أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا﴾ أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة ﴿الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾.
وقفة
[23] ﴿لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ قال القرطبي: «وخص سبحانه الآباء والإخوة؛ إذ لا قرابة أقرب منها، فنفى الموالاة بينهم؛ ليبين أن القرب قرب الأديان، لا قرب الأبدان».
وقفة
[23] ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ قال ابن عباس: «يريد: مشركًا مثلهم لأنه رضي بشرکهم، والرضا بالكفر کفر، كما أن الرضا بالفسق فسق».

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا أداة نداء. أيّ: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح بدل من «أي». آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ:
  • لا: ناهية جازمة. تتخذوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. آباء: مفعول به أول منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ:
  • معطوفة بالواو على «آباءَكُمْ» وتعرب إعرابها. أولياء:مفعول به ثان منصوب بالفتحة. ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن أفعلاء.
  • ﴿ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ:
  • إن: حرف شرط جازم وكسرت نونه لالتقاء الساكنين. استحبوا: تعرب اعراب «آمَنُوا» والفعل «استحب» فعل الشرط في محل جزم بإن. الكفر: مفعول به منصوب بالفتحة. على الايمان: جار ومجرور متعلق باستحبوا وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه:التقدير: ان استحبوا الكفر على الايمان فلا تتخذوهم أولياء أو فلا تطيعوهم. ومعنى «اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ» آثروه واختاروه.
  • ﴿ وَمَنْ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ:
  • يتولّ: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه حذف آخره- حرف العلة- والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.و«هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. منكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «مَنْ». والميم علامة جمع الذكور. والجملة من فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف: حرف خطاب.هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون حرّك الميم بالضم للاشباع في محل رفع مبتدأ ثان. الظالمون: خبر «هُمُ» مرفوع بالواو: لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته والجملة الاسمية «هُمُ الظَّالِمُونَ» في محل رفع خبر «أولئك» ويجوز أن تكون «هُمُ»: ضمير فصل أو حرف عماد لا محل لها و «الظَّالِمُونَ» خبر «أولئك» التقدير: فأولئك المؤثرون الكفر هم الظالمون أو التقدير الأصوب والأصحّ: فأولئك المتولوّن هم الظالمون.والجملة الاسمية «فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكم وإخْوانَكم أوْلِياءَ﴾ قالَ الكَلْبِيُّ: لَمّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ جَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِأبِيهِ وأخِيهِ وامْرَأتِهِ: إنّا قَدْ أُمِرْنا بِالهِجْرَةِ. فَمِنهم مَن يُسْرِعُ إلى ذَلِكَ ويُعْجِبُهُ، ومِنهم مَن تَتَعَلَّقُ بِهِ زَوْجَتُهُ وعِيالُهُ ووَلَدُهُ ويَقُولُونَ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ أنْ تَدَعَنا إلى غَيْرِ شَيْءٍ فَنَضِيعَ. فَيَرِقُّ فَيَجْلِسُ مَعَهم ويَدَعُ الهِجْرَةَ. فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى يُعاتِبُهم: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ﴾ . ونَزَلَ في الَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِمَكَّةَ ولَمْ يُهاجِرُوا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إن كانَ آباؤُكم وأبْناؤُكُمْ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأمْرِهِ﴾ . يَعْنِي القِتالَ وفَتْحَ مَكَّةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     وبعد تحريمِ مشاركةِ المشركينَ في عمارةِ مساجدِ اللهِ ومدح المؤمنين؛ جاء هنا التحذيرُ من ولايةِ الكافرينَ وإن كانُوا أُولِي قُربى، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إن استحبوا:
قرئ:
1- بفتح همزة «إن» على التعليل، وهى قراءة عيسى بن عمر.
2- بكسرها، على الشرط، وهى قراءة الباقين.

مدارسة الآية : [24] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ ..

التفسير :

[24] قل -يا أيها الرسول- للمؤمنين:إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات، والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكا

ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة اللّه ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ‏}‏ ومثلهم الأمهات ‏{‏وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ‏}‏ في النسب والعشرة ‏{‏وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ‏}‏ أي‏:‏ قراباتكم عمومًا ‏{‏وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا‏}‏ أي‏:‏ اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها، خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ‏.‏

‏{‏وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا‏}‏ أي‏:‏ رخصها ونقصها، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك‏.‏

‏{‏وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا‏}‏ من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم، فإن كانت هذه الأشياء ‏{‏أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ‏}‏ فأنتم فسقة ظلمة‏.‏

‏{‏فَتَرَبَّصُوا‏}‏ أي‏:‏ انتظروا ما يحل بكم من العقاب ‏{‏حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ‏}‏ الذي لا مرد له‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ أي‏:‏ الخارجين عن طاعة اللّه، المقدمين على محبة اللّه شيئا من المذكورات‏.‏

وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة اللّه ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من اللّه ورسوله، وجهاد في سبيله‏.‏

وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه اللّه ورسوله، وليس لنفسه فيها هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للّه ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه اللّه، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه‏.‏

ثم أمر- سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس هذه الحقيقة: وهي أن محبة الله ورسوله يجب أن تفوق كل محبة لغيرهما فقال- تعالى-: قُلْ يا محمد لمن اتبعك من المؤمنين: إِنْ كانَ آباؤُكُمْ الذين أنتم بضعة منهم، وَأَبْناؤُكُمْ الذين هم قطعة منكم وَإِخْوانُكُمْ الذين تربطكم بهم وشيجة الرحم وَأَزْواجُكُمْ اللائي جعل الله بينكم وبينهن مودة ورحمة وَعَشِيرَتُكُمْ أى: أقاربكم الأدنون الذين تربطكم بهم رابطة المعاشرة والعصبة وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها أى: اكتسبتموها فهي عزيزة عليكم.

وأصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجر، والجلدة عن الجرح ثم استعير الاقتراف للاكتساب مطلقا:

وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها أى: تخافون بوارها وعدم رواجها بسبب اشتغالكم بغيرها من متطلبات الإيمان.

يقال: كسد الشيء من باب نصر وكرم. كسادا وكسودا، إذا قل رواجه وربحه.

وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أى: ومنازل تعجبكم الإقامة فيها.

قل لهم يا محمد: إن كان كل ذلك- من الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة، والأموال، والتجارة، والمساكن- أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ.

أى: إن كانت هذه الأشياء أحسن في نفوسكم وأقرب إلى قلوبكم من طاعة الله وطاعة رسوله ومن الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق، فانتظروا حتى يحكم الله فيكم، وهو العذاب العاجل أو العقاب الآجل.

فالجملة الكريمة تهديد وتخويف لمن آثر محبة الآباء والأبناء ... على محبة الله ورسوله، وعلى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الدين.

وقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تذييل قصد به تأكيد التهديد السابق أى:

والله- تعالى- قد اقتضت حكمته أن لا يوفق القوم الخارجين عن حدود دينه وشريعته إلى ما فيه مثوبته ورضاه.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى:

(1) تحريم موالاة الكافرين مهما بلغت درجة قرابتهم، واعتبار هذه الموالاة من الكبائر، لوصف فاعلها بالظلم: قال- تعالى-: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

(2) قوة إيمان الصحابة، وسرعة امتثالهم لأوامر الله، فإنهم في سبيل عقيدتهم قاطعوا أقرب الناس إليهم ممن خالفوهم في الدين، بل وحاربوهم وقتلوهم.

قال ابن كثير: روى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبى عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه. فلما أكثر الجراح، قصده ابنه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله فيه هذه الآية- التي بآخر سورة المجادلة- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ، أَوْ أَبْناءَهُمْ، أَوْ إِخْوانَهُمْ، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ، أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

(3) إن المؤمن لا يتم إيمانه إلا إذا كانت محبته لله ورسوله مقدمة على كل محبوب، وقد وردت عدة أحاديث في هذه المعنى، ومن ذلك ما أخرجه البخاري والإمام أحمد عن أبى عقيل

زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه» فقال عمر: فأنت والله أحب إلى من نفسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الآن يا عمر» .

(4) في الآية الثانية دليل على أنه إذا تعارضت مصلحة من مصالح الدين مع مهمات الدنيا، وجب ترجيح جانب الدين على الدنيا ليبقى الدين سليما، وهذا عمل لا يستطيعه إلا الأتقياء.. ولذا قال الإمام الزمخشري: وهذه آية شديدة لا ترى أشد منها. كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين. فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه، هل يجد عنده من التصلب في ذات الله والثبات على دينه، ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والإخوان والعشائر والمال والمساكن وجميع حظوظ الدنيا ويتجرد منها لأجله؟ أم يزوى الله عنه أحقر شيء منها لمصلحته، فلا يدرى أى طرفيه أطول؟ ويغويه الشيطان عن أجلّ حظ من حظوظ الدين، فلا يبالى كأنما وقع على أنفه ذباب فطيره؟ .

(5) قال بعض العلماء: وليس المطلوب. من قوله- تعالى- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ ... إلخ. أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة، ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة.. كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يفرغ لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة الحاكمة، وهي المحركة الدافعة. فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة، على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة.

ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع، وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الحياة؟ فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والإخوة والعشيرة والزوج.. ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن. ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق. في غير سرف ولا مخيلة.

بل إن المتاع حينئذ لمستحب، باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده. وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب.

ثم انتقلت السورة الكريمة من نهى المؤمنين عن موالاة المشركين مهما بلغت درجة قرابتهم، وعن إيثارهم محبة الآباء والأبناء على محبة الله.. انتقلت من ذلك إلى تذكيرهم بجانب من نعم الله عليهم. حيث نصرهم- سبحانه- في حنين بعد أن ولوا مدبرين دون أن تنفعهم كثرتهم وقوتهم فقال- تعالى-:

ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله وعلى رسوله وجهاد في سبيله ، فقال : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها ) أي : اكتسبتموها وحصلتموها ( وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها ) أي : تحبونها لطيبها وحسنها ، أي : إن كانت هذه الأشياء ( أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ) أي : فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم ؛ ولهذا قال : ( حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )

وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة عن زهرة بن معبد ، عن جده قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال : والله لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه . فقال عمر : فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي . فقال رسول الله : الآن يا عمر .

انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه عن يحيى بن سليمان ، عن ابن وهب ، عن حيوة بن شريح ، عن أبي عقيل زهرة بن معبد ، أنه سمع جده عبد الله بن هشام ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا .

وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين .

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود - واللفظ له - من حديث أبي عبد الرحمن الخراساني ، عن عطاء الخراساني ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم بأذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم .

وروى الإمام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون ، عن أبي جناب ، عن شهر بن حوشب أنه سمع عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو ذلك ، وهذا شاهد للذي قبله ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)

قال أبو جعفر: يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) يا محمد، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم = وكانت (أموال اقترفتموها)، يقول: اكتسبتموها (13) =(وتجارة تخشون كسادها)، بفراقكم بلدَكم =(ومساكن ترضونها)، فسكنتموها =(أحب إليكم)، من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك = ومن جهاد في سبيله, يعني: في نصرة دين الله الذي ارتضاه (14) =(فتربصوا)، يقول: فتنظّروا (15) =(حتى يأتي الله بأمره)، حتى يأتي الله بفتح مكة =(والله لا يهدي القوم الفاسقين)، يقول: والله لا يوفّق للخير الخارِجين عن طاعته وفي معصيته. (16)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16569- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (حتى يأتي الله بأمره)، بالفتح.

16570- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)، فتح مكة.

16571- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها)، يقول: تخشون أن تكسد فتبيعوها =(ومساكن ترضونها)، قال: هي القصور والمنازل.

16572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وأموال اقترفتموها)، يقول: أصبتموها.

-----------------------

الهوامش :

(13) انظر تفسير " الاقتراف " فيما سلف 12 : 76 : 173 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(14) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف من : 173 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .

= وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .

(15) انظر تفسير " التربص " فيما سلف 9 ؛ 323 : تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(16) انظر تفسير " الهدى " فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .

= وتفسير " الفسق " فيما سلف من فهارس اللغة ( فسق )

التدبر :

وقفة
[24] هذه الآية أشد آية نَعَتْ على الناس، ما لا يكاد يتخلص منه إلا من تداركه الله سبحانه بلطفه.
وقفة
[24] هذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلامة ذلك: أنه إذا عرض عليه أمران: أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قَدَّم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله دل ذلك على أنه ظالم تارك لما يجب عليه.
وقفة
[24] ليس على المرء جناح أن يحب قرابته، ولا مالًا اكتسبه، ولا مسكنًا رضيه، لكن الجناح أن يُقدِّم حب شيء من ذلك أو خشية فقده على أمر الله، فإن ذلك برهان طغيان في حب ما قَدّم وتجاوزٍ للحد فيه، في مقابل تقصير في حب الله وما يقتضيه من تقديم أمره.
وقفة
[24] دلت الآية على أن من دلائل الفسق تقديم المرء ما يهواه على ما يحبه الله ويرضاه، فمتى عرض لك أمران أحدهما أحب إلى الله ورسوله وأرضى، فقدمه على غيره، ولن يضرك بعد حب غيره، والمهم أن تعلم أن بين المرء وبين الفسق أن يقدم هواه.
وقفة
[24] ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ الآيةُ دليلٌ على وجوبِ محبَّةِ اللهِ ورسولِه ﷺ، وعلى تقديمِها على محبّة كلِّ شيءٍ.
عمل
[24] ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ راجع حسابات قلبك.
وقفة
[24] ﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ خَصَّ الأموال المُقتَرَفة أي المكتسبة بالذِّكر؛ لأنها أحب إلى أهلها، وصاحبها أشَدُّ حِرصًا عليها ممَّن تأتيه الأموال بغَير تعبٍ ولا كد من میراث وغيره.
وقفة
[24] ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ خص الجهاد بالذكر من عموم ما يحبه الله منهم تنويهًا بشأنه، ولأن ما فيه من الخطر على النفوس، ومن إنفاق الأموال ومفارقة الإلف، جعله أقوى مظنة للتقاعس عنه، لا سيما والسورة نزلت عقب غزوة تبوك التي تخلف عنها كثير من المنافقين وبعض المسلمين.
وقفة
[24] ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ أفاد التعبير بكلمة (أحب) التنافس بين المحبتين مما يقتضي إرضاء أعظم المحبوبين، وفيه تحذير من التهاون في واجبات الدين، وتنبيه على ما يؤول إليه في النهاية، وهو الفسق، وفيه تهديد مباشر.
تفاعل
[24] قل: «اللهم اجعل ما رزقتني من نعم ظاهرة وباطنة سببًا لرضاك والقرب منك، ولا تشغلني بها عن محبتك».
عمل
[24] حدد شيئًا شغلك عن محبة الله، ثم اسع في تخفيف محبتك له.
وقفة
[24] ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ﴾ تهدید نبوي، فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَمْ يَغْزُ أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ أَصَابَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [أبو داود 2503، وحسنه الألباني].
وقفة
[24] ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ ما حكم محبة الله؟ والجواب: واجبة، قال ابن رجب: «دلَّت هذه الآية على أنَّ محبَّة الله تعالى فَرْضٌ على العباد؛ لأنَّه سبحانه توعَّد من قدَّم محبَّة غيره على مَحبَّتِه ومحبة رسوله، والوعيد لا يقع إلَّا على فرض لازم، وحتم واجب».
وقفة
[24] ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ وعيد لمن آثر أهله، أو ماله، أو مسكنه على الهجرة والجهاد.
وقفة
[24] ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ تهديد بأن كل من آثر غير الله على الله قد تَحَقَّقَ فسقه.
وقفة
[24] ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ قال النسفي: «والآية تنعي على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين؛ إذ لا تجد عند أورع الناس ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والأموال والحظوظ».
وقفة
[24] ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ قال الإمام البيضاوي منبهًا على خطورة هذه الآية: «وفي الآية تشديدٌ عظيمٌ وقلَّ من يتخلص منه».
تفاعل
[24] ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الفاسقين.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين. والفاعل:ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. أي قل يا محمد للمؤمنين.
  • ﴿ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ:
  • إن: حرف شرط جازم. وإن مع شرطها وجزائها في محل نصب مفعول به- مقول القول- كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بإن. آباء: اسم «كانَ» مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ:
  • الجمل معطوفة بواوات العطف على «آباؤُكُمْ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها:
  • وأموال معطوفة بالواو على «آباؤُكُمْ» وتعرب إعرابها. اقترفتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. والميم علامة جمع الذكور والواو لاشباع الميم ولمعرفة أنّ الميم للجمع. و «ها»:ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة «اقْتَرَفْتُمُوها» في محل رفع صفة- نعت- لأموال بمعنى إكتسبتموها.
  • ﴿ وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها:
  • وتجارة: معطوفة بالواو: على «أَمْوالٌ» وتعرب إعرابها. تخشون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. كساد: مفعول به منصوب بالفتحة. و «ها»:ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة. «تَخْشَوْنَ كَسادَها» في محل رفع صفة لتجارة.
  • ﴿ وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها:
  • معطوفة بالواو: على «تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ» وتعرب اعرابها و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به
  • ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ:
  • خبر «كانَ» منصوب بالفتحة. ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على صيغة «أفعل» «التفضيل». اليكم: جار ومجرور متعلق بأحب والميم للجمع.
  • ﴿ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بأحب. ورسوله: الواو: عاطفة. رسول معطوف على لفظ الجلالة. مجرور بمن أيضا وعلامة جره الكسرة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. الواو: عاطفة. جهاد: تعرب اعراب «رسول» أي ومن جهاد. في سبيله: جار ومجرور متعلق بجهاد. والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَتَرَبَّصُوا:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط. تربّصوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأنّ مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة: جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. والمعنى فانتظروا.
  • ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ:
  • حتى حرف غاية وجر. بمعنى «إلى أن» يأتي:فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حَتَّى» وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة. بأمره: جار ومجرور متعلق بيأتي. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بتربصوا وجملة. «يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة:مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة. المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الله سبحانه. والقوم: مفعول به منصوب بالفتحة.الفاسقين: صفة- نعت- للقوم منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. والجملة الفعلية «لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» في محل رفع خبر المبتدأ. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكم وإخْوانَكم أوْلِياءَ﴾ قالَ الكَلْبِيُّ: لَمّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ جَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِأبِيهِ وأخِيهِ وامْرَأتِهِ: إنّا قَدْ أُمِرْنا بِالهِجْرَةِ. فَمِنهم مَن يُسْرِعُ إلى ذَلِكَ ويُعْجِبُهُ، ومِنهم مَن تَتَعَلَّقُ بِهِ زَوْجَتُهُ وعِيالُهُ ووَلَدُهُ ويَقُولُونَ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ أنْ تَدَعَنا إلى غَيْرِ شَيْءٍ فَنَضِيعَ. فَيَرِقُّ فَيَجْلِسُ مَعَهم ويَدَعُ الهِجْرَةَ. فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى يُعاتِبُهم: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ﴾ . ونَزَلَ في الَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِمَكَّةَ ولَمْ يُهاجِرُوا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إن كانَ آباؤُكم وأبْناؤُكُمْ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأمْرِهِ﴾ . يَعْنِي القِتالَ وفَتْحَ مَكَّةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     وبعد التحذير من ولايةِ الكافرينَ وإن كانُوا أُولِي قُربى؛ جاء هنا وجوبُ تقديمِ حبِّ اللهِ ورسولِه r والجهادِ على ثمانيةِ أشياء، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وعشيرتكم:
1- بغير ألف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- وعشيراتكم، بألف على الجمع، وهى قراءة أبى رجاء، وأبى عبد الرحمن، وأبى بكر عن عاصم.

مدارسة الآية : [25] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ ..

التفسير :

[25] لقد أنزل الله نَصْرَه عليكم في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله. ويوم غزوة «حنين» قلتم:لن نُغْلَبَ اليوم من قِلَّة، فغرَّتكم الكثرة فلم تنفعكم، وظهر عليكم العدو فلم تجدوا ملجأً في الأرض الواسعة ففررتم منهزمين.

يمتن تعالى على عباده المؤمنين، بنصره إياهم في مواطن كثيرة من مواطن اللقاء، ومواضع الحروب والهيجاء، حتى في يوم ‏{‏حنين‏}‏ الذي اشتدت عليهم فيه الأزمة، ورأوا من التخاذل والفرار، ما ضاقت عليهم به الأرض على رحبها وسعتها‏.‏

وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم‏:‏ لن نغلب اليوم من قلة‏.‏

فلما التقوا هم وهوازن، حملوا على المسلمين حملة واحدة، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد، ولم يبق مع رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا نحو مائة رجل، ثبتوا معه، وجعلوا يقاتلون المشركين، وجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يركض بغلته نحو المشركين ويقول‏:‏ (‏أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب‏)‏ ولما رأى من المسلمين ما رأى، أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار وبقية المسلمين، وكان رفيع الصوت، فناداهم‏:‏ يا أصحاب السمرة، يا أهل سورة البقرة‏.‏

فلما سمعوا صوته، عطفوا عطفة رجل واحد، فاجتلدوا مع المشركين، فهزم اللّه المشركين، هزيمة شنيعة، واستولوا على معسكرهم ونسائهم وأموالهم‏.‏

وذلك قوله تعالى ‏{‏لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ‏}‏ وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف‏.‏

‏{‏إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا‏}‏ أي‏:‏ لم تفدكم شيئا، قليلًا ولا كثيرًا ‏{‏وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ‏}‏ بما أصابكم من الهم والغم حين انهزمتم ‏{‏بِمَا رَحُبَتْ‏}‏ أي‏:‏ على رحبها وسعتها، ‏{‏ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ‏}‏ أي‏:‏ منهزمين‏.‏

قال ابن كثير. هذه أول آية نزلت من براءة يذكر- تعالى- المؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وأن ذلك من عنده- تعالى-: وبتأييده وتقديره لا بعددهم ولا بعددهم، ونبههم إلى أن النصر من عنده سواء قل الجمع أم كثر، فإنهم يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا فولوا مدبرين إلا القليل منهم ... ثم أنزل الله نصره على رسوله والمؤمنين.

وقد كانت واقعة حنين بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة: وذلك أنه لما فرغ صلى الله عليه وسلم من فتح مكة، وتمهدت أمورها، وأسلم عامة أهلها، وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن هوازن جمعوا له ليقاتلوه، ومعهم ثقيف بكمالها وبنو سعد بن بكر.

فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي جاء للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب، ومعه الذين أسلموا من أهل مكة وهم الطلقاء في ألفين.

فسار بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العدو، فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له حنين، فكانت فيه الموقعة في أول النهار في غلس الصبح.

انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن، فلما تواجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد بادروهم، ورشقوا بالنبال، وأصلتوا السيوف، وحملوا حملة رجل واحد.. فعند ذلك ولى المسلمون الأدبار، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت معه من أصحابه قريب من مائة.

ثم أمر صلى الله عليه وسلم عمه العباس- وكان جهير الصوت- أن ينادى بأعلى صوته يا أصحاب الشجرة- أى شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون تحتها على أن لا يفروا عنه- فجعل ينادى بهم.. فجعلوا يقولون: لبيك لبيك.

وانعطف الناس فتراجعوا.. فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدقوا الحملة، وأخذ قبضة من تراب ثم رمى بها القوم، فما بقي إنسان منهم إلا أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال، ثم انهزموا فاتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون، وما تراجع بقية الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هذه خلاصة لغزوة حنين التي اجتمع فيها للمسلمين- للمرة الأولى- جيش تعداده اثنا عشر ألفا، فلما أعجبتهم هذه الكثرة والقوة.. أصيبوا بالهزيمة في أول معركة.. ليعلموا أن كثرتهم لن تغنى عنهم شيئا إذا لم يكن عون الله معهم.

فقوله- تعالى-: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً تذكير للمؤمنين ببعض نعم الله عليهم حتى يداوموا على طاعته ومحبته. وحتى لا يغتروا بقوتهم مهما كثرت.

والمواطن: جمع موطن. وهو المكان الذي يقيم فيه الإنسان. يقال: استوطن فلان بمكان كذا، إذا جعله وطنا له.

والمراد بالمواطن هنا: الأماكن التي حدثت فيها الحروب بين المسلمين وأعدائهم.

قال الآلوسى: وقوله: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ معطوف على محل مواطن وعطف ظرف الزمان على ظرف المكان وعكسه جائز.. وأوجب الزمخشري كون يَوْمَ منصوبا بفعل مضمر والعطف من قبيل عطف الجملة على الجملة.

أى: «ونصركم يوم حنين..» .

وقوله: إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ بدل من يوم حنين، أو عطف بيان له.

وأعجبتكم: من الإعجاب بمعنى السرور بما يتعجب منه. وسبب هذا الإعجاب أن عدد المسلمين كان اثنا عشر ألفا، وعدد أعدائهم كان أربعة آلاف.

وقوله: فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً بيان للأثر السيئ الذي أعقب الإعجاب بالكثرة، وأن سرورهم بهذه الكثرة لم يدم طويلا، بل تبعه الحزن والهزيمة.

وقوله: تُغْنِ من الغناء بمعنى النفع. تقول: ما يغنى عنك هذا الشيء، أى:

ما يجزئ عنك وما ينفعك وقوله: وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ بيان لشدة خوفهم وفزعهم.

قال القرطبي: والرحب- بضم الراء- السعة. تقول منه: فلان رحب الصدر.

والرحب- بالفتح- الواسع. تقول منه: بلد رحب وأرض رحبة.

وقيل: الباء بمعنى مع، أى: وضاقت عليكم الأرض مع رحبها. وقيل بمعنى على. أى:

على رحبها. وقيل المعنى برحبها فتكون «ما» مصدرية .

والمعنى: اذكروا- أيها المؤمنون- نعم الله عليكم، وحافظوا عليها بالشكر وحسن الطاعة، ومن مظاهر هذه النعم أنه- سبحانه- قد نصركم على أعدائكم مع قلتكم. في مواقف حروب كثيرة كغزوة بدر، وغزوة بنى قينقاع والنضير ... كما نصركم. أيضا. في يوم غزوة حنين، وهو اليوم الذي راقتكم فيه كثرتكم فاعتمدتم عليها حتى قال بعضكم: لن نغلب اليوم من قلة ...

ولكن هذه الكثرة التي أعجبتم بها لم تنفعكم شيئا من النفع في أمر العدو بل انهزمتم أمامه في أول الأمر، وضاقت في وجوهكم الأرض مع رحابتها وسعتها بسبب شدة خوفكم، فكنتم كما قال الشاعر:

كأن بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المطلوب كفّة حابل

وقوله: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ تذييل مؤكد لما قبله وهو شدة خوفهم.

ووليتم: من التولي بمعنى الإعراض. ومدبرين: من الإدبار بمعنى الذهاب إلى الخلف.

أى: ثم وليتم الكفار ظهوركم منهزمين لا تلوون على شيء.

وهكذا، نرى الآية الكريمة تصور ما حدث من المؤمنين في غزوة حنين تصويرا بديعا معجزا.. فهي تنتقل من تصوير سرورهم بالكثرة، إلى تصوير عدم نفعهم بهذه الكثرة، إلى تصوير شدة خوفهم حتى لكأن الأرض على سعتها تضيق بهم، وتقفل في وجوههم، إلى تصوير حركاتهم الحسية المتمثلة في تولية الأدبار، والنكوص على الأعقاب.

قال ابن جريج ، عن مجاهد : هذه أول آية نزلت من [ سورة ] " براءة " .

يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله وأن ذلك من عنده تعالى ، وبتأييده وتقديره ، لا بعددهم ولا بعددهم ، ونبههم على أن النصر من عنده ، سواء قل الجمع أو كثر ، فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ، ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا فولوا مدبرين إلا القليل منهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم أنزل [ الله ] نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ، كما سنبينه إن شاء الله تعالى مفصلا ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده وبإمداده وإن قل الجمع ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، سمعت يونس يحدث عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة آلاف ، ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة .

وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي ثم قال : هذا حديث حسن غريب ، لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم ، وإنما روي عن الزهري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا .

وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره ، عن أكثم بن الجون ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحوه ، والله أعلم .

وقد كانت وقعة " حنين " بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة ، وذلك لما فرغ عليه السلام من فتح مكة ، وتمهدت أمورها ، وأسلم عامة أهلها ، وأطلقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغه أن هوازن جمعوا له ليقاتلوه ، وأن أميرهم مالك بن عوف النضري ، ومعه ثقيف بكمالها ، وبنو جشم وبنو سعد بن بكر ، وأوزاع من بني هلال ، وهم قليل ، وناس من بني عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر ، وقد أقبلوا معهم النساء والولدان والشاء والنعم ، وجاءوا بقضهم وقضيضهم فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جيشه الذي جاء معه للفتح ، وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب ، ومعه الذين أسلموا من أهل مكة ، وهم الطلقاء في ألفين أيضا ، فسار بهم إلى العدو ، فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له " حنين " ، فكانت فيه الوقعة في أول النهار في غلس الصبح ، انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن ، فلما تواجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد ثاوروهم ورشقوا بالنبال ، وأصلتوا السيوف ، وحملوا حملة رجل واحد ، كما أمرهم ملكهم . فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين ، كما قال الله - عز وجل - وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو ، والعباس عمه آخذ بركابها الأيمن ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر ، يثقلانها لئلا تسرع السير ، وهو ينوه باسمه - عليه الصلاة والسلام - ويدعو المسلمين إلى الرجعة [ ويقول ] أين يا عباد الله ؟ إلي أنا رسول الله ، ويقول في تلك الحال :

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ، ومنهم من قال : ثمانون ، فمنهم : أبو بكر ، وعمر - رضي الله عنهما - والعباس وعلي ، والفضل بن عباس ، وأبو سفيان بن الحارث ، وأيمن بن أم أيمن ، وأسامة بن زيد ، وغيرهم - رضي الله عنهم - ثم أمر - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس - وكان جهير الصوت - أن ينادي بأعلى صوته : يا أصحاب الشجرة - يعني شجرة بيعة الرضوان ، التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها ، على ألا يفروا عنه - فجعل ينادي بهم : يا أصحاب السمرة ويقول تارة : يا أصحاب سورة البقرة ، فجعلوا يقولون : يا لبيك ، يا لبيك ، وانعطف الناس فجعلوا يتراجعون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إن الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع ، لبس درعه ، ثم انحدر عنه ، وأرسله ، ورجع بنفسه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما رجعت شرذمة منهم ، أمرهم عليه السلام أن يصدقوا الحملة ، وأخذ قبضة من التراب بعدما دعا ربه واستنصره ، وقال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ثم رمى القوم بها ، فما بقي إنسان منهم إلا أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال ، ثم انهزموا ، فاتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون ، وما تراجع بقية الناس إلا والأسارى مجدلة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن يسار أبي همام ، عن أبي عبد الرحمن الفهري - واسمه يزيد بن أسيد ، ويقال : يزيد بن أنيس ، ويقال : كرز - قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين ، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ، فنزلنا تحت ظلال الشجر ، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي ، فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في فسطاطه ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ، حان الرواح ؟ فقال : أجل . فقال : يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر ، فقال : لبيك وسعديك ، وأنا فداؤك فقال : أسرج لي فرسي . فأخرج سرجا دفتاه من ليف ، ليس فيهما أشر ولا بطر .

قال : فأسرج ، فركب وركبنا ، فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ، فتشامت الخيلان ، فولى المسلمون مدبرين ، كما قال الله - عز وجل - : ( ثم وليتم مدبرين ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عباد الله ، أنا عبد الله ورسوله ، ثم قال : يا معشر المهاجرين ، أنا عبد الله ورسوله . قال : ثم اقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرسه فأخذ كفا من تراب ، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني : أنه ضرب به وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه . فهزمهم الله - عز وجل - . قال يعلى بن عطاء : فحدثني أبناؤهم ، عن آبائهم ، أنهم قالوا : لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا ، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض ، كإمرار الحديد على الطست الجديد .

وهكذا رواه الحافظ البيهقي في " دلائل النبوة " من حديث أبي داود الطيالسي ، عن حماد بن سلمة به .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر عن عبد الله قال : فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين ، فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ، فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه ، وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل ، فاشتدت عليهم ، وانكفأ الناس منهزمين ، لا يقبل أحد عن أحد ، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين يقول : أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله فلا شيء ، وركبت الإبل بعضها بعضا فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس قال : يا عباس ، اصرخ : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة . فأجابوه : لبيك ، لبيك ، فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره ، فلا يقدر على ذلك ، فيقذف درعه في عنقه ، ويأخذ سيفه وقوسه ، ثم يؤم الصوت ، حتى اجتمع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم مائة ، فاستعرض الناس فاقتتلوا ، وكانت الدعوة أول ما كانت بالأنصار ، ثم جعلت آخرا بالخزرج وكانوا صبراء عند الحرب ، وأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم ، فقال : الآن حمي الوطيس : قال : فوالله ما راجعه الناس إلا والأسارى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملقون ، فقتل الله منهم من قتل ، وانهزم منهم من انهزم ، وأفاء الله على رسوله أموالهم وأبناءهم .

وفي الصحيحين من حديث شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - أنه قال له رجل : يا أبا عمارة ، أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، فقال : لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر ، إن هوازن كانوا قوما رماة ، فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا ، فأقبل الناس على الغنائم ، فاستقبلونا بالسهام ، فانهزم الناس ، فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء ، وهو يقول :

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

قلت : وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة ، إنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغى ، وقد انكشف عنه جيشه ، هو مع ذلك على بغلة وليست سريعة الجري ، ولا تصلح لكر ولا لفر ولا لهرب ، وهو مع هذا أيضا يركضها إلى وجوههم وينوه باسمه ليعرفه من لم يعرفه ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، وما هذا كله إلا ثقة بالله ، وتوكلا عليه ، وعلما منه بأنه سينصره ، ويتم ما أرسله به ، ويظهر دينه على سائر الأديان ؛

القول في تأويل قوله : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (لقد نصركم الله)، أيها المؤمنون = في أماكن حرب توطِّنون فيها أنفسكم على لقاء عدوّكم، ومشاهد تلتقون فيها أنتم وهم كثيرة =(ويوم حنين)، يقول: وفي يوم حنين أيضًا قد نصركم.

* * *

و (حنين) وادٍ، فيما ذكر، بين مكة والطائف. وأجرِيَ، لأنه مذكر اسم لمذكر. وقد يترك إجراؤه، ويراد به أن يجعل اسمًا للبلدة التي هو بها, (17) ومنه قول الشاعر: (18)

نَصَـــرُوا نَبِيَّهُــمْ وَشَــدُّوا أَزْرَهُ

بِحُــنَيْنَ يَــوْمَ تَــوَاكُلِ الأَبْطَـالِ (19)

16573- حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة, عن عروة قال: " حُنَين "، واد إلى جنب ذي المجاز. (20)

* * *

(إذ أعجبتكم كثرتكم)، وكانوا ذلك اليوم، فيما ذكر لنا، اثنى عشر ألفًا.

* * *

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم: لن نغلب من قِلَّة.

* * *

وقيل: قال ذلك رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

وهو قول الله: (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا)، يقول: فلم تغن عنكم كثرتكم شيئا (21) =(وضاقت عليكم الأرض بما رحبت)، يقول: وضاقت الأرض بسعتها عليكم.

* * *

و " الباء " ههنا في معنى " في", ومعناه: وضاقت عليكم الأرض في رحبها، وبرحبها. (22)

* * *

يقال منه: " مكان رحيب "، أي واسع. وإنما سميت الرِّحاب " رحابًا " لسَعَتَها.

* * *

=(ثم وليتم مدبرين)، عن عدوكم منهزمين = " مدبرين ", يقول: وليتموهم، الأدبار, وذلك الهزيمة. يخبرهم تبارك وتعالى أن النصر بيده ومن عنده, وأنه ليس بكثرة العدد وشدة البطش, وأنه ينصر القليلَ على الكثير إذا شاء، ويخلِّي الكثيرَ والقليلَ، فَيهْزِم الكثيرُ. (23)

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16574- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين)، حتى بلغ: وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ، قال: " حنين "، ماء بين مكة والطائف، قاتل عليها نبيُّ الله هوازن وثقيفَ, وعلى هوازن: مالك بن عوف أخو بني نصر, وعلى ثقيف: عبد ياليل بن عمرو الثقفيّ. قال: وذُكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفًا: عشرة آلافٍ من المهاجرين والأنصار, وألفان من الطُّلقَاء, وذكر لنا أنَّ رجلا قال يومئذٍ: " لن نغلب اليوم بكَثْرة " ! قال: وذكر لنا أن الطُّلقَاء انجفَلوا يومئذ بالناس, (24) وجلَوْا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى نـزل عن بغلته الشهباء. وذكر لنا أن نبيَّ الله قال: " أي رب، آتني ما وعدتني" ! قال: والعباسُ آخذ بلجام بغلةِ رسول الله, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ناد يا معشر الأنصار، ويا معشر المهاجرين!"، فجعل ينادي الأنصار فَخِذًا فخِذًا, ثم قال: " نادِ بأصحاب سورة البقرة !". (25) قال: فجاء الناس عُنُقًا واحدًا. (26) فالتفت نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم, وإذا عصابة من الأنصار, فقال: هل معكم غيركم؟ فقالوا: يا نبي الله, والله لو عمدت إلى بَرْك الغِمادِ من ذي يَمَنٍ لكنَّا مَعَك، (27) ثم أنـزل الله نصره, وهزَمَ عدوّهم, وتراجع المسلمون. قال: وأخذ رسول الله كفًّا من تراب = أو: قبضةً من حَصْباء = فرمى بها وجوه الكفار, وقال: " شاهت الوجوه!"، فانهزموا. فلما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم, وأتى الجعرَّانة, فقسم بها مغانم حنين, وتألَّف أناسًا من الناس، فيهم أبو سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس, فقالت الأنصار: " أمن الرجل وآثر قومه " ! (28) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قُبَّة له من أَدَم, فقال: " يا معشر الأنصار, ما هذا الذي بلغني؟ ألم تكونوا ضُلالا فهداكم الله, وكنتم أذلَّةً فأعزكم الله، وكنتم وكنتم!" قال: فقال سعد بن عبادة رحمه الله: ائذن لي فأتكلم ! قال: تكلم. قال: أما قولك: " كنتم ضلالا فهداكم الله "، فكنا كذلك = " وكنتم أذلة فأعزكم الله ", فقد علمت العربُ ما كان حيٌّ من أحياء العرب أمنعَ لما وراء ظهورهم منَّا! فقال عمر: يا سعد أتدري من تُكلِّم! فقال: نعم أكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو سلكَتِ الأنصارُ واديًا والناس واديًا لسكت وادي الأنصار, ولولا الهجرةُ لكنت امرءًا من الأنصار. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " الأنصار كَرِشي وَعَيْبتي, فاقبلوا من مُحِسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ". (29) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الأنصار، أما ترضون أن ينقلب الناس بالإبل والشاء, وتنقلبون برسولِ الله إلى بيوتكم! فقالت الأنصار: رضينا عن الله ورسوله, والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ورسوله يصدِّقانكم ويعذِرَانكم " (30) .

16575- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أن أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته أو ظِئْره من بني سعد بن بكر، أتته فسألته سَبَايا يوم حنين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أملكهم، وإنما لي منهم نصيبي, ولكن ائتيني غدًا فسلِيني والناس عندي، فإني إذا أعطيتُك نصيبي أعطاك الناس. فجاءت الغد، فبسط لها ثوبًا, فقعدت عليه, ثم سألته, فأعطاها نصيبه. فلما رأى ذلك الناس أعطوْها أنصباءهم.

16576- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة)، الآية: أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال: يا رسول الله، لن نغلب اليوم من قِلّة ! وأعجبته كثرة الناس, وكانوا اثني عشر ألفًا. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوُكِلوا إلى كلمة الرجل, فانهزموا عن رسول الله, غير العباس، وأبي سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن, قتل يومئذ بين يديه. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الأنصار؟ أين الذين بايعوا تحت الشجرة ؟ فتراجع الناس, فأنـزل الله الملائكة بالنصر, فهزموا المشركين يومئذٍ, وذلك قوله: ثُمَّ أَنْـزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْـزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ، الآية.

16577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري, عن كثير بن عباس بن عبد المطلب, عن أبيه قال: لما كان يوم حنين، التقى المسلمون والمشركون, فولّى المسلمون يومئذٍ. قال: فلقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وما معه أحدٌ إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب, آخذًا بغَرْزِ النبي صلى الله عليه وسلم, لا يألو ما أسرع نحو المشركين. (31) قال: فأتيت حتى أخذتُ بلجامه، وهو على بغلةٍ له شهباء, فقال: يا عباس. ناد أصحابَ السمرة! وكنت رجلا صَيِّتًا, (32) فأذَّنت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة! فالتفتوا كأنها الإبل إذا حُشِرت إلى أولادها, (33) يقولون: " يا لبيك، يا لبَّيك، يا لبيك "، وأقبل المشركون. فالتقوا هم والمسلمون, وتنادت الأنصار: " يا معشر الأنصار " ، ثم قُصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج, فتنادوا: " يا بني الحارث بن الخزرج "، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاوِل، إلى قتالهم فقال: " هذا حين حَمِي الوَطِيس "! (34) ثم أخذ بيده من الحصباء فرماهم بها, ثم قال: " انهزموا وربِّ الكعبة ، انهزموا ورب الكعبة!" قال: فوالله ما زال أمرُهم مدبرًا، وحدُّهم كليلا حتى هزمهم الله، قال: فلكأنّي أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يركُضُ خلفهم على بَغْلَتِه. (35)

16578- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب: أنهم أصابوا يومئذٍ ستة آلاف سَبْيٍ, ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك, فقالوا: يا رسول الله: أنت خيرُ الناس, وأبرُّ الناس, وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالَنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن عندي من ترونَ! وإن خير القولِ أصدقُه, اختاروا: إما ذَراريكم ونساءكم، وإمّا أموالكم. قالوا: ما كنا نعدِل بالأحساب شيئًا! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن هؤلاء جاءوني مسلمين, وإنا خيَّرناهم بين الذَّراريّ والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئًا, فمن كان بيده منهم شيء فطابت نفسُه أن يردَّه فليفعل ذلك, ومن لا فليُعْطِنا, وليكن قَرْضًا علينا حتى نصيب شيئًا، فنعطيه مكانه. فقالوا: يا نبي الله، رضينا وسلَّمنا! فقال: " إني لا أدري لعلَّ منكم من لا يرضَى, فَمُروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا. فرفعتْ إليه العُرَفاء أن قد رضوا وسلموا. (36)

16579- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، حدثنا يعلى بن عطاء, عن أبي همام, عن أبي عبد الرحمن = يعني الفهريّ = قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، فلما رَكَدت الشمس، (37) لبستُ لأمَتي، (38) وركبت فرسي, حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظِلّ شجرة, فقلت: يا رسول الله، قد حان الرَّواح, فقال: أجل! فنادى: " يا بِلال! يا بلال!" فقام بلال من تحت سمرة, فأقبل كأن ظله ظلُّ طير, فقال: لبيك وسعديك, ونفسي فداؤك، يا رسول الله ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسرج فرسي! فأخرج سَرْجًا دَفَّتَاه حشْوهما ليفٌ, ليس فيهما أَشَرٌ ولا بَطَرٌ (39) قال: فركب النبي صلى الله عليه وسلم, فصافَفْناهم يومَنا وليلتنا، فلما التقى الخيلان ولَّى المسلمون مدبرين, كما قال الله. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عباد الله, يا معشر المهاجرين!". قال: ومال النبي صلى الله عليه وسلم عن فرسه, فأخذ حَفْنَةً من تراب فرمى بها وجوههم, فولوا مدبرين = قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي مِنَّا أحد إلا وقد امتلأت عيناه من ذلك التراب. (40)

16580- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل من قيس: فَرَرتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: لكن رسول الله لم يفرَّ, وكانت هَوازن يومئذ رُماةً, وإنَّا لما حملنا عليهم انكشَفُوا فأكبَبْنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسِّهام, ولقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذٌ بلجامها وهو يقول:

أَنَــــا النَّبِــــيُّ لا كَــــذِبْ

أَنَـــا ابْـــنُ عبــدِ المُطَّلِــبْ (41)

16581- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن البراء قال: سأله رجل: يا أبا عُمارة, وليتم يوم حنين؟ فقال البراء وأنا أسمع: أشهد أن رسول الله لم يولِّ يومئذ دُبُره, وأبو سفيان يقود بغلته. فلما غشيه المشركون نـزل فجعل يقول:

أَنَــــا النَّبِــــيُّ لا كَــــذِبْ

أَنَـــا ابْـــنُ عبــدِ المُطَّلِــبْ

فما رُؤي يومئذ أحد من الناس كان أشدَّ منه.

16582- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني جعفر بن سليمان, عن عوف الأعرابي, عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال، حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحابَ محمد عليه السلام، لم يقفوا لنا حَلَبَ شاةٍ أن كشفناهم، فبينا نحن نسوقهم, إذ انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء, فتلقانا رجالٌ بيضٌ حسانُ الوجوه, فقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا " ! فرجعنا, وركبنا القوم، فكانت إياها. (42)

16583- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: أمدَّ الله نبيه صلى الله عليه وسلم يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين. قال: ويومئذ سمَّى الله الأنصار " مؤمنين ". قال: (فأنـزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين وأنـزل جنودا لم يَروها).

16584- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا)، قال: كانوا اثني عشر ألفًا.

16585- حدثنا محمد بن يزيد الأدَميّ قال، حدثنا معن بن عيسى, عن سعيد بن السائب الطائفي, عن أبيه, عن يزيد بن عامر قال: لما كانت انكشافةُ المسلمين حين انكشفوا يوم حنين, ضَرَب النبي صلى الله عليه وسلم يَده إلى الأرض, فأخذ منها قبضة من تراب, فأقبل بها على المشركين وهم يتْبعون المسلمين, فحثَاها في وجوهم وقال: " ارجعوا: شاهت الوجوه!". قال: فانصرفنا، ما يلقى أحدٌ أحدًا إلا وهو يمسَحُ القَذَى عن عينيه. (43)

16586- وبه، عن يزيد بن عامر السُّوائي قال: قيل له: يا أبا حاجز, الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين، ماذا وجدتم؟ قال: وكان أبو حاجز مع المشركين يوم حنين, فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطَّستِ فيطنُّ, ثم يقول: كان في أجوافِنَا مثل هذا! (44)

16587- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثني المعتمر بن سليمان, عن عوف قال، سمعت عبد الرحمن مولى أم برثن = أو: أم برثم = قال، حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين, قال: لما التقينا نحن وأصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين, لم يقوموا لنا حَلَب شاة. قال: فلما كشفناهم جعلنا نسُوقهم في أدبارهم, حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء, فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فتلقانا عندَه رجالٌ بيضٌ حسانُ الوجوه فقالوا لنا: " شاهت الوجوه، ارجعوا !"، قال: فانهزمنا، وركِبُوا أكتافنا, فكانت إيَّاهَا. (45)

-----------------------

الهوامش :

(17) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 429 .

(18) هو حسان بن ثابت .

(19) ديوانه : 334 ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 429 ، واللسان ( حنن ) ، وسيأتي في التفسير 16 : 111 ( بولاق ) ، وهو بيت مفرد .

وقوله : " تواكل الأبطال " ، من قولهم : " تواكل القوم " ، إذا اتكل بعضهم على بعض ، ولم يعفه في مأزق الحرب . وفي الحديث أنه نهى عن المواكلة ، وهو : أن يكل كل امرئ صاحبه إلى نفسه ، فلا يعينه فيما ينويه ، وهو مفض إلى الضعف والتقاطع وفساد الأمور ، أعاذنا الله من كل ذلك .

(20) الأثر : 16572 - هو جزء من كتاب عروة ، إلى عبد الملك بن مروان ، الذي خرجته فيما سلف رقم : 16083 ، ورواه الطبري في تاريخه ، في أثناء خبر طويل 2 : 125 .

(21) انظر تفسير " أغنى " فيما سلف : 13 : 445 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(22) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 430 .

(23) في المطبوعة : " ويخلي القليل فيهزم الكثير " ؛ حذف بسوء رأيه فأفسد الكلام . وإنما أراد أن الله يخلي بين الكثير والقليل فلا ينصر القليل ، فيهزم الكثير القليل ، على ما جرت به العادة من غلبة الكثير على القليل .

(24) " انجفل القوم عن رئيسهم " ، ذعروا ، فانقلعوا من حوله ، ففروا مسرعين .

(25) في المطبوعة : " ثم نادى بأصحاب سورة البقرة " ، غير ما في المخطوطة عبثا .

(26) قوله : " عنقا واحدا " ، أي : جملة واحدة . ويقال : " جاء القوم عنقا عنقا " ، أي : طائفة طائفة . ويقال : " هم عليه عنق " ، أي : هم عليه إلب واحد .

(27) انظر ما سلف في تفسير " برك الغماد " رقم : 15720 .

(28) في المطبوعة : " حن الرجل إلى قومه " ، غير ما في المخطوطة بلا ورع .

(29) " الكرش " ، وعاء الطيب ، و " العيبة " وعاء من أدم يكون فيه المتاع والثياب .

يقول : الأنصار خاصتي وموضع سري ، أثق بهم ، وأعتمد عليهم ، وهم أنفس ما أحرز .

(30) الأثر : 16574 - رواه ابن سعد مختصرا في الطبقات 4 / 1 / 11 ، 12 .

(31) " الغرز " ، ركاب الدابة . و " لا يألو " لا يقصر .

(32) " الصيت " ( على وزن جيد ) : البعيد الصوت العاليه .

(33) في المطبوعة : " إذا حنت إلى أولادها " ، غير ما في المخطوطة ، و " الحشر " ، الجمع .

وفي المراجع الأخرى : " لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها " . والذي في طبقات ابن سعد ، موافق لما في المطبوعة .

(34) " الوطيس " : حفرة تحتفر ، فتوقد فيها النار ، فإذا حميت يختبز فيها ويشوى ، ويقال لها " الإرة " وهذا من بليغ الكلام ، ولم تسمع هذه الكلمة من أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

(35) الأثر : 16577 - " كثير بن العباس بن عبد المطلب " ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد على عهد رسول الله ، ولم يسمع منه ، تابعي ثقة قليل الحديث . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 207 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 153 .

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده رقم : 1775 من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري . وفصل أخي السيد أحمد تخريجه هناك ، ثم رقم : 1776 .

ورواه مسلم في صحيحه 12 : 113 ، من طريق يونس ، عن الزهري . ثم رواه أيضا ( 12 : 117 ) من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، ومن طريق سفيان بن عيينه عن الزهري .

ورواه الحاكم في المستدرك 3 : 327 ، من طريق يونس ، عن الزهري .

ورواه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 112 = 4 / 1 / 11 ، الثاني طريق محمد بن عبد الله ، عن عمه ، عن ابن شهاب الزهري ، والأول من طريق محمد بن حميد العبدي ، عن معمر ، عن الزهري .

ثم انظر تاريخ الطبري 3 : 128 ، حديث ابن إسحاق ، في سيرة ابن هشام 4 : 87 ، 88 .

(36) الأثر : 16578 - رواه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 112 . 87 ، 88 .

(37) " ركدت الشمس " ، ثبتت ، وذلك حين يقوم قائم الظهيرة .

(38) " اللأمة " الدرع ، وسلاح الحرب كله .

(39) " الأشر " ، المرح والخيلاء . و " البطر " ، الطغيان في النعمة من قلة احتمالها .

(40) الأثر : 16579 - " يعلى بن عطاء العامري الطائفي " ، ثقة مضى برقم : 2858 ، 11527 ، 11529 .

و " أبو همام " هو " عبد الله بن يسار " ، روى عن عمرو بن حريث . وأبي عبد الرحمن الفهري . ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 202 .

و " أبو عبد الرحمن الفهري " ، صحابي مختلف في اسمه ، مترجم في الإصابة ، والتهذيب ، وأسد الغابة 5 : 245 ، 246 ، والاستيعاب : 676 .

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5 : 286 من طريق بهز عن حماد بن سلمة ، ومن طريق عفان ، عن حماد .

ورواه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 112 ، 113 ، من طريق عفان ، عن حماد بن سلمة .

ورواه أبو داود في سننه 4 : 485 ، 486 ، برقم : 5233 من طريق موسى بن إسماعيل ، عن حماد مختصرا .

ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب 676 ، بغير إسناد .

ورواه ابن الأثير في أسد الغابة من طريق موسى بن إسماعيل ، عن حماد .

وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 6 : 181 ، 182 ، وقال : " رواه البزار ، والطبراني ، ورجالها ثقات " .

(41) الأثران : 16580 ، 16581 - خبر البراء بن عازب ، رواه مسلم من طرق كثيرة في صحيحه 12 : 117 - 121 ، ورواه من طريق شعبة ، عن أبي إسحاق في 12 : 121 .

ورواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 24 ) من طرق .

(42) الأثر : 16582 - " عبد الرحمن ، مولى أم برثن " ، هو " عبد الرحمن بن آدم ، صاحب السقاية " . وكانت أم برثن تعالج الطيب ، فأصابت غلاما لقطة ، فربته حتى أدرك ، وسمته عبد الرحمن ، فكان مما يقال له " عبد الرحمن بن أم برثن " ، وإنما قيل له : " عبد الرحمن بن آدم ، نسب إلى أبي البشر جميعا ، " آدم " عليه السلام ، لم يكن يعرف له أب ، وهو ثقة ، مضى برقم : 7145 .

وكان في المخطوطة : " مولى برثن " ، وهو خطأ ، وانظر الخبر التالي رقم : 19587 من طريق أخرى .

وقوله : " لم يقفوا لنا حلب شاة " ، يعني : إلا قدر ما تحلب شاة ، كناية من قلة الزمن ، كما يقال : " فواق ناقة " ، و " الفواق " ما بين الحلبتين إذا قبض الجانب على الضرع ثم أرسله .

قوله : " فكانت إياها " ، يعني ، فكانت الهزيمة التي تعلم . وفي حديث معاوية بن عطاء :

" كان معاوية رضي الله عنه إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة كانت إياها " . قالوا : اسم " كان " ضمير " السجدة " ، و " إياها " الخبر ، أي : كانت هي هي ، أي : كان يرفع منها وينهض قائما إلى الركعة الأخرى من غير أن يقعد قعدة الاستراحة .

(43) الأثر : 16585 - " محمد بن يزيد الأدمي الخراز " ، شيخ الطبري ، ثقة زاهد ، مضى برقم : 4894 .

و " معن بن عيسى الأشجعي ، القزاز " ، أحد أئمة الحديث ، روى له الجماعة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 390 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 277 .

و " سعيد بن السائب الطائفي " ، ثقة ، مضى برقم : 15402 .

وأبوه " السائب بن أبي حفص الطائفي " ، ثقة ، مترجم في الكبير 2 / 2 / 156 ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 245 .

و " يزيد بن عامر السوائي " " أبو حاجز " صحابي ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 316 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 281 .

وهذا الخبر ، رواه البخاري في تاريخه 4 / 2 / 316 من طريق إبراهيم بن المنذر ، عن معن بن عيسى .

ورواه ابن الأثير في أسد الغابة 5 : 115 ، 116 .

وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ( 6 : 182 ، 183 ) ، حديثان ، كما جاء هنا في التفسير ، وقال في الأول والثاني " رواه الطبراني ، ورجاله ثقات " .

(44) 16586 - مكرر الأثر السالف ، وتخريجه هناك .

(45) الأثر : 16587 - " عبد الرحمن ، مولى أم برثن ، أو : أم برثم " ، بإبدال النون ميما ، مضى في الأثر رقم : 16582 ، وكان في المطبوعة هنا : " أو : أم مريم " ، وهو خطأ محض ، وتصرف في رسم المخطوطة ، وهي غير منقوطة .

التدبر :

وقفة
[25] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم، وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره، لا بعددهم، ولا بُعَددهم، ونَبَّهَهُم على أن النصر من عنده.
وقفة
[25] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ ليس شرطًا أن يعلم المؤمن بكل المواطن التي ينصره الله فيها، ولكنها كثيرةإن أدى شروط النصر.
وقفة
[25] النصر إنما يكون من عند الله تعالى وحده؛ فهو ليس بعدد ولا عتاد ولا قوة ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾.
وقفة
[25] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ إذا اعتمدت على الواحد ستنتصر كثيرًا، وإذا اعتمدت على الكثرة لن تنتصر مرة واحدة.
عمل
[25] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ هذا نصُّ قانون التولي والتخلي! إذا قلت: «یا رب» تولاك، وإذا قلت: «أنا، أنا» تخلى عنك!
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ تخصيص يوم حنين بالذكر من بين أيام الحروب؛ لما فيه من العبرة بحصول النصر عند امتثال أمر الله ورسوله ﷺ وحصول الهزيمة عند إيثار الحظوظ العاجلة على الامتثال.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ إن الكثرة العددية ليست بشيء، إنّما هي القلّة العارفة المتصلة الثابتة المتجرّدة للعقيدة.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ العجب بأمور الدنيا وما أوتي الناس من أسبابها وإن كان في طاعة مهلكة، فعلى صاحب الطاعة أن يراعي قلبه، ولا يغتر بما هو فيه من عمل، فإن القلب هو موضع النظر.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ هناك شعور اعتزاز بالكثرة والقوة والقبيلة، امحه من نفسك، وتعلم أن العزة من عند الله.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ كانوا يومئذ اثني عشر ألفًا، فقال بعضهم: «لن نغلب اليوم من قلة»، فأراد الله إظهار عجزهم، ففرَّ الناس عن رسول الله ﷺ حتى بقي على بغلته في نفر قليل، ثم استنصر بالله، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه الكفار، وقال: «شاهت الوجوه»، ونادى بأصحابه فرجعوا إليه، وهزم الله الكفار.
وقفة
[25] كالغدد الهرمونية التي تحفظ توازن السوائل في البدن، تأتيني الانكسارات في وقتها المناسب لتخفض نسبة وهم القوة والإنجاز في دمي ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾.
عمل
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ أغلق شبابيك قلبك كي لا يتسلل إليه العُجب بمال أو علم أو سلطان، فكل ذلك لن يغني عنك بين يدي الله شيئًا!
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ نصرة الله للعبد موقوفة على عدم رؤية العبد لنفسه، فالمنصور من عصمه الله عن توهّم قدرته، ولم يكله إلى تدبيره وسطوته، وأقامه مقام الافتقار إليه متبرئًا من حوله وقوته، فيأخذ الله بيده، ويخرجه عن تدبيره، ويوقفه على حسن تدبيره.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ عون الله للمؤمنين يكفي مع القلة، والعُجب يلغي أثر الكثرة.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ حتى لو صارت كل المعطيات لأمر ما بيدك، لا تركنن على نفسك؛ فتخسر.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ قد يكثر العدد والعتاد لدرجة العجب والاغترار بما عندك، لكنك ستبقى فقيرًا إلى الله محتاجًا لنصرته، لا شيء في كون الله يُغني عن الله.
وقفة
[25] ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ كثيرًا ما يكون الإخفاقُ رهينَ العُجبِ ورؤيةِ قوّة النفس، فتأمّل.
وقفة
[25] عون الله للمسلمين يكفي ولو مع قِلّة، والعُجب بالكثرة يحرم النصر، وإن انتصروا حرمهم بركة نصرهم ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾.
وقفة
[25] الاعتداد لا يكون بالكثرة، وإنما بقوة الإيمان ووضوح الحجة والبرهان ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾.
وقفة
[25] ميزان الكثرة يحتاج إلى ضبط ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾، ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ﴾ [الأنفال: 43]، التوكل أولًا فلا تعتمد على الأسباب.
وقفة
[25] ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ قال بعضهم: «لن نغلب اليوم عن قلة»، فَوكلُوا إلى هذه الكلمة، فكان ما ذكرناه من الهزيمة في الابتداء إلى أن تراجعوا.
وقفة
[25] ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ القوة والعدد والمال لا قيمة لها إذا شابها شيءٌ من عُجْب، فكيف إذا انغمست في المعاصي واستُعملت في غير طاعة الله!
لمسة
[25] ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ شيئًا! أي شيء لا يحدث، أصغر شيء في الكون لا يكون دون إرادة الملك سبحانه.
وقفة
[25] ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾ إذا كان هذا النداء للمؤمنين وصحابة الرسول عليهم رضوان الله، لم تغن عنهم كثرتهم شيئًا -مع إيمانهم-، فما بالنا نخشى كثرة أهل الطغيان! لن تغني عنهم كثرتهم شيئًا بإذن الله.
وقفة
[25] من علامات عدم التوفيق: إعجابك بقدراتك وتميزك دون طلب العون من الله ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾.
وقفة
[25] إيمان المجاهدين، وصدق توكلهم على الله تعالى، أهم من كثرة عددهم وعتادهم ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا﴾.
وقفة
[25] ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ قال الحسن البصري: «هكذا يقع ذنب المؤمن من قلبه»، فقيِّم إيمانك بحسب نظرتك لذنبك.

الإعراب :

  • ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ:
  • اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. نصر:فعل ماض مبني على الفتح. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للاشباع. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ:
  • جار ومجرور متعلق بنصركم. وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على وزن «مفاعل». كثيرة: صفة- نعت- لمواطن مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. والموطن: هو المشهد من مشاهد الحرب.
  • ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ:
  • الواو: عاطفة. يوم: معطوفة على «مَواطِنَ» أي عطف الزمان على المكان بمعنى: موطن يوم حنين وبحذف المضاف «موطن» انتصب الاسم «يَوْمَ» على الظرفية الزمانية. حنين: مضاف اليه مجرور بالكسرة وصرف الاسم «حُنَيْنٍ» لأن المقصود به البلد والموضع وإن قصد به البلدة أو البقعة لم يصرف وأنّث وحنين: واد بين مكة والطائف.
  • ﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ:
  • ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب بدل من «يَوْمَ حُنَيْنٍ أو متعلق بنصركم ويجوز أن يكون اسما مبنيا على السكون في محل نصب مفعولا به بفعل مضمر التقدير: اذكروا. أعجبت: فعل ماض مبني على الفتح. التاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها.الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. كثرة: فاعل «أعجبت» مرفوع بالضمة. الكاف:ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور «أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً:
  • الفاء: عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب:تغن: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره- حرف العلة- والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره. هي- عنكم: جار ومجرور متعلق بتغن وهو في مقام المفعول به المقدم. شيئا: مفعول مطلق في موضع المصدر أي: اغناء شيئا بمعنى فلم تنفعكم نفعا شيئا. أو تكون «شَيْئاً» مفعولا به منصوبا بالفتحة.
  • ﴿ وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ:
  • الواو: عاطفة. ضاقت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. عليكم: جار ومجرور متعلق بضاقت والميم علامة جمع الذكور حرّك بالضم للاشباع. الأرض:فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ بِما رَحُبَتْ:
  • الباء: بمعنى مع. ما: مصدرية. رحبت: تعرب إعراب «ضاقَتْ» و «ما» «وما تلاها» بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بحال من الأرض أي ملتبسة برحبها أي بسعتها والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي وجملة «رَحُبَتْ» صلة ما المصدرية لا محل لها.أو يكون التقدير: ضاقت بكم الأرض مع كونها رحبا واسعة لصعوبة الحال عليهم.
  • ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ:
  • ثم: حرف عطف. وليتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. مدبرين: حال مؤكدة لعاملها في المعنى فقط مجرور بالياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

التوبة: 25﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَ ضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
التوبة: 118﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     ولمَّا أَمَرَ بالقتالِ والجهادِ؛ ذَكَّرَ اللهُ عز وجل المؤمنينَ هنا بأنَّه نَصَرَهم في مواطنَ كثيرةٍ ليعتزُوا بدينِهم، ولكن لا يُعجبُوا بكثرتِهم كيومِ حُنَينٍ 8 هـ، لمَّا أُعجبُوا بكثرتِهم انهزمُوا، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

رحبت:
وقرئ:
رحبت، بسكون الحاء، وهى لغة تميم، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [26] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى ..

التفسير :

[26] ثم أنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين فثبتوا، وأمدَّهم بجنود من الملائكة لم يروها، فنصرهم على عدوهم، وعذَّب الذين كفروا. وتلك عقوبة الله للصادِّين عن دينه، المكذِّبين لرسوله.

‏{‏ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ والسكينة ما يجعله اللّه في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات، مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم اللّه العظيمة على العباد‏.‏

‏{‏وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا‏}‏ وهم الملائكة، أنزلهم اللّه معونة للمسلمين يوم حنين، يثبتونهم، ويبشرونهم بالنصر‏.‏

‏{‏وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ بالهزيمة والقتل، واستيلاء المسلمين على نسائهم وأولادهم وأموالهم‏.‏

‏{‏وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ‏}‏ يعذبهم اللّه في الدنيا، ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ‏.‏

وبعد هذا الخوف الشديد الذي أصاب المؤمنين في مبدأ لقائهم بأعدائهم في غزوة حنين، يجيء نصر الله الذي عبر عنه- سبحانه- بقوله: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...

والسكينة: الطمأنينة والرحمة والأمنة وهي فعيلة من السكون: وهو ثبوت الشيء بعد التحرك. أو من السكن وهو كل ما سكنت إليه واطمأننت به من أهل وغيرهم.

أى: ثم أنزل الله- تعالى- على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين رحمته التي تسكن إليها القلوب، وتطمئن بها اطمئنانا يستتبع النصر القريب.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى هذه السكينة لأنه مع شجاعته وثباته ووقوفه في وجه الأعداء كالطود الأشم. أصابه الحزن والأسى لفرار هذا العدد الكبير من أصحابه عنه.

وكان المؤمنون الذين ثبتوا من حوله في حاجة إلى هذه السكينة ليزدادوا ثباتا على ثباتهم، وإيمانا على إيمانهم.

وكان الذين فروا في حاجة إلى هذه السكينة، ليعود إليهم ثباتهم، فيقبلوا على قتال أعدائهم بعد أن دعاهم رسولهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.

وقوله: وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها بيان لنعمة أخرى سوى إنزال السكينة.

أى: وأنزل مع هذه السكينة جنودا من الملائكة لم تروها بأبصاركم، ولكنكم وجدتم أثرها في قلوبكم، حيث عاد إليكم ثباتكم وإقدامكم.

وقوله: وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا، بيان لنعمة ثالثة سوى السابقتين.

أى: أنزل سكينته وأنزل جنودا لم تروها، وعذب الذين كفروا بأن سلطكم عليهم فقتلتم منهم من قتلتم، وأسرتم من أسرتم.

وقوله وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ أى وذلك الذي نزل بهؤلاء الكافرين من التعذيب جزاء لهم على كفرهم، وصدهم عن سبيل الله.

ولهذا قال تعالى : ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله ) أي : طمأنينته وثباته على رسوله ، ( وعلى المؤمنين ) أي : الذين معه ، ( وأنزل جنودا لم تروها ) وهم الملائكة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :

[ حدثنا القاسم قال ] حدثني الحسن بن عرفة قال : حدثني المعتمر بن سليمان ، عن عوف - هو ابن أبي جميلة الأعرابي - قال : سمعت عبد الرحمن مولى ابن برثن ، حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين لم يقوموا لنا حلب شاة - قال : فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا . قال : فانهزمنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانت إياها .

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني محمد بن أحمد بن بالويه ، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحارث بن حصيرة ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، فولى عنه الناس ، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، قدمنا ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة . قال : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدما ، فحادت بغلته ، فمال عن السرج ، فقلت : ارتفع رفعك الله . قال : ناولني كفا من التراب . فناولته ، قال : فضرب به وجوههم ، فامتلأت أعينهم ترابا ، قال : أين المهاجرون والأنصار ؟ قلت : هم هناك . قال : اهتف بهم . فهتفت بهم ، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ، كأنها الشهب ، وولى المشركون أدبارهم .

ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عفان ، به نحوه .

وقال الوليد بن مسلم : حدثني عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن شيبة بن عثمان قال : لما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قد عري ، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ، فقلت : اليوم أدرك ثأري منه - قال : فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما ، عليه درع بيضاء كأنها فضة ، يكشف عنها العجاج ، فقلت : عمه ولن يخذله - قال : فجئته عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فقلت : ابن عمه ولن يخذله . فجئته من خلفه ، فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف ، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق ، فخفت أن تمحشني ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا شيب ، يا شيب ادن مني اللهم أذهب عنه الشيطان . قال : فرفعت إليه بصري ، ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ، فقال : يا شيب قاتل الكفار .

رواه البيهقي من حديث الوليد ، فذكره ثم روى من حديث أيوب بن جابر ، عن صدقة بن سعيد ، عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ، ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ، فقلت وأنا واقف معه : يا رسول الله ، إني أرى خيلا بلقا ، فقال : يا شيبة ، إنه لا يراها إلا كافر . فضرب بيده في صدري ، ثم قال : اللهم اهد شيبة ، ثم ضربها الثانية ، ثم قال : اللهم اهد شيبة ، ثم ضربها الثالثة ثم قال : اللهم اهد شيبة . قال : فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه ، وذكر تمام الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى هزم الله المشر .

قال محمد بن إسحاق : حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عمن حدثه ، عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال : إنا لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، والناس يقتتلون ، إذ نظرت إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء ، حتى وقع بيننا وبين القوم ، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي ، فلم يكن إلا هزيمة القوم ، فما كنا نشك أنها الملائكة .

وقال سعيد بن السائب بن يسار ، عن أبيه قال : سمعت يزيد بن عامر السوائي - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد - فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن ، فيقول : كنا نجد في أجوافنا مثل هذا .

وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد فالله أعلم .

وفي صحيح مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق أنبأنا معمر ، عن همام قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلم .

ولهذا قال تعالى : ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين )

القول في تأويل قوله : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم من بعد ما ضاقت عليكم الأرض بما رحبت، وتوليتكم الأعداءَ أدباركم, كشف الله نازل البلاء عنكم, بإنـزاله السكينة = وهي الأمنة والطمأنينة = عليكم.

* * *

= وقد بينا أنها " فعيلة "، من " السكون "، فيما مضى من كتابنا هذا قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (46)

* * *

=(وأنـزل جنودًا لم تروها)، وهي الملائكة التي ذكرتُ في الأخبار التي قد مضى ذكرها =(وعذب الذين كفروا)، يقول: وعذب الله الذين جحدوا وحدانيّته ورسالةَ رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، بالقتل وسَبْي الأهلين والذراريّ، وسلب الأموال والذلة =(وذلك جزاء الكافرين)، يقول: هذا الذي فعلنا بهم من القتل والسبي =(جزاء الكافرين), يقول: هو ثواب أهل جحود وحدانيته ورسالة رسوله. (47)

16588- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وعذب الذين كفروا)، يقول: قتلهم بالسيف.

16589- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد: (وعذب الذين كفروا)، قال: بالهزيمة والقتل.

16590- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين)، قال: من بَقي منهم.

------------------------

الهوامش:

(46) انظر تفسير " السكينة " فيما سلف 3 : 66 ، 70 /5 : 326 - 330 .

(47) انظر تفسير " الجزاء " فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) .

التدبر :

وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ﴾ قد تهتز برهة، قد تضطرب لحظة، قد يفر من حولك، وكل ذلك لا يضرك إن أدركتك السكينة فثبتك الله، ثباتك سبب لأن يثوب إليك من ذهب، ولأن يعاودك الظفر؛ فاستقم على الإيمان والعمل، وأبشر بقرب الفرج.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ السكينة من أعظم القوت الذي ينعم به (المقيت) على قلوب المؤمنين، وهو کفیل بترجيح كفتك في كل معارك الحياة.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ من علامات المؤمن: السكينة عند البلاء.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ فضل نزول السكينة، فسكينة الرسول ﷺ سكينة اطمئنان على المسلمين الذين معه وثقة بالنصر، وسكينة المؤمنين سكينة ثبات وشجاعة بعد الجَزَع والخوف.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ علامة المؤمن في المحن والبلايا؛ السَّكينة.
لمسة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ إنما قال: ﴿وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولم يقل: وعليكم؛ لأن الخطاب للجماعة، وفيهم بقية من المنافقين.
لمسة
[26] ما الفرق بين ﴿أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ﴾ و﴿أَنزَلَ السَّكِينَةَ﴾؟ الجواب: حيث ذُكِر الرسول ﷺ في السياق يقول: ﴿سَكِينَتَهُ﴾ بالإضافة إليه سبحانه تعظيمًا وإكرامًا له، وحيث كان الأمر عامًا ليس فيه الرسول يقول السكينة، ففي سورة الفتح: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [٤]، و﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [١٨]، ليس في الآيتين ذكر لكلمة الرسول، بينما في الآية [٢٦] قال: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾، وهنا في سورة التوبة صرّح بالرسول: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، وأيضًا في الآية [٤٠] قال: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ قوات السكينة تغير موازين معاركك في الحياة.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ هو ثبيت من الله وقت الأزمات وتوفيق للقائم بأمر الدعوة، ولمن تحقق بالإيمان، والتنويه باسم الرسول ووصف الإيمان فيه تنبيه على الأصول التي يستنزل بها التثبيت عند النكبات.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ حين تضيق بك الأرض بما رحبت، وتحاصرك الهموم ويتخلى عنك الجميع، فَيَمِّمْ قلبك إلى الله بصدق، وجدد إيمانك بيقين وأبشر، فبالإيمان تنزل السكينة ويهدأ القلب ويأتي الفرج.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ السكينة ما يجعله اللّه في القلوب وقت القلاقل والزلازل مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم اللّه العظيمة على العباد.
وقفة
[26] ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ قدم (السكينة) على (جنود السماء)، سكينة الله في قلبك أعظم أثرًا من كل قوة.
وقفة
[26] ﴿وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ هناك رحمات وفتوحات يهبها الله لك دون أن تشعر، فقط إن تخليت عن حولك وقوتك، والتجأت إلى حوله وقوته.
وقفة
[26] ﴿وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ ليس شرطًا أن ترى خطواتِ الفَرَجِ، الفَرَجُ يسيرُ إليكَ في الخفاءِ وأنت لا تدري.
تفاعل
[26] ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ:
  • ثم: حرف عطف. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. سكينته: مفعول به منصوب بالفتحة. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بأنزل. والهاء:ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. الواو: عاطفة. على المؤمنين: جار ومجرور متعلق بأنزل وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته.
  • ﴿ وَأَنْزَلَ جُنُوداً:
  • الواو: عاطفة. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. يعود على لفظ الجلالة أي وأنزل من السماء. جنودا: مفعول به منصوب بالفتحة. والمقصود بالجنود هنا الملائكة.
  • ﴿ لَمْ تَرَوْها:
  • الجملة: في محل نصب صفة لجنودا. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تروا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو:ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها»: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • وعذّب: تعرب إعراب «وَأَنْزَلَ». الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «كَفَرُوا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ:
  • الواو: استئنافية. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف حرف خطاب أي وذلك الجزاء. جزاء: خبر «ذلِكَ» مرفوع بالضمة. الكافرين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

التوبة: 26﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا
الفتح: 26﴿فَـ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     وبعد هزيمة المؤمنين في مبدأ لقائهم بأعدائهم في غزوة حُنَينٍ؛ أنزلَ اللهُ عز وجل الطمأنينةَ على رسوله والمؤمنين، وأنزل ملائكة، فنصرهم على عدوهم، وعذَّب الذين كفروا، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سكينة:
وقرئ:
سكينة، بكسر السين وتشديد الكاف، وهى قراءة زيد بن على.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف