ترتيب المصحف | 9 | ترتيب النزول | 113 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 21.00 |
عدد الآيات | 129 | عدد الأجزاء | 1.05 |
عدد الأحزاب | 2.10 | عدد الأرباع | 8.50 |
ترتيب الطول | 7 | تبدأ في الجزء | 10 |
تنتهي في الجزء | 11 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 2/21 | _ |
وتابَ أيضًا على الثلاثةِ الذينَ تخلَّفُوا عن تَبُوك كسَلًا وليس نفاقًا، وهم: كَعْبُ بْنُ مَالِك، وهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّة، ومُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيع.
قريبًا إن شاء الله
لَمَّا أنْجَى الصِّدقُ هؤلاءِ الثلاثةَ أمرَ اللهُ بملازمةِ الصِّدقِ والصَّادقينَ، وأفضَلُ الصَّادِقينَ النَّبيُ ﷺ فاقتضى ذلك عتابَ من تخلفَ عنه ﷺ ، ثُمَّ التَّرغيبُ في الجهادِ، والنفقةِ فيه.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ التَّرغيبِ في الجهادِ أمرَ بالتَّفقهِ في الدينِ لأن الجهادَ يعتمدُ على العلمِ، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{و} كذلك لقد تاب الله {عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} عن الخروج مع المسلمين، في تلك الغزوة، وهم: "كعب بن مالك" وصاحباه، وقصتهم مشهورة معروفة، في الصحاح والسنن.
{حَتَّى إِذَا} حزنوا حزنًا عظيمًا، و{ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} أي: على سعتها ورحبها {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} التي هي أحب إليهم من كل شيء، فضاق عليهم الفضاء الواسع، والمحبوب الذي لم تجر العادة بالضيق منه، وذلك لا يكون إلا من أمر مزعج، بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه، وذلك لأنهم قدموا رضا اللّه ورضا رسوله على كل شيء.
{وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} أي: تيقنوا وعرفوا بحالهم، أنه لا ينجي من الشدائد، ويلجأ إليه، إلا اللّه وحده لا شريك له، فانقطع تعلقهم بالمخلوقين، وتعلقوا باللّه ربهم، وفروا منه إليه، فمكثوا بهذه الشدة نحو خمسين ليلة.
{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} أي: أذن في توبتهم ووفقهم لها {لِيَتُوبُوا} أي: لتقع منهم، فيتوب اللّه عليهم، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ} أي: كثير التوبة والعفو، والغفران عن الزلات والعصيان، {الرَّحِيمِ} وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين، في جميع اللحظات، ما تقوم به أمورهم الدينية والدنيوية.
وفي هذه الآيات دليل على أن توبة اللّه على العبد أجل الغايات، وأعلى النهايات، فإن اللّه جعلها نهاية خواص عباده، وامتن عليهم بها، حين عملوا الأعمال التي يحبها ويرضاها.
ومنها: لطف الله بهم وتثبيتهم في إيمانهم عند الشدائد والنوازل المزعجة.
ومنها: أن العبادة الشاقة على النفس، لها فضل ومزية ليست لغيرها، وكلما عظمت المشقة عظم الأجر.
ومنها: أن توبة اللّه على عبده بحسب ندمه وأسفه الشديد، وأن من لا يبالي بالذنب ولا يحرج إذا فعله، فإن توبته مدخولة، وإن زعم أنها مقبولة.
ومنها: أن علامة الخير وزوال الشدة، إذا تعلق القلب بالله تعالى تعلقا تاما، وانقطع عن المخلوقين.
ومنها: أن من لطف اللّه بالثلاثة، أن وسمهم بوسم، ليس بعار عليهم فقال: {خُلِّفُوا} إشارة إلى أن المؤمنين خلفوهم، [أو خلفوا عن من بُتّ في قبول عذرهم، أو في رده] وأنهم لم يكن تخلفهم رغبة عن الخير، ولهذا لم يقل: "تخلفوا".
ومنها: أن اللّه تعالى من عليهم بالصدق.
هذه الآية الكريمة معطوفة على الآية السابقة لها. والمعنى: لقد تقبل الله- تعالى- بفضله وإحسانه توبة النبي والمهاجرين والأنصار، وتقبل كذلك توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن هذه الغزوة كسلا وحبا للراحة، والذين سبق أن أرجأ الله حكمه فيهم بقوله وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.. «2» .
وقوله:حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ كناية عن شدة تحيرهم، وكثرة حزنهم، واستسلامهم لحكم الله فيهم.
أى: حتى إذا ضاقت عليهم الأرض على سعتها، بسبب إعراض الناس عنهم، ومقاطعتهم لهم، وضاقت عليهم أنفسهم، بسبب الهم والغم الذي ملأها واعتقدوا أنهم لا ملجأ ولا مهرب لهم من حكم الله وقضائه إلا إليه.
حتى إذا كان أمرهم كذلك، جاءهم فرج الله، حيث قبل توبتهم، وغفر خطأهم وعفا عنهم.
وقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أى: بعد هذا التأديب الشديد لهم، تقبل- سبحانه- توبتهم، ليتوبوا إليه توبة صادقة نصوحا، لا تكاسل معها بعد ذلك عن طاعة الله وطاعة رسوله، إن الله- تعالى- هو الكثير القبول لتوبة التائبين، وهو الواسع الرحمة بعباده المحسنين.
هذا، والمقصود بهؤلاء الثلاثة الذين خلفوا: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار.
وقد ذكرت قصتهم في الصحيحين وفي غيرهما من كتب السنة والسيرة، وهاك خلاصة لها:
قال الإمام ابن كثير: روى الإمام أحمد أن كعب بن مالك قال، لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في تبوك.
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. أنى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه في تلك الغزوة.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز لها المؤمنون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم. فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا.. فأقول لنفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت.. ولم يزل ذلك شأنى حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فألحقهم- وليتني فعلت- ولكن لم يقدر لي ذلك.
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بنى سلمة: حبسه برداه والنظر في عطفيه.
فقال معاذ بن جبل: بئسما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله قد توجه قافلا من تبوك، حضرني بثي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟.
وعند ما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاءه المتخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه..
وجئت إليه فقال: تعال.. ما خلفك؟! ألم تكن قد اشتريت ظهرا؟
فقلت يا رسول الله إنى لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر. والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كاذب ترضى به عنى، ليوشكن الله أن يسخطك على. ولئن حدثتك بصدق تغضب على فيه، إنى لأرجو عقبى ذلك من الله- تعالى- والله ما كان لي من عذر.
قال صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق. فقم حتى يقضى الله فيك. وكان هناك رجلان قد قالا مثل ما قلت هما مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.
قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامنا، فاعتزلنا الناس وتغيروا لنا.. ولبثنا على ذلك خمسين ليلة.. ثم أمرنا أن نعتزل نساءنا ففعلنا.
قال: ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتها فبينا أنا على الحال التي ذكرها الله عنا، قد ضاقت على نفسي.. سمعت صارخا يقول بأعلى صوته: أبشر يا كعب بن مالك.
وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك. قال:
وأنزل الله- تعالى- وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا.. الآية.
قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث بتمامه: هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته، وقد تضمن تفسير الآية بأحسن الوجوه وأبسطها» .
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا جانبا من فضل الله على عباده، حيث قبل توبتهم، وغسل حوبتهم. إنه بهم رءوف رحيم.
ثم وجه- سبحانه- نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتقوا الله حق تقاته وأن يكونوا مع الصادقين، وأوجب عليهم الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم عليه بجزيل الثواب، وتوعد المتخلفين عنه بشديد العقاب فقال- تعالى-:
قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله ، عن عمه محمد بن مسلم الزهري ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فقال كعب بن مالك : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غيرها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنها ، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر ، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا ، واستقبل عدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم ، فأخبرهم وجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ، لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - فقال كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله ، عز وجل ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل ، وأنا إليها أصعر . فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا ، فأقول لنفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، وقلت : الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز ، فرجعت ولم أقض شيئا من جهازي . ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل [ ذلك ] يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فأدركهم - وليت أني فعلت - ثم لم يقدر ذلك لي ، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد [ خروج ] رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فطفت فيهم ] يحزنني ألا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذره الله ، عز وجل ، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك : " ما فعل كعب بن مالك ؟ " قال رجل من بني سلمة : حبسه يا رسول الله برداه ، والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل : بئسما قلت ! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب ، وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا ؟ أستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي . فلما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما ، زاح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا . فأجمعت صدقه ، وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس . فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له - وكانوا بضعة وثمانين رجلا - فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ، حتى جئت ، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ، ثم قال لي : " تعال " ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : " ما خلفك ، ألم تك قد اشتريت ظهرك " ؟ قال : فقلت : يا رسول الله ، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر ، لقد أعطيت جدلا ولكنه والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ، ليوشكن الله يسخطك علي ، ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه ، إني لأرجو أقرب عقبى ذلك [ عفوا ] من الله ، عز وجل والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك " . فقمت وبادرني رجال من بني سلمة واتبعوني ، فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون فقد كان كافيك [ من ذنبك ] استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك . قال : فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي : قال : ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم ، [ لقيه معك ] رجلان ، قالا ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك . قلت : فمن هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العامري ، وهلال بن أمية الواقفي . فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة . قال : فمضيت حين ذكروهما لي - قال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة . فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم ، وأقول في نفسي : حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه ، وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، فإذا التفت نحوه أعرض ، حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة - وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي - فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام ، فقلت له : يا أبا قتادة ، أنشدك الله : هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال : فسكت . قال : فعدت فنشدته [ فسكت ، فعدت فنشدته ] فقال : الله ورسوله أعلم . قال : ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار . فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ، ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ قال : فطفق الناس يشيرون له إلي ، حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان ، وكنت كاتبا فإذا فيه : أما بعد ، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك . قال : فقلت حين قرأتها : وهذا أيضا من البلاء . قال : فتيممت به التنور فسجرته حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك . قال : فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : بل اعتزلها ولا تقربها . قال : وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك قال : فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك ، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر . قال : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله ، إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : " لا ولكن لا يقربنك " قالت : وإنه والله ما به حركة إلى شيء ، والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا . قال : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه . قال : فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب ؟ قال : فلبثنا [ بعد ذلك ] عشر ليال ، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا قال : ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا : قد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك ، أبشر . قال : فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء فرج ، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إلي رجل فرسا ، وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس . فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، فنزعت ثوبي ، فكسوتهما إياه ببشارته ، والله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، وانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ، يقولون : ليهنك توبة الله عليك . حتى دخلت المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول ، حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره قال : فكان كعب لا ينساها لطلحة . قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور : " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " . قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : " لا بل من عند الله " . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، حتى يعرف ذلك منه . فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . قال : " أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك " . قال : فقلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . وقلت : يا رسول الله ، إنما نجاني الله بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت . قال : فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي . قال : وأنزل الله تعالى : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم . وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال كعب : فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه [ حين كذبوه ] ؛ فإن الله تعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، قال الله تعالى : ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون . يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) [ التوبة : 95 ، 96 ] . قال : وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله أمرنا ، حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو ، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه ، فقبل منه .
هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ، رواه صاحبا الصحيح : البخاري ومسلم من حديث الزهري ، بنحوه .
فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الآية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها . وكذا روي عن غير واحد من السلف في تفسيرها ، كما رواه الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) قال : هم كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن ربيعة وكلهم من الأنصار .
وكذا قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي وغير واحد - وكلهم قال : مرارة بن ربيعة .
[ وكذا في مسلم : مرارة بن ربيعة في بعض نسخه ، وفي بعضها : مرارة بن الربيع ] .
وفي رواية عن سعيد بن جبير : ربيع بن مرارة .
وقال الحسن البصري : ربيع بن مرارة أو مرارة بن ربيع .
وفي رواية عن الضحاك : مرارة بن الربيع ، كما وقع في الصحيحين ، وهو الصواب .
وقوله : " فسموا رجلين شهدا بدرا " ، قيل : إنه خطأ من الزهري ، فإنه لا يعرف شهود واحد من هؤلاء الثلاثة بدرا ، والله أعلم .
ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب ، من هجر المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة بأيامها ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، أي : مع سعتها ، فسددت عليهم المسالك والمذاهب ، فلا يهتدون ما يصنعون ، فصبروا لأمر الله ، واستكانوا لأمر الله ، وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخلفهم ، وأنه كان عن غير عذر ، فعوقبوا على ذلك هذه المدة ، ثم تاب الله عليهم ، فكان عاقبة صدقهم خيرا لهم وتوبة عليهم
القول في تأويل قوله : وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ =(وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا)، وهؤلاء الثلاثة الذين وصفهم الله في هذه الآية بما وصفهم به فيما قيل, هم الآخرون الذين قال جل ثناؤه: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة التوبة: 106]، فتاب عليهم عز ذكره وتفضل عليهم.
وقد مضى ذكر من قال ذلك من أهل التأويل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: ولقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفهم الله عن التوبة, فأرجأهم عمَّن تاب عليه ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما:-
17431- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عمن سمع عكرمة في قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: خُلِّفوا عن التوبة.
17432- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أما قوله: (خلفوا) ، فخلِّفوا عن التوبة.
* * *
(حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) ، يقول: بسعتها، (2) غمًّا وندمًا على تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم =(وضاقت عليهم أنفسهم) ، بما نالهم من الوَجْد والكرْب بذلك =(وظنوا أن لا ملجأ) ، يقول: وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجئون إليه مما نـزل بهم من أمر الله من البلاء، (3) بتخلفهم خِلافَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينجيهم من كربه, ولا مما يحذرون من عذاب الله، إلا الله، ثم رزقهم الإنابة إلى طاعته, والرجوع إلى ما يرضيه عنهم, لينيبوا إليه، ويرجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه =(إن الله هو التواب الرحيم) ، يقول: إن الله هو الوهّاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفقُ من أحبَّ توفيقه منهم لما يرضيه عنه =(الرحيم)، بهم، أن يعاقبهم بعد التوبة, أو يخذل من أراد منهم التوبةَ والإنابةَ ولا يتوب عليه. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17433- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر في قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: كعب بن مالك, وهلال بن أمية, ومُرارة بن الربيع, وكلهم من الأنصار. (5)
17434- حدثني عبيد بن محمد الوراق قال، حدثنا أبو أسامة, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر بنحوه = إلا أنه قال: ومرارة بن الربيع, أو: ابن ربيعة, شكّ أبو أسامة. (6)
17435- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن عكرمة وعامر: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: أرْجئوا، في أوسط " براءة ".
17436- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: الذين أرجئوا في أوسط " براءة ", قوله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ ، [سورة التوبة: 106] هلال بن أمية, ومرارة بن رِبْعيّ, وكعب بن مالك. (7)
17437- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، الذين أرجئوا في وسط " براءة ".
17438- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبيه, عن ليث, عن مجاهد: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: كلهم من الأنصار: هلال بن أمية, ومرارة بن ربيعة, وكعب بن مالك.
17439-...... قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: الذين أرجئوا.
17440-...... قال، حدثنا جرير, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: (الثلاثة الذين خلفوا) ، كعب بن مالك وكان شاعرا, ومرارة بن الربيع, وهلال بن أمية, وكلهم أنصاريّ. (8)
17441-...... قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، والمحاربي, عن جويبر, عن الضحاك قال: كلهم من الأنصار: هلال بن أمية, ومرارة بن الربيع, وكعب بن مالك.
17442- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هاشم, عن جويبر, عن الضحاك قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: هلال بن أمية, وكعب بن مالك, ومرارة بن الربيع، كلهم من الأنصار.
17443- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، إلى قوله: (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) ، كعب بن مالك, وهلال بن أمية, ومرارة بن ربيعة، تخلفوا في غزوة تبوك. ذكر لنا أن كعب بن مالك أوثق نفسه إلى سارية, فقال: لا أطلقها = أو لا أطلق نفسي (9) = حتى يُطلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله: والله لا أطلقه حتى يطلقه ربُّه إن شاء! وأما الآخر فكان تخلف على حائط له كان أدرك, (10) فجعله صدقة في سبيل الله, وقال: والله لا أطعمه! وأما الآخر فركب المفاوز يتبع رسول الله، ترفعه أرض وتَضَعه أخرى, وقدماه تَشَلْشَلان دمًا. (11)
17444- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي مالك قال: (الثلاثة الذين خلفوا) ، هلال بن أمية, وكعب بن مالك, ومرارة بن ربيعة.
17445-...... قال، حدثنا أبو داود الحفري, عن سلام أبي الأحوص, عن سعيد بن مسروق, عن عكرمة: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: هلال بن أمية, ومرارة, وكعب بن مالك.
17446- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون, عن عمر بن كثير بن أفلح قال: قال كعب بن مالك: ما كنت في غَزاة أيسر للظهر والنفقة مني في تلك الغَزاة! قال كعب بن مالك: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: " أتجهز غدًا ثم ألحقه "، فأخذت في جَهازي, فأمسيت ولم أفرغ. فلما كان اليوم الثالث، أخذت في جهازي, فأمسيت ولم أفرغ, فقلت: هيهات! سار الناس ثلاثًا! فأقمت. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل الناس يعتذرون إليه, فجئت حتى قمت بين يديه، فقلت: ما كنت في غَزاة أيسر للظهر والنفقة مني في هذه الغزاة! فأعرض عني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمر الناس أن لا يكلمونا, وأمِرَتْ نساؤنا أن يتحوَّلن عنَّا. قال: فتسوَّرت حائطا ذات يوم، فإذا أنا بجابر بن عبد الله, فقلت: أيْ جابر! نشدتك بالله، هل علمتَني غششت الله ورسوله يومًا قطُّ؟ فسكت عني فجعل لا يكلمني. (12) فبينا أنا ذات يوم, إذ سمعت رجلا على الثنيَّة يقول: كعب! كعب! حتى دنا مني, فقال: بشِّروا كعبًا. (13)
17447- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس, عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، وهو يريد الروم ونصارى العرب بالشام, حتى إذا بلغ تبوك، أقام بها بضع عشرة ليلة، ولقيه بها وفد أذْرُح ووفد أيلة, فصَالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، ثم قَفَل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ولم يجاوزها, وأنـزل الله: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ، الآية, والثلاثة الذين خلفوا: رَهْطٌ منهم: كعب بن مالك، وهو أحد بني سَلِمة, ومرارة بن ربيعة، وهو أحد بني عمرو بن عوف, وهلال بن أمية، وهو من بني واقف، وكانوا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة في بضعة وثمانين رجلا. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, صَدَقه أولئك حديثهم، واعترفوا بذنوبهم, وكذب سائرهم, فحلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حبسهم إلا العذر, فقبل منهم رسول الله وبايعهم, ووكَلَهم في سرائرهم إلى الله، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلام الذين خُلِّفوا, وقال لهم حين حدَّثوه حديثهم واعترفوا بذنوبهم: قد صدقتم، فقوموا حتى يقضي الله فيكم. فلما أنـزل الله القرآن، تاب على الثلاثة, وقال للآخرين: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ، حتى بلغ: لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [سورة التوبة: 95 - 96].
= قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك = وكان قائد كعبٍ من بنيه حين عَمي = قال: سمعت كعب بن مالك يحدِّث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك, غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتبْ أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عِيرَ قريش, حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام, وما أحبُّ أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكرَ في الناس منها. (14)
= فكان من خبري حين تخلفت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة, والله ما جمعت قبلها راحلتين قطُّ حتى جمعْتُهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديد, واستقبل سفرًا بعيدًا ومفاوِزَ, واستقبل عدوًّا كثيرًا, فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهَّبُوا أهبة غزوهم, فأخبرهم بوجهه الذي يريد, والمسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم كثير, ولا يجمعهم كتاب حافظٌ = يريد بذلك: الديوان = قال كعب: فما رجلٌ يريد أن يتغيّب إلا يظنَّ أن ذلك سيخفى، ما لم ينـزل فيه وَحْيٌ من الله. وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال, وأنا إليهما أصعَرُ. (15) فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه, وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم, [فأرجع ولم أقض شيئًا، وأقول في نفسي: " أنا قادر على ذلك إذا أردت!"، فلم يزل ذلك يتمادى بي، حتى استمرّ بالناس الجدُّ. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه]، (16) ولم أقض من جَهازي شيئًا, ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئًا. فلم يزل ذلك يتمادى [بي]، (17) حتى أسرعوا وتفارط الغزْوُ, (18) وهممت أن أرتحل فأدركهم, فيا ليتني فعلت, فلم يُقَدَّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوةً إلا رجلا مغموصًا عليه في النفاق، (19) أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك, فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سَلِمَة: يا رسول الله، حبسه بُرْداه، والنظر في عِطْفيْه! (20) [فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت! والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيرًا]! (21) فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو على ذلك، رأى رجلا مُبَيِّضًا يزول به السرابُ, (22) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة! فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري, وهو الذي تصدَّق بصاع التمر, فلمزه المنافقون. (23)
= قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجَّه قافلا من تبوك، حضرني بثِّي, (24) فطفقت أتذكر الكذب، وأقول: " بم أخرج من سَخَطه غدًا " ؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظَلّ قادمًا!"، زاح عني الباطل, (25) حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا, فأجمعت صدقه، (26) وصَبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا, (27) وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك، جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له, وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم, ووكل سرائرهم إلى الله. حتى جئتُ, فلما سلمت تبسم تبسُّم المغْضَب, ثم قال: تعالَ! فجئت أمشي حتى جلست بين يديه, فقال لي: ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ قال قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سَخَطه بعذرٍ، لقد أعطيتُ جدلا (28) ولكني والله لقد علمت لئن حدَّثتك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكنّ الله أن يُسْخِطَك عليّ, ولئن حدثتك حديث صِدْق تَجدُ عليّ فيه، (29) إني لأرجو فيه عفوَ الله، (30) والله ما كان لي عُذْر! والله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا هذا فقد صَدَق, قم حتى يقضي الله فيك! فقمت, وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني وقالوا: والله ما علمناك أذنبت ذنبًا قبل هذا! لقد عجزتَ في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون, (31) فقد كان كافِيَك ذنبك استغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك! قال: فوالله ما زالوا يؤنِّبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذّبَ نفسي! قال: ثم قلت لهم: هل لَقي هذا معي أحدٌ؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثلَ ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيع العامري، (32) وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا، فيهما أسوة. (33) قال: فمضيت حين ذكروهما لي. (34)
= ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثة، (35) من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا الناسُ وتغيَّروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلةً، فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان, وأمّا أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدهم, فكنت أخرج وأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحدٌ, وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة, فأقول في نفسي: " هل حرك شفتيه بردّ السلام أم لا؟"، ثم أصلي معه، وأسارقه النظر, فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين, مشيت حتى تسوَّرت جدار حائط أبي قتادة = وهو ابن عمي، وأحبُّ الناس إليّ = فسلمت عليه, فوالله ما ردّ علي السلام! فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت. قال: فعُدْت فناشدته، فسكت, فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم! ففاضت عيناي, وتولَّيت حتى تسوَّرت الجدار.
= فبينا أنا أمشي في سوق المدينة, إذا بنبطيّ من نَبَط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة, يقول: من يدلُّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له، حتى جاءني, فدفع إليَّ كتابًا من ملك غسان, وكنت كاتبًا, فقرأته، فإذا فيه: " أما بعدُ، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك, ولم يجعلك الله بدار هَوَانٍ ولا مَضْيَعةٍ, فالحق بنا نُوَاسِك ".
= قال: فقلت حين قرأته: وهذا أيضًا من البلاء!! فتأمَّمتُ به التنُّور فسجرته به. (36) حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، (37) إذا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلِّقها، أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها فلا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبي بذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. (38)
= قال: فجاءت امرأة هلالٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادمٌ, فهل تكره أن أخدُمَه؟ فقال: لا ولكن لا يقرَبَنْكِ! قالت فقلت: إنه والله ما به حركة إلى شيء! ووالله ما زال يبكي مُنْذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا! قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال أن تخدُمه؟ قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما يدريني ماذا يقول لي إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابٌّ!
= فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ, فكمل لنا خمسون ليلةً من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا. (39) قال: ثم صليت صلاة الفجر صباحَ خمسين ليلة على ظهر بيتٍ من بيوتنا, فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منّا، (40) قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت, سمعتُ صوت صارخٍ أوْفى على جبل سَلْع، (41) يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر! قال: فخررت ساجدًا, وعرفت أن قد جاء فرجٌ. قال: وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر, (42) فذهب الناس يبشروننا, (43) فذهب قِبَلَ صاحبي مبشرون, وركض رجل إلي فرسًا, وسعى ساعٍ من أسْلَم قِبَلي وأوفى على الجبل, وكان الصوت أسرعَ من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نـزعت له ثوبيَّ فكسوتهما إياه ببشارته, والله ما أملك غيرهما يومئذ, واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم. (44) فتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لِتَهْنِكَ توبة الله عليك! (45) حتى دخلت المسجد, فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس, فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يُهَرول حتى صافحني، وهنأني, والله ما قام رجل من المهاجرين غيره = قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة (46) = قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو يبرُقُ وجهه من السرور: أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتك أمك! فقلت: أمن عندك، يا رسول الله, أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأن وجهه قطعة قمر, وكنا نعرف ذلك منه.
= قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله. (47) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بعض مالك، فهو خيرٌ لك! قال فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما أنجاني بالصدق, وإنّ من توبتي أن لا أحدِّث إلا صدقًا ما بقيت! قال: فوالله ما علمت أحدًا من المسلمين ابتلاه الله في صِدْق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام، أحسن مما ابتلاني, (48) والله ما تعمَّدت كِذْبَةً منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا, وإني أرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنـزل الله: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ، حتى بلغ: (وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا) ، إلى: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
= قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمةٍ قطُّ بعد أن هَدَاني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، أن لا أكون كذبته، (49) فأهلك كما هلك الذين كذبوه, فإن الله قال للذين كذبوا، حين أنـزل الوحي، شَرَّ ما قال لأحدٍ: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، إلى قوله: لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ، [سورة التوبة: 95 - 96].
= قال كعب: خُلِّفنا، أيها الثلاثة، (50) عن أمر أولئك الذين قَبِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم توبتهم حين حَلفوا له, فبايعهم واستغفر لهم, وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال الله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، وليس الذي ذكر الله مما خُلِّفنا عن الغزو، (51) إنما هو تخليفه إيّانا، (52) وإرجاؤه أمرَنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. (53)
17448- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك = وكان قائد كعب من بنيه حين عَمِي = قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فذكر نحوه. (54)
17449- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري, عن عبد الرحمن بن كعب, عن أبيه قال: لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غَزاة غَزاها إلا بدرًا, ولم يعاتب النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا تخلف عن بدر, ثم ذكر نحوه. (55)
17450- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن ابن شهاب الزهري, عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري, ثم السلمي, عن أبيه، أن أباه عبد الله بن كعب, وكان قائد أبيه كعب حين أصيب بصره = قال: سمعت أبي كعبَ بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, وحديث صاحبيه، قال: ما تخلفت عن رَسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها, غير أني كنت تخلفت عنه في غزوة بدر, ثم ذكر نحوه. (56)
----------------------
الهوامش :
(1) انظر ما سلف ص : 464 - 467 .
(2) انظر تفسير " رحب " فيما سلف . ص : 179 .
(3) انظر تفسير " الظن " فيما سلف 2 : 17 - 20 ، 265 / 5 : 352 .
= وتفسير " الملجأ " فيما سبق ص : 298 .
(4) انظر تفسير " التواب " ، " والرحيم " ، فيما سلف من فهارس اللغة ( ثوب ) ، ( رحم ) .
(5) الأثر : 17433 - " مرارة بن ربيعة " ، المشهور : " مرارة بن الربيع " ، ولكنه هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة هنا . ثم جاء في الأخبار التالية " الربيع " . وقد مضى مثل هذا الاختلاف وأشد منه فيما سلف في التعليق على رقم 17177 ، 17178 ، 17183 . وذكر ابن كثير في تفسيره 4 : 264 ، وذكر هذا الخبر فقال : " وكذا في مسلم : ربيعة ، في بعض نسخه ، وفي بعضها : مرارة بن الربيع " .
(6) الأثر : 17434 - " عبيد بن محمد الوراق " ، هو " عبيد بن محمد بن القاسم بن سليمان بن أبي مريم " ، " أبو محمد الوراق النيسابوري " ، سكن بغداد ، وحدث بها عن موسى بن هلال العبدي وأبي النضر هاشم بن القاسم ، والحسن بن موسى الأشيب ، ويعقوب بن محمد الزهري ، وبشر بن الحارث . كان ثقة ، مات سنة 255 ، ولم أجد له ترجمة في غير تاريخ بغداد 11 : 97 ، وروى عنه الطبري في موضعين من تاريخه 2 : 202 ، 250 ، روى عن روح بن عبادة .
وكان في المطبوعة : " عبيد بن الوراق " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأن الناسخ كتب " عبيد بن محمد " كلمة واحدة مشتبكة الحروف .
وأما " مرارة بن الربيع " أو " ابن ربيعة " ، فانظر التعليق السالف .
(7) الأثر : 17436 - " مرارة بن ربعي " ، هكذا في المخطوطة كما أثبته ، وفي المطبوعة " ابن ربيعة " ولكن هكذا ، جاء هنا ، كالذي مضى في رقم : 17177 ، 17178 ، فانظر التعليق هناك .
(8) في المطبوعة : " أنصار " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .
(9) في المطبوعة : " لا أطلقها ، أو لا أطلق نفسي " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(10) " الحائط " ، هو البستان من النخيل ، إذا كان عليه حائط ، وهو الجدار . ويقال لها أيضا " حديقة " ، لإحداق سوره بها . فإذا لم يكن عليها حائط ، فهي " ضاحية " ، لبروزها للعين . و " أدرك الثمر " ، أي بلغ نضجه .
(11) " تشلشلان " ، " تتشلشلان " ، على حذف إحدى التائين . " تشلشل الماء والدم " ، إذا تبع قطران بعضه بعضا في سيلانه متفرقا .
(12) انظر " جعل " ، وأنها من حروف الاستعانة فيما سلف 11 : 250 ، في كلام الطبري ، والتعليق هناك رقم : 1 ، والتعليق على الأثر رقم : 13862 .
(13) الأثر : 17446 - " عمر بن كثير بن أفلح المدني " ، مولى أبي أيوب الأنصاري ، ثقة ، ذكره ابن حبان في أتباع التابعين ، وكأنه لم يصح عنده لقيه للصحابة . وذكر غيره أنه روى عن كعب بن مالك . وابن عمر ، وسفينة . ومضى برقم : 12223 .
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 4 : 454 ، 455 ، من هذه الطريق نفسها بنحوه .
(14) قوله : " أذكر " أي أشهر ذكرا .
(15) " أصعر " ، أي : أميل ، على وزن " أفعل " التفضيل ، وأصله من " الصعر " ( بفتحتين ) ، وهو ميل في الوجه ، كأنه يلتفت إليه شوقا .
(16) الذي بين القوسين ساقط من المخطوطة ، وأثبته من رواية مسلم في صحيحه . وكان في المطبوعة : " . . . لكي أتجهز معهم ، فلم أقضي من جهازي شيئا " ، أما المخطوطة ، فكان فيها ما يدل على أن الناسخ قد أسقط من الكلام : " . . . لكي أتجهز معهم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا " .
(17) الزيادة بين القوسين ، من صحيح مسلم .
(18) " تفارط الغزو " ، أي فات وقته ، ومثله " تفرط " ، وفي الحديث : " أنه نام عن العشاء حتى تفرطت " ، أي : فات وقتها .
(19) " أسوة " ، أي : قدوة ومثلا . و " المغموص عليه " ، من قولهم " غمص عليه قولا قاله " ، أي : عابه عليه، وطعن به عليه . ويعني : مطعونا في دينه ، متهما بالنفاق .
(20) " النظر في عطفيه " ، كناية عن إعجابه بنفسه ، واختياله بحسن لباسه . و " العطفان " ، الجانبان ، فهو يتلفت من شدة خيلائه .
(21) الزيادة بين القوسين ، من صحيح مسلم . وظاهر أن الناسخ أسقطها في نسخه .
(22) " المبيض " ( بتشديد الباء وكسرها ) ، هو لا بس البياض . و " يزول به السراب " ، أي : يرفعه ويخفضه ، وإنما يحرك خياله .
(23) " لمزه " ، عابه وحقره .
(24) في المطبوعة : " حضرني همي " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، والذي فيها مطابق لرواية مسلم في صحيحه . و " البث " ، أشد الحزن . وذلك أنه إذا اشتد حزن المرء ، احتاج أن يفضي بغمه وحزنه إلى صاحب له يواسيه ، أو يسليه ، أو يتوجع له .
(25) " أظل قادما " ، أي : أقبل ودنا قدومه ، كأنه ألقى على المدينة ظله . وقوله : " زاح عني الباطل " ، أي : زال وذهب وتباعد .
(26) " أجمعت صدقه " ، أي : عزمت على ذلك كل العزم ، " أجمع صدقه " و " أجمع على صدقه " ، سواء .
(27) في المطبوعة : " وأصبح " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في صحيح مسلم .
(28) " الجدل " ، اللدد في الخصومة ، والقدرة عليها ، وعلى مقابلة الحجة بالحجة .
(29) " تجد " من " الوجد " ، وهو الغضب والسخط .
(30) هكذا في المخطوطة : " عفو الله " ومثله في مسند أحمد 3 : 460 وفي صحيح مسلم " عقبى الله " ، أي : أن يعقبني خيرا ، وأن يثبتني عليه .
(31) في المطبوعة حذف " في " من قوله : " لقد عجزت في أن لا تكون " ، وهي ثابتة في المخطوطة ، وهي مطابقة لما في صحيح مسلم . وأما الذي في المطبوعة ، فهو مطابق لما في البخاري من رواية غيره .
(32) في المطبوعة : " ابن الربيع " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وانظر روايته في مسلم " مرارة بن ربيعة " ، وما قالوا في اختلاف رواه مسلم . وما قالوه أيضا في روايته " العامري " ، وأن صوابها " العمري " نسبة إلى بني عمرو بن عوف .
(33) في المطبوعة : " لي فيهما أسوة " ، زاد من عنده ما ليس في المخطوطة ، ولا في صحيح مسلم . وإنما هو من رواية البخاري ، بغير هذا الإسناد .
(34) " مضيت " ، أي : أنفذت ما رأيت . من قولهم : " مضى في الأمر مضاء " ، نفذ ، و " أمضاه " أنفذه .
(35) قوله : " أيها الثلاثة " ، أي : خصصنا بذلك دون سائر المعتذرين . وهذه اللفظة تقال في الاختصاص ، وتختص بالمخبر عن نفسه والمخاطب ، تقول : " أما أنا فأفعل هذا ، أيها الرجل " ، يعني نفسه . انظر ما سلف 3 : 147 ، تعليق : 1 ، في الخبر رقم : 2182 .
(36) " فتأممت " ، وهكذا في المخطوطة أيضا ، وفي رواية البخاري " فتيممت ". وأما في صحيح مسلم ، " فتياممت " ، وقال النووي : " هكذا هو في حميع النسخ ببلادنا ، وهي لغة في : تيممت ، ومعناها : قصدت " . وأما القاضي عياض ، فقال في مشارق الأنوار ( أمم ) : " ومثله : فتيممت بها التنور ، كذا رواه البخاري . ولمسلم : فتأممت ، وكلاهما بمعنى ، سهل الهمزة في رواية ، وحققها في أخرى = أي : قصدت " .
ثم انظر تفسير " الأم " و " التأمم " في تفسير أبي جعفر فيما سلف 5 : 558 / 8 : 407 / 9 : 471 .
وفي المطبوعة : " فتأممت به " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في مسلم والبخاري ، إلا أن في مسلم " فسجرتها بها " ، وفي البخاري : " فسجرته بها " . وأنث " بها " ، إرادة لمعنى الصحيفة ، وهي الكتاب ، ثم رجع بالضمير إلى " الكتاب " .
" والتنور " ، الكانون الذي يخبز فيه .
و " سجر التنور " ، أوقده وأحماه وأشبع وقوده ، وأراد : أنه زاد التنور التهابا ، بإلقائه الصحيفة في ناره . وهذا كلام معجب ، أراد به أن يسخر من رسالة ملك غسان إليه .
(37) " استلبث " ، أي : أبطأ وتأخر .
(38) في المطبوعة : " تكوني عندهم " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في صحيح مسلم . وفي البخاري بغير هذا الإسناد : " فتكوني " .
(39) في صحيح مسلم " حين نهي عن كلامنا " ، وضبط " نهي " بالبناء للمجهول ، ورواية أبي جعفر ، تصحح ضبطه بالبناء للمعلوم أيضا .
(40) في المطبوعة : " التي ذكر الله عنا " ، غير ما في المخطوطة ، هو مطابق لما في صحيح مسلم ، وهو العربي العريق .
(41) " أوفى عليه " ، صعده وارتفع عليه ، فأشرف على الوادي منه واطلع .
(42) " آذن " أعلم الناس بها . ورواية مسلم : " فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس " ، والذي هنا مطابق لرواية البخاري ، بغير هذا الإسناد .
(43) " ذهب " ، سلف ما كتبته عن الاستعانة بقولهم : " ذهب " و " جعل " . انظر رقم : 17429 ، ص : 541 ، تعليق 3 ، والمراجع هناك .
(44) انظر ص : 553 ، تعليق : 1 .
(45) في المخطوطة والمطبوعة : " لتهنك " ، وهي كذلك في رواية البخاري بغير هذا الإسناد ، وفي صحيح مسلم المطبوع : " لتهنئك " ، وذكره القاضي عياض في مشارق الأنوار ( هنأ ) فقال : " ولتهنك توبة الله ، يهمز ، ويسهل " . وقد ذكر صاحب لسان العرب (هنأ ) أن العرب تقول : " ليهنئك الفارس " بجزم الهمزة ، و " ليهنيك الفارس " بياء ساكنة ، ولا يجوز " ليهنك " كما تقول العامة " ، والذي قاله ونسبه للعامة ، صواب لا شك فيه عندي .
(46) قال الحافظ في الفتح : " قالوا : سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينه وبين طلحة ، لما آخى بين المهاجرين والأنصار . والذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير ، لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين ، فهو أخو أخيه " .
(47) " انخلع من ماله " ، أي : خرج من جميع ماله ، وتعرى منه كما يتعرى إنسان إذا خلع ثوبه . وأراد : إخراجه متصدقا به .
(48) " أبلاه " أي : أنعم عليه .
(49) " أن لا أكون " ، " لا " زائدة ، كالتي في قوله تعالى : ( مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) [ سورة : الأعراف : 12] . انظر ما سلف في تفسير الآية 12 : 323 - 325 .
(50) في المطبوعة : " خلفنا " دون " كنا " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وما أثبته مطابق لرواية مسلم في صحيحه .
(51) في صحيح مسلم : " مما خلفنا ، تخلفنا عن الغزو " ، والذي هنا وفي المخطوطة ، مطابق لما فيه رواية البخاري بغير هذا الإسناد .
(52) في المطبوعة : " ختم الجملة بقوله : " فقبل منهم " بالجمع ، خالف ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في صحيح مسلم والبخاري .
(53) الأثر : 17447 - حديث كعب بن مالك ، سيرويه أبو جعفر من طرق سأبينها بعد . أما روايته هذه من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، فهو إسناد مسلم في صحيحه 17 : 87 ، 98 ، وانظر التعليق على الأخبار التالية . وانظر الأثرين السالفين رقم : 16147 ، 17091 ، والتعليق عليهما .
(54) الأثر : 17448 - من هذه الطريق رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 86 - 93 ) ، وأحمد في مسنده 3 : 459 ، 460 ، الحديث بطوله .
(55) الأثر : 17449 - من هذه الطريق ، طريق معمر ، رواه أحمد في مسنده 6 : 387 - 390 . وانظر أيضا ما رواه أحمد في مسنده 3 : 456 ، روايته من طريق يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله ، عن عمه محمد بن مسلم الزهري ، الحديث بطوله ، وصحيح مسلم 17 : 98 - 100 .
(56) الأثر : 17450 - سيرة ابن هشام 4 : 175 - 181 ، الحديث بطوله .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 25 | ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَ ضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ |
---|
التوبة: 118 | ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
خلفوا:
1- بتشديد اللام، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتخفيف اللام، مبنيا للمفعول، وهى قراءة أبى مالك.
3- بتخفيف اللام، مبنيا للفاعل، وهى قراءة زر بن حبيش، وعمرو بن عبيد، ومعاذ القارئ، وحميد.
4- بتشديد اللام، مبنيا للفاعل، وهى قراءة أبى العالية، وأبى الجوزاء.
5- خالفوا، بألف أي: لم يوافقوا، وهى قراءة أبى زيد، وأبى مجاز، والشعبي، وابن يعمر، وعلى بن الحسين، وابناه زيد ومحمد الباقر، وابنه جعفر الصادق.
التفسير :
أي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} باللّه، وبما أمر اللّه بالإيمان به، قوموا بما يقتضيه الإيمان، وهو القيام بتقوى اللّه تعالى، باجتناب ما نهى اللّه عنه والبعد عنه.
{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم، وأحوالهم لا تكون إلا صدقا خلية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة.
قال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} الآية.
والمعنى: يا من آمنتم بالله واليوم الآخر.. اتقوا الله حق تقاته، بأن تفعلوا ما كلفكم به.
وتتركوا ما نهاكم عنه، «وكونوا مع الصادقين» في دين الله نية وقولا وعملا وإخلاصا فإن الصدق ما وجد في شيء إلا زانه، وما وجد الكذب في شيء إلا شانه.
قال القرطبي: حق من فهم عن الله وعقل عنه أن يلازم الصدق في الأقوال والإخلاص في الأعمال، والصفاء في الأحوال، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى ربنا الغفار.
قال صلى الله عليه وسلم «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا» .
والكذب على الضد من ذلك. قال صلى الله عليه وسلم «إياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار. وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» .
فالكذب عار، وأهله مسلوبو الشهادة، وقد رد صلى الله عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها.
وسئل شريك بن عبد الله فقيل له: يا أبا عبد الله، رجل سمعته يكذب متعمدا، أصلى خلفه؟ قال: لا
؛ ولهذا قال : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) أي : اصدقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم ، ومخرجا ، وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن شقيق ؛ عن عبد الله ، هو ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا " .
أخرجاه في الصحيحين .
وقال شعبة ، عن عمرو بن مرة ، سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال : [ إن ] الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، اقرءوا إن شئتم : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين ) - هكذا قرأها - ثم قال : فهل تجدون لأحد فيه رخصة .
وعن عبد الله بن عمر : ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وقال الضحاك : مع أبي بكر وعمر وأصحابهما .
وقال الحسن البصري : إن أردت أن تكون مع الصادقين ، فعليك بالزهد في الدنيا ، والكف عن أهل الملة .
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين، معرِّفَهم سبيل النجاة من عقابه، والخلاصِ من أليم عذابه: (يا أيها الذين آمنوا)، بالله ورسوله =(اتقوا الله)، وراقبوه بأداء فرائضه، وتجنب حدوده =(وكونوا)، في الدنيا، من أهل ولاية الله وطاعته, تكونوا في الآخرة =(مع الصادقين)، في الجنة. يعني: مع من صَدَق اللهَ الإيمانَ به، فحقَّق قوله بفعله، ولم يكن من أهل النفاق فيه، الذين يكذِّب قيلَهم فعلُهم.
وإنما معنى الكلام: وكونوا مع الصادقين في الآخرة باتقاء الله في الدنيا, كما قال جل ثناؤه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [سورة النساء: 69].
* * *
وإنما قلنا ذلك معنى الكلام, لأن كون المنافق مع المؤمنين غيرُ نافعه بأيّ وجوه الكون كان معهم، إن لم يكن عاملا عملهم. وإذا عمل عملهم فهو منهم, وإذا كان منهم، كان وجْهُ الكلام أن يقال: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، (57) ولتوجيه الكلام إلى ما وجَّهنا من تأويله، فسَّر ذلك من فسَّره من أهل التأويل بأن قال: معناه: وكونوا مع أبي بكر وعمر, أو: مع النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين رحمة الله عليهم.
* * *
* ذكر من قال ذلك أو غيره في تأويله:
17451- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب, عن زيد بن أسلم, عن نافع في قول الله: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، قال: مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
17452- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبويه أبو يزيد, عن يعقوب القمي, عن زيد بن أسلم, عن نافع قال: قيل للثلاثة الذين خُلِّفوا: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، محمدٍ وأصحابه.
17453- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل, عن عبد الرحمن المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: (وكونوا مع الصادقين) ، قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما، رحمةُ الله عليهم.
17454-...... قال، حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي قال، حدثنا خلف بن خليفة, عن أبي هاشم الرمّاني, عن سعيد بن جبير في قول الله: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، قال: مع أبي بكر وعمر، رحمة الله عليهما. (58)
17455- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، قال: مع المهاجرين الصادقين.
* * *
وكان ابن مسعود فيما ذكر عنه يقرؤه: (وَكُونُوا مِن الصَّادِقينَ)، ويتأوّله: أنّ ذلك نَهْىٌ من الله عن الكذب.
* ذكر الرواية عنه بذلك:
17456- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود يقول: قال ابن مسعود: إن الكذب لا يحلُّ منه جدٌّ ولا هزلٌ, اقرءوا إن شئتم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مِنَ الصَّادِقِينَ)، قال: وكذلك هي قراءة ابن مسعود: (من الصادقين), فهل ترون في الكذب رُخْصَة؟
17457-...... قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن شعبة, عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا عبيدة, عن عبد الله, نحوه.
17458-...... قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا عبيدة يحدِّث عن عبد الله قال: الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزل, اقرءوا إن شئتم.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مِنَ الصَّادِقِينَ) = وهي كذلك في قراءه عبد الله = فهل ترون من رخصة في الكذب؟
17459- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله قال: لا يصلح الكذب في هزلٍ ولا جدٍّ. ثم تلا عبد الله: (اتقوا الله وكونوا) ، ما أدري أقال: (من الصادقين) أو (مع الصادقين) ، وهو في كتابي: (مع الصادقين).
17460-...... قال، حدثنا أبي, عن الأعمش, عن مجاهد, عن أبي معمر, عن عبد الله, مثله.
17461-...... قال، حدثنا أبي, عن الأعمش, عن عمرو بن مرة, عن أبي عبيدة, عن عبد الله, مثله.
* * *
قال أبو جعفر: والصحيح من التأويل في ذلك، هو التأويل الذي ذكرناه عن نافع والضحاك. وذلك أنّ رسوم المصاحف كلّها مجمعة على: (وكونوا مع الصادقين) ، وهي القراءة التي لا أستجيز لأحدٍ القراءةَ بخلافها.
* * *
وتأويل عبد الله، رحمة الله عليه، في ذلك على قراءته، تأويلٌ صحيح, غير أن القراءة بخلافها.
------------------------
الهوامش :
(57) في المطبوعة : " كان لا وجه في الكلام أن يقال " ، غير ما في المخطوطة ، والذي فيها ما أثبته ، وهو مستقيم صحيح . والذي جاء به من عنده مفسد للكلام .
(58) الأثر : 17454 - " أبو هاشم الرماني " ثقة ، روى له الجماعة . مختلف في اسمه ، مضى برقم : 10818 .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 278 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ |
---|
آل عمران: 102 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ |
---|
المائدة: 35 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ﴾ |
---|
التوبة: 119 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ |
---|
الأحزاب: 70 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ |
---|
الحديد: 28 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾ |
---|
الحشر: 18 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الصادقين:
وقرئ:
بفتح القاف وكسر النون، على التثنية أي: الله ورسوله، وهى قراءة زيد بن على، وابن السميفع، وأبى المتوكل.
التفسير :
يقول تعالى ـ حاثا لأهل المدينة المنورة من المهاجرين، والأنصار، ومن حولهم من الأعراب، الذين أسلموا فحسن إسلامهم ـ : {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} أي: ما ينبغي لهم ذلك، ولا يليق بأحوالهم.
{وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ} في بقائها وراحتها، وسكونه {عَنْ نَفْسِهِ} الكريمة الزكية، بل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلى كل مسلم أن يفدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، بنفسه ويقدمه عليها، فعلامة تعظيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومحبته والإيمان التام به، أن لا يتخلفوا عنه، ثم ذكر الثواب الحامل على الخروج فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أي: المجاهدين في سبيل اللّه {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} أي: تعب ومشقة {وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: مجاعة.
{وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّار} من الخوض لديارهم، والاستيلاء على أوطانهم، {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا} كالظفر بجيش أو سرية أو الغنيمة لمال {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} لأن هذه آثار ناشئة عن أعمالهم.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} الذين أحسنوا في مبادرتهم إلى أمر الله، وقيامهم بما عليهم من حقه وحق خلقه، فهذه الأعمال آثار من آثار عملهم.
ثم أوجب- سبحانه- على المؤمنين مصاحبة رسولهم صلى الله عليه وسلم في غزواته فقال:
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ....
والمراد بالنفي هنا النهى. أى: ليس لأهل المدينة أو لغيرهم من الأعراب سكان البادية الذين يسكنون في ضواحي المدينة، كقبائل مزينة وجهينة وأشجع وغفار.
ليس لهؤلاء جميعا أن يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما خرج للجهاد، كما فعل بعضهم في غزوة تبوك، لأن هذا التخلف يتنافى مع الإيمان بالله ورسوله.
وليس لهم كذلك «أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه» أى ليس لهم أن يؤثروا أنفسهم بالراحة على نفسه، بأن يتركوه يتعرض للآلام والأخطار. دون أن يشاركوه في ذلك، بل من الواجب عليهم أن يكونوا من حوله في البأساء والضراء، والعسر واليسر والمنشط والمكره.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة: أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه، علما بأنها أعز نفس على الله وأكرمها، فإذا تعرضت- مع كرامتها وعزتها- للخوض في شدة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت- أى تتساقط- فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيمون لها وزنا، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه، فضلا عن أن يربئوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه. وهذا نهى بليغ، مع تقبيح لأمرهم، وتوبيخ لهم عليه، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية» .
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. يعود على ما دل عليه الكلام من وجوب مصاحبته وعدم التخلف عنه.
أى: ذلك الذي كلفناهم به من وجوب مصاحبته صلى الله عليه وسلم والنهى عن التخلف عنه، سببه أنهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ أى عطش وَلا نَصَبٌ أى: تعب ومشقة وَلا مَخْمَصَةٌ أى: مجاعة شديدة تجعل البطون خامصة ضامرة فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى: في جهاد أعدائه وإعلاء كلمة الحق وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ أى: ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بأرجلهم أو بحوافر خيولهم من أجل إغاظتهم وإزعاجهم.. وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا أى: ولا يصيبون من عدو من أعدائهم إصابة كقتل أو أسر أو غنيمة.
إنهم لا يفعلون شيئا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ أى: إلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح، ينالون بسببه الثواب الجزيل من الله، لأنه- سبحانه- لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وإنما يكافئهم على إحسانهم بالأجر العظيم.
يعاتب تعالى المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب ، ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل من المشقة ، فإنهم نقصوا أنفسهم من الأجر ؛ لأنهم ( لا يصيبهم ظمأ ) وهو : العطش ( ولا نصب ) وهو : التعب ( ولا مخمصة ) وهي : المجاعة ( ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ) أي : ينزلون منزلا يرهب عدوهم ( ولا ينالون ) منه ظفرا وغلبة عليه إلا كتب الله لهم بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرتهم ، وإنما هي ناشئة عن أفعالهم ، أعمالا صالحة وثوابا جزيلا ( إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) كما قال تعالى : ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) [ الكهف : 30 ] .
القول في تأويل قوله : مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لم يكن لأهل المدينة, مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم =(ومن حولهم من الأعراب)، سُكّان البوادي, الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, وهم من أهل الإيمان به، أن يتخلفوا في أهاليهم ولا دارٍ لهم, (59) ولا أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه في صحبته في سفره والجهاد معه، ومعاونته على ما يعانيه في غزوه ذلك. (60) يقول: إنه لم يكن لهم هذا =(بأنهم)، من أجل أنهم، وبسبب أنهم =(لا يصيبهم)، في سفرهم إذا كانوا معه =(ظمأ)، وهو العطش =(ولا نصب), يقول: ولا تعب =(ولا مخمصة في سبيل الله) ، يعني: ولا مجاعة في إقامة دين الله ونصرته, وهدْم مَنَار الكفر (61) =(ولا يطئون موطئًا) ، يعني: أرضًا, يقول: ولا يطأون أرضًا = (يغيظ الكفار)، وطؤهم إياها (62) =(ولا ينالون من عدوّ نيلا) ، يقول: ولا يصيبون من عدوّ الله وعَدُوّهم شيئًا في أموالهم وأنفسهم وأولادهم = إلا كتب الله لهم بذلك كله، ثوابَ عمل صالح قد ارتضاه (63) =(إن الله لا يضيع أجر المحسنين) ، يقول: إن الله لا يدع محسنًا من خلقه أحسن في عمله فأطاعه فيما أمره، وانتهى عما نهاه عنه, أن يجازيه على إحسانه، ويثيبه على صالح عمله. (64) فلذلك كتبَ لمن فعل ذلك من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ما ذكر في هذه الآية، الثوابَ على كلّ ما فعل، فلم يضيِّع له أجرَ فعله ذلك.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية.
* * *
فقال بعضهم: هي محكمة, وإنما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة, لم يكن لأحدٍ أن يتخلف إذا غزا خِلافَه فيقعد عنه، إلا من كان ذا عُذْرٍ. فأما غيره من الأئمة والولاة، فإن لمن شاء من المؤمنين أن يتخلَّف خلافه، إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة.
* ذكر من قال ذلك:
17462- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) ، هذا إذا غزا نبيُّ الله بنفسه, فليس لأحد أن يتخلف. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشقَّ على أمتي ما تخلَّفت خلف سريّة تغزو في سبيل الله, لكني لا أجد سَعةً، فأنطلق بهم معي, ويشقّ علي = أو: أكره = أن أدعهم بعدي.
17463- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، سمعت الأوزاعي, وعبد الله بن المبارك, والفزاري, والسبيعي, وابن جابر, وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) ، إلى آخر الآية، إنها لأوّل هذه الأمة وآخرها من المجاهدين في سبيل الله.
* * *
وقال آخرون هذه الآية: نـزلت وفي أهل الإسلام قلة, فلما كثروا نسخها الله، وأباح التخلف لمن شاء, فقال: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [سورة التوبة: 122]
* ذكر من قال ذلك:
17464- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) ، فقرأ حتى بلغ: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، قال: هذا حين كان الإسلام قليلا فلما كثر الإسلام بعدُ قال: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ، إلى آخر الآية.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي, أن الله عنى بها الذين وصفهم بقوله: وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ، [سورة التوبة: 90] . ثم قال جل ثناؤه: (ما كان لأهل المدينة)، الذين تخلفوا عن رسول الله، ولا لمن حولهم من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد معه، أن يتخلفوا خِلافَه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ندب في غزوته تلك كلَّ من أطاق النهوض معه إلى الشخوص، إلا من أذن له، أو أمره بالمقام بعده. فلم يكن لمن قدر على الشخوص التخلُّف. فعدّد جل ثناؤه من تخلف منهم, فأظهر نفاقَ من كان تخلُّفه منهم نفاقًا، وعذر من كان تخلفه لعُذْرٍ, وتاب على من كان تخلُّفه تفريطًا من غير شك ولا ارتياب في أمر الله، إذ تاب من خطأ ما كان منه من الفعل. فأما التخلف عنه في حال استغنائه، فلم يكن محظورًا، إذا لم يكن عن كراهةٍ منه صلى الله عليه وسلم ذلك. وكذلك حكم المسلمين اليوم إزاء إمامهم. فليس بفرضٍ على جميعهم النهوضُ معه، إلا في حال حاجته إليهم، لما لا بُدَّ للإسلام وأهله من حضورهم واجتماعهم واستنهاضه إياهم، فيلزمهم حينئذ طاعته.
وإذا كان ذلك معنى الآية، لم تكن إحدى الآيتين اللتين ذكرنا ناسخةً للأخرى, إذ لم تكن إحداهما نافيةً حكم الأخرى من كل وجوهه, ولا جاء خبر يوجِّه الحجة بأن إحداهما ناسخة للأخرى.
* * *
وقد بينا معنى " المخمصة "، وأنها المجاعة بشواهده, وذكرنا الرواية عمن قال ذلك في موضعٍ غير هذا, فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. (65)
* * *
وأما " النيل "، فهو مصدر من قول القائل: " نالني ينالني", و " نلت الشيء فهو مَنيل ". وذلك إذا كنت تناله بيدك، وليس من " التناول ". وذلك أن " التناول " من " النوال ", يقال منه: " نُلْتُ له، أنول له "، من العطيّة.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: " النيل " مصدر من قول القائل: " نالني بخير ينولني نوالا "، و " أنالني خيرًا إنالةً". وقال: كأن " النيل " من الواو أبدلت ياء لخفتها وثقل الواو. وليس ذلك بمعروف في كلام العرب, بل من شأن العرب أن تصحِّح الواو من ذوات الواو، إذا سكنت وانفتح ما قبلها, كقولهم: " القَوْل ", و " العَوْل ", و " الحول ", ولو جاز ما قال، لجاز " القَيْل ". (66)
----------------------
الهوامش :
(59) في المطبوعة : " ولا دارهم " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(60) انظر تفسير " رغب " فيما سلف 3 : 89 .
(61) انظر تفسير " المخمصة " فيما سيأتي ص : 564 ، تعليق : 1 .
= وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .
(62) انظر تفسير " الغيظ " فيما سلف 7 : 215 / 114 : 16 .
(63) انظر تفسير " كتب " فيما سلف من فهارس اللغة (كتب) .
(64) انظر تفسير " المحسن " فيما سلف من فهارس اللغة ( حسن ) .
(65) انظر تفسير " المخمصة " فيما سلف 9 : 532 - 534 .
(66) انظر تفسير " النيل " فيما سلف 3 : 20 / 6 : 587 / 12 : 408 ، 469 / 13 : 133 ولم يفسر " النيل " فيما سلف بمثل هذا البيان في هذا الموضع . وهذه ملاحظة نافعة في استخراج المنهج الذي ألف به أبو جعفر تفسيره هذا .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 171 | ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ |
---|
التوبة: 120 | ﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ |
---|
هود: 115 | ﴿وَاصْبِرْ فَـ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ |
---|
يوسف: 90 | ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَـ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا} في ذهابهم إلى عدوهم {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
ومن ذلك هذه الأعمال، إذا أخلصوا فيها للّه، ونصحوا فيها، ففي هذه الآيات أشد ترغيب وتشويق للنفوس إلى الخروج إلى الجهاد في سبيل اللّه، والاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقات، وأن ذلك لهم رفعة درجات، وأن الآثار المترتبة على عمل العبد له فيها أجر كبير
وقوله: وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً.. معطوف على ما قبله.
أى: وكذلك لا يتصدقون بصدقة صغيرة، كالتمرة ونحوها، ولا كبيرة كما فعل عثمان- رضى الله عنه- في هذه الغزوة، فقد تصدق بالكثير.
وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً من الوديان في مسيرهم إلى عدوهم، أو في رجوعهم عنه.
لا يفعلون شيئا من ذلك أيضا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ أى: إلا كتب لهم ثوابه في سجل حسناتهم.
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أى: أمرهم بمصاحبة نبيهم في كل غزواته، وكلفهم بتحمل مشاق الجهاد ومتاعبه. ليجزيهم على ذلك أحسن الجزاء وأعظمه، فأنت ترى أن الله- تعالى- قد حرض المؤمنين على الجهاد في هاتين الآيتين، وبين لهم أن كل ما يلاقونه في جهادهم من متاعب له ثوابه العظيم، وما دام الأمر كذلك فعليهم أن يصاحبوا رسولهم صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته، لأن التخلف عنه لا يليق بالمؤمنين الصادقين، فضلا عن أن هذا التخلف- بدون عذر شرعي- سيؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة.
وبعد أن حرض الله- تعالى- المؤمنين على الجهاد في سبيله، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع رسوله صلى الله عليه وسلم أتبع ذلك بالحديث عما يجب عليهم إذا لم تكن المصلحة تقتضي النفير العام، فقال- تعالى-:
يقول تعالى : ولا ينفق هؤلاء الغزاة في سبيل الله ( نفقة صغيرة ولا كبيرة ) أي : قليلا ولا كثيرا ( ولا يقطعون واديا ) أي : في السير إلى الأعداء ( إلا كتب لهم ) ولم يقل هاهنا " به " لأن هذه أفعال صادرة عنهم ؛ ولهذا قال : ( ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) .
وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، من هذه الآية الكريمة حظ وافر ، ونصيب عظيم ، وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة ، والأموال الجزيلة ، كما قال عبد الله بن الإمام أحمد :
حدثنا أبو موسى العنزي ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثني سكن بن المغيرة ، حدثني الوليد بن أبي هاشم ، عن فرقد أبي طلحة ، عن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان ، رضي الله عنه : علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها . قال : ثم حث ، فقال عثمان : علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها . قال : ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث ، فقال عثمان بن عفان : علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها . قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بيده هكذا - يحركها . وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب : " ما على عثمان ما عمل بعد هذا " .
وقال عبد الله أيضا : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ضمرة ، حدثنا عبد الله بن شوذب ، عن عبد الله بن القاسم ، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة ، عن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة قال : فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول : " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم " . يرددها مرارا .
وقال قتادة في قوله تعالى : ( ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ) الآية : ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بعدا إلا ازدادوا من الله قربا .
القول في تأويل قوله : وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ , وسائر ما ذكر = وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا =(ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة)، في سبيل الله (67) =(ولا يقطعون)، مع رسول الله في غزوه =(واديًا) إلا كتب لهم أجر عملهم ذلك, جزاءً لهم عليه، كأحسن ما يجزيهم على أحسن أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم، كما:-
17465- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة) ، الآية, قال: ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بُعْدًا إلا ازدادوا من الله قربًا.
---------------------------
الهوامش :
(67) لم يكن في المخطوطة ولا المطبوعة : " ولا كبيرة " ، وزدتها لأنها حق الكلام .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 121 | ﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّـهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
النحل: 96 | ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِـ أَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
النحل: 97 | ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِـ أَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
العنكبوت: 7 | ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
الزمر: 35 | ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّـهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِـ أَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى: ـ منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم ـ {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أي: جميعا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك، وتفوت به كثير من المصالح الأخرى، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ} أي: من البلدان، والقبائل، والأفخاذ {طَائِفَةٌ} تحصل بها الكفاية والمقصود لكان أولى.
ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: {لِيَتَفَقَّهُوا} أي: القاعدون {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} أي. ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علما، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له.
وأما اقتصار العالم على نفسه، وعدم دعوته إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته أن يموت، فيموت علمه وثمرته، وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه اللّه علما ومنحه فهما.
وفي هذه الآية أيضًا دليل وإرشاد وتنبيه لطيف، لفائدة مهمة، وهي: أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة، والقصد واحد، وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور.
قال الجمل: وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بالغ في الكشف عن عيوب المنافقين، وفضحهم في تخلفهم عن غزوة تبوك. قال المسلمون: والله لا نتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن سرية بعثها، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك، وبعث السرايا، أراد المسلمون أن ينفروا جميعا للغزو وأن يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده فنزلت هذه الآية .
والمعنى، وما كان من شأن المؤمنين، أن ينفروا جميعا في كل سرية تخرج للجهاد، ويتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة، وإنما يجب عليهم النفير العام إذا ما دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.
وقوله: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ... معطوف على كلام محذوف، ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا.
أى: فحين لم يكن هناك موجب لنفير الكافة، فهلا نفر من كل فرقة من المؤمنين طائفة للجهاد، وتبقى طائفة أخرى منهم «ليتفقهوا في الدين» أى: ليتعلموا أحكامه من رسولهم صلى الله عليه وسلم «ولينذروا قومهم» أى: وليعلموهم ويخبروهم بما أمروا به أو نهوا عنه «إذا رجعوا إليهم» من الغزو «لعلهم يحذرون» أى: لعل هؤلاء الراجعين إليهم من الغزو يحذرون ما نهوا عنه.
أى: أن على المسلمين في حالة عدم النفير العام، أن يقسموا أنفسهم إلى قسمين.
قسم يبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقه في دينه، وقسم آخر يخرج للجهاد في سبيل الله، فإذا ما عاد المجاهدون، فعلى الباقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا العائدين ما حفظوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحكام.
وبذلك يجمع المسلمون بين المصلحتين: مصلحة الدفاع عن الدين بالحجة والبرهان، ومصلحة الدفاع عنه بالسيف والسنان.
وعلى هذا التفسير الذي سار عليه جمهور العلماء يكون الضمير في قوله «ليتفقهوا ولينذروا» يعود إلى الطائفة الباقية مع الرسول صلى الله عليه وسلم أما الضمير في قوله «لعلهم يحذرون» فيعود على الطائفة التي خرجت للجهاد ثم عادت.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله «ليتفقهوا، ولينذروا» يعود على الطائفة التي خرجت للجهاد.
وقد رجح هذا الاتجاه الإمام ابن جرير فقال: وأما قوله «ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: لتتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله لأهل دينه ولأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به، فيفقه بذلك من معاينته حقيقة علم أمر الإسلام، وظهوره على الأديان، من لم يكن فقهه، «ولينذروا قومهم» فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله، مثل الذي نزل بمن شاهدوا، ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك، إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم «لعلهم يحذرون» أى:
لعل قومهم إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله، حذرا من أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبروا خبرهم ... » .
وقد علق صاحب المنار على رأى ابن جرير هذا بقوله: وهذا تأويل متكلف ينبو عنه النظم الكريم، فإن اعتبار طائفة السرية بما قد يحصل لها من النصر- وهو غير مضمون ولا مطرد- لا يسمى تفقها في الدين، وإن كان يدخل في عموم معنى الفقه، فإن التفقه هو التعلم الذي يكون بالتكلف والتدرج، والمتبادر من الدين علمه، ولا يصح هذا المعنى في ذلك العهد إلا في الذين يبقون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيزدادون في كل يوم علما وفقها بنزول القرآن ... » .
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية: وجوب طلب العلم، والتفقه في دين الله وتعليم الناس إياه.
قال القرطبي: هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم لأن المعنى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم لا ينفر فيتركوه وحده «فلولا نفر» بعد ما علموا أن النفير لا يسع جميعهم «من كل فرقة منهم طائفة» وتبقى بقيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا، فإذا رجع النافرون إليهم أخبروهم بما سمعوه وعلموه، وفي هذا إيجاب التفقه، في الكتاب والسنة، وأنه على الكفاية دون الأعيان..» .
ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن الجهاد في سبيل الله، بدعوة المؤمنين إلى قتال أعدائهم بشدة وغلظة فقال- تعالى-:
هذا بيان من الله تعالى لما أراد من نفير الأحياء مع الرسول في غزوة تبوك ، فإنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا ) [ التوبة : 41 ] ، وقال : ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ) [ التوبة : 120 ] ، قالوا : فنسخ ذلك بهذه الآية .
وقد يقال : إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها ، وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم ، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو ، فيجتمع لهم الأمران في هذا : النفير المعين وبعده ، صلوات الله وسلامه عليه ، تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد ؛ فإنه فرض كفاية على الأحياء .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) يقول : ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) يعني : عصبة ، يعني : السرايا ، ولا يتسروا إلا بإذنه ، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن الله قد أنزل على نبيكم قرآنا ، وقد تعلمناه . فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم ، ويبعث سرايا أخرى ، فذلك قوله : ( ليتفقهوا في الدين ) يقول : ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم ، وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم ( لعلهم يحذرون ) .
وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في أناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، خرجوا في البوادي ، فأصابوا من الناس معروفا ، ومن الخصب ما ينتفعون به ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا . فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا ، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله ، عز وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) يبتغون الخير ، ( ليتفقهوا [ في الدين ] ) وليستمعوا ما في الناس ، وما أنزل الله بعدهم ، ( ولينذروا قومهم ) الناس كلهم ( إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) .
وقال قتادة في هذه الآية : هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش ، أمرهم الله ألا يعروا نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين ، وتنطلق طائفة تدعو قومها ، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم .
وقال الضحاك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه ، إلا أهل الأعذار . وكان إذا أقام فاسترت السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه ، فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده قرآن ، تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين معه ، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا . فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين ، وهو قوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) يقول إذا أقام رسول الله ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) يعني بذلك : أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد ، ولكن إذا قعد نبي الله تسرت السرايا ، وقعد معه عظم الناس .
وقال [ علي ] بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس : قوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) فإنها ليست في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم ، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ، ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون . فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم . فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين ، فردهم رسول الله إلى عشائرهم ، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله : ( ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة ، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم . فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ، ويتفقهون في دينهم ، ويقولون لنبي الله : ما تأمرنا أن نفعله ؟ وأخبرنا [ ما نقول ] لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم . قال : فيأمرهم نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله ، ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة . وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا : إن من أسلم فهو منا ، وينذرونهم ، حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم ، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة .
وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية : [ الشريفة ] ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) [ التوبة : 39 ] ، و ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا [ عن رسول الله ] ) [ التوبة : 120 ] ، قال المنافقون : هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه . وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم ، فأنزل الله ، عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) الآية ، ونزلت : ( والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له ) الآية [ الشورى : 16 ] .
وقال الحسن البصري : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) قال : ليتفقه الذين خرجوا ، بما يردهم الله من الظهور على المشركين ، والنصرة ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم .
القول في تأويل قوله : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولم يكن المؤمنون لينفروا جميعًا. (68)
* * *
وقد بينا معنى " الكافة " بشواهده، وأقوال أهل التأويل فيه, فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. (69)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله بهذه الآية، وما " النفر "، الذي كرهه لجميع المؤمنين؟
فقال بعضهم: وهو نَفْرٌ كان من قوم كانوا بالبادية، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون الناس الإسلام, فلما نـزل قوله: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، انصرفوا عن البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه، وممن عُنِي بالآية. فأنـزل الله في ذلك عذرهم بقوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، وكره انصرافَ جميعهم من البادية إلى المدينة.
* ذكر من قال ذلك:
17466- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، قال: ناسٌ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، خرجوا في البوادي, فأصابوا من الناس معروفًا، ومن الخصب ما ينتفعون به, ودَعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى, فقال الناس لهم: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا! فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجًا, وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال الله: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، يبتغون الخير =(ليتفقهوا) ، وليسمعوا ما في الناس, وما أنـزل الله بعدهم =(ولينذروا قومهم) ، الناس كلهم =(إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
17467- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله = إلا أنه قال في حديثه: فقال الله: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، خرج بعض، وقعد بعضٌ يبتغون الخير.
17468-...... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، نحو حديثه عن أبي حذيفة.
17469- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد، نحو حديث المثنى عن أبي حذيفة = غير أنه قال في حديثه: ما نراكم إلا قد تركتم صاحبكم! وقال: (ليتفقهوا) ، ليسمعوا ما في الناس.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان المؤمنون لينفروا جميعًا إلى عدوّهم، ويتركوا نبيهم صلى الله عليه وسلم وحده، كما:-
17470- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، قال: ليذهبوا كلهم = فلولا نفر من كل حي وقبيلة طائفة، وتخلف طائفة =(ليتفقهوا في الدين), ليتفقه المتخلفون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدين = ولينذر المتخلفون النافرين إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
17471- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعًا، ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده =(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، يعني عصبة, يعني السرايا, ولا يتَسرَّوا إلا بإذنه, فإذا رجعت السرايا وقد نـزل بعدهم قرآن، تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: " إن الله قد أنـزل على نبيكم بعدكم قرآنا، وقد تعلمناه ". فيمكث السرايا يتعلَّمون ما أنـزل الله على نبيهم بعدهم، [ويبعث سرايا أخر, فذلك قوله: (ليتفقهوا في الدين) ، يقول يتعلمون ما أنـزل الله على نبيه], (70) ويعلموا السرايا إذا رجعت إليهم لعلهم يحذرون. (71)
17472- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، إلى قوله: (لعلهم يحذرون) ، قال: هذا إذا بعث نبيُّ الله الجيوشَ، أمرهم أن لا يُعَرُّوا نبيه، وتقيم طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفقه في الدين, وتنطلق طائفة تدعو قومها، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم.
17473- حدثنا الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، الآية, كان نبي الله إذا غزا بنفسه لم يحلَّ لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه، إلا أهل العذر. وكان إذا أقام فأسرت السرايا، لم يحلّ لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه. فكان الرجل إذا أسرى فنـزل بعده قرآن، تلاه نبي الله على أصحابه القاعدين معه. فإذا رجعت السرية، قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أنـزل بعدكم على نبيه قرآنا "، فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، يقول: إذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم =(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، يعني بذلك: أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعًا ونبيُّ الله قاعد, ولكن إذا قعد نبيُّ الله، تسرَّت السرايا، وقعد معه عُظْمُ الناس.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هؤلاء الذين نفروا بمؤمنين, ولو كانوا مؤمنين لم ينفر جميعهم، ولكنهم منافقون. ولو كانوا صادقين أنهم مؤمنون، لنفر بعضٌ ليتفقه في الدين، ولينذر قومه إذا رجع إليهم.
* ذكر من قال ذلك:
17474- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، فإنها ليست في الجهاد, ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مُضَر بالسِّنين أجدبت بلادهم, وكانت القبيلة منهم تُقْبل بأسرها حتى يحلُّوا بالمدينة من الجهْد, ويعتلُّوا بالإسلام وهم كاذبون, فضيَّقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم، وأنـزل الله يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مؤمنين, فردّهم رسول الله عشائرهم, وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
* * *
وقد روي عن ابن عباس في ذلك قول ثالثٌ, وهو ما:-
17475- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، إلى قوله: (لعلهم يحذرون) ، قال: كان ينطلق من كل حيّ من العرب عصابةٌ، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم، فيسألونه عما يريدونه من دينهم، ويتفقهون في دينهم, ويقولون لنبي الله: ما تأمرنا أن نفعله، وأخبرنا ما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم؟ قال: فيأمرهم نبيّ الله بطاعة الله وطاعة رسوله, ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة. وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: " إن من أسلم فهو منَّا "، وينذرونهم, حتى إن الرجل ليعرِّف أباه وأمه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرون قومهم. (72) فإذا رجعوا إليهم، يدعونهم إلى الإسلام، وينذرونهم النار، ويبشرونهم بالجنة.
* * *
وقال آخرون: إنما هذا تكذيب من الله لمنافقين أزرَوْا بأعراب المسلمين وغيرهم، (73) في تخلُّفهم خِلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم ممن قد عذره الله بالتخلف.
* ذكر من قال ذلك:
17476- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان بن عيينة, عن سليمان الأحول, عن عكرمة قال: لما نـزلت هذه الآية: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، إلى: إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، قال ناس من المنافقين: هلك من تخلف! فنـزلت: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، إلى: (لعلهم يحذرون) ، ونـزلت: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ، الآية [سورة الشورى: 16].
17477- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة قال، حدثنا سليمان الأحول، عن عكرمة, قال: سمعته يقول: لما نـزلت: إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [سورة التوبة: 39]، و مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ ، إلى قوله: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه! وقد كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو، إلى قومهم يفقهونهم, فأنـزل الله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، إلى قوله: (لعلهم يحذرون) ، ونـزلت: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ ، الآية.
* * *
واختلف الذين قالوا: " عُنى بذلك النهيُ عن نَفْر الجميع في السرية، وترك النبيّ عليه السلام وحده " في المعنيِّين بقوله: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) .
فقال بعضهم: عُنى به الجماعة المتخلفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالوا: معنى الكلام: فهلا نفر من كل فرقة طائفة للجهاد، ليتفقه المتخلفون في الدين، ولينذروا قومهم الذين نفروا في السرية إذا رجعوا إليهم من غزوهم؟ وذلك قول قتاده, وقد ذكرنا رواية ذلك عنه، من رواية سعيد بن أبي عروبة، (74) وقد:-
17478- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) الآية, قال: ليتفقه الذين قعدوا مع نبي الله =(ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) ، يقول: لينذروا الذين خرجوا إذا رجعوا إليهم.
17479- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن وقتادة: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، قالا كافة, ويَدَعوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
* * *
وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: لتتفقه الطائفة النافرة دون المتخلفة، وتحذر النافرةُ المتخلفةَ.
* ذكر من قال ذلك:
17480- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) ، قال: ليتفقه الذين خرجوا، بما يُريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة, وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: تأويلُه: وما كان المؤمنون لينفروا جميعًا ويتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده, وأن الله نهى بهذه الآية المؤمنين به أن يخرجوا في غزو وجهادٍ وغير ذلك من أمورهم، ويدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيدًا. ولكن عليهم إذا سَرَّى رسول الله سرية أن ينفر معها من كل قبيلة من قبائل العرب = وهي الفرقة (75) =(طائفة) ، وذلك من الواحد إلى ما بلغ من العدد, (76) كما قال الله جل ثناؤه: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، يقول: فهلا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفة؟ (77) وهذا إلى هاهنا، على أحد الأقوال التي رويت عن ابن عباس, وهو قول الضحاك وقتادة.
وإنما قلنا: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب, لأن الله تعالى ذكره حظر التخلف خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به من أهل المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم, ومن الأعراب، لغير عذر يُعذرون به، إذا خرج رسول الله لغزوٍ وجهادِ عدوٍّ قبل هذه الآية بقوله: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، ثم عقب ذلك جل ثناؤه بقوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ، فكان معلومًا بذلك = إذْ كان قد عرّفهم في الآية التي قبلها اللازمَ لهم من فرض النَّفْر، والمباحَ لهم من تركه في حال غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشخوصه عن مدينته لجهاد عدوّ, وأعلمهم أنه لا يسعهم التخلف خِلافه إلا لعذر، بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم = أن يكون عَقِيب تعريفهم ذلك، تعريفُهم الواجبَ عليهم عند مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينته، وإشخاص غيره عنها, كما كان الابتداءُ بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه بعضهم.
* * *
وأما قوله: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) ، (78) فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: ليتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله أهلَ دينه وأصحابَ رسوله، على أهل عداوته والكفر به, فيفقه بذلك من مُعاينته حقيقةَ علم أمر الإسلام وظهوره على الأديان، من لم يكن فقهه, ولينذروا قومهم فيحذروهم أن ينـزل بهم من بأس الله مثل الذي نـزل بمن شاهدوا وعاينوا ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك = إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم =(لعلهم يحذرون) ، (79) يقول: لعل قومهم، إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله, حذرًا أن ينـزل بهم ما نـزل بالذين أخبِروا خبرَهم.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب, وهو قول الحسن البصري الذي رويناه عنه، (80) لأن " النفر " قد بينا فيما مضى، أنه إذا كان مطلقًا بغير صلة بشيء، أنَّ الأغلب من استعمال العرب إياه في الجهاد والغزو. (81) فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه, وكان جل ثناؤه قال: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) ، علم أن قوله: (ليتفقهوا)، إنما هو شرط للنفر لا لغيره, إذْ كان يليه دون غيره من الكلام.
* * *
فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معناه: ليتفقه المتخلِّفون في الدين؟
قيل: ننكر ذلك لاستحالته. وذلك أن نَفْر الطائفة النافرة، لو كان سببًا لتفقه المتخلفة, وجب أن يكون مقامها معهم سببًا لجهلهم وترك التفقه، وقد علمنا أن مقامهم لو أقاموا ولم ينفروا لم يكن سببًا لمنعهم من التفقه.
* * *
وبعدُ, فإنه قال جل ثناؤه: (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) ، عطفًا به على قوله: (ليتفقهوا في الدين) ، ولا شك أن الطائفة النافرة لم ينفروا إلا والإنذار قد تقدّم من الله إليها, وللإنذار وخوف الوعيد نَفرتْ, فما وجْهُ إنذار الطائفة المتخلفة الطائفةَ النافرةَ، وقد تساوتا في المعرفة بإنذار الله إياهما؟ ولو كانت إحداهما جائزٌ أن توصف بإنذار الأخرى, لكان أحقَّهما بأن يوصف به، الطائفة النافرة, لأنها قد عاينت من قدرة الله ونصرة المؤمنين على أهل الكفر به، ما لم تعاين المقيمة. ولكن ذلك إن شاء الله كما قلنا، من أنها تنذر من حَيِّها وقبيلتها من لم يؤمن بالله إذا رجعت إليه: أن ينـزل به ما أنـزل بمن عاينته ممن أظفر الله به المؤمنين من نُظَرائه من أهل الشرك.
------------------------
الهوامش:
(68) انظر تفسير " النفر " فيما سلف 8 : 536 / 14 : 254 ، 399 .
(69) انظر تفسير " الكافة " فيما سلف 4 : 257 ، 258 / 14: 242 .
(70) ما بين القوسين ، ليس في المخطوطة ، وزاده ناشر المطبوعة من الدر المنثور 3 : 292 ، فيما أرجح .
(71) كان في المطبوعة : " ويعلمونه " ، وفي الدر : " ويعلموه " ، وفي المخطوطة : " ويعلموا " عطفا على قوله : " ليفقهوا " .
(72) هكذا جاءت هذه الجملة في المخطوطة والمطبوعة ، وهي جملة غريبة التركيب ، أخشى أن يكون سقط منها شيء
(73) في المطبوعة : " بأعراب المسلمين وعزروهم " ، والصواب ما في المخطوطة .
(74) انظر ما سلف رقم : 17472 .
(75) انظر تفسير " الفريق " و " الفرقة " فيما سلف : ص : 539 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(76) انظر تفسير " طائفة " فيما سلف : ص : 403 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(77) انظر تفسير " لولا " فيما سلف 11 : 356 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(78) انظر تفسير " التفقه " فيما سلف ص : 413 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(79) انظر تفسير " الحذر " فيما سلف 10 : 575 / 14 : 331 .
(80) انظر ما سلف رقم : 17480 .
(81) انظر ما سلف ص : 251 - 256 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء