234109110111112113114115116117

الإحصائيات

سورة هود
ترتيب المصحف11ترتيب النزول52
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.00
عدد الآيات123عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.90
ترتيب الطول8تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء12عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 5/29آلر: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (109) الى الآية رقم (113) عدد الآيات (5)

لَمَّا بَيَّنَ إصرارَ كفارِ مكةَ على الكفرِ بَيَّنَ هنا أنَّ الكفَّارَ كانُوا على هذه السيرةِ الفاسدةِ معَ كلِّ الأنبياءِ، وضربَ مثلًا بموسى عليه السلام، ثُمَّ أمرُ اللهِ لرسولِه ﷺ ومن تابَ معَه بالاستقامةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (114) الى الآية رقم (117) عدد الآيات (4)

لَمَّا أَمَرَ رسولَه r بالاستقامةِ، أتبَعَه بالأمرِ بالصَّلاةِ لأنَّها أعظمُ العباداتِ بعد الإيمانِ باللهِ، ثُمَّ بَيَّنَ سنَّتَه تعالى أن لا يُهلكَ قريةً من القُرى إذا كانَ أهلُها مُصْلحينَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة هود

الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف/ التوازن (أو: الثبات على الحق دون تهور أو ركون)

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • السورة تقدم 7 نماذج من الأنبياء الكرام::   في ظل هذه الأجواء تنزل سورة "هود" لتقول: اثبتوا واستمروا في الدعوة. نزلت بهدف : تثبيت النبي ﷺ والذين معه على الحق. نزلت تنادي: الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف.
  • • سورة هود شيبت النبي ﷺ::   ذكرت السورة 7 نماذج من الأنبياء الكرام، وصبرهم على ما لاقوه من أقوامهم، كل منهم يواجه الجاهلية الضالة ويتلقى الإعراض والتكذيب والسخرية والاستهزاء والتهديد والإيذاء، وهم: نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، شعيب، موسى. وهم الأنبياء أنفسهم الذين ذُكروا في سورة الشعراء والعنكبوت (لكن ليس بنفس هذا الترتيب). وأيضًا نفس الأنبياء الذين ذكروا في سورة الأعراف إلا إبراهيم (وبنفس ترتيب هود). وكأنها تقول للنبي ﷺ وأصحابه: هذا ما حدث للأنبياء قبلكم، أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم، ومع هذا ثبتوا وصبروا واستمروا؛ فاثبتوا واصبروا واستمروا مثلهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «هود».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله هود عليه السلام، أرسله الله إلى عاد في الأحقاف التي تقع جنوب الجزيزة العربية بين عُمان وحضر موت.
  • • سبب التسمية ::   لتكرار اسمه فيها خمس مرات، ولأنه ما حكي عنه فيها أطول مما حكي عنه في غيرها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات الشدائد والمحن.
  • • علمتني السورة ::   أن التوحيد أول الواجبات: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العبرة بالأحسن، لا بالأكثر! فالله لم يقل: (أكثر عملًا)، بل قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن أقارن بين خاتمة المجرمين والمؤمنين، فقد وجدت الكافرين في النار، ليس لهم أولياء يدفعون عنهم العذاب الأليم، أما المؤمنون فـ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (23)، فالفريق الأول (الكفار) مثلهم كمثل الأعمى الأصم، والفريق الثاني (المؤمنون) كالبصير السميع، وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (24).
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْت»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كَوِّرَتْ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة هود من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
    • عَنْ كَعْب الأحبار قَالَ: «فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ الْأَنْعَامُ، وَخَاتِمَتُهَا هُودٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة هود من السور الخمس التي شيبت النبي صلى الله عليه وسلم (حديث: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» سبق قبل قليل).
    • سورة هود احتوت على أطول قصة لنوح في القرآن الكريم، وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور، ولا سورة الأعراف على طولها، ولا سورة نوح التي أفردت لقصته.
    • سورة هود تشبه سورة الأعراف من حيث الموضوع؛ فكلتاهما تتناولان قصة التوحيد في مواجهة الجاهلية على مدار التاريخ من خلال قصص الأنبياء، ولكن تبقى لكل سورة أسلوبها الخاص؛ فمثلًا نجد سورة الأعراف ركزت وفصلت كثيرًا في قصة موسى خاصة مع بني إسرائيل في ما يقارب من 70 آية من السورة، بينما قصة موسى ذكرت في 4 آيات من سورة هود، ونجد سورة هود فصلت أكثر في قصة نوح من سورة الأعراف.
    • سورة هود وسورة النحل تعتبر من أطول سور المئين، فهما من أطول سور القرآن الكريم بعد سور السبع الطِّوَال.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نصبر ونستمر في الدعوة إلى الله رغم كل الظروف، دون أي تهور أو ركون.
    • أن نستغفر الله دومًا ونتوب إليه: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾، فإذا تم هذا كان العيشُ الهانئ في الدنيا: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، والتكريم في الآخرة: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، وإلا كان التهديد والوعيد بعذاب الآخرة الدائم: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ (3).
    • أن نراقب الله في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (5).
    • أن نجتهد في طلب الرزق، متيقنين أن الله هو الرزاق: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (6).
    • ألا نتكبر إذا أصابنا الخير بعد الشر؛ بل نشكر الله تعالى على نعمه: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ (10).
    • أن نراجع مشروعاتنا في الحياة؛ هل سننتفع بها في الآخرة؟: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (16).
    • أن نعمل أعمالًا صالحة تشهد لنا بها الأشهاد يوم القيامة: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ (18).
    • أن نتقي ظلم أنفسنا بالمعاصي، أو ظلم غيرنا بإضلالهم: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ (18، 19).
    • أن نصلي ركعتين، ثم ندعو الله ونتضرع إليه أن يرزقنا الإخبات إليه (أي: التواضع والتسليم له): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ (23).
    • ألا نحتقر أحدًا في دعوتنا لمكانته الاجتماعية أو المادية: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (27).
    • أن نحتسب في تعليم المسلمين ودعوتهم إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـه﴾ (29).
    • أن نكثر من زيارة الضعفاء، ونقدّم لهم الهدايا والعطايا: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ﴾ (30).
    • ألا نيأس إذا قَلَّ من يسمع نصحنا، أو كَثُرَ مخالفونا؛ فإنَّ الأنبياء قد أفنوا أعمارهم الطويلة في الدعوة، ولم يستجب لبعضهم إلا القليل: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (40).
    • أن نُذَكِّر من حولنا بنعم الله تعالى عليهم وإحسانه لهم: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه﴾ (61).
    • أن نلقي السلام، وأن نرد بأحسن منه، فضيوف إبراهيم عليه السلام حين دخلوا سلموا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا﴾ (69)، وهو رد: ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ هم حيـَّوه بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث، ورد عليهم بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت، فكان رد إبراهيم عليه السلام بأحسن من تحيتهم.
    • أن نتم الكيل والوزن، ولا نبخس الناس أشياءهم: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نفتش في أنفسنا: هل ظلمنا أحدًا في عرض، أو مال، أو غيره، ثم نردّ الحقوق لأهلها: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (85).
    • أن نبتعد عن الظلم والظالمين: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (113).
    • أن نحافظ على أداء الصلوات أول وقتها مع الجماعة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ (114).
    • أن ننكر على أهل البدع أو المجاهرين بالمعاصي بأسلوب حكيم: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ (116).

تمرين حفظ الصفحة : 234

234

مدارسة الآية : [109] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا ..

التفسير :

[109] فلا تكن- أيها الرسول- في شك من بطلان ما يعبد هؤلاء المشركون من قومك، ما يعبدون من الأوثان إلا مثل ما يعبد آباؤهم من قبل، وإنَّا لموفوهم ما وعدناهم تامّاً غير منقوص. وهذا توجيه لجميع الأمَّة، وإن كان لفظه موجهاً إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

يقول الله تعالى، لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:{ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ ْ} المشركون، أي:لا تشك في حالهم، وأن ما هم عليه باطل, فليس لهم عليه دليل شرعي ولا عقلي، وإنما دليلهم وشبهتهم، أنهم{ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ ْ}

ومن المعلوم أن هذا، ليس بشبهة، فضلا عن أن يكون دليلا، لأن أقوال ما عدا الأنبياء، يحتج لها لا يحتج بها، خصوصا أمثال هؤلاء الضالين، الذين كثر خطأهم وفساد أقوالهم, في أصول الدين، فإن أقوالهم، وإن اتفقوا عليها، فإنها خطأ وضلال.{ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ْ} أي:لا بد أن ينالهم نصيبهم من الدنيا، مما كتب لهم، وإن كثر ذلك النصيب، أو راق في عينك, فإنه لا يدل على صلاح حالهم، فإن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين الصحيح، إلا من يحب. والحاصل أنه لا يغتر باتفاق الضالين، على قول الضالين من آبائهم الأقدمين، ولا على ما خولهم الله، وآتاهم من الدنيا

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك من الآيات ما فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه من أذى، وما فيه تثبيت لقلوب المؤمنين، وما فيه إرشاد لهم إلى ما يقربهم من الخير، ويبعدهم عن الشر فقال- تعالى-:

قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما شرح أقاصيص عبدة الأوثان ثم أتبعه بأحوال الأشقياء وأحوال السعداء شرح للرسول صلى الله عليه وسلم أحوال الكفار من قومه فقال: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ ... والمعنى: فلا تكن، إلا أنه حذف النون لكثرة الاستعمال، ولأن حرف النون إذا وقع على طرف الكلام، لم يبق عند التلفظ به إلا مجرد الغنة، فلا جرم أسقطوه..» .

والمرية بكسر الميم- الشك المتفرع عن محاجة ومجادلة بين المتخاصمين.

والمعنى: لقد قصصنا عليك أيها الرسول الكريم الكثير من أخبار السابقين وبينا لك مصير السعداء والأشقياء ... ومادام الأمر كذلك، فلا تك في شك من أن عبادة هؤلاء المشركين لأصنامهم إنما هي تقليد لما كان يعبده آباؤهم من قبل، وهذه العبادة لغير الله- تعالى- ستؤدى بالجميع إلى سوء العاقبة وإلى العذاب الأليم.

والخطاب وإن كان للرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التسلية والتثبيت، إلا أن التحذير فيه يندرج تحته كل من يصلح للخطاب.

وهذا الأسلوب كثيرا ما يكون أوقع في النفس، وأشد تأثيرا في القلب، لأنه يشعر المخاطب بأن ما بينه الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو من قبيل القضايا الموضوعية التي لا تحتاج إلى جدال مع أحد، ومن جادل فيها فإنما يجادل في الحق الواضح بدافع الحسد والعناد، لأن الواقع يشهد بصحة ما بينه الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم.

وجملة ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ مستأنفة، لبيان أن الخلف قد ساروا في الجهالة والجحود على طريقة السلف.

وعبر عن عبادة الآباء بالمضارع، مع أنها كانت في الماضي بقرينة مِنْ قَبْلُ. للدلالة على استمرارهم على هذه العبادة الباطلة حتى موتهم، وأن أبناءهم لم ينقطعوا عنها، بل واصلوا السير على طريق آبائهم الضالين بدون تفكر أو تدبر.

والمضاف إليه في قوله مِنْ قَبْلُ محذوف، والتقدير: من قبلهم.

وقوله وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ تذييل قصد به تأكيد العقاب الذي ينزل بهم في الآخرة بسبب عبادتهم لغير الله.

وموفوهم من التوفية، وهي إعطاء الشيء كاملا بدون نقص.

والمراد بالنصيب هنا: المقدار المعد لهم من العذاب، وسماه نصيبا على سبيل التهكم بهم.

أى: وإنا لمعطو هؤلاء الذين نهجوا منهج آبائهم في عبادة غير الله، نصيبهم وحظهم من عذاب الآخرة كاملا بدون إنقاص شيء منه، كما ساروا هم على طريقة سلفهم في الضلال دون أن يغيروا شيئا منها ...

ومنهم من جعل المراد بالنصيب هنا: ما يشمل الجزاء على الأعمال الدنيوية والأخروية.

قال صاحب المنار: أى، وإنا لمعطوهم نصيبهم من جزاء أعمالهم في الدنيا والآخرة وافيا تاما لا ينقص منه شيء، كما وفينا آباءهم الأولين من قبل، فإنه ما من خير يعمله أحد منهم كبرّ الوالدين وصلة الأرحام ... إلا ويوفيهم الله جزاءهم عليه في الدنيا بسعة الرزق، وكشف الضر جزاء تاما، لا ينقصه شيء يجزون عليه في الآخرة ... »

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن سياق الآية الكريمة يؤيده إذ الكلام فيها في شأن جزاء الذين ساروا على نهج آبائهم في الضلال، وليس في بيان الجزاء العام في الدنيا والآخرة.

يقول تعالى : ( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ) المشركون ، إنه باطل وجهل وضلال ، فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل ، أي : ليس لهم مستند فيما هم فيه إلا اتباع الآباء في الجهالات ، وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، وإن كان لهم حسنات فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الآخرة .

قال سفيان الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) قال : ما وعدوا فيه من خير أو شر .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تَك في شك ، يا محمد ، مما يعبد هؤلاء المشركون من قومك من الآلهة والأصنام، (1) أنه ضلالٌ وباطلٌ ، وأنه بالله شركٌ ، (ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل)، يقول: إلا كعبادة آبائهم ، من قبل عبادتهم لها. يُخبر تعالى ذكره أنهم لم يعبدُوا ما عبدوا من الأوثان إلا اتباعًا منهم منهاج آبائهم، واقتفاءً منهم آثارهم في عبادتهموها، لا عن أمر الله إياهم بذلك، ولا بحجة تبيَّنوها توجب عليهم عبادتها.

ثم أخبر جل ثناؤه نبيَّه ما هو فاعل بهم لعبادتهم ذلك، فقال جل ثناؤه: (وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) ، يعني: حظهم مما وعدتهم أن أوفّيهموه من خير أو شر (2) ، (غير منقوص)، يقول: لا أنقصهم مما وعدتهم، بل أتمّم ذلك لهم على التمام والكمال، (3) كما:-

18595- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس : (وإنا لموفُّوهم نصيبهم غير منقوص) ، قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر.

18596- حدثنا أبو كريب ومحمد بن بشار قالا حدثنا وكيع، عن سفيان عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله ، إلا أن أبا كريب قال في حديثه: من خيرٍ أو شرّ.

18597- حدثني المثني قال، أخبرنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد عن ابن عباس: (وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) ، قال: ما قُدِّر لهم من الخير والشر.

18598- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: (وإنا لموفّوهم نصيبهم غير منقوص)، قال: ما يصيبهم من خير أو شر.

18599- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله : (وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) ، قال: نصيبهم من العذاب.

--------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " المرية " فيما سلف من فهارس اللغة ( مري ) .

(2) انظر تفسير " وفي " فيما سلف 14: 39 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

، وتفسير " النصيب " فيما سلف 12 : 408 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(3) انظر تفسير " النقص " فيما سلف 14: 132 .

التدبر :

وقفة
[109] ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلَاءِ ۚ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ﴾ قال أبو حيان الأندلسي: (هَـٰؤُلَاءِ) إشارة لمشركي العرب، وأن ديدنهم كديدن الأمم الماضية في التقليد والعمى عن النظر في الدلائل والمعجزات، وهذه تسلية للرسول، ووعده بالانتقام منهم، إذ حالهم في ذلك حال الأمم السالفة، والأمم السالفة قد قصصنا عليك ما جرى لهم من سوء العاقبة.
وقفة
[109] الشك في ضلال أهل الضلال كالشك في هداية أهل الحق: ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلَاءِ ۚ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ﴾.
وقفة
[109] ﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ قال صاحب المنار: «أى وإنا لمعطوهم نصيبهم من جزاء أعمالهم في الدنيا والآخرة وافيًا تامًا لا ينقص منه شيء، كما وفينا آباءهم الأولين من قبل، فإنه ما من خير يعمله أحد منهم كبِرِّ الوالدين وصلة الأرحام إلا ويوفيهم الله جزاءهم عليه في الدنيا بسعة الرزق وكشف الضر؛ جزاءً تامًا، لا ينقصه شيء يجزون عليه في الآخرة».

الإعراب :

  • ﴿ فلا تك في مرية:
  • الفاء: استئنانية. لا: ناهية جازمة. تك: فعل مضارع منقوص مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره النون المحذوفة تخفيفًا جوازًا وحذفت الواو لالتقاء الساكنين وجوبًا واسمه ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. في مرية: أي في شك: جار ومجرور في محل نصب خبر \"تكن\".
  • ﴿ مّما يعبد هؤلاء:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة. من \"مرية\" وأصله: من حرف جر و \"ما\" موصولة أو مصدرية. يعبد: فعل مضارع مرفوع بالضمة. هؤلاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل والإشارة إلي الكافرين. وجملة \"يعبد هؤلاء\" صلة الموصول لا محل لها والعائد الما الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: مما يعبده هؤلاء من الأوثان: أو تكون \"ما\" مصدرية وعا بعدها بتأويل مصدر في محل جر بمن التقدير: من عبادتهم.
  • ﴿ ما يعيدون:
  • ما: نافية لا عمل لها. يعبدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ إلاّ كما يعبد آباؤهم:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. الكاف: اسم بمعنى \"مثل\" مبني على الفتح في محل نصب مفعول به بمعنى: إنّ حالهم في الشرك مثل حال آبائهم وهو استئناف منقطع معناه تعليل النهي. يعبد: أعربت. آباء: فاعل مرفوع بالضمة و\"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. و \"ما\" وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة ويجوز أن تكون الكاف حرف تشبيه وتكون \"ما\" وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلقًا بمفعول مطلق محذوف. التقدير: يعبدون عبادة كعبادة أبيهم وجملة \"يعبد آباؤهم\" صلة \"ما\" المصدرية لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ من قبل:
  • من: حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة في محل جر بمن والجار المجرور متعلق بيعبد وأصله من قبلهم.
  • ﴿ وإنا لموفّوهم:
  • الواو: استئنافية. ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم \"إنّ\" اللام مزحلقة للتوكيد. موفوهم: خبر \"إنّ\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم وحذفت النون للإضافة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ نصيبهم:
  • مفعول به لاسم الفاعل منصوب بالفتحة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة اي نصيبهم من العذاب.
  • ﴿ غير منقوص:
  • غير: حال منصوب بالفتحة. منقوص: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى \"كاملًا\". '

المتشابهات :

هود: 17﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ
هود: 109﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلَاءِ ۚ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [109] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ قصَصَ الكافرين مِن الأمَمِ السَّالِفةِ، ثم ذكرَ أحوال الأشقياءِ والسُّعَداءِ؛ شرحَ لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم أحوالَ الكُفَّارِ مِن قَومِه، وأنَّهم متَّبِعو آبائِهم، كحالِ من تقدَّمَ مِن الأمَمِ في اتِّباعِ آبائِهم في الضَّلالِ، قال تعالى:
﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [110] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ ..

التفسير :

[110] ولقد آتينا موسى الكتاب وهو التوراة، فاختلف فيه قومه، فآمن به جماعة وكفر به آخرون، كما فعل قومك بالقرآن. ولولا كلمة سبقت من ربك بأنه لا يعجل لخلقه العذاب، لحلَّ بهم في دنياهم قضاء الله بإهلاك المكذِّبين ونجاة المؤمنين. وإن الكفار من اليهود والمشركين

يخبر تعالى، أنه آتى موسى الكتاب، الذي هو التوراة، الموجب للاتفاق على أوامره ونواهيه، والاجتماع، ولكن، مع هذا، فإن المنتسبين إليه، اختلفوا فيه اختلافا، أضر بعقائدهم، وبجامعتهم الدينية.

{ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ْ} بتأخيرهم، وعدم معاجلتهم بالعذاب{ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ْ} بإحلال العقوبة بالظالم، ولكنه تعالى، اقتضت حكمته، أن أخر القضاء بينهم إلى يوم القيامة، وبقوا في شك منه مريب.

وإذا كانت هذه حالهم، مع كتابهم، فمع القرآن الذي أوحاه الله إليك، غير مستغرب، من طائفة اليهود، أن لا يؤمنوا به، وأن يكونوا في شك منه مريب.

ثم بين- سبحانه- أن اختلاف الناس في الحق موجود قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ...

أى: كما اختلف قومك- أيها الرسول الكريم- في شأن القرآن الكريم فمنهم من وصفه بأنه أساطير الأولين، فقد اختلف قوم موسى من قبلك في شأن التوراة التي أنزلها الله على نبيهم موسى لهدايتهم، إذ منهم من آمن بها ومنهم من كفر ...

ومادام الأمر كذلك، فلا تحزن- أيها الرسول الكريم- لاختلاف قومك في شأن القرآن الكريم، فإن هذا الاختلاف شأن الناس في كل زمان ومكان والمصيبة إذا عمت خفت.

فالجملة الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من مشركي قومه.

وجاء الفعل فَاخْتُلِفَ بصيغة المبنى للمجهول، لأن ذكر فاعل الاختلاف لا يتعلق به غرض، وإنما الذي يتعلق به الغرض هو ما نجم عن هذا الاختلاف من كفر وضلال.

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله ورحمته بخلقه فقال: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ....

والمراد بالكلمة التي سبقت: تأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة، وعدم إهلاكهم بعذاب الاستئصال في الدنيا.

قال الشوكانى: قوله- سبحانه- وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ... أى:

لولا أن الله- تعالى- قد حكم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلاح، لقضى بينهم، أى: بين قومك، أو بين قوم موسى، فيما كانوا فيه مختلفين، فأثيب المحق وعذب المبطل، أو الكلمة هي أن رحمته سبحانه سبقت غضبه، فأمهلهم ولم يعاجلهم لذلك.

وقيل إن الكلمة هي أنهم لا يعذبون بعذاب الاستئصال، وهذا من جملة التسلية له صلى الله عليه وسلم» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ.

والمريب اسم فاعل من أراب. يقال أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة والحيرة.

أى: وإن هؤلاء المختلفين في شأن الكتاب لفي شك منه، وهذا الشك قد أوقعهم في الريبة والتخبط والاضطراب.

وهذا شأن المعرضين عن الحق، لا يجدون مجالا لنقده وإنكاره، فيحملهم عنادهم وجحودهم على التشكيك فيه، وتأويله تأويلا سقيما يدعو إلى الريبة والقلق.

وبعض المفسرين يرى عودة الضمير في قوله وَإِنَّهُمْ إلى قوم موسى، وفي قوله مِنْهُ إلى كتابهم التوراة.

وبعضهم يرى عودة الضمير الأول إلى قوم النبي صلى الله عليه وسلم والثاني إلى القرآن الكريم.

والذي يبدو لنا أن الرأى الأول أظهر في معنى الآية، لأن الكلام في موسى- عليه السلام وقومه الذين اختلفوا في شأن كتابهم التوراة اختلافا كبيرا، وعود الضمير إلى المتكلم عنه أولى بالقبول.

وهذا لا يمنع أن بعض المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في شك من القرآن، أوقعهم هذا الشك في الريبة والحيرة.

فتكون الجملة الكريمة من باب التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما قاله بعض المشركين في شأن القرآن الكريم.

ثم ذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب ، فاختلف الناس فيه ، فمن مؤمن به ، ومن كافر به ، فلك بمن سلف من الأنبياء قبلك يا محمد أسوة ، فلا يغيظنك تكذيبهم لك ، ولا يهيدنك ذلك . ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) قال ابن جرير : لولا ما تقدم من تأجيله العذاب إلى أجل معلوم ، لقضى الله بينهم .

ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة ، أنه لا يعذب أحدا إلا بعدم قيام الحجة عليه ، وإرسال الرسول إليه ، كما قال : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] ; فإنه قد قال في الآية الأخرى : ( ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى فاصبر على ما يقولون ) [ طه : 129 ، 130 ] .

ثم أخبر أن الكافرين في شك - مما جاءهم به الرسول - قوي ، فقال ( وإنهم لفي شك منه مريب ) .

ثم أخبرنا تعالى أنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم ، ويجزيهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مسليًا نبيه في تكذيب مشركي قومه إياه فيما أتاهم به من عند الله ، بفعل بني إسرائيل بموسى فيما أتاهم به من عند الله. يقول له تعالى ذكره: ولا يحزنك ، يا محمد ، تكذيب هؤلاء المشركين لك، وامض لما أمرك به ربُّك من تبليغ رسالته، فإن الذي يفعل بك هؤلاء من ردِّ ما جئتهم به عليك من النصيحة من فعل ضُربائهم من الأمم قبلهم وسنَّةٌ من سُنتهم.

ثم أخبره جل ثناؤه بما فعل قوم موسى به فقال: (ولقد آتينا موسى الكتاب) ، يعني : التوراة، كما آتيناك الفرقان، فاختلف في ذلك الكتاب قومُ موسى ، فكذّب به بعضُهم وصدّق به بعضهم، كما قد فعل قومك بالفرقان من تصديق بعض به ، وتكذيب بعض ، (ولولا كلمة سبقت من ربك) ، يقول تعالى ذكره: ولولا كلمة سبقت ، يا محمد ، من ربك بأنه لا يعجل على خلقه العذاب، ولكن يتأنى حتى يبلغ الكتاب أجله ، (لقضي بينهم) ، يقول: لقضي بين المكذب منهم به والمصدِّق ، بإهلاك الله المكذب به منهم ، وإنجائه المصدق به ، (وإنهم لفي شك منه مريب) ، يقول: وإن المكذبين به منهم لفي شك من حقيقته أنه من عند الله ، (مريب)، يقول: يريبهم ، فلا يدرون أحقٌّ هو أم باطلٌ؟ ولكنهم فيه ممترون. (4)

--------------------

الهوامش :

(4) انظر تفسير " مريب " فيما سلف ص : 370 ، تعليق : 1 .

التدبر :

وقفة
[110] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ إذا أراد الله بعبد كرامة: آتاه الكتاب إنزالًا، أو حفظًا، أو فهمًا، أو تدبرًّا، أو عملًا، أو تلاوة.
وقفة
[110] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ وإذا كانت هذه حالهم مع كتابهم؛ فمع القرآن الذي أوحاه الله إليك غير مستغرب من طائفة اليهود أن لا يؤمنوا به، وأن يكونوا في شك منه مريب.
وقفة
[110] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ اختلاف شأن الناس حول الحق سنة ربانية في كل زمان ومكان، والمصيبة إذا عمت خفت، فالجملة تسلية للرسول ﷺ وورثته من بعده.

الإعراب :

  • ﴿ ولقد آتينا:
  • الواو استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق آتي: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ موسى الكتاب:
  • موسى: مفعول منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. الكتاب: مفعول به ثانٍ منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فاختلف فيه:
  • الفاء: استئنافية. اختلف: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. فيه: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ ولولا كلمة سبقت:
  • الواو: استئنافية. لولا: حرف شرط غير جازم. كلمة: مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره محذوف وجوبًا. سبقت: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي وجملة \"سبقت\" في محل رفع صفة -نعت- لكلمة بمعنى الإنظار إلى يوم القيامة أو الوعد بالقيامة.
  • ﴿ من ربك لقضي:
  • جار ومجرور متعلق بسبقت. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. اللام واقعة في جواب لولا. قضي: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. وجملة \"قضي بينهم\" جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ بينهم:
  • ظرف مكان متعلق بقضي منصوب على الظرفية المكانية بالفتحة وهو مضاف و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. وشبه الجملة \"بينهم\" في محل رفع نائب فاعل أي لفصل بينهم بإهلاك المبطلين.
  • ﴿ وإنهم لفي شك:
  • الواو: استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم \"إنّ\" اللام مزحلقة. في شك: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر \"إنّ\".
  • ﴿ منه مريب:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"شك\". مريب: صفة -نعت- لشك مجرورة مثلها بالكسرة أي علامة جرها الكسرة. '

المتشابهات :

هود: 110﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
فصلت: 45﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۗ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [110] لما قبلها :     ولمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل حالَ كفَّارِ مكَّةَ؛ بَيَّنَ هنا أنَّ هؤلاء الكُفَّارَ كانوا على هذه السِّيرةِ الفاسدةِ مع كلِّ الأنبياءِ، وضرب لذلك مثلًا، وهو: أنَّه لَمَّا أنزل التَّوراةَ على موسى عليه السلام اختلفوا فيه، فقَبِلَه بعضُهم، وأنكَره آخرون، وذلك يدلُّ على أنَّ عادةَ الخَلقِ هكذا، وهذا لتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [111] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ..

التفسير :

[111] وإن كل أولئك الأقوام المختلفين الذين ذكرنا لك -أيها الرسول- أخبارهم ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم يوم القيامة، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر، إن ربك بما يعمل هؤلاء المشركون خبير، لا يخفى عليه شيء مِن عملهم. وفي هذا تهديد ووعيد لهم.

{ وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ْ} أي:لا بد أن الله يقضي بينهميوم القيامة، بحكمه العدل، فيجازي كلا بما يستحقه.

{ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ ْ} من خير وشر{ خَبِيرٌ ْ} فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم، دقيقها وجليلها.

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المختلفين في شأن الكتاب، الشاكين في صدقه، سوف يجمعهم الله- تعالى- مع غيرهم يوم القيامة للجزاء والحساب على أعمالهم فقال- تعالى- وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

وقد وردت في هذه الآية الكريمة عدة قراءات متواترة منها: قراءة ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم بتشديد، إن ولما، وقد قيل في تخريجها:

إن لفظ، كُلًّا، اسم إِنَّ، والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه، واللام في، لَمَّا، هي الداخلة في خبر إِنَّ وما بعد اللام هو حرف «من» الذي هو من حروف الجر، و «ما» موصولة أو نكره موصوفة والمراد بها من يعقل، فيكون تقدير الكلام: وإن كلا «لمن ما» ، فقلبت النون ميما للإدعام فاجتمع ثلاث ميمات، فحذفت واحدة منها للتخفيف، فصارت «لما» والجار والمجرور خبر إِنَّ، واللام في لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، جواب قسم مضمر، والجملة صلة أو صفة لَمَّا.

والتقدير: وإن كلا من أولئك المختلفين وغيرهم لمن خلق الله الذين هم بحق ربك

ليوفينهم- سبحانه- جزاء أعمالهم دون أن يفلت منهم أحد، إنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء منها.

وفي الآية الكريمة توكيدات متنوعة، حتى لا يشك في نزول العذاب بالظالمين مهما تأجل، وحتى لا يشك أحد- أيضا- في أن ما عليه المشركون هو الباطل الذي لا يعرفه الحق، وأنه الكفر الذي تلقاه الخلف عن السلف.

وكان مقتضى حال الدعوة الإسلامية في تلك الفترة التي نزلت فيها هذه السورة- وهي فترة ما بعد حادث الإسراء والمعراج وقبل الهجرة- يستلزم هذه التأكيدات تثبيتا لقلوب المؤمنين، وتوهينا للشرك والمشركين.

قال الإمام الفخر الرازي عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: سمعت بعض الأفاضل قال:

إنه- تعالى- لما أخبر عن توفية الأجزية على المستحقين في هذه الآية، ذكر فيها سبعة أنواع من التأكيدات:

أولها: كلمة «إن» وهي للتأكيد، وثانيها كلمة «كل» وهي أيضا للتأكيد، وثالثها:

اللام الداخلة على خبر «إن» وهي تفيد التأكيد- أيضا-، ورابعها حرف «ما» إذا جعلناه على قول الفراء موصولا، وخامسها: القسم المضمر فإن تقدير الكلام: وإن جميعهم والله ليوفينهم: وسادسها: اللام الثانية الداخلة على جواب القسم، وسابعها: النون المؤكدة في قوله «ليوفينهم» .

فجميع هذه المؤكدات السبعة تدل على أن أمر القيامة والحساب والجزاء حق ... » .

فقال : ( وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير ) أي : عليم بأعمالهم جميعها ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها .

وفي هذه الآية قراءات كثيرة ، ويرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه ، كما في قوله تعالى : ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) [ يس : 32 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)

قال أبو جعفر : اختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته جماعة من قراء أهل المدينة والكوفة: (وَإنَّ) مشددة (كُلا لَمَّا) مشددة.

* * *

واختلف أهل العربية في معنى ذلك:

فقال بعض نحويي الكوفيين: معناه إذا قرئ كذلك : وإنّ كلا لممَّا ليوفينهم ربك أعمالهم ، ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة ، فبقيت ثنتان، فأدغمت واحدة في الأخرى، كما قال الشاعر: (5)

وَإِنِّـي لَمِمَّـا أُصْـدِرُ الأَمْـرَ وَجْهَـهُ

إِذَا هُــوَ أَعْيـى بالسَّـبِيلِ مَصَـادِرُهُ (6)

ثم تخفف، كما قرأ بعض القراء: وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ ، [سورة النحل: 90] ، تخفُّ الياء مع الياء. (7) وذكر أن الكسائي أنشده: (8)

وَأشْــمَتَّ العُــدَاةَ بِنَــا فَـأضْحَوْا

لــدَيْ يَتَبَاشَــرُونَ بِمَــا لَقِينَــا (9)

وقال: يريد " لديَّ يتباشرون بما لقينا "، فحذف ياء، لحركتهن واجتماعهن ، قال: ومثله: (10)

كـــأنَّ مِــنْ آخِرِهــا الْقــادِمِ

مَخْــرِمُ نَجْــدٍ فــارعِ المَخَـارِمِ (11)

وقال: أراد : إلى القادم، فحذف اللام عند اللام.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإن كلا شديدًا وحقًّا ، ليوفينهم ربك أعمالهم. قال: وإنما يراد إذا قرئ ذلك كذلك: (وإنّ كلا لمَّا) بالتشديد والتنوين، (12) ولكن قارئ ذلك كذلك حذف منه التنوين، فأخرجه على لفظ فعل " لمَّا " ، كما فعل ذلك في قوله: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ، [سورة المؤمنون: 44] ، فقرأ " تترى " ، بعضهم بالتنوين، كما قرأ من قرأ: " لمَّا " بالتنوين، وقرأ آخرون بغير تنوين، كما قرأ (لمَّا) بغير تنوين من قرأه. وقالوا: أصله من " اللَّمِّ" من قول الله تعالى: وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا ، يعني : أكلا شديدًا.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإنّ كلا إلا ليوفينهم، كما يقول القائل: " بالله لمَّا قمتَ عنا ، وبالله إلا قمت عنا ". (13)

* * *

قال أبو جعفر: ووجدت عامة أهل العلم بالعربية ينكرون هذا القول، ويأبون أن يكون جائزًا توجيه " لمَّا " إلى معنى " إلا " ، في اليمين خاصة . (14) وقالوا: لو جاز أن يكون ذلك بمعنى إلا جاز أن يقال: " قام القوم لمَّا أخاك " بمعنى: إلا أخاك، ودخولها في كل موضع صلح دخول " إلا " فيه.

قال أبو جعفر: وأنا أرى أنّ ذلك فاسد من وجه هو أبين مما قاله الذين حكينا قولهم من أهل العربية ، في فساده، وهو أنّ " إنّ" إثبات للشيء وتحقيق له، و " إلا "، تحقيق أيضًا، (15) وإنما تدخل نقضًا لجحد قد تقدَّمها. فإذا كان ذلك معناها، فواجب أن تكون عندَ متأولها التأويلَ الذي ذكرنا عنه، أن تكون " إنّ" بمعنى الجحد عنده، حتى تكون " إلا نقضًا " لها. وذلك إن قاله قائل، قولٌ لا يخفى جهلُ قائله، اللهم إلا أن يخفف قارئ " إن " فيجعلها بمعنى " إن " التي تكون بمعنى الجحد. وإن فعل ذلك ، فسدت قراءته ذلك كذلك أيضًا من وجه آخر، وهو أنه يصير حينئذ ناصبًا " لكل " بقوله: ليوفينهم، وليس في العربية أن ينصب ما بعد " إلا " من الفعل ، الاسم الذي قبلها. لا تقول العرب: " ما زيدًا إلا ضربت "، فيفسد ذلك إذا قرئ كذلك من هذا الوجه ، إلا أن يرفع رافع " الكل "، فيخالف بقراءته ذلك كذلك قراءة القراء وخط مصاحف المسلمين، ولا يخرج بذلك من العيب لخروجه من معروف كلام العرب. (16)

* * *

وقد قرأ ذلك بعض قراء الكوفيين: (وَإنْ كُلا) بتخفيف " إن " ونصب (كُلا لمَّا) مشدّدة.

* * *

وزعم بعض أهل العربية أن قارئ ذلك كذلك، أراد " إنّ" الثقيلة فخففها، وذكر عن أبي زيد البصري أنه سمع: " كأنْ ثَديَيْه حُقَّان "، فنصب ب " كأن "، والنون مخففة من " كأنّ" ، ومنه قول الشاعر: (17)

وَوَجْــــهٌ مُشْـــرِقُ النَّحْـــرِ

كَــــأَنْ ثَدْيَيْــــهِ حُقَّــــانِ (18)

* * *

وقرأ ذلك بعض المدنيين بتخفيف: (إنْ) ونصب (كُلا)، وتخفيف (لَمَا).

* * *

وقد يحتمل أن يكون قارئ ذلك كذلك، قصدَ المعنى الذي حكيناه عن قارئ الكوفة من تخفيفه نون " إن " وهو يريد تشديدها، ويريد ب " ما " التي في " لما " التي تدخل في الكلام صلة، (19) وأن يكون قَصَد إلى تحميل الكلام معنى: وإنّ كلا ليوفينهم .

ويجوز أن يكون معناه كان في قراءته ذلك كذلك: وإنّ كُلا ليوفينهم ، أي : ليوفين كُلا ، فيكون نيته في نصب " كل " كانت بقوله: " ليوفينهم "، فإن كان ذلك أراد ، ففيه من القبح ما ذكرت من خلافه كلام العرب. وذلك أنها لا تنصب بفعل بعد لام اليمين اسمًا قبلَها.

* * *

وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والبصرة: (وَإنَّ) مشددة (كُلا لَمَا) مخففة (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ). ولهذه القراءة وجهان من المعنى:

أحدهما: أن يكون قارئها أراد: وإن كلا لمَنَ ليوفينهم ربك أعمالهم، فيوجه " ما " التي في " لما " إلى معنى " من " كما قال جل ثناؤه: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ، [سورة النساء : 3] ، وإن كان أكثر استعمال العرب لها في غير بني آدم ، وينوي باللام التي في " لما " اللام التي تُتَلقَّى بها " إنْ" جوابًا لها، وباللام التي في قوله: (ليوفينهم) ، لام اليمين ، دخلت فيما بين ما وصلتها، كما قال جل ثناؤه: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ [سورة النساء : 72] ، وكما يقال : " هذا ما لَغَيرُه أفضلُ منه " .

والوجه الآخر: أن يجعل " ما " التي في " لما " بمعنى " ما " التي تدخل صلة في الكلام، واللام التي فيها هي اللام التي يجاب بها، واللام التي في: (ليوفينهم) ، هي أيضًا اللام التي يجاب بها " إنّ" كررت وأعيدت، إذا كان ذلك موضعها، وكانت الأولى مما تدخلها العرب في غير موضعها ، ثم تعيدها بعدُ في موضعها، كما قال الشاعر: (20)

فَلَـوْ أَنَّ قَـوْمِي لَـمْ يَكُونُـوا أَعِـزَّةً

لَبَعْـدُ لَقَـدْ لاقَيْـتُ لا بُـدَّ مَصْرَعَـا (21)

وقرأ ذلك الزهري فيما ذكر عنه: (وإنَّ كُلا) بتشديد " إنَّ" ، و (لمَّا) بتنوينها، بمعنى: شديدًا وحقًا وجميعًا.

* * *

قال أبو جعفر : وأصح هذه القراءات مخرجًا على كلام العرب المستفيض فيهم ، قراءة من قرأ: " وَإنَّ" بتشديد نونها، " كُلا لَمَا " بتخفيف " ما "( لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ) ، بمعنى: وإن كل هؤلاء الذين قصَصَنا عليك ، يا محمد ، قصصهم في هذه السورة، لمن ليوفينهم ربك أعمالهم ، بالصالح منها بالجزيل من الثواب، وبالطالح منها بالشديد من العقاب ، فتكون " ما " بمعنى " مَن " واللام التي فيها جوابًا لـ" إنّ" ، واللام في قوله: ( ليوفينهم ) ، لام قسم.

* * *

وقوله: ( إنه بما يعملون خبير) ، يقول تعالى ذكره: إن ربك بما يعمل هؤلاء المشركون بالله من قومك ، يا محمد، " خبير "، لا يخفى عليه شيء من عملهم ، بل يخبرُ ذلك كله ويعلمه ويحيط به ، حتى يجازيهم على جميع ذلك جزاءهم. (22)

--------------------------

الهوامش :

(5) لم أعرف قائله .

(6) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية . في المطبوعة : " لما " و " أعيى بالنبيل " ، وكلاهما خطأ ، صوابه من المخطوطة ومعاني القرآن . وقوله " لمما " هنا ، ليست من باب " لما " التي يذكرها ، إلا في اجتماع الميمات . وذلك أن قوله : " وإن كلا لمما ليوفينهم " ، أصلها : " لمن ما " ، " من " بفتح فسكون ، اسم . وأما التي في البيت فهي " لمن ما " ، " من " حرف جر ، ومعناها معنى " ربما " للتكثير ، وشاهدهم عليه قول أبي حية النميري ( سيبويه 1 : 477 ) :

وَإِنَّـا لَمِمَّـا نَضْـرِبُ الكَـبْشَ ضَرْبَةً

عَـلَى رَأْسِـهِ تُلْقِـي اللِّسَـانَ مِنَ الفَم

.

(7) هكذا في المخطوطة : " تخف " ، وفي المطبوعة : " يخفف " ، وأما الذي في معاني القرآن للفراء ، وهذا نص كلامه : " بحذف الياء " ، وهو الصواب الجيد .

(8) لم أعرف قائله .

(9) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، وفي المطبوعة والمخطوطة : " وأشمت الأعداء " ، وهو خطأ ، صوابه من معاني القرآن .

(10) لم أعرف قائله .

(11) معاني القرآن للفراء ، في تفسير الآية . وكان في المطبوعة : " من أحرها " ، و " محرم " و " المحارم " ، وهو خطأ . و " المخرم " ، ( بفتح فسكون فكسر ) ، الطريق في الجبل ، وجمعه " مخارم " .

(12) هذه قراءة الزهري ، كما سيأتي ص : 498 .

(13) في المطبوعة والمخطوطة : " لقد قمت عنا ، وبالله إلا قمت عنا " ، وذلك خطأ ، ولا شاهد فيه ، وصوابه من معاني القرآن للفراء ، في تفسير الآية .

(14) في المطبوعة ، أسقط " إلا " الثانية ، فأفسد الكلام .

(15) في المطبوعة والمخطوطة : " وإلا أيضًا تحقق أيضًا " ، حذفت أولاهما ، لأنه تكرار ولا ريب .

(16) في المطبوعة : " بخروجه " ، والصواب من المخطوطة .

(17) من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها .

(18) سيبويه 1 : 281 ، رفعًا " كأن ثدياه ، وابن الشجري في أماليه 1 : 237 رفعًا 2 : 3 ، نصبا ، والخزانة 4 : 358 ، والعيني ( هامش الخزانة ) 2 : 305 .

(19) " صلة " ، أي : زيادة ، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف .

(20) لم أعرف قائله .

(21) معاني القرآن للفراء ، في تفسير الآية . وكان في المخطوطة والمطبوعة : " مصرعي " ، وأثبت ما في معاني القرآن .

(22) لنظر تفسير " خبير " فيما سلف من فهارس اللغة ( خبر ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[111] ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ تضمنت الآية أربعة توكيدات لبث اليقين: التوكيد بـ (إنَّ)، وبـ (كلٍّ)، وباللام في الخبر وبالقسم، وبنون التوكيد، وذلك مبالغة في وعد الطائعين وتوعد العاصين.
وقفة
[111] ﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ سيوفيك الله أجرك كاملًا؛ لأنه الخبير الذي أحاط علمًا بكل ما بذلت، ولو كان مثقال ذرة.

الإعراب :

  • ﴿ وإن كلًا:
  • الواو: عاطفة. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. كلًا: اسم \"انّ \" منصوب بالفتحة. والتنوين عوض من المضاف إليه بمعنى. وان كلهم أو وإنّ المختلفين المؤمنين منهم والكافرين. وحذف خبر إنّ لدلالة جواب القسم عليه.
  • ﴿ لما ليوفينهم ربك:
  • اللام: موطئة للقسم. ما: زائدة. والمعنى: وإنّ جميعهم والله ليوفينهم. اللام: واقعة في جواب القسم المقدر. يوفين: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. ربك: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. وجملة \"ليوفينهم ربك\" جواب القسم المحذوف لا محل لها.
  • ﴿ أعمالهم:
  • مفعول به منصوب بالفتحة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي جزاء أعمالهم فحذف المضاف وبقي المضاف إليه.
  • ﴿ إنه بما يعملون خبير:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد هنا التعليل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنّ\". بما: جار ومجرور متعلق بخبير و \"ما\" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. يعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة \"يعملون\" صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير بما يعملونه أو تكون \"ما\" مصدرية فتكون وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء التقدير: بعملهم. خبير: خبر \"ان\" مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [111] لما قبلها :     ولمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أن اختلاف الناس في الحق ليس بجديد، بَيَّنَ هنا أن هؤلاء المختلفين في شأن الكتاب، الشاكين في صدقه، سوف يجمعهم الله مع غيرهم يوم القيامة للجزاء والحساب على أعمالهم، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إن:
قرئ:
1- بتخفيف النون ساكنة، وهى قراءة الحرميين، وأبى بكر.
2- بتشديدها، وهى قراءة ابن عامر، وحمزة، وحفص.
لما:
قرئ:
1- بتشديدها، وهى قراءة ابن عامر، وعاصم، وحمزة.
2- بتخفيفها، وهى قراءة الحرميين.
3- لما، بتشديد الميم وتنوينها، وهى قراءة الزهري، وسليمان بن أرقم.

مدارسة الآية : [112] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ ..

التفسير :

[112] فاستقم -أيها النبي- كما أمرك ربك أنت ومَن تاب معك، ولا تتجاوزوا ما حدَّه الله لكم، إن ربَّكم بما تعملون من الأعمال كلها بصير، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها.

ثم لما أخبر بعدم استقامتهم، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم, أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه، من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة، ويدوموا على ذلك، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة.وقوله:{ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ْ} أي:لا يخفى عليه من أعمالكم شيء, وسيجازيكم عليها، ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة، وترهيب من ضدها

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه بالتزام الصراط المستقيم فقال- سبحانه-: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

والفاء للتفريع على ما تقدم من الأوامر والنواهي.

والاستقامة- كما يقول القرطبي- هي الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال ... » .

والطغيان: مجاوزة الحد. ومنه طغى الماء، أى ارتفع وتجاوز الحدود المناسبة.

والمعنى: لقد علمت- أيها الرسول الكريم- حال السعداء وحال الأشقياء، وعرفت أن كل مكلف سيوفى جزاء أعماله.

وما دام الأمر كذلك فالزم أنت ومن معك من المؤمنين طريق الاستقامة على الحق، وداوموا على ذلك كما أمركم الله، بدون إفراط أو تفريط، واحذروا ان تتجاوزوا حدود الاعتدال في كل أقوالكم وأعمالكم.

ووجه- سبحانه- الأمر بالاستقامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تنويها بشأنه، وليبنى عليه قوله- كَما أُمِرْتَ، فيشير بذلك إلى أنه- عليه الصلاة والسلام- هو وحده المتلقى للأوامر الشرعية من الله- تعالى-.

وقد جمع قوله- تعالى- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أصول الإصلاح الديني وفروعه، كما جمع قوله- تعالى- «ولا تطغوا» أصول النهى عن المفاسد وفروعه، فكانت الآية الكريمة بذلك جامعة لإقامة المصالح ولدرء المفاسد.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: يأمر الله- تعالى- رسوله وعباده المؤمنين في هذه الآية بالثبات والدوام على الاستقامة، لأن ذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء، وينهاهم عن الطغيان وهو البغي، لأنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك» .

وقال الآلوسى: والاستقامة كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق.

أخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال، لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم شمروا شمروا، وما رؤي بعد ضاحكا» .

وعن ابن عباس قال: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أشد من هذه الآية ولا أشق» .

وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: «قل آمنت بالله ثم استقم» .

وجملة إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تعليل للأمر بالاستقامة وللنهى عن الطغيان.

أى: الزموا المنهج القويم، وابتعدوا عن الطغيان، لأنه- سبحانه- مطلع على أعمالكم اطلاع المبصر، العليم بظواهرها وبواطنها، وسيجازيكم يوم القيامة عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.

يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة ، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان ، وهو البغي ، فإنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك . وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد ، لا يغفل عن شيء ، ولا يخفى عليه شيء .

القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه، كما أمرك ربك (23) ، (ومن تاب معك)، يقول: ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ، (ولا تطغوا) ، يقول: ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه. (24) (إنه بما تعملون بصير) ، يقول: إن ربكم ، أيها الناس ، بما تعملون من الأعمال كلِّها ، طاعتها ومعصيتها ، " بصير " ، ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصرٌ. (25) يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله، أيها الناس ، أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد.

* * *

وكان ابن عيينة يقول في معنى قوله: (فاستقم كما أمرت) ، ما:-

18600- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان في قوله: (فاستقم كما أمرت) ، قال: استقم على القرآن.

18601- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تطغوا) ، قال: الطغيان: خلاف الله ، وركوب معصيته . ذلك " الطغيان ".

------------------

الهوامش :

(23) لنظر تفسير " الاستقامة " فيما سلف ص : 187 .

(24) لنظر تفسير " طغى " فيما سلف ص : 34 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(25) لنظر تفسير " بصير " فيما سلف من فهارس اللغة ( بصر ) .

التدبر :

وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ الاتباع له شدة على النفس؛ لأنه يخالف الهوى, ولهذا اقترن بلفظ الاستقامة (الألف والسين والتاء) الدالة على الشدة (فَاسْتَقِمْ).
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ ما معنى الاستقامة؟! قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب».
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ أمر الله رسوله بالاستقامة وفق أمره، فنحن أحق بالنظر في استقامتنا منه، وهل هي وفق ما أراد الله أم لا.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ لا كما رغبت أو أعجبك، ولا كما تريد وتهوى، فقط: ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾ كما يريد الله منك ورسوله.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ الاستقامة والثبات على الطريق أمر شاق، يحتاج إلى بذل الجهد، وتوطين النفس، وعدم الاستيحاش من قلة الناصر والمعين.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ شيء واحد أساس يعصمك من الانجراف وراء المتاهات، ويمنحك الثبات أمام مغريات الدعايات، وهو حقيقة إيمانية كبرى: أن تبحث عما يريد الله منك، لا عما تريد أنت منه؛ فأنت العبد، وهو السيد الربُّ العظيم جل جلاله، فلا ينعكس بين يديك الميزان.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ إذا كان هذا الأمر لرسول الله وهو على الصراط المستقيم، فكيف بمن تحيط به الفتن والمنكرات، من الشبهات والشهوات! الأمر في حقه أشد، ولحاله أوجب، ولدوامه عليه أثبت ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ [فصلت: 6].
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ جاء ذكر الصلاة بعد أن أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالاستقامة ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ [114]، وهذا يشير أن الصلاة أعظم معين على الاستقامة، وعلى اتباع الحق.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ الاستقامة تحتاج مراقبة دائمة حتى نمضي على طريق النهج القويم دون انحراف.
وقفة
[112] قال الله لنبيِّه: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ كما (أُمِرْتَ)، لا كما (تُريدُ أو تَهوَى أو يُعْجِبُك)، وهو نبيٌّ!
وقفة
[112] منزلة شريفة عالية: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾، غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدًا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه.
وقفة
[112] الله يأمر رسوله بالاستقامة وفق أمره: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾، فنحن أحق بدقة النظر في طبيعة استقامتنا ومدى توافقها مع أمر الله .
وقفة
[112] قف أمام قوله سبحانه: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ لتدرك أن من لوازم الاستقامة المشروعة أن تكون وفق ما أُمرت به، وليس كما قد يبدو لك من الاستقامة الحسية، فقد تكون حقيقة الاستقامة أن تميل نحو الحق، كما كان أبونا إبراهيم حنيفًا، أي مائلاً للحق، فتدبر تدرك ضلال ما حسنته بعض العقول القاصرة.
وقفة
[112] قال ابن عباس رضي الله عنه: «ما نزل على النبي ﷺ آية كانت أشق ولا أشد من قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾؛ ولذلك قال لأصحابه حين قالوا: أسرع إليك الشيب، قال: شيبتني هود وأخواتها.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء، ومخالفة الأضداد.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ من أسباب الاستقامة: الرفقة الصالحة.
وقفة
[112] لا يُعتبر الشخص مستقيمًا على الإسلام؛ حتى يكون موافقًا لما جـاء في القرآن والسنة، مبتعدًا عن هوى نفسه ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾.
وقفة
[112] الاستقامة تكون كما يأمر الله لا كما يريد الإنسان ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾ الغلو في الاستقامة طغيان.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾ تدبر! لِمَ نهى عن الطغيان هنا، ولم ينه عن التقصير؟ لأن الاجتهاد في الاستقامة قد يؤدي إلى التشديد على النفس وعلى الآخرين، وقد يصل إلى الغلو، وكل هذا طغيان ومجاوزة للحد.
وقفة
[112] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾ وجوب الاستقامة على دين الله تعالى.
وقفة
[112] كيف لا يقول الرسول ﷺ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» [الترمذي 3279، وصححه الألباني]، وفيها: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾! اللهم أعِنا على حسن عبادتك.
وقفة
[112] كل اﻷمة بلا استثناء مأمورة باﻻستقامة على مراد الله ومراد رسوله، وليس ثم أمر غير اﻻستقامة إﻻ الطغيان ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾.
وقفة
[112] الطغيان: هو مجاوزة الحد في كل شيء، فالطغيان في شؤون الدين والدنيا من أعظم أسباب حرمان حقيقة الاستقامة ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾.
وقفة
[112] أمة محمد ﷺ أمة وسط؛ لأن الإسلام دين وسط، لذا أمر الله تعالى بالاستقامة دون غلو أو تطرف أو طغيان، ومن لوازم الاستقامة: حفظ اللسان عن أعراض الناس، وعدم الخوض في النيات أو التألي على الله، قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
وقفة
[112] ما دلالة التقديم والتأخير في: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، و﴿بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحجرات: 18]؟ إذا كان سياق الكلام أو الآية في العمل يقدِّم العمل: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، أما إذا لم يكن السياق في العمل أو إذا كان الكلام عن الله سبحانه وتعالى وصفاته يقدِّم صفته: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحجرات: 18].
وقفة
[112، 113] الوسطية في القرآن هي: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾، فلا تأخذ يمينًا فتغالي فيه: ﴿وَلَا تَطْغَوْا﴾، ولا شمالًا فتنسلخ منه إلى أعدائه: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾.
اسقاط
[112، 113] الناس عند المحن إما: فاقد للأمل يقابله: ﴿فَاسْتَقِمْ﴾ اصبر واستمر، متهوِّر في ردة فعله يقابله: ﴿وَلَا تَطْغَوْا﴾، متخاذل يركن للقوي يقابله: ﴿ولا تركنوا﴾.
وقفة
[112، 113] الدعوة إلى الحق يجب أن تستمر دون يأس: ﴿فَاسْتَقِمْ﴾، ودون تجاوز: ﴿وَلَا تَطْغَوْا﴾، ودون تميع: ﴿ولا تركنوا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فاستقم:
  • الفاء: استئنافية. استقم: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. أي يا محمد.
  • ﴿ كما أمرت:
  • حرف جر للتشبيه أو اسم بمعنى مثل في محل نصب نائب عن المفعول المطلق مبني على الفتح. ما: مصدرية. أمرت: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل و \"ما\" المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة متعلق بمفعول مطلق محذوف التقدير: فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الصواب. وجملة \"أمرت\" صلة \"ما\" المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ ومن تاب معك:
  • الواو: عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع معطوف على الضمير المستتر في \"استقم\" والمعنى: فاستقم أنت وليستقم من تاب عن الكفر. وآمن معك. تاب: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. معك: ظرف مكان متعلق بتاب مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية وهو مضاف والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. وجملة \"تاب معك\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ ولا تطغوا:
  • الواو استئنافية. لا. ناهية جازمة. تطغوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بمعنى: ولا تتجاوزوا حدود ما أوحينا إليكم.
  • ﴿ إنه بما تعملون بصير:
  • تعرب إعراب \"أنه بما يعملون خبير\" الواردة في الآية الكريمة السابقة. '

المتشابهات :

هود: 112﴿فَـ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا
الشورى: 15﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [112] لما قبلها :     وبعد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته؛ أمرَه اللهُ ومَن معه مِن المؤمنينَ بالتزام الصراط المستقيم، فيَسلُكوا ما شرَعَه اللهُ مِن الشَّرائع، ويعتَقِدوا ما أخبَرَ الله به من العقائدِ، ولا يطغَوا بأن يتجاوَزوا ما حَدَّه اللهُ لهم من الاستقامةِ، قال تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تعملون:
وقرئ:
يعملون، بالياء، على الغيبة، وهى قراءة الحسن، والأعمش.

مدارسة الآية : [113] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ..

التفسير :

[113] ولا تميلوا إلى هؤلاء الكفار الظلمة، فتصيبكم النار، وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم، ويتولى أموركم.

{ وَلَا تَرْكَنُوا ْ} أي:لا تميلوا{ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ْ} فإنكم، إذا ملتم إليهم، ووافقتموهم على ظلمهم، أو رضيتم ما هم عليه من الظلم{ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ْ} إن فعلتم ذلك{ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ْ} يمنعونكم من عذاب الله، ولا يحصلون لكم شيئا، من ثواب الله.

{ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ْ} أي:لا يدفع عنكم العذاب إذا مسكم، ففي هذه الآية:التحذير من الركون إلى كل ظالم، والمراد بالركون، الميل والانضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم.

وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟!! نسأل الله العافية من الظلم.

ثم نهى- سبحانه- بعد ذلك عن الميل إلى الظالمين فقال: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ.

والركون إلى الشيء: الميل إليه. يقال ركن فلان إلى فلان، إذا مال إليه بقلبه، واعتمد عليه في قضاء مصالحه.

والمراد بالذين ظلموا هنا: ما يتناول المشركين وغيرهم من الظالمين الذين يعتدون على حقوق الغير، ويستحلون من محارم الله.

والمعنى: واحذروا- أيها المؤمنون- أن تميلوا إلى الظالمين، أو تسكنوا إليهم لأن ذلك يؤدى إلى تقوية جانبهم. وإضعاف جانب الحق والعدل.

قال بعض العلماء: ويستثنى من ذلك للضرورة صحبة الظالم على التقية مع حرمة الميل القلبي إليه.

وقوله فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ أى فتصيبكم النار بسبب ميلكم إليهم، والاعتماد عليهم، والرضا بأفعالهم.

وقوله وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ في موضع الحال من ضمير فَتَمَسَّكُمُ.

أى: والحال أنه ليس لكم من غير الله من نصراء ينصرونكم من العذاب النازل بكم، بسبب ركونكم إلى الذين ظلموا ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم.

وثم في قوله ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ للتراخي الرتبى. أى ثم لا تجدون بعد ذلك من ينصركم بأى حال من الأحوال، لأن الظالمين ما لهم من أنصار.

قال بعض العلماء: الآية أبلغ ما يتصور في النهى عن الظلم، والتهديد عليه، لأن هذا الوعيد الشديد إذا كان فيمن يركن إلى الذين ظلموا فكيف يكون حال من ينغمس في حمأته؟!! ثم قال: وقد وسع العلماء في ذلك وشددوا، والحق أن الحالات تختلف، والأعمال بالنيات.

والتفصيل أولى.

فإن كانت المخالطة لدفع منكر، أو للاستعانة على إحقاق الحق، أو الخير. فلا حرج في ذلك. وإن كانت لإيناسهم وإقرارهم على ظلمهم فلا..» .

وقوله : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لا تدهنوا وقال العوفي ، عن ابن عباس : هو الركون إلى الشرك .

وقال أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم .

وقال ابن جريج ، عن ابن عباس : ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن ، أي : لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم ، ( فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ) أي : ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ، ولا ناصر يخلصكم من عذابه .

القول في تأويل قوله : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا ، أيها الناس ، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم ، (فتمسكم النار)، بفعلكم ذلك (26) ، وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم ووليّ يليكم (27) ، (ثم لا تنصرون) ، يقول: فإنكم إن فعلتم ذلك لم ينصركم الله، بل يخلِّيكم من نصرته ويسلط عليكم عدوّكم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18602- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ، يعني: الركون إلى الشرك.

18603- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم.

18604- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم. يقول: " الركون "، الرضى.

18605- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، قال: لا ترضوا أعمالهم ، (فتمسكم النار).

18606- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، قال: قال ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا.

18607- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ، يقول: لا تلحقوا بالشرك، وهو الذي خرجتم منه.

18608- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ، قال: " الركون " ، الإدهان. وقرأ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ، [سورة القلم: 9] ، قال: تركنُ إليهم، ولا تنكر عليهم الذي قالوا، وقد قالوا العظيمَ من كفرهم بالله وكتابه ورسله. قال: وإنما هذا لأهل الكفر وأهل الشرك وليس لأهل الإسلام. أما أهل الذنوب من أهل الإسلام ، فالله أعلم بذنوبهم وأعمالهم. ما ينبغي لأحد أن يُصَالح على شيء من معاصي الله ، ولا يركن إليه فيها.

----------------------

الهوامش :

(26) لنظر تفسير " المس " فيما سلف ص : 353 ، تعليق : 6 ، والمراجع هناك .

(27) لنظر تفسير " الأولياء " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .

التدبر :

وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي لا تتخذوا الظالمين ركنًا تلجأون إليه، ومن ذلك: قبول أقوالهم والرضا بأفعالهم.
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ إذا كان الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة أنفسهـم؟!
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ إذا كان هذا الراكن إليه فما ظنك بالظالم؟! ويل لظلمة نهلوا دماء شعوب وأكلوا ثرواتها.
عمل
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ لا تعملوا أعمالهم، ولا ترضوا بأعمالهم، ولا تمدحوهم على أعمالهم، ولا تتركوا الأمر بالمعروف لهم، ولا تأخذوا شيئًا من حرام أموالهم ولا تساكنوهم بقلوبكم، ولا تخالطوهم، ولا تعاشروهم ... كل هذا يحتمله الأمر، ويدخل تحت الخطاب.
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ التحذير من الركون إلى الكفار الظالمين بمداهنة أو مودة.
تفاعل
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا، إلى الجبارين الطغاة الظالمين, أصحاب القوة في الأرض, فإن ركونهم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه, ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير.
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ جاء خياط إلى الثوري فقال: «إني رجل أخيط ثياب السلطان -وكان السلطان ظالمًا- فهل أنا ممن ركن إلى الذين ظلموا؟»، فقال سفيان: «بل أنت من الظلمة أنفسهم! الذين ركنوا إلى الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط».
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ في هذه الآيه تحذير من الركون إلى كل ظالم والمراد بالركون الميل والإنضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك والرضا بما هو عليه.
وقفة
[113] الظلم نارٌ! أول مُكتوٍ بها أقرب الناس منه: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.
اسقاط
[113] الذي يُعين الظالم، ظالمٌ مثله! ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.
وقفة
[113] الظلم أخبث وباء! من سكت عنه أولًا رضي به ثانيًا، وبرره ثالثًا، ثم سقط فيه رابعًا؛ ولذا جاء النهي الرباني جازمًا: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ولا تميلوا»، والركون هو: المحبة، والميل بالقلب، وقال أبو العالية: «لا ترضوا بأعمالهم»، وقال السدي: «لا تداهنوا الظلمة».
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم؛ فإن صحبتهم كفر، أو معصية؛ إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة.
وقفة
[113] ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ أبلغُ ما يُتصور في النّهي عن الظلم والتهديدِ عليه.
عمل
[113] ابتعد عن الظلم والظلمة بقدر الإمكان ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.
وقفة
[113] توعَّد الله من نصر عدوّه بالهزيمة والخذلان ولو بعد حين ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.
وقفة
[113] مشاكل الأمة لا يحلها عدوها وإن أشركته بحلها زادها تعقيدًا ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.
عمل
[113] إذا لم تستطع قول الحق في وجه الظالم فلا تكن مصفقًا له، السكوت يسعك ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.
عمل
[113] ابحث عن جليس صالح؛ تصاحبه هذا اليوم، ولا تركن للفسقة والظلمة فتحشر معهم ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.
وقفة
[113] يتأخر نصر الأمة وسيادتها بسبب ركونها إلى عدو الله واعتمادها عليه، فالله نهاهم فقال: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، ثم توعدهم فقال: ﴿لَا تُنصَرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ولا تركنوا:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تركنوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة أي ولا تميلوا أدنى ميل.
  • ﴿ إلى الذين ظلموا:
  • جار ومجرور متعلق بتركنوا. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بإلى. ظلموا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة \"ظلموا\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ فتمسكم النار:
  • الفاء: سببية بمعنى \"لكيلا\". تمسكم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه الفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للإشباع. النار: فاعل مرفوع بالضمة. و\"أن\" المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق. التقدير: ليكن منكم عدم ركون إلى الظالمين فمنجاة من النار أو فعدم مساس النار لكم وجملة \"تمسكم النار\" صلة \"أن\" المضمرة لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وما لكم من دون الله:
  • الواو حالية. وما بعدها: جملة في محل نصب حال من قوله \"فتمسكم\" أي فتمسكم النار وأنتم على هذه الحال. ما: نافية لا عمل لها. لكم: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. من دون: جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من \"أولياء\". الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ من أولياء:
  • حرف جر زائد لتأكيد النفي. أولياء: اسم مجرور لفظًا وعلامة جره الفتحة بدلًا من الكسرة لأنه على وزن أفعلاء مرفوع محلًا لأنه مبتدأ مؤخر. أي من نصراء: جمع ولّي.
  • ﴿ ثم لا تنصرون:
  • ثم: معناها: الاستبعاد لأن النصرة من الله مستبعدة مع استجابهم العذاب. لا: نافية لا عمل لها. تنصرون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. '

المتشابهات :

هود: 113﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ
البقرة: 107﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
التوبة: 116﴿إِنَّ اللَّـهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۚ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
العنكبوت: 22﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
الشورى: 31﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [113] لما قبلها :     وبعدَ أن نهاهم عن الطُّغيانِ؛ نهاهم هنا عن التَّقارُبِ مِن المشركينَ؛ لئلا يُضِلُّوهم ويُزِلُّوهم عن الإسلام، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تركنوا:
قرئ:
1- بفتح الكاف، والماضي: ركن، بكسرها، وهى قراءة لجمهور.
2- بضم الكاف، ماضى: ركن، بفتحها، وهى لغة قيس، وتميم، وبها قرأ قتادة، وطلحة، والأشهب.
3- تركنوا، مبنيا للمفعول، من: أركنه، إذا أماله، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
4- تركنوا، بكسر التاء، على لغة تميم، وهى قراءة أبى عمرو.
فتمسكم:
وقرئ:
بكسر التاء، على لغة تميم، وهى قراءة ابن وثاب، وعلقمة، والأعمش، وابن مصرف، وحمزة.
ثم لا تنصرون:
وقرئ:
ثم لا تنصروا، بحذف النون، والفعل منصوب، عطفا على قوله «فتمسكم» ، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [114] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا ..

التفسير :

[114] وأدِّ الصلاة -أيها النبي- على أتمِّ وجه، طَرَفَي النهار في الصباح والمساء، وفي ساعات من الليل. إنَّ فِعْلَ الخيرات يكفِّر الذنوب السالفة ويمحو آثارها، والأمر بإقامة الصلاة وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات، موعظة لمن اتعظ بها وتذكر.

يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة{ طَرَفَيِ النَّهَارِ ْ} أي:أوله وآخره، ويدخل في هذا، صلاة الفجر، وصلاتا الظهر والعصر،{ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ْ} ويدخل في ذلك، صلاة المغرب والعشاء، ويتناول ذلك قيام الليل، فإنها مما تزلف العبد، وتقربه إلى الله تعالى.

{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ْ} أي:فهذه الصلوات الخمس، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات، وهي:مع أنها حسنات تقرب إلى الله، وتوجب الثواب، فإنها تذهب السيئات وتمحوها، والمراد بذلك:الصغائر، كما قيدتها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر"، بل كما قيدتها الآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى:{ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ْ}

ذلك لعل الإشارة، لكل ما تقدم، من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم، وعدم مجاوزته وتعديه، وعدم الركون إلى الذين ظلموا، والأمر بإقامة الصلاة، وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات، الجميع{ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ْ} يفهمون بها ما أمرهم الله به، ونهاهم عنه، ويمتثلون لتلك الأوامر الحسنة المثمرة للخيرات، الدافعة للشرور والسيئات، ولكن تلك الأمور، تحتاج إلى مجاهدة النفس، والصبر عليها.

ثم أرشد- سبحانه- عباده المؤمنين إلى ما يعينهم على الاستقامة وعلى عدم الركون إلى الظالمين، فقال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.

والمراد بإقامتها الإتيان بها في أوقاتها كاملة الأركان والخشوع والإخلاص لله رب العالمين.

والمراد بالصلاة هنا: الصلاة المفروضة.

قال القرطبي: لم يختلف أحد من أهل التأويل في أن الصلاة في هذه الآية، المراد بها الصلوات المفروضة. وخصها بالذكر لأنها ثانية أركان الإسلام، وإليها يفزع في النوائب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» .

وطرفي النهار: أى أول النهار وآخره، لأن طرف الشيء منتهاه من أوله أو من آخره.

والنهار: يتناول ما بين مطلع الفجر إلى غروب الشمس. سمى بذلك لأن الضياء ينهر فيه أى يبرز كما يبرز النهر.

والصلاة التي تكون في هذين الوقتين، تشمل صلاة الغداة وهي صلاة الصبح، وصلاة العشى وهي صلاة الظهر والعصر، لأن لفظ العشى يكون من الزوال إلى الغروب.

وقيل الصلاة التي تكون في هذين الوقتين هي صلاة الصبح والمغرب.

وقوله وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ معطوف على طرفي النهار.

والزلف جمع زلفة كغرف وغرفة- والمراد بها الساعات القريبة من آخر النهار، إذ الإزلاف معناه القرب ومنه قوله- تعالى- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ... أى: قربت منهم. وتقول أزلفنى فلان منه: أى قربني.

فمعنى وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ طائفة من أوله. وصلاة الزلف تطلق على صلاتي المغرب والعشاء قال ابن كثير ما ملخصه: وقوله وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ يعنى صلاة المغرب والعشاء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هما زلفتا الليل: المغرب والعشاء» .

ويحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها، وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة، ثم نسخ في حق الأمة، وثبت وجوبه عليه، ثم نسخ عنه أيضا في قول» .

وجملة إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ مسوقة مساق التعليل للأمر بإقامة الصلاة،

وأكدت بحرف إِنَّ للاهتمام وتحقيق الخبر، والحسنات صفة لموصوف محذوف، وكذلك السيئات.

والمعنى: إن الأعمال الحسنة- كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والاستغفار ... يذهبن الأعمال السيئات، أى يذهبن المؤاخذة عليها، ويذهبن الاتجاه إليها ببركة المواظبة على الأعمال الحسنة.

والمراد بالسيئات هنا صغار الذنوب، لقوله- تعالى- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً . ولقوله- تعالى- الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ... ، ولأن كبائر الذنوب لا تكفرها إلا التوبة الصادقة.

وقوله ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ أى: ذلك الذي أمرناك به من وجوب إقامة الصلاة، ومن الاستقامة على أمر الله ... فيه التذكرة النافعة، لمن كان شأنه التذكر والاعتبار، لا الإعراض والعناد.

وهذه الآية الكريمة من الآيات التي قال عنها بعض المفسرين بأنها مدنية، وقد ذكرنا في التمهيد بين بدى السورة، أن سورة هود ترجح أنها كلها مكية، وليس فيها آيات مدنية.

ومما يؤيد أن هذه الآية مكية أنها مسوقة مع ما سبقها من آيات لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم ولإرشاده وأتباعه إلى ما يعينهم على الاستقامة، وعدم الركون إلى الظالمين.

ولأن بعض الروايات التي وردت في شأنها لم تذكر أنها نزلت في المدينة، بل ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلاها على السائل، ومن هذه الروايات ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير- وهذا لفظه- عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنى وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أنى لم أجامعها، فافعل بي ما شئت، فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه، فأتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم بصره ثم قال: ردوه على فردوه عليه فقرأ عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ...

الآية، فقال معاذ- وفي رواية عمر- يا رسول الله، أله وحده أم للناس كافة؟ فقال: بل للناس كافة» .

وأكدت بحرف إِنَّ للاهتمام وتحقيق الخبر، والحسنات صفة لموصوف محذوف، وكذلك السيئات.

والمعنى: إن الأعمال الحسنة- كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والاستغفار ... يذهبن الأعمال السيئات، أى يذهبن المؤاخذة عليها، ويذهبن الاتجاه إليها ببركة المواظبة على الأعمال الحسنة.

والمراد بالسيئات هنا صغار الذنوب، لقوله- تعالى- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً . ولقوله- تعالى- الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ... ، ولأن كبائر الذنوب لا تكفرها إلا التوبة الصادقة.

وقوله ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ أى: ذلك الذي أمرناك به من وجوب إقامة الصلاة، ومن الاستقامة على أمر الله ... فيه التذكرة النافعة، لمن كان شأنه التذكر والاعتبار، لا الإعراض والعناد.

وهذه الآية الكريمة من الآيات التي قال عنها بعض المفسرين بأنها مدنية، وقد ذكرنا في التمهيد بين بدى السورة، أن سورة هود ترجح أنها كلها مكية، وليس فيها آيات مدنية.

ومما يؤيد أن هذه الآية مكية أنها مسوقة مع ما سبقها من آيات لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم ولإرشاده وأتباعه إلى ما يعينهم على الاستقامة، وعدم الركون إلى الظالمين.

ولأن بعض الروايات التي وردت في شأنها لم تذكر أنها نزلت في المدينة، بل ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلاها على السائل، ومن هذه الروايات ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير- وهذا لفظه- عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنى وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أنى لم أجامعها، فافعل بي ما شئت، فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه، فأتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم بصره ثم قال: ردوه على فردوه عليه فقرأ عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ...

الآية، فقال معاذ- وفي رواية عمر- يا رسول الله، أله وحده أم للناس كافة؟ فقال: بل للناس كافة»

والروايات التي ورد فيها فأنزل عليه هذه الآية، في الإمكان أن تؤول أن المراد أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضية السائل، ولجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب سوى الكبائر.

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وأقم الصلاة طرفي النهار ) قال : يعني الصبح والمغرب وكذا قال الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال الحسن - في رواية - وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم : هي الصبح والعصر .

وقال مجاهد : هي الصبح في أول النهار ، والظهر والعصر من آخره . وكذا قال محمد بن كعب القرظي ، والضحاك في رواية عنه .

وقوله : ( وزلفا من الليل ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغيرهم : يعني صلاة العشاء .

وقال الحسن ، في رواية ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عنه : ( وزلفا من الليل ) يعني المغرب والعشاء قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " هما زلفتا الليل : المغرب والعشاء " . وكذا قال مجاهد ، ومحمد بن كعب ، وقتادة ، والضحاك : إنها صلاة المغرب والعشاء .

وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء; فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها . وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة ، ثم نسخ في حق الأمة ، وثبت وجوبه عليه ، ثم نسخ عنه أيضا ، في قول ، والله أعلم .

وقوله : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) يقول : إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : كنت إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني عنه أحد استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم يذنب ذنبا ، فيتوضأ ويصلي ركعتين ، إلا غفر له " .

وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان : أنه توضأ لهم كوضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ ، وقال : " من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدم من ذنبه " .

وروى الإمام أحمد ، وأبو جعفر بن جرير ، من حديث أبي عقيل زهرة بن معبد : أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول : جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر مد ، فتوضأ ، ثم قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : " من توضأ وضوئي هذا ، ثم قام فصلى صلاة الظهر ، غفر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح ، ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر ، ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلاة العصر ، ثم صلى العشاء غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب ، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء ، وهن الحسنات يذهبن السيئات " .

وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا غمرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقي من درنه شيئا ؟ " قالوا : لا يا رسول الله : قال : " وكذلك الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الذنوب والخطايا " .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد قالا حدثنا ابن وهب ، عن أبي صخر : أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه ، عن أبي هريرة; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، أن أبا رهم السمعي كان يحدث : أن أبا أيوب الأنصاري حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة "

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عوف حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " جعلت الصلوات كفارات لما بينهن; فإن الله قال : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .

وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود; أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فأنزل الله : (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) فقال الرجل : إلى هذا يا رسول الله ؟ قال : " لجميع أمتي كلهم " .

هكذا رواه في كتاب الصلاة ، وأخرجه في التفسير عن مسدد ، عن يزيد بن زريع ، بنحوه ورواه مسلم ، وأحمد ، وأهل السنن إلا أبا داود ، من طرق عن أبي عثمان النهدي ، واسمه عبد الرحمن بن مل ، به .

وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير - وهذا لفظه - من طرق : عن سماك بن حرب : أنه سمع إبراهيم بن يزيد يحدث عن علقمة والأسود ، عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء ، غير أني لم أجامعها ، قبلتها ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك ، فافعل بي ما شئت . فلم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه ، لو ستر على نفسه . فأتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره ثم قال : " ردوه علي " . فردوه عليه ، فقرأ عليه : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) فقال معاذ ، وفي رواية عمر : يا رسول الله ، أله وحده ، أم للناس كافة ؟ فقال : " بل للناس كافة " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا أبان بن إسحاق ، عن الصباح بن محمد ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا من أحب . فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده ، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه " . قال : قلنا : وما بوائقه يا نبي الله ؟ قال : " غشه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان فلان ابن معتب رجلا من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، دخلت على امرأة فنلت منها ما ينال الرجل من أهله ، إلا أني لم أجامعها فلم يدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجيبه ، حتى نزلت هذه الآية : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) فدعاه رسول الله ، فقرأها عليه .

وعن ابن عباس أنه عمرو بن غزية الأنصاري التمار . وقال مقاتل : هو أبو نفيل عامر بن قيس الأنصاري ، وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو اليسر : كعب بن عمرو .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وعفان قالا حدثنا حماد - يعني : ابن سلمة - عن علي بن زيد - قال عفان : أنبأنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس; أن رجلا أتى عمر قال : امرأة جاءت تبايعه ، فأدخلتها الدولج ، فأصبت منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك . لعلها مغيبة في سبيل الله ؟ قال : أجل . قال : فأت أبا بكر فاسأله قال : فأتاه فسأله ، فقال : لعلها مغيبة في سبيل الله ؟ فقال مثل قول عمر ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له مثل ذلك ، قال : " فلعلها مغيبة في سبيل الله " . ونزل القرآن : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) إلى آخر الآية ، فقال : يا رسول الله ، ألي خاصة أم للناس عامة ؟ فضرب - يعني : عمر - صدره بيده وقال : لا ولا نعمة عين ، بل للناس عامة . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " صدق عمر " .

وروى الإمام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري قال : أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ، فقلت : إن في البيت تمرا أطيب وأجود من هذا ، فدخلت ، فأهويت إليها فقبلتها ، فأتيت عمر فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرن أحدا . فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرن أحدا . قال : فلم أصبر حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال : " أخلفت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا ؟ " حتى ظننت أني من أهل النار ، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ . فأطرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ، فنزل جبريل ، فقال : " [ أين ] أبو اليسر ؟ " . فجئت ، فقرأ علي : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) إلى ( ذكرى للذاكرين ) فقال إنسان : يا رسول الله ، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال " للناس عامة " .

وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل; أنه كان قاعدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له ، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصاب منها ، غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : " توضأ وضوءا حسنا ، ثم قم فصل " قال : فأنزل الله عز وجل هذه الآية ، يعني قوله : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) فقال معاذ : أهي له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ قال : " بل للمسلمين عامة " .

ورواه ابن جرير من طرق ، عن عبد الملك بن عمير ، به .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة; أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر امرأة وهو جالس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه لحاجة ، فأذن له ، فذهب يطلبها فلم يجدها ، فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطر ، فوجد المرأة جالسة على غدير ، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها ، فصار ذكره مثل الهدبة ، فقام نادما حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنع ، فقال له : " استغفر ربك ، وصل أربع ركعات " . قال : وتلا عليه : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) الآية .

وقال ابن جرير : حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم ، عن الزبيدي ، عن سليم بن عامر; أنه سمع أبا أمامة يقول : إن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أقم في حد الله - مرة أو ثنتين - فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة قال : " أين هذا الرجل القائل : أقم في حد الله ؟ " قال : أنا ذا : قال : " أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا ؟ " قال : نعم . قال : " فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ، ولا تعد " . وأنزل الله على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال : كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة ، فأخذ منها غصنا يابسا فهزه حتى تحات ورقة ، ثم قال : يا أبا عثمان ، ألا تسألني لم أفعل هذا ؟ فقلت : لم تفعله ؟ قال : هكذا فعل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه تحت شجرة ، فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات ورقة ، فقال : " يا سلمان ، ألا تسألني : لم أفعل هذا ؟ " . قلت : ولم تفعله ؟ فقال : " إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى الصلوات الخمس ، تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق . وقال : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ ، رضي الله عنه; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : " يا معاذ ، أتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .

وقال الإمام أحمد ، رضي الله عنه : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن أبي ذر; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .

وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن أشياخه ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، أوصني . قال : " إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها " . قال : قلت : يا رسول الله ، أمن الحسنات : لا إله إلا الله ؟ قال : " هي أفضل الحسنات " .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا هذيل بن إبراهيم الجماني ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الزهري ، من ولد سعد بن أبي وقاص ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ما قال عبد : لا إله إلا الله ، في ساعة من ليل أو نهار ، إلا طلست ما في الصحيفة من السيئات ، حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات " .

عثمان بن عبد الرحمن ، يقال له : الوقاصي . فيه ضعف .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قالا حدثنا الضحاك بن مخلد ، حدثنا مستور بن عباد ، عن ثابت ، عن أنس; أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما تركت من حاجة ولا داجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ " . قال : بلى . قال : " فإن هذا يأتي على ذلك " .

تفرد به من هذا الوجه مستور .

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وأقم الصلاة ) ، يا محمد، يعني: صَلِّ ، (طرفي النهار)، يعني الغداة‍َ والعشيَّ.

* * *

واختلف أهل التأويل في التي عُنِيت بهذه الآية من صَلوات العشيّ، بعد إجماع جميعهم على أن التي عُنيت من صَلاة الغداة، الفجرُ.

فقال بعضهم: عُنيت بذلك صلاة الظهر والعصر. قالوا: وهما من صلاة العشيّ.

*ذكر من قال ذلك :

18609- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: الفجر، وصلاتي العشي ، يعني الظهر والعصر.

18610- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ، مثله.

18611- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار)، قال: صلاة الفجر، وصلاة العشي.

18612- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: فطرفا النهار: الفجرُ والظهرُ والعصرُ.

18613- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: (أقم الصلاة طرفي النهار)، قال: (طرفي النهار)، قال: الفجر والظهر والعصر.

18614- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : (أقم الصلاة طرفي النهار)، قال: الفجر والظهر والعصر.

* * *

وقال آخرون: بل عنى بها صلاة المغرب.

*ذكر من قال ذلك :

18615- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، يقول: صلاة الغداة وصلاة المغرب.

18616- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: (أقم الصلاة طرفي النهار)، قال. صلاة الغداة والمغرب.

18617- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الصبح، والمغرب.

* * *

وقال آخرون: عني بها: صلاة العصر.

*ذكر من قال ذلك :

18618- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: صلاة الفجر والعصر.

18619-. . . . قال: حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد القبائي، عن محمد بن كعب (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الفجر و العصر.

18620- حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا أبو رجاء، عن الحسن في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: صلاة الصبح وصلاة العصر.

18621- حدثني الحسين بن علي الصدائي قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا مبارك، عن الحسن قال، قال الله لنبيه: (أقم الصلاة طرفي النهار)، قال: (طرفي النهار)، الغداة والعصر.

18622- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله (أقم الصلاة طرفي النهار)، يعني صلاة العصر والصبح.

18623- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الغداة والعصر.

18624- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن زيد، عن محمد بن كعب: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الفجر والعصر.

18625- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة، عن الحسن: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: الغداة والعصر.

* * *

وقال بعضهم: بل عنى بطرفي النهار: الظهر، والعصر ، وبقوله: (زلفًا من الليل) ، المغرب، والعشاء، والصبح.

* * *

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قولُ من قال: " هي صلاة المغرب "، كما ذكرنا عن ابن عباس.

وإنما قلنا هو أولى بالصواب لإجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر، وهي تصلى قبل طلُوع الشمس . فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعًا ، أن تكون صلاةُ الطرف الآخر المغرب، لأنها تصلى بعد غُروب الشمس. ولو كان واجبًا أن يكون مرادًا بصلاة أحد الطرفين قبل غروب الشمس ، وجب أن يكون مرادًا بصلاة الطرف الآخر بعدَ طلوعها، وذلك ما لا نعلم قائلا قاله ، إلا من قال: " عنى بذلك صلاة الظهر والعصر ". وذلك قول لا يُخِيلُ فساده، (28) لأنهما إلى أن يكونا جميعًا من صلاة أحد الطرفين ، أقربُ منهما إلى أن يكونا من صلاة طرفي النهار. وذلك أن " الظهر " لا شك أنها تصلَّى بعد مضي نصف النهار في النصف الثاني منه، فمحالٌ أن تكون من طرف النهار الأول ، وهي في طرفه الآخر.

فإذا كان لا قائلَ من أهل العلم يقول: " عنى بصلاة طرف النهار الأول صلاةً بعد طلوع الشمس "، وجب أن يكون غير جائز أن يقال: " عنى بصلاة طرف النهار الآخر صلاةً قبل غروبها ".

وإذا كان ذلك كذلك ، صح ما قلنا في ذلك من القول ، وفسدَ ما خالفه.

* * *

وأما قوله: (وزلفًا من الليل)، فإنه يعني: ساعاتٍ من الليل.

* * *

وهي جمع " زُلْفة "، و " الزلفة "، الساعة ، والمنـزلة، والقربة، وقيل: إنما سميت " المزدلفة " و " جمع " من ذلك ، لأنها منـزلٌ بعد عرفة ، وقيل سميت بذلك، لازدلاف آدم من عَرَفة إلى حواء وهي بها ، ومنه قول العجاج في صفة بعير:

نــاجٍ طَــوَاهُ الأَيْـنُ مِمَّـا وجَفـا

طَـــيَّ اللَّيــالِي زُلَفًــا فَزُلَفَــا (29)

* * *

واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قراء المدينة والعراق: (وَزُلَفًا)، بضم الزاي وفتح اللام.

* * *

وقرأه بعض أهل المدينة بضم الزاي واللام ، كأنه وجَّهه إلى أنه واحدٌ، وأنه بمنـزلة " الحُلُم ".

* * *

وقرأ بعض المكيين: (وَزُلْفًا) ، ضم الزاي وتسكين اللام.

* * *

قال أبو جعفر: وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها: (وزُلَفًا)، بضم الزاي وفتح اللام، على معنى جمع " زُلْفة "، كما تجمع " غُرْفَة غُرف "، و " حُجْرة حُجر ".

وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك، لان صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زُلَفٍ من الليل، وهي التي عُنِيت عندي بقوله: (وزلفًا من الليل).

* * *

وبنحو الذي قلنا في قوله: (وزلفًا من الليل)، قال جماعة من أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك :

18626- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وزلفًا من الليل) ، قال: الساعات من الليل صلاة العتمة.

18627- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

18628- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

18629- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (زلفًا من الليل) يقول: صلاة العتمة.

18630- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: (وزلفًا من الليل) ، قال: العشاء.

18631- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء ويقرأ: (وزلفًا من الليل).

18632- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وزلفًا من الليل)، قال: ساعة من الليل، صلاة العتمة.

18633- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وزلفًا من الليل)، قال: العتمة، وما سمعت أحدًا من فقهائنا ومشايخنا، يقول " العشاء "، ما يقولون إلا " العتمة "

* * *

وقال قوم: الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامتها زُلَفًا من الليل، صلاة المغرب والعشاء.

*ذكر من قال ذلك :

18634- حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع، واللفظ ليعقوب قالا حدثنا ابن علية قال ، حدثنا أبو رجاء عن الحسن: (وزلفًا من الليل)، قال: هما زُلفتان من الليل: صلاة المغرب، وصلاة العشاء.

18635- حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن في قوله: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب، والعشاء.

18636- حدثني الحسن بن علي، قال ثنا أبي قال ، حدثنا مبارك، عن الحسن، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل)، قال: (زلفًا من الليل): المغرب، والعشاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما زُلْفَتا الليل، المغرب والعشاء."

18637- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان عن منصور عن مجاهد : (وزلفًا من الليل)، قال: المغرب، والعشاء.

18638- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، مثله.

18639- حدثني المثنى قال حدثنا أبو نعيم قال: ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

18640-. . . . قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قد بيّن اللهُ مواقيتَ الصلاة في القرآن، قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [سورة الإسراء: 78] ، قال: " دلوكها ": إذا زالت عن بطن السماء ، وكان لها في الأرض فيءٌ. وقال: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الغداة، والعصر ، (وزلفًا من الليل) ، المغرب، والعشاء. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هُما زلفتا الليل ، المغرب والعشاء.

18641- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وزلفًا من الليل) ، قال: يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء.

18642- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (زلفًا من الليل) ، المغرب والعشاء.

18643- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب، مثله.

18644- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: (وزلفًا من الليل) ، المغرب والعشاء.

18645- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم بن سليمان، عن الحسن قال: زلفتا الليل، المغرب والعشاء.

18646- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب والعشاء.

18647- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عاصم، عن الحسن: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب والعشاء.

18648- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك: (وزلفًا من الليل)، قال: المغرب والعشاء.

18649- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن عاصم، عن الحسن: (زلفًا من الليل)، صلاة المغرب والعشاء.

* * *

وقوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، يقول تعالى ذكره: إنّ الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه، يذهب آثام معصية الله ، ويكفّر الذنوب. (30)

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع ، اللاتي يذهبن السيئات، فقال بعضهم: هنّ الصلوات الخمس المكتوبات.

*ذكر من قال ذلك :

18650- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن أبي محمد ابن الحضرمي قال ، حدثنا كعب في هذا المسجد، قال: والذي نفس كعب بيده ، إن الصلوات الخمس لهُنّ الحسنات التي يذهبن السيئات ، كما يغسل الماءُ الدَّرَنَ. (31)

18651- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح قال: سمعت محمد بن كعب القرظى يقول في قوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: هن الصلوات الخمس.

18652- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.

18653-. . . . قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد: (إن الحسنات) الصلوات.

18654- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة جميعا، عن عوف، عن الحسن: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.

18655- حدثني زريق بن السَّخت قال ، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، قال: الصلوات الخمس. (32)

18656- حدثني المثني قال ، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.

18657- حدثني المثني قال ، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال، الصلوات الخمس.

18658- حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، قال: الصلوات الخمس.

18659-. . . . قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد الجريري قال، حدثني أبو عثمان، عن سلمان قال: والذي نفسي بيده، إن الحسنات التي يمحو الله بهن السيئات كما يغسل الماء الدَّرَن: الصلواتُ الخمس.

18660- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص بن غياث، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، قال: الصلوات الخمس.

18661- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مزيدة بن زيد، عن مسروق: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس. (33)

18662- حدثني محمد بن عمارة الأسدي، وعبد الله بن أبي زياد القطواني قالا حدثنا عبد الله بن يزيد قال، أخبرنا حيوة قال، أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان رحمة الله عليه يقول: جلس عثمان يومًا وجلسنا معه، فجاء المؤذن ، فدعا عثمان بماءٍ في إناء ، أظنه سيكون فيه قدر مُدٍّ ، (34) فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وُضوئي هذا ، ثم قال: من توضأ وُضوئي هذا ثم قام فصلَّى صلاة الظهر ، غفر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح، ثم صَلَّى العصر ، غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر، ثمَّ صلَّى المغرب ، غفر له ما بينه وبين صلاة العصر، ثم صلّى العشاء ، غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب، ثمَّ لعله يبيت ليلته يَتَمَرّغ، (35) ثم إن قام فتوضأ وصلَّى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهُنَّ الحسنات يذهبن السيئات. (36)

18663- حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثنا أبو زرعة قال ، حدثنا حيوة قال ، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان رضى الله عنه قال: جلس عثمان بن عفان يومًا على المقاعد ، فذكر نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه قال: " وهن الحسنات إن الحسنات يذهبن السيئات ". (37)

18664- حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن يزيد، ورشدين بن سعد قالا حدثنا زهرة بن معبد قال: سمعت الحارث مولى عثمان بن عفان يقول، جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد، ثم ذكر نحو ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه قال: وهن الحسنات : (إن الحسنات يذهبن السيئات). (38)

18665- حدثنا محمد بن عوف قال ، حدثنا محمد بن إسماعيل قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلت الصلوات كفارات لما بينهن، فإن الله قال: (إن الحسنات يذهبن السيئات) . (39)

18666- حدثنا ابن سيار القزاز قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي قال، كنت مع سلمان تحت شجرة، فأخذ غصنا من أغصانها يابسًا فهزَّه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت معه تحت شجرة ، فأخذ غصنًا من أغصانها يابسًا فهزه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: ألا تسألني لم أفعل هذا يا سلمان؟ فقلت: ولم تفعله؟ فقال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلَّى الصلوات الخمس، تحاتّت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق. ثم تلا هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل)، إلى آخر الآية. (40)

* * *

وقال آخرون: هو قول: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ".

* ذكر من قال ذلك:

18667- حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ".

* * *

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، قولُ من قال في ذلك: " هن الصلوات الخمس "، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال: " مَثَلُ الصلوات الخمس مَثَلُ نَهْرٍ جَارٍ عَلَى بابِ أحَدِكم، ينغمس فيه كل يومٍ خمس مرات، فماذا يُبقينَ من دَرَنه؟"، (41) وأن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات، والوعدُ على إقامتها الجزيلَ من الثواب عَقيبها ، أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال ، إذا خُصّ بالقصد بذلك بعضٌ دون بعض.

* * *

وقوله: (ذلك ذكرى للذاكرين) ، يقول تعالى ذكره: هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم ، وتهددت فيه، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يُذهبن السيئات ، تذكرة ذكّرت بها قومًا يذكُرون وعد الله، فيرجُون ثوابه ووعيده ، فيخافون عقابه، لا من قد طبع على قلبه ، فلا يجيب داعيًا ، ولا يسمع زاجرًا.

* * *

وذكر أن هذه الآية نـزلت بسبب رجل نالَ من غير زوجته ولا ملك يمينه بعضَ ما يحرم عليه، فتاب من ذنبه ذلك.

*ذكر الرواية بذلك:

18668- حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود قالا قال عبد الله بن مسعود: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجتُ امرأة في بعض أقطار المدينة، (42) فأصبت منها ما دون أن أمسَّها، فأنا هذا ، (43) فاقض فيَّ ما شئت ! فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت على نفسك ! قال: ولم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا . فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه، فلما أتاه قرأ عليه: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، فقال رجل من القوم: هذا لهُ يا رسول الله خاصَّةً؟ قال: بل للناس كافة. (44)

18669- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان، فضممتها إليَّ وباشرتُها وقبَّلتها، وفعلت بها كلَّ شي غير أني لم أجامعها . فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فنـزلت هذه الآية: (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه، فقال عمر: يا رسول الله، أله خاصَّةً، أم للناس كافة؟ قال: لا بل للناس كافة ، ولفظ الحديث لابن وكيع. (45)

18670- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، أنه سمع إبراهيم بن زيد، يحدث عن علقمة ، والأسود، عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأةً في بستان ، ففعلت بها كل شيء ، غير أني لم أجامعها، قَبَّلتها ، ولزمتُها ، (46) ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت . فلم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا . فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه ! فأتبعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَصَره، فقال: " ردُّوه عليَّ ! فردُّوه، فقرأ عليه: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، قال: فقال معاذ بن جبل: أله وحده ، يا نبي الله، أم للناس كافة؟ فقال: " بل للناس كافة . (47)

18671- حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا أبو عوانة، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة ، والأسود ، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخذت امرأة في البُستان فأصبتُ منها كل شيء، غير أني لم أنكحها، فاصنع بي ما شئت ! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب دعاه فقرأ عليه هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل)، الآية. (48)

18672- حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي قال ، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب قال، سمعت إبراهيم يحدث عن خاله الأسود، عن عبد الله: أن رجلا لقي امرأةً في بعض طرق المدينة، فأصاب منها ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنـزلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)، فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله، لهذا خاصة ، أو لنا عامة؟ قال: بل لكم عامة. (49)

18673- حدثنا ابن المثني قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا شعبة قال، أنبأني سماك قال، سمعت إبراهيم يحدث عن خاله، عن ابن مسعود: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقيت امرأة في حُشٍّ بالمدينة، (50) فأصبت منها ما دون الجماع، نحوه. (51)

18674- حدثنا ابن المثني قال ، حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي قال ، حدثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم، عن خاله، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. (52)

18675- حدثني أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جاء فُلانُ بن معتِّب رجل من الأنصار ، فقال: يا رسول الله دخلت عليّ امرأة، فنلتُ منها ما ينالُ الرجل من أهله، إلا أني لم أواقعها ؟ فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه ، حتى نـزلت هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات)، الآية، فدعاه فقرأها عليه. (53)

18676- حدثني يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية ، وحدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل ، وحدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان جميعًا، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب من امرأةٍ شيئًا لا أدري ما بلغ، غير أنه ما دون الزنا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنـزلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) ، فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله؟ قال: لمن أخذَ بها من أمتي ، أو : لمن عمل بها. (54)

18677- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان، فأخذ غصن شجرة يابسة فحتَّه ، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء ، تحاتَّت خطاياه كما يتحاتُّ هذا الورق ! ثم قال: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، إلى آخر الآية. (55)

18678- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو أسامة، وحسين الجعفي ، عن زائدة قال ، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئًا إلا قد أتاه منها ، غير أنْ لم يجامعها؟ (56) فأنـزل الله هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ ثم صلّ . قال معاذ: قلت : يا رسول الله، أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ قال: بل للمؤمنين عامة. (57)

18679- حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلا أصابَ من امرأة ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن ذلك، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو: أنـزلت ، (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية، فقال معاذ: يا رسول الله، أله خاصة، أم للناس عامة؟ قال: هي للناس عامة.

18680- حدثنا ابن المثني قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.

18681- حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال، حدثني عمرو بن الحارث قال، حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي قال ، حدثنا سليم بن عامر، أنه سمع أبا أمامة يقول: إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، أقم فيَّ حَدّ الله ، مرةً واثنتين. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال: أين هذا القائل: أقم فيَّ حدَّ الله؟ قال: أنا ذا ! قال: هل أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا؟ قال: نعم! قال: فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمّك، فلا تَعُدْ ! وأنـزل الله حينئذ على رسوله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية. (58)

18682- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني جرير، عن عبد الملك، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أنه كان جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال: يا رسول الله، رجلٌ أصاب من امرأة ما لا يحلُّ له، لم يدع شيئًا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لم يجامعها؟ قال: يتوضأ وضوءًا حسنًا ثم يصلي. فأنـزل الله هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية، فقال معاذ: هي له يا رسول الله خاصة، أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة (59)

18683- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة: أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالسٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه لحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلم يجدها. فأقبل الرجل يريد أن يُبَشّر النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر، فوجد المرأة جالسةً على غديرٍ، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها، فصار ذكره مثل الهُدْبة، فقام نادمًا حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: استغفر ربَّك وصلّ أربع ركعات : قال: وتلا عليه: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية. (60)

18684- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن وهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو الأنصاري قال: أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أجود من هذا! فدخلت ، فأهويت إليها فقبَّلتها. فأتيت أبا بكر فسألته، فقال: استر على نفسك وتُبْ واستغفر الله ! فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخلَفْتَ رجلا غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا !! حتى ظننت أنّي من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ! قال: فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً فنـزل جبريل فقال: أين أبو اليسر؟ فجئت، فقرأ عليّ: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، إلى : (ذكرى للذاكرين) ، قال إنسان : لهُ يا رسول الله ، خاصةً ، أم للناس عامة؟ قال: للناس عامة. (61)

18685- حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر قال: لقيت امرأة فالتَزَمْتُها، غير أني لم أنكحها، فأتيت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فقال: اتق الله ، واستر على نفسك، ولا تخبرنّ أحدًا ! فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر رحمة الله عليه ، فسألته فقال: اتق الله واستر على نفسك ولا تخبرن أحدًا ! قال: فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال له: هل جهزت غازيًا في أهله ؟ قلت: لا قال: فهل خلفت غازيًا في أهله؟ قلت: لا فقال لي ، حتى تمنيت أني كنت دخلت في الإسلام تلك الساعة! قال: فلما وليت دعاني، فقرأ عليّ: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، فقال له أصحابه: ألهذا خاصة ، أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة. (62)

18686- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثني سعيد، عن قتادة: أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلَةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هلكتُ ! فأنـزل الله: (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين).

18687- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن سليمان التيمي قال: ضرب رجلٌ على كَفَلِ امرأة، ثم أتى أبا بكر وعمر رحمة الله عليهما . فكلما سأل رجلا منهما عن كفارة ذلك قال: أمغزية هي [مادا] ؟ (63) قال: نعم قال: لا أدري! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: أمغزية هي؟ قال: نعم! قال: لا أدري! حتى أنـزل الله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات).

18688- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن عطاء، في قول الله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل)، أنّ امرأة دخلت على رجل يبيعُ الدقيق، فقبَّلها فأسقِطَ في يده. فأتى عمر فذكر ذلك له، فقال: اتق الله ، ولا تكن امرأةَ غازٍ ! فقال الرجل: هي امرأة غازٍ. فذهب إلى أبى بكر ، فقال مثل ما قال عمر. فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا، فقال له: كذلك، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم، فأنـزل الله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الصلوات المفروضات ، (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين).

18689- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عطاء بن أبي رباح قال: أقبلت امرأة حتى جاءت إنسانًا يبيع الدقيق لتبتاع منه، فدخل بها البيت، فلما خلا له قَبَّلها. قال: فسُقِط في يديه، فانطلق إلى أبي بكر، فذكر ذلك له، فقال: أبصر ، لا تكونَنّ امرأة رجل غازٍ ! فبينما هم على ذلك، نـزل في ذلك: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، قيل لعطاء: المكتوبة هي؟ قال: نعم ، هي المكتوبة ، فقال ابن جريج، وقال عبد الله بن كثير: هي المكتوبات.

قال ابن جريج: عن يزيد بن رومان: إن رجلا من بني غنم، دخلت عليه امرأةٌ فقبَّلها ، ووضع يده على دُبُرها. فجاء إلى أبى بكر رضى الله عنه ، ثم جاء إلى عمر رضى الله عنه ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنـزلت هذه الآية: (أقم الصلاة) ، إلى قوله: (ذلك ذكرى للذاكرين) ، فلم يزل الرجل الذي قبَّل المرأة يذكر، فذلك قوله: (ذكرى للذاكرين).

----------------------

الهوامش :

(28) في المطبوعة : " لا نحيل فساده " ، وهو كلام فاسد ، وفي المخطوطة غير منقوطة . يقال : " أخال الشيء " ، اشتبه . يقال " هذا الأمر لا يخيل على أحد " ، أي لا يشكل . و " شيء مخيل " ، مشكل . وقد مضى مثله وعلقت عليه في أوائل الكتاب ، في مواضع .

(29) ديوانه : 84 ، مجاز القرآن 1 : 300 ، وسيبويه 1 : 180 ، واللسان ( زلف ) ، ( حقف ) ، ( سما ) ، ( وجف ) وغيرها كثير ، وسيأتي في التفسير 19 : 51 ( بولاق ) . وبعده هناك :

سَــمَاوَةَ الهِــلاَلِ حَــتَّى احْقَوْقَفَـا

" الأين " ، التعب . " وجف " من " الوجيف " ، وهو سرعة السير . و " سماوة الهلال " شخصه ، إذا ارتفع في الأفق شيئًا . و " احقوقف " اعوج .

(30) " الأثام " ، عقوبة الإثم وجزاؤه . وأما " الآثام " فجمع " إثم " ، وهو الذئب .

(31) الأثر : 18650 - " الجريري " ، هو " سعيد بن إياس الجريري " ، سلف مرارًا . و " أبو الورد بن ثمامة بن حزن القشيري " ، ويقال هو : " ثمامة بن حزن " ، تابعي ثقة ، لم يدرك غير واحد من الصحابة ، وكان قليل الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 7 / 1 / 164 ، والكنى للبخاري : 79 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 451 في الكنى ، وفي " ثمامة بن حزن القشيري " 1 / 1 / 465 ، ولم يقل هو " أبو الورد " ، فكأنهما عنده رجلان . " وأبو محمد بن الحضرمي " ، هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة ، والذي في كتب الرجال : " أبو محمد الحضرمي " ، غلام أبي أيوب الأنصاري ، مترجم في التهذيب ، والكنى للبخاري : 66 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 432 ، ولم يذكروا له رواية عن كعب ، ولكن هذا الخبر يدل على أنه رآه ، وسمع منه ، وروى عنه .

(32) الأثر : 18655 - " رزيق بن السخت " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 10051 . وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا " . . بن الشخب " ، وهو خطأ .

(33) الأثر : 18661 - " مزيدة بن زيد " ، هكذا في المطبوعة ، وفي المخطوطة غير منقوط ، ولم أجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال ، وأخشى أن يكون محرفًا عن شيء لم أعرفه .

(34) " المد " ( بضم الميم ) ، ضرب من المكاييل ، قيل إنه مقدر بأن يمد الرجل يديه ، فيملأ كفيه طعامًا .

(35) " التمرغ " ، أصله التقلب في التراب . وأراد هنا أنه يبيت يتقلب في فراشه مطمئنًا رخي البال .

(36) الأثر : 18662 - " حيوة " ، هو " حيوة بن شريح " المصري ، الفقيه الزاهد ، ثقة ، مضر مرارًا . " وزهرة بن معبد القرشي التيمي " ، " أبو عقيل " ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 5451 ، 5457 . " والحارث " هو : " الحارث بن عبيد " ، " أبو صالح " ، مولى عثمان ، ثقة ، مترجم في تعجيل المنفعة : 78 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 95 . وهذا الخبر صحيح الإسناد ، رواه أحمد في مسنده مطولا رقم : 513 ، واستوفى أخي رحمه الله الكلام عليه هناك . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 1 : 297 ، وابن كثير في تفسيره 4 : 401 / 5 : 289 .

، والزيادة التي في المسند وغيره :

" قالوا : هذه الحسَنَات ، فما الباقياتُ يا عُثمان ؟ قال : هن : لا إلَه إلا الله ، وسُبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّة إلا بالله " . وستأتي هذه الزيادة منفردة بهذه الأسانيد في تفسير سورة الكهف الآية : 46 / ج 15 : 165 ، 166 .

(37) الأثر : 18663 - مكرر الأثر السالف . " وأبو زرعة " ، هو " وهب الله بن راشد المصري " ، مضى مرارًا كثيرة . " والمقاعد " ، بالمدينة ، عند باب الأقبر ، وقيل : هي مساقف حولها . وقيل : هي دكاكين عند دار عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ذكرها ياقوت في معجمه ، ورأيت ذكر " المقاعد " أيضًا في مسند أحمد ، في مسند عثمان : 505 .

(38) الأثر : 18664 - مكرر الأثرين السالفين .

" رشدين بن سعد " ، ضعيف ، مضى مرارًا منها رقم : 19 ، 1938 ، 2176 ، 2195 ، وغيرها . ولكن لهذا الخبر شاهد مما سلف في الصحاح ، يقويه على ضعف رشدين .

(39) الأثر : 18665 - " محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي " ، شيخ الطبري ، مضى مرارًا . " ومحمد بن إسماعيل بن عياش الحمصي " ، ضعيف ، يحدث عن أبيه ، ولم يسمع منه شيئًا ، مضى برقم : 5445 . وأبوه : " إسماعيل بن عياش الحمصي " ، ثقة ، متكلم فيه ، مضى مرارًا كثيرة آخرها رقم : 14212 . " وضمضم بن زرعة بن ثوب الحضرمي " ، ثقة ، وضعفه أبو حاتم ، مضى برقم : 5445 ، 14212 . " وشريح بن عبيد بن شريح الحضرمي " ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 5445 ، 12194 ، 14212 .وهذا خبر ضعيف الإسناد ، من آفة " محمد بن إسماعيل عن أبيه " ، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا 1 : 299 ، وقال : " وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش ، قال أبو حاتم : لم يسمع من أبيه شيئًا ، قلت : وهذا من روايته عن أبيه . وبقية رجاله موثقون " .

(40) الأثر : 18666 - " حماد " ، هو " حماد بن سلمة " . " وعلي بن يزيد بن جدعان " ، مضى مرارا كلام الأئمة فيه وأنه سيء الحفظ ، ومضى أيضًا توثيق أخي السيد أحمد رحمه الله روايته . " وأبو عثمان النهدي " ، هو " عبد الرحمن بن مل " ، تابعي ثقة . وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5 : 437 ، 438 ، من طريق عفان عن حماد بنحو لفظ أبي جعفر في روايته ، ومن طريق يزيد عن حماد بلفظ آخر . وسيرويه أبو جعفر بعد ، من طريق قبيصة عن حماد ، برقم : 18677 . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 1 : 297 ، 298 ، وقال : " رواه أحمد ، والطبراني في الأوسط والكبير ، وفي إسناد أحمد : علي بن زيد ، وهو مختلف في الاحتجاج به . وبقية رجاله رجال الصحيح " .

(41) هذا الخبر رواه أبو جعفر بغير إسناد ، رواه بنحو هذا اللفظ مالك في الموطأ ص : 174 ، من حديث سعد بن أبي وقاص ، وروى البخاري نحوه من حديث أبي هريرة ( الفتح : 2 : 9 ) ومسلم في صحيحه 5 : 169 ، 170 .

(42) " عالجت امرأة " ، يعني أخذها واستمتع بها ، من " المعالجة " ، وهي الممارسة . وهذا لفظ بليغ موجز . و " أقطار المدينة " ، نواحيها ، وفي رواية مسلم " في أقصى المدينة " .

(43) هذا تعبير عزيز ، فقيده .

(44) الأثر : 186688 - حديث عبد الله بن مسعود ، رواه أبو جعفر من طريقين :

1 - من طريق علقمة ، والأسود ، عن عبد الله بن مسعود ، وذلك برقم : 18668- 18674 .

2 - من طريق أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود ، رقم : 18676 ، وسأبينها جميعًا ، طريقًا طريقًا ، وكلها طرق صحاح .

" إبراهيم " ، هو " إبراهيم بن يزيد النخعي " ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا . " والأسود بن يزيد النخعي " ، روى له الجماعة ، وهو خال " إبراهيم بن يزيد النخعي " ، مضى مرارًا . " وعلقمة " ، هو " علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي " ، وهو خال " إبراهيم النخعي " ، لأنه عم خاليه الأسود ، وعبد الرحمن ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا . ومن طريق أبي الأحوص ، عن سماك ، عن إبراهيم ، رواه مسلم في صحيحه ( 17 : 80 ) ، وأبو داود في سننه 4 : 223 رقم : 4468 ، والترمذي في كتاب التفسير . وانظر التعليق على الطرق الآتية . ثم انظر التعليق على رقم : 18675 ، في بيان اسم " الرجل " الذي فعل ذلك .

(45) الأثر : 18669 - مكرر الذي قبله . ومن طريق وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، رواه أحمد في مسنده رقم : 4250 .

(46) " لزمتها " يعني : عانقتها فأطلت العناق واستوعبته . وهذا الثلاثي بهذا المعنى قلها تجده في كتب اللغة ، وإنما فيها : " التزمه " ، أي : عانقه .

(47) الأثر : 18670 - مكرر الذي قبله . ومن طريق عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن سماك ، ورواه أحمد في مسنده رقم : 4290 .

(48) الأثر : 18671 - مكرر الذي قبله . ومن طريق أبي عوانة ، عن سماك ، رواه أحمد في مسنده رقم : 4291 ، ولكنه أحاله على الذي قبله . وأبو داود الطيالسي في مسنده ص : 37 ، رقم : 285 .

(49) الأثر : 18672 - " الحكم بن عبد الله العجلي " ، " أبو النعمان " ، ثقة حافظ ، مضى برقم : 10185 ، 17013 ، 18033 . ومن هذه الطريق ، رواه مسلم في صحيحه 17 : 80 ، 81 .

(50) " الحش " ، البستان ، عند أهل المدينة ، انظر ما سلف رقم : 3086 .

(51) الأثر : 18673 - لم أعثر عليه في مسند أبي داود الطيالسي ، ومعروف أن المطبوع من هذا المسند ناقص غير تام . وانظر التعليق التالي . وفي المطبوعة والمخطوطة : " حدثنا أبو المثني " ، والصواب " ابن المثني " ، وهو " محمد بن المثني " شيخ الطبري .

(52) الأثر : 18674 - " عمرو بن الهيثم البغدادي " ، " أبو قطن " ، ثقة ، من ثقات أصحاب شعبة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 268 . ومن هذه الطريق رواه أحمد في مسنده برقم : 4325 . وقال أخي السيد أحمد : " خاله ، إما : الأسود بن يزيد النخعي ، وإما عبد الرحمن بن يزيد النخعي ، فكلاهما خاله ، وإما علقمة بن قيس النخعي ، عم الأسود وعبد الرحمن . وقد رو

التدبر :

وقفة
[114] ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ توازن يومك باعتدال صلاتك.
وقفة
[114] ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ إقامة الصلوات المفروضات -على وجهها- يوجب مباعدة الذنوب، ويوجب -أيضًا- إنقاؤها وتطهيرها.
وقفة
[114] من أعظم ما يكفر الله به الذنوب إقامة الصلاة والإكثار منها ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
وقفة
[114] ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ﴾ وخصها بالذكر لأنها ثانية الإيمان، وإليها يفزع في النوائب، وكان النبي إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
وقفة
[114] ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين﴾ في الآية شيء من فقه التعامل مع المعصية.
عمل
[114] حافظ على أداء الصلوات أول وقتها مع الجماعة؛ خاصة صلاتي الفجر والعصر ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ﴾.
وقفة
[114] من أسباب تكفير السيئات: اجتناب الكبائر، قال تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: 31]، ومنها فعل الحسنات وأفضلها إقام الصلاة، قال سبحانه: ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين﴾.
عمل
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ التطبيقُ العملي لهذه الآية: كلَّما أذنبتَ ذنبًا؛ فرُدّ كيده بحسنةٍ من جنسِها.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ وإذهاب السيئات يشمل: محو إثمها إن وقعت، ومحو حبها في النفس ليصبح انسياق النفس لها أصعب وتركها أسهل.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ إكثار المرء من الحسنات هو سبيل محاصرة السيئات، والتغلب على تغلغلها في قلوب العباد.
اسقاط
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ قال ابن عباس: «لم أرَ شيئًا أحسن طلبًا، ولا أحسن إدراكًا من حسنةٍ حديثةٍ لسيئة قديمة».
عمل
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ ﺍﺳﺘﻘﻄﻊ ﻣﻦ ﻭﻗﺘﻚ؛ لراحة قلبك.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ بيان سُنَّة الله تعالى في أن الحسنة تمحو السيئة.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ قال ابن قدامة: «مثال ما ذكرنا: أن يكفَّر سماع الملاهي بسماع القرآن ومجالس الذكر، ويکفر مس المصحف بغير طهارة بإكرامه وكثرة القراءة فيه، وإن أمكنه أن يکتب مصحفًا ويوقفه فليفعل، ويکفر شرب الخمر بالتصدق بالشراب الحلال، وعلى هذا فاسلك سبيل المضادة، فإن الأمراض إنما تُعالج بضدها».
عمل
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ إذا ضعفت نفسك فوقعت في المعاصي؛ فأكثر من الحسنات؛ لتذهب عنك السيئات.
لمسة
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ قال: (يُذْهِبْنَ) ولم يقل: (تذهب)؛ ليبين أن الحسنات وإن كانت قليلة يذهبن السيئات.
عمل
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ لا تفضح نفسك وقد سترك الله، ولا تجاهر وقد عافاك الله.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ في قصص العُبَّاد: خرج رجلٌ حاجًا مع رفقته في قافلة، فهجم عليهم قطاع طرق، ونهبوا القافلة وسرقوها، وأخذوا يأكلون من طعام الحجيج المسروق، وكبيرهم معتزل في مكان ليس بالبعيد عنهم، قال الحاج: فأتيتُه، وقلتُ: «ما شأنك، لا تأكل مع أصحابك؟»، قال: «إني صائم»، قلتُ: «تصوم وتقطع الطريق؟!»، قال: «أَدعُ بابًا مفتوحًا بيني وبين ربي»، قال الحاج: «فرأيت ذاك الرجل بعد مدة من الزمان يطوف بالبيت؛ وقد أقلع عما كان عليه»، فسألته، فقال: «من ذلك الباب اهتديت إلى الطريق».
وقفة
[114] إكثار المرء من الحسنات قيمة عظمى كفيلة بإذهاب خطاياه ومحوها، وليس مجرد التخفيف منها ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
عمل
[114] استر على نفسك؛ فالله هو السِّتِّير ويحب السِّتر، إذا فعلتَ معصية في السر فأتبعها طاعة في السر وتذكر: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
عمل
[114] إذا سقطت في الشهوة، فناضل عن العفاف بالفكرة ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
وقفة
[114] قال الحسن البصري: «استعينوا على السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، وإنكم لن تجدوا شيئًا أذهب بسيئة قديمة من حسنة حديثة، وأنا أجد تصديق ذلك في كتاب الله: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾».
وقفة
[114] في ميزان البشر خطأ واحد قد يمحو كل خير وحسنة قدمتها لهم! وفي ميزان رب البشر سبحانه ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
عمل
[114] إن ارتكبت معصية؛ فلا تترك الطاعة، أتهزم مرتين؟! ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
وقفة
[114] الذنوب في هذا الزمن صارت قريبة من كل إنسان، فكيف ننجو من غضب الله؟ كيف نحافظ على أنفسنا من الفتن؟ استمع لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
وقفة
[114، 115] من كرم الله تعالى أن جعل للصابرين على فعل الطاعات أجر المحسنين، قال الله تعالى: ﴿وأقِمِ الصلاةَ طرَفي النهار وَزُلَفًا مِنَ الليلِ إنَّ الحسناتِ يُذهبنَ السيئاتِ ذلك ذِكرى للذاكرين * واصبر فإنَّ الله لا يُضيعُ أجرَ المحسنين﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وأقم الصلاة:
  • الواو عاطفة. أقم: فعل أمر مبني على السكون وحذفت ياؤه لالتقاء الساكنين وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين أيضًا والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. الصلاة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ طرفي النهار:
  • ظرف زمان متعلق بأقم منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى وحذفت النون للإضافة. النهار: مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى كل غدوة وعشية أي صباحًا ومساء. وكسرت ياء \"طرفي\" لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ وزلفًا من الليل:
  • الواو عاطفة. زلفًا: معطوفة على \"طرفي\" منصوبة بالفتحة أي وساعات منه وهي جمع زلفة مشتقة من أزلفه أي قربة. من الليل: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"زلفًا\" والأصح عطف \"زلفًا\" على الصلاة: أي وأقم الصلاة طرفي النهار أقم زلفًا من الليل.
  • ﴿ إن الحسنات:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الحسنات: اسم \"انّ\" منصوب بالكسرة بدلًا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ يذهبن السيئات:
  • الجملة: في محل رفع خبر \"إنّ\". يذهبن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث والنون ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. السيئات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلًا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ ذلك ذكرى:
  • ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف للخطاب الإشارة إلى قوله سبحانه: فاستقم وما تلاها. ذكرى: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ولم تنون الكلمة لأنها مؤنث رباعي مقصور. المعنى: تلك عظة للمتعظين. أو تذكرة لهم.
  • ﴿ للذاكرين:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"ذكر\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

هود: 114﴿وَ أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ
الإسراء: 78﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ
طه: 14﴿إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكۡرِيٓ
العنكبوت: 45﴿ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَ أَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ
لقمان: 17﴿يَٰبُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا الأُسْتاذُ أبُو مَنصُورٍ البَغْدادِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: حَدَّثَنا أبُو الأحْوَصِ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ إبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ والأسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي عالَجْتُ امْرَأةً في أقْصى المَدِينَةِ، وإنِّي أصَبْتُ مِنها ما دُونَ أنْ آتِيَها، فَأنا هَذا فاقْضِ فِيَّ ما شِئْتَ. قالَ: فَقالَ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ شَيْئًا، فانْطَلَقَ الرَّجُلُ، فَأتْبَعَهُ رَجُلًا فَدَعاهُ، فَتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ. قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَهُ خاصَّةً ؟ قالَ: ”بَلْ لِلنّاسِ كافَّةً“ .رَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيى بْنِ يَحْيى، ورَواهُ البُخارِيُّ مِن طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ.أخْبَرَناهُ عَمْرُو بْنُ أبِي عَمْرٍو، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قالَ: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أنَّ رَجُلًا أصابَ مِنِ امْرَأةٍ قُبْلَةً، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ . إلى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ الرَّجُلُ: ألِي هَذِهِ ؟ قالَ: ”لِمَن عَمِلَ بِها مِن أُمَّتِي“ .أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسى بْنِ الفَضْلِ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأُمَوِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا العَبّاسُ الدُّورِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ المَرْوَزِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُبارَكِ، قالَ: حَدَّثَنا سُوَيْدٌ، قالَ: أخْبَرَنا عُثْمانُ بْنُ مَوْهَبٍ، عَنْ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أبِي اليَسَرِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: أتَتْنِي امْرَأةٌ - وزَوْجُها بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ في بَعْثٍ - فَقالَتْ: بِعْنِي بِدِرْهَمٍ تَمْرًا. قالَ: فَأعْجَبَتْنِي، فَقُلْتُ: إنَّ في البَيْتِ تَمْرًا هو أطْيَبُ مِن هَذا فالحَقِينِي، فَغَمَزْتُها وقَبَّلْتُها، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الأمْرَ، فَقالَ: ”أخُنْتَ رَجُلًا غازِيًا في سَبِيلِ اللَّهِ في أهْلِهِ بِهَذا ؟“ . وأطْرَقَ عَنِّي، فَظَنَنْتُ أنِّي مِن أهْلِ النّارِ، وأنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ لِي أبَدًا، وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ . فَأرْسَلَ إلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ فَتَلاها عَلَيَّ.أخْبَرَنا نَصْرُ بْنُ بَكْرِ بْنِ أحْمَدَ الواعِظُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ السِّجْزِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ أيُّوبَ الرّازِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ عُثْمانَ ومُوسى بْنُ إسْماعِيلَ وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ العاصِمِ - واللَّفْظُ لِعَلِيٍّ - قالُوا: أخْبَرَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قالَ: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرانَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَجُلًا أتى عُمَرَ فَقالَ لَهُ: إنَّ امْرَأةً جاءَتْنِي تُبايِعُنِي، فَأدْخَلْتُها الدَّوْلَجَ، فَأصَبْتُ مِنها كُلَّ شَيْءٍ إلّا الجِماعَ. فَقالَ: ويْحَكَ، بَعْلُها مُغَيَّبٌ في سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قُلْتُ: أجَلْ. قالَ: ائْتِ أبا بَكْرٍ. فَأتاهُ فَقالَ مِثْلَ ما قالَ لِعُمَرَ، ورَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وقالَ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فاسْألْهُ. فَأتاهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”بَعْلُها مُغَيَّبٌ في سَبِيلِ اللَّهِ ؟“ . فَسَكَتَ عَنْهُ، ونَزَلَ القُرْآنُ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ﴾ . فَقالَ الرَّجُلُ: ألِي خاصَّةً أمْ لِلنّاسِ عامَّةً ؟ فَضَرَبَ عُمَرُ صَدْرَهُ وقالَ: لا ولا نُعْمَةَ عَيْنٍ، ولَكِنْ لِلنّاسِ عامَّةً. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ: ”صَدَقَ عُمَرُ“ .أخْبَرَنا أبُو مَنصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الحافِظُ، قالَ: حَدَّثَنا الحُسَيْنُ بْنُ إسْماعِيلَ المَحامِلِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ مُوسى، قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ، أنَّهُ كانَ قاعِدًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَجاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما تَقُولُ في رَجُلٍ أصابَ مِنِ امْرَأةٍ ما لا يَحِلُّ لَهُ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يُصِيبُهُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأتِهِ إلّا قَدْ أصابَهُ مِنها، إلّا أنَّهُ لَمْ يُجامِعْها ؟ فَقالَ: ”تَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ قُمْ فَصَلِّ“ . قالَ: فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ . إلى آخِرِها، فَقالَ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ: أهِيَ لَهُ خاصَّةً أمْ لِلْمُسْلِمِينَ عامَّةً ؟ فَقالَ: ”بَلْ هي لِلْمُسْلِمِينَ عامَّةً“ .أخْبَرَنا الأُسْتاذُ أبُو طاهِرٍ الزِّيادِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا حاجِبُ بْنُ أحْمَدَ، قالَ: أخْبَرَنا الأُسْتاذُ أبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، قالَ: حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسى السِّينانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إبْراهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ أصَبْتُ مِنِ امْرَأةٍ غَيْرَ أنِّي لَمْ آتِها ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [114] لما قبلها :     وبعد أن أَمَرَ اللهُ عز وجل رسولَه r بالاستقامةِ؛ أمره هنا بالصَّلاةِ؛ لأنَّها أعظمُ العباداتِ بعد الإيمانِ باللهِ، قال تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

زلفا:
1- بفتح اللام، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- زلفى، على وزن فعلى، وهى قراءة ابن محيصن، ومجاهد.
3- زلفا، بضم اللام، كأنه اسم مفرد، وهى قراءة طلحة، وعيسى، وابن أبى إسحاق، وأبى جعفر.
4- زلفا، بإسكان اللام، وهى قراءة ابن محيصن، ومجاهد أيضا.

مدارسة الآية : [115] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ ..

التفسير :

[115] واصبر -أيها النبي- على الصلاة، وعلى ما تَلْقى من الأذى من مشركي قومك؛ فإن الله لا يضيع ثواب المحسنين في أعمالهم.

{ وَاصْبِرْ ْ} أي:احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها لذلك، واستمر ولا تضجر.

{ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ْ} بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون، وفي هذا ترغيب عظيم، للزوم الصبر، بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله، كلما ونت وفترت.

هذا، ثم ختم- سبحانه- هذه التوجيهات الحكيمة بقوله وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

أى: واصبر أيها الرسول الكريم أنت ومن معك من المؤمنين على مشاق التكاليف التي كلفكم الله- تعالى- بها، فإنه- سبحانه- لا يضيع أجر من أحسن عملا، بل موفى الصابرين أجرهم بغير حساب.

قال الآلوسى: ومن البلاغة القرآنية أن الأوامر بأفعال الخير أفردت للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت عامة في المعنى، والمناهي جمعت للأمة، للدلالة على عظم منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه .

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بهذه الآيات الدالة على سنن الله- تعالى- في خلقه، وعلى الحكم التي من أجلها ساق الله- تعالى- تلك القصص في كتابه فقال- تعالى-:

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وأقم الصلاة طرفي النهار ) قال : يعني الصبح والمغرب وكذا قال الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال الحسن - في رواية - وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم : هي الصبح والعصر .

وقال مجاهد : هي الصبح في أول النهار ، والظهر والعصر من آخره . وكذا قال محمد بن كعب القرظي ، والضحاك في رواية عنه .

وقوله : ( وزلفا من الليل ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغيرهم : يعني صلاة العشاء .

وقال الحسن ، في رواية ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عنه : ( وزلفا من الليل ) يعني المغرب والعشاء قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " هما زلفتا الليل : المغرب والعشاء " . وكذا قال مجاهد ، ومحمد بن كعب ، وقتادة ، والضحاك : إنها صلاة المغرب والعشاء .

وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء; فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها . وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة ، ثم نسخ في حق الأمة ، وثبت وجوبه عليه ، ثم نسخ عنه أيضا ، في قول ، والله أعلم .

وقوله : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) يقول : إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : كنت إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني عنه أحد استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم يذنب ذنبا ، فيتوضأ ويصلي ركعتين ، إلا غفر له " .

وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان : أنه توضأ لهم كوضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ ، وقال : " من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدم من ذنبه " .

وروى الإمام أحمد ، وأبو جعفر بن جرير ، من حديث أبي عقيل زهرة بن معبد : أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول : جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر مد ، فتوضأ ، ثم قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : " من توضأ وضوئي هذا ، ثم قام فصلى صلاة الظهر ، غفر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح ، ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر ، ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلاة العصر ، ثم صلى العشاء غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب ، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء ، وهن الحسنات يذهبن السيئات " .

وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا غمرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقي من درنه شيئا ؟ " قالوا : لا يا رسول الله : قال : " وكذلك الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الذنوب والخطايا " .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد قالا حدثنا ابن وهب ، عن أبي صخر : أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه ، عن أبي هريرة; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، أن أبا رهم السمعي كان يحدث : أن أبا أيوب الأنصاري حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة "

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عوف حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " جعلت الصلوات كفارات لما بينهن; فإن الله قال : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .

وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود; أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فأنزل الله : (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) فقال الرجل : إلى هذا يا رسول الله ؟ قال : " لجميع أمتي كلهم " .

هكذا رواه في كتاب الصلاة ، وأخرجه في التفسير عن مسدد ، عن يزيد بن زريع ، بنحوه ورواه مسلم ، وأحمد ، وأهل السنن إلا أبا داود ، من طرق عن أبي عثمان النهدي ، واسمه عبد الرحمن بن مل ، به .

وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير - وهذا لفظه - من طرق : عن سماك بن حرب : أنه سمع إبراهيم بن يزيد يحدث عن علقمة والأسود ، عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء ، غير أني لم أجامعها ، قبلتها ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك ، فافعل بي ما شئت . فلم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه ، لو ستر على نفسه . فأتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره ثم قال : " ردوه علي " . فردوه عليه ، فقرأ عليه : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) فقال معاذ ، وفي رواية عمر : يا رسول الله ، أله وحده ، أم للناس كافة ؟ فقال : " بل للناس كافة " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا أبان بن إسحاق ، عن الصباح بن محمد ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا من أحب . فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده ، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه " . قال : قلنا : وما بوائقه يا نبي الله ؟ قال : " غشه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان فلان ابن معتب رجلا من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، دخلت على امرأة فنلت منها ما ينال الرجل من أهله ، إلا أني لم أجامعها فلم يدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجيبه ، حتى نزلت هذه الآية : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) فدعاه رسول الله ، فقرأها عليه .

وعن ابن عباس أنه عمرو بن غزية الأنصاري التمار . وقال مقاتل : هو أبو نفيل عامر بن قيس الأنصاري ، وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو اليسر : كعب بن عمرو .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وعفان قالا حدثنا حماد - يعني : ابن سلمة - عن علي بن زيد - قال عفان : أنبأنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس; أن رجلا أتى عمر قال : امرأة جاءت تبايعه ، فأدخلتها الدولج ، فأصبت منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك . لعلها مغيبة في سبيل الله ؟ قال : أجل . قال : فأت أبا بكر فاسأله قال : فأتاه فسأله ، فقال : لعلها مغيبة في سبيل الله ؟ فقال مثل قول عمر ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له مثل ذلك ، قال : " فلعلها مغيبة في سبيل الله " . ونزل القرآن : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) إلى آخر الآية ، فقال : يا رسول الله ، ألي خاصة أم للناس عامة ؟ فضرب - يعني : عمر - صدره بيده وقال : لا ولا نعمة عين ، بل للناس عامة . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " صدق عمر " .

وروى الإمام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري قال : أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ، فقلت : إن في البيت تمرا أطيب وأجود من هذا ، فدخلت ، فأهويت إليها فقبلتها ، فأتيت عمر فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرن أحدا . فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرن أحدا . قال : فلم أصبر حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال : " أخلفت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا ؟ " حتى ظننت أني من أهل النار ، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ . فأطرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ، فنزل جبريل ، فقال : " [ أين ] أبو اليسر ؟ " . فجئت ، فقرأ علي : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) إلى ( ذكرى للذاكرين ) فقال إنسان : يا رسول الله ، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال " للناس عامة " .

وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل; أنه كان قاعدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له ، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصاب منها ، غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : " توضأ وضوءا حسنا ، ثم قم فصل " قال : فأنزل الله عز وجل هذه الآية ، يعني قوله : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) فقال معاذ : أهي له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ قال : " بل للمسلمين عامة " .

ورواه ابن جرير من طرق ، عن عبد الملك بن عمير ، به .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة; أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر امرأة وهو جالس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه لحاجة ، فأذن له ، فذهب يطلبها فلم يجدها ، فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطر ، فوجد المرأة جالسة على غدير ، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها ، فصار ذكره مثل الهدبة ، فقام نادما حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنع ، فقال له : " استغفر ربك ، وصل أربع ركعات " . قال : وتلا عليه : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) الآية .

وقال ابن جرير : حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم ، عن الزبيدي ، عن سليم بن عامر; أنه سمع أبا أمامة يقول : إن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أقم في حد الله - مرة أو ثنتين - فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة قال : " أين هذا الرجل القائل : أقم في حد الله ؟ " قال : أنا ذا : قال : " أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا ؟ " قال : نعم . قال : " فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ، ولا تعد " . وأنزل الله على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال : كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة ، فأخذ منها غصنا يابسا فهزه حتى تحات ورقة ، ثم قال : يا أبا عثمان ، ألا تسألني لم أفعل هذا ؟ فقلت : لم تفعله ؟ قال : هكذا فعل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه تحت شجرة ، فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات ورقة ، فقال : " يا سلمان ، ألا تسألني : لم أفعل هذا ؟ " . قلت : ولم تفعله ؟ فقال : " إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى الصلوات الخمس ، تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق . وقال : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ ، رضي الله عنه; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : " يا معاذ ، أتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .

وقال الإمام أحمد ، رضي الله عنه : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن أبي ذر; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .

وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن أشياخه ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، أوصني . قال : " إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها " . قال : قلت : يا رسول الله ، أمن الحسنات : لا إله إلا الله ؟ قال : " هي أفضل الحسنات " .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا هذيل بن إبراهيم الجماني ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الزهري ، من ولد سعد بن أبي وقاص ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ما قال عبد : لا إله إلا الله ، في ساعة من ليل أو نهار ، إلا طلست ما في الصحيفة من السيئات ، حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات " .

عثمان بن عبد الرحمن ، يقال له : الوقاصي . فيه ضعف .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قالا حدثنا الضحاك بن مخلد ، حدثنا مستور بن عباد ، عن ثابت ، عن أنس; أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما تركت من حاجة ولا داجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ " . قال : بلى . قال : " فإن هذا يأتي على ذلك " .

تفرد به من هذا الوجه مستور .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واصبر ، يا محمد ، على ما تلقى من مشركي قومك من الأذى في الله والمكروه ، رجاءَ جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره ، فيذهب به، بل يوَفّره أحوجَ ما يكون إليه.

* * *

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[115] ﴿وَاصْبِرْ﴾، ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ﴾ [إبراهيم: 12]، ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: 24]، ﴿وَاصْبِرُوا﴾ [الأعراف: 128، الأنفال: 46، ص: 6]، ﴿اصْبِرُوا﴾ [آل عمران: 200]، ﴿وَاصْبِرْ﴾ [يونس: 109، النحل: 127]، ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: 24]، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [البلد: 17، العصر: 3]، ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾ [البقرة: 45]، وسياقات أخرى غزيرة تذكرنا بأن الصبر هو راحلة هذا الطريق.
وقفة
[115] ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ومناسبة وقوع الأمر بالصَّبر عقب الأمر بالاستقامة والنَّهي عن الركون إلى الذين ظلموا: أنَّ المأمورات لا تخلو عن مشقة عظيمة، ومخالفة لهوى كثير من النفوس، فناسب أن يكون الأمر بالصبر بعد ذلك؛ ليكون الصبر على الجميع؛ كلٌّ بما يناسبه.
وقفة
[115] ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال القشيري في تعريف الصبر: «الصبر تجرع كاسات التقدير من غير تعبيس».
وقفة
[115] ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ يا قليل الصبر: شوق النفس إلى ثواب ربك، كلما ضعفت قوتك، وفترت همتك.
وقفة
[115] ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال الزمخشري عن الأمر بالصبر في آخر السورة: «كأنه قال: (وعليك بما هو أهم مما ذكرت به، وأحق بالتوصية، وهو الصبر على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نُهيت عنه)؛ فلا يتم شيء منه إلا به».
وقفة
[115] ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لن يكون العبد من المحسنين حتى يحقق الصبر؛ فلا إحسان بدون صبر.
عمل
[115] ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ألا يكفيك وعده جل بأنه لن يضيع أجرك؟! مهما كان الصبر مُرًّا فحلاوة انتظارك لأجر الكريم تنسيك كل هم مررت به، اصبر واستعن بالله وحده.
عمل
[115] ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ إذا أحسنت لمن أحسن إليك فأنت البر الوفي، وإذا أحسنت لمن لم يحسن إليك فأنت الكريم الخفي، وإذا أحسنت لمن أساء إليك فأنت المؤمن الصفي، وثق أن أجرك محفوظ، وثوابك عند الله عز وجل.
عمل
[115] مهما طال بك الحزن فاصبر صبرًا جميلًا، وكن على ثقة ويقين بأن الفرج قريب، وأن الله سوف يعوضك خيرًا، ولن يضيع لك الأجر ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[115] ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لن يُضيع الله لك أي عمل، سواء بأخلَاقك أو بأموالك أو بغيرها، حتى لو أنكركَ من أكرمته بإحسانك، فإنَّ الله سَيجازيك عليه.
عمل
[115] إن أحسنت لأحدهم وبادرك بالإساءة؛ فثق بوعد الله ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[112-115] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾، ﴿ولا تركنوا﴾، ﴿وأقم الصلاة﴾، ﴿واصبر﴾ بهذا الترتيب في طريق الثبات على نهج الاستقامة، قد تضعف النفس وتميل إلى الظالمين، فإذا أرادت تخطي هذه العقبة والتمسك بالصراط المستقيم؛ فعليها أن تتسلح بمثبتات، منها إقامة الصلاة، والصبر.

الإعراب :

  • ﴿ واصبر:
  • الواو عاطفة. اصبر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. أي واصبر على الطاعات.
  • ﴿ فإن الله:
  • الفاء: تعليلية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم \"انّ\" منصوب للتعظيم بالفتحة
  • ﴿ لا يضيع:
  • لا: نافية لا عمل لها. يضيع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. والجملة وما تلاها في محل رفع خبر \"إنّ\".
  • ﴿ أجر المحسنين:
  • أجر: مفعول به منصوب بالفتحة. المحسنين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 171﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
التوبة: 120﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
هود: 115﴿وَاصْبِرْ فَـ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
يوسف: 90﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَـ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [115] لما قبلها :     وبعد الأمرِ بالاستقامةِ، وترك الرُّكونِ إلى الذين ظَلَموا، والأمر بالصَّلاةِ؛ ناسب أن يأتي هنا الأمرُ بالصَّبرِ؛ لأن المأموراتِ لا تخلو عن مشَقَّةٍ، ومجاهدةٍ، ومُخالَفةٍ للهَوى، قال تعالى
﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [116] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن ..

التفسير :

[116] فهلَّا وُجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير والصلاح، ينهَوْن أهل الكفر عن كفرهم، وعن الفساد في الأرض، لم يوجد من أولئك الأقوام إلا قليل ممن آمن، فنجَّاهم الله بسبب ذلك مِن عذابه حين أخذ الظالمين. واتَّبع الذين ظلموا أنفسهم من كلِّ أمَّة سَلَفت

لما ذكر تعالى، إهلاك الأمم المكذبة للرسل، وأن أكثرهم منحرفون، حتى أهل الكتب الإلهية، وذلك كله يقضي على الأديان بالذهاب والاضمحلال، ذكر أنه لولا أنه جعل في القرون الماضية بقايا، من أهل الخير يدعون إلى الهدى، وينهون عن الفساد والردى، فحصل من نفعهم ما بقيت به الأديان، ولكنهم قليلون جدا.

وغاية الأمر، أنهم نجوا، باتباعهم المرسلين، وقيامهم بما قاموا به من دينهم، وبكون حجة الله أجراها على أيديهم، ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بيِّنة

{ و ْ} لكن{ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ ْ} أي:اتبعوا ما هم فيه من النعيم والترف، ولم يبغوا به بدلا.

{ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ْ} أي:ظالمين، باتباعهم ما أترفوا فيه، فلذلك حق عليهم العقاب، واستأصلهم العذاب. وفي هذا، حث لهذه الأمة، أن يكون فيهم بقايا مصلحون، لما أفسد الناس، قائمون بدين الله، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرونهم من العمى.

وهذه الحالة أعلى حالة يرغب فيها الراغبون، وصاحبها يكون, إماما في الدين، إذا جعل عمله خالصا لرب العالمين.

وقوله- تعالى- فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ ... إرشاد إلى أن الأمم إذا خلت من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، حلت بها المصائب والنكبات..

ولولا: حرف تحضيض بمعنى هلا. والمقصود بالتحضيض هنا تحذير المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ومن يأتى بعدهم من الوقوع فيما وقع فيه أهل القرون الماضية من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى لا يصيب اللاحقين ما أصاب السابقين.

والقرون: جمع قرن، والمراد به الأمة من الناس الذين يجمعهم زمان واحد، والراجح أن القرن مائة عام.

وأُولُوا بَقِيَّةٍ أى: أصحاب مناقب حميدة، وخصال كريمة، وعقول راجحة ...

وأصل البقية: ما يصطفيه الإنسان لنفسه من أشياء نفيسة يدخرها لينتفع بها، ومنه قولهم:

فلان من بقية القوم، أى: من خيارهم وأهل الفضل فيهم، قال الشاعر:

إن تذنبوا ثم تأتينى بقيتكم ... فما على بذنب منكم فوت

وفي الأمثال: في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا.

والفساد في الأرض: يشمل ما يكون فيها من المعاصي واختلال الأحوال وارتكاب المنكرات والبعد عن الصراط المستقيم.

والمعنى: فهلا وجد من أولئك الأقوام الذين كانوا من قبلكم، رجال أصحاب خصال كريمة، وعقول سليمة، تجعلهم هذه الخصال وتلك العقول ينهون أنفسهم وغيرهم عن الإفساد في الأرض، وعن انتهاك الحرمات؟.

كلا إنهم لم يكن فيهم هؤلاء الرجال الذين ينهون عن الفساد في الأرض، إلا عددا قليلا منهم أنجيناهم بسبب إيمانهم ونهيهم عن الفساد في الأرض.

وفي هذا من التوبيخ لأهل مكة ولكل من تقاعس عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ما فيه، لأن الله- تعالى- بين أن عذاب الاستئصال الذي حل بالظالمين السابقين، كان من أسبابه عدم نهيهم عن الفساد في الأرض.

قال الشوكانى: والاستثناء في قوله إِلَّا قَلِيلًا ... منقطع، أى: لكن قليلا ممن أنجينا منهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، وقيل: هو متصل، لأن في حرف التحضيض معنى النفي، فكأنه قال: ما كان في القرون أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، إلا قليلا ممن أنجينا منهم، ومن في قوله مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ بيانية، لأنه لم ينج إلا الناهون» .

وقال ابن كثير: ولهذا أمر الله- تعالى- هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأولئك هم المفلحون، وفي الحديث: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده» ولهذا قال: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ... .

وقوله: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ ... إشارة إلى أن هؤلاء القاعدين عن النهى عن الإفساد في الأرض، قد استمروا على فجورهم وفسقهم دون أن يلتفتوا إلى خصال الخير، وإلى سبيل الصلاح.

وأترفوا من الترف ومعناه التقلب في نعم الله- تعالى- مع ترك شكره- سبحانه- عليها.

والمترف: هو الشخص الذي أبطرته النعمة، فانغمس في الشهوات والمعاصي، وأعرض عن الأعمال الصالحة ...

والجملة الكريمة معطوفة على كلام مقدر يقتضيه الكلام، والمعنى: أن هؤلاء الذين لم يكن فيهم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا من استثنى، قد استمروا في طغيانهم، واتبعوا ما أنعموا فيه من الثروة والعيش الهنيء والشهوات العاجلة، فكفروا النعمة، واستكبروا وفسقوا عن أمر ربهم، وكانوا قوما مجرمين، أى مصرين على ارتكاب الجرائم والمنكرات، فحق عليهم العقاب الذي يستحقونه بسبب هذه السيئات.

قول تعالى : فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ، ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض .

وقوله : ( إلا قليلا ) أي : قد وجد منهم من هذا الضرب قليل ، لم يكونوا كثيرا ، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غيره ، وفجأة نقمه; ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، كما قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران : 104 ] . وفي الحديث : " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب " ; ولهذا قال تعالى : ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) .

وقوله : ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) أي : استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات ، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك ، حتى فجأهم العذاب ، ( وكانوا مجرمين ) .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السورة ، الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي ، وكفرهم برسلي (64) من قبلكم.(أولو بقية) ، يقول: ذو بقية من الفهم والعقل، (65) يعتبرون مواعظَ الله ويتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله ، وعليهم في الكفر به (66) ، (ينهون عن الفساد في الأرض) ، يقول: ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم ، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به ، في أرضه (67) ، (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، يقول: لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم الله من عذابه، حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر بالله عذابُه ، وهم اتباع الأنبياء والرسل.

* * *

ونصب " قليلا " لأن قوله: (إلا قليلا) استثناء منقطع مما قبله، كما قال: إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا ، [سورة يونس: 98] . وقد بينا ذلك في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته. (68)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك :

18690- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: اعتذر فقال: (فلولا كان من القرون من قبلكم) ، حتى بلغ: (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، فإذا هم الذين نجوا حين نـزل عذاب الله. وقرأ: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه).

18691- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية) ، إلى قوله: (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، قال: يستقلَّهم الله من كل قوم.

18692- حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود قال: سألني بلال عن قول الحسن في القدر، (69) قال: فقال: سمعت الحسن يقول: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قال: بعث الله هودًا إلى عاد، فنجى الله هودًا والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون. وبعث الله صالحًا إلى ثمود، فنجى الله صالحًا وهلك المتمتعون. فجعلت أستقريه الأمم، فقال: ما أراه إلا كان حسن القول في القَدر . (70)

18693- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، أي : لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض ، (إلا قليلا ممن أنجينا منهم).

* * *

وقوله: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، يقول تعالى ذكره: واتبع الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله ما أترفوا فيه.

*ذكر من قال ذلك :

18694- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، قال: ما أُنْظروا فيه.

18695- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه)، من دنياهم.

، وكأنّ هؤلاء وجَّهوا تأويل الكلام: واتبع الذين ظلموا الشيء الذي أنظرهم فيه ربُّهم من نعيم الدنيا ولذاتها، إيثارًا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: واتبع الذين ظلَموا ما تجبَّروا فيه من الملك ، وعتَوْا عن أمر الله.

*ذكر من قال ذلك :

18696- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه)، قال: في ملكهم وتجبُّرهم، وتركوا الحق.

18697- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: وتركِهم الحق.

18698- حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر تعالى ذكره: أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا ، فاستكبروا وكفروا بالله ، واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا عن أمر الله وتجبروا وصدوا عن سبيله .

* * *

، وذلك أن المترف في كلام العرب: هو المنعم الذي قد غُذِّي باللذات، ومنه قول الراجز: (71)

نُهْــدِي رُءُوسَ المُــتْرَفينَ الصُّـدَّادْ

إلــى أمِــير المُــؤْمِنِينَ المُمْتَـادْ (72)

* * *

وقوله: (وكانوا مجرمين)، يقول: وكانوا مكتسبي الكفر بالله. (73)

--------------------

الهوامش :

(64) انظر تفسير " القرن " فيما سلف 11 : 263 / 15 : 37 .

(65) انظر تفسير " البقية " فيما سلف ص : 447 - 449 .

(66) في المطبوعة والمخطوطة : " وعليهم " بإسقاط " ما " ، والأجود إثباتها .

(67) انظر تفسير " الفساد في الأرض " فيما سلف من فهارس اللغة ( فسد ) .

(68) انظر فهارس مباحث العربية والنحو وغيرهما .

(69) في المطبوعة والمخطوطة هنا : " في العذر " ، والصواب ما أثبت ، وانظر التعليق التالي .

(70) في المطبوعة وحدها : " في العذر ، والصواب من المخطوطة . ويعني أنه أمر قد فرغ منه ، لقول الله سبحانه لنوح : " وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم " ، وذلك قبل أن يكونوا ، وهو قول أهل الإثبات ، من أهل الحق .

(71) هو رؤبة .

(72) سلف البيت وتخريجه وشرح فيما سلف 11 : 223 ، تعليق : 1 . ، " الممتاد " ، الذي نسأله العطاء فيعطي .

(73) انظر تفسير " الإجرام " فيما سلف من فهارس اللغة (جرم) .

التدبر :

عمل
[116] أنكر على بعض أهل البدع أو المجاهرين بالمعاصي بأسلوب حكيم ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾.
وقفة
[116] ﴿أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ﴾ إنها القامات التى تحملت الآلام في ساحات الصراع مع الفساد، ليست دعوة ناعمة لتطوير الذات ومهارات الحياة فحسب.
وقفة
[116] ﴿أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ﴾ بقايا من أهل الخير والفضل تميزوا بأنهم ينهون عن الفساد؛ بهم تصلح المجتمعات وتنجوا الأمم.
وقفة
[116] ﴿أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ﴾ إنهم قليل؛ لكن تنجو بهم الأمة.
وقفة
[116] ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ لولا أنهم نهوا عن الفساد لما نجا منهم أحدٌ.
وقفة
[116] قال قتادة: «لم يكن من قبلکم من ينهي عن الفساد في الأرض» ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾.
وقفة
[116] ﴿واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين﴾ إن كل ما نشاهده من الفساد في عصرنا فمثاره الافتتان بالترف، واتباع ما يقتضيه الإتراف؛ علم هذا المهتدون الأوَّلون بالقرآن من الخلفاء الراشدين وعلماء الصحابة، فكانوا مثلاً صالحًا في المعيشة، أو تغليب جانب الخشونة والبأس والشدة، فانظر كيف اهتدى السلف الصالح بالقرآن وحده!
وقفة
[116] من أسباب الانحراف الإكثار من التنعم والترفه ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فلولا كان من القرون:
  • الفاء استئنافية. لولا: بمعنى: هلّا: وهي حرف توبيخ لدخولها على فعل ماضٍ. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. من القرون: جار ومجرور في محل نصب خبر \"كان\" مقدم أي من أهل القرون فحذف المضاف.
  • ﴿ من قبلكم أولو بقية:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من أهل القرون والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور. أولو: اسم \"كان\" مؤخر مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. بقية: مضاف إليه مجرور بالكسرة. بمعنى رجال أصحاب بقية من العقل والرأي. أو أولو \"أصحاب\" فضل وخير أو بمعنى: فهلّا كان منهم أولو خشية من انتقام الله.
  • ﴿ ينهون عن الفساد:
  • الجملة: في محل نصب حال. ينهون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. عن الفساد: جار ومجرور متعلق بينهون.
  • ﴿ في الأرض إلّا قليلًا:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من الفساد. الّا: أداة استثناء. قليلا: مستثنى بإلّا منصوب بالفتحة وهو استثناء منقطع معناه: لكن قليلًا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد.
  • ﴿ ممن أنجينا منهم:
  • ممن: مكونة من \"من\" حرف جر للبيان وليست للتبعيض لأنّ النجاة انما هي للناجين وحدهم و \"من\" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من \"قليلًا\". أنجى: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. من: حرف جر و \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول \"من\".
  • ﴿ واتبع الذين ظلموا:
  • الواو عاطفة أو حالية فإنْ كان المعنى: واتبعوا الشهوات فهي عاطفة على مضمر لأن المعنى واتبعوا الشهوات أي الّا قليلًا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الظالمون شهواتهم إنْ كان المعنى: واتبعوا جزاء الإتراف فالواو حالية لأن التقدير: أنجينا القليل وقد اتبع الذين ظلموا. جزاءهم. اتبع: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. ظلموا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة \"ظلموا\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ ما أترفوا فيه:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أترفوا: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة فيه جار ومجرور متعلق بأترفوا. أو تكون \"ما\" مصدرية و \"ما\" وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل \"أتبع\" وجملة \"أترفوا\" صلة حرف مصدري لا محل لها.
  • ﴿ وكانوا مجرمين:
  • الواو عاطفة. كانوا: فعل ماضٍ ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم \"كان\" والألف فارقة. مجرمين: خبر \"كان\" منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. والجملة معطوفة على \"أترفوا\" أي اتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين .. أو على جملة \"اتبعوا\" التقدير: اتبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك. ويجوز أن تكون الواو اعتراضية والجملة بعدها: اعتراضية لا محل لها. التقدير: وحكمنا عليهم بأنهم كانوا مجرمين. وجملة \"أترفوا\" وأنجينا\" صلتان للموصولين لا محل لهما من الإعراب '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [116] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّ الأممَ المتقَدِّمينَ حَلَّ بهم عذابُ الاستِئصالِ؛ بَيَّنَ هنا أنَّ سَبَبَ حُلُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ بِهِمْ: أَنَّهُ مَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ وَيَأْمُرُ بالرشاد، قال تعالى:
﴿ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

بقية:
وقرئ:
1- بقية، بتخفيف الياء، اسم فاعل من «بقي» ، نحو: شجى، فهى شجية، وهى قراءة قرقة.
2- بقية، بضم الياء وسكون القاف، وهى قراءة أبى جعفر، وشيبة.
3- بقية، بفتح الياء، على وزن «فعلة» للمرة.
إلا قليلا:
وقرئ:
إلا قليل، بالرفع، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [117] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى ..

التفسير :

[117] وما كان ربك -أيها الرسول- ليهلك قرية من القرى وأهلها مصلحون في الأرض، مجتنبون للفساد والظلم، وإنما يهلكهم بسبب ظلمهم وفسادهم.

أي:وما كان الله ليهلك أهل القرى بظلم منه لهم، والحال أنهم مصلحون, أي:مقيمون على الصلاح، مستمرون عليه، فما كان الله ليهلكهم، إلا إذا ظلموا، وقامت عليهم حجة الله.

ويحتمل، أن المعنى:وما كان ربك ليهلك القرى بظلمهم السابق، إذا رجعوا وأصلحوا عملهم، فإن الله يعفو عنهم، ويمحو ما تقدم من ظلمهم.

ثم بين- سبحانه- أن رحمته بعباده تقتضي عدم ظلمه لهم فقال: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ.

والمراد بالظلم هنا ما يشمل الإشراك بالله- تعالى- وغيره من الوقوع في المعاصي والمنكرات.

والباء في بِظُلْمٍ للملابسة، والتنوين فيه للإشعار بأن إهلاك المصلحين ظلم عظيم يتنزه الله- تعالى- عنه على أبلغ وجه، وإن كانت أفعاله- عز وجل- لا ظلم فيها أيا كانت هذه الأفعال.

والمعنى: وما كان من شأن ربك- أيها الرسول الكريم- أن يهلك أهل قرية من القرى إهلاكا متلبسا بظلم منه لها، والحال أن أهلها قوم مصلحون، لأن ذلك الإهلاك مع تلك الحال يتنافى مع ما كتبه على نفسه من الرحمة والعدل.

قال- تعالى- كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ... وقال- تعالى- وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً.

وقال- تعالى- وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ.

ومنهم من فسر الظلم هنا بالشرك، وجعل الباء للسببية، فيكون المعنى: ليس من شأن ربك أن يهلك أهل قرية من القرى بسبب كفرهم وحده، مع صلاحهم في تعاطى الحقوق فيما بينهم، وإنما يهلكهم عند ما يضمون إلى الكفر الإفساد في الأرض كما أهلك قوم شعيب لشركهم وإنقاصهم المكيال والميزان.

وقد ساق ابن جرير- رحمه الله- القولين دون أن يرجح بينهما فقال: القول في تأويل قوله- تعالى- وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ.

يقول- تعالى- ذكره: وما كان ربك يا محمد ليهلك القرى التي أهلكها والتي قص عليك نبأها ظلما وأهلها مصلحون في أعمالهم غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربهم ظلما، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله وتماديهم في غيهم..

وقد قيل معنى ذلك: لم يكن ليهلكهم بشركهم بالله: وذلك قوله بظلم يعنى بشرك، وأهلها مصلحون فيما بينهم لا يتظالمون، ولكنهم يتعاطون الحق بينهم وإن كانوا مشركين، وإنما يهلكهم إذا تظالموا» .

والذي نراه أن القول الأول أقرب إلى الصواب، لأن حمل الظلم هنا على الشرك تخصيص بدون مخصص، حيث لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يخصصه بذلك، فوجب حمل الظلم على معناه الحقيقي الذي يتناول الشرك وغيره.

ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة [ لنفسها ] ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين ، كما قال تعالى : ( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ) [ هود : 101 ] ، وقال ( وما ربك بظلام للعبيد ) [ فصلت : 46 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما كان ربك ، يا محمد، ليهلك القرى ، التي أهلكها، التي قَصَّ عليك نبأها، ظُلمًا وأهلها مصلحون في أعمالهم، غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربّهم ، ظلمًا، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله وتماديهم في غيِّهم، وتكذيبهم رُسُلهم ، وركوبهم السيئات.

* * *

وقد قيل: معنى ذلك : لم يكن ليهلكهم بشركهم بالله. وذلك قوله " بظلم " يعني: بشرك ، (وأهلها مصلحون)، فيما بينهم لا يتظالمون، ولكنهم يتعاطَون الحقّ بينهم ، وإن كانوا مشركين، إنما يهلكهم إذا تظالموا.

* * *

--------------------------------------------------------

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ لا يكفي أن تكون صالحًا سلبيًا؛ وإنما لابد أن تكون مصلحًا إيجابيًا.
وقفة
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ عفوًا صلاحك وحده لا يكفي؛ إيجابيتك وإصلاح ما حولك هي وحدها ضمان نجاة مجتمعك من الهلاك.
وقفة
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ المصلحون صمام أمان للمجتمع لا الصالحون، فإن قل عدد المصلحين أو حوصروا فقل تأثيرهم، فهي نُذُر الهلاك.
وقفة
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ الإيمان و(الصَلاح) من غير (إصْلاح) سلبية لا تمنع الإهلاك.
وقفة
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ وجود أهل الحسبة في المجتمع صلاح له وإصلاح، ومانع من وقوع العذاب الإلهي.
وقفة
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ﴾ [القصص: 59]: لأن الله تعالى نفى الظلم عن نفسه بأبلغ لفظ يستعمل في النفي لأن هذه اللام لام الجحود وتظهر بعدها أن ولا يقع بعدها المصدر وتختص بكان معناه ما فعلت فيما مضى ولا أفعل في الحال ولا أفعل في المستقبل فكان الغاية في النفي وما في القصص لم يكن صريح ظلم فاكتفى بذكر اسم الفاعل وهو أحد الأزمنة غير معين ثم نفاه.
لمسة
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ قاله هنا بصيغة (لِيُهْلِك)؛ لأنه لمَّا ذكر قولَه (بِظُلْمٍ) نفى الظُّلم عن نفسه بأبلغ لفظٍ يُستعمل في النفي، لأنَّ اللام فيه لام الجحود، والمضارعُ يُفيد الاستمرار، فمعناه: ما فعلتُ الظُّلمَ فيما مضى، ولا أفعله في الحال، ولا في المستقبل، فكان غايةً في النفي، وقال في القصص: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ﴾ [القصص: 59] بدون ذكر (بظلمٍ)، فاكتفى بذكر اسم الفاعل، المفيد للحال فقط، وإن كان يُستعمل في الماضي، والمستقبل مجازًا.
وقفة
[117] ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33]، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ موانع العذاب: الاستغفار، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عمل
[117] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ﴾ تأمل في الجملة الأخيرة: ﴿وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ ولم يقل: (صالحون)؛ لأن الصلاح الشخصي المنزوي بعيدًا، لا يأسى لضعف الإيمان، ولا يبالي بهزيمة الخير، فكن صالحًا مصلحًا، وراشدًا مرشدًا.
وقفة
[117] بعض الناس يحبون الرجل (صالحًا) ويكرهونه (مصلحًا)، فتجدهم يحبُّون الصالحين ويعادون المُصلحين، لقد أحبَّ أهل مكة محمدًا صلى الله عليه وسلم قبل البعثة لأنه صالحًا؛ ولكن لما بعثه الله تعالى وصار مصلحًا عادوه، وقالوا ساحر كذاب مجنون، والسبب: لأن المصلح يصطدم بصخرة أهوائهم ورغباتهم، كذلك حين يريد أن ينتشلهم من فساد نفوسهم، قال أهل العلم: مصلحٌ واحدٌ أحب إلى الله من ألف صالح؛ لأن المصلح قد يحمي الله به أمة، والصالح يكتفي بحماية نفسه، ولقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾، ولم يقل: (صالحون).
وقفة
[117] يحمي الله بلدًا شديد الظلم لوجود المصلحين فيه، وقد يهلك الله بلدًا أقل منه ظلمًا لغياب المصلحين عنه ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾.
وقفة
[118] الأصل في البشرية الاختلاف فيما بينها، الاختلاف في كل شؤون الحياة ﴿ولا يزالون مختلفين﴾، وهذه سنة الله في الأرض؛ لضمان عمار الكون واستمرار الصراع في البشرية.

الإعراب :

  • ﴿ وما كان ربك:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماضٍ تام بمعنى \"صحّ واستقام\" ربك: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة ويجوز أن تكون فعلًا ناقصًا. ربك: اسمها مرفوع بالضمة.
  • ﴿ ليهلك القرى بظلم:
  • اللام: لام الجحود -النفي- لتأكيد النفي حرف جر. يهلك: فعل مضارع منصوب أنْ مضمرة بعد اللام. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. القرى: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر أي أهل القرى فحذف المضاف وحلّ المضاف إليه محله. و \"أن\" المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بلام الجحود والجار والمجرور متعلق بخبر \"كان\" المحذوف. التقدير ما كان ربك مريدًا لإهلاكهم. وجملة \"يهلك القرى\" صلة \"أن\" المصدرية لا محل لها. بظلم: جار ومجرور متعلق بحال من الفاعل. بمعنى: ظالمًا لها.
  • ﴿ وأهلها مصلحون:
  • الواو حالية والجملة بعدها في محل نصب حال. أهل: مبتدأ مرفوع بالضمة و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. مصلحون: خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. أي وأهلها قوم مصلحون فحذف الخبر وحلّت الصفة محلّه. '

المتشابهات :

هود: 117﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
الأنعام: 131﴿ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ
القصص: 59﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [117] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل عذابَ الاستِئصالِ؛ بَيَّنَ هنا أَنَّهُ لَمْ يُهْلِكْ قَرْيَةً إِلَّا وَهِيَ ظَالِمَةٌ لِنَفْسِهَا، وَلَمْ يَأْتِ قَرْيَةً مُصْلِحَةً نقمته وَعَذَابُهُ قَطُّ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الظَّالِمِينَ، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف