4841112131415

الإحصائيات

سورة الشورى
ترتيب المصحف42ترتيب النزول62
التصنيفمكيّةعدد الصفحات6.30
عدد الآيات53عدد الأجزاء0.34
عدد الأحزاب0.67عدد الأرباع2.70
ترتيب الطول34تبدأ في الجزء25
تنتهي في الجزء25عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 23/29الحواميم: 3/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (11) الى الآية رقم (12) عدد الآيات (2)

= ثُمَّ الاستدلالُ على قدرةِ اللهِ بخلقِ السَّماواتِ والأرضِ، وخلقِ الأزواجِ، وأن مفاتيحَ الخزائنِ بيدِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (13) الى الآية رقم (14) عدد الآيات (2)

لمَّا ذكرَ اللهُ وحدةَ الوحي في أولِ السُّورةِ، ذكرَ هنا تفصيلَ ذلك؛ فدينُ الأنبياءِ واحدٌ وهو الإسلامُ وإن اختلفتْ أحكامُ الشَّرائعِ، ثُمَّ بيانُ سببِ التَّفرقِ وهو البغيُ والظُّلمُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (15) الى الآية رقم (15) عدد الآيات (1)

لمَّا بَيَّنَ أن دينَ الأنبياءِ واحدٌ وهو الإسلامُ، أمرَ هنا بالدَّعوةِ إليه، والاستقامةِ عليه، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الشورى

التحذير من الفرقة والأمر بالشورى

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • نعم للاختلاف، لا للخلاف::   بدأت السورة ببيان وحدة الوحي بين جميع الأنبياء (المنهج واحد): ﴿حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (1-3). ثم الحديث عن عظمة الله: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (4، 5). تحدثت السورة عن الاختلاف بواقعية: فقررّت أنّ الأصل في الناس أنهم سيختلفون: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (7). ثم تأتي الآية المحورية: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (8)، فبينت: أن جمع الشمل من آثار الرحمة، وأن الفرقة من آثار العذاب. ثم بينت الواجب في حال الاختلاف: وهو التحاكم إلى الله وشرعه، قوله تعالى: ﴿وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْء فَحُكْمُهُ إِلَى ٱلله﴾ (10). ثم تحدّثت عن الفرقة وحذرت منها بشدة: ﴿أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ﴾ (13). وعابت على من وقع فيها من الأمم السابقة: ﴿وَمَا تَفَرَّقُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ (14). ثم الأمر بالاستقامة: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ (15).
  • • السّورة تقرّر:   أن الاختلاف أمر طبيعي ومنطقي؛ لأنه من المستحيل أن يجتمع الناس على رأي واحد في كلِّ المسائل، لكن المرفوض هو الفرقة والنّزاع، (لاحظ تكرر كلمة الفرقة في السورة 4 مرات). والحل لضمان الاجتماع عند تعدد الآراء والاختلاف هو: الشورى، التي إن حافظنا عليها في كل أمور حياتنا، في بيوتنا ومع أولادنا، وفي شركاتنا ومؤسساتنا، حافظنا على أمتنا من التفرق كما جرى مع الأمم السابقة. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   ‏«الشورى»، و«حم عسق»، و«عسق».
  • • معنى الاسم ::   ‏الشورى: التشاور وتبادل الآراء لمعرفة الصواب منها، واستشاره: طلب منه المشورة.
  • • سبب التسمية ::   سميت «الشورى»؛ لوصف المؤمنين بالتشاور في أمورهم في الآية (38)، و«حم عسق»، و«عسق»؛ لافتتاح السورة بها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الشورى في كل الأمور العامة والخاصة، في بيوتنا ومع أولادنا، وفي شركاتنا، ومؤسساتنا.
  • • علمتني السورة ::   أن الاختلاف أمر طبيعي ومنطقي، لكن المرفوض هو الفرقة والنّزاع.
  • • علمتني السورة ::   عدم التفرق في الدين: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾
  • • علمتني السورة ::   الاستقامة على شرع الله، وعدم اتباع الأهواء في الدين: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ...﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ».قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة الشورى) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الشورى من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة الشورى) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الشورى هي السورة الثالثة من الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • سورة الشورى وسورة مريم هما السورتان الوحيدتان اللتان ابتدأتا بخمسة حروف تهجٍ: ﴿حم عسق﴾، ﴿كهيعص﴾. • سورة الشورى احتوت على آية تعتبر أصلًا في باب الأسماء والصفات، وهي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (11)، فكثيرًا ما يستدل العلماء بهذه الآية في إثبات صفات الله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تأويل.
    • سورة الشورى أكثر سورة ورد فيها لفظ (الوحي) بالمعنى الشرعي، وهو إعلام الله تعالى لرسله بالرسالة، فقد ورد فيها هذا اللفظ 6 مرات على النحو التالي: أوحينا (3 مرات)، يُوحِي (مرتان)، وحي (مرة واحدة).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نطبق الشورى دائمًا، في كل الأمور العامة والخاصة، في بيوتنا ومع أولادنا، وفي شركاتنا، ومؤسساتنا.
    • أن نستغفر لأنفسنا ولأهل الأرض من المؤمنين والمؤمنات اقتداءً بالملائـكة: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ﴾ (5).
    • أن نرجع إلى القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (10).
    • أن نرضى بما قسم الله لنا؛ فالله أعلم بحالنا: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ (12).
    • أن نحسن العمل؛ فالله يعلم ما نخفي وما نعلن: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ (25).
    • أن نتذكر مصيبة وقعت لنا، ثم نكثر من الاستغفار مستحضرين قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ (30).
    • أن نحذر الجدال في آيات الله بغير علم: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ﴾ (35).
    • أن نجعل عفونا عن المسيء من شكر الله الذي أقدرنا على أن نأخذ حقنا، ونسأله أجره الذي وعدنا به في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ﴾ (40).
    • أن نسأل الله أن يثبتنا على دينه، فالهداية والضلال بيده: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ﴾ (44).
    أن نسارع بالامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه، وأن نتوب قبل فوات الأوان، ولا نسوف: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّـهِ ۚ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ﴾ (47).

تمرين حفظ الصفحة : 484

484

مدارسة الآية : [11] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم ..

التفسير :

[11] الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته، جعل لكم من أنفسكم أزواجاً؛ لتسكنوا إليها، وجعل لكم من الأنعام أزواجاً ذكوراً وإناثاً، يكثركم بسبب هذا التزاوج بالتوالد، ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته و

{ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي:خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته.{ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} لتسكنوا إليها، وتنتشر منكم الذرية، ويحصل لكم من النفع ما يحصل.

{ وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} أي:ومن جميع أصنافها نوعين، ذكرا وأنثى، لتبقى وتنمو لمنافعكم الكثيرة، ولهذا عداها باللام الدالة على التعليل، أي:جعل ذلك لأجلكم، ولأجل النعمة عليكم، ولهذا قال:{ يذرؤكم فيه} أي:يبثكم ويكثركم ويكثر مواشيكم، بسبب أن جعل لكم من أنفسكم، وجعل لكم من الأنعام أزواجا.

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي:ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفة كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه.{ وَهُوَ السَّمِيعُ} لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات.{ الْبَصِيرُ} يرى دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء، ويرى سريان القوت في أعضاء الحيوانات الصغيرة جدا، وسريان الماء في الأغصان الدقيقة.

وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وعلى المعطلة في قوله:{ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}

فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى هو خالقهما وموجدهما على غير مثال سابق، من فطر الشيء إذا ابتدعه واخترعه دون أن يسبق إلى ذلك.

جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً أى: جعل لكم- سبحانه- بقدرته من جنس أنفسكم أزواجا، أى: نساء تجمع بينكم وبينهن المودة والرحمة، كما قال- تعالى-: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.

وقوله- سبحانه-: وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً معطوف على ما قبله. أى: كما خلق لكم من أنفسكم أزواجا، خلق- أيضا- للأنعام من جنسها إناثا، ليحصل التوالد والتناسل والتعمير لهذا الكون.

وقوله- تعالى- يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ بيان للحكمة من هذا الجعل والخلق للأزواج.

والذرء: التكاثر والبث. يقال: ذرأ فلان الشيء، إذا بثه وكثره.

والضمير المنصوب في قوله يَذْرَؤُكُمْ يعود إلى المخاطبين وإلى الأنعام، على سبيل التغليب للعقلاء على غيرهم.

والضمير في قوله فِيهِ يعود إلى التزاوج بين الذكور والإناث المفهوم من قوله- تعالى-: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً.

أى: يكثركم وينميكم بسبب هذا التزاوج الذي يحصل بين ذكوركم وإناثكم حيث يتناسل- أحيانا- بين الذكر الواحد والأنثى الواحدة، عدد كبير من الأولاد.

وقال- سبحانه- يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ولم يقل يذرؤكم به أى: بسببه، للأشعار بأن هذا التزاوج قد صار مثل المنبع والأصل للبث والتكثير.

قال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً.

قال بعض العلماء: فإن قيل: ما وجه إفراد الضمير المجرور في قوله يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ مع أنه على ما ذكرتم، يعود إلى الذكور والإناث من الآدميين والأنعام؟.

فالجواب: أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، رجوع الضمير بصيغة الإفراد إلى المثنى أو الجمع باعتبار ما ذكر.

ومنه قوله- تعالى-: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ أى: يأتيكم بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم .

ثم نزه- سبحانه- ذاته عن الشبيه أو النظير.. فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.

أى: ليس مثله شيء- تعالى-: لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فالكاف مزيدة في خبر لَيْسَ وشَيْءٌ اسمها. أى: ليس شيء مثله.

أو أن الكاف أصلية. فيكون المعنى: ليس مثله- تعالى- أحد لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال.

وذلك كقول العرب: مثلك لا يبخل، يعنون: أنت لا تبخل على سبيل الكناية، قصدا إلى المبالغة في نفى البخل عن المخاطب بنفيه عن مثله، فيثبت انتفاؤه عنه بدليله.

والمقصود من الجملة الكريمة على كل تفسير: تنزيهه- تعالى- عن مشابهة خلقه في الذات أو الصفات أو الأفعال.

قال صاحب الكشاف: قالوا: مثلك لا يبخل، فنفوا البخل عن مثله، وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده، وعمن هو على أخص أوصافه، فقد نفوه عنه.

ونظيره قولك للعربي: العرب لا تخفر الذمم، كان أبلغ من قولك: أنت لا تخفر...

وقوله- تعالى-: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أى: وهو- سبحانه- السميع لكل أقوال خلقه، البصير بما يسرونه وما يعلنونه من أفعال.

وقوله : ( فاطر السموات والأرض ) أي : خالقهما وما بينهما ، ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) أي : من جنسكم وشكلكم ، منة عليكم وتفضلا جعل من جنسكم ذكرا وأنثى ، ( ومن الأنعام أزواجا ) أي : وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج .

وقوله : ( يذرؤكم فيه ) أي : يخلقكم فيه ، أي : في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكورا وإناثا ، خلقا من بعد خلق ، وجيلا بعد جيل ، ونسلا بعد نسل ، من الناس والأنعام .

وقال البغوي رحمه الله : ( يذرؤكم فيه ) أي : في الرحم . وقيل : في البطن . وقيل : في هذا الوجه من الخلقة .

قال مجاهد : ونسلا بعد نسل من الناس والأنعام .

وقيل : " في " بمعنى " الباء " ، أي : يذرؤكم به .

( ليس كمثله شيء ) أي : ليس كخالق الأزواج كلها شيء ; لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له ، ( وهو السميع البصير )

القول في تأويل قوله تعالى : فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)

يقول تعالى ذكره: ( فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) , خالق السموات السبع والأرض. كما:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: خالق.

وقوله: ( جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) يقول تعالى ذكره: زوّجكم ربكم من أنفسكم أزواجا. وإنما قال جلّ ثناؤه: ( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) لأنه خلق حوّاء من ضلع آدم, فهو من الرجال.( وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا ) يقول جلّ ثناؤه: وجعل لكم من الأنعام أزواجا من الضأن اثنين, ومن المعز اثنين, ومن الإبل اثنين, ومن البقر اثنين, ذكورا وإناثا, ومن كل جنس من ذلك.( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) يقول: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم, ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) في هذا الموضع, فقال بعضهم: معنى ذلك: يخلقكم فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيع, عن مجاهد, في قوله: ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) قال: نسل بعد نسل من الناس والأنعام.

حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( يَذْرَؤُكُمْ ) قال: يخلقكم.

حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله: ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) قال: نسلا بعد نسل من الناس والأنعام.

حدثنا محمد بن المثنى ، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال ثنا شعبة ، عن منصور ، أنه قال في هذه الآية : ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) قال يخلقكم.

وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) يقول: يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) قال: يعيشكم فيه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) قال: عيش من الله يعيشكم فيه. وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد, وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه, أراد بقوله ذلك: يحييكم بعيشكم به كما يحيي من لم يخلق بتكوينه إياه, ونفخه الروح فيه حتى يعيش حيا. وقد بينت معنى ذرء الله الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته.

وقوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشيء, وأدخل المثل في الكلام توكيدًا للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف, وهما بمعنى واحد, كما قيل:

ما إن نديت بشيء أنت تكرهه (1)

فأدخل على " ما " وهي حرف جحد " إن " وهي أيضًا حرف جحد, لاختلاف اللفظ بهما, وإن اتفق معناهما توكيدا للكلام, وكما قال أوس بن حجر:

وَقَتْــلَى كمِثْــلِ جــذُوعِ النَّخـيلْ

تَغَشَّــــاهُمُ مُسْـــبِلٌ مُنْهَمِـــرْ (2)

ومعنى ذلك: كجذوع النخيل, وكما قال الآخر:

سَـعْدُ بْـنُ زيـد إذَا أبْصَـرْتَ فَضْلَهُمُ

مـا إن كـمِثْلِهِمِ فِـي النَّـاسِ مِنْ أحَدٍ (3)

والآخر: أن يكون معناه: ليس مثل شيء, وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام, كقول الراجز:

* وَصَالِياتٍ كَكَما يُؤْثَفَيْنِ (4)

فأدخل على الكاف كافا توكيدا للتشبيه, وكما قال الآخر:

تَنْفِــي الغَيــادِيقُ عَـلى الطَّـرِيقِ

قَلَّــصَ عَــنْ كَبَيْضَـةٍ فِـي نِيـقِ (5)

فأدخل الكاف مع " عن ", وقد بيَّنا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح, فلذلك تجوّزنا في البيان عنه في هذا الموضع.

وقوله: ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) يقول جلّ ثناؤه واصفا نفسه بما هو به, وهو يعني نفسه: السميع لما تنطق به خلقه من قول, البصير لأعمالهم, لا يخفى عليه من ذلك شيء, ولا يعزب عنه علم شيء منه, وهو محيط بجميعه, محصٍ صغيره وكبيره ( لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) من خير أو شرّ.

------------------------

الهوامش:

(1) هذا مصراع أول من بيت للنابغة الذبياني . وعجزه :

* إذن فـلا رفعت سوطي إلى يدي *

( انظر مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ) ورواية الشطر الأول فيه :

* مـا قلـت من سييء مما أتيت به *

قال شارحه : يقول : إذا كنت قلت هذا الذي بلغك ، فشلت يدي حتى لا أطيق رفع السوط على خفته . وروى في اللسان والتاج كرواية المؤلف ، قال الزبيدي : يقال : ما نديني من فلان شيء أكرهه ، أي ما بلني ولا أصابني . وما نديت له كفى بشر وما نديت بشيء .

ومحل الشاهد في البيت عند المؤلف قوله" ما إن" حيث أدخل حرف النفي" ما" على حرف النفي" إن" لاختلاف لفظهما ، توكيدا للكلام . وهو نظير إدخال كاف التشبيه ، على كلمة" مثل" التي تفيد التشبيه ، في قوله تعالى (ليس كمثله شيء) ، لتوكيد الكلام ؛ لاختلاف اللفظين .

(2) وهذا الشاهد من كلام أوس بن حجر التميمي ، وهو شاعر جاهلي مشهور ، شاهد كالشاهد السابق ، أدل فيه أداة التشبيه" الكاف" على أختها في المعنى" مثل" لاختلاف لفظهما ، توكيدا للكلام ، وهو نظير" ما" في قوله تعالى : (ليس كمثله شيء ) .

(3) لم أقف على قائل هذا البيت . وقد استشهد به المؤلف على إدخال أداتي التشبيه ( الكاف ، ومثل ) معا على شيء واحد ، فهو في معنى الشاهدين قبله .

(4) هذا بيت من عدة أبيات من مشطور الرجز ، ينسبان على خطام المجاشعي ، ونسبهما الجوهري في الصحاح ، والصقلي في شرحه لأبيات الإيضاح للفارسي ، إلى هميان بن قحافة . وبيت الشاهد آخرها بيتا . ( انظر الأبيات في هامش صفحة 282 من الجزء الأول من سر صناعة الإعراب لابن جنى طبعة شركة مصطفى البابي الحبي وأولاده ) وفيه : الصاليات : الأثافي التي توضع عليها القدور وقد صليت النار حتى اسودت . ويؤثفين : يجعلن أثافي للقدر ، وهي جمع أثفية ، يقال أثفى القدر يثفيها : جعل لها أثافي . ومحل الشاهد قوله" كما" فإن الكاف الأولى حرف ، والثانية اسم بمعنى مثل . والمعنى : لم يبق إلا حجارة منصوبة كمثل الأثافي . واستشهد به المؤلف على دخول الكاف على الكاف لتوكيد الكلام.

(5) لم أقف على قائل البيت . ولم يتضح لي معناه تماما ، ولعل فيه تحريفا من الناسخ . وموضع الشاهد فيه واضح ، وهو دخول" عن" على الكاف في قوله"كبيضة" فإما أن تكون الكاف زائدة ، أي عن بيضة ، وإما أن تكون الكاف اسما بمعنى مثل في محل جر .

التدبر :

وقفة
[11] فى قوله تعالى ﴿فاطِرُ السَّماواتِ وَالأَرضِ﴾ قال ابن عباس: «كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، أى أنا ابتدأتها».
وقفة
[11] ﴿جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ الذرء: هو التكاثر والبث، يقال: ذرأ فلان الشيء، إذا بثه وكثره، فهذا التزاوج بين الذكور والإناث آية بسببه يحصل التكاثر بين جميع المخلوقات، والخطاب للبشر والأنعام، وجاء الخطاب للعقلاء؛ تغليبًا على غيرهم.
وقفة
[11] ﴿جَعَلَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا﴾ وكون الأزواج من أنفسهم كمال في النعمة؛ لأنه لو جعل أحد الزوجين من نوع آخر لفات نعيم الأنس.
وقفة
[11] ﴿وَمِنَ الأَنعامِ أَزواجًا﴾ وفائدة ذكر أزواج الأنعام دون أزواج الوحش: أن في أنواع الأنعام فائدة لحياة الإنسان؛ لأنها تعيش معه ولا تنفر منه، وينتفع بألبانها وأصوافها ولحومها ونسلها وعملها من حمْل وحرث، فبِجَعْلها أزواجًا حصل معظم نفعها للإنسان.
وقفة
[11] ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ﴾ كل ما خطر ببالك، فالله خلاف ذلك.
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ رحمته شاملة، ولُطفه خفيٌّ، وعنايته دائمة، وإحسانه سابغ، ليس كمثلهِ شيءٌ سبحانه وتعالى عما يصفون.
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ إن وُجد مثل لله -والمثل دائمًا أضعف من الأصل- فلن يوجد شبية لهذا المثل وهو الأضعف، فكيف يوجد مثل للأقوى؟!
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ما ألطف الله! قال ابن القيم: «فإن الله سبحانه يعامل عبده معاملة من ليس كمثله شيء في أفعاله، كما ليس كمثله شيء في صفاته، فإنه ما حرمه إلا ليعطيه، ولا أمرضه إلا ليشفيه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا أماته إلا ليحييه».
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وليس كحبِّـه شيء!
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وجودنا سبق بعدم، ويلحقه الفناء، وأما وجود الله، فلم يُسبق بعدم، ولا يلحقه فناء.
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ قال ابن القيم: «وكما أنه سبحانه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته وإجلاله وخوفه محبة وإجلال ومخافة، فالمخلوق كلما خفته استوحشت منه، وهربت منه، والله سبحانه كلها خفته أنست به وفررت إليه، والمخلوق يُخاف ظلمه وعدوانه، والرب سبحانه إنا يخاف عدله وقسطه، ومحبة المخلوق إذا لم تكن لله فهي عذاب للمُحب ووبال عليه، وما يحصل له بها من التألم أعظم مما يحصل له من اللذة، وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير هذا الشأن، فإنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها».
وقفة
[11] أصول السعادة البشرية: توحيد الله: ﴿ليْسَ كمثْلهِ شَيْءٌ﴾، اتباع النبي: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [52] التحلي بمكارم الأخلاق.
وقفة
[11] من جملة ما وصف الله به نفسه: الكلام، ‏فكلام الرب جل وعلا ﴿ليْسَ كمثْلهِ شَيْءٌ﴾، كمـا أن صفـاته سبحـانـه وتعـالى لـيـس كمثلها شيء، وكما أن سائر ما يتعلق به جل وعلا ليس له نظير.
وقفة
[11] الله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ والحديث عنه ليس كمثله شيء.
وقفة
[11] فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، سبحانه ذكرته في نفسي الله يذكرك في نفسه.
وقفة
[11] الله حي وأنت حي، لكن هل حياتك كحياته؟ والله سميع وأنت سميع، أسمعك كسمعه؟ والله بصير وأنت بصير، لكن شتان شتان! ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.
عمل
[11] إياك أن تخضع أفعال الله لقانون فعلك؛ ففعلك محتاج إلى معالجة أسباب وفترة محددة للوصول إلى هدفك، وهو يختلف باختلاف قوتك وقدرتك، والله عز وجل منزَّه عن كل هذا: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ أنا مذنب أنا مخطئ أنا عاصي، هو غافر هو راحم هو كافي، قـابلتُهـن ثلاثـة بثلاثـة وستغلبنَّ أوصافُه أوصافي.
وقفة
[11] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ لا شبيه له في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله.
وقفة
[11] إثبات الصفات لله سبحانه ونفي مماثلته للمخلوقات ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
وقفة
[11] ما الفرق بين إثبات السمع في هاتين الآيتين: ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء﴾ [آل عمران: 181]، و﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾؟ السمع في الآية الأولى: (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ) خرجت مخرج التهديد لقائله، بخلاف الآية الأخرى: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فهي لإثبات كمال سمعه.

الإعراب :

  • ﴿ فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • فاطر: خبر ثان للمبتدإ «ذلكم» في الآية السابقة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو فاطر مرفوع بالضمة بمعنى:خالق. السموات: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.والأرض: معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب مثلها.
  • ﴿ جَعَلَ لَكُمْ:
  • الجملة الفعلية وما بعدها: في محل رفع خبر آخر للمبتدإ «ذلكم» أو في محل رفع نعت لفاطر على وجه إعرابها الثاني وهو كونها خبر مبتدأ محذوف. جعل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. لكم: جار ومجرور متعلق بجعل والميم علامة جمع الذكور. بمعنى: خلق لكم
  • ﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً:
  • جار ومجرور متعلق بجعل بمعنى من جنسكم من الناس والكاف ضمير متصل-ضمير العقلاء-مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور. أزواجا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة
  • ﴿ وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها.ومِنَ الْأَنْعامِ» جار ومجرور متعلق بجعل.
  • ﴿ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين- مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور. فيه:جار ومجرور متعلق بيذرؤكم. بمعنى: يكثركم في هذا التدبير
  • ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ:
  • فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الكاف حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. مثله: اسم مجرور لفظا بالكاف منصوب محلا على أنه خبر «ليس» مقدم والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. أي كمثل الله. شيء: اسم «ليس» مرفوع بالضمة. وقد تباينت آراء العلماء حول «كمثل» منهم من قال بزيادة الكاف ومنهم من نفى زيادتها وآخر قال أن المعنى «ليس» كوصفه شيء أو ليس مثل ذاته شيء. وقيل الجار والمجرور خبر «ليس».
  • ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ:
  • الواو عاطفة هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. السميع: خبر «هو» مرفوع بالضمة. البصير: خبر ثان للمبتدإ. أو خبر مبتدأ محذوف اختصارا دل عليه ما قبله بتقدير: وهو البصير. ويجوز أن يكون صفة للسميع مرفوعا بالضمة.'

المتشابهات :

الروم: 21﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
النحل: 72﴿وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً
الشورى: 11﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     ولَمَّا جعلَ اللهُ التحاكمَ إليه، والتوكلَ عليه والإنابةَ إليه؛ بَيَّنَ هنا أنه هو الجدير بأن يُعتمد عليه، ويُستعان به؛ لأنه خالق السماوات والأرض، قال تعالى:
﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فاطر:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالجر، صفة لقوله «إلى الله» الآية: 10، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [12] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ ..

التفسير :

[12] له سبحانه وتعالى ملك السموات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، يوسِّع رزقه على مَن يشاء مِن عباده ويضيِّقه على مَن يشاء، إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.

وقوله:{ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي:له ملك السماوات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، والنعم الظاهرة والباطنة. فكل الخلق مفتقرون إلى اللّه، في جلب مصالحهم، ودفع المضار عنهم، في كل الأحوال، ليس بيد أحد من الأمر شيء.

واللّه تعالى هو المعطي المانع، الضار النافع، الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع الشر إلا هو، و{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}

ولهذا قال هنا:{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي:يوسعه ويعطيه من أصناف الرزق ما شاء،{ وَيَقْدِرُ} أي:يضيق على من يشاء، حتى يكون بقدر حاجته، لا يزيد عنها، وكل هذا تابع لعلمه وحكمته، فلهذا قال:{ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فيعلم أحوال عباده، فيعطي كلا ما يليق بحكمته وتقتضيه مشيئته.

لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: له وحده مفاتيح خزائنهما، وله وحده- أيضا- ملك هذه الخزائن، لأن ملك مفاتيحها يستلزم ملكها.

والمقاليد: جمع مقلاد أو إقليد وهو المفتاح.

يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أى: هو- سبحانه- الذي يوسع الرزق لمن شاء أن يوسعه له، ويضيقه على من يشاء أن يضيقه عليه.

إِنَّهُ- تعالى-: بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد أقامت أوضح الأدلة وأقواها، على وحدانية الله- تعالى- وكمال قدرته.

ثم أكد- سبحانه- الحقيقة التي افتتحت بها السورة الكريمة، وهي وحدة الأديان في جوهرها وأصولها، وبين الأسباب التي أدت إلى اختلاف الناس في عقائدهم، وأرشد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أفضل الأساليب في الدعوة إلى الحق، فقال- تعالى-:

وقوله : ( له مقاليد السموات والأرض ) تقدم تفسيره في " سورة الزمر " ، وحاصل ذلك أنه المتصرف الحاكم فيهما ، ( يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي : يوسع على من يشاء ، ويضيق على من يشاء ، وله الحكمة والعدل التام ، ( إنه بكل شيء عليم )

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)

يعني تعالى ذكره بقوله: ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) : له مفاتيح خزائن السموات والأرض وبيده مغاليق الخير والشر ومفاتيحها, فما يفتح من رحمة فلا ممسك لها, وما يمسك فلا مرسل له من بعده.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: مفاتيح بالفارسية.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: مفاتيح السموات والأرض. وعن الحسن بمثل ذلك.

ثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: خزائن السموات والأرض.

وقوله: ( يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) يقول: يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه, ويبسط له, ويكثر ماله ويغنيه. ويقدر: يقول: ويقتر على من يشاء منهم فيضيقه ويفقره.( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) يقول: إن الله تبارك وتعالى بكل ما يفعل من توسيعه على من يوسع, وتقتيره على من يقتر, ومن الذي يُصلحه البسط عليه في الرزق, ويفسده من خلقه, والذي يصلحه التقتير عليه ويفسده, وغير ذلك من الأمور, ذو علم لا يخفى عليه موضع البسط والتقتير وغيره, من صلاح تدبير خلقه.

يقول تعالى ذكره: فإلى من له مقاليد السموات والأرض الذي صفته ما وصفت لكم في هذه الآيات أيها الناس فارغبوا, وإياه فاعبدوا مخلصين له الدين لا الأوثان والآلهة والأصنام, التي لا تملك لكم ضرّا ولا نفعا.

التدبر :

وقفة
[12] ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ كم اسمًا لله تعالى في ثنايا كلمة (مقاليد)؟ الجواب: المعطي، المانع، الضار النافع، الخافض، الرافع، المعز، المذل، القابض، الباسط، الفتاح، الرزاق، الوهاب، فكل هذه أسماء الله أرشدك إليها ودلك عليها.
وقفة
[12] ﴿له مقاليد السماوات والأرض﴾ له مفاتيح خزائن السماوات والأرض، وله مغاليقها، يبسط الرزق لمن يشاء امتحانًا، ويضيق ابتلاءً لأنه بكل شيء عليم.
وقفة
[12] ﴿لَهُ مَقاليدُ السَّماواتِ وَالأَرضِ﴾ الأمر كله لله، فلماذا يلجأ البعض لغيره؟!
وقفة
[12] ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ نزول الغيث بعد انقطاعه، هو دليل من أدلةٍ كثيرة على إحياء روح الفأل في النفوس على مستوى الفرد والجماعة، فلا ينبغى أن يستقر اليأس فى نفس المؤمن والله ربه، وهو الذى بيده مقاليد السموات والأرض.
لمسة
[12] ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ تقديم المجرور لإفادة الاختصاص، أي هي مُلكه لا مُلْك غيره، لينزع بذلك أوهام المتكبرين بعطاء الله -الذي منحهم إياه- على غيرهم، ويفتح أبواب الأمل للراجين فضل ربهم.
تفاعل
[12] ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[12] ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ يوسِّع رزقه على من يشاء من خلقه، فيكثر ماله، ويُقتَر على من يشاء منهم فيضيّق عليه ويُفقره؛ لأنه عليم بمن يُصلحه بسط الرزق، ومن يفسده.
وقفة
[12] ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ من لطف الله بعباده: أن مشيئته جارية على حسب علمه بما يناسب أحوال المرزوقين من بسط وقدر، وعطاء ومنع.
عمل
[12] ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ ارض بما قسم الله، فالذي يبسط الرزق ويقبضه هو الله وحده.
وقفة
[12] ﴿يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ لا تظن أن الرزق مالًا فقط، فالله يعلم أن الزوجة الصالحة قد تكون لك خير الرزق، ويعلم سبحانه أن الولد الصالح لك هو خير الرزق، ويعلم سبحانه أن الصحة قد تكون لك ابتلاء فيقبضها عنك، ويعلم جل شأنه أن علو شأنك قد يكون ضررًا لك فيمسكه عنك وغير ذلك الكثير والكثير.
وقفة
[12] ﴿يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ هو عليم بك كيف سيكون حالك إن بسط لك الرزق، وهو عليم بك كيف سيكون حالك إن قدره عليك، فيقدر لك الخير حتى وإن جهلت سبب البسط أو القبض.

الإعراب :

  • ﴿ لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.مقاليد: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة أي مفاتيح. السموات: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض: معطوفة بالواو على السَّماواتِ» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. وبقية الآية أعربت في الآية الكريمة الثانية والستين من سورة «العنكبوت».'

المتشابهات :

الزمر: 63﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
الشورى: 12﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ أنه هو الجدير بأن يُعتمد عليه، ويُستعان به؛ لأنه خالق السماوات والأرض؛ بَيَّنَ هنا أن له وحده ملك السماوات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، قال تعالى:
﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [13] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا ..

التفسير :

[13] شرع الله لكم -أيها الناس- من الدِّين الذي أوحيناه إليك -أيها الرسول، وهو الإسلام- ما وصَّى به نوحاً أن يعمله ويبلغه، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى -هؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل على المشهور- أن أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة الله وعبادته دون مَ

هذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه، فالدين الذي شرعه الله لهم، لا بد أن يكون مناسبا لأحوالهم، موافقا لكمالهم، بل إنما كملهم الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدين الإسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق، فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.

ولهذا قال:{ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} أي:أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان.{ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} أي:ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزابا، وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا مع اتفاقكم على أصل دينكم.

ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجمع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق.

{ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} أي:شق عليهم غاية المشقة، حيث دعوتهم إلى الإخلاص للّه وحده، كما قال عنهم:{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقولهم:{ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}

{ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} أي يختار من خليقته من يعلم أنه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته ومنه أن اجتبى هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم، واختار لها أفضل الأديان وخيرها.

{ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} هذا السبب الذي من العبد، يتوصل به إلى هداية الله تعالى، وهو إنابته لربه، وانجذاب دواعي قلبه إليه، وكونه قاصدا وجهه، فحسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية، من أسباب التيسير لها، كما قال تعالى:{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}

وفي هذه الآية، أن الله{ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} مع قوله:{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} مع العلم بأحوال الصحابة رضي الله عنهم، وشدة إنابتهم، دليل على أن قولهم حجة، خصوصا الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم أجمعين.

قال الفخر الرازي: أعلم أنه- تعالى- لما عظم وحيه إلى نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم بقوله:

كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك فقال: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ...

أى: شرع الله لكم يا أصحاب محمد من الدين ما وصى به نوحا ومحمدا وإبراهيم وموسى وعيسى.. وإنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر، لأنهم أكابر الأنبياء، وأصحاب الشرائع العظيمة، والأتباع الكثيرة .

والمراد بما شرعه- سبحانه- على ألسنة هؤلاء الرسل: أصول الأديان التي لا يختلف فيها دين عن دين، أو شريعة عن شريعة، كإخلاص العبادة لله- تعالى- والإيمان بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر، والتحلي بمكارم الأخلاق كالصدق والعفاف.

أما ما يتعلق بفروع الشرائع، كتحليل بعض الطيبات لقوم على سبيل التيسير لهم، وتحريمها على قوم على سبيل العقوبة لهم فهذا لا يدخل في الأصول الثابتة في جميع الأديان، وإنما يختلف باختلاف الظروف والأحوال.

ويؤيد ذلك قوله- تعالى-: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً .

وقوله- سبحانه- حكاية عن عيسى- عليه السلام- وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ .

والمعنى: سن الله- تعالى- لكم- يا أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من العقائد ومكارم الأخلاق، ما سنه لنوح- عليه السلام- الذي هو أول أولى العزم من الرسل، وأول أصحاب الشرائع الجامعة.

وشرع الله- تعالى- لكم- أيضا ما أوحاه إلى نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم من آداب وأحكام وأوامر ونواه.

وشرع لكم كذلك ما وصى به- سبحانه- أنبياءه: إبراهيم وموسى وعيسى، من وصايا تتعلق بوجوب طاعة الله- تعالى-، وإخلاص العبادة له، والبعد عن كل ما يتنافى مع مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم.

وقوله- سبحانه-: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ تفصيل وتوضيح لما شرعه- سبحانه- لهؤلاء الكرام، ولما أوصاهم به.

والمراد بإقامة الدين: التزام أوامره ونواهيه، وطاعة الرسل في كل ما جاءوا به من عند ربهم طاعة تامة.

قال صاحب الكشاف: والمراد: إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله- تعالى- وطاعته، والإيمان برسله وكتبه، وبيوم الجزاء، وسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة. قال الله تعالى- لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً.

ومحل أَنْ أَقِيمُوا إما النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه، وإما الرفع على الاستئناف، كأنه قيل: وما ذلك المشروع؟ فقيل: هو إقامة الدين. .

أى: أوصاكم كما أوصى من قبلكم بالمحافظة على ما اشتمل عليه دين الإسلام من عقائد وأحكام وآداب.. وأصول أجمعت عليها جميع الشرائع الإلهية، كما أوصاكم بعدم الاختلاف في أحكامه التي لا تقبل الاختلاف أو التفرق.

ثم بين- سبحانه- موقف المشركين من الدين الحق فقال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

أى: شق وعظم على المشركين دعوتكم إياهم إلى وحدانية الله- تعالى-، وإلى ترك ما ألفوه من شرك، ومن تقاليد فاسدة ورثوها عن آبائهم.

وقوله- تعالى-: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ بيان لكمال قدرته- تعالى- ونفاذ مشيئته. والاجتباء: الاصطفاء والاختيار. أى: الله- تعالى- بإرادته وحكمته يصطفى ويختار لرسالته من يشاء من عباده، ويهدى إلى الحق من ينيب إليه، ويرجع إلى طاعته- عز وجل- ويقبل على عبادته.

يقول تعالى لهذه الأمة : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك ) ، فذكر أول الرسل بعد آدم وهو نوح ، عليه السلام وآخرهم وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر من بين ذلك من أولي العزم وهم : إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ، عليهم السلام . وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية " الأحزاب " عليهم في قوله : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ) الآية [ الأحزاب : 7 ] . والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو : عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] . وفي الحديث : " نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " أي : القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم ، كقوله تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) [ المائدة : 48 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) أي : وصى الله [ سبحانه و ] تعالى جميع الأنبياء ، عليهم السلام ، بالائتلاف والجماعة ، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف .

وقوله : ( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ) أي : شق عليهم وأنكروا ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد .

ثم قال : ( الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) أي : هو الذي يقدر الهداية لمن يستحقها ، ويكتب الضلالة على من آثرها على طريق الرشد ; ولهذا قال :

القول في تأويل قوله تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)

يقول تعالى ذكره: ( شَرَعَ لَكُمْ ) ربكم أيها الناس ( مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) أن يعمله ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) يقول لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد, فأمرناك به ( وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) يقول: شرع لكم من الدين, أن أقيموا الدين فـ " أن " إذ كان ذلك معنى الكلام, في موضع نصب على الترجمة بها عن " ما " التي في قوله: ( مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ). ويجوز أن تكون في موضع خفض ردّا على الهاء التي في قوله: ( بِهِ ) , وتفسيرا عنها, فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا, أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه. وجائز أن تكون في موضع رفع على الاستئناف, فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به, وهو أن أقيموا الدين. وإذ كان معنى الكلام ما وصفت, فمعلوم أن الذي أوصى به جميع هؤلاء الأنبياء وصية واحدة, وهي إقامة الدين الحق, ولا تتفرقوا فيه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) قال: ما أوصاك به وأنبيائه, كلهم دين واحد.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) قال: هو الدين كله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) بعث نوح حين بعث بالشريعة بتحليل الحلال, وتحريم الحرام ( وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ).

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) قال: الحلال والحرام.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ).... إلى آخر الآية, قال: حسبك ما قيل لك.

وعنى بقوله: ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض, كما قد بينا فيما مضى قبل في قوله: أَقِيمُوا الصَّلاةَ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) قال: اعملوا به.

وقوله: ( وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به, كما اختلف الأحزاب من قبلكم.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) تعلموا أن الفرقة هلكة, وأن الجماعة ثقة.

وقوله: ( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: كبر على المشركين بالله من قومك يا محمد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لله, وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) قال: أنكرها المشركون, وكبر عليهم شهادة أن لا إله إلا الله, فصادمها إبليس وجنوده, فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها.

وقوله: ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) يقول: الله يصطفي إليه من يشاء من خلقه, ويختار لنفسه, وولايته من أحبّ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) يقول: ويوفق للعمل بطاعته, واتباع ما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحق من أقبل إلى طاعته, وراجع التوبة من معاصيه.

كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) : من يقبل إلى طاعة الله.

التدبر :

وقفة
[13] ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا ...﴾ دين الأنبياء في أصوله دين واحد.
وقفة
[13] ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا ...﴾ هذه أكبر مِنَّةٍ أنعم الله بها على عباده؛ أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها؛ دين الإسلام الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة؛ وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية؛ أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه.
وقفة
[13] ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا ...﴾ أوصانا الله بما أوصى به جميع هؤلاء الأنبياء؛ بوصية واحدة: إقامة الدين، فمن نَفَذَ الوصية؟!
وقفة
[13] ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا ...﴾ بُعِث الأنبياء بتوحيد الله وتوحيد كلمة المسلمين.
وقفة
[13] ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا ...﴾ بدأ بنوح عليه السلام، لأنه أول الرسل في عموميات الدين.
وقفة
[13] اتفق دين محمد ﷺ مع جميع الأنبياء في أصول الاعتقادات؛ وذلك هو المراد هنا، ولذلك فسره بقوله: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾: يعني إقامة الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وبالدار الآخرة، وأما الأحكام الفروعية، فاختلفت فيها الشرائع، فليست تراد هنا.
وقفة
[13] ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ بعث الله الأنبياء كلَّهم لإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفُرقة والمخالفة.
وقفة
[13] ﴿أَقيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفَرَّقوا فيهِ﴾ أهمية وحدة الصف وجمع الكلمة؛ لأن الخلاف شر.
وقفة
[13] أهمية وحدة الكلمة، وخطر الاختلاف فيها ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾.
وقفة
[13] المتأمل في قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ [الأنعام: 68]، وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [الأنعام: 159]; وقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]; وقوله: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾، ونحو هذا في القرآن، يجد أن الله أمر المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
وقفة
[13] ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا﴾ قد يختلفُ أهلُ اﻹسلامِ في اجتهاداتِهم بشرطِ ألَّا يتفرَّقوا؛ لذلكَ نهاهم اللهُ عن التَّفرقِ فيه ولم ينهَ عن الاختلافِ في فهمه.
وقفة
[13] ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا﴾ تعلموا من هذه الآية أن الفرقة عذاب والجماعة رحمة.
وقفة
[13] ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا﴾ أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
وقفة
[13] ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ أي: عظم عليهم (ما تدعوهم إليه) من التوحيد ورفض الأوثان؛ قال قتادة: كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله عز وجل إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من ناوأها.
وقفة
[13] ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ حقيقة نعيشها الآن، وهي محاربة الإسلام بالإرهاب المزعوم خوفًا من انتشاره.
وقفة
[13] ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ حديثك عن التوحيد والعفاف والولاء والبراء على الهوية الإيمانية والحجاب والتسليم لنصوص الوحي؛ حديثٌ يستنكره المعرضون عن الشريعة ويعظم على عقولهم.
وقفة
[13] واشْتِقاقُ لَفْظِ الِاجْتِباءِ يَدُلُّ عَلى الضَّمِّ والجَمْعِ، فَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ﴾ أيْ يَضُمُّهُ إلَيْهِ ويُقَرِّبُهُ مِنهُ تَقْرِيبَ الإكْرامِ والرَّحْمَةِ.
عمل
[13] ﴿اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ﴾ عليك أن تقف عند بابه؛ حتى يأذن لك بالدخول.
وقفة
[13] ﴿اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ﴾ هو اختيار، المهم أنت تكون عند الباب لتدخل.
وقفة
[13] ﴿الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب﴾ من أراد هداية الله وتوفيقه وتسديده؛ فليكن دائم الرجوع إليه، وإن أخطأ فليبادر بالاستغفار، وإن تشعب قلبه في أودية الدنيا؛ فليسارع في تجديد إيمانه، وما أخسر صفقة المنشغل بدنياه عن الإنابه إلى ربِّه!
وقفة
[13] حسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية من أسباب التيسير لها ﴿اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾.
وقفة
[13] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ هل تريد القرب من الله؟ عليك بالتوبة والإنابة والاستغفار.
وقفة
[13] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ الهادي ليس فقط الذي يهدي الطائعين للطاعة، بل هو الذي يهدي كذلك العصاة للتوبة.
وقفة
[13] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ قال السعدي: «هذه أكبر مِنَّة أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية».
وقفة
[13] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ من أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الله من الاجتماعات العامة، كالاجتماع للحج، والأعياد، والجمع، والصلوات الخمس، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكتمل إلا بالاجتماع وعدم التفرق.
وقفة
[13] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ أصول الأديان لا يختلف فيها دين عن دين كإخلاص العبادة لله، والإيمان بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر، والتحلي بمكارم الأخلاق، أما فروع الشرائع، كتحليل بعض الطيبات لقوم على سبيل التيسير، وتحريمها على قوم على سبيل العقوبة، فهذا لا يدخل في الأصول.
تفاعل
[13] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.
وقفة
[13] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾إنابته إلى الله وانجذاب دواعي قلبه إلى الله وكونه قاصدًا وجهه تعالى سبب في هدايته.
وقفة
[13] من طرق التدبر: الاستدلال المركب من آيتين فأكثر، كهذا النموذج: في قوله تعالى: ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾، مع قوله: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان: 15]، مع العلم بأحوال الصحابة رضي الله عنهم، وشدة إنابتهم، دليل على أن قولهم حجة، خصوصًا الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.

الإعراب :

  • ﴿ شَرَعَ لَكُمْ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي الله سبحانه. لكم: جار ومجرور متعلق بشرع والميم علامة جمع الذكور المخاطبين وهم الناس.
  • ﴿ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى:
  • جار ومجرور متعلق بشرع. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وصى: تعرب إعراب «شرع» وعلامة بناء الفعل الفتحة المقدرة على الألف للتعذر وجملة «وصى» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ بِهِ نُوحاً:
  • جار ومجرور متعلق بمفعول «وصى».نوحا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ:
  • الواو عاطفة. الذي: معطوفة على «ما» وتعرب إعرابها. أوحى: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. إليك: جار ومجرور متعلق بأوحينا. وجملة أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.والعائد-الراجع-إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: والذي أوحيناه إليك. بمعنى: شرع الله لكم من الدين دين نوح ومحمد
  • ﴿ وَما وَصَّيْنا بِهِ:
  • معطوفة بالواو على الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» وتعرب إعرابها.أي شرع لكم من بين نوح ومحمد من الأنبياء.
  • ﴿ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف للعجمة و مُوسى وَعِيسى» معطوفان بواوي العطف على إِبْراهِيمَ» ويعربان إعرابه
  • ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ:
  • أن: حرف مصدري. أقيموا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الدين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة أَقِيمُوا الدِّينَ» صله «أن» المصدرية لا محل لها من الإعراب.و«أن» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل نصب بدل من مفعول «شرع» والمعطوفين عليه
  • ﴿ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تتفرقوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعد والألف فارقة. فيه: جار ومجرور متعلق بلا تتفرقوا.
  • ﴿ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. بمعنى: عظم. على المشركين: جار ومجرور متعلق بكبر وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.تدعو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل.والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. إليه: جار ومجرور متعلق بتدعوهم. وجملة تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. بمعنى: عظم على المشركين ما تدعوهم إليه من إقامة دين الله والتوحيد. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية والجملة بعدها صلتها لا محل لها من الإعراب. و «ما» وما بعدها:بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «كبر» التقدير: كبر دعوتك إياهم إلى هذا التوحيد وإقامة دين الله.
  • ﴿ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ:
  • الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.يجتبي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الله سبحانه. إليه:جار ومجرور متعلق بيجتبي. وجملة يَجْتَبِي إِلَيْهِ» في محل رفع خبر المبتدأ
  • ﴿ مَنْ يَشاءُ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.يشاء: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة يَشاءُ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ:
  • معطوفة بالواو على يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ» وتعرب إعرابها. بمعنى: يصطفي أو يختار لنفسه من ينفع فيهم توفيقه ويجري عليهم لطفه ويرشد إلى الحق من يعود وحذف مفعول «يشاء» وهو كثير الحذف أي من يشاء اجتباءه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ وحدةَ الوحي في أولِ السُّورةِ؛ ذكرَ هنا تفصيلَ ذلك؛ فدينُ الأنبياءِ واحدٌ وهو الإسلامُ، وإن اختلفتْ أحكامُ الشَّرائعِ، قال تعالى:
﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ ..

التفسير :

[14] وما تفرَّق المشركون بالله في أديانهم فصاروا شيعاً وأحزاباً إلا مِن بعدما جاءهم العلم وقامت الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد، ولولا كلمة سبقت من ربك -أيها الرسول- بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة، لقضي بينهم بتعجيل عذاب

لما أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم، ونهاهم عن التفرق، أخبرهم

أنكم لا تغتروا بما أنزل الله عليكم من الكتاب، فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع، ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم، وذلك كله بغيا وعدوانا منهم، فإنهم تباغضوا وتحاسدوا، وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة، فوقع الاختلاف، فاحذروا أيها المسلمون أن تكونوا مثلهم.

{ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أي:بتأخير العذاب القاضي{ إلى أجل مسمى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} ولكن حكمته وحلمه، اقتضى تأخير ذلك عنهم.{ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي:الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم ممن ينتسب إلى العلم منهم{ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} أي:لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف، حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا، فإن خلفهم اختلفوا شكا وارتيابا، والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم.

ثم بين- سبحانه- الأسباب التي أدت إلى اختلاف المختلفين في أمر الدين، وإلى تفرقهم شيعا وأحزابا فقال. وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.

والاستثناء مفرغ من أعم الأوقات والأحوال والضمير في قوله تَفَرَّقُوا يعود على كل الذين اختلفوا على أنبيائهم، وأعرضوا عن دعوتهم.

وقوله بَغْياً مفعول لأجله، مبين السبب الحقيقي للتفرق والاختلاف.

أى: وما تفرق المتفرقون في أمر الدين. وأعرضوا عما جاءتهم به رسلهم، في كل زمان ومكان، إلا من بعد أن علموا الحق، ووصل إليهم عن طريق أنبيائهم، ولم يحملهم على هذا التفرق والاختلاف إلا البغي الذي استولى على نفوسهم، والحسد لرسل الله- تعالى- على ما آتاهم الله من فضله.

فقوله- تعالى-: إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ زيادة في ذمهم، فإن الاختلاف بعد العلم، أدعى إلى الذم والتحقير، لأنه يدل على أن هذا الاختلاف لم يكن عن جهل، وإنما كان عن علم وإصرار على الباطل.

وقوله- تعالى- بَغْياً بَيْنَهُمْ زيادة أخرى تحمل كل عاقل على احتقارهم ونبذهم، لأن هذه الجملة الكريمة تدل على أن اختلافهم لم يكن من أجل الوصول إلى الحق، وإنما كان الدافع إليه، البغي والحسد والعناد.

أى: أن اختلافهم على أنبيائهم كان الدافع إليه الظلم وتجاوز الحد، والحرص على شهوات الدنيا ولذائذها، والخوف على ضياع شيء منها من بين أيديهم.

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله ورحمته بهذه الأمة فقال: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.

والمراد بهذه الكلمة: ما وعد الله- تعالى-: نبيه صلّى الله عليه وسلّم من أنه لن يهلك أمته بعذاب يستأصل شأفتهم، كما أهلك قوم نوح وغيرهم، ومن أنه- تعالى- سيؤخر عذابهم إلى الوقت الذي يختاره ويشاؤه- سبحانه-.

أى: ولولا كلمة سبقت من ربك- أيها الرسول الكريم-، بعدم إهلاكهم بعقوبة تستأصل شأفتهم، وبتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى في علمه- تعالى- لقضى بينهم بقطع دابرهم بسبب هذا الاختلاف الذي أدى بهم إلى الإعراض عن دعوتك، وإلى عكوفهم على كفرهم.

وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ وهم أهل الكتاب المعاصرين لك من اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِهِمْ أى: من بعد الذين سبقوهم في الاختلاف على أنبيائهم.

لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ أى: لفي شك من هذا القرآن. ومن كل ما جئتهم به من عند ربك، هذا الشك أوقعهم في الريبة وقلق النفس واضطرابها وتذبذبها، ولذلك لم يؤمنوا بما جئتهم به من عند ربك.

( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ) أي : إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم ، وقيام الحجة عليهم ، وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد والمشاقة .

ثم قال [ الله ] تعالى : ( ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ) أي : لولا الكلمة السابقة من الله بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد ، لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعا .

وقوله : ( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم ) يعني : الجيل المتأخر بعد القرن الأول المكذب للحق ( لفي شك منه مريب ) أي : ليسوا على يقين من أمرهم ، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم ، بلا دليل ولا برهان ، وهم في حيرة من أمرهم ، وشك مريب ، وشقاق بعيد .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)

يقول تعالى ذكره: وما تفرّق المشركون بالله في أديانهم فصاروا أحزابا, إلا من بعد ما جاءهم العلم, بأن الذي أمرهم الله به, وبعث به نوحا, هو إقامة الدين الحقّ, وأن لا تتفرّقوا فيه.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ) فقال: إياكم والفرقة فإنها هلكة ( بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) يقول: بغيا من بعضكم على بعض وحسدا وعداوة على طلب الدنيا.( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول جلّ ثناؤه: ولولا قول سبق يا محمد من ربك لا يعاجلهم بالعذاب, ولكنه أخر ذلك إلى أجل مسمى, وذلك الأجل المسمى فيما ذُكر: يوم القيامة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) قال: يوم القيامة.

وقوله: ( لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) يقول: لفرغ ربك من الحكم بين هؤلاء المختلفين في الحق الذي بعث به نبيه نوحا من بعد علمهم به, بإهلاكه أهل الباطل منهم, وإظهاره أهل الحقّ عليهم.

وقوله: ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) يقول: وإن الذين أتاهم الله من بعد هؤلاء المختلفين في الحقّ كتابه التوراة والإنجيل.( لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) يقول: لفي شكّ من الدين الذين وصّى الله به نوحا, وأوحاه إليك يا محمد, وأمركما بإقامته مريب.

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) قال: اليهود والنصارى.

التدبر :

وقفة
[14] ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ لما أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم، ونهاهم عن التفرق، أخبرهم أنكم لا تغتروا بما أنزل الله عليكم من الكتاب؛ فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع.
وقفة
[14] ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم﴾ العلم سبب للاجتماع، لكنه لأهل الباطل فرقة.
وقفة
[14] ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ لم يتفرقوا لقصور في العلم، وإنما حين طلبوا الرياسة وتشاجروا على أودية الدنيا.
وقفة
[14] ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ بغيًا من بعضهم على بعض طلبًا للرياسة؛ فليس تفرقهم لقصور في البيان والحجج، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا.
عمل
[14] ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ لا تغتر بأنك مسلم أو أن الله آتاك القرآن! فقد حدث ذلك لغيرك، فاختلفوا فمنهم من اهتدى، ومنهم من غوى.
وقفة
[14] ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ أبغض الاختلاف ما كان بعد علم؛ لأن العلم في هذه الحالة حُجَّة على صاحبه.
وقفة
[14] ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ اختلافهم لم يكن من أجل الوصول إلى الحق، بل الدافع إليه البغي والحسد والعناد.
وقفة
[14] ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هذه الكلمة التي سبقت كانت بتأخير الحساب والعذاب إلى الآخرة، وعدم تعجيله في الدنيا.
وقفة
[14] ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ قال مجاهد: «معنى (من بعدهم): من قبلهم، يعني من قبل مشركي مكة، وهم اليهود والنصارى».
وقفة
[14] ما دلالة إسناد الفعل للمجهول أو للمعلوم فى قوله تعالى: (أورثوا الكتاب) و(أورثنا الكتاب)؟ عمومًا رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه، وما فيه ذم فنسبه للمجهول ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾، أما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: 32] هذا مدح، كما يستعمل القرآن الكريم (أوتوا الكتاب) في مقام الذم، ويستعمل (آتيناهم الكتاب) في مقام المدح.

الإعراب :

  • ﴿ وَما تَفَرَّقُوا:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. تفرقوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. اي وما تفرق اهل الكتاب بعد انبيائهم.
  • ﴿ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما:
  • أداة حصر لا عمل لها. من بعد: جار ومجرور متعلق بتفرقوا. ما مصدرية.
  • ﴿ جاءَهُمُ الْعِلْمُ:
  • الجملة: صلة «ما» لا محل لها من الاعراب. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. العلم: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة و «ما» المصدرية وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة بمعنى إلا من بعد العلم بمبعث الرسول.
  • ﴿ بَغْياً:
  • مصدر في موضع المفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ بَيْنَهُمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق ببغيا وهو مضاف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة
  • ﴿ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ:
  • اعربت في الآية العاشرة بعد المائة من سورة «هود» و إِلى أَجَلٍ» جار ومجرور متعلق بسبقت. مسمى: صفة-نعت-لأجل مجرورة وعلامة جرها الكسرة المقدرة للتعذر على الالف قبل تنوينها ونونت لأنها اسم مقصور خماسي نكرة.
  • ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ:
  • الواو: عاطفة. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها.
  • ﴿ أُورِثُوا الْكِتابَ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. أورثوا:فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة. الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ مِنْ بَعْدِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بأورثوا. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ:
  • اللام: لام التوكيد-المزحلقة-في شك: جار ومجرور متعلق بخبر «إن».منه: جار ومجرور متعلق بشك. مريب: صفة -نعت-لشك مجرورة مثلها بمعنى لفي ارتياب منه من كتابهم لا يؤمنون به حق الايمان'

المتشابهات :

آل عمران: 19﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
الشورى: 14﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
الجاثية: 17﴿وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
يونس: 93﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ اللهُ باجتِماعِ المُسلِمينَ على دينِهم، ونهاهم عن التَّفَرُّقِ؛ بَيَّنَ هنا سببَ التَّفرقِ، وهو البغيُ والظُّلمُ، قال تعالى:
﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أورثوا:
وقرئ:
ورثوا، مبنيا للمفعول، مشدد الراء، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [15] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ..

التفسير :

[15] فإلى ذلك الدين القيِّم الذي شرعه الله للأنبياء ووصَّاهم به، فادع -أيها الرسول- عباد الله، واستقم كما أمرك الله، ولا تتبع أهواء الذين شكُّوا في الحق وانحرفوا عن الدين، وقل:صدَّقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء، وأمرني ربي أن أعدل بينكم في

{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ} أي:فللدين القويم والصراط المستقيم، الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، فادع إليه أمتك وحضهم عليه، وجاهد عليه، من لم يقبله،{ وَاسْتَقِمْ} بنفسك{ كَمَا أُمِرْتَ} أي:استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك، فأمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك.

ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له.

{ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} أي:أهواء المنحرفين عن الدين، من الكفرة والمنافقين إما باتباعهم على بعض دينهم، أو بترك الدعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة، فإنك إن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين، ولم يقل:"ولا تتبع دينهم"لأن حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم، هو دين الرسل كلهم، ولكنهم لم يتبعوه، بل اتبعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا.

{ وَقُلْ} لهم عند جدالهم ومناظرتهم:{ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} أي:لتكن مناظرتك لهم مبنية على هذا الأصل العظيم، الدال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته على سائر الأديان، وأن الدين الذي يزعم أهل الكتاب أنهم عليه جزء من الإسلام، وفي هذا إرشاد إلى أن أهل الكتاب إن ناظروا مناظرة مبنية على الإيمان ببعض الكتب، أو ببعض الرسل دون غيره، فلا يسلم لهم ذلك، لأن الكتاب الذي يدعون إليه، والرسول الذي ينتسبون إليه، من شرطه أن يكون مصدقا بهذا القرآن وبمن جاء به، فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا إلا بالإيمان بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل، التي أخبر بها وصدق بها، وأخبر أنها مصدقة له ومقرة بصحته.

وأما مجرد التوراة والإنجيل، وموسى وعيسى، الذين لم يوصفوا لنا، ولم يوافقوا لكتابنا، فلم يأمرنا بالإيمان بهم.

وقوله:{ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أي:في الحكم فيما اختلفتم فيه، فلا تمنعني عداوتكم وبغضكم، يا أهل الكتاب من العدل بينكم، ومن العدل في الحكم، بين أهل الأقوال المختلفة، من أهل الكتاب وغيرهم، أن يقبل ما معهم من الحق، ويرد ما معهم من الباطل،{ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} أي:هو رب الجميع، لستم بأحق به منا.{ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} من خير وشر{ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي:بعد ما تبينت الحقائق، واتضح الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لم يبق للجدال والمنازعة محل، لأن المقصود من الجدال، إنما هو بيان الحق من الباطل، ليهتدي الراشد، ولتقوم الحجة على الغاوي، وليس المراد بهذا أن أهل الكتاب لا يجادلون، كيف والله يقول:{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وإنما المراد ما ذكرنا.

{ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} يوم القيامة، فيجزي كلا بعمله، ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب.

ثم حض- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم على المضي في دعوته فقال: فَلِذلِكَ فَادْعُ.

واسم الإشارة يعود إلى ما سبق الحديث عنه من ذم التفرق، ومن الأمر بإقامة الدين، أى: فلأجل ما أمرناك به من دعوة الناس إلى إقامة الدين وإلى النهى عن الاختلاف والتفرق، من أجل ذلك فادع الناس إلى الحق الذي بعثناك به، وإلى جمعهم على كلمة التوحيد، التي تجعلهم يعيشون حياتهم آمنين مطمئنين.

وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أى: واستقم على الصراط الذي كلفناك بالسير على نهجه، والزم المنهج القويم الذي أمرناك بالتزامه.

وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ أى: ولا تتبع شيئا من أهواء هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.

وَقُلْ لهم بكل ثبات وقوة آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ أى: آمنت بكل ما أنزله- تعالى- من كتب سماوية. فالمراد بالكتاب: جنسه.

وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ أى: وأمرنى ربي أن أعدل بينكم في الحكم عند رفع قضاياكم إليّ، فإن العدل شريعة الله تعالى.

اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ أى: الله- تعالى- وحده هو الخالق لنا ولكم، وهو المنعم علينا وعليكم بالنعم التي لا تحصى.

لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ أى: لنا أعمالنا التي سيحاسبنا الله عليها يوم القيامة، ولكم أنتم أعمالكم التي ستحاسبون عليها، فنحن لا نسأل عن أعمالكم وأنتم لا تسألون عن أعمالنا.

لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ أى: لا احتجاج ولا خصومة بيننا وبينكم، لأن الحق قد ظهر، فلم يبق للجدال أو الخصام حاجة بيننا وبينكم.

اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أى. الله- تعالى- يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة، وإليه وحده، مصيرنا ومصيركم، وسيجازى كل فريق منا ومنكم بما يستحقه من جزاء.

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على عشر جمل، هذه الجمل الكريمة قد جاءت بأسمى ألوان الدعوة إلى الله- تعالى- بالحكمة والموعظة الحسنة.

شتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات ، كل منها منفصلة عن التي قبلها ، [ لها ] حكم برأسه - قالوا : ولا نظير لها سوى آية الكرسي ، فإنها أيضا عشرة فصول كهذه .

قوله ( فلذلك فادع ) أي : فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم ، فادع الناس إليه .

وقوله : ( واستقم كما أمرت ) أي : واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله ، كما أمركم الله عز وجل .

وقوله : ( ولا تتبع أهواءهم ) يعني : المشركين فيما اختلقوه ، وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان .

وقوله : ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ) أي : صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء لا نفرق بين أحد منهم .

وقوله : ( وأمرت لأعدل بينكم ) أي : في الحكم كما أمرني الله .

وقوله : ( الله ربنا وربكم ) أي : هو المعبود ، لا إله غيره ، فنحن نقر بذلك اختيارا ، وأنتم وإن لم تفعلوه اختيارا ، فله يسجد من في العالمين طوعا واختيارا .

وقوله : ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) أي : نحن برآء منكم ، كما قال تعالى : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ] .

وقوله : ( لا حجة بيننا وبينكم ) قال مجاهد : أي لا خصومة . قال السدي : وذلك قبل نزول آية السيف . وهذا متجه لأن هذه الآية مكية ، وآية السيف بعد الهجرة .

وقوله : ( الله يجمع بيننا ) أي : يوم القيامة ، كقوله : ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ) [ سبأ : 26 ] .

وقوله : ( وإليه المصير ) أي : المرجع والمآب يوم الحساب .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)

يقول تعالى ذكره: فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم, ووصّى به نوحا, وأوحاه إليك يا محمد, فادع عباد الله, واستقم على العمل به, ولا تزغ عنه, واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة. وقيل: فلذلك فادع, والمعنى: فإلى ذلك, فوضعت اللام موضع إلى, كما قيل: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا وقد بيَّنا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا.

وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك, في قوله: ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ ) إلى معنى هذا, ويقول: معنى الكلام: فإلى هذا القرآن فادع واستقم. والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه, غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام, لأنه في سياق خبر الله جلّ ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بإقامته, ولم يأت من الكلام ما يدلّ على انصرافه عنه إلى غيره.

وقوله: ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكُّوا في الحقّ الذي شرعه الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم, فتشك فيه, كالذي شكوا فيه.

يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: صدّقت بما أنـزل الله من كتاب كائنا ما كان ذلك الكتاب, توراة كان أو إنجيلا أو زبورا أو صحف إبراهيم, لا أكذب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب, وتصديقكم ببعض.

وقوله: ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب, فأسير فيكم جميعا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه.

كالذي حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) قال: أمر نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعدل, فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه. والعدل ميزان الله في الأرض, به يأخذ للمظلوم من الظالم, وللضعيف من الشديد, وبالعدل يصدّق الله الصادق, ويكذّب الكاذب, وبالعدل يردّ المعتدي ويوبخه.

ذكر لنا أن نبي الله داود عليه السلام: كان يقول: ثلاث من كن فيه أعجبني جدا: القصد في الفاقة والغنى, والعدل في الرضا والغضب, والخشية في السر والعلانية; وثلاث من كن فيه أهلكه: شح مطاع, وهوى متبع, وإعجاب المرء بنفسه. وأربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: لسان ذاكر, وقلب شاكر, وبدن صابر, وزوجة مؤمنة.

واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله: ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) فقال بعض نحويي البصرة: معناها: كي, وأمرت كي أعدل; وقال غيره: معنى الكلام: وأمرت بالعدل, والأمر واقع على ما بعده, وليست اللام التي في لأعدل بشرط; قال: ( وَأُمِرْتُ ) تقع على " أن " وعلى " كي" واللام أمرت أن أعبد, وكي أعبد, ولأعبد. قال: وكذلك كلّ من طالب الاستقبال, ففيه هذه الأوجه الثلاثة.

والصواب من القول في ذلك عندي أن الأمر عامل في معنى لأعدل, لأن معناه: وأمرت بالعدل بينكم.

وقوله: ( اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ) يقول: الله مالكنا ومالكم معشر الأحزاب ما أهل الكتابين التوراة والإنجيل.

يقول: لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال, ولكم ثواب ما اكتسبتم منها.

وقوله: ( لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ) يقول: لا خصومة بيننا وبينكم. كما:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; والحارث, قال: ثنا الحسن, قال ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم ) قال: لا خصومة.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله عز وجل: ( لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ) لا خصومة بيننا وبينكم, وقرأ: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .... إلى آخر الآية.

وقوله: ( اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ) يقول: الله يجمع بيننا يوم القيامة, فيقضي بيننا بالحقّ فيما اختلفنا فيه.( وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) يقول: وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا.

التدبر :

وقفة
[15] اشتملت هذه الآية على عشر كلمات مستقلات كل منها منفصلة عن التي قبلها بحكم، ولا نظير لها سوى آية الكرسي.
عمل
[15] ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ﴾ ادعُ صديقًا أو قريبًا إلى عبادةٍ أو سُنَّةٍ أنت تعملُها.
وقفة
[15] ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ لا بد مع الدعوة من استقامة، ومع الأمر بالمعروف من امتثال للأمر، ومع النهي عن المنكر من اجتناب له.
وقفة
[15] ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ حتي النبي ﷺ مأمورٌ أن يعبد بما (أُمر)، لا بما (رأي)، فكيف بغيره من البشر.
وقفة
[15] ﴿فلذلك فادع واستقم كما أمرت﴾ وليس: (كما رغبت)، أو كما قال به أدعياء التحضر والانفتاح ومن والاهم.
وقفة
[15] ﴿فَلِذلِكَ فَادعُ وَاستَقِم كَما أُمِرتَ﴾ من أساسيات الدعوة أن يكون الداعى قدوة لغيره فعليًّا قبل التلفظ بأوامر ونواهى لا يمتثلها.
وقفة
[15] ﴿فَلِذلِكَ فَادعُ وَاستَقِم كَما أُمِرتَ﴾ من أساسيات الدعوة أن يكون الداعى قدوة لغيره فعليًّا قبل التلفظ بأوامر ونواهى لا يمتثلها.
وقفة
[15] ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ اتباع الهوى سبيل التشرذم والتفرق والاختلاف، والتمسك بالدين أصل الائتلاف.
وقفة
[15] ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ إما أن تكون مستقيمًا على أمر مولاك، أو تكون متبعًا لهواك.
وقفة
[15] ﴿فلذلك فادعُ واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما نزل الله وأمرت لأعدل بينكم﴾ منهج حياة أفلح من عاش به.
وقفة
[15] ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ من مقومات القائد الناجح: 1- استمرارية الدعوة (فَادْعُ). 2- الاستقامة (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ). 3- العدل (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ).
وقفة
[15] الدين كله في هذه الآية: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾.
وقفة
[15] ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ إما الاستقامة على أمر الله تعالى، وإلا فهو اتباع للأهواء.
وقفة
[15] ﴿واستقم كما أمرت ولا تتّبع أهواءهم﴾ من ترك طريق الاستقامة؛ فسيكون أسيرًا لهواه.
وقفة
[15] من مقومات نجاح الدعوة إلى الله: صحة المبدأ، والاستقامة عليه، والبعد عن اتباع الأهواء، والعدل والتركيز على المشترك، وترك الجدال العقيم، والتذكير بالمصير المشترك ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.
لمسة
[15] ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ ولم يقل: (ولا تتبع دينهم)؛ لأن حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم هو دين الرسل كلهم، ولكنهم لم يتبعوه، بل اتبعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا.
وقفة
[15] ﴿ولا تتبع أهواءهم﴾ كل بدعة هوى.
عمل
[15] انظر بدعة أو معصية انتشرت فيمن حولك وابتعد عنها، وحذر منها ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.
عمل
[15] قل هذه العبارة اتباعًا لأوامر الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِن كِتَابٍ﴾.
وقفة
[15] ‏نزل القرآن لإقامة الدين وإصلاح الدنيا، ولا يُطلب عدل كعدله ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾.
وقفة
[15]‏ ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ قال ابن عاشور: «وفي هذه الآية مع كونها نازلة في مكة في زمن ضعف المسلمين إعجاز بالغيب يدل على أن الرسول ﷺ سيكون له الحكم على يهود بلاد العرب، مثل أهل خيبر وتيماء وقريظة والنضير وبني قينقاع، وقد عدل فيهم، وأقرَّهم على أمرهم، حتى ظاهروا عليه الأحزاب».
وقفة
[15] ثلاث آيات في سورة الشورى لو فقهتها الأمة لأفلحت: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ﴾ [10]، ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ [38].
وقفة
[15] الحمد لله على ﴿اللَّـهُ رَبُّنَا﴾.
وقفة
[15] ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ ليست هذه دعوة لعدم النقاش والجدال الحسن، لكن إذا وضحت الحجج مع خصمك وقامت البراهين، ولم يبق إلا العناد والمكابرة، فبعدهما لا حجة ولا جدال.
وقفة
[15] حين يكون الجدل عقيمًا؛ فالشرع يأمر بالإعراض عنه ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَلِذلِكَ:
  • الفاء استئنافية. اللام حرف جر. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر باللام اللام للبعد والكاف للخطاب. اي فلأجل التفرق ولما حدث بسببه. وقيل يجوز أن تكون اللام بمعنى «الى» او على معنى للذي اوحاه الله اليك من ترك التفرق في اقامة الدين ولما حدث بسببه. او على معنى فإلى ذلك الذي تقدم.
  • ﴿ فَادْعُ:
  • الفاء: سببية. ادع: فعل امر مبني على حذف آخره الواو-حرف العلة-الذي بقيت الضمة دالة عليه. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. والمخاطب الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم).
  • ﴿ وَاسْتَقِمْ:
  • معطوفة بالواو على «ادع» وتعرب اعرابها. وعلامة بنائه السكون وحذفت الياء منه تخفيفا ولالتقاء الساكنين. بمعنى: فادع يا محمد الى الاتفاق او الدعوة واستقم على الدعوة.
  • ﴿ كَما:
  • الكاف: اسم مبني على الفتح في محل نصب نائب مفعول مطلق. ما:مصدرية لا محل لها من الاعراب. او تكون الكاف حرف جر وتشبيه.و«ما» اسما موصولا مبنيا على السكون في محل جر بالكاف.
  • ﴿ أُمِرْتَ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطب-في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ وَلا تَتَّبِعْ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تتبع: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا: انت.
  • ﴿ أَهْواءَهُمْ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة. اي أهواءهم الباطلة.
  • ﴿ وَقُلْ:
  • الواو عاطفة. قل: فعل امر مبني على السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول- آمنت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك.والتاء ضمير متصل-ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع فاعل. بما: الباء حرف جر. «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بحرف الجر. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. الله: لفظ‍ الجلالة فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة أَنْزَلَ اللهُ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: بما انزله الله والجار والمجرور متعلق بآمنت.
  • ﴿ مِنْ كِتابٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة للموصول «ما» التقدير: بما انزله حالة كونه من الكتب و «من» حرف جر بياني. والمعنى: بأي كتاب صح أن الله انزله: اي الايمان بجميع الكتب.
  • ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ:
  • معطوفة بالواو على «آمنت» وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل. اللام لام التعليل وهي حرف جر. أعدل: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأمرت.والجار والمجرور في محل نصب مفعول لأجله لأنه بتأويل مصدر ولكونه مذكورا للتعليل. وجملة «أعدل» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الإعراب.أي في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلي.
  • ﴿ بَيْنَكُمُ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بأعدل وهو مضاف والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور
  • ﴿ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ:
  • الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. رب:خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل جر بالإضافة. وربكم: معطوف بالواو على «ربنا» مرفوع مثله بالضمة. و «كم» أعربت في «بينكم».
  • ﴿ لَنا أَعْمالُنا:
  • جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. أعمال: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. و «نا» أعربت في «ربنا».
  • ﴿ وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ:
  • الواو عاطفة. وما بعدها معطوف على لَنا أَعْمالُنا» ويعرب إعرابه. والميم في «لكم» علامة جمع الذكور و «كم» في «أعمالكم» أعربت في «بينكم» بمعنى: ولنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم. فحذف المضاف المرفوع وأقيم المضاف إليه مقامه.
  • ﴿ لا حُجَّةَ بَيْنَنا:
  • لا: نافية للجنس تعمل عمل «إنّ».حجة: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بخبر «لا» و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَبَيْنَكُمُ:
  • معطوفة بالواو على «بيننا» وتعرب إعرابها. و «كم» أعربت.بمعنى: لا إيراد حجة أي لا محل خصومة بيننا وبينكم بعد ظهور الحق.
  • ﴿ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا:
  • الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.يجمع: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. بيننا: أعربت وهي متعلقة بيجمع. وجملة يَجْمَعُ بَيْنَنا» في محل رفع خبر لفظ‍ الجلالة. أي يجمع بيننا يوم القيامة فيفصل بيننا.
  • ﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ:
  • الواو عاطفة. إليه: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.المصير: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

المائدة: 48﴿فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ
المائدة: 49﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ
الشورى: 15﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ أن دينَ الأنبياءِ واحدٌ وهو الإسلامُ؛ أمَرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يمضي في طريق الدعوة إلى هذا الدين، قال تعالى:
﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف