ترتيب المصحف | 45 | ترتيب النزول | 65 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 3.50 |
عدد الآيات | 37 | عدد الأجزاء | 0.16 |
عدد الأحزاب | 0.33 | عدد الأرباع | 1.30 |
ترتيب الطول | 46 | تبدأ في الجزء | 25 |
تنتهي في الجزء | 25 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 26/29 | الحواميم: 6/7 |
لمَّا عَلَّمَ عبادَه أدلَّةَ التَّوحيدِ والقدرةِ، أتبعَ ذلك بتعليمِ الأخلاقِ، فأمرَ المؤمنينَ بالعفو عن الكفارِ، وبَيَّنَ أن العملَ الصالحَ أو الفاسدَ يعودُ أثرُه على صاحبِه، ثُمَّ تذكيرُ بني إسرائيلَ بنعمِ اللَّهِ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ ذكرِ نعمِ اللَّهِ على بني إسرائيلَ، ذكرَ هنا النِّعمةَ العظمى على الإنسانيةِ وهي الشريعةُ الإسلاميةُ، ثُمَّ بَيَّنَ فضلَ القرآنِ، والتفاوتَ بين الكافرِ والمؤمنِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
يأمر تعالى عباده المؤمنين بحسن الخلق والصبر على أذية المشركين به، الذين لا يرجون أيام الله أي:لا يرجون ثوابه ولا يخافون وقائعه في العاصين فإنه تعالى سيجزي كل قوم بما كانوا يكسبون. فأنتم يا معشر المؤمنين يجزيكم على إيمانكم وصفحكم وصبركم، ثوابا جزيلا.
ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يحض المؤمنين على التجاوز والصفح، عما يصدر من المشركين من كلمات بذيئة، ومن أفعال قبيحة، حتى يأتى الله بأمره.. فقال- تعالى-:
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما روى عن ابن عباس أنها نزلت في عمر بن الخطاب، شتمه مشرك بمكة قبل الهجرة فهمّ أن يبطش به، فنزلت .
ومقول القول محذوف لأن الجواب دال عليه. والرجاء هنا: بمعنى الخوف. والمراد بأيام الله: وقائعه بأعدائه.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لأتباعك المؤمنين، على سبيل النصح والإرشاد، قل لهم: اغفروا يغفروا للمشركين الذين لا يخافون من وقائع الله ونقمته بأعدائه، ولا يتوقعون أن هناك عذابا شديدا سينتظرهم، وأن هناك ثوابا عظيما سينتظر المؤمنين.
فالآية الكريمة توجيه حكيم للمؤمنين إلى التسامح والصبر على كيد أعدائهم، حتى يأتى الله- تعالى- بأمره، الذي فيه النصر للمؤمنين، والخسران للكافرين.
وقوله- سبحانه-: لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ علة للأمر بالصفح والمغفرة، وهو متعلق بما قبله، والمراد بالقوم: المؤمنون الذين أمروا بالتسامح والعفو.. والتنكير في لفظ قَوْماً للتعظيم.
أى: أمر الله المؤمنين بذلك، ليجزيهم يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الصالحة، التي منها الصبر على أذى أعدائهم، والإغضاء عنهم، واحتمال المكروه منهم.
قال صاحب الكشاف: قوله: لِيَجْزِيَ قَوْماً تعليل للأمر بالمغفرة أى إنما أمروا بأن يغفروا، لما أراده الله من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة.
فإن قلت: قوله: قَوْماً ما وجه تنكيره، وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف؟
قلت: هو مدح لهم وثناء عليهم، كأنه قيل: ليجزي أيما قوم. أو قوما مخصوصين، لصبرهم وإغضائهم على أعدائهم من الكفار، وعلى ما كانوا يجرعونهم من الغصص .
وقوله : ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) أي : يصفحوا عنهم ويحملوا الأذى منهم . وهذا كان في ابتداء الإسلام ، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ؛ ليكون ذلك لتأليف قلوبهم ، ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد . هكذا روي عن ابن عباس ، وقتادة .
وقال مجاهد [ في قوله ] ( لا يرجون أيام الله ) لا يبالون نعم الله .
وقوله : ( ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ) أي : إذا صفحوا عنهم في الدنيا ، فإن الله مجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة ;
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للذين صدّقوا الله واتبعوك, يغفروا للذين لا يخافون بأس الله ووقائعه ونقمه إذا هم نالوهم بالأذى والمكروه ( لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يقول: ليجزي الله هؤلاء الذين يؤذونهم من المشركين في الآخرة, فيصيبهم عذابه بما كانوا فى الدنيا يكسبون من الإثم, ثم بأذاهم أهل الإيمان بالله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه, وكانوا يستهزئون به, ويكذّبونه, فأمره الله عزّ وجلّ أن يقاتل المشركين كافَّة, فكان هذا من المنسوخ.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله ( لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) قال: لا يُبالون نِعم الله, أو نِقم الله.
حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) قال: لا يُبالون نِعم الله. وهذه الآية منسوخة بأمر الله بقتال المشركين. وإنما قُلنا: هي منسوخة لإجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك.
* ذكر من قال ذلك:
وقد ذكرنا الرواية في ذلك عن ابن عباس، حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة في قوله ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) قال: نسختها ما في الأنفال فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وفي براءة قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) قال: نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ .
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) قال: هذا منسوخ, أمر الله بقتالهم في سورة براءة.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, قال: ثنا عنبسة عمن ذكره عن أبي صالح ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) قال: نسختها التي في الحج أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا .
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) قال: هؤلاء المشركون, قال: وقد نسخ هذا وفرض جهادهم والغلظة عليهم.
وجزم قوله (يَغْفِرُوا) تشبيها له بالجزاء والشرط وليس به, ولكن لظهوره في الكلام على مثاله, فعرّب تعريبه, وقد مضى البيان عنه قبل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( لِيَجْزِيَ قَوْمًا ) فقرأه بعض قرّاء المدينة والبصرة والكوفة: (لِيَجْزِي) بالياء على وجه الخبر عن الله أنه يجزيهم ويثيبهم وقرأ ذلك بعض عامة قرّاء الكوفيين " لنجزي" بالنون على وجه الخبر من الله عن نفسه. وذُكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه ( لِيُجْزَى قَوْمًا ) على مذهب ما لم يسمّ فاعله, وهو على مذهب كلام العرب لحن، (1) إلا أن يكون أراد: ليجزي الجزاء قوما, بإضمار الجزاء, وجعله مرفوعا( لِيُجْزِي ) فيكون وجها من القراءة, وإن كان بعيدا (2) .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن قراءته بالياء والنون على ما ذكرت من قراءة الأمصار جائزة بأيّ تينك القراءتين قرأ القارئ. فأما قراءته على ما ذكرت عن أبي جعفر, فغير (3) جائزة عندي لمعنيين: أحدهما: أنه خلاف لما عليه الحجة من القرّاء, وغير جائز عندي خلاف ما جاءت به مستفيضا فيهم. والثاني بعدها من الصحة فى العربية إلا على استكراه الكلام على غير المعروف من وجهه.
------------------------
الهوامش:
(1) ليس كلام العرب حجة على القراءة ولكن القراءة حجة على كلامهم.
(2) يجوز أن يكون الفاعل نائب فاعل هو قوله تعالى (بما كانوا يكسبون).
(3) قوله: فغير جائزة، هذا خطأ لأن القراءة عشرية صحيحة متواترة في قوة السبعة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 129 | ﴿وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
الأعراف: 96 | ﴿وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
التوبة: 82 | ﴿فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
التوبة: 95 | ﴿فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
يونس: 8 | ﴿أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
يس: 65 | ﴿ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
فصلت: 17 | ﴿فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
الجاثية: 14 | ﴿قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ليجزى:
1- بالياء، مبنيا للفاعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنون، وهى قراءة زيد بن على، وأبى عبد الرحمن، والأعمش، وأبى علية، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
3- بالياء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة شيبة، وأبى جعفر، بخلاف عنه.
التفسير :
وهم إن استمروا على تكذيبهم فلا يحل بكمما حل بهم من العذاب الشديد والخزي ولهذا قال:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
ثم عقب- سبحانه- على ذلك بما يؤكد عدالة الجزاء، واحتمال كل نفس لما تعمله فقال:
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها.
أى: من عمل عملا صالحا، فثواب هذا العمل يعود إلى نفسه، ومن عمل عملا سيئا فعقاب هذا العمل يعود عليها- أيضا-.
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ يوم القيامة فترون ذلك رأى العين، وتشاهدون أن كل إنسان سوف يجازى على حسب عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعم الله- سبحانه- على بنى إسرائيل، وعن موقفهم منها، وأمرت النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتمسك بالشريعة التي أنزلها الله- سبحانه- عليه.. فقال:
ولهذا قال : ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ) أي : تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم [ عليه ] فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها .
القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
يقول تعالى ذكره: من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره, وانـزجر لنهيه, فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل, وطلب خلاصها من عذاب الله, أطاع ربه لا لغير ذلك, لأنه لا ينفع ذلك غيره, والله عن عمل كل عامل غنيّ( وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ) يقول: ومن أساء عمله في الدنيا بمعصيته فيها ربه, وخلافه فيها أمره ونهيه, فعلى نفسه جنى, لأنه أوبقها بذلك, وأكسبها به سخطه, ولم يضرّ أحدا سوى نفسه ( ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) يقول: ثم أنتم أيها الناس أجمعون إلى ربكم تصيرون من بعد مماتكم, فيجازى المحسن منكم بإحسانه, والمسيء بإساءته, فمن ورد عليه منكم بعمل صالح, جوزي من الثواب صالحا, ومن ورد عليه منكم بعمل سيئ جوزي من الثواب سيئا.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
فصلت: 46 | ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ |
---|
الجاثية: 15 | ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:ولقد أنعمنا على بني إسرائيل نعما لم تحصل لغيرهم من الناس، وآتيناهم{ الكتاب} أي:التوراة والإنجيل{ والحكم} بين الناس{ والنبوة} التي امتازوا بها وصارت النبوة في ذرية إبراهيم عليه السلام، أكثرهم من بني إسرائيل،{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} من المآكل والمشارب والملابس وإنزال المن والسلوى عليهم{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي:على الخلق بهذه النعم ويخرج من هذا العموم اللفظي هذه الأمة فإنهم خير أمة أخرجت للناس.
والسياق يدل على أن المراد غير هذه الأمة فإن الله يقص علينا ما امتن به على بني إسرائيل وميزهم عن غيرهم، وأيضا فإن الفضائل التي فاق بها بنو إسرائيل من الكتاب والحكم والنبوة وغيرها من النعوت قد حصلت كلها لهذه الأمة، وزادت عليهم هذه الأمة فضائل كثيرة فهذه الشريعة شريعة بني إسرائيل جزء منها، فإن هذا الكتاب مهيمن على سائر الكتب السابقة، ومحمد صلى الله عليه وسلم مصدق لجميع المرسلين.
والمراد بإسرائيل: يعقوب- عليه السلام- وببنيه: ذريته من بعده. والمراد بالكتاب:
التوراة- أو جنس الكتاب فيشمل التوراة والإنجيل والزبور.
أى: والله لقد أعطينا بنى إسرائيل الْكِتابَ ليكون هداية لهم، وآتيناهم- أيضا- الْحُكْمَ أى: الفقه والفهم للأحكام حتى يتمكنوا من القضاء بين الناس، وأعطيناهم كذلك النُّبُوَّةَ بأن جعلنا عددا كبيرا من الأنبياء فيهم ومنهم.
وهكذا منحهم- سبحانه- نعما عظمى تتعلق بدينهم، أما النعم التي تتعلق بدنياهم فقد بينها- سبحانه- في قوله: وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أى: ورزقناهم من المطاعم والمشارب الطيبات التي جعلناها حلالا لهم.
وقوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ بيان لنعمة أخرى. وللمفسرين في معنى هذه الجملة اتجاهان: أحدهما: أن المقصود بها فضلناهم على العالمين بأمور معينة حيث جعلنا عددا من الأنبياء منهم، وأنزلنا المن والسلوى عليهم.
قال الآلوسى: قوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم من فلق البحر، وإضلال الغمام، ونظائرهما، فالمراد تفضيلهم على العالمين مطلقا من بعض الوجوه، لا من كلها، ولا من جهة المرتبة والثواب فلا ينافي ذلك تفضيل أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم عليهم من وجه آخر، ومن جهة المرتبة والثواب .
والثاني: أن المقصود بها: فضلناهم على عالمي زمانهم.
قال الإمام الرازي، ما ملخصه: فإن قيل إن تفضيلهم على العالمين، يقتضى تفضيلهم على أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم وهذا باطل، فكيف الجواب؟
قلنا: الجواب من وجوه أقربها إلى الصواب أن المراد: فضلتكم على عالمي زمانكم، وذلك لأن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك وهو الآن ليس بموجود، لم يكن من جملة العالمين حال عدمه، وأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم لم تكن موجودة في ذلك الوقت، فلا يلزم من كون بنى إسرائيل أفضل العالمين في ذلك الوقت، أنهم أفضل من الأمة الإسلامية. .
وقال الشيخ الشنقيطى ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.
ذكر- سبحانه- في هذه الآية أنه فضل بنى إسرائيل على العالمين، كما ذكر ذلك في آيات أخرى.. ولكن الله- تعالى- بين أن أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم خير من بنى إسرائيل، وأكرم على الله، كما صرح بذلك في قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.
فخير صيغة تفضيل، والآية نص صريح في أنهم خير من جميع الأمم، بنى إسرائيل وغيرهم.
ويؤيد ذلك من حديث معاوية بن حيدة القشيري، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في أمته: أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله، وقد رواه عنه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وهو حديث مشهور.
واعلم أن ما ذكرنا من كون الأمة الإسلامية أفضل من بنى إسرائيل وغيرهم، لا يعارض ما ورد من آيات في تفضيل بنى إسرائيل.
لأن ذلك التفضيل الوارد في بنى إسرائيل، ذكر فيهم حال عدم وجود أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم والمعدوم في حال عدمه ليس بشيء حتى يفضل على غيره، أو يفضل غيره عليه.
ولكنه- تعالى- بعد وجود الأمة الإسلامية صرح بأنها خير الأمم، فثبت أن كل ما جاء في القرآن من تفضيل بنى إسرائيل، إنما يراد به ذكر أحوال سابقة
وهذا الاتجاه الثاني هو الذي نرجحه، لأن المقصود بالآية الكريمة وأمثالها تذكير بنى إسرائيل المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم بنعم الله عليهم وعلى آبائهم، حتى يشكروه عليها.
ومن مظاهر هذا الشكر- بل على رأسه- إيمانهم بما جاءهم به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ولكن بنى إسرائيل لم يقابلوا تلك النعم بالشكر، بل قابلوها بالجحود والحسد للنبي صلّى الله عليه وسلّم على ما آتاه الله- تعالى- من فضله، فكانت نتيجة ذلك أن لعنهم الله وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
ولقد سبق أن قلنا عند تفسيرنا لقوله- تعالى- في سورة البقرة: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.
والعبرة التي نستخلصها من هذه الآية وأمثالها: أن الله- تعالى- فضل بنى إسرائيل على غيرهم من الأمم السابقة على الأمة الإسلامية، ومنحهم الكثير من النعم ولكنهم لم يقابلوا ذلك بالشكر.. فسلب الله عنهم ما حباهم به من نعم. ووصفهم في كتابه بنقض العهد، وقسوة القلب.
وهذا مصير كل أمة بدلت نعمة الله كفرا، لأن الميزان عند الله للتقوى والفعل الصالح، وليس للجنس أو اللون أو النسب .
يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال الرسل إليهم ، وجعله الملك فيهم ; ولهذا قال : ( ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات ) أي : من المآكل والمشارب ، ( وفضلناهم على العالمين ) أي : في زمانهم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)
يقول تعالى ذكره ( وَلَقَدْ آتَيْنَا ) يا محمد ( بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) يعني التوراة والإنجيل، (والحُكْمَ) يعني الفهم بالكتاب, والعلم بالسنن التي لم تنـزل فى الكتاب، ( وَالنُّبُوَّةَ ) يقول: وجعلنا منهم أنبياء ورسُلا إلى الخلق، ( وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) يقول: وأطعمناهم من طيبات أرزاقنا, وذلك ما أطعمهم من المنّ والسلوى ( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) يقول: وفضلناهم على عالمي أهل زمانهم في أيام فرعون وعهده في ناحيتهم بمصر والشام.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 93 | ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ |
---|
الإسراء: 70 | ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ |
---|
الجاثية: 16 | ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَآتَيْنَاهُمْ} أي:آتينا بني إسرائيل{ بَيِّنَاتٍ} أي:دلالات تبين الحق من الباطل{ مِنَ الْأَمْرِ} القدري الذي أوصله الله إليهم.
وتلك الآيات هي المعجزات التي رأوها على يد موسى عليه السلام، فهذه النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل تقتضي الحال أن يقوموا بها على أكمل الوجوه وأن يجتمعوا على الحق الذي بينه الله لهم، ولكن انعكس الأمر فعاملوها بعكس ما يجب.
وافترقوا فيما أمروا بالاجتماع به ولهذا قال:{ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} أي:الموجب لعدم الاختلاف، وإنما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض والظلم.
{ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيميز المحق من المبطل والذي حمله على الاختلاف الهوى أو غيره.
ثم بين- سبحانه- نعمة أخرى من النعم التي أنعم بها على بنى إسرائيل فقال:
وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ والبينات جمع بينة، وهي الدليل الواضح الصريح.
ومِنَ بمعنى في.
أى: وأعطيناهم- فضلا عن كل ما سبق- دلائل واضحة، وشرائع بينة تتعلق بأمر دينهم، بأن فصلنا لهم الحلال والحرام، والحسن والقبيح، والحق والباطل، فصاروا بذلك على علم تام بشريعتهم، بحيث لا يخفى عليهم شيء مما اشتملت عليه من أوامر أو نواه، أو حلال أو حرام.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة أن الله- تعالى- قد أعطاهم شريعة واضحة لا غموض فيها ولا التباس، ولا عوج فيها ولا انحراف.
بل إن شريعتهم قد أخبرتهم عن طريق رسلهم بمبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وبوجوب إيمانهم به عند ظهوره، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ .
ثم بين- سبحانه- الموقف القبيح الذي وقفه بنو إسرائيل من نعم الله عليهم فقال:
فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
والبغي: تجاوز الحق إلى الباطل في كل شيء. يقال بغت المرأة إذا أتت مالا يحل لها.
وبغى فلان على فلان إذا اعتدى عليه، ومنه قوله- تعالى-: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ.
والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أو الأوقات، وقوله: بَغْياً مفعول لأجله.
أى: أن بنى إسرائيل أنعمنا عليهم بتلك النعم الدينية والدنيوية، فما اختلفوا في أمور دينهم التي وضحناها لهم، إلا عن علم لا عن جهل، ولم يكن خلافهم في حال من الأحوال إلا من أجل البغي والحسد فيما بينهم، لا من أجل الوصول إلى الحق.
فأنت ترى أن الجملة الكريمة توبخ بنى إسرائيل توبيخا شديدا، لأنها بينت أن خلافهم لم يكن عن جهل، وإنما كان عن علم، والاختلاف بعد العلم بالحق أقبح وأشنع، وأن اختلافهم لم يكن من أجل الوصول إلى الحق، وإنما كان سببه البغي والحسد.
فهم قد اختلفوا في الحق مع علمهم به، لأن العلم كالمطر، لا تستفيد منه إلا الأرض الطيبة النقية، وكذلك لا يستفيد من العلم إلا أصحاب النفوس الصافية، والقلوب الواعية..
والنفوس عند ما يستولى عليها الهوى، تحول المقتضى إلى مانع.
ورحم الله الإمام الرازي فقد قال عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: والمقصود من هذه الجملة، التعجب من أحوالهم، لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف. وهاهنا صار مجيء العلم سببا لحصول الاختلاف، وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم، وإنما المقصود منه طلب الرياسة والبغي .
وقوله- تعالى-: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بيان لحكم الله العادل فيهم.
أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- يقضى بين هؤلاء المختلفين يوم القيامة، بقضائه العادل، بأن ينزل بهم العقاب الذي يستحقونه بسبب ما كانوا يختلفون فيه من أمر الدين، الذي جعل الله أحكامه واضحة لهم، ولا تحتمل الاختلاف أو التنازع.
( وآتيناهم بينات من الأمر ) أي : حججا وبراهين وأدلة قاطعات ، فقامت عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة ، وإنما كان ذلك بغيا منهم على بعضهم بعضا ، ( إن ربك ) يا محمد ( يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) أي : سيفصل بينهم بحكمه العدل . وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم ، وأن تقصد منهجهم ;
القول في تأويل قوله تعالى : وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
يقول تعالى ذكره: وأعطينا بني إسرائيل واضحات من أمرنا بتنـزيلنا إليهم التوراة فيها تفصيل كل شيء ( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) طلبا للرياسات, وتركا منهم لبيان الله تبارك وتعالى في تنـزيله.
وقوله ( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بغيا بينهم يوم القيامة, فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون بعد العلم الذي آتاهم, والبيان الذي جاءهم منه, فيفلج المحقّ حينئذ على المبطل بفصل الحكم بينهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 93 | ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ |
---|
النمل: 78 | ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ |
---|
الجاثية: 17 | ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:ثم شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير وتنهى عن كل شر من أمرنا الشرعي{ فَاتَّبِعْهَا} فإن في اتباعها السعادة الأبدية والصلاح والفلاح،{ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أي:الذين تكون أهويتهم غير تابعة للعلم ولا ماشية خلفه، وهم كل من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم هواه وإرادته فإنه من أهواء الذين لا يعلمون.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يتمسك بالدين الذي أوحاه إليه، فقال:ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها.
والشريعة في الأصل تطلق على المياه والأنهار التي يقصدها الناس للشرب منها، والمراد بها هنا: الدين والملة، لأن الناس يأخذون منهما ما تحيا به أرواحهم، كما يأخذون من المياه والأنهار ما تحيا به أبدانهم.
قال القرطبي: الشريعة في اللغة: المذهب والملة. ويقال لمشرعة الماء- وهي مورد الشاربة- شريعة. ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد. فالشريعة: ما شرع الله لعباده من الدين، والجمع الشرائع والشرائع في الدين المذاهب التي شرعها الله- تعالى- لخلقه .
أى: ثم جعلناك- أيها الرسول الكريم- على شريعة ثابتة، وسنة قويمة، وطريقة حميدة، من أمر الدين الذي أوحيناه إليك، فَاتَّبِعْها اتباعا تاما لا انحراف عنه وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ من أهل الكفر والضلال والجهل.
وقد ذكروا أن كفار قريش قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم ارجع إلى دين آبائك، فإنهم كانوا أفضل منك، فنزلت هذه الآية.
ولهذا قال : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ) أي : اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو ، وأعرض عن المشركين ،
القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ثم جعلناك يا محمد من بعد الذي آتينا بني إسرائيل, الذين وصفت لك صفتهم ( عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ ) يقول: على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا( فاتَّبِعْها ) يقول: فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لك ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) يقول: ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله, الذين لا يعرفون الحقّ من الباطل, فتعمل به, فتهلك إن عملت به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا ) قال: يقول على هدى من الأمر وبيِّنة.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا ) والشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي فاتبعها( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ).
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ ) قال: الشريعة: الدين. وقرأ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قال: فنوح أوّلهم وأنت آخرهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أي:لا ينفعونك عند الله فيحصلوا لك الخير ويدفعوا عنك الشر إن اتبعتهم على أهوائهم، ولا تصلح أن توافقهم وتواليهم فإنك وإياهم متباينون، وبعضهم ولي لبعض{ واللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} يخرجهم من الظلمات إلى النور بسبب تقواهم وعملهم بطاعته.
وقوله- سبحانه-: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً تعليل للنهى عن اتباع أهوائهم.
أى: إنك- أيها الرسول الكريم- إن اتبعت أهواء هؤلاء الضالين، صرت مستحقا لمؤاخذتنا، ولن يستطيع هؤلاء أو غيرهم، أن يدفع عنك شيئا مما أراده الله- تعالى- بك.
وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أى: بعضهم نصراء بعض في الدنيا، أما في الآخرة فولايتهم تنقلب إلى عداوة.
وَاللَّهُ- تعالى- هو وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ الذين أنت إمامهم وقدوتهم، فاثبت على شريعتنا التي أوحيناها إليك، لتنال ما أنت أهله من رضانا وعطائنا.
وقال هاهنا : ( ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ) أي : وماذا تغني عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا ، فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا ، ( والله ولي المتقين ) ، وهو تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات .
وقوله ( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الجاهلين بربهم, الذين يدعونك يا محمد إلى اتباع أهوائهم, لن يغنوا عنك إن أنت اتبعت أهواءهم, وخالفت شريعة ربك التي شرعها لك من عقاب الله شيئا, فيدفعوه عنك إن هو عاقبك, وينقذوك منه.
وقوله ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) يقول: وإن الظالمين بعضهم أنصار بعض, وأعوانهم على الإيمان بالله وأهل طاعته ( وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) يقول تعالى ذكره: والله يلي من اتقاه بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه بكفايته, ودفاع من أراده بسوء, يقول جلّ ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام فكن من المتقين, يكفك الله ما بغاك وكادك به هؤلاء المشركون, فإنه وليّ من اتقاه, ولا يعظم عليك خلاف من خالف أمره وإن كثر عددهم, لأنهم لن يضرّوك ما كان الله وليك وناصرك.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 68 | ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ |
---|
الجاثية: 19 | ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۖ وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:{ هَذَا} القرآن الكريم والذكر الحكيم{ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} أي:يحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس فيحصل به الانتفاع للمؤمنين، والهدى والرحمة.
{ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فيهتدون به إلى الصراط المستقيم في أصول الدين وفروعه ويحصل به الخير والسرور والسعادة في الدنيا والآخرة وهي الرحمة. فتزكو به نفوسهم وتزداد به عقولهم ويزيد به إيمانهم ويقينهم، وتقوم به الحجة على من أصر وعاند.
ثم أثنى- سبحانه- على القرآن الكريم الذي أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال: هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
والبصائر: جمع بصيرة- وهي للقلب بمنزلة البصر للعين. فهي النور الذي يبصر به القلب هدايته، كما أن البصر هو النور الذي تبصر به العين طريقها.
وقوله: هذا مبتدأ، وبصائر خبره، وجمع الخبر باعتبار ما في القرآن من تعدد الآيات والبراهين.
أى هذا القرآن الذي أنزلناه إليك- أيها الرسول الكريم- بَصائِرُ لِلنَّاسِ لأن ما فيه من حجج وبراهين، تكشف للقلب طريق الحق، كما تكشف العين للإنسان مساره وهو- أيضا- هُدىً أى: هداية عظيمة إلى الرشاد والسعادة وَرَحْمَةٌ واسعة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أى: لقوم من شأنهم الإيقان بأنه من عند الله- تعالى-، وبأنك- أيها الرسول الكريم- صادق فيما تبلغه عن ربك.
وخص الموقنين بالذكر، لأنهم هم الذين ينتفعون بحجج القرآن الكريم، وبهداياته، أما الذين في قلوبهم مرض أوشك، فإنهم لا ينتفعون بذلك.
قال- تعالى-: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ.. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ .
وقال- سبحانه-: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ .
ثم فرقت السورة الكريمة بين حال الذين يجترحون السيئات، وحال الذين يعملون الصالحات، وحكت جانبا من أقوال المشركين، وردت عليهم بما يبطلها، فقال- تعالى-:
ثم قال : ( هذا بصائر للناس ) يعني : القرآن ( وهدى ورحمة لقوم يوقنون . )
القول في تأويل قوله تعالى : هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
يقول تعالى ذكره ( هَذَا ) الكتاب الذي أنـزلناه إليك يا محمد ( بَصَائِرُ لِلنَّاسِ ) يُبْصِرُون به الحقّ من الباطل, ويعرفون به سبيل الرشاد, والبصائر: جمع بصيرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ) قال: القرآن. قال: هذا كله إنما هو في القلب. قال: والسمع والبصر في القلب. وقرأ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ وليس ببصر الدنيا ولا بسمعها.
وقوله: ( وَهُدًى ) يقول: ورشاد ( وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) بحقيقة صحة هذا القرآن, وأنه تنـزيل من الله العزيز الحكيم. وخصّ جلّ ثناؤه الموقنين بأنه لهم بصائر وهدى ورحمة, لأنهم الذين انتفعوا به دون من كذب به من أهل الكفر, فكان عليه عمى وله حزنا.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 203 | ﴿هَـٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
الجاثية: 20 | ﴿هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
هذا:
وقرئ:
هذى، أي: هذه الآيات.
التفسير :
أي:أم حسب المسيئون المكثرون من الذنوب المقصرون في حقوق ربهم.
{ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بأن قاموا بحقوق ربهم، واجتنبوا مساخطه ولم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى أنفسهم؟ أي:أحسبوا أن يكونوا{ سَوَاءً} في الدنيا والآخرة؟ ساء ما ظنوا وحسبوا وساء ما حكموا به، فإنه حكم يخالف حكمة أحكم الحاكمين وخير العادلين ويناقض العقول السليمة والفطر المستقيمة، ويضاد ما نزلت به الكتب وأخبرت به الرسل، بل الحكم الواقع القطعي أن المؤمنين العاملين الصالحات لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب في العاجل والآجل كل على قدر إحسانه، وأن المسيئين لهم الغضب والإهانة والعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة.
وأَمْ
في قوله- تعالى-: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
منقطعة، وتقدر ببل والهمزة، وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني، والهمزة لإنكار الحسبان.
والاجتراح: الاكتساب، ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدى. ويقال: فلان جارحة أهله، أى: هو الذي يكتسب لهم أرزاقهم.
وحسب: فعل ماض، والذين فاعله، وجملة أَنْ نَجْعَلَهُمْ
ساد مسد المفعولين.
والمعنى: بل أحسب الذين اكتسبوا ما يسوء من الكفر والمعاصي، أن نجعلهم متساوين مع الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات في دار الدنيا أو في الدار الآخرة؟
كلا!! لا يستوون فيهما، فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يحيون في الدنيا حياة طيبة لا مكان فيها للهموم والأحقاد والإحن ببركة إيمانهم، وفي الآخرة ينالون رضا الله- تعالى- وحسن ثوابه.
أما الذين اجترحوا السيئات فهم في شقاء في الدنيا وفي الآخرة.
قال الشوكانى قرأ الجمهور سَواءً
بالرفع على أنه خبر مقدم. والمبتدأ محياهم ومماتهم. والمعنى إنكار حسبانهم أن محياهم ومماتهم سواء.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص سَواءً
بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور في قوله: كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أو على أنه مفعول ثان لحسب .
وقوله: ساءَ ما يَحْكُمُونَ
أى بئس حكما حكمهم هذا الذي زعموا فيه تسويتنا بين الذين اجترحوا السيئات، والذين آمنوا وعملوا الصالحات.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة، توبيخهم على أحكامهم الباطلة، وأفكارهم الفاسدة.
قال الآلوسى: قوله: ساءَ ما يَحْكُمُونَ
أى: ساء حكمهم هذا، وهو الحكم بالتساوي، فما مصدرية، والكلام إخبار عن قبح حكمهم المعهود.
ويجوز أن يكون لإنشاء ذمهم على أن ساءَ
بمعنى بئس، فتكون كلمة ما
نكرة موصوفة، وقعت تمييزا مفسرا لضمير الفاعل المبهم والمخصوص بالذم محذوف أى: بئس شيئا حكموا به ذلك .
يقول تعالى : ( لا يستوي المؤمنون والكافرون ، كما قال : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ الحشر : 20 ] وقال هاهنا : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات ) أي : عملوها وكسبوها ( أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ) أي : نساويهم بهم في الدنيا والآخرة ! ( ساء ما يحكمون ) أي : ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نساوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة ، وفي هذه الدار .
قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا مؤمل بن إهاب ، حدثنا بكير بن عثمان التنوخي ، حدثنا الوضين بن عطاء ، عن يزيد بن مرثد الباجي ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : إن الله بنى دينه على أربعة أركان ، فمن صبر عليهن ولم يعمل بهن لقي الله [ وهو ] من الفاسقين . قيل : وما هن يا أبا ذر ؟ قال : يسلم حلال الله لله ، وحرام الله لله ، وأمر الله لله ، ونهي الله لله ، لا يؤتمن عليهن إلا الله .
قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - : " كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب ، كذلك لا ينال الفجار منازل الأبرار " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه . وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب " السيرة " أنهم وجدوا حجرا بمكة في أس الكعبة مكتوب عليه : تعملون السيئات وترجون الحسنات ؟ أجل كما يجتنى من الشوك العنب .
وقد روى الطبراني من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ; ولهذا قال تعالى : ( ساء ما يحكمون )
وقوله ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ) يقول تعالى ذكره: أم ظنّ الذين اجترحوا السيئات من الأعمال في الدنيا, وكذّبوا رسل الله, وخالفوا أمر ربهم, وعبدوا غيره, أن نجعلهم في الآخرة, كالذين آمنوا بالله وصدّقوا رسله وعملوا الصالحات, فأطاعوا الله, وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الأنداد والآلهة, كلا ما كان الله ليفعل ذلك, لقد ميز بين الفريقين, فجعل حزب الإيمان في الجنة, وحزب الكفر في السعير.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ )... الآية, لعمري لقد تفرّق القوم في الدنيا, وتفرّقوا عند الموت, فتباينوا في المصير.
وقوله ( سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله (سَوَاء) فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (سَوَاءٌ) بالرفع, على أن الخبر متناه عندهم عند قوله ( كَالَّذِينَ آمَنُوا ) وجعلوا خبر قوله ( أَنْ نَجْعَلَهُمْ قَوْلَهُ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ), ثم ابتدءوا الخبر عن استواء حال محيا المؤمن ومماته, ومحيا الكافر ومماته, فرفعوا قوله: (سَوَاءٌ) على وجه الابتداء بهذا المعنى, وإلى هذا المعنى وجه تأويل ذلك جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن, والكافر في الدنيا والآخرة كافر.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا الحسن, عن شيبان, عن ليث, في قوله ( سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) قال: بعث المؤمن مؤمنا حيا وميتا, والكافر كافرًا حيًا وميتًا.
وقد يحتمل الكلام إذا قُرئ سواء رفعا وجها آخر غير هذا المعنى الذي ذكرناه عن مجاهد وليث, وهو أن يوجه إلى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم والمؤمنين سواء في الحياة والموت, بمعنى: أنهم لا يستوون, ثم يرفع سواء على هذا المعنى, إذ كان لا ينصرف, كما يقال: مررت برجل خير منك أبوه, وحسبك أخوه, فرفع حسبك, وخير إذ كانا في مذهب الأسماء, ولو وقع موقعهما فعل في لفظ اسم لم يكن إلا نصبا, فكذلك قوله: (سواءٌ). وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (سَوَاءٌ) نصبا, بمعنى: أحسبوا أن نجعلهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل العلم بالقرآن صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (سَوَاءٌ) ورفعه, فقال بعض نحويي البصرة ( سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) رفع. وقال بعضهم: إن المحيا والممات للكفار كله, قال ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ثم قال سواء محيا الكفار ومماتهم: أي محياهم محيا سواء, ومماتهم ممات سواء, فرفع السواء على الابتداء. قال: ومن فَسَّر المحيا والممات للكفار والمؤمنين, فقد يجوز في هذا المعنى نصب السواء ورفعه, لأن من جعل السواء مستويا, فينبغي له في القياس أن يُجريه على ما قبله, لأنه صفة, ومن جعله الاستواء, فينبغي له أن يرفعه لأنه اسم, إلا أن ينصب المحيا والممات على البدل, وينصب السواء على الاستواء, وإن شاء رفع السواء إذا كان في معنى مستو, كما تقول: مررت برجل خير منك أبوه, لأنه صفة لا يصرف والرفع أجود.
وقال بعض نحويي الكوفة قوله ( سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ) بنصب سواء وبرفعه, والمحيا والممات في موضع رفع بمنـزلة, قوله: رأيت القوم سواء صغارهم وكبارهم بنصب سواء لأنه يجعله فعلا لما عاد على الناس من ذكرهم, قال: وربما جعلت العرب سواء في مذهب اسم بمنـزلة حسبك, فيقولون: رأيت قومك سواء صغارهم وكبارهم. فيكون كقولك: مررت برجل حسبك أبوه, قال: ولو جعلت مكان سواء مستو لم يرفع, ولكن نجعله متبعا لما قبله, مخالفا لسواء, لأن مستو من صفة القوم, ولأن سواء كالمصدر, والمصدر اسم. قال: ولو نصبت المحيا والممات كان وجها, يريد أن نجعلهم سواء في محياهم ومماتهم.
وقال آخرون منهم: المعنى: أنه لا يساوي من اجترح السيئات المؤمن في الحياة, ولا الممات, على أنه وقع موقع الخبر, فكان خبرا لجعلنا, قال: والنصب للأخبار كما تقول: جعلت إخوتك سواء, صغيرهم وكبيرهم, ويجوز أن يرفع, لأن سواء لا ينصرف. وقال: من قال: ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فجعل كالذين الخبر استأنف بسواء ورفع ما بعدها, وأن نصب المحيا والممات نصب سواء لا غير, وقد تقدّم بياننا الصواب من القول في ذلك.
وقوله ( سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) يقول تعالى ذكره: بئس الحكم الذي حسبوا أنا نجعل الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات, سواء محياهم ومماتهم.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
العنكبوت: 4 | ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا﴾ |
---|
الجاثية: 21 | ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ |
---|
محمد: 29 | ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّـهُ أَضْغَانَهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
سواء محياهم ومماتهم:
1- بنصب «سواء» على الفاعلية، على إجراء «سواء» مجرى «مستويا» ، وما بعده مرفوع، وهى قراءة زيد بن على، وحمزة، والكسائي، وحفص.
وقرئ:
2- الثلاثة، بالنصب، وهى قراءة الأعمش.
التفسير :
أي:خلق الله السماوات والأرض بالحكمة وليعبد وحده لا شريك له، ثم يجازي بعد ذلك من أمرهم بعبادته وأنعم عليم بالنعم الظاهرة والباطنة هل شكروا الله تعالى وقاموا بالمأمور؟ أم كفروا فاستحقوا جزاء الكفور؟
ثم أكد- سبحانه- عدم المساواة بين الفريقين فقال: وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أى خلقهما خلقا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.
وقوله وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ معطوف على مقدر يفهم من سياق الكلام.
أى: خلقهما بالحق ليبرهن بذلك على وحدانيته وقدرته. ولتجزى كل نفس يوم القيامة بسبب ما اكتسبته من أعمال.
ويصح أن يكون معطوفا على قوله بِالْحَقِّ. أى: خلقهما بالحق المقتضى للعدل بين العباد، ولتجزى كل نفس بما كسبت، فهو من عطف المسبب على السبب.
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أى: الخلائق المدلول عليهم بقوله كُلُّ نَفْسٍ لا يلحقهم شيء من الظلم يوم القيامة، لأن الله- تعالى- قد كتب على نفسه أنه لا يظلم أحدا.
وقال ( وخلق الله السموات والأرض بالحق ) أي : بالعدل ، ( ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) .
القول في تأويل قوله تعالى : وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22)
يقول تعالى ذكره: ( وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ ) للعدل والحقّ, لا لما حسب هؤلاء الجاهلون بالله, من أنه يجعل من اجترح السيئات, فعصاه وخالف أمره, كالذين آمنوا وعملوا الصالحات, في المحيا والممات, إذ كان ذلك من فعل غير أهل العدل والإنصاف, يقول جلّ ثناؤه: فلم يخلق الله السموات والأرض للظلم والجور, ولكنا خلقناهما للحقّ والعدل. ومن الحق أن نخالف بين حكم المسيء والمحسن, في العاجل والآجل.
وقوله ( وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) يقول تعالى ذكره: وليثيب الله كلّ عامل بما عمل من عمل خلق السموات والأرض, المحسن بالإحسان, والمسيء بما هو أهله, لا لنبخس المحسن ثواب إحسانه, ونحمل عليه جرم غيره, فنعاقبه, أو نجعل للمسيء ثواب إحسان غيره فنكرمه, ولكن لنجزي كلا بما كسبت يداه, وهم لا يُظلمون جزاء أعمالهم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
العنكبوت: 44 | ﴿ خَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ |
---|
الجاثية: 22 | ﴿وَ خَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء