289676869707172737475

الإحصائيات

سورة الإسراء
ترتيب المصحف17ترتيب النزول50
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول12تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء15عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 3/14 المُسبِّحات : 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (67) الى الآية رقم (69) عدد الآيات (3)

بعدَ الردِّ على المشركينَ في عبادتِهم ما لا يملكُ كشفَ الضرِّ عنهم، بَيَّنَ اللهُ هنا حالَهم عندَ الشِّدةِ في البحرِ، ثُمَّ حالَهم إذا نجَّاهُم إلى البرِّ، ثُمَّ هدَّدَهم بالعذابِ فى البرِّ والبحرِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (70) الى الآية رقم (75) عدد الآيات (6)

بعدَ تهديدِ المشركينَ بالعذابِ فى البرِّ والبحرِ، بَيَّنَ اللهُ هنا تكريمَه لبني آدمَ، وعَدَّدَ نعمَه عليهم فى البرِّ والبحرِ، ثُمَّ عَدَّدَ نعمَه على نبيِّه ﷺ ، الأولى: لمَّا ثبَّته عندما حاولَ المشركونَ صرفَه عن القرآنِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الإسراء

استشعر قيمة القرآن/ انتصار أمة الإسراء والقرآن على أمة إسرائيل والتوراة/ المسؤولية الشخصية/ المواجهة والتثبيت/ الإمامة في الدين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • عن أي شيء تتحدث سورة الإسراء؟:   قد يجيب البعض: «إنها تتحدث عن (رحلة الإسراء والمعراج)، وهذا واضح من اسمها ومن أول آية منها». أولًا: إنها آية واحدة فقط هي التي تحدثت عن رحلة (الإسراء)، وهي أول آية، آية واحدة فقط من 111 آية تتكون منها السورة، فماذا عن الـ 110 الباقية؟! ثانيًا: رحلة (المعراج) فلم تتكلم عنها السورة أبدًا، إنما جاء ذكرها في أول سورة النجم. فيبدو أن هناك موضوع آخر، وربما موضوعات تتحدث عنها سورة الإسراء.
  • • بين رحلة (الإسراء) وسورة (الإسراء)::   كانت (رحلة الإسراء والمعراج) تثبيتًا للنبي ﷺ وتأييدًا له وتكريمًا له، وتسرية عنه في وقت اشتداد المصاعب والمشاق، وما تعرض له من أذى وعداء، وكذلك كانت سورة (الإسراء) كلها تدور حول تثبيت النبي ﷺ في مواجهة المشركين المعاندين والمكذبين وتأييده بالحجج والآيات. وركزت السورة على القرآن الكريم؛ لأنه تثبيت للنبي ﷺ والمؤمنين وهم يواجهون أعاصير المحن ورياح الفتن، وهكذا يثبت الله عبادة المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن، ويحدد لهم منابع القوة التي يستمدون منها الصبر وقوة التحمل والثبات على الحق
  • • سورة الإسراء والقرآن::   سورة الإسراء هي أكثر سورة ذكر فيها القرآن 11 مرة، وركزت على قيمة القرآن وعظمته وأهميته كما لم يرد في أي سورة من سور القرآن.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الإسراء».
  • • معنى الاسم ::   الإسراء: هو السير ليلًا، والإسراء أُطْلِق على رحلة الرسول ﷺ ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
  • • سبب التسمية ::   لأنها افتتحت بذكر قصة إسراء النبي ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة بني إسرائيل»؛ لأنه ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض ما لم يذكر في غيرها، و«سورة سبحان»؛ لافتتاحها بهذه الكلمة، وذُكر التسبيح فيها في أكثر من آية.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   تثبيت الله لعباده المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن.
  • • علمتني السورة ::   استشعار قيمة القرآن، وقيمة المسؤولية عنه من قراءته وتنفيذه والدعوة إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن كل إنسان يتحمل عاقبة عمله، ولا يتحمل أحد عاقبة عمل غيره، فالإنسان إن عمل خيرًا فلنفسه، وإن أساء فعليها.
  • • علمتني السورة ::   : احذر عند الغضب من أن تدعو على نفسك، أو أولادك، أو مالك بالشر: ﴿وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي».
    • قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الإسراء من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الإسراء -بحسب ترتيب المصحف- أول سور المُسَبِّحات؛ وهي سبع سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
    • أكثر سورة يذكر فيها لفظ (القرآن)، ذُكِرَ 11 مرة، وهو ما لم يقع في سورة أخرى (تليها سورة النمل 4 مرات).
    • احتوت على السجدة الرابعة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم، في الآية (107).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتمسك بالقرآن الكريم، ونعتصم به؛ فإنه يهدي للتي هي أقوم.
    • أن نقرأ حادثة الإسراء والمعراج من صحيح البخاري، أو غيره من الكتب، ونستخلص منها الدروس والعبر: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (1).
    • أن نتيقن ونستحضر أن أول من يستفيد من إحساننا ويتضرر من إساءتنا هو نحن: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ (7).
    4- أن نحذر من الدعاء على النفس والأهل بالشر، ولا نتعجل فقد يوافق ساعة استجابة: ﴿ وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا﴾ (11).
    • أن نتذكر دائمًا أن كل عمل نعمله من خير وشر سنجده مكتوبًا يوم القيامة: ﴿ وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا (13) ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا﴾ (13، 14).
    • ألا نؤثر الحياة الدنيا على الآخرة: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا (18) وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا (19) كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا (20) ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا ﴾ (18-21).
    • 7- أن نحسن إلى الوالدين ونبرهما ونتذلل لهما وندعو لهما: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا (23) وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ﴾ (23، 24).
    8- أن نُحْسن إلى الأقارب والمساكين: ﴿ وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ﴾ (26). • 9- أن نحذر البخل ونبتعد عن التبذير: ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا ﴾ (29).
    • ألا نخشى الفقر على أنفسنا وأهلنا؛ فالله هو الرزاق الكريم: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا﴾ (31).
    • أن نَحْذر من الوقوع في مقدمات الزنا؛ حتى لا نقع فيه: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا﴾ (32).
    • أن نَحْذر من قتل النفس المعصومة: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾ (33).
    • أن نحذر من أكل مال اليتيم، ونلزم الوفاء بالعهود: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (34).
    • ألا نتكلم بما لا نعلم؛ ونتيقن أننا سنحاسب علي ما نقول: ﴿ وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (36).
    • ألا نتكبر: ﴿ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا ﴾ (37).
    • إذا تكلمنا مع الناس فلا نقول إلا الكلام الحسن؛ حتى لا يدخل الشيطان بيننا وبينهم، وتحصل البغضاء: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا ﴾ (53).
    • أن نتنافس على القُرَب: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ﴾ (57).
    • أن نكون مع الله في السراء والضراء؛ عند النعمة نشكر الله، وعند الضر ندعو الله وحده: ﴿وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا ﴾ (83).

تمرين حفظ الصفحة : 289

289

مدارسة الآية : [67] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ..

التفسير :

[67] وإذا أصابتكم شدة في البحر حتى أشرفتم على الغرق والهلاك، غاب عن عقولكم الذين تعبدونهم من الآلهة، وتذكَّرتم الله القدير وحده؛ ليغيثكم وينقذكم، فأخلصتم له في طلب العون والإغاثة، فأغاثكم ونجَّاكم، فلمَّا نجاكم إلى البر أعرضتم عن الإيمان والإخلاص والعمل ا

ومن رحمته الدالة على أنه وحده المعبود دون ما سواه أنهم إذا مسهم الضر في البحر فخافوا من الهلاك لتراكم الأمواج ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في حال الرخاء من الأحياء والأموات، فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الأوقات لعلمهم أنهم ضعفاء عاجزون عن كشف الضر وصرخوا بدعوة فاطر الأرض والسماوات الذي تستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال.

فلما كشف الله عنهم الضر ونجاهم إلى البر ونسوا ما كانوا يدعون إليه من قبل وأشركوا به من لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع وأعرضوا عن الإخلاص لربهم ومليكهم، وهذا من جهل الإنسان وكفره فإن الإنسان كفور للنعم، إلا من هدى الله فمن عليه بالعقل السليم واهتدى إلى الصراط المستقيم، فإنه يعلم أن الذي يكشف الشدائد وينجي من الأهوال هو الذي يستحق أن يفرد وتخلص له سائر الأعمال في الشدة والرخاء واليسر والعسر.

وأما من خذل ووكل إلى عقله الضعيف فإنه لم يلحظ وقت الشدة إلا مصلحته الحاضرة وإنجاءه في تلك الحال.

فلما حصلت له النجاة وزالت عنه المشقة ظن بجهله أنه قد أعجز الله ولم يخطر بقلبه شيء من العواقب الدنيوية فضلا عن أمور الآخرة.

ثم انتقل- سبحانه- من الحديث عن مظاهر نعمه عليهم، في حال سوق السفن ودفعها بهم في البحر برفق وأناة، إلى بيان رعايته لهم في حال اضطرابها وتعرضها للغرق، بسبب هيجان البحر وارتفاع أمواجه، فقال- تعالى-: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ....

والمس: اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة، والمراد به هنا:

ما يعتريهم من خوف وفزع، وهم يرون سفينتهم توشك على الغرق.

والمراد بالضر هنا: اضطراب الفلك، وارتفاع الأمواج، واشتداد العواصف، وتعرضهم للموت من كل مكان.

المعنى: وإذا أحاطت بكم الأمواج من كل جانب وأنتم على ظهور سفنكم وأوشكتم على الغرق.. ذهب وغاب عن خواطركم وأذهانكم، كل معبود سوى الله- عز وجل- لكي ينقذكم مما أنتم فيه من بلاء، بل إياه وحده- سبحانه- تدعون ليكشف عنكم ما نزل بكم من سوء.

فالجملة الكريمة تصوير مؤثر بديع لبيان أن الإنسان عند الشدائد والمحن لا يتجه بدعائه وضراعته إلا إلى الله- تعالى- وحده.

قال القرطبي: ضَلَّ معناه تلف وفقد وهي عبارة عن تحقير لمن يدعى إلها من دون الله. والمعنى في هذه الآية: أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة، وأن لها فضلا، وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علما لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد،

فوقّفهم الله من ذلك على حالة البحر حيث تنقطع الحيل» .

وقال الإمام ابن كثير: يخبر تبارك وتعالى أن الناس إذا مسهم ضر دعوه منيبين إليه مخلصين له الدين، ولهذا قال- تعالى-: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أى: ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله- تعالى- كما اتفق لعكرمة بن أبى جهل، لما ذهب فارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، فذهب هاربا فركب في البحر ليدخل الحبشة، فجاءتهم ريح عاصف، فقال القوم بعضهم لبعض: إنه لا يغنى عنكم إلا أن تدعو الله وحده.

فقال عكرمة في نفسه: والله إن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك على عهد لئن أخرجتنى منه، لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رءوفا رحيما. فخرجوا من البحر، فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه- رضى الله عنه» .

وقوله- تعالى-: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً بيان لطبيعة الإنسان إلا من عصم الله.

أى: فلما نجاكم الله- تعالى- بلطفه وإحسانه: من الغرق، وأوصلكم سالمين إلى البر، أعرضتم عن طاعته، وتركتم دعاءه والضراعة إليه، وكان الإنسان الفاسق عن أمر ربه، كَفُوراً أى: كثير الكفران والجحود لنعم ربه- عز وجل-.

قال الآلوسي ما ملخصه: وقوله: وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً كالتعليل للإعراض، ويعلم منه حكم أولئك المخاطبين، وفيه لطافة حيث أعرض- سبحانه- عن خطابهم بخصوصهم، وذكر أن جنس الإنسان مجبول على الكفران، فلما أعرضوا أعرض الله- تعالى- عنهم» .

وفي معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة. منها قوله- تعالى- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ .

وقوله- سبحانه-: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ .

يخبر تعالى أنه إذا مس الناس ضر دعوه منيبين إليه مخلصين له الدين ولهذا قال : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) أي ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله كما اتفق لعكرمة بن أبي جهل لما ذهب فارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة فذهب هاربا فركب في البحر ليدخل الحبشة فجاءتهم ريح عاصف فقال القوم بعضهم لبعض إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعو الله وحده فقال عكرمة في نفسه والله لئن كان لا ينفع في البحر غيره فإنه لا ينفع في البر غيره اللهم لك علي عهد لئن أخرجتني منه لأذهبن فأضعن يدي في يديه ، فلأجدنه رءوفا رحيما فخرجوا من البحر فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه

وقوله : ( فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ) أي نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر وأعرضتم عن دعائه وحده لا شريك له

( وكان الإنسان كفورا ) أي سجيته هذا ينسى النعم ويجحدها إلا من عصم الله

يقول تعالى ذكره: وإذا نالتكم الشدّة والجهد في البحر ضلّ من تدعون: يقول: فقدتّم من تدعون من دون الله من الأنداد والآلهة، وجار عن طريقكم فلم يغثكم، ولم تجدوا غير الله مغيثا يغيثكم دعوتموه، فلما دعوتموه وأغاثكم، وأجاب دعاءكم ونجاكم من هول ما كنتم فيه في البحر، أعرضتم عما دعاكم إليه ربكم من خلع الأنداد، والبراءة من الآلهة، وإفراده بالألوهة كفرا منكم بنعمته ( وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا ) يقول: وكان الإنسان ذا جحد لنعم ربه.

المعاني :

ضَلَّ
غَابَ

التدبر :

وقفة
[67] ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ كل الرغبات تتوه، كل الآمال تضيع، كل الأحلام تتلاشى، ولا يبقى إلا الله.
وقفة
[67] ﴿وإذا مسكم الضر في البحرضل من تدعون إلا إياه﴾ التوجه إلى الله ليس مجرد خيار، الحقيقة أننا عاجزون عن مواجهة آلام الحياة وحدنا.
عمل
[67] ﴿وإذا مسكم الضر في البحرضل من تدعون إلا إياه﴾ كُن في دعائك دائمًا كأنما أنت في لُجَّة البحر المائج، لا تُنادِ غيره.
وقفة
[67] ﴿وإذا مسكم الضر في البحرضل من تدعون إلا إياه﴾ ولكن الإنسان هو الإنسان، فما إن تنجلي الغمرة، وتحس قدماه ثبات الأرض من تحته حتى ينسى لحظة الشدة، فينسى الله، وتتقاذفه الأهواء وتجرفه الشهوات.
وقفة
[67] ﴿وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه﴾ الشعور بيد الله ورحمته أبلغ ما يكون في لحظات الشدة والحرج، هو الرحيم؛ يعين ويهدي وييسر وينجَّي ويستجيب.
وقفة
[67] تذكر موقفًا أنجاك الله فيه، ثم اشكر الله عليه ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ كَفُورًا﴾.
وقفة
[67] ﴿ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ في لحظتي الخانقة تاهت كل الأسماء من ذاكرتي وهتفت بك أنت.
وقفة
[67] ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا﴾ الإنسان كفور للنعم؛ إلا من هدى الله.
وقفة
[67] ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا﴾ بعد أن استقويت به واعتمدت عليه، تدير ظهرك إليه؟!
وقفة
[67] ﴿وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا﴾ عند الشدة يتمسك بفضله ورحمته، وعند الرخاء والراحة يعرض عنه ويتمسك بغيره.
لمسة
[67] ﴿وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا﴾ الكفور صيغة مبالغة من الكفر، أي كثير الكفر، وله معنيان: الأول: أن أكثر الناس اليوم هم أهل الشرك. الثاني: أن كل عبد غير خال من الكفران حتى المسلم، فصيغة المبالغة هنا راجعة لكثرة أحوال كفران العبد ، وعدم شكر النعمة سهوًا أو غفلةً أو ضلالًا؛ بأن يسند العبد النعمة إلى أسبابها المادية لا إلى المنعم بها سبحانه.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ:
  • الواو: استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو أداة شرط‍ غير جازمة. مس: فعل ماض مبني على الفتح. الكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور وحركت بالضم لالتقاء الساكنين. الضر: فاعل مرفوع بالضمة. في البحر: جار ومجرور متعلق بمسكم وجملة مَسَّكُمُ الضُّرُّ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ:
  • ضل: فعل ماض مبني على الفتح. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. تدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تدعون» صلة الموصول لا محل لها. والعائد ضمير في محل نصب لأنه مفعول به. التقدير: تدعونها. بمعنى: إذا مسكم خوف الغرق ضاع من فكركم من تعبدونها من الآلهة عن إغاثتكم. وجملة ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ إِلاّ إِيّاهُ:
  • إلاّ اداة استثناء. إياه: أي الله سبحانه وهو مستثنى بإلا استثناء منقطعا أي أنّ الله وحده هو الذي ترجونه في شدتكم.
  • ﴿ فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ:
  • الفاء: استئنافية. لما: اسم شرط‍ غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية بمعنى «حين» متعلقة بالجواب. نجاكم: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. إلى البر: جار ومجرور متعلق بنجاكم وجملة «نجاكم» في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ أَعْرَضْتُمْ:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. أعرضتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. بمعنى: صددتم وعدتم الى ما كنتم عليه.
  • ﴿ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الانسان: اسم «كان» مرفوع بالضمة. كفورا: خبرها منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [67] لما قبلها :     وبعد الامتنان بنعمة تسخير السفن لطلب الرزق؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا حالَ المشركين عندَ الشِّدةِ في البحرِ، ثُمَّ حالَهم إذا نجَّاهُم إلى البرِّ، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [68] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ..

التفسير :

[68] أغَفَلْتم -أيها الناس- عن عذاب الله، فأمنتم أن تنهار بكم الأرض خسفاً، أو يُمْطركم الله بحجارة من السماء فتقتلكم، ثم لا تجدوا أحداً يحفظكم مِن عذابه؟

{ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} أي:فهو على كل شيء قدير إن شاء أنزل عليكم عذابا من أسفل منكم بالخسف أو من فوقكم بالحاصب وهو العذاب الذي يحصبهم فيصبحوا هالكين، فلا تظنوا أن الهلاك لا يكون إلا في البحر.

ثم بين- سبحانه- أن قدرته لا يعجزها شيء، لا في البحر ولا في البر ولا في غيرهما فقال: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا والهمزة في قوله أَفَأَمِنْتُمْ للاستفهام الإنكارى، والفاء عاطفة على محذوف، والتقدير: أنجوتم فأمنتم.

وقوله يَخْسِفَ من الخسف وهو انهيار الأرض بالشيء، وتغييبه في باطنها وجانِبَ الْبَرِّ ناحية أرض، وسماه- سبحانه- جانبا، لأن البحر يمثل جانبا من الأرض، والبر يمثل جانبا آخر.

والحاصب: الريح الشديدة، التي ترمى بالحصباء، وهي الحجارة الصغيرة. يقال. حصب فلان فلانا، إذا رماه بالحصباء.

والمعنى: أنجوتم من الغرق- أيها الناس- ففرحتم وأمنتم ونسيتم أن الله- تعالى- إذا كان قد أنجاكم من الغرق، فهو قادر على أن يخسف بكم جانب الأرض، وقادر كذلك على أن يرسل عليكم ريحا شديدة ترميكم بالحصباء التي تهلككم ثم لا تجدوا لكم وكيلا تكلون إليه أموركم، ونصيرا ينصركم ويحفظكم من عذاب الله- تعالى-.

إن كنتم قد أمنتم عذاب الله بعد نجاتكم من الغرق، فأنتم جاهلون، لأن قدرة الله- تعالى- لا يعجزها أن تأخذكم أخذ عزيز مقتدر سواء كنتم في البحر أم في البر أم في غيرهما، إذ جميع جوانب هذا الكون في قبضة الله- تعالى- وتحت سيطرته.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت فما معنى ذكر الجانب؟ قلت: معناه، أن الجوانب والجهات كلها في قدرته سواء، وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب مرصد من أسباب الهلكة، ليس جانب البحر وحده مختصا بذلك، بل إن كان الغرق في جانب البحر، ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف، لأنه تغييب تحت التراب، كما أن الغرق تغييب تحت الماء فالبر والبحر عنده سيان، يقدر في البر على نحو ما يقدر عليه في البحر، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان» .

يقول تعالى أفحسبتم أن نخرجكم إلى البر ، أمنتم من انتقامه وعذابه!

( أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ) ، وهو المطر الذي فيه حجارة قاله مجاهد وغير واحد كما قال تعالى : ( إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر ) [ القمر 34 ] وقد قال في الآية الأخرى ( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) [ هود 82 ] وقال : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ) [ الملك 16 ، 17 ]

وقوله ( ثم لا تجدوا لكم وكيلا ) أي ناصرا يرد ذلك عنكم وينقذكم منه والله سبحانه وتعالى أعلم ]

يقول تعالى ذكره (أَفَأَمِنْتُمْ) أيها الناس من ربكم، وقد كفرتم نعمته بتنجيته إياكم من هول ما كنتم فيه في البحر، وعظيم ما كنتم قد أشرفتم عليه من الهلاك، فلما نجاكم وصرتم إلى البرّ كفرتم، وأشركتم في عبادته غيره ( أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ) يعني ناحية البر ( أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) يقول: أو يمطركم حجارة من السماء تقتلكم، كما فعل بقوم لوط ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا ) يقول: ثم لا تجدوا لكم ما يقوم بالمدافعة عنكم من عذابه وما يمنعكم منه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) يقول: حجارة من السماء ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا ) أي منعة ولا ناصرا.

حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله ( أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) قال: مطر الحجارة إذا خرجتم من البحر.

وكان بعض أهل العربية يوجه تأويل قوله ( أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) إلى: أو يرسل عليكم ريحا عاصفا تحصب، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر:

مُسْــتَقْبِلِينَ شَـمالَ الشَّـامِ تَضْرِبُنَـا

بِحــاصِبٍ كنَـدِيفِ القُطْـنِ مَنْثُـورِ (1)

وأصل الحاصب: الريح تحصب بالحصباء؛ الأرض فيها الرمل والحصى الصغار. يقال في الكلام: حصب فلان فلانا: إذا رماه بالحصباء، وإنما وُصفت الريح بأنها تحصب لرميها الناس بذلك، كما قال الأخطل:

ولَقَـدْ عَلمْـتُ إذَا العِشـارُ تَرَوَّحَـتْ

هــدْجَ الرّئــالِ تَكــبُّهُنَّ شَـمالا

تَـرْمي العضَـاهُ بِحـاصِبٍ مِنْ ثَلْجها

حـتى يَبِيـتُ عَـلى العِضَـاهِ جِفـالا (2)

-----------------------

الهوامش :

(1) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك، ويهجو يزيد بن المهلب، (ديوانه طبعة الصاوي 262-267). استشهد به المؤلف على أن الحاصب: الريح التي تحمل الحصباء وهي صغار الحصى، والبيت شاهد على أن الحاصب مطر الحجارة، وأن أصل الحاصب الريح تحصب بالحصباء، والحصباء الأرض فيها الرمل والحصى الصغار، كما أوضحه المؤلف.

(2) البيتان للأخطل (ديوانه طبع بيروت سنة 1891) من قصيدة يهجوا بها جريرا، ويفتخر على قيس.والعشار: جمع عشراء من الإبل، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر وهي حامل. وتروحت: أي ذهبت في الرواح وهو المشي إلى حظائرها. والرئال: جمع رأل، وهو ولد النعامة. والهدج: عدو متقارب. وتكبهن: تسقطهن، يريد تكبهن الريح وهي هابة شمالا. والحاصب: ما تناثر من دقاق الثلج. والضمير في ترمي: راجع إلى ريح الشمال. والعضاه: كل شجر له شوك، أو كل شجرة واسعة الظل، كثيرة الأفنان، واحدته: عضة. والجفال: ما تراكم من الثلج وتراكب. وهذا الشاهد في معنى الذي قبله.

التدبر :

وقفة
[68] ﴿أَفَأَمِنتُمْ﴾ وجبروته يحيط بكم من كل الجهات؟!
وقفة
[68] ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ﴾ المكان الذي تشعر فيه بدفء الأمن، بكلمة واحدة من الله يدمره شتاء الخوف.
وقفة
[68] ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ في هذا تنبيه على أن السلامة في البر نعمة عظيمة تنسونها؛ فلو حدث لكم خسف لهلكتم هلاكًا لا نجاة لكم منه، بخلاف هول البحر.
وقفة
[68] ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ هذا فصل من فصول مدرسة الخوف، ومن تعريفات الخوف: ترقب العقوبات مع مجاري الأنفاس كما في تعريف الجنيد.
وقفة
[68] ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ أعرف الخلق بالله أخوفهم من الله؛ وبسبب هذا قال النبي ﷺ: «أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» [مسلم 1108].
تفاعل
[68] ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَأَمِنْتُمْ:
  • الهمزة: همزة إنكار بلفظ‍ استفهام. والفاء عاطفة. أمنتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. وجملة «أمنتم» معطوفة على جملة محذوفة تقديرها: أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الاعراض.
  • ﴿ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يخسف: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بكم: جار ومجرور متعلق بيخسف والميم علامة جمع الذكور و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول «أمنتم» وجملة «يخسف وما تلاها» صلة «أن» لا محل لها.
  • ﴿ جانِبَ الْبَرِّ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. البر: مضاف إليه مجرور بالكسرة ويجوز أن يكون الجار والمجرور «بكم» متعلقا بحال بمعنى: أن يقلب عالي الأرض سافلها وأنتم عليها
  • ﴿ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً:
  • معطوفة بأو للتخيير على أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ» وتعرب إعرابها. والحاصب: الريح التي ترمي بالحجارة.
  • ﴿ ثُمَّ لا تَجِدُوا:
  • ثم: حرف عطف. لا: نافية لا عمل لها. تجدوا: فعل مضارع معطوف على منصوب وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ لَكُمْ وَكِيلاً:
  • لكم: جار ومجرور متعلق بتجدوا والميم علامة جمع الذكور. وكيلا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى «حاميا». '

المتشابهات :

الإسراء: 68﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا
الملك: 17﴿أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [68] لما قبلها :     وبعد الامتنان بنعمه تعالى في البحر؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن قدرته لا يعجزها شئ، لا في البحر ولا في البر ولا في غيرهما، قال تعالى:
﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يخسف ... يرسل:
قرئا:
1- بالنون، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
2- بياء الغيبة، وهى قراءة باقى القراء.

مدارسة الآية : [69] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ ..

التفسير :

[69] أم أمنتم -أيها الناس- ربكم، وقد كفرتم به أن يعيدكم في البحر مرة أخرى، فيرسل عليكم ريحاً شديدة، تكسِّر كل ما أتت عليه، فيغرقكم بسبب كفركم، ثم لا تجدوا لكم علينا أي تبعة ومطالبة؛ فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة؟

وإن ظننتم ذلك فأنتم آمنون من{ أَنْ يُعِيدَكُمْ} في البحر{ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ} أي:ريحا شديدة جدا تقصف ما أتت عليه.

{ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} أي:تبعة ومطالبة فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة.

ثم ساق- سبحانه- مثالا آخر للدلالة على شمول قدرته، فقال- تعالى-:

أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى، فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ، فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً.

وأَمْ هنا يجوز أن تكون متصلة بمعنى: أى الأمرين حاصل. ويجوز أن تكون منقطعة بمعنى: بل.

والقاصف من الريح: هو الريح العاتية الشديدة التي تقصف وتحطم كل ما مرت به من أشجار وغيرها. يقال: قصف فلان الشيء، إذا كسره.

والتبيع: فعيل بمعنى فاعل، وهو المطالب غيره بحق سواء أكان هذا الحق دينا أم ثأرا أم غيرهما، مع مداومته على هذا الطلب.

والمعنى: بل أأمنتم- أيها الناس- أَنْ يُعِيدَكُمْ الله- تعالى- فِيهِ أى: في البحر، لسبب من الأسباب التي تحملكم على العودة إليه مرة أخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ- سبحانه- وأنتم في البحر قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ العاتية الشديدة التي تحطم سفنكم فَيُغْرِقَكُمْ بسبب كفركم وجحودكم لنعمه، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً أى:

إننا من السهل علينا أن نفعل معكم ذلك وأكثر منه، ثم لا تجدوا لكم أحدا ينصركم علينا، أو يطالبنا بحق لكم علينا، فنحن لا نسأل عما نفعل، وأنتم المسئولون.

فالاستفهام هنا- أيضا- للإنكار والتوبيخ.

وقال- سبحانه- أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ ولم يقل أن يعيدكم إليه، للإشعار باستقرارهم فيه، وأنه- تعالى- لا يعجزه أن يفعل ذلك.

والتعبير بقوله قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فيه من الترهيب والإنذار ما فيه لأن لفظ القصف يدل بمعناه اللغوي على التحطيم والتكسير.

وقال- سبحانه- بِما كَفَرْتُمْ لبيان أن الله- تعالى- ما ظلمهم بإهلاكهم، وإنما هم الذين عرضوا أنفسهم لذلك بسبب كفرهم وإعراضهم عن طاعته- سبحانه-.

والضمير في بِهِ يعود إلى الإهلاك بالإغراق المفهوم من قوله فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ أى: لا تجدون تبيعا يتبعنا بثأركم بسبب ذلك الإغراق الذي أوقعناه بكم.

وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من نعم الله- تعالى- على الناس، وحذرتهم من جحود هذه النعم، حتى لا يتعرضوا لعذاب الله، الذي قد ينزل بهم وهم في البحر أو في البر أو في غيرهما.

ثم ذكر- سبحانه- تكريمه لبنى آدم، وتفضيلهم على كثير من مخلوقاته، وأحوالهم في الآخرة، فقال- تعالى-:

يقول تعالى ( أم أمنتم ) أيها المعرضون عنا بعدما اعترفوا بتوحيدنا في البحر وخرجوا إلى البر ( أن يعيدكم ) في البحر مرة ثانية ( فيرسل عليكم قاصفا من الريح ) أي يقصف الصواري ويغرق المراكب

قال ابن عباس وغيره : القاصف ريح البحار التي تكسر المراكب وتغرقها .

وقوله ( فيغرقكم بما كفرتم ) أي بسبب كفركم وإعراضكم عن الله تعالى

وقوله : ( ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ) قال ابن عباس نصيرا

وقال مجاهد نصيرا ثائرا ، أي يأخذ بثأركم بعدكم

وقال قتادة ولا نخاف أحدا يتبعنا بشيء من ذلك

يقول تعالى ذكره: أم أمنتم أيها القوم من ربكم ، وقد كفرتم به بعد إنعامه عليكم، النعمة التي قد علمتم أن يعيدكم في البحر تارة أخرى: يقول: مرّة أخرى، والهاء التي في قوله " فيه " من ذكر البحر.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى ) : أي في البحر مرّة أخرى ( فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ ) وهي التي تقصف ما مرّت به فتحطمه وتدقه، من قولهم: قصف فلان ظهر فلان: إذا كسره ( فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ) يقول: فيغرقكم الله بهذه الريح القاصف بما كفرتم، يقول: بكفركم به ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) يقول: ثم لا تجدوا لكم علينا تابعا يتبعنا بما فعلنا بكم، ولا ثائرا يثأرنا بإهلاكنا إياكم، وقيل: تبيعا في موضع التابع، كما قيل: عليم في موضع عالم. والعرب تقول لكل طالب بدم أو دين أو غيره: تبيع. ومنه قول الشاعر:

عَــدَوْا وَعَــدَتْ غـزلانهم فَكأنَّهَـا

ضَــوَامنُ غُــرمٍ لَــزّهُنَّ تَبِيــعُ (3)

وبنحو الذي قلنا في القاصف والتبيع، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ ) يقول: عاصفا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: قاصفا التي تُغْرق.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) يقول نصيرا.

حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال محمد: ثائرا، وقال الحرث: نصيرا ثائرا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) قال: ثائرا.

حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) أي لا نخاف أن نتبع بشيء من ذلك.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) يقول: لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك، والتارة: جمعه تارات وتير، وأفعلت منه: أترت.

----------------------------

الهوامش :

(3) البيت: شاهد على أن معنى التبيع في الآية: كل طالب بدم أو دين أو غيره. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (1: 385) أي من يتبعنا لكم تبيعة، ولا طالبا لنا بها. وفي (اللسان: تبع): والتبيع التابع، وقول القرآن "ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا": قال الفراء: أي ثائرا ولا طالبا بالثأر، لإغراقنا إياكم. وقال الزجاج: معناه: لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم، ولا من يتبعنا بأن يصرفه عنكم. وقيل: تبيعا: مطالبا. ومنه قوله تعالى: "فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" يقول: على صاحب الدم اتباع بالمعروف، أي المطالبة بالدية، وعلى المطالب أداء إليه بإحسان.

التدبر :

وقفة
[69] ﴿أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ﴾ حين نجتاز بفضل الله أزمة في حياتنا علينا أن نشكر ربنا؛ فهو قادر أن يعيدنا لنفس المأزق من جديد.
لمسة
[69] ﴿أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ القاصف: الريح التي تقصف كل شيء، والله يخاطبهم: هل أمنتم بعد أن نجاكم الله من الغرق ثم كفرتم به، أن يعيدكم للبحر مرة أخرى، وقال (يعيدكم فيه)، ولم يقل (إليه) للإشعار باستقرارهم فيه، ثم يرسل عليكم ريح تغرقكم بكفركم، فقد كفرتم بألوهيته أولًا، ثم كفرتم بنعمة إنجائه لكم من الغرق ثانيًا، فإن أغرقكم اليوم فلن تبدوا لكم تبيعًا يطالب بثاركم ودمائكم، وهذا ارتقاء في التهديد بعدم وجود من ينقذهم، بعد أن هددهم بالغرق لأن الغريق قد يجد له منقذًا.
تفاعل
[69] ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[69] ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ﴾ كلمة (ريح) في القرآن الكريم تستعمل للشَّر كما في الآية، أما كلمة (الرياح) فهي تستعمل للخير كالرياح المبشِّرات.
وقفة
[69] ﴿فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ متى يعي هذه من لا يزال يتساءل: كيف غرقت سفينة (تايتنك)؟!
وقفة
[69] ﴿فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فتدبيره سبحانه دقيق، وسلطانه عظيم؛ فليحذر من ذلك كل ذي لب.

الإعراب :

  • ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً
  • هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة السابقة. أم: حرف عطف متصلة لأنها مسبوقة باستفهام و «كم» في «يعيدكم» ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. ولم يعرب قسم من الآية في هذه الصفحة لأنه أعربت في الآية الكريمة السابقة.
  • ﴿ فِيهِ تارَةً أُخْرى:
  • جار ومجرور متعلق بيعيدكم. تارة: أصلها «تأرة» حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال وهي ظرف زمان متعلق بيعيدكم بمعنى حينا أو مرة. منصوب على الظرفية بالفتحة. أخرى: صفة-نعت-لتارة منصوبة بالفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
  • ﴿ مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «قاصفا» فيغرقكم: معطوفة بالفاء على «يرسل» وتعرب إعراب يعيدكم.
  • ﴿ بِما كَفَرْتُمْ:
  • الباء: حرف جر. ما: مصدرية. كفرتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. و «ما» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بيغرقكم التقدير: بكفرانكم النعمة وجملة «كفرتم» صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب
  • ﴿ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً:
  • جار ومجرور متعلق بحال من «تبيعا».به: أي بذلك: جار ومجرور متعلق بتجدوا. تبيعا: أي تابعا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى مطالبا يتبعنا. '

المتشابهات :

الإسراء: 69﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ
الملك: 17﴿ أَمْ أَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [69] لما قبلها :     وبعد بيان أن قدرته تعالى لا يعجزها شيء؛ هَدَّدَهم اللهُ عز وجل هنا بالخَسفِ والغَرَقِ، قال تعالى:
﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يعيدكم:
قرئ:
1- بالنون، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
2- بياء الغيبة، وهى قراءة باقى القراء.
فيرسل:
قرئ:
1- بالنون، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
2- بياء الغيبة، وهى قراءة باقى القراء.
فيغرقكم:
قرئ:
1- بالنون، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
2- بياء الغيبة، وهى قراءة باقى القراء.
3- بتاء الخطاب، مسندا إلى «الريح» ، وهى قراءة مجاهد، وأبى جعفر.
4- بياء الغيبة، وفتح الغين، وشد الراء، معدى بالتضعف، وهى قراءة الحسن، وأبى رجاء.
5- بتاء الخطاب وفتح الغين وشد الراء، ورويت عن أبى جعفر.
6- بالنون وإسكان الغين وإدغام القاف فى الكاف، وهى قراءة حميد، ورويت عن أبى عمرو، وابن محيصن.
الريح:
1- بالإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- الرياح، بالجمع، وهى قراءة أبى جعفر.

مدارسة الآية : [70] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ ..

التفسير :

[70] ولقد كرَّمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل، وسَخَّرنا لهم جميع ما في الكون، وسَخَّرنا لهم الدواب في البر والسفن في البحر لحملهم، ورزقناهم من طيبات المطاعم والمشارب، وفضَّلناهم على كثير من المخلوقات تفضيلاً عظيماً.

وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة.

{ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ} على الركاب من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية.{ وَ} في{ الْبَحْرِ} في السفن والمراكب{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} من المآكل والمشارب والملابس والمناكح. فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به ويسره لهم غاية التيسير.

{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات.

أفلا يقومون بشكر من أولى النعم ودفع النقم ولا تحجبهم النعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة ربهم بل ربما استعانوا بها على معاصيه.

قال الآلوسى: قوله: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... أى: جعلناهم قاطبة برهم وفاجرهم، ذوى كرم، أى: شرف ومحاسن جمة لا يحيط بها نطاق الحصر..» .

ومن مظاهر تكريم الله- تعالى- لبنى آدم، أنه خلقهم في أحسن تقويم، كما قال- تعالى-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.

وأنه ميزهم بالعقل والنطق والاستعدادات المتعددة، التي جعلتهم أهلا لحمل الأمانة، كما قال- سبحانه-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ... .

وأنه سخر الكثير من مخلوقاته لمنفعتهم ومصلحتهم، قال- تعالى-: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ، وَسَخَّرَ لَكُمُ

اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها، إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ .

وأنه سجل هذا التكريم في القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكفاهم بذلك شرفا وفخرا.

وقوله- تعالى- وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بيان لنوع من أنواع هذا التكريم. أى:

وحملناهم بقدرتنا ورعايتنا في البر على الدواب وغير ذلك من وسائل الانتقال كالقطارات والسيارات وغيرها، وحملناهم في البحر على السفن وعابرات البحار التي تنقلهم من مكان إلى آخر.

وقوله: وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ بيان لنوع آخر من أنواع التكريم. أى: ورزقناهم بفضلنا وإحساننا من طيبات المطاعم والمشارب والملابس، التي يستلذونها، ولا يستغنون عنها في حياتهم.

وقوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا بيان لنوع ثالث من أنواع التكريم، أى: وبسبب هذا التكريم فضلناهم على كثير من مخلوقاتنا التي لا تحصى، تفضيلا عظيما.

وعلى هذا التفسير يكون التفضيل لونا من ألوان التكريم الذي منحه الله- تعالى- لبنى آدم.

وبعضهم يرى أن هناك فرقا بين التكريم والتفضيل، ومن هذا البعض الإمام الفخر الرازي، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: لقد قال الله- تعالى- في أول الآية وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وقال في آخرها وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا. ولا بد من الفرق بين هذا التكريم والتفضيل وإلا لزم التكرار.

والأقرب أن يقال: إنه- تعالى- فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية، مثل: العقل، والنطق، والصورة الحسنة.. ثم إنه- تعالى- عرضه بواسطة ذلك لاكتساب العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة فالأول: هو التكريم، والثاني: هو التفضيل» .

وكأن الفخر الرازي يرى أن التكريم يرجع إلى الصفات الخلقية التي امتاز بها بنو آدم، أما التفضيل فيرجع إلى ما اكتسبوه من عقائد سليمة، وأخلاق قويمة.

هذا، وقد أخذ صاحب الكشاف من هذه الجملة وهي قوله- تعالى-: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أن الملائكة أفضل من البشر، لأنهم- أى الملائكة- هم المقصودون بالقليل الذي لم يفضل عليه بنو آدم.

قال- رحمه الله-: قوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا ... هو ما سوى الملائكة وحسب بنى آدم تفضيلا، أن ترفع عليهم الملائكة- وهم هم-، ومنزلتهم عند الله منزلتهم ... » .

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بالتفضيل هنا: تفضيل الجنس، ولا يلزم منه تفضيل كل فرد على كل فرد.

قال الجمل ما ملخصه: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا المراد تفضيل جنس البشر على أجناس غيره كالملائكة، ولا يلزم من تفضيل جنس البشر على جنس الملك تفضيل الأفراد، إذ الملائكة في جملتهم أفضل من البشر غير الأنبياء. وصلحاء البشر- كالصديق- أفضل من عوام الملائكة، أى: غير الرؤساء منهم، على المعتمد من طريقة التفضيل» .

والذي تطمئن إليه النفس في هذه المسألة- والله أعلم-: أن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- أفضل من الملائكة جميعا، لأن الله- تعالى- قد أمر الملائكة بالسجود لآدم الذي جعله خليفة له في أرضه، دون غيره من الملائكة ...

وأن الرسل من الملائكة- كجبريل وإسرافيل وعزرائيل وميكائيل- أفضل من عموم البشر- سوى الأنبياء-، لأن هؤلاء الرسل قد اصطفاهم الله- تعالى- واختارهم لوظائف معينة، قال- تعالى- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ.

وأن صلحاء البشر- كالعشرة المبشرين بالجنة- أفضل من عامة الملائكة، لأن الملائكة ليست فيهم شهوة تدفعهم إلى مخالفة ما أمر الله به ... أما بنو آدم فقد ركب الله- تعالى- فيهم شهوة داعية إلى ارتكاب المعصية، ومقاومة هذه الشهوات جهاد يؤدى إلى رفع الدرجات ...

ومن العلماء الذين بسطوا القول في هذه المسألة الإمام الفخر الرازي، فليرجع إليه من شاء

يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كما قال ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) [ التين 4 ] أي يمشي قائما منتصبا على رجليه ويأكل بيديه وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية

( وحملناهم في البر ) أي على الدواب من الأنعام والخيل والبغال وفي " البحر أيضا على السفن الكبار والصغار

( ورزقناهم من الطيبات ) أي من زروع وثمار ولحوم وألبان من سائر أنواع الطعوم والألوان المشتهاة اللذيذة والمناظر الحسنة والملابس الرفيعة من سائر الأنواع على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها مما يصنعونه لأنفسهم ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي

( وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) أي من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات .

وقد استدل بهذه الآية على أفضلية جنس البشر على جنس الملائكة قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم قال قالت الملائكة يا ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة فقال الله وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان .

وهذا الحديث مرسل من هذا الوجه وقد روي من وجه آخر متصلا

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي حدثنا حجاج بن محمد حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة قالت يا ربنا أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة قال لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن ، فكان .

وقد روى ابن عساكر من طريق محمد بن أيوب الرازي حدثنا الحسن بن علي بن خلف الصيدلاني حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثني عثمان بن حصن بن عبيدة بن علاق سمعت عروة بن رويم اللخمي حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة قالوا : ربنا خلقتنا وخلقت بني آدم فجعلتهم يأكلون الطعام ويشربون الشراب ويلبسون الثياب ويتزوجون النساء ويركبون الدواب ينامون ويستريحون ولم تجعل لنا من ذلك شيئا فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال الله عز وجل لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان "

وقال الطبراني حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا عمر بن سهل حدثنا عبيد الله بن تمام عن خالد الحذاء عن بشر بن شغاف عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل يا رسول الله ولا الملائكة قال ولا الملائكة الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر " وهذا حديث غريب جدا

يقول تعالى ذكره ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) بتسليطنا إياهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم ( وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ ) على ظهور الدوابّ والمراكب ( و) في ( البَحْرِ) في الفلك التي سخرناها لهم ( وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) يقول: من طيبات المطاعم والمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ) ذكر لنا أن ذلك تمكنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها ورفعها بها إلى أفواههم، وذلك غير متيسر لغيرهم من الخلق.

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ).... الآية، قال ( وَفَضَّلْنَاهُمْ ) في اليدين يأكل بهما، ويعمل بهما، وما سوى الإنس يأكل بغير ذلك.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم، في قوله ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) قال: قالت الملائكة: يا ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها، ويتنعَّمون، ولم تعطنا ذلك، فأعطناه في الآخرة، فقال: وعزّتي لا أجعل ذرّية من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ الكرامة جزء من هويتك، وجيناتك جزء من وجودك، لا تفتقر لوجود أي أحد سواك، دعهم يرحلون، لن ترحل معهم كرامتك.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ كم احتفى القرآن بقصة آدم عليه السلام، وبتكريم الإنسان، وجعله منطلقًا للحضارة الراقية! ثم تنقلب الموازين لدى ما يسمى بالعالم المتحضر؛ ليضم الإنسان إلى جملة الموارد التي يجمعون بها المال ويشبعون بها الشهوات، مثله مثل باقي الموارد المادية والمالية التي تحتاجها المؤسسات، وهذا ما جعل الدنيا تعلو والآخرة تخبو!
عمل
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ ابحث عن إيمانك بهذه الآية وأنت تنظر في الوجوه المسحوقة والمرأة الضعيفة المتسولة، والباحثين في صناديق القمامة، يا لها من سعادة حين تستشعر عظمة الإنسان وكرامته وشراكته مهما ساءت به الأحوال!
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ من الفطرة أن تكرم من تحب؛ ولقد كرمنا ربنا بكثير من النعم، أفي حبه لنا شك؟! إنه عز وجل يحبنا.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ جميع وجوه الإكرام، بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، فجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم نعم ظاهرة وباطنة.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ امتن الله على عباده في هذه الآية بخمس منن: التكريم، وتسخير المراكب في البر، وتسخير المراكب في البحر، والرزق من الطيبات، والتفضيل على كثير من المخلوقات.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ تعددت أقوال المفسرين في المراد بهذا (التكريم)، فقال ابن عباس: «كرمهم بالعقل»، وقال الضحاك: «بالنطق»، وقال عطاء: «تعديل القامة وامتدادها»، وقال زيد بن أسلم: «بالمطاعم والملذات»، وقال الطبري: «بالتسلط على غيرهم من الخلق وتسخيرهم لهم»، وقال محمد بن کعب: «بجعل محمد ﷺ منهم»، وقال الآلوسی: «والكل في الحقيقة على سبيل التمثيل ومن ادعى الحصر في واحد فقد ادعى غلطًا، ورام شططًا، وخالف صريح العقل، وصحيح النقل».
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ ويأبى البَعضُ على نفسِه إلا الذُّل والهوان! كرّمك ربك، فانأَ بنفسِك عن الأدناس.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ فجنس الآدمي -ولو كان كافرًا- مكرَّم بالعقل والعلم وغير ذلك، فلا يجوز ظلمه، ولا لطمه على وجهه، ولا بخسه حقه، فأي دين أعظم من هذا الدين الذي حفظ لكلٍ قدره وكرامته! لا يفرق بين أسود ولا أبيض، ولا حر ولا عبد.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ اصطفاء وتكريم وعناية ورعاية وتفضيل؛ فهل رعينا ذلك حق الرعاية؟! اللهم ارزقنا شكر نعمتك ولزوم طاعتك وتجنب مقتك ودواعي سخطك.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ كل ابن آدم فائز بهذا التكريم، لعل هذا الإحساس الراقي المفعم بالإنسانية يساهم في بناء دعوة عالمية، فكل مكرم يليق به أن يصغي لكلمة الحق وهو جدير بفهمها، كائنًا من كان في سلم الوعي الحضاري.
لمسة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ لا بد من وجود فرق بين (التكريم) و(التفضيل)، وإلا كان تكرارًا، وقد أجاب الرازي عن هذا، فقال: «الأقرب أن يقال: إنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية، مثل: العقل، والنطق، والخط، والصورة الحسنة، والقامة المديدة، ثم إنه تعالی عرضه بواسطة ذلك العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة، فالأول هو التكريم، والثاني هو التفضيل».
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ فالدنيا قَرْيَة والمُؤمن رئيسها، والكل مَشْغُول بِهِ ساع في مَصالِحه، والكل قد أقيم في خدمته وحوائجه، فالملائكة الَّذين هم حَملَة عرش الرَّحْمَن ومن حوله يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، والمَلائِكَة الموكلون بِهِ يَحْفَظُونَهُ، والموكلون بالقطر والنبات يسعون في رزقه ويعملون فِيهِ، والأفلاك سخرت منقادة دائِرَة بِما فِيهِ مَصالِحه، والشَّمْس والقَمَر والنجوم مسخرات جاريات بِحِساب أزمنته وأوقاته وإصْلاح رواتب أقواته، والعالم الجوي مسخر لَهُ برياحه وهوائه وسحابه وطيره وما اودع فِيهِ، والعالم السفلي كُله مسخر لَهُ مَخْلُوق لمصالحه أرضه وجباله وبحاره وأنهاره وأشجاره وثماره ونباته وحيوانه وكل ما فِيهِ.
وقفة
[70] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ قال ابن عاشور: «جمعت الآية خمس نعم امتن الله بها: التكريم، وتسخير المراكب في البر، وتسخير المراكب في البحر، والرزق من الطيبات، والتفضيل على كثير من المخلوقات».
تفاعل
[70] ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[70] ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الصحيح الذى يعول عليه: أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله، ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل، وأنزلت الكتب؛ فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس، وأدركت تفاصيل الأشياء.
تفاعل
[70] ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ لم يقل سبحانه (كل)، ولا (أكثر)، وإنما قال (كثير)، لا تحرفك سطوة السياق عن دقة التعبير وصدقه.
وقفة
[70] ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ قواعد التفضيل عند العلماء: ذهب جمهور العلماء إلى أن خواص البشر -كالمرسلين- أفضل من خواص الملائكة، والصديقون من البشر أفضل من عوام الملائكة، وخواص الملائكة أفضل من عامة البشر، وعامة الملائكة أفضل من عامة البشر من غير الصديقين وأمثالهم، ولبعض البشر نوع ميزة على الملائكة؛ ومن ثم قال بعضهم: إن جنس البشر أكرم الأجناس على الله، قال النسفي في تعليل ذلك: وهذا لأنهم مجبولون على الطاعة، ففيهم عقل بلا شهوة، وفي البهائم شهوة بلا عقل، وفي الآدمي كلاهما، فمن غلب عقله شهوته فهو أكرم من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم.
وقفة
[70] هل فضل الله بني آدم على جميع خلقه؟ تأمل ماذا تدل عليه الآية: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنا:
  • الواو: استئنافية. اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. كرم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ بَنِي آدَمَ:
  • مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت النون للاضافة. آدم: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-لأنه معرفة وعلى وزن أفعل.
  • ﴿ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ:
  • معطوفة بالواو على «كرمنا» وتعرب إعرابها. و«هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به والجار والمجرور فِي الْبَرِّ» متعلق بحملنا. والبحر: معطوفة بالواو على فِي الْبَرِّ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ:
  • الجملتان تعربان اعراب وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ».
  • ﴿ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً:
  • من: حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «كثير» خلقنا: تعرب اعراب «كرمنا» وجملة «خلقنا» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به والتقدير «خلقناهم» تفضيلا: مفعول مطلق يفيد التوكيد. '

المتشابهات :

الإسراء: 70﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا
الجاثية: 16﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [70] لما قبلها :     وبعد تهديد المشركين بالعذابِ في البرِّ والبحرِ، بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا تكريمَه لبني آدمَ، وعَدَّدَ نعمَه عليهم في البرِّ والبحرِ، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [71] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ..

التفسير :

[71] اذكر -أيها الرسول- يوم البعث مبشراً ومخوفاً، حين يدعو الله عز وجل كل جماعة من الناس مع إمامهم الذي كانوا يقتدون به في الدنيا، فمن كان منهم صالحاً، وأُعطي كتاب أعماله بيمينه، فهؤلاء يقرؤون كتاب حسناتهم فرحين مستبشرين، ولا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم الص

يخبر تعالى عن حال الخلق يوم القيامة، وأنه يدعو كل أناس، ومعهم إمامهم وهاديهم إلى الرشد، وهم الرسل ونوابهم، فتعرض كل أمة، ويحضرها رسولهم الذي دعاهم، وتعرض أعمالهم على الكتاب الذي يدعو إليه الرسول، هل هي موافقة له أم لا؟ فينقسمون بهذا قسمين:{ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} لكونه اتبع إمامه، الهادي إلى صراط مستقيم، واهتدى بكتابه، فكثرت حسناته، وقلت سيئاته{ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ} قراءة سرور وبهجة، على ما يرون فيها مما يفرحهم ويسرهم.{ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} مما عملوه من الحسنات.

وقوله- سبحانه-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ شروع في بيان تفاوت أحوال بنى آدم في الآخرة، بعد بيان حالهم في الدنيا.

ولفظ يَوْمَ منصوب بفعل محذوف، أى: واذكر يوم ندعو كل أناس بإمامهم. والمراد بإمامهم هنا: كتاب أعمالهم.

وقد اختار هذا القول الإمام ابن كثير ورجحه فقال: يخبر الله- تعالى- عن يوم القيامة، أنه يحاسب كل أمة بإمامهم، وقد اختلفوا في ذلك. فقال مجاهد وقتادة أى: بنبيهم، وهذا كقوله- تعالى-: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ...

وقال ابن زيد: بإمامهم أى بكتابهم الذي أنزل على نبيهم من التشريع، واختاره ابن جرير ...

وروى العوفى عن ابن عباس في قوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ أى: بكتاب أعمالهم ...

وهذا القول هو الأرجح لقوله- تعالى-: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ، وقال- تعالى-: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ..

ويحتمل أن المراد بإمامهم: أن كل قوم بمن يأتمون به، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء- عليهم السلام-، وأهل الكفر ائتموا بأئمتهم في الكفر ...

وفي الصحيحين: «لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ... » الحديث ...

ثم قال- رحمه الله- ولكن المراد هاهنا بالإمام، هو كتاب الأعمال .

والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتعتبر وتتعظ- يوم ندعو كل أناس من بنى آدم الذين كرمناهم وفضلناهم على كثير من خلقنا، بكتاب أعمالهم الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة الذين أخلصوا دينهم لله فقال- تعالى-: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا.

أى: فمن أوتى من بنى آدم يوم القيامة، كتابه بيمينه، بأن ثقلت موازين حسناته على سيئاته، فأولئك السعداء يقرءون كتابهم بسرور وابتهاج، ولا ينقصون من أجورهم قدر فتيل، وهو الخيط المستطيل في شق النواة، وبه يضرب المثل في الشيء القليل ومن في قوله فَمَنْ أُوتِيَ يجوز أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة، ودخلت الفاء في الخبر وهو «فأولئك» لشبهه بالشرط.

وجاء التعبير في قوله أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ بالإفراد، حملا على لفظ من، وجاء التعبير بالجمع في فَأُولئِكَ حملا على معناها.

وفي قوله- سبحانه- بِيَمِينِهِ تشريف وتبشير لصاحب هذا الكتاب المليء بالإيمان والعمل الصالح وقال- سبحانه-: فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ بالإظهار، ولم يقل: يقرءونه، لمزيد العناية بهؤلاء السعداء، ولبيان أن هذا الكتاب تبتهج النفوس بتكرار اسمه.

يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم

وقد اختلفوا في ذلك فقال مجاهد وقتادة أي بنبيهم وهذا كقوله : ( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) [ يونس 47 .

وقال بعض السلف هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم

وقال ابن زيد بكتابهم الذي أنزل على نبيهم من التشريع

واختاره ابن جرير وروي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال : بكتبهم فيحتمل أن يكون أراد هذا وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) أي بكتاب أعمالهم وكذا قال أبو العالية والحسن والضحاك وهذا القول هو الأرجح لقوله تعالى : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) يس : 12 ] وقال تعالى ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) الكهف : 49 ]

وقال تعالى : ( وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) الجاثية : 28 ، 29 .

وهذا لا ينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم الله بين أمته فإنه لا بد أن يكون شاهدا عليها بأعمالها كما قال : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ) الزمر : 69 ، وقال ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) النساء : 41 .

ولكن المراد هاهنا بالإمام هو كتاب الأعمال ولهذا قال تعالى : ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ) أي من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح يقرؤه ويحب قراءته كما قال تعالى : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ) إلى أن قال ( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه ) الحاقة : 19 26 .

وقوله : ( ولا يظلمون فتيلا ) قد تقدم أن الفتيل هو الخيط المستطيل في شق النواة

وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثا في هذا فقال حدثنا محمد بن يعمر ومحمد بن عثمان بن كرامة قالا : حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) قال يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة تتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا فيأتيهم فيقول لهم : أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا وأما الكافر فيسود وجهه ويمد له في جسمه ويراه أصحابه فيقولون نعوذ بالله من هذا أو من شر هذا اللهم لا تأتنا به فيأتيهم فيقولون اللهم أخزه فيقول أبعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا

ثم قال البزار لا يروى إلا من هذا الوجه .

اختلفت أهل التأويل في معنى الإمام الذي ذكر الله جلّ ثناؤه أنه يدعو كلّ أناس به، فقال بعضهم: هو نبيّه، ومن كان يقتدى به في الدنيا ويأتمّ به.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل، عن ليث، عن مجاهد ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: نبيهم.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: نبيهم.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( بِإِمَامِهِمْ ) قال: نبيهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.

حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: نبيهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قالا ثنا سعيد، عن قتادة، مثله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يدعوهم بكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: الإمام: ما عمل وأملى، فكتب عليه، فمن بعث متقيا لله جَعَل كتابه بيمينه، فقرأه واستبشر، ولم يظلم فتيلا وهو مثل قوله وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ والإمام: ما أملى وعمل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: بأعمالهم.

حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن: بكتابهم الذي فيه أعمالهم.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) يقول: بكتابهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: بأعمالهم.

وقال آخرون: بل معناه: يوم ندعو كلّ أناس بكتابهم الذي أنـزلت عليهم فيه أمري ونهيي.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت يحيى بن زيد في قول الله عزّ وجلّ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: بكتابهم الذي أنـزل عليهم فيه أمر الله ونهيه وفرائضه، والذي عليه يحاسبون، وقرأ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا قال: الشرعة: الدين، والمنهاج: السنة، وقرأ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا قال: فنوح أوّلهم، وأنت آخرهم.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) بكتابهم.

وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به، ويأتمُّون به في الدنيا، لأن الأغلب من استعمال العرب الإمام فيما ائتمّ واقتدي به، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر أولى ما لم تثبت حجة بخلافه يجب التسليم لها.

وقوله ( فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ) يقول: فمن أعطي كتاب عمله بيمينه ( فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ ) ذلك حتى يعرفوا جميع ما فيه ( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا ) يقول تعالى ذكره: ولا يظلمهم الله من جزاء أعمالهم فتيلا وهو المنفتل الذي في شقّ بطن النواة. وقد مضى البيان عن الفَتيل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله ( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا ) قال: الذي في شقّ النواة.

التدبر :

وقفة
[71] ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ فمن إمامك الذي ائتممت به لتكون معه يوم القيامة؟!
وقفة
[71] ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ ما المقصود بإمامهم هل هو نبيهم؟ الجواب: مختلف في معنى الإمام هنا، لكن الطبري رجح بقوله: «معنى ذلك: يوم ندعو كل أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به، ويأتمون به في الدنيا، لأن الأغلب من استعمال العرب الإمام فيما ائتم واقتدي به، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر أولى ما لم تثبت حجة بخلافه يجب التسليم لها».
عمل
[71] انظر من هو قدوتك قبل فوات الأوان؟ فإن ربك يقول: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾.
وقفة
[71] ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ الفتيل هو الخيط الذي في شق نواة التمرة، والمعنى أنهم لا يظلمون من أعمالهم قليلًا ولا كثيرًا؛ فعبر بأقل الأشياء تنبيهًا على الأكثر.
وقفة
[71] ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ كل أمة تُدْعَى إلى دينها وكتابها، هل عملت به أم لا؟ والله لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه ومخالفته لها.
وقفة
[71] ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ من ضعف العبد أنه بعد إنجاء الله تعالى له وتفريج كربته، فإنه سرعان ما يعود إلى غفلته وإعراضه وفساده.
تفاعل
[71] ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[71] ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ لم يذكر اليد الشمال، كما ذكر اليد اليمنى في أخذ الكتاب، واقتصر هنا على ذكر السبب في كونه يأخذ كتابه بشماله، وهو عماه عن الحق في الدنيا، ظل معه في الآخرة.
وقفة
[71] ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ ما معنى فتيلًا؟ الجواب: الخيط الرقيق الذي يكون في شقِّ النواة.

الإعراب :

  • ﴿ يَوْمَ نَدْعُوا:
  • يوم: مفعول به بمضمر تقديره أذكر. منصوب بالفتحة. ندعو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل وزيدت الألف بعد الواو تشبيها بواو الجماعة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. وجملة «ندعو» في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. أناس: مضاف إليه مجرور بالكسرة. بإمام: جار ومجرور متعلق بندعو و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَمَنْ أُوتِيَ:
  • الفاء: استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع. أوتي: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «أوتي» فعل ماض في محل جزم بمن.
  • ﴿ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بيمينه: جار ومجرور متعلق بأوتي والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى فمن أوتي من هؤلاء المدعوين كتابه بيمينه.
  • ﴿ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة جواب الشرط‍ و «أولاء» اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف للخطاب. وقيل أولئك لأن «من» في معنى الجمع. يقرأون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. كتاب: مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وجملة يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ» في محل رفع خبر «أولئك».
  • ﴿ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً:
  • الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. يظلمون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. فتيلا: نائب عن المصدر منصوب بالفتحة بمعنى ولا يظلمون أقل شيء أي ولا ينقصون في ثوابهم أدنى شيء. '

المتشابهات :

الإسراء: 71﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا
الحاقة: 19﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ
الإنشقاق: 7﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [71] لما قبلها :     وبعد أن ذكَرَ اللهُ عز وجل أحوالَ بني آدم في الدنيا، وذكر أنه أكرمهم على كثيرٍ من خلقه، وفضلهم عليهم تفضيلًا؛ بَيَّنَ هنا تفاوت أحوال بني آدم في الآخرة، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ندعو:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- يدعو، بياء الغيبة أي: يدعو الله، وهى قراءة مجاهد.
3- يدعى، مبنيا للمفعول، و «كل» مرفوع به، وهى قراءة الحسن، فيما ذكر أبو عمرو الداني.

مدارسة الآية : [72] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى ..

التفسير :

[72] ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن دلائل قدرة الله فلم يؤمن بما جاء به الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو في يوم القيامة أشدُّ عمى عن سلوك طريق الجنة، وأضل طريقاً عن الهداية والرشاد.

{ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ} الدنيا{ أَعْمَى} عن الحق فلم يقبله، ولم ينقد له، بل اتبع الضلال.{ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} عن سلوك طريق الجنة كما لم يسلكه في الدنيا،{ وَأَضَلُّ سَبِيلًا} فإن الجزاء من جنس العمل، كما تدين تدان.

وفي هذه الآية دليل على أن كل أمة تدعى إلى دينها وكتابها، هل عملت به أم لا؟

وأنهم لا يؤاخذون بشرع نبي لم يؤمروا باتباعه، وأن الله لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه ومخالفته لها.

وأن أهل الخير، يعطون كتبهم بأيمانهم، ويحصل لهم من الفرح والسرور شيء عظيم، وأن أهل الشر بعكس ذلك، لأنهم لا يقدرون على قراءة كتبهم، من شدة غمهم وحزنهم وثبورهم.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من أوتى كتابه بشماله فقال: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا.

والمراد بالعمى هنا: عمى القلب لا عمى العين، بدليل قوله- تعالى-: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.

والمعنى: ومن كان من بنى آدم في هذه الدنيا أعمى القلب، مطموس البصيرة، بسبب إيثاره الكفر على الإيمان، فهو في الدار الآخرة أشد عمى، وأضل سبيلا منه في الدنيا، لأنه في الدنيا كان في إمكانه أن يتدارك ما فاته أما في الآخرة فلا تدارك لما فاته.

وعبر- سبحانه- عن الذي أوتى كتابه بشماله بقوله- وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى للإرشاد إلى العلة التي بسببها أصابه الشقاء في الآخرة، وهي- فقدانه النظر السليم، وإيثاره الغي على الرشد، والباطل على الحق..

ومما يدل على أن المراد به من أوتى كتابه بشماله، مقابلته لمن أوتى كتابه بيمينه، كما جاء في آيات كثيرة منها قوله- تعالى-: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ. قُطُوفُها دانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ: يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لبنى آدم من التكريم والتفضيل ما من شأنه أن يحملهم على إخلاص العبادة لخالقهم، وعلى امتثال أمره، واجتناب نهيه، لكي يكونوا من السعداء في دنياهم وآخرتهم.

ثم حكى- سبحانه- جانبا من المسالك الخبيثة، التي سلكها المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم لزحزحته عن التمسك بدعوته، وكيف أن الله- تعالى- قد عصمه من كيدهم، فقال- سبحانه-:

وقوله ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) قال ابن عباس ومجاهد ، وقتادة وابن زيد : ( ومن كان في هذه ) أي في الحياة الدنيا ( أعمى ) عن حجج الله وآياته وبيناته ( فهو في الآخرة أعمى ) أي كذلك يكون ( وأضل سبيلا ) أي وأضل منه كما كان في الدنيا عياذا بالله من ذلك .

اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه بقوله هذه ، فقال بعضهم: أشير بذلك إلى النعم التي عدّدها تعالى ذكره بقوله وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا فقال ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا ).

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، قال: سئل عن هذه الآية ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا ) فقال: قال وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا قال: من عمي عن شكر هذه النعم في الدنيا، فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن قُدرة الله فيها وحججه، فهو في الآخرة أعمى.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى ) يقول: من عمي عن قُدرة الله في الدنيا( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فِي هَذِهِ أَعْمَى ) قال: الدنيا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) يقول: من كان في هذه الدنيا أعمى عما عاين فيها من نعم الله وخلقه وعجائبه ( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا ) فيما يغيب عنه من أمر الآخرة وأعمى.

حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى ) في الدنيا فيما أراه الله من آياته من خلق السماوات والأرض والجبال والنجوم ( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ ) الغائبة التي لم يرها( أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا ) .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسئل عن قول الله تعالى ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا ) فقرأ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وقرأ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وقرأ حتى بلغ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ قال: كلّ له مطيعون، إلا ابن آدم. قال: فمن كانت في هذه الآيات التي يعرف أنها منا، ويشهد عليها وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى، فهو في الآخرة التي لم يرها أعمى وأضلّ سبيلا.

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن حجج الله على أنه المنفرد بخلقها وتدبيرها، وتصريف ما فيها، فهو في أمر الآخرة التي لم يرها ولم يعاينها، وفيما هو كائن فيها أعمى وأضلّ سبيلا يقول: وأضلّ طريقا منه في أمر الدنيا التي قد عاينها ورآها.

وإنما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصواب، لأن الله تعالى ذكره لم يخصص في قوله ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ ) الدنيا( أَعْمَى ) عمى الكافر به عن بعض حججه عليه فيها دون بعض، فيوجه ذلك إلى عماه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم، وحمله إياهم في البرّ والبحر، وما عدد في الآية التي ذكر فيها نعمه عليهم، بل عمّ بالخبر عن عماه في الدنيا، فهم كما عمّ تعالى ذكره.

واختلف القرّاء في قراءة قوله ( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) فكسرت القَرأة جميعا أعني الحرف الأوّل قوله ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى ) . وأما قوله ( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) فإن عامة قرّاء الكوفيين أمالت أيضا قوله ( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) وأما بعض قرّاء البصرة فإنه فتحه، وتأوّله بمعنى : فهو في الآخرة أشدّ عمى. واستشهد لصحة قراءته بقوله ( وَأَضَلُّ سَبِيلا ) .

وهذه القراءة هي أوْلى القراءتين في ذلك بالصواب للشاهد الذي ذكرنا عن قارئه كذلك، وإنما كره من كره قراءته كذلك ظنا منه أن ذلك مقصود به قصد عمى العينين الذي لا يوصف أحد بأنه أعمى من آخر أعمى، إذ كان عمى البصر لا يتفاوت، فيكون أحدهما أزيد عمى من الآخر، إلا بإدخال أشدّ أو أبين، فليس الأمر في ذلك كذلك.

وإنما قلنا: ذلك من عمى القلب الذي يقع فيه التفاوت، فإنما عُنِي به عمى، قلوب الكفار، عن حجج الله التي قد عاينتها أبصارهم، فلذلك جاز ذلك وحسُن.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) قال: أعمى عن حجته في الآخرة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ أعمى، وإن نال أعلى الشهادات!
وقفة
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ عن سلوك طريق الجنة كما لم يسلكه في الدنيا، ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ فإن الجزاء من جنس العمل، كما تدين تدان.
لمسة
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ الإشارة بـ(هذه) إلى الدنيا، والعمى يراد به عمى القلب؛ أي: من كان في الدنيا أعمى عن الهدى والصواب فهو في يوم القيامة أعمى؛ أي: حيران، يائس من الخير.
تفاعل
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ أعمى في الدنيا والآخرة! تلك حياة من استحوذ عليه الشيطان، اللهم إنا نسألك البصيرة والرشد.
اسقاط
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ لا تُعطِ الدنيا كثير اهتمام، حتى الذِّكر لا تستحقُّه.
وقفة
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ حقيقة مرعبة للمؤمن، تجعله يستعيذ بالله من عمى البصيرة، فالعمى هنا عمى البصيرة لا البصر، ولهذا يعاقب هؤلاء -كما في آخر السورة- بحشرهم إلى النار: ﴿عُميا وبكمًا وصُمّا﴾ [97]، نعوذ بالله من العمى عن الحق، واللجج في الباطل.
وقفة
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ يا لحقارة الدنيا! حتى الاسم لا تستحقّه.
وقفة
[72] ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ إذ كان في الدنيا يتعامى، وقضى عمره أعمى البصيرة، وإن لم يكن أعمى البصر في الحقيقة، لكنه في الآخرة سيخسر البصر والبصيرة معًا.
وقفة
[72] من كان مستوحشًا مع الله بمعصيته إياه في هذه الحياة، فوحشته معه في البرزخ ويوم المعاد أعظم وأشد ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾.
لمسة
[72] ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ ليست وصفًا، وإنما تفضيل لعمي الأخرة على عمى الدنيا، أي أنه في الآخرة أشد عمى، وعماه في الدنيا عمى بصيرة، لكن عماه في الآخرة عمي بصر.
لمسة
[72] ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ معلوم أنه كان ضالًّا في الدنيا، فكيف يكون أضل في الآخرة؟ الجواب: لأن ضلاله في الدنيا كان يمكن تدارکه بالرجوع إلى الحق، وأما ضلال الآخرة فلا يمكن تدارکه.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى:
  • الواو: عاطفة. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم بمن لأنه فعل الشرط‍ واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. في: حرف جر. هذه: اسم اشارة مبني على الكسر في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق بأعمى والاشارة الى الدنيا. أي: ومن كان في الدنيا لأن في الجواب وردت «الآخرة».أعمى: خبر «كان» منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر «من».
  • ﴿ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: رابطة لجواب الشرط‍.هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. في الآخرة: جار ومجرور متعلق بأعمى. أعمى: خبر هو مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. بتقدير: أعمى منه في الدنيا أو عن الآخرة.
  • ﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلاً:
  • معطوفة بالواو على «أعمى» الثانية مرفوعة بالضمة الظاهرة ولم تنون الكلمة لأنها ممنوعة من الصرف-التنوين-على وزن-أفعل-صيغة تفضيل وبوزن الفعل و «سبيلا» تمييز منصوب بالفتحة. بمعنى وأضل سبيلا من الأعمى وهو من عمى القلب. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [72] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل مصيرَ السُّعَداءِ؛ ذكرَ هنا مصيرَ الأشقياء، قال تعالى:
﴿ وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [73] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي ..

التفسير :

[73] ولقد قارب المشركون أن يصرفوك -أيها الرسول- عن القرآن الذي أنزله الله إليك؛ لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، ولو فعلت ما أرادوه لاتخذوك حبيباً خالصاً.

يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق، فقال:{ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا} أي:قد كادوا لك أمرًا لم يدركوه، وتحيلوا لك، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك، فتجيء بما يوافق أهواءهم، وتدع ما أنزل الله إليك.

{ وَإِذَا} لو فعلت ما يهوون{ لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} أي حبيبًا صفيًا، أعز عليهم من أحبابهم، لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، المحببة للقريب والبعيد، والصديق والعدو.

ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة، إلا للحق الذي جئت به لا لذاتك، كما قال الله تعالى{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}

ذكر المفسرون في سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات روايات منها ما جاء عن سعيد بن جبير أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود في طوافه، فمنعته قريش وقالوا: لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا ... فأبى الله- تعالى- ذلك، وأنزل عليه هذه الآية.

وروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت في وفد ثقيف، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه شططا: وقالوا: متعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يهدى لها. وحرم وادينا كما حرمت مكة، حتى تعرف العرب فضلنا عليهم ... فنزلت هذه الآية .

وإِنْ في قوله وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن.

وكاد من أفعال المقاربة. ولَيَفْتِنُونَكَ من الفتنة، وأصلها الاختبار والامتحان. يقال: فتن الصائغ الذهب، أى: اختبره ليعرف جيده من خبيثة، ويقال:

فتنت الرجل عن رأيه، إذا أزلته عما كان عليه، وهو المراد هنا.

والمعنى وإن شأن هؤلاء المشركين، أنهم قاربوا في ظنهم الباطل، وزعمهم الكاذب، أن يخدعوك ويفتنوك- أيها الرسول الكريم- عما أوحينا إليك من هذا القرآن، لكي تفترى علينا غيره، وتتقول علينا أقوالا ما أنزل الله بها من سلطان.

وقوله: وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا بيان لحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم لو أنه أطاعهم فيما اقترحوه عليه.

قال الجمل ما ملخصه: «وإذا حرف جواب وجزاء يقدر بلو الشرطية. وقوله:

لَاتَّخَذُوكَ جواب قسم محذوف تقديره: والله لاتخذوك، وهو مستقبل في المعنى، لأن إذا تقتضي الاستقبال، إذ معناها المجازاة، وهذا كقوله- تعالى-: وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ أى: ليظلوا .

والمعنى: لو أنك- أيها الرسول الكريم- وافقتهم على مقترحاتهم الفاسدة لأحبوا ذلك منك، ولصاروا أصدقاء لك في مستقبل أيامك.

وقد بين القرآن الكريم في كثير من آياته، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عن مقترحاتهم ورفضها، ولم يلتفت إليها، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ، فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ .

يخبر تعالى عن تأييد رسوله - صلوات الله عليه وسلامه - وتثبيته ، وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار ، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره ، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه ، بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه ، في مشارق الأرض ومغاربها ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

اختلف أهل التأويل في الفتنة التي كاد المشركون أن يفتنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عن الذي أوحى الله إليه إلى غيره، فقال بعضهم: ذلك الإلمام بالآلهة، لأن المشركين دعوه إلى ذلك، فهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القُمِّي، عن جعفر، عن سعيد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش، وقالوا: لا ندَعُه حتى يلم بآلهتنا، فحدّث نفسه، وقال: ما عَلَيَّ أنْ أُلِمَّ بِها بَعْدَ أنْ يَدَعُونِي أسْتَلِمُ الحَجَرَ، وَالله يَعْلَمُ أنّي لَهَا كارهٌ، فَأَبى الله، فَأَنـزلَ الله ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ) الآية.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسوّدونه ويقاربونه، وكان في قولهم أن قالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا، فما زالوا يكلِّمونه حتى كاد أن يقارفهم (4) ثم منعه الله وعصمه من ذلك، فقال وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ) قال: أطافوا به ليلة، فقالوا: أنت سيدنا وابن سيدنا، فأرادوه على بعض ما يريدون فهم أن يقارفهم (5) في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله، فذلك قوله لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا الذي أرادوا فهم أن يقارفهم فيه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: قالوا له: ائت آلهتنا فامْسَسْها، فذلك قوله شَيْئًا قَلِيلا .

وقال آخرون: إنما كان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن ينظر قوما بإسلامهم إلى مدة سألوه الإنظار إليها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا ) وذلك أن ثقيفا كانوا قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أجِّلنا سنة حتى يُهْدَى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يُهْدى لآلهتنا أخذناه، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم، وأن يؤجِّلهم، فقال الله وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا .

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن نبيّه صلى الله عليه وسلم، أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه ليعمل بغيره، وذلك هو الافتراء على الله، وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يمسّ آلهتهم، ويلمّ بها، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكر عن ابن عباس من أمر ثقيف، ومسألتهم إياه ما سألوه مما ذكرنا، وجائز أن يكون غير ذلك، ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أيّ ذلك كان، والاختلاف فيه موجود على ما ذكرنا ، فلا شيء فيه أصوب من الإيمان بظاهره، حتى يأتي خبر يجب التسليم له ببيان ما عُني بذلك منه.

وقوله ( وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا ) يقول تعالى ذكره: ولو فعلت ما دَعَوْك إليه من الفتنة عن الذي أوحينا إليك لاتخذوك إذا لأنفسهم خليلا وكنت لهم وكانوا لك أولياء.

--------------------------

الهوامش :

(4) يقارفهم: يقاربهم ويدانيهم (اللسان).

(5) يقارفهم: يقاربهم ويدانيهم (اللسان).

التدبر :

وقفة
[73] ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ لم ييأس الكفرة من محاولة فتنة أشد الخلق ثباتًا وأقواهم إيمانًا صلى الله عليه وسلم، فهل يظن ظان أنه بمعزل عن الفتن خاصة في زمن اشتدادها وتلونها؟! فلا منجى ولا ملجأ إلا بالاستمساك بحبل الله المتين.
لمسة
[73] ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ هنا إثبات لعصمة النبي ﷺ، فقولك: كاد زيد يفعل معناه أنه لم يفعل، قال ابن عباس: «كل شيء في القرآن کاد، وأكاد، ويكاد، فإنه لا يكون أبدًا».
وقفة
[73] ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ حين يذيلونها باسم غربي، وكتاب مترجم.
وقفة
[73] ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة إلا للحق الذي جئت به، لا لذاتك.
وقفة
[73] الرغبة بمحبة الناس توقع الإنسان في التنازل عن الحق لأجلهم ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾.
وقفة
[73] أصحاب الشر في كل زمان إن داهنتهم وجاملتهم ومشيت على هواهم ومسلكهم؛ كنت لهم ذلك الخل الوفي ﴿وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾.
عمل
[73] اتهم رأيك وراجع حساباتك؛ حينما يثني عليك أعداؤك، ويشيدون بمواقفك ﴿وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾.
وقفة
[73، 74] ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ من ظنَّ أنه في معزل عن إغواء شياطين الإنس والجن، وأنه مستغن عن سؤال الله الثبات، فهو واهم، بل غارق في الوهم، فمن الناس بعد رسول الله ﷺ؟

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ:
  • الواو: استئنافية. إن: مخففة من «إنّ» الثقيلة وهي حرف مشبه بالفعل واسمها ضمير الشأن في محل نصب. كادوا: فعل ماض ناقص من أخوات «كان» بمعنى أو شكوا أو قاربوا مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كاد» والألف فارقة. اللام: فارقة وهي نفسها اللام المزحلقة وسميت فارقة لأنها تفرق وتميز «إن» المخففة من «إن» النافية. يفتنونك: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ» في محل رفع خبر «إن» والجملة الفعلية لَيَفْتِنُونَكَ» في محل نصب خبر «كاد» بمعنى إن الشأن قاربوا أن يفتنوك: أي يخدعوك فاتنين لتنصرف عن الذي أوحيناه إليك.
  • ﴿ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ:
  • جار ومجرور متعلق بيفتنون وحرك آخر «عن» بالكسر لالتقاء الساكنين. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعن. أوحينا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. اليك: جار ومجرور متعلق بأوحينا. وجملة «أوحينا» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به والتقدير: أوحيناه اليك. من أوامرنا ونواهينا.
  • ﴿ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ:
  • اللام: لام التعليل حرف جر. تفتري: أي تتقول أو تختلق: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه: الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيفتنون وجملة «تفتري» صلة «أن» المصدرية لا محل لها. علينا: جار ومجرور متعلق بتفتري. غيره: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً:
  • الواو: استئنافية. إذا: حرف مكافأة وجواب لا عمل له. لاتخذوك: اللام: واقعة في جواب «لو» الشرطية المقدرة. أي ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك. اتخذوك: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. خليلا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. وجملة «لاتخذوك» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. '

المتشابهات :

البقرة: 230﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
الإسراء: 73﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ
النساء: 140﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ
الأنعام: 68﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وإن كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ في وفْدِ ثَقِيفٍ، أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَألُوا شَطَطًا وقالُوا: مَتِّعْنا بِاللّاتِ سَنَةً، وحَرِّمْ وادِيَنا كَما حَرَّمْتَ مَكَّةَ شَجَرَها وطَيْرَها ووَحْشَها. فَأبى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يُجِبْهم، فَأقْبَلُوا يُكَرِّرُونَ مَسْألَتَهم، وقالُوا: إنّا نُحِبُّ أنْ تَعْرِفَ العَرَبُ فَضْلَنا عَلَيْهِمْ، فَإنْ كَرِهْتَ ما نَقُولُ وخَشِيتَ أنْ تَقُولَ العَرَبُ: أعْطَيْتَهم ما لَمْ تُعْطِنا. فَقُلِ: اللَّهُ أمَرَنِي بِذَلِكَ. فَأمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهم، وداخَلَهُمُ الطَّمَعُ، فَصاحَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ: أما تَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أمْسَكَ عَنْ جَوابِكم كَراهِيَةً لِما تَجِيئُونَ بِهِ ؟ وقَدْ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يُعْطِيَهم ذَلِكَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قالَ المُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لا نَكُفُّ عَنْكَ إلّا بِأنْ تُلِمَّ بِآلِهَتِنا ولَوْ بِطَرَفِ أصابِعِكَ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”ما عَلَيَّ لَوْ فَعَلْتُ واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي كارِهٌ“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وإن كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿نَصِيرًا﴾ .وقالَ قَتادَةُ: ذُكِرَ لَنا أنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذاتَ لَيْلَةٍ إلى الصُّبْحِ، يُكَلِّمُونَهُ ويُفَخِّمُونَهُ ويُسَوِّدُونَهُ ويُقارِبُونَهُ، وقالُوا: إنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لا يَأْتِي بِهِ أحَدٌ مِنَ النّاسِ، وأنْتَ سَيِّدُنا وابْنُ سَيِّدِنا. فَما زالُوا بِهِ حَتّى كادَ يُقارِبُهم في بَعْضِ ما يُرِيدُونَ، ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّهُ مِن ذَلِكَ، وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [73] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل دَرَجات الخَلقِ في الآخرةِ، وشرَحَ أحوالَ السُّعَداءِ؛ ذكرَ هنا ما يَجري مَجرى تَحذيرِ السُّعَداءِ مِن الاغترارِ بوَساوِسِ أربابِ الضَّلالِ، والانخداعِ بكَلامِهم المُشتَمِلِ على المَكرِ والتَّلبيسِ، قال تعالى:
﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [74] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ ..

التفسير :

[74] ولولا أن ثبَّتناك على الحق، وعصمناك عن موافقتهم، لَقاربْتَ أن تميل إليهم شيئاً من الميل فيما اقترحوه عليك؛ لقوة خداعهم وشدة احتيالهم، ولرغبتك في هدايتهم.

{ وَ} مع هذا فـ{ لَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} على الحق، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم،{ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} من كثرة المعالجة، ومحبتك لهدايتهم.

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.

أى: ولولا تثبيتنا إياك- أيها الرسول الكريم- على ما أنت عليه من الحق والصدق، بأن عصمناك من كيدهم لقاربت أن تميل ميلا قليلا، بسبب شدة احتيالهم وخداعهم.

قال بعض العلماء: وهذه الآية أوضحت غاية الإيضاح، براءة نبينا صلى الله عليه وسلم من مقاربة الركون إلى الكفار، فضلا عن نفس الركون لأن لَوْلا حرف امتناع لوجود، فمقاربة الركون منعتها لَوْلا الامتناعية لوجود التثبيت من الله- تعالى- لأكرم خلقه صلى الله عليه وسلم فاتضح يقينا انتفاء مقاربة الركون- أى الميل-، فضلا عن الركون نفسه.

وهذه الآية تبين ما قبلها، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يقارب الركون إليهم مطلقا. لأن قوله:

لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا أى: قاربت تركن إليهم، هو عين الممنوع بلو لا الامتناعية .

ومما يشهد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقارب الركون من مقترحات الكافرين، قول ابن عباس- رضى الله عنهما- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوما، ولكن هذا تعريف للأمة، لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله- تعالى- وشرائعه.

وعن قتادة أنه قال: لما نزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .

يخبر تعالى عن تأييد رسوله - صلوات الله عليه وسلامه - وتثبيته ، وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار ، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره ، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه ، بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه ، في مشارق الأرض ومغاربها ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

يقول تعالى ذكره: ولولا أن ثبَّتناك يا محمد بعصمتنا إياك عما دعاك إليه هؤلاء المشركون من الفتنة ( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ) يقول: لقد كدت تميل إليهم وتطمئنّ شيئا قليلا وذلك ما كان صلى الله عليه وسلم همّ به من أن يفعل بعض الذي كانوا سألوه فعله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر حين نزلت هذه الآية، ما حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكلني إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ .

التدبر :

وقفة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ﴾ ليس بذكائك، ولا بعقلك، ولا بجهدك وصبرك، ولا بحرصك وسعيك، ولا بمالك وجاهك، ولا بقوة قلبك؛ ولكنه تثبيت الله الأحد الله الصمد.
وقفة
[74] الله يقول لنبيه: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ﴾، والخليل يقول: ﴿واجنبني وبني أن نعبد الأصنام﴾ [إبراهيم: 35]؛ الثبات على الدين منَّة من مالك يوم الدين.
وقفة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ في هذه الآيات دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه، وأنه ينبغي له أن لا يزال متملقًا لربه أن يثبته على الإيمان، ساعيًا في كل سبب موصل إلى ذلك؛ لأن النبي ﷺ -وهو أكمل الخلق- قال الله له: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ فكيف بغيره؟!
عمل
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ رسول الله ﷺ احتاج لتثبيت الله له، فادع أنت بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ».
وقفة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ الثبات على الاستقامة ليست إحدى الإنجازات، هي هبة ربانية محضة، ليس لها إلا الاعتراف والشكر.
وقفة
[74]﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ تستشعر سخافة موقف من يأمن الثبات على دينه لأنَّ الله رزقه عقلًا وفهمًا!
وقفة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ ركون العالِم إلى أعداء دينه وإن كان يسيرًا، دمار مريع لمبادئه التي كان يناضل عنها.
وقفة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ إذا كان أكمل الخلقﷺ مفتقرًا إلى تثبيت الله عز وجل له فكيف بغيره؟! اللهم ثبتنا على الإيمان.
وقفة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ الله تعالى عصم النبي من أسباب الشر ومن البشر، فثبته وهداه الصراط المستقيم، ولورثته مثل ذلك على حسب اتباعهم له.
وقفة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ الثبات على السنة ليس بقوة عزيمتك، الثبات لا يستمد إلا من الوهاب: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ [آل عمران: 8]، قل: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» .
لمسة
[74] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ الركون هو أدنى الميل، فنفى الله عن نبيه الشيء اليسير من الركون، فلم يقترب ﷺ أدني الأدنى من الميل إلى المشركين، وهذا صريح في أن النبي ﷺ لم يُهِمَّ بإجابتهم.
وقفة
[74] أنت بحاجة لتثبيت ربك؛ تأمل قوله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ ولذلك كان أكثر دعائه ﷺ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» [الترمذي 3522، وصححه الألباني].
تفاعل
[74] قال الله جل الله لنبيه: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ قل: «اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك».
وقفة
[74] تحت قوله: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27] كنز عظيم، من وُفِّق لمظنته وأحسن استخراجه، واقتناءه، وأنفق منه، فقد غنم، ومن حُرِمه فقد حُرِم؛ وذلك أن العبد لا يستغني عن تثبيت الله له طرفة عين، فإن لم يثبته، زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما، وقد قال تعالى لأكرم خلقه عليه عبده ورسوله: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[74] حين تقرأ في كتاب الله: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ تستشعر سخافةَ موقف من يأمن الثبات على دينه؛ لأنَّ الله رزقه عقلًا وفهمًا!
وقفة
[74] المبادئ والمواقف الأخلاقية لا تتجزأ: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49]، ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[74] لا يأمن عاقل أن ينخدع بكلام أهل الضلال وإشاعاتهم مهما بلغ علمًا، فالله قال عن نبيه المعصوم: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[74] استقامتك وثباتك على الطاعة ليس مكتسبًا شخصيًا ولا إنجازًا ذاتيًا، بل محض تفضل ومنة من الله ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾، لذلك كان أكثر دعائه ﷺ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» [الترمذي 3522، وصححه الألباني].
وقفة
[74] ليس بين العبد وبين الفتنة إلا أن يَكِلَهُ اللهُ إلى شهواتِه وشياطينه: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾.
عمل
[74، 75] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ قف متدبرًا لـ (قَلِيلًا) وانظر الواقع، ثم تأمل العاقبة المذهلة: ﴿إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾.
وقفة
[74، 75] ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ الآية دالة على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن مرتكبه وارتفاع منزلته، وعلى أن أدنى مداهنة للغواة مضادة لله، وخروج عن ولايته، فعلى من تلاها أن يتدبرها وأن يستشعر الخشية وعظيم التصلب في الدين.
وقفة
[74، 75] السيئة قد تعظم فيعظم جزاؤها بسبب حرمة المكان: كقوله تعالى: ﴿مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25]، أو حرمة الزمان: كقوله تعالى في الأشهر الحرام: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦]، أو بسبب عظم الإنسان المخالف: كقوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ:
  • الواو: عاطفة. لولا: حرف شرط‍ غير جازم. أن: حرف مصدري. ثبت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ وخبره محذوف وجوبا وجملة «ثبتناك» صلة «أن» المصدرية لا محل لها. أي ولولا تثبيتنا لك وعصمتنا.
  • ﴿ لَقَدْ كِدْتَ:
  • اللام: لام الابتداء أو التوكيد وقعت جوابا للحرف «لولا».قد: حرف تحقيق. كدت: فعل ماض ناقص من أخوات «كان» مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب والتاء ضمير متصل في محل رفع اسم «كاد».
  • ﴿ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كاد» بمعنى لقاربت أن تميل الى خدعهم ومكرهم. تركن: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الى: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بإلى والجار والمجرور متعلق بتركن والجملة الفعلية «جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ شَيْئاً قَلِيلاً:
  • مفعول مطلق في موضع المصدر منصوب بالفتحة. أي ركونا شيئا. قليلا: صفة-نعت-لشيئا منصوبة بالفتحة أيضا. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [74] لما قبلها :     وبعد التحذير من الاغترارِ بوَساوِسِ أربابِ الضَّلالِ، والانخداعِ بكَلامِهم؛ امتنَّ اللهُ عز وجل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم هنا بثلاث نعم: النعمة الأولى: لمَّا ثبَّته عندما حاولَ المشركونَ صرفَه عن القرآن، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [75] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ ..

التفسير :

[75] ولو رَكَنت -أيها الرسول- إلى هؤلاء المشركين ركوناً قليلاً فيما سألوك، إذاً لأذقناك مِثْلَي عذاب الحياة في الدنيا ومثْلَي عذاب الممات في الآخرة؛ وذلك لتمام نعمة الله عليك وكمال معرفتك بربِّك، ثم لا تجد أحداً ينصرك ويدفع عنك عذابنا.

{ إذًا} لو ركنت إليهم بما يهوون{ لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} أي لأصبناك بعذاب مضاعف ، في الحياة الدنيا والآخرة ، وذلك لكمال نعمة الله عليك ، وكمال معرفتك.

{ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} ينقذك مما يحل بك من العذاب، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر، ومن البشر فثبتك وهداك الصراط المستقيم، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه، فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة.

ثم بين- سبحانه- ما كان سيترتب على الركون إليهم- على سبيل الفرض من عقاب فقال- تعالى-: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً.

والضعف: عبارة عن أن يضم إلى شيء مثله.

أى: لو قاربت- أيها الرسول الكريم- أن تركن إليهم أقل ركون، أو تميل إليهم أدنى ميل، لأنزلنا بك عذابا مضاعفا في الدنيا وعذابا مضاعفا في الآخرة، ثم لا تجد لك بعد ذلك نصيرا ينصرك علينا، أو ظهيرا يدفع عنك عذابنا، أو يحميك منه، كما قال- تعالى-:

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ.

والسبب في تضعيف العذاب، أن الخطأ يعظم بمقدار عظم صاحبه، ويصغر بمقدار صغره، ورحم الله القائل:

وكبائر الرجل الصغير صغائر ... وصغائر الرجل الكبير كبائر

والرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق على الإطلاق، لذا توعده الله- تعالى- بمضاعفة العذاب، لو ركن إلى المشركين أدنى ركون.

وقريب من هذا المعنى قوله- تعالى- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً .

قال صاحب الكشاف: وفي ذكر الكيدودة وتقليلها، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين، دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته، وفيه دليل على أن أدنى مداهنه للغواة، مضادة لله وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآيات أن يجثو عندها ويتدبرها فهي جديرة بالتدبر وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب في دين الله .

إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا

يخبر تعالى عن تأييد رسوله - صلوات الله عليه وسلامه - وتثبيته ، وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار ، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره ، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه ، بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه ، في مشارق الأرض ومغاربها ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

يقول تعالى ذكره: لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله ( إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) يعني: ضعف عذاب الدنيا والآخرة.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله ( ضِعْفَ الْحَيَاةِ ) قال: عذابها( وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) قال: عذاب الآخرة.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) : أي عذاب الدنيا والآخرة.

حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) يعني عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله ( إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ ) مختصر، كقولك: ضعف عذاب الحياة ( وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) فهما عذابان، عذاب الممات به ضوعف عذاب الحياة. وقوله ( ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) يقول: ثم لا تجد لك يا محمد إن نحن أذقناك لركونك إلى هؤلاء المشركين لو ركنت إليهم، عذاب الحياة وعذاب الممات علينا نصيرا ينصرك علينا، ويمنعك من عذابك، وينقذك مما نالك منا من عقوبة.

التدبر :

وقفة
[75] ﴿إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾، وقال: ﴿يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين﴾ [الأحزاب: 30]، قال القرافي: «وهذه عادة الله تعالى في خلقه: من عظمت عليه نعمته اشتدت عليه نقمته».
وقفة
[75] ﴿إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ فيها أن العقاب يُضاعف على من زاغ بقدر ماعلِم عن ربه.
وقفة
[75] ﴿إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ هذا الوعيد موجه إلى من؟! إلى خير الخلق المعصوم ﷺ، فلا محاباة في المبدأ، ولو كان مع رسول الله ﷺ ؟ إنه القانون الصارم الساري على الجميع، وهو جدير أن يبعث الخوف في قلب كل مؤمن من أدنی مداهنة على حساب دينه، فهي سبب جالب لغضب الله وعذابه.
وقفة
[75] بحسب علو مرتبة العبد، وتواتر النِّعَمِ عليه من الله يعظم إثمه، ويتضاعف جرمه إذا فعل ما يلام عليه؛ لأن الله ذكَّر رسوله لو فعل -وحاشاه من ذلك- بقوله: ﴿إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾.
وقفة
[75] ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ بركونك قليلًا إلى أصحاب الأهواء قد يوقعك في الهلاك، ولا ناصر لك أبدًا هناك.

الإعراب :

  • ﴿ إِذاً لَأَذَقْناكَ:
  • حرف مكافأة وجواب لا عمل له. لأذقناك: اللام واقعة في جواب «لو» المقدرة أي لو قاربت الركون اليهم لأذقناك. أذاق: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ:
  • بمعنى: ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة. ضعف: مفعول به منصوب بالفتحة. الحياة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وضعف الممات: معطوفة بالواو على ضِعْفَ الْحَياةِ» وتعرب إعرابها. وأصل القول: لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان. هذا ما قاله الزمخشري. فكان أصل الكلام لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ثم أضيفت الصفة إلى اضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات. ويجوز أن يكون: ضعف العذاب حيا وميتا.
  • ﴿ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ:
  • ثم: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. تجد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره أنت. لك: جار ومجرور متعلق بتجد.
  • ﴿ عَلَيْنا نَصِيراً:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «نصيرا».نصيرا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

الإسراء: 75﴿إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا
الإسراء: 86﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وإن كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ في وفْدِ ثَقِيفٍ، أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَألُوا شَطَطًا وقالُوا: مَتِّعْنا بِاللّاتِ سَنَةً، وحَرِّمْ وادِيَنا كَما حَرَّمْتَ مَكَّةَ شَجَرَها وطَيْرَها ووَحْشَها. فَأبى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يُجِبْهم، فَأقْبَلُوا يُكَرِّرُونَ مَسْألَتَهم، وقالُوا: إنّا نُحِبُّ أنْ تَعْرِفَ العَرَبُ فَضْلَنا عَلَيْهِمْ، فَإنْ كَرِهْتَ ما نَقُولُ وخَشِيتَ أنْ تَقُولَ العَرَبُ: أعْطَيْتَهم ما لَمْ تُعْطِنا. فَقُلِ: اللَّهُ أمَرَنِي بِذَلِكَ. فَأمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهم، وداخَلَهُمُ الطَّمَعُ، فَصاحَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ: أما تَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أمْسَكَ عَنْ جَوابِكم كَراهِيَةً لِما تَجِيئُونَ بِهِ ؟ وقَدْ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يُعْطِيَهم ذَلِكَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قالَ المُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لا نَكُفُّ عَنْكَ إلّا بِأنْ تُلِمَّ بِآلِهَتِنا ولَوْ بِطَرَفِ أصابِعِكَ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”ما عَلَيَّ لَوْ فَعَلْتُ واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي كارِهٌ“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وإن كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿نَصِيرًا﴾ .وقالَ قَتادَةُ: ذُكِرَ لَنا أنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذاتَ لَيْلَةٍ إلى الصُّبْحِ، يُكَلِّمُونَهُ ويُفَخِّمُونَهُ ويُسَوِّدُونَهُ ويُقارِبُونَهُ، وقالُوا: إنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لا يَأْتِي بِهِ أحَدٌ مِنَ النّاسِ، وأنْتَ سَيِّدُنا وابْنُ سَيِّدِنا. فَما زالُوا بِهِ حَتّى كادَ يُقارِبُهم في بَعْضِ ما يُرِيدُونَ، ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّهُ مِن ذَلِكَ، وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [75] لما قبلها :     وبعد أن امتنَّ اللهُ عز وجل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم أن ثَبته؛ بَيَّنَ هنا ما كان سيترتب على الركون إليهم -على سبيل الفرض- من عقاب، قال تعالى:
﴿ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف