ترتيب المصحف | 7 | ترتيب النزول | 39 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 26.00 |
عدد الآيات | 206 | عدد الأجزاء | 1.25 |
عدد الأحزاب | 2.50 | عدد الأرباع | 10.00 |
ترتيب الطول | 4 | تبدأ في الجزء | 8 |
تنتهي في الجزء | 9 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 3/29 | آلمص: 1/1 |
لمَّا بَيَّنَ أنَّ هذه الأصنامَ لا تصلُحُ للألُوهيةِ؛ بَيَّنَ هنا أنَّ الواجِبَ على كلِّ عاقلٍ عبادةُ اللهِ، ثُمَّ بيانُ المنهجِ القويمِ في معاملةِ النَّاسِ ثُمَّ معَ الشيطانِ.
لمَّا بَيَّنَ أنَّ شياطينَ الجِنِّ والإنسِ لا يُقصِّرونَ في الإغواءِ والإضلالِ؛ بَيَّنَ هنا نوعًا مِن أنواعِ الإغواءِ والإضلالِ، وهو: أنَّهم كانُوا يَطلبُونَ آياتٍ مُعَيَّنةً، ومعجزاتٍ مَخصوصةً على سبيلِ التعنُّتِ.
التفسير :
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الذي يتولاني فيجلب لي المنافع ويدفع عني المضار. الَّذِي نـزلَ الْكِتَابَ الذي فيه الهدى والشفاء والنور، وهو من توليته وتربيته لعباده الخاصة الدينية. وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ الذين صلحت نياتهم وأعمالهم وأقوالهم، كما قال تعالى:اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ فالمؤمنون الصالحون - لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى، ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر - تولاهم اللّه ولطف بهم وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم، في دينهم ودنياهم، ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه، كما قال تعالى:إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا .
ثم بين لهم الأسباب التي دعته إلى تحديهم وتبكيتهم فقال إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.
أى: قل يا محمد لهؤلاء الضالين إننى ما تحديتكم وطلبت كيدكم وكيد أصنامكم- إن كنتم أنتم وهم تقدرون على ذلك على سبيل الفرض- إلا لأنى معتز بالله وحده، فهو ناصري ومتولى أمرى، وهو الذي نزل هذا القرآن لأخرجكم به من الظلمات إلى النور، وقد جرت سنته- سبحانه- أن يتولى الصالحين وأن يجعل العاقبة لهم.
قال الحسن البصري: إن المشركين كانوا يخوفون الرسول صلّى الله عليه وسلّم بآلهتهم فقال- تعالى- قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ الآية- ليظهر لكم أنه لا قدرة لها على إيصال المضار إلى بوجه من الوجوه.
وهذا كما قال هود- عليه السلام- لقومه ردا على قولهم. إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ- قالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ.
( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) أي : الله حسبي وكافي ، وهو نصيري وعليه متكلي ، وإليه ألجأ ، وهو وليي في الدنيا والآخرة ، وهو ولي كل صالح بعدي . وهذا كما قال هود ، عليه السلام ، لما قال له قومه : ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) [ هود : 54 - 56 ] وكقول الخليل [ عليه السلام ] ( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين [ والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ] ) [ الشعراء : 75 - 80 ] الآيات ، وكقوله لأبيه وقومه ( إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ) [ الزخرف : 26 - 28 ]
القول في تأويل قوله : إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَـزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للمشركين من عبدة الأوثان = " إن وليي"، نصيري ومعيني وظهيري عليكم (1) =(الله الذي نـزل الكتاب) عليّ بالحق, وهو الذي يتولى من صلح عمله بطاعته من خلقه.
------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير (( الولي )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ولى ) .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ولى:
1- بياء مشددة وهى ياء «فعيل» ، أدغمت فى لام الكلمة، وياء المتكلم مفتوحة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بياء واحدة مشددة مفتوحة، وهى قراءة أبى عمرو.
التفسير :
وهذا أيضا في بيان عدم استحقاق هذه الأصنام التي يعبدونها من دون اللّه لشيء من العبادة، لأنها ليس لها استطاعة ولا اقتدار في نصر أنفسهم، ولا في نصر عابديها، وليس لها قوة العقل والاستجابة.
ثم قال- تعالى- وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أى: والذين تعبدونهم من دون الله أو تنادونهم لدفع الضر أو جلب النفع لا يستطيعون نصركم في أى أمر من الأمور، وفضلا عن ذلك فهم لا يستطيعون رفع الأذى عن أنفسهم إذا ما اعتدى عليهم معتد.
وقوله : ( والذين تدعون من دونه ) إلى آخر الآية ، مؤكد لما تقدم ، إلا أنه بصيغة الخطاب ، وذلك بصيغة الغيبة ; ولهذا قال : ( لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون )
وقال السدي : المراد بهذا المشركون وروي عن مجاهد نحوه . والأول أولى ، وهو اختيار ابن جرير ، وقاله قتادة .
القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)
قال أبو جعفر: وهذا أيضًا أمر من الله جل ثناؤه لنبيه أن يقوله للمشركين. يقول له تعالى ذكره : (2) قل لهم, إن الله نصيري وظهيري, والذين تدعون أنتم أيها المشركون من دون الله من الآلهة, لا يستطيعون نصركم, ولا هم مع عجزهم عن نصرتكم يقدرون على نصرة أنفسهم, فأي هذين أولى بالعبادة وأحق بالألوهة؟ أمن ينصر وليه ويمنع نفسه ممن أراده, أم من لا يستطيع نصر وليه ويعجز عن منع نفسه ممن أراده وبَغاه بمكروه؟
-----------------
الهوامش :
(2) في المطبوعة : (( بقوله تعالى )) ، وفي المخطوطة مثله غير منقوط ، والصواب : (( يقول له )) .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 197 | ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾ |
---|
فاطر: 13 | ﴿ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فلو دعوتها إلى الهدى لم تهتد، وهي صور لا حياة فيها، فتراهم ينظرون إليك، وهم لا يبصرون حقيقة، لأنهم صوروها على صور الحيوانات من الآدميين أو غيرهم، وجعلوا لها أبصارا وأعضاء، فإذا رأيتها قلت:هذه حية، فإذا تأملتها عرفت أنها جمادات لا حراك بها، ولا حياة، فبأي رأي اتخذها المشركون آلهة مع اللّه؟ ولأي مصلحة أو نفع عكفوا عندها وتقربوا لها بأنواع العبادات؟ فإذا عرف هذا، عرف أن المشركين وآلهتهم التي عبدوها، لو اجتمعوا، وأرادوا أن يكيدوا من تولاه فاطر الأرض والسماوات، متولي أحوال عباده الصالحين، لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر، لكمال عجزهم وعجزها، وكمال قوة اللّه واقتداره، وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه. وقيل:إن معنى قوله وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ أن الضمير يعود إلى المشركين المكذبين لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فتحسبهم ينظرون إليك يا رسول اللّه نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق.
ثم قال- تعالى- وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى أى: إلى أن يرشدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم من النصر على الأعداء أو غير ذلك لا يَسْمَعُوا أى: لا يسمعوا شيئا مما تطلبونه منهم، ولو سمعوا- على سبيل الفرض- ما استجابوا لكم لعجزهم عن فعل أى شيء.
وقوله وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ بيان لعجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السمع، أى: وترى هذه الأصنام كأنها تنظر إليك بواسطة تلك العيون الصناعية التي ركبت فيها ولكنها في الواقع لا تبصر لخلوها من الحياة.
وبذلك تكون هذه الآيات الكريمة قد وبخت المشركين وآلهتهم أعظم توبيخ، وأثبتت بالأدلة المنطقية الحكيمة، وبوسائل الحس والمشاهدة أن هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، وأن الذين قالوا في شأنها ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى هم قوم غافلون جاهلون، قد هبطوا بعقولهم إلى أحيط الدركات، لأنهم يتقربون إلى الله زلفى عن طريق ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنهم شيئا، بل لا يستطيع أن يدفع الأذى عن نفسه.
وفي الوقت نفسه فالآيات دعوة قوية لكل عاقل إلى أن يجعل عبادته وخضوعه لله الواحد.
القهار.
ثم تتجه السورة الكريمة بعد ذلك إلى شخص الرسول صلّى الله عليه وسلّم فترسم له ولكل عاقل طريق معاملته للخلق على وجه يقيه شر الحرج والضيق فتقول.
وقوله : ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) كقوله تعالى : ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم [ ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ] ) [ فاطر : 14 ]
وقوله : ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) إنما قال : ( ينظرون إليك ) أي : يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة ، وهي جماد ; ولهذا عاملهم معاملة من يعقل ; لأنها على صور مصورة كالإنسان ، [ فقال ] ( وتراهم ينظرون إليك ) فعبر عنها بضمير من يعقل .
القول في تأويل قوله : وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للمشركين: وإن تدعوا، أيها المشركون، آلهتكم إلى الهدى =وهو الاستقامة إلى السداد=(لا يسمعوا)، يقول: لا يسمعوا دعاءكم =(وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون).
* * *
وهذا خطاب من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم. يقول: وترى، يا محمد، آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون = ولذلك وحَّد. (3) ولو كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب المشركين، لقال: " وترونهم ينظرون إليكم ". (4)
* * *
وقد روى عن السدي في ذلك ما: -
15533 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) قال: هؤلاء المشركين.
* * *
وقد يحتمل قول السدي هذا أن يكون أراد بقوله: " هؤلاء المشركون "، قول الله: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا). وقد كان مجاهد يقول في ذلك، ما: -
15534 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون)، ما تدعوهم إلى الهدى. وكأنّ مجاهدًا وجّه معنى الكلام إلى أن معناه: وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون = فهو وجهٌ, ولكن الكلام في سياق الخبر عن الآلهة، فهو بوصفها أشبه.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما معنى قوله: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) ؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلى شيء ولا يراه؟
قيل: إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئًا أو حاذاه: " هو ينظر إلى كذا ", ويقال: " منـزل فلان ينظر إلى منـزلي" إذا قابله. وحكي عنها: " إذا أتيتَ موضع كذا وكذا, فنظر إليك الجبل, فخذ يمينًا أو شمالا ". وحدثت عن أبي عبيد قال: قال الكسائي: " الحائط ينظر إليك " إذا كان قريبًا منك حيث تراه, ومنه قول الشاعر: (5) إِذَا نَظَــرْتَ بِــلادَ بَنِــي تَمِيــمٍ
بِعَيْــنٍ أَوْ بِــلادَ بَنِــي صُبَــاحِ (6)
يريد: تقابل نبتُها وعُشْبها وتحاذَى.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام: وترى، يا محمد، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، يقابلونك ويحاذونك, وهم لا يبصرونك, لأنه لا أبصار لهم. وقيل: " وتراهم ", ولم يقل: " وتراها ", لأنها صور مصوَّرة على صور بني آدم عليه السلام.
-----------------
الهوامش :
(3) يعني أن الخطاب أولا كان للمشركين جميعا، فقال: "وإن تدعوهم"، ثم قال: "وتراهم" على الإفراد، خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
(4) في المخطوطة : (( وترونهم ينظرون إليك ... )) وبعد (( إليك )) بياض بقدر كلمة . والذي في المطبوعة شبيه بالصواب .
(5) لم أعرف قائله .
(6) نوادر أبي زيد : 131 ، أساس البلاغة ( عين ) ، المقاييس 4 : 203 ، ورواية أبي زيد :إذا نظــرت بــلاد بنــي حـبيب
بعيــنٍ أو بــلاد بنــي صبــاح
رمينـــاهم بكــل أقــب نهــدٍ
وفتيــان الغــدو مــع الــرواح
ولا أدري ما (( بنو حبيب )) ، وأما (( بنو صباح )) ، فهم في ضبة ، والظاهر أن في غيرهم من العرب أيضاً (( بنو صباح )) . انظر الاشتقاق : 122 . ورواية الزمخشري وابن فارس (( بلاد بني نمير )) ، فلا أدري ما أصح ذلك ، حتى يعرف صاحب الشعر، وفيمن قيل . قال الزمخشري قبل استشهاده بالشعر : (( نظرت الأرض بعين أو بعينين )) ، إذا طلع بأرض ما ترعاه الماشية بغير استكمال . وقال ابن فارس : إذا طلع النبت ، وكل هذا محمول ، واستعارة وتشبيه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 193 | ﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ﴾ |
---|
الأعراف: 198 | ﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا﴾ |
---|
الكهف: 57 | ﴿ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي:ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم. وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي:بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، ولما كان لا بد من أذية الجاهل، أمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه.
العفو: يطلق في اللغة على خالص الشيء وجيده، وعلى الفضل الزائد فيه، وعلى السهل الذي لا كلفة فيه.
أى: خذ ما عفا وسهل وتيسر من أخلاق الناس، وارض منهم بما تيسر من أعمالهم وتسهل من غير كلفة. ولا تطلب منهم ما يشق عليهم ويرهقهم حتى لا ينفروا، وكن لينا رفيقا في معاملة أتباعك، فإنك لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أى: مر غيرك بالمعروف المستحسن من الأفعال، وهو كل ما عرف حسنه في الشرع، فإن ذلك أجدر بالقبول من غير نكير، فإن النفوس حين تتعود الخير الواضح الذي لا يحتاج إلى مناقشة وجدال، يسلس قيادها، ويسهل توجيهها.
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الذين لا يدركون قيم الأشياء والأشخاص والكلمات فيما يبدر منهم من أنواع السفاهة والإيذاء لأن الرد على أمثال هؤلاء ومناقشتهم لا تؤدى إلى خير، ولا تنتهي إلى نتيجة. والسكوت عنهم احتزام للنفس، واحترام للقول، وقد يؤدى الإعراض عنهم إلى تذليل نفوسهم وترويضها.
وهذه الآية على قصرها تشتمل- كما قال العلماء- على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الإنسان لأخيه الإنسان، وهي طريق قويم لكل ما تطلبه الإنسانية الفاضلة لأبنائها الأبرار، وقد جاءت في أعقاب حديث طويل عن أدلة وحدانية الله- تعالى- وأبطال الشرك والشركاء، لكي تبين للناس في كل زمان ومكان أن التحلي بمكارم الأخلاق إنما هو نتيجة لإخلاص العبادة لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
قال القرطبي: هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.
فقوله خُذِ الْعَفْوَ دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار.
وفي قوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزّه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغنياء، وغير ذلك من الأخلاق المجيدة والأفعال الرشيدة».
ثم يرشد القرآن المسلمين في شخص الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى ما يهدئ غضبهم ويطفئ ثورتهم فيقول:
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( خذ العفو ) يعني : خذ ما عفا لك من أموالهم ، وما أتوك به من شيء فخذه . وكان هذا قبل أن تنزل " براءة " بفرائض الصدقات وتفصيلها ، وما انتهت إليه الصدقات . قاله السدي .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( خذ العفو ) أنفق الفضل . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : قال : الفضل .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( خذ العفو ) أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين ، ثم أمره بالغلظة عليهم . واختار هذا القول ابن جرير .
وقال غير واحد ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( خذ العفو ) قال : من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسس
وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس . وفي رواية قال : خذ ما عفا لك من أخلاقهم .
وفي صحيح البخاري ، عن هشام ، عن أبيه عروة ، عن أخيه عبد الله بن الزبير قال : إنما أنزل ) خذ العفو ) من أخلاق الناس وفي رواية لغيره : عن هشام ، عن أبيه ، عن ابن عمر . وفي رواية : عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة أنهما قالا مثل ذلك والله أعلم .
وفي رواية سعيد بن منصور ، عن أبي معاوية ، عن هشام ، عن وهب بن كيسان ، عن ابن الزبير : ( خذ العفو ) قال : من أخلاق الناس ، والله لآخذنه منهم ما صحبتهم . وهذا أشهر الأقوال ، ويشهد له ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم جميعا : حدثنا يونس حدثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن أمي قال : لما أنزل الله ، عز وجل ، على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هذا يا جبريل ؟ " قال : إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك .
وقد رواه ابن أبي حاتم أيضا ، عن أبي يزيد القراطيسي كتابة ، عن أصبغ بن الفرج ، عن سفيان ، عن أمي عن الشعبي . نحوه ، وهذا - على كل حال - مرسل ، وقد روي له شاهد من وجوه أخر ، وقد روي مرفوعا عن جابر وقيس بن سعد بن عبادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أسندهما ابن مردويه
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معاذ بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عقبة بن عامر ، رضي الله عنه ، قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته ، فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بفواضل الأعمال . فقال : " يا عقبة ، صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك " .
وروى الترمذي نحوه ، من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، به . وقال حسن
قلت : ولكن " علي بن يزيد " وشيخه " القاسم أبو عبد الرحمن " ، فيهما ضعف .
وقال البخاري قوله : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) " العرف " : المعروف . حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن ابن عباس قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته - كهولا كانوا أو شبابا - فقال عيينة لابن أخيه : يابن أخي ، لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه . قال : سأستأذن لك عليه . قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة ، فأذن له عمر [ رضي الله عنه ] فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل . فغضب عمر حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين ، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله ، عز وجل . انفرد بإخراجه البخاري
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس ، عن عبد الله بن نافع ; أن سالم بن عبد الله بن عمر مر على عير لأهل الشام وفيها جرس ، فقال : إن هذا منهي عنه ، فقالوا : نحن أعلم بهذا منك ، إنما يكره الجلجل الكبير ، فأما مثل هذا فلا بأس به . فسكت سالم وقال : ( وأعرض عن الجاهلين )
وقول البخاري : " العرف : المعروف " نص عليه عروة بن الزبير ، والسدي ، وقتادة ، وابن جرير ، وغير واحد . وحكى ابن جرير أنه يقال : أوليته عرفا ، وعارفا ، وعارفة ، كل ذلك بمعنى : " المعروف " . قال : وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف ، ويدخل في ذلك جميع الطاعات ، وبالإعراض عن الجاهلين ، وذلك وإن كان أمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم فإنه تأديب لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم ، لا بالإعراض عمن جهل الحق الواجب من حق الله ، ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته ، وهو للمسلمين حرب .
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قوله : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) قال : هذه أخلاق أمر الله [ عز وجل ] بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، ودله عليها .
وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى ، فسبكه في بيتين فيهما جناس فقال :
خذ العفو وأمر بعرف كما أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولن في الكلام لكل الأنام فمستحسن من ذوي الجاه لين
وقال بعض العلماء : الناس رجلان : فرجل محسن ، فخذ ما عفا لك من إحسانه ، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه . وإما مسيء ، فمره بالمعروف ، فإن تمادى على ضلاله ، واستعصى عليك ، واستمر في جهله ، فأعرض عنه ، فلعل ذلك أن يرد كيده ، كما قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ]
وقال تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها ) أي هذه الوصية ( إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ]
القول في تأويل قوله : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:
فقال بعضهم: تأويله: (خذ العفو) من أخلاق الناس, وهو الفضل وما لا يجهدهم. (7)
* ذكر من قال ذلك:
15535 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم, عن مجاهد, في قوله: (خذ العفو) قال: من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس. (8)
15536 - حدثنا يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية, عن ليث, عن مجاهد في قوله: (خذ العفو) قال: عفو أخلاق الناس, وعفوَ أمورهم.
15537 - حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثني ابن أبي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبيه في قوله: (خذ العفو)، .. الآية. قال عروة: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. (9)
15538 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن ابن الزبير قال: ما أنـزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس: (خذ العفو وأمر بالعرف)، الآية. (10)
15539 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد: (خذ العفو)، من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس. (11)
15540 - .... قال: حدثنا أبو معاوية, عن هشام بن عروة, عن وهب بن كيسان, عن ابن الزبير: (خذ العفو) قال: من أخلاق الناس, والله لآخذنَّه منهم ما صحبتم. (12)
15541 - .... قال: حدثنا عبدة بن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن ابن الزبير (13) قال: إنما أنـزل الله: (خذ العفو)، من أخلاق الناس.
15542 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (خذ العفو) قال: من أخلاق الناس وأعمالهم، من غير تحسس =أو تجسس, شك أبو عاصم. (14)
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: خذ العفو من أموال الناس, وهو الفضل. قالوا: وأمر بذلك قبل نـزول الزكاة, فلما نـزلت الزكاة نُسِخ.
* ذكر من قال ذلك:
15543 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله (خذ العفو)، يعني: خذ ما عفا لك من أموالهم, وما أتوك به من شيء فخذه. فكان هذا قبل أن تنـزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت الصدقات إليه.
15544 - حدثني محمد بن الحسين. قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (خذ العفو)، أما " العفو ": فالفضل من المال, نسختها الزكاة.
15545 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك, يقول في قوله: (خذ العفو)، يقول: خذ ما عفا من أموالهم. وهذا قبل أن تنـزل الصدقة المفروضة.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك أمرٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن المشركين، وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض قتالهم عليه.
* ذكر من قال ذلك:
15546 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (خذ العفو) قال: أمره فأعرض عنهم عشر سنين بمكة. قال: ثم أمره بالغلظة عليهم، وأن يقعد لهم كل مَرْصَد ، وأن يحصرهم, ثم قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ ، [سورة التوبة: 5 ] الآية، كلها. وقرأ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، [سورة التوبة: 73 / : ] قال وأمر المؤمنين بالغلظة عليهم, فقال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ، [سورة التوبة: 123] بعدما كان أمرهم بالعفو. وقرأ قول الله: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ، [سورة الجاثية: 14] ثم لم يقبل منهم بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل, فنسخت هذه الآية العفو. (15)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: خذ العفو من أخلاق الناس, واترك الغلظة عليهم = وقال: أُمر بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في المشركين.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك تعليمَه نبيَّه صلى الله عليه وسلم محاجَّته المشركين في الكلام, وذلك قوله: قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ ، وعقَّبه بقوله: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ * وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا ، فما بين ذلك بأن يكون من تأديبه نبيَّه صلى الله عليه وسلم في عشرتهم به، (16) أشبهُ وأولى من الاعتراض بأمره بأخذ الصدقة من المسلمين.
* * *
فإن قال قائل: أفمنسوخ ذلك؟
قيل: لا دلالة عندنا على أنه منسوخ, إذ كان جائزًا أن يكون = وإن كان الله أنـزله على نبيه صلى الله عليه وسلم في تعريفه عشرةَ من لم يُؤْمَر بقتاله من المشركين = مرادًا به تأديبُ نبيّ الله والمسلمين جميعًا في عشرة الناس، وأمرهم بأخذ عفو أخلاقهم, فيكون وإن كان من أجلهم نـزل تعليمًا من الله خلقه صفةَ عشرة بعضهم بعضًا, [إذا] لم يجب استعمال الغلظة والشدة في بعضهم, (17) فإذا وجب استعمال ذلك فيهم، استعمل الواجب, فيكون قوله: (خذ العفو)، أمرًا بأخذه ما لم يجب غيرُ العفو, فإذا وجب غيره أخذ الواجب وغير الواجب إذا أمكن ذلك. فلا يحكم على الآية بأنها منسوخة، لما قد بينا ذلك في نظائره في غير موضع من كتبنا. (18)
* * *
وأما قوله: (وأمر بالعرف)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم بما: -
15547 - حدثني الحسن بن الزبرقان النخعي قال: حدثني حسين الجعفي, عن سفيان بن عيينة, عن رجل قد سماه قال: لما نـزلت هذه الآية: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما هذا؟ قال: ما أدري حتى أسأل العالِم! قال: ثم قال جبريل: يا محمد، إن الله يأمرك أن تَصِل مَن قطعك, وتعطي من حرمك, وتعفو عمن ظلمك. (19)
15548 - حدثني يونس قال: أخبرنا سفيان, عن أمَيّ قال: لما أنـزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا جبريل؟ قال: إن الله يأمرك أن تعفوَ عمن ظلمك, وتعطيَ من حرمك, وتصل من قطعك. (20)
* * *
وقال آخرون بما:-
15549 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه: {وأمر بالعرف}، يقول: بالمعروف.
15550 - حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: {وأمر بالعرف} قال: أما العرف: فالمعروف.
15551 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وأمر بالعرف}، أي: بالمعروف.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بالعرف =وهو المعروف في كلام العرب, مصدر في معنى: " المعروف ".
* * *
يقال: " أوليته عُرْفًا، وعارفًا، وعارفةً" (21) كل ذلك بمعنى: " المعروف ". (22)
* * *
فإذا كان معنى العرف ذلك, فمن " المعروف " صلة رحم من قطع, وإعطاء من حرم, والعفو عمن ظلم. وكل ما أمر الله به من الأعمال أو ندب إليه، فهو من العرف. ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى; فالحق فيه أن يقال: قد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف كله، لا ببعض معانيه دون بعض.
* * *
وأما قوله: (وأعرض عن الجاهلين)، فإنه أمر من الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يعرض عمن جهل. (23) وذلك وإن كان أمرًا من الله نبيَّه, فإنه تأديب منه عز ذكره لخلقه باحتمال من ظلمهم أو اعتدى عليهم, (24) لا بالإعراض عمن جهل الواجبَ عليه من حق الله، ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته, وهو للمسلمين حَرْبٌ.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15552 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال: أخلاقٌ أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم, ودلَّه عليها.
--------------------
الهوامش :
(7) ( 1 ) انظر تفسير (( العفو )) فيما سلف 4 : 337 - 343 .
(8) ( 2 ) في المخطوطة هنا ، وفي الذي يليه رقم : 15539 (( تحسيس )) بالياء ، ولا أدرى ما هو . و (( تحسس الشيء )) تبحثه وتطلبه ، كأنه يعني الاستقصاء في الطلب ، يؤيد هذا ما سيأتي برقم : 15542 .
(9) ( 1 ) الأثر : 15537 - رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 229 ) من طريق عبد الله بن براد ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير . وانظر ما قاله فيه الحافظ ابن حجر .
(10) ( 2 ) الأثر : 15538 - (( هشام بن عروة بن الزبير )) ، ثقة ، معروف ، مضي مرارًا .وأبوه (( عروة بن الزبير )) ، يروى عن أخيه (( عبد الله بن الزبير )) . وكان في المطبوعة هنا : (( عن أبي الزبير )) ، وهو خطأ، صوابه ما كان في المخطوطة .
وهذا خبر صحيح ، رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 299 ) وسيأتي برقم 15541 ، بإسناد آخر
(11) انظر التعليق السالف ، ص : 326 رقم : 2 .
(12) الأثر : 15540 - (( ابن الزبير )) ، وهو (( عبد الله بن الزبير )) ، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا (( أبي الزبير )) ، وهو خطأ صححناه آنفاً .
(13) في المطبوعة هنا (( عن أبي الزبير )) ، وهو خطأ كما أسلفت .
(14) ((التجسس )) ، مثل (( التحسس )) ، مع خلاف يسير ، وانظر ما سلف ص : 326 ، تعليق رقم : 2 .
(15) مضي خبر آخر برقم : 4175 ، فيه ذكر هذه الآية ، وتفسيرها بذلك عن ابن عباس .
(16) قوله : (( به )) في آخر الجملة ، متعلق بقوله في أولها (( من تأديبه )) ، كأنه قال (( من تأديبه به )) ، أي بهذا الذي بين الآيتين .
(17) في المطبوعة (( لم يجب )) ، بغير (( إذا )) ، فوضعتها بين قوسين ، فالسياق يتطلبها ، وإلا اضطرب الكلام .
(18) انظر مقالة أبي جعفر في (( النسخ )) فيما سلف من فهارس الأجزاء الماضية .
(19) الأثر : 15547 - (( الحسن بن الزبرقان النخعي )) ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 2995 . والرجل الذي لم يسم في هذا الخبر هو (( أمي بن ربيعة )) ، الذي يأتي في الخبر التالي .
(20) الأثر : 15548 - (( سفيان )) هو ابن عيينة . و (( أمي )) هو : (( أمي بن ربيعة المرادى الصيرفي )) ، سمع الشعبي، وعطاء ، وطاوس . روى عنه سفيان بن عيينة ، وشريك . ثقة . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 6 : 254 ، والكبير 1/2/ 67 ، وابن أبي حاتم 1/1/ 347 . وكان في المخطوطة فوق (( أمى )) حرف (ط) دلالة على الخطأ ، وبالهامش( كذا ) ، ولكن الناسخ جهل الاسم فأشكل علية . فجاء في المطبوعة فجعله (( أبى )) ، وكذلك في تفسير ابن كثير 3: 618 ، والصواب ما اثبت . وهذا الخبر ، رواه (( أمى بن ربيعة )) ، عن الشعبي، كما يظهر ذلك من روايات الخبر في ابن كثير ، والدر المنثور 3: 153 .
(21) قولة : (( عارفا )) ، لم أجدها في المعاجم ، وهي صحيحة فيما أرجح .
(22) انظر تفسير (( المعروف )) فيما سلف ص : 165 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(23) انظر تفسير (( الإعراض )) فيما سلف 12 : 32 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك . = وتفسير (( الجهل )) فيما سلف 2 : 183 / 8 : 89 - 92 / 11 : 339 ، 340 ، 393 ، 394 .
(24) يعني أن "الجهل" هنا بمعنى السفه والتمرد والعدوان ، لا بمعنى "الجهل" الذي هو ضد العلم والمعرفة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 199 | ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ |
---|
الأنعام: 106 | ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
الحجر: 94 | ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
بالعرف:
وقرئ:
بضم الراء، وهى قراءة عيسى بن عمر.
التفسير :
أي:أي وقت، وفي أي حال يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ أي:تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه. فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي:التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه فإنه سَمِيعٌ لما تقول. عَلِيمٌ بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته، كما قال تعالى:قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخر السورة.
النزغ والنخس والغرز بمعنى واحد، وهو إدخال الإبرة أو طرف العصا ونحوها في الجلد.
أى: وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة تثير غضبك، وتحملك على خلاف ما أمرت به من أخذ العفو والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين، فالتجئ إلى الله، واستعذ بحماه، فإنه- سبحانه- سميع لدعائك، عليم بكل أحوالك. وهو وحده الكفيل بصرف وسوسة الشياطين عنك، وصيانتك من همزاتهم ونزغاتهم.
وقال في هذه السورة الكريمة أيضا : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) فهذه الآيات الثلاث في " الأعراف " و " المؤمنون " و " حم السجدة " ، لا رابع لهن ، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف والتي هي أحسن ، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى ; ولهذا قال : ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان ، فإنه لا يكفه عنك الإحسان ، وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية ، فإنه عدو مبين لك ولأبيك منقبلك .
قال ابن جرير في تفسير قوله : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ) وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهلين ويحملك على مجازاتهم ( فاستعذ بالله ) يقول : فاستجر بالله من نزغه ) سميع عليم ) يقول : إن الله الذي تستعيذ به من نزغ الشيطان سميع لجهل الجاهل عليك ، والاستعاذة به من نزغه ، ولغير ذلك من كلام خلقه ، لا يخفى عليه منه شيء ، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان ، وغير ذلك من أمور خلقه .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما نزل : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رب ، كيف بالغضب ؟ " فأنزل الله : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم )
قلت : وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما حتى جعل أنفه يتمزع غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " . فقيل له ، فقال : ما بي من جنون
وأصل " النزغ " : الفساد ، إما بالغضب أو غيره ، قال الله تعالى : ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ) [ الإسراء : 53 ] و " العياذ " : الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشر ، وأما " الملاذ " ففي طلب الخير ، كما قال أبو الطيب [ الحسن بن هانئ ] المتنبي :
يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره
وقد قدمنا أحاديث الاستعاذة في أول التفسير ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
القول في تأويل قوله : وَإِمَّا يَنْـزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَـزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ)، وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدُّك عن الإعراض عن الجاهلين، ويحملك على مجازاتهم. =(فاستعذ بالله)، يقول: فاستجر بالله من نـزغه = (25) (إنه سميع عليم)، يقول: إن الله الذي تستعيذ به من نـزع الشيطان =(سميع) لجهل الجاهل عليك، ولاستعاذتك به من نـزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه, لا يخفى عليه منه شيء =(عليم) بما يذهب عنك نـزغ الشيطان، وغير ذلك من أمور خلقه، (26) كما:
15553 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بالغضب يا رب؟ قال: (وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم).
15554 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) قال: علم الله أن هذا العدوَّ مَنِيع ومَريد.
* * *
وأصل " النـزغ ": الفساد, يقال: " نـزغ الشيطان بين القوم "، إذا أفسد بينهم وحمّل بعضهم على بعض. ويقال منه: " نـزغ ينـزغ ", و " نغز ينغز ".
------------------
الهوامش :
(25) انظر تفسير (( الاستعاذة )) فيما سلف 1: 111 / 6: 326 .
(26) انظر تفسير (( سميع )) و (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سمع ) و ( علم ) .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 200 | ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ |
---|
النحل: 98 | ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ |
---|
غافر: 56 | ﴿إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ |
---|
فصلت: 36 | ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
ثم بين- سبحانه- حالة المتقين فقال إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا.
طائف من الطواف والطواف بالشيء أى: الاستدارة به أو حوله. يقال: طاف بالشيء إذا دار حوله. والمراد به هنا وسوسة الشيطان وهمزاته.
أى: إن الذين اتقوا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل ما يغضبه إذا مسهم شيء من وسوسة الشيطان ونزغاته التي تلهيهم عن طاعة الله ومراقبته تَذَكَّرُوا أى: تذكروا أن المس إنما هو من عدوهم الشيطان فعادوا سريعا إلى طاعة الله، وإلى خوف مقامه ونهوا أنفسهم عن اتباع همزات الشياطين.
والجملة الكريمة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر ببيان أن الاستعاذة سنة مسلوكة للمتقين، وأن الإخلال بها من طبيعة الضالين.
وفي قوله إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ إشعار بعلو منزلتهم، وقوة إيمانهم، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شيء منه فإنهم يتذكرون عداوته، فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه.
وفي التعبير عن الوسوسة بالطائف إشعار بأنها وإن مست هؤلاء المتقين فإنها لا تؤثر فيهم، لأنها كأنها طافت حولهم دون أن تصل إليهم.
وقوله فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ أى: فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ، وخطوات الشيطان، فينتهون عنها.
وفي هذه الآية الكريمة ما يهدى العقول، ويطب النفوس، إذ هي تبين لنا أن مس الشيطان قد يغلق بصيرة الإنسان عن كل خير، ولكن التقوى هي التي تفتح هذه البصيرة، وهي التي تجعل الإنسان دائما يقظا متذكرا لما أمره الله به أو نهاه عنه، فينتصر بذلك على وساوس الشيطان وهمزاته وتبقى لهم بصيرتهم على أحسن ما تكون صفاء ونقاء وكشفا.
يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر ، وتركوا ما عنه زجر ، أنهم ) إذا مسهم ) أي : أصابهم " طيف " وقرأ آخرون : " طائف " ، وقد جاء فيه حديث ، وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل : بمعنى واحد . وقيل : بينهما فرق ، ومنهم من فسر ذلك بالغضب ، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ، ومنهم من فسره بالهم بالذنب ، ومنهم من فسره بإصابة الذنب .
وقوله : ( تذكروا ) أي : عقاب الله وجزيل ثوابه ، ووعده ووعيده ، فتابوا وأنابوا ، واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب . ( فإذا هم مبصرون ) أي : قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه .
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يشفيني . فقال : " إن شئت دعوت الله فشفاك ، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك " . فقالت : بل أصبر ، ولا حساب علي .
ورواه غير واحد من أهل السنن ، وعندهم : قالت يا رسول الله ، إني أصرع وأتكشف ، فادع الله أن يشفيني . فقال إن شئت دعوت الله أن يشفيك ، وإن شئت صبرت ولك الجنة ؟ " فقالت : بل أصبر ، ولي الجنة ، ولكن ادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ، فكانت لا تتكشف .
وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة " عمرو بن جامع " من تاريخه : أن شابا كان يتعبد في المسجد ، فهويته امرأة ، فدعته إلى نفسها ، وما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل ، فذكر هذه الآية : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) فخر مغشيا عليه ، ثم أفاق فأعادها ، فمات . فجاء عمر فعزى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلى على قبره بمن معه ، ثم ناداه عمر فقال : يا فتى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46 ] وأجابه الفتى من داخل القبر : يا عمر ، قد أعطانيهما ربي ، عز وجل ، في الجنة مرتين
القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (إن الذين اتقوا)، اللهَ من خلقه, فخافوا عقابه، بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه =(إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، (27) يقول: إذا ألمَّ بهم لَمَمٌ من الشيطان، (28) من غضب أو غيره مما يصدّ عن واجب حق الله عليهم, تذكروا عقاب الله وثوابه، ووعده ووعيده, وأبصروا الحق فعملوا به, وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم، وتركوا فيه طاعة الشيطان.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: " طيف ".
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: (طَائِفٌ)، على مثال " فاعل ".
* * *
وقرأه بعض المكيين والبصريين والكوفيين: " طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ". (29)
* * *
واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين " الطائف " و " الطيف ".
فقال بعض البصريين: " الطائف " و " الطيف " سواء, وهو ما كان كالخيال والشيء يلم بك. (30) قال: ويجوز أن يكون " الطيف " مخففًا عن " طَيِّف " مثل " مَيْت " و " مَيِّت ".
* * *
وقال بعض الكوفيين: " الطائف ": ما طاف بك من وسوسة الشيطان. وأما " الطيف ": فإنما هو من اللّمم والمسِّ.
* * *
وقال أخر منهم: " الطيف ": اللّمم, و " الطائف ": كل شيء طاف بالإنسان.
* * *
وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: " الطيف ": الوسوسة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ: ( طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ )، لأن أهل التأويل تأولوا ذلك بمعنى الغضب والزلة تكون من المطيف به. وإذا كان ذلك معناه، كان معلومًا = إذ كان " الطيف " إنما هو مصدر من قول القائل: " طاف يطيف " = أن ذلك خبر من الله عما يمس الذين اتقوا من الشيطان, وإنما يمسهم ما طاف بهم من أسبابه, وذلك كالغضب والوسوسة. وإنما يطوف الشيطان بابن آدم ليستزلَّه عن طاعة ربه، أو ليوسوس له. والوسوسة والاستزلال هو " الطائف من الشيطان ". (31)
* * *
وأما " الطيف " فإنما هو الخيال, وهو مصدر من " طاف يطيف ", ويقول: لم أسمع في ذلك " طاف يطيف " (32) ويتأوله بأنه بمعنى " الميت " وهو من الواو.
* * *
وحكى البصريون وبعض الكوفيين سماعًا من العرب: (33) " طاف يطيف ", و " طِفْتُ أطِيف ", وأنشدوا في ذلك: (34)
أنَّــى أَلَــمَّ بِـكَ الخَيَـالُ يَطِيـفُ
وَمَطَافُــهُ لَــكَ ذِكْــرَةٌ وَشُـعُوفُ (35)
* * *
وأما التأويل, فإنهم اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: ذلك " الطائف " هو الغضب.
* ذكر من قال ذلك.
15555 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد: (إذا مسهم طائف) قال: و " الطيف ": الغضب.
15556 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد, في قوله: " إذا مسهم طيف من الشيطان " قال: هو الغضب. (36)
15557 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد قال: الغضب.
15558 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: (إذا مسهم طَيْف من الشيطان تذكروا) قال: هو الغضب.
15559 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: (طائف من الشيطان) قال: الغضب.
* * *
وقال آخرون: هو اللَّمَّة والزَّلة من الشيطان.
* ذكر من قال ذلك:
15560 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، و " الطائف ": اللَّمَّة من الشيطان =(فإذا هم مبصرون).
15561 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان)، يقول: نـزغٌ من الشيطان =(تذكروا).
15562 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، يقول: إذا زلُّوا تابوا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذان التأويلان متقاربا المعنى, لأن " الغضب " من استزلال الشيطان، و " اللّمة " من الخطيئة أيضًا منه, وكل ذلك من طائف الشيطان. (37) وإذ كان ذلك كذلك, فلا وجه لخصوص معنى منه دون معنى, بل الصواب أن يعم كما عمه جل ثناؤه, فيقال: إن الذين اتقوا إذا عرض لهم عارض من أسباب الشيطان، ما كان ذلك العارض, تذكروا أمر الله وانتهوا إلى أمره.
* * *
وأما قوله: (فإذا هم مبصرون)، فإنه يعني: فإذا هم مبصرون هدى الله وبيانه وطاعته فيه, فمنتهون عما دعاهم إليه طائف الشيطان. كما: -
15563 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (فإذا هم مبصرون)، يقول: إذا هم منتهون عن المعصية, آخذون بأمر الله, عاصون للشيطان.
-------------------
الهوامش :
(27) انظر تفسير (( المس )) فيما سلف ص : 303 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(28) في المطبوعة : (( إذا ألم بهم طيف )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فاستبدل بما كان فيها .
(29) انظر معاني القراًن للقراء 1 : 402 .
(30) نسبها أبو جعفر إلى البصريين ، وهي في لسان العرب ( طوف ) ، منسوبة إلى الفراء ، وهو كوفي ، ولم أجدها في المطبوع من معاني القرآن .
(31) من أول قوله : (( وأما الطيف )) ، إلى آخر الفقرة الثانية المختومة بيت من الشعر ، لا أ شك أنه قد وضع في غير موضعه . فهو يقول بعد : (( ويقول : لم أسمع في ذلك )) ، وهذا القائل غير أبي جعفر بلا شك ، ولم استطع تحديد موضعه من الأقوال السالفة . فلذلك تركته مكانه وفصلته . وكان حقه أن يقدم قبل قوله : (( قال أبو جعفر : وأولى القراءتين . . .)) .
(32) قوله : ((ولم اسمع في ذلك طاف يطيف )) ، يعنى في ((الطائف)) .
(33) هذا نص كلام أبي عبيده في مجاز القرآن 1: 237 ، إلى آخره .
(34) كعب بن زهير .
(35) ديوانه : 113 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 237 ، واللسان ( طيف ) ( شعف) ، من قصيده له طويلة .
و(( الشعوف )) مصدر من قولهم (( شعفه حب فلانة )) ، إذا أحرق قلبه ، ووجد لذة اللوعة في احتراقه ، وفي ذهاب لبه حتى لا يعقل غير الحب .
(36) تركت ما في الآثار على ما جاء في المخطوطة : (( طائف )) مرة ، و (( طيف )) أخرى ، وهما قراءتان في الآية كما سلف قبل .
(37) في المطبوعة والمخطوطة : (( وكان ذلك )) ، والصواب ما أثبت .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
طائف:
قرئ:
1- طيف، وهى قراءة النحويين، وابن كثير.
2- طائف، وهى قراءة باقى السبعة.
التفسير :
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم، حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر.
أما الذين لم يتقوا الله، ولم يلجئوا إلى حماه، ولم يخالفوا الشيطان فقد عبر عنهم القرآن بقوله:
وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ.
يمدونهم من المد، وهو الزيادة يقال: مده يمده أى: زاده. والغي: الضلال، مصدر غوى يغوى غيا وغواية.
أى: وإخوان الشياطين من المشركين والغافلين تزيدهم الشياطين من الضلال عن طريق الوسوسة والإغراء بارتكاب المعاصي والموبقات ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ أى: ثم لا يكف هؤلاء الشياطين عن إمداد أوليائهم من الإنس بألوان الشرور والآثام حتى يهلكوهم. ويجوز أن يعود الضمير لإخوانهم: أى ثم لا يكف هؤلاء الناس عن الغي والضلال مهما وعظهم الواعظون وأرشدهم المرشدون.
ويُقْصِرُونَ من أقصر عن الشيء إذا كف عنه ونزع مع القدرة عليه.
ثم بين- سبحانه- لونا من ألوان غوايتهم وضلالهم فقال:
وقوله : ( وإخوانهم ) أي : وإخوان الشياطين من الإنس ، كقوله : ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) [ الإسراء : 27 ] وهم أتباعهم والمستمعون لهم القابلون لأوامرهم ( يمدونهم في الغي ) أي : تساعدهم الشياطين على [ فعل ] المعاصي ، وتسهلها عليهم وتحسنها لهم .
وقال ابن كثير : المد : الزيادة . يعني : يزيدونهم في الغي ، يعني الجهل والسفه .
( ثم لا يقصرون ) قيل : معناه إن الشياطين تمد ، والإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك . كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) قال : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تمسك عنهم .
قيل : معناه كما رواه العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) قال : هم الجن ، يوحون إلى أوليائهم من الإنس ) ثم لا يقصرون ) يقول : لا يسأمون .
وكذا قال السدي وغيره : يعني إن الشياطين يمدون أولياءهم من الإنس ولا تسأم من إمدادهم في الشر ; لأن ذلك طبيعة لهم وسجية ، لا تفتر فيه ولا تبطل عنه ، كما قال تعالى : ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) [ مريم : 83 ] قال ابن عباس وغيره : تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا .
القول في تأويل قوله : وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي. (38) يعني بقوله: (يمدونهم)، يزيدونهم، ثم لا ينقصون عما نقص عنه الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان. (39)
وإنما هذا خبرٌ من الله عن فريقي الإيمان والكفر, بأن فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلهم الشيطان تذكروا عظمة الله وعقابه, فكفَّتهم رهبته عن معاصيه، وردّتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله مما كان منهم زلَّةً = وأن فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيًّا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله, ولا يحجزهم تقوى الله، ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها, فهو أبدًا في زيادة من ركوب الإثم, والشيطان يزيده أبدًا, لا يقصر الإنسي عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشيطان من مدِّه منه، (40) كما: -
15564 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (وإخوانهم يمدونهم في الغيّ ثم لا يقصرون) قال: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات, ولا الشياطين تُمْسك عنهم.
15565 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)، يقول: هم الجن، يوحون إلى أوليائهم من الإنس =(ثم لا يقصرون), يقول: لا يسأمون.
15566 - حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (وإخوانهم يمدونهم في الغيّ)، إخوان الشياطين من المشركين, يمدهم الشيطان في الغيّ =(ثم لا يقصرون)،
15567 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج قال عبد الله بن كثير: وإخوانهم من الجن, يمدون إخوانهم من الإنس =(ثم لا يقصرون) ، يقول لا يقصر الإنسان. قال: و " المد " الزيادة, يعني: أهل الشرك, يقول: لا يُقصر أهل الشرك, كما يقصر الذين اتقوا، لا يرعَوُون، لا يحجزهم الإيمان (41) = قال ابن جريج قال مجاهد (وإخوانهم)، من الشياطين =(يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)، استجهالا يمدون أهل الشرك = قال ابن جريج: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ ، [سورة الأعراف: 179]. قال: فهؤلاء الإنس. يقول الله: (وإخوانهم يمدونهم في الغي).
15568 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثني محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) قال: إخوان الشياطين، يمدهم الشياطين في الغيّ =(ثمّ لا يقصرون).
15569 - حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد =(وإخوانهم)، من الشياطين.(يمدونهم في الغي)، استجهالا.
* * *
وكان بعضهم يتأول قوله: (ثم لا يقصرون)، بمعنى: ولا الشياطين يقصرون في مدِّهم إخوانَهم من الغيّ.
* ذكر من قال ذلك:
15570 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)، عنهم, ولا يرحمونهم.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا أولى التأويلين عندنا بالصواب. وإنما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك على ما بيناه; لأن الله وصفَ في الآية قبلها أهل الإيمان به، وارتداعَهم عن معصيته وما يكرهه إلى محبته عند تذكرهم عظمته, ثم أتبع ذلك الخبرَ عن إخوان الشياطين وركوبهم معاصيه, فكان الأولى وصفهم بتماديهم فيها, (42) إذ كان عَقِيب الخبر عن تقصير المؤمنين عنها.
* * *
وأما قوله: (يمدونهم)، فإنَّ القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأه بعض المدنيين: " يُمِدُّونَهُمْ" بضم الياء من " أمددت ".
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين والبصريين: (يَمُدُّونَهُمْ)، بفتح الياء من " مددت ".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (يَمُدُّونَهُمْ)، بفتح الياء, لأن الذي يمد الشياطينُ إخوانَهم من المشركين، إنما هو زيادة من جنس الممدود, وإذا كان الذي مد من جنس الممدود، كان كلام العرب " مددت " لا " أمددت ". (43)
* * *
وأما قوله: (يقصرون)، فإن القرأة على لغة من قال: " أقصَرْت أقْصِر ". وللعرب فيه لغتان: " قَصَرت عن الشيء " و " أقصرت عنه ". (44)
----------------
الهوامش :
(38) انظر تفسير (( الغي )) فيما سلف ص : 261 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(39) في المطبوعة : (( ثم لا يقصرون عما قصر عنه الذي اتقوا )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وبنحو المعنى ذكره أبو حيان في تفسيره 4 : 451 ، قال : (( ثم لا ينقصون من إمدادهم وغوايتهم )) . فلذلك أبقيت ما في المخطوطة على حاله ، وإن كنت في شك من جودته .
(40) هكذا فعل الطبري ، أتى بالضمائر مفردة بعد الجمع ، وقد تكرر ذلك في مواضع كثيرة من تفسيره ، أقربها ما أشرت إليه في ص 286 ، ، تعليق : 2 .
(41) في المطبوعة مكان (( لا يرعوون )) . (( لأنهم لا يحجزهم )) ... )) . لم يحسن قراءتها ، لأنها كانت في المخطوطة : (( لا يرعون )) . والصواب ما أثبت (( ارعوى عن القبيح )) . ندم . فانصرف عنه وكف .
(42) في المطبوعة والمخطوطة : (( وكان الأولى )) بالواو ، والسياق يقتضى الفاء .
(43) انظر تفسير (( مد )) و (( أمد )) فيما سلف 1 : 306 - 308 / 7 : 181 .
(44) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 402 ، وصحح الخطأ هناك ، فإنه ضبط (( قصر )) بضم الصاد ، والصواب فتحها لا صواب غيره .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يمدونهم:
قرئ:
1- يمدونهم، من «أمد» ، وهى قراءة نافع.
2- يمدونهم، من «مد» ، وهى قراءة باقى السبعة.
3- يمادونهم، من «ماد» ، وهى قراءة الجحدري.
لا يقصرون:
قرئ:
1- لا يقصرون، من «أقصر» ، وهى قراءة الجمهور.
2- لا يقصرون، من «قصر» ، وهى قراءة ابن أبى عبلة، وعيسى بن عمر.
التفسير :
أي لا يزال هؤلاء المكذبون لك في تعنت وعناد، ولو جاءتهم الآيات الدالة على الهدى والرشاد، فإذا جئتهم بشيء من الآيات الدالة على صدقك لم ينقادوا. وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ من آيات الاقتراح التي يعينونها قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا أي:هلا اخترت الآية، فصارت الآية الفلانية، أو المعجزة الفلانية كأنك أنت المنـزل للآيات، المدبر لجميع المخلوقات، ولم يعلموا أنه ليس لك من الأمر شيء، أو أن المعنى:لولا اخترعتها من نفسك. قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي فأنا عبد متبع مدبَّر، واللّه تعالى هو الذي ينـزل الآيات ويرسلها على حسب ما اقتضاه حمده، وطلبتْه حكمته البالغة، فإن أردتم آية لا تضمحل على تعاقب الأوقات، وحجة لا تبطل في جميع الآنات، فـ هَذَا القرآن العظيم، والذكر الحكيم بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ يستبصر به في جميع المطالب الإلهية والمقاصد الإنسانية، وهو الدليل والمدلول فمن تفكر فيه وتدبره، علم أنه تنـزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبه قامت الحجة على كل من بلغه، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، وإلا فمن آمن، فهو هُدًى له من الضلال وَرَحْمَةٌ له من الشقاء، فالمؤمن مهتد بالقرآن، متبع له، سعيد في دنياه وأخراه. وأما من لم يؤمن به، فإنه ضال شقي، في الدنيا والآخرة.
الاجتباء: افتعال من الجباية بمعنى الجمع، يقال: جبيت الماء في الحوض أى جمعته، ومنه قيل للحوض جابية:
والمعنى: وإذا لم تأت أيها الرسول هؤلاء المشركين بآية من القرآن وتراخى الوحى بنزولها، أو بآية مما اقترحوه عليك من الآيات الكونية، إذا لم تفعل ذلك قالوا لك بجهالة وسفاهة لَوْلا اجْتَبَيْتَها أى: هلا جمعتها من عند نفسك واخترعتها اختراعا بعقلك، أو هلا ألححت في الطلب على ربك ليعطيك إياها ويجمعها لك.
قل لهم يا محمد على سبيل التبكيت ردا على تهكمهم بك إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي أى إنما أنا متبع لا مبتدع فما يوحيه الله إلى من الآيات أنا أبلغه إليكم بدون تغيير أو تبديل.
ثم أرشدهم- سبحانه- إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات، وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبينات فقال: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
أى: هذا القرآن بمنزلة البصائر للقلوب، به تبصر الحق. وتدرك الصواب وهو هداية لكم من الضلالة، ورحمة من العذاب لقوم يؤمنون به، ويعملون بإرشاداته ووصاياه.
وكما افتتحت السورة بالثناء على القرآن كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ فقد اتجهت في أواخرها إلى أمر الناس بحسن الاستماع إلى هذا القرآن، وإلى تدبره والعمل به فقالت:
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( قالوا لولا اجتبيتها ) يقول : لولا تلقيتها . وقال مرة أخرى : لولا أحدثتها فأنشأتها .
وقال ابن جرير عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد في قوله [ تعالى ] ( وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ) قال : لولا اقتضيتها ، قالوا : تخرجها عن نفسك . وكذا قال قتادة ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس [ رضي الله عنه ] ) لولا اجتبيتها ) يقول : تلقيتها من الله ، عز وجل
وقال الضحاك : ( لولا اجتبيتها ) يقول : لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء .
ومعنى قوله تعالى : ( وإذا لم تأتهم بآية ) أي : معجزة ، وخارق ، كما قال تعالى : ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ) [ الشعراء : 4 ] يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم : ألا تجهد نفسك في طلب الآيات [ من الله ] حتى نراها ونؤمن بها ، قال الله تعالى له : ( قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ) أي : أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء ، وإنما أتبع ما أمرني به فأمتثل ما يوحيه إلي ، فإن بعث آية قبلتها ، وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها ; إلا أن يأذن لي في ذلك ، فإنه حكيم عليم .
ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات ، وأبين الدلالات ، وأصدق الحجج والبينات ، فقال : ( هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
القول في تأويل قوله : وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا لم تأت، يا محمد، هؤلاء المشركين بآية من الله =(قالوا لولا اجتبَيتَها)، يقول: قالوا: هلا اخترتها واصطفيتها. (45) = من قول الله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ، [سورة آل عمران: 179] يعني: يختار ويصطفي. وقد بينا ذلك في مواضعه بشواهده. (46)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: هلا افتعلتها من قِبَل نفسك واختلقتها؟ بمعنى: هلا اجتبيتها اختلاقًا؟ كما تقول العرب: " لقد اختار فلان هذا الأمر وتخيره اختلاقًا ". (47)
* ذكر من قال ذلك:
15571 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) أي: لولا أتيتنا بها من قِبَل نفسك؟ هذا قول كفار قريش.
15572 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد, قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) قالوا: لولا اقتضبتها! (48) قالوا: تخرجها من نفسك.
15573 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) قالوا: لولا تقوَّلتها, جئتَ بها من عندك؟.
15574 - حدثني المثنى قال: حدثني عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (لولا اجتبيتها)، يقول: لولا تلقَّيتها = وقال مرة أخرى: لولا أحدَثتها فأنشأتها.
15575 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (قالوا لولا اجتبيتها)، يقول: لولا أحدثتها.
15576 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قوله: (لولا اجتبيتها) قال: لولا جئت بها من نفسك!
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: هلا أخذتها من ربك وتقبَّلتها منه؟ (49)
* ذكر من قال ذلك:
15577 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (لولا اجتبيتها)، يقول: لولا تقبَّلتها من الله!
15578 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (لولا اجتبيتها)، يقول: لولا تلقَّيتَها من ربك!
15579 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا اجتبيتها)، يقول: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك, تأويلُ من قال تأويله: هلا أحدثتها من نفسك! لدلالة قول الله: قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ، فبيَّن ذلك أن الله إنما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، (50) بأن يجيبهم بالخبر عن نفسه أنه إنما يتبع ما ينـزل عليه ربه ويوحيه إليه, لا أنه يحدث من قبل نفسه قولا وينشئه فيدعو الناس إليه.
* * *
وحكي عن الفراء أنه كان يقول: " اجتبيت الكلام " و " اختلقته "، و " ارتجلته ": إذا افتعلته من قِبَل نفسك. (51)
15580 - حدثني بذلك الحارث قال: حدثنا القاسم عنه.
* * *
قال أبو عبيدة: وكان أبو زيد يقول: إنما تقول العرب ذلك للكلام يبتدئه الرجل، (52) لم يكن أعدَّه قبل ذلك في نفسه. قال أبو عبيد: و " اخترعته " مثل ذلك. (53)
* * *
القول في تأويل قوله : إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للقائلين لك إذا لم تأتهم بآية: " هلا أحدثتها من قبل نفسك!": إن ذلك ليس لي، ولا يجوز لي فعله; لأن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إليّ من عنده, فإنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي، لأني عبده، وإلى أمره أنتهي، وإياه أطيع. (54) =(هذا بصائر من ربكم)، يقول: هذا القرآن والوحي الذي أتلوه عليكم = " بصائر من ربكم ", يقول: حجج عليكم, وبيان لكم من ربكم.
* * *
= واحدتها " بصيرة ", كما قال جل ثناؤه: هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، [سورة الجاثية: 20]. (55) .
* * *
وإنما ذكر " هذا " ووحّد في قوله: (هذا بصائر من ربكم)، لما وصفت من أنه مرادٌ به القرآن والوحي.
* * *
وقوله: (وهدى)، يقول: وبيان يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم =(ورحمة)، رحم الله به عباده المؤمنين, فأنقذهم به من الضلالة والهلكة =(لقوم يؤمنون)، يقول: هو بصائر من الله وهدى ورحمة لمن آمن, يقول: لمن صدَّق بالقرآن أنه تنـزيل الله ووحيه, وعمل بما فيه، دون من كذب به وجحده وكفر به, (56) بل هو على الذين لا يؤمنون به عمًى وخزي. (57)
-------------------
الهوامش :
(45) انظر تفسير (( لولا )) فيما سلف 11 : 356 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(46) انظر تفسير (( اجتبى )) فيما سلف 7 : 437 / 11 : 512 ، 513 .
(47) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 402 ، والتعليق عليه هناك . وهذا معنى غريب جداً في (( اختار )) ، أنا في ريب منه ، إلا أن يكون أراد أن العرب تقول في مجازها (( اختار الشيء اختلاقاً ، كل ذلك بمعنى : اختلقه ، لا أن (( اختار )) بمعنى اختلق . وإن كان صاحب اللسان قد اتبع قول الفراء الآتى بعد ص 343 (( وهو في كلام العرب جائز أن يقول : (( لقد اختار لك الشيء واجتباه و ارتجله )) .
(48) (( اقتضب الكلام اقتضاباً )) ، ارتجله من غير تهيئة أو إعداد له . يقال : (( هذا شعر مقتضب ، وكتاب مقتضب )) .
(49) في المطبوعة والمخطوطة ، في هذا الموضع ، والذي يليه في الأثر : (( تقبلتها )) ، وفي الأثر الذي بعده : (( تلقيتها ؛ في المخطوطة و المطبوعة ، وأرجو أن يكون هذا الأخير هو الصواب ، كما سلفت في رقم : 15574 ، وإن كان الأول جائزا .
(50) في المخطوطة والمطبوعة : (( يبين ذلك أن الله ... ) والسياق يقتضى ما أثبت .
(51) انظر ما سلف ص 341 ، تعليق رقم : 2 .
(52) في المطبوعة : (( يبديه الرجل )) ، وفي المخطوطة : (( البديه الرجل )) ، وكأن الصواب ما أثبت .
(53) في المطبوعة : (( واخترعه )) ، وأثبت ما في المخطوطة .
(54) انظر تفسير (( الاتباع )) ، و (( الوحي )) فيما سلف من فهارس اللغة ( تبع ) و ( وحي ) .
(55) انظر تفسير (( بصيرة )) فيما سلف 12 : 23 ، 24 .
(56) انظر تفسير (( الهدى )) و (( الرحمة )) و (( الإيمان )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) ، ( رحم ) ، ( أمن ) .
(57) في المطبوعة "غم" وفي المخطوطة "عم" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها لقوله تعالى في سورة فصلت : 44 ، في صفة القرآن " والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى" .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 203 | ﴿هَـٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
الجاثية: 20 | ﴿هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب اللّه يتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه. وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب اللّه، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدى متزايدا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب اللّه حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير. ومن أوكد ما يؤمر به مستمع القرآن، أن يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه، فإنه مأمور بالإنصات، حتى إن أكثر العلماء يقولون:إن اشتغاله بالإنصات، أولى من قراءته الفاتحة، وغيرها.
أى وإذا قرئ القرآن الذي ذكرت خصائصه ومزاياه عليكم فاستمعوا له بتدبر وخشوع، واصغوا إليه بأسماعكم وكل جوارحكم لتفهموا معانيه، وتفقهوا توجيهاته، وأنصتوا لقراءته حتى تنقضي تعظيما له، وإكبارا لشأنه، لكي تفوزوا برحمة الله ورضاه.
وبعض العلماء يحمل القراءة في الآية على القراءة خلف الإمام في الصلاة، أى أن على المؤتم أن يستمع إلى قراءة الإمام بتدبر وخشوع، واستدلوا على ذلك بأحاديث في هذا المعنى.
وبعضهم يجعل الآية عامة في وجوب الاستماع إلى قراءة القرآن بتدبر وإنصات وخشوع في الصلاة وفي غير الصلاة وحملوا الأحاديث التي أوردها أصحاب الرأى الأول على العموم أيضا.
والذي نراه أن الآية تأمر بوجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في الصلاة وفي غير الصلاة، لأن تعاليم الإسلام وآدابه تقتضي منا أن نستمع إلى القرآن بتدبر وإنصات وخشوع، ليؤثر تأثيره الشافي في القلوب، وليقودها إلى الطاعة والتقوى، فتنال المغفرة والرحمة.
ثم اختتمت السورة الكريمة بالحديث عن ذكر الله الذي هو طب القلوب ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها فقالت:
لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة ، أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظاما له واحتراما ، لا كما كان يعتمده كفار قريش المشركون في قولهم : ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه [ لعلكم تغلبون ] ) [ فصلت : 26 ] ولكن يتأكد ذلك في الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة كما ورد الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، من حديث أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا " وكذلك رواه أهل السنن من حديث أبي هريرة وصححه مسلم بن الحجاج أيضا ، ولم يخرجه في كتابه وقال إبراهيم بن مسلم الهجري ، عن أبي عياض ، عن أبي هريرة قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ، فلما نزلت هذه الآية : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له [ وأنصتوا ] ) والآية الأخرى ، أمروا بالإنصات
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن المسيب بن رافع ، قال ابن مسعود : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة : سلام على فلان ، وسلام على فلان ، فجاء القرآن ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )
وقال أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا المحاربي ، عن داود بن أبي هند ، عن بشير بن جابر قال : صلى ابن مسعود ، فسمع ناسا يقرءون مع الإمام ، فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفهموا ؟ أما آن لكم أن تعقلوا ؟ ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) كما أمركم الله
قال : وحدثني أبو السائب ، حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الزهري قال : نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئا قرأه ، فنزلت : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا )
وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث الزهري ، عن أبي أكيمة الليثي ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة ، فقال : " هل قرأ أحد منكم معي آنفا ؟ " قال رجل : نعم يا رسول الله . قال إني أقول : ما لي أنازع القرآن ؟ " قال : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الترمذي : " هذا حديث حسن " . وصححه أبو حاتم الرازي .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن يونس عن الزهري قال : لا يقرأ من وراء الإمام فيما يجهر به الإمام ، تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يسمعهم صوته ، ولكنهم يقرءون فيما لا يجهر به سرا في أنفسهم ، ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرا ولا علانية ، فإن الله تعالى قال : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )
قلت : هذا مذهب طائفة من العلماء : أن المأموم لا يجب عليه في الصلاة الجهرية قراءة فيما جهر فيه الإمام لا الفاتحة ولا غيرها ، وهو أحد قولي الشافعي ، وهو القديم كمذهب مالك ، ورواية عن أحمد بن حنبل ، لما ذكرناه من الأدلة المتقدمة . وقال في الجديد : يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الإمام ، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم . وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل : لا يجب على المأموم قراءة أصلا في السرية ولا الجهرية ، لما ورد في الحديث : " من كان له إمام فقراءته له قراءة " . وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعا ، وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان ، عن جابر موقوفا ، وهذا أصح . وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع وقد أفرد لها الإمام أبو عبد الله البخاري مصنفا على حدة واختار وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية أيضا ، والله أعلم .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) يعني : في الصلاة المفروضة . وكذا روي عن عبد الله بن المغفل .
وقال ابن جرير : حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا الجريري ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال : رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان ، والقاص يقص ، فقلت : ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود ؟ قال : فنظرا إلي ، ثم أقبلا على حديثهما . قال : فأعدت فنظرا إلي ، وأقبلا على حديثهما . قال : فأعدت الثالثة ، قال : فنظرا إلي فقالا إنما ذلك في الصلاة : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا )
وقال سفيان الثوري ، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ، عن مجاهد في قوله : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) قال : في الصلاة . وكذا رواه غير واحد عن مجاهد .
وقال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد قال : لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم .
وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، والشعبي ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أن المراد بذلك في الصلاة .
وقال شعبة ، عن منصور ، سمعت إبراهيم بن أبي حرة يحدث أنه سمع مجاهدا يقول في هذه الآية : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) قال : في الصلاة والخطبة يوم الجمعة .
وكذا روى ابن جريج عن عطاء ، مثله .
وقال هشيم ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن قال : في الصلاة وعند الذكر .
وقال ابن المبارك ، عن بقية : سمعت ثابت بن عجلان يقول : سمعت سعيد بن جبير يقول في قوله : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) قال : الإنصات يوم الأضحى ، ويوم الفطر ، ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الإمام من الصلاة .
وهذا اختيار ابن جرير أن المراد بذلك [ الإنصات في الصلاة وفي الخطبة ; لما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات ] خلف الإمام وحال الخطبة .
وقال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد أنه كره إذا مر الإمام بآية خوف أو بآية رحمة أن يقول أحد من خلفه شيئا ، قال : السكوت .
وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن : إذا جلست إلى القرآن ، فأنصت له .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عباد بن ميسرة ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من استمع إلى آية من كتاب الله ، كتبت له حسنة مضاعفة ، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة " . تفرد به أحمد رحمه الله .
القول في تأويل قوله : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به، المصدقين بكتابه، الذين القرآنُ لهم هدى ورحمة: (إذا قرئ)، عليكم، أيها المؤمنون,(القرآن فاستمعوا له)، يقول: أصغوا له سمعكم، لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه (58) =(وأنصتوا)، إليه لتعقلوه وتتدبروه, ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه =(لعلكم ترحمون)، يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه, واعتباركم بعبره, واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي أمر الله بالاستماع لقارئ القرآن إذا قرأ والإنصات له.
فقال بعضهم: ذلك حال كون المصلي في الصلاة خلف إمام يأتمّ به, وهو يسمع قراءة الإمام، عليه أن يسمع لقراءته. وقالوا: في ذلك أنـزلت هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
15581 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم, عن المسيب بن رافع قال: كان عبد الله يقول: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة: " سلام على فلان, وسلام على فلان ". قال: فجاء القرآن: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا). (59)
15582 - .... قال: حدثنا حفص بن غياث, عن إبراهيم الهجري, عن أبي عياض, عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة, فلما نـزلت هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن)، والآية الأخرى, أمروا بالإنصات. (60)
15583 - حدثني أبو السائب قال: حدثنا حفص, عن أشعث, عن الزهري قال: نـزلت هذه الآية في فتى من الأنصار، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئًا قرأه, فنـزلت: ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
15584 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا المحاربي, عن داود بن أبي هند, عن بشير بن جابر قال: صلى ابن مسعود, فسمع ناسًا يقرأون مع الإمام, فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفقهوا! أما آن لكم أن تعقلوا؟(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)، كما أمركم الله. (61)
15585 - حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا الجريري, عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاصّ يقص, فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود؟ قال: فنظرا إلي، ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت، فنظرا إلي, ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت الثالثة قال: فنظرا إلي فقالا إنما ذلك في الصلاة: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا). (62)
15586 - حدثني العباس بن الوليد قال: أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثنا عبد الله بن عامر قال: ثني زيد بن أسلم, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: نـزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الصلاة. (63)
15587 - حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان, عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير, عن مجاهد في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة.
15588 - حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن رجل, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة.
15589 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن إدريس قال: حدثنا ليث, عن مجاهد: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة.
15590 - حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت حميدًا الأعرج قال: سمعت مجاهدًا يقول في هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة.
15591 - .... قال: حدثني عبد الصمد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا حميد, عن مجاهد، بمثله.
15592 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا جرير وابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة المكتوبة.
15593 - .... قال: حدثنا المحاربي, عن ليث, عن مجاهد, وعن حجاج, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد = وعن ابن أبي ليلى, عن الحكم = عن سعيد بن جبير: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة المكتوبة.
15594 - .... قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي هاشم, عن مجاهد: في الصلاة المكتوبة.
15595 - .... قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله.
15596 - .... قال: حدثنا المحاربي وأبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك قال: في الصلاة المكتوبة.
15597 - .... قال: حدثنا جرير وابن فضيل, عن مغيرة, عن إبراهيم قال: في الصلاة المكتوبة.
15598 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: كانوا يتكلمون في صلاتهم بحوائجهم أوَّلَ ما فرضت عليهم, فأنـزل الله ما تسمعون: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
15599 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم: كم صليتم؟ كم بقي؟ فأنـزل الله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)، وقال غيره: كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار, فأنـزل الله: (وإذا قرئ القرآن).
15600 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو خالد والمحاربي, عن أشعث, عن الزهري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ورجل يقرأ, فنـزلت: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
15601 - .... قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن الهجري, عن أبي عياض, عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة, فلما نـزلت: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: هذا في الصلاة. (64)
15602 - .... قال: حدثنا أبي, عن حريث, عن عامر قال: في الصلاة المكتوبة.
15603 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: إذا قرئ في الصلاة.
15604 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثنا معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له)، يعني: في الصلاة المفروضة.
15605 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري, عن أبي هاشم, عن مجاهد قال: هذا في الصلاة في قوله: ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) = قال: أخبرنا الثوري, عن ليث, عن مجاهد: أنه كره إذا مرّ الإمام بآية خوف أو بآية رحمة أن يقول أحد ممن خلفَه شيئًا. قال: السكوت = قال: أخبرنا الثوري, عن ليث, عن مجاهد: قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم.
15606 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) قال: هذا إذا قام الإمام للصلاة (فاستمعوا له وأنصتوا).
15607 - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن يونس, عن الزهري قال: لا يقرأ مَن وراء الإمام فيما يجهر به من القراءة, تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يُسْمِعهم صوته, ولكنهم يقرءون فيما لم يجهر به سرًّا في أنفسهم. ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرًّا ولا علانية. قال الله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون).
15608 - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن ابن لهيعة, عن ابن هبيرة, عن ابن عباس أنه كان يقول في هذه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ، هذا في المكتوبة. وأما ما كان من قصص أو قراءة بعد ذلك, فإنما هي نافلة. إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة مكتوبة, وقرأ وراءه أصحابه, فخلَّطوا عليه قال: فنـزل القرآن: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، فهذا في المكتوبة.
* * *
وقال آخرون: بل عُني بهذه الآية الأمر بالإنصات للإمام في الخطبة إذا قرئ القرآن في خطبة. (65)
* ذكر من قال ذلك:
15609 - حدثنا تميم بن المنتصر قال: حدثنا إسحاق الأزرق, عن شريك, عن سعيد بن مسروق, عن مجاهد, في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: الإنصات للإمام يوم الجمعة.
15610 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو خالد وابن أبي عتبة, عن العوام, عن مجاهد قال: في خطبة يوم الجمعة.
* * *
وقال آخرون: عني بذلك: الإنصات في الصلاة، وفي الخطبة.
* ذكر من قال ذلك:
15611 - حدثني ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن منصور قال: سمعت إبراهيم بن أبي حمزة, يحدث أنه سمع مجاهدًا يقول في هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة, والخطبة يوم الجمعة.
15612 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا هارون, عن عنبسة, عن جابر, عن عطاء قال: وجب الصُّمُوت في اثنتين، عند الرجل يقرأ القرآن وهو يصلي, وعند الإمام وهو يخطب.
15613 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد: (وإذا قرئ القرآن)، وجب الإنصات في اثنتين، (66) في الصلاة والإمام يقرأ, والجمعة والإمام يخطب.
15614 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال حدثنا هشيم, أخبرنا من سمع الحسن يقول: في الصلاة المكتوبة, وعند الذكر.
15615 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري, عن جابر, عن مجاهد قال: وجب الإنصات في اثنتين: في الصلاة, ويوم الجمعة.
15616 - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن بقية بن الوليد قال: سمعت ثابت بن عجلان يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: الإنصات: يوم الأضحى, ويوم الفطر, ويوم الجمعة, وفيما يجهر به الإمام من الصلاة. (67)
15617 - حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن [عون] قال: أخبرنا هشيم, عن الربيع بن صبيح, عن الحسن قال: في الصلاة, وعند الذكر. (68)
15618 - حدثنا ابن البرقي قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا يحيى بن أيوب قال: ثني ابن جريج, عن عطاء بن أبي رباح قال: أوجب الإنصات يوم الجمعة, قول الله تعالى ذكره: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، وفي الصلاة مثل ذلك.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام، وكان من خلفه ممن يأتمّ به يسمعه, وفي الخطبة.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال: " إذا قرأ الإمام فأنصتوا "، (69) وإجماع الجميع على أن [على] من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة, الاستماعَ والإنصاتَ لها, (70) مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسامعه، من قارئه، إلا في هاتين الحالتين، (71) على اختلاف في إحداهما, وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به. وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله: " إذا قرأ الإمام فانصتوا " فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان به مؤتمًّا سامعًا قراءته، بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-------------------
الهوامش :
(58) انظر تفسير (( استمع )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سمع ) .
(59) الأثر : 15581 - (( أبو بكر بن عياش )) ، ثقة معروف ، مضى مرارًا . و (( عاصم )) ، هو (( عاصم بن أبي النجود )) ، (( عاصم ابن بهدلة )) ، ثقة مضى مرارًا . و (( المسيب بن رافع الأسدى )) ، تابعى ثقة ، لم يلق ابن مسعود ، مضى برقم 128 ، 6175 . و (( عبد الله )) ، هو ابن مسعود . فهذا الخبر منقطع الإسناد . وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 623 .
(60) الأثر : 15582 - سيأتي بإسناد آخر ، بلفظ آخر رقم : 15601 . (( حفص بن غياث )) ثقة مأمون ، أخرج له الجماعة ، مضى مرارًا . (( إبراهيم الهجرى )) ، هو (( إبراهيم بن مسلم الهجرى )) ، وهو ضعيف ، مضى برقم : 11 ، 4173 . و (( أبو عياض )) ، هو (( عمر بن الأسود العنسى )) ، ثقة من عباد أهل الشام ، مضى برقم 1382 ، 11255 ، 12804 . وهذا خبر ضعيف الإسناد ، لضعف إبراهيم الهجرى . ورواه البيهقي في السنن 2 : 155 ، بنحوه ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 156 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه .
(61) الأثر : 15584 - (( بشير بن جابر )) هكذا في المطبوعة وابن كثير 3 : 623 . وفي المخطوطة : (( بسير )) غير منقوط ، وقد أعيانى أن أجد لها وجهاً ، أو أن أجد (( بشير بن جابر )) في شيء من المراجع .
(62) الأثر : 15585 - (( طلحة بن عبيد بن كريز الخزاعى )) ، أبو المطرف المصرى . ثقة قليل الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 7/1/166 ، والكبير 2/2/348 . وابن أبي حاتم 2 / 1 / 474 . و (( كريز )) ( بفتح الكاف ، وكسر الراء )) .
(63) الأثر : 15586 - (( عبد الله بن عامر الأسلمى )) ، روى عنه الأوزعى ، وابن أبي ذئب ، وسليمان بن بلال وغيرهم . ضعفه أحمد وابن معين ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2/2/123 ، وميزان الاعتدال 2 : 50 . وهذا خبر ضعيف لضعف (( عبد الله بن عامر )) . ورواه الواحدى في أسباب النزول : 171 ، 172 من طريق أبي منصور المنصورى ، عن عبد الله بن عامر ، بمثله .
(64) الأثر : 15601 - (( الهجرى )) ، هو (( إبراهيم بن مسلم الهجرى )) ، ومضى هذا الخبر برقم : 15582 ، بنحوه ، وبينا ضعف إسناده هناك .
(65) في المطبوعة : (( إذا قرئ القرآن في خطبة )) ، وأثبت ما في المخطوطة .
(66) في المطبوعة : (( وإذا قرئ القرآن ، وجب الإنصات قال : وجب في اثنتين . وهو مضطرب صوابه من المخطوطة ، بحذف ما زاده ، وتقديم ما أخره .
(67) الأثر : 15616 - (( ثابت بن عجلان الأنصارى السلمي )) ، متكلم فيه ، وثقه بعضهم ، ومرضه آخرون . مترجم في التهذيب ، والكبير 1/2/166 ، ولم يذكر فيه جرحاً ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 455 .
(68) الأثر : 15617 - (( عمرو بن عون الواسطى )) ، مضى مرارًا . وكان في المخطوطة : (( قال حدثنا عمرو بن قال أخبرنا هشيم )) ، سقط من الإسناد ما أثبته بين القوسين . وكان في المطبوعة : (( عمرو بن حماد )) ، مكان (( عمرو بن عون )) ، وهو فاسد و سئ جداً . وقد مضى مرارًا مثل إسناد (( المثنى )) هذا إلى (( هشيم )) برقم : 3159 ، 3879 ، 10962 ، وغيرها . فمن هذا استظهرت ما أثبته ، وهو الصواب إن شاء الله .
(69) انظر تخريج الخبر في السنن الكبرى 2: 155 ، 156 .
(70) الزيادة بين القوسين لا بد منها ، والسياق : (( أن على من سمع ... الاستماع والإنصات )) .
(71) في المخطوطة حرف ( ط ) فوق (( لسامعه )) ، دلالة على الخطأ والشك في صحته ، ولكنه مستقيم . وهو عطف على ما قبله ، كأنه قال : وأنه لا وقت يجب الإنصات لسامعه ، من قارئه )) .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
الذكر للّه تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بهما، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله، فأمر اللّه عبده ورسوله محمدا أصلا وغيره تبعا، بذكر ربه في نفسه، أي:مخلصا خاليا. تَضَرُّعًا أي:متضرعا بلسانك، مكررا لأنواع الذكر، وَخِيفَةً في قلبك بأن تكون خائفا من اللّه، وَجِلَ القلب منه، خوفا أن يكون عملك غير مقبول، وعلامة الخوف أن يسعى ويجتهد في تكميل العمل وإصلاحه، والنصح به. وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ أي:كن متوسطا، لا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلا. بِالْغُدُوِّ أول النهار وَالآصَالِ آخره، وهذان الوقتان لذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما. وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ الذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم، فإنهم حرموا خير الدنيا والآخرة، وأعرضوا عمن كل السعادة والفوز في ذكره وعبوديته، وأقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال به، وهذه من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها، وهي الإكثار من ذكر اللّه آناء الليل والنهار، خصوصا طَرَفَيِ النهار، مخلصا خاشعا متضرعا، متذللا ساكنا، وتواطئا عليه قلبه ولسانه، بأدب ووقار، وإقبال على الدعاء والذكر، وإحضار له بقلبه وعدم غفلة، فإن اللّه لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
أى: استحضر عظمة ربك- جل جلاله- في قلبك. واذكره بما يقربك إليه عن طريق قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل وغير ذلك.
وقوله تَضَرُّعاً وَخِيفَةً في موضع الحال بتأويل اسم الفاعل أى. اذكره متضرعا متذللا له وخائفا منه- سبحانه-:
وقوله وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ معطوف على قوله فِي نَفْسِكَ أى: اذكر ربك ذكرا في نفسك، وذكرا بلسانك دون الجهر.
يأمر تعالى بذكره أول النهار وآخره ، كما أمر بعبادته في هذين الوقتين في قوله : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) [ ق : 39 ] وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية .
وقال هاهنا بالغدو - وهو أوائل النهار : ( والآصال ) جمع أصيل ، كما أن الأيمان جمع يمين .
وأما قوله : ( تضرعا وخيفة ) أي : اذكر ربك في نفسك رهبة ورغبة ، وبالقول لا جهرا ; ولهذا قال : ( ودون الجهر من القول ) وهكذا يستحب أن يكون الذكر لا يكون نداء و [ لا ] جهرا بليغا ; ولهذا لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) [ البقرة : 186 ]
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، أربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ; إن الذي تدعونه سميع قريب "
وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه ، وسبوا من أنزله ، و [ سبوا ] من جاء به ; فأمره الله تعالى ألا يجهر به ، لئلا ينال منه المشركون ، ولا يخافت به عن أصحابه فلا يسمعهم ، وليتخذ سبيلا بين الجهر والإسرار . وكذا قال في هذه الآية الكريمة : ( ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين )
وقد زعم ابن جرير وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم قبله : أن المراد بهذه الآية : أمر السامع للقرآن في حال استماعه بالذكر على هذه الصفة . وهذا بعيد مناف للإنصات المأمور به ، ثم المراد بذلك في الصلاة ، كما تقدم ، أو الصلاة والخطبة ، ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان ، سواء كان سرا أو جهرا ، فهذا الذي قالاه لم يتابعا عليه ، بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال ، لئلا يكونوا من الغافلين ; ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون
القول في تأويل قوله : وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (واذكر) أيُّها المستمع المنصت للقرآن، إذا قرئ في صلاة أو خطبة (72) =، (ربك في نفسك)، يقول: اتعظ بما في آي القرآن, واعتبر به, وتذكر معادك إليه عند سماعكه =(تضرعًا)، يقول: افعل ذلك تخشعًا لله وتواضعًا له. (73) (وخيفة)، يقول: وخوفًا من الله أن يعاقبك على تقصير يكون منك في الاتعاظ به والاعتبار, وغفلة عما بين الله فيه من حدوده. (74) =( ودون الجهر من القول)، يقول: ودعاء باللسان لله في خفاء لا جهار. (75) يقول: ليكن ذكر الله عند استماعك القرآن في دعاء إن دعوت غير جهار، ولكن في خفاء من القول، كما:-
15619 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول)، لا يجهر بذلك.
15620 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا أبو سعد قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول)، الآية قال: أمروا أن يذكروه في الصدور تضرعًا وخيفة.
15621 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي, عن أبيه, عن حيان بن عمير, عن عبيد بن عمير, في قوله: (واذكر ربك في نفسك) قال: " يقول الله إذا ذكرني عبدي في نفسه, ذكرته في نفسي, وإذا ذكرني عبدي وحده ذكرته وحدي, وإذا ذكرني في ملإ ذكرته في أحسنَ منهم وأكرم ". (76)
15622 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة) قال: يؤمر بالتضرع في الدعاء والاستكانة, ويكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء.
* * *
وأما قوله: (بالغدو والآصال)، فإنه يعني بالبُكَر والعشِيَّات.
* * *
وأما " الآصال " فجمع، واختلف أهل العربية فيها.
فقال بعضهم: هي جمع " أصيل ", كما " الأيمان " جمع " يمين ", و " الأسرار " جمع " سرير ". (77)
* * *
وقال آخرون منهم: هي جمع " أصُل ", و " الأصُل " جمع " أصيل ". (78)
* * *
وقال آخرون منهم: هي جمع " أصل " و " أصيل ". قال: وإن شئت جعلت " الأصُل " جمعًا ل " لأصيل ", وإن شئت جعلته واحدًا. قال: والعرب تقول: " قد دنا الأصُل " فيجعلونه واحدًا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب في ذلك, وهو أنه جائز أن يكون جمع " أصيل " و " أصُل ", لأنهما قد يجمعان على أفعال. وأما " الآصال "، فهي فيما يقال في كلام العرب: ما بين العصر إلى المغرب.
* * *
وأما قوله: (ولا تكن من الغافلين)، فإنه يقول: ولا تكن من اللاهين إذا قرئ القرآن عن عظاته وعبره, وما فيه من عجائبه, ولكن تدبر ذلك وتفهمه, وأشعره قلبك بذكر الله، (79) وخضوعٍ له، وخوفٍ من قدرة الله عليك, إن أنت غفلت عن ذلك.
15623 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (بالغدو والآصال) قال: بالبكر والعشي =( ولا تكن من الغافلين).
15624 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا معرّف بن واصل السعدي, قال: سمعت أبا وائل يقول لغلامه عند مغيب الشمس: آصَلْنا بعدُ؟ (80)
15625 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج قال: قال ابن جريج قال مجاهد, قوله: (بالغدو والآصال) قال: " الغدو "، آخر الفجر، صلاة الصبح =(والآصال)، آخر العشي، صلاة العصر. قال: وكل ذلك لها وقت، أول الفجر وآخره. وذلك مثل قوله في " سورة آل عمران ": وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ، [سورة آل عمران: 41] . وقيل: " العشي": مَيْل الشمس إلى أن تغيب, و " الإبكار ": أول الفجر. (81)
15626 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن محمد بن شريك, عن ابن أبي مليكة, عن ابن عباس, سئل عن [صلاة الفجر, فقال: إنها لفي كتاب الله, ولا يقوم عليها] ..... ثم قرأ: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ، الآية [سورة النور: 36 ] . (82)
15627 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة)، إلى قوله: (بالغدو والآصال)، أمر الله بذكره, ونهى عن الغفلة. أما " بالغدو ": فصلاة الصبح = " والآصال ": بالعشي. (83)
------------------
الهوامش :
(72) رد ابن كثير ما ذهب إليه الطبري في تفسير هذه الآية فقال : (( زعم ابن جرير ، وقبله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أن المراد بها أمر السامع للقرآن في حال استماعه للذكر على هذه الصفة . وهذا بعيد ، مناف للإنصات المأمور به . ثم إن المراد بذلك في الصلاة كما تقدم ، أو في الصلاة والخطبة . ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان ، سواء كان سراً أو جهراً . وهذا الذي قالاه ، لم يتابعا عليه . بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال ، لئلا يكونوا من الغافلين )) . تفسير ابن كثير 3 : 626 ، 627 . وهذا الذي قاله هو الصواب المحض إن شاء الله .
(73) انظر تفسير (( التضرع )) فيما سلف 13 : 572 تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(74) انظر تفسير (( الخوف )) فيما سلف 9 : 123 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(75) انظر تفسير (( الجهر )) فيما سلف 2 : 80 / 9 : 344 ، 358 / 11 : 368 .
(76) الأثر : 15621 - (( ابن التيمى )) ، هو : (( معتمر بن سليمان بن طرخان التيمى )) وأبوه (( سليمان بن طرخان التيمى )) ، وقد مضيا مرارًا . و (( حيان بن عمر القيسمى الجريرى )) ، ثقة قليل الحديث روى عن عبد الرحمن بن سمرة ، وابن عباس ، وسمرة بن جندب وغيرهم . روى عنه سليمان التيمى ، وسعيد الجريرى ، وقتاده . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 7/1/ 137 ، 165 ، والكبير 2/1/ 50 ، وابن أبي حاتم 1/2/ 244 . و((عبيد بن عمير بن قتادة الجندعى )) ، قاص أهل مكة ، تابعى ثقة من كبار التابعين ، مضى برقم : 9180 ، 9181 ، 9189 ، وغيرها .
(77) (( السرير )) الذي جمعه (( أسرار )) ، هو (( سرير الكمأة )) ، وهو ما يكون عليها من التراب والقشور والطين ، وليس للكمأة عروق ، ولكن لها أسرار .
(78) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 239 .
(79) في المخطوطة والمطبوعة : (( بذكر الله )) ، والسياق يتطلب ما أثبت .
(80) الأثر : 15624 - (( معرف بن واصل السعدي )) ، (( أبو بدل )) أو (( أبو يزيد )) ، ثقة. كان أمام مسجد بنى عمرو بن سعيد بن تميم ، أمهم ستين سنة ، لم يسه في صلاة قط ، لأنها كانت تهمه . روى عن أبي وائل وإبراهيم التيمى ، والنخعى ، والشعبى . وغيرهم . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 6 : 248 ، والكبير 4/2/30 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 410 .
و (( أبو وائل )) هو (( شقيق بن سلمة الأسدى )) ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يره ، حجة في العربية . وقوله : (( آصل )) ، أي : دخل في الأصيل .
(81) الأثر : 15625 - آخر هذا الخبر ، مضى برقم : 7024 ، من طريق أخرى .
(82) الأثر : 15626 - (( محمد بن شريك المكى )) ، ثقة ، مضى برقم : 10260 ، مترجم في التهذيب ، وابن سعد 5 : 360 ، والكبير 1/1/112 ، وابن أبي حاتم 3/2/284 . وهكذا جاء الخبر في المخطوطة ، كما هو في المطبوعة ، وأنا أكاد أقطع أنه خطأ وتحريف ، وفيه سقط ، ولكنى لم أجد الخبر بإسناده ، فلذلك لم أغيره ، ووجدت نص الخبر بغير إسناد في الدر المنثور 5: 52 ، عن صلاة الضحى ، لا صلاة الفجر ، وهو الصواب إن شاء الله قال :
( وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس قال : إن صلاة الضحى لفي القرآن ؟ ، وما يغوص عليها إلا غواص ، في قوله : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ " فهذا صواب العبارة ، ولكني وضعت ما كان في المخطوطة والمطبوعة بين قوسين ، لأني لم أجد الخبر بإسناده . ووضعت مكان السقط نقطاً . ثم أتممت الآية إلى غايتها أيضاً .
(83) الأثر : 15627 - كان في المخطوطة والمطبوعة : (( ... حدثنا يزيد قال ، حدثنا سويد قال ، حدثنا سعيد ... )) ، زاد في الإسناد (( قال حدثنا سويد )) ، وهو خطأ محض ، وإنما كرر الكتابة كتب (( يزيد )) ، ثم كتب (( سويد ) ، وزاد في الإسناد . وهذا إسناد دائر في التفسير ، آخره رقم : 15598 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 205 | ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ |
---|
الأنعام: 63 | ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ |
---|
الأعراف: 55 | ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وخيفة:
وقرئ:
وخفية.
والآصال:
وقرئ والإيصال، مصدر «آصل» ، أي: دخل فى وقت الأصيل، وهى قراءة أبى مجاز لا حق بن حميد السدوسي.
التفسير :
ثم ذكر تعالى أن له عبادا مستديمين لعبادته، ملازمين لخدمته وهم الملائكة، فلتعلموا أن اللّه لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلة، ولا ليتعزز بها من ذلة، وإنما يريد نفع أنفسكم، وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما عملتم، فقال:إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ من الملائكة المقربين، وحملة العرش والكروبيين. لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ بل يذعنون لها وينقادون لأوامر ربهم وَيُسَبِّحُونَهُ الليل والنهار لا يفترون. وَلَهُ وحده لا شريك له يَسْجُدُونَ فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام، وليداوموا [على] عبادة الملك العلام. تم تفسير سورة الأعراف وللّه الحمد والشكر والثناء. وصلى اللّه على محمد وآله وصحبه وسلم.
والمراد بالجهر: رفع الصوت بإفراط، وبما دونه مما هو أقل منه، وهو الوسط بين الجهر والمخافتة، قال ابن عباس: هو أن يسمع نفسه.
وقوله بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ متعلق باذكر، والغدو جمع غدوة وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
والآصال جمع أصيل وهو من العصر إلى الغروب.
أى: اذكر ربك مستحضرا عظمته، في كل وقت، وراقبه في كل حال، لا سيما في هذين الوقتين لأنهما طرفا النهار ومن افتتح نهاره بذكر الله واختتمه به كان جديرا برعاية ربه.
قيل: وخص هذان الوقتان بالذكر لأنهما وقت سكون ودعة وتعبد واجتهاد. وما بينهما من أوقات الغالب فيها الانقطاع لأمر المعاش.
ثم نهى- سبحانه- عن الغفلة عن ذكره فقال: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ الذين شغلتهم الدنيا عن ذكر الله.
وفيه إشعار بطلب دوام ذكره- تعالى- واستحضار عظمته وجلاله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية.
قال بعض العلماء: ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن للذكر آدابا من أهمها:
1- أن يكون في النفس لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص، وأقرب إلى الإجابة، وأبعد من الرياء.
2- أن يكون على سبيل التضرع وهو التذلل والخضوع والاعتراف بالتقصير.
3- أن يكون على وجه الخيفة أى الخوف والخشية من سلطان الربوبية وعظمة الألوهية من المؤاخذة على التقصير في العمل لتخشع النفس ويخضع القلب.
4- أن يكون دون الجهر لأنه أقرب إلى حسن التفكر، وفي الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار، فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم يا أيها الناس: اربعوا على أنفسكم- أى هونوا على أنفسكم- فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا. إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» .
5- أن يكون باللسان لا بالقلب وحده، وهو مستفاد من قوله وَدُونَ الْجَهْرِ لأن معناه ومتكلما كلاما دون الجهر، فيكون صفة لمعمول حال محذوفة، معطوفا على تَضَرُّعاً أو هو معطوف على فِي نَفْسِكَ أى: اذكره ذكرا في نفسك وذكرا بلسانك دون الجهر .
ثم ذكر- سبحانه- ما يقوى دواعي الذكر، وينهض بالهمم إليه، بمدحه للملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فقال: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ وهم ملائكة الملأ الأعلى.
والمراد بالعندية القرب من الله- تعالى- بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزهه- سبحانه- عن ذلك.
لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ بل يؤدونها حسبما أمروا به بخضوع وطاعة.
وَيُسَبِّحُونَهُ أى: ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله على ابلغ وجه.
وَلَهُ يَسْجُدُونَ أى: يخصونه وحده بغاية العبودية والتذلل والخضوع، ولا يشركون معه أحدا في عبادة من عباداتهم.
أما بعد: فهذه هي سورة الأعراف التي سبحت بنا سبحا طويلا وهي تحدثنا عن أدلة وحدانية الله، وعن هداية القرآن الكريم، وعن مظاهر نعم الله على خلقه، وعن اليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب، وعن بعض الأنبياء وما جرى لهم مع أقوامهم، وكيف كانت عاقبة هؤلاء الأقوام، وعن سنن الله- تعالى- في إسعاد الأمم وإشقائها، وغير ذلك من أصول التشريع وآداب الاجتماع، وشئون البشر.
وقد استعملت السورة في أوامرها ونواهيها وتوجيهاتها أساليب التذكير بالنعم، والتخويف من النقم، وإيراد الحجج المقنعة، ودفع الشبهات الفاسدة.
وهذا تفسير لها تناولنا فيه بالشرح والتحليل ما اشتملت عليه من توجيهات سامية، وآداب عالية، ومقاصد جليلة، وحجج باهرة، ومواعظ مؤثرة.
والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ونافعا لنا يوم الدين.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فقال : ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته [ ويسبحونه وله يسجدون ] ) وإنما ذكرهم بهذا ليتشبه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم ; ولهذا شرع لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله ، عز وجل ، كما جاء في الحديث : " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ، يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف "
وهذه أول سجدة في القرآن ، مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع . وقد ورد في حديث رواه ابن ماجه ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عدها في سجدات القرآن
آخر [ تفسير ] سورة الأعراف ، ولله الحمد والمنة .
القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا تستكبر، أيها المستمع المنصت للقرآن، عن عبادة ربك, واذكره إذا قرئ القرآن تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول, فإن الذين عند ربك من ملائكته لا يستكبرون عن التواضع له والتخشع, وذلك هو " العبادة ". (84) =(ويسبحونه)، يقول: ويعظمون ربهم بتواضعهم له وعبادتهم (85) =(وله يسجدون)، يقول: ولله يصلون = وهو سجودهم = (86) فصلوا أنتم أيضًا له, وعظموه بالعبادة، كما يفعله من عنده من ملائكته.
* * *
آخر تفسير سورة الأعراف (87)
------------------------
الهوامش:
(84) انظر تفسير (( العبادة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( عبد ) .
(85) انظر تفسير (( التسبيح )) فيما سلف 1 : 474 - 476 / 6 : 391 ، ومادة ( سبح ) في فهارس اللغة .
(86) انظر تفسير (( السجود )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سجد ) .
(87) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه: "والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا . الحمد لله رب العالمين" .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 206 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ |
---|
فصلت: 38 | ﴿إِنِ اسْتَكْبَرُوا فَـ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء