1164647484950

الإحصائيات

سورة المائدة
ترتيب المصحف5ترتيب النزول112
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.50
عدد الآيات120عدد الأجزاء1.07
عدد الأحزاب2.15عدد الأرباع8.60
ترتيب الطول6تبدأ في الجزء6
تنتهي في الجزء7عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 2/10يا أيها الذين آمنوا: 1/3

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (46) الى الآية رقم (47) عدد الآيات (2)

بعدَ أن مَدَحَ التوراةَ وأثنى على الأنبياءِ الحاكمينَ بها، بَيَّنَ هنا أنَّه أَتْبعَهم بعِيسى عليه السلام، مُؤمِنًا بما فيها ومُؤيِّدًا لها، ثُمَّ مَدَحَ الإنجيلَ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (48) الى الآية رقم (50) عدد الآيات (3)

بعدَ أن مَدَحَ اللهُ التوراةَ ثُمَّ الإنجيلَ وأمَرَ باتِّباعِهما، ذكرَ هنا القرآنَ وبَيَّنَ منزلتَه من الكتبِ السابقةِ، وأن الحكمةَ اقتضَتْ تعددَ الشرائعِ لهدايةِ البشرِ، ثُمَّ الأمرُ بالحكمِ بما أنزلَ اللهُ وذمُّ التحاكمِ لأعرافِ الجاهليةِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة المائدة

الوفاء بالعهود والمواثيق/ الحلال والحرام.

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما "المائدة" التي سميت بها السورة؟:   الحواريون (أصحاب عيسى عليه السلام الخُلَّص) طلبوا من عيسى عليه السلام أن يدعو اللهَ أن ينزل عليهم مائدة من السماء، ليأكلوا منها وتزداد قلوبهم اطمئنانًا إلى أنه صادق فيما يبلغه عن ربه: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (112-113)، فاستجاب عيسى عليه السلام لهم ودعا ربه، فوعده الله بها، وأخذ عليهم عهدًا وحذرهم من نقضه: أن من كفر بعد نزولها ولم يؤمن فسوف يعذبه عذابًا شديدًا: ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (115). وهذا توجيه وتحذير للمسلمين بأن عليهم الوفاء بالعهود والمواثيق، وإلا سيكون العذاب جزاؤهم كما في قصة المائدة. السورة تنادي: - التزموا بالعقود التي ألزمكم الله بها، وأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه. - احذروا من التهاون بهذه العقود أو إضاعتها كما حصل من اليهود والنصارى.
  • • هدف السورة واضح من أول نداء:   لجاء في السورة: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ﴾ أي أوفوا بعهودكم، لا تنقضوا العهود والمواثيق.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «المائدة».
  • • معنى الاسم ::   المائدة: الخِوَانُ الموضوع عليه طعام، والعرب تقول للخُوان إذا كان عليه طعام: مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة.
  • • سبب التسمية ::   لورود قصة المائدة بها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة العقود»؛ لافتتاحها بطلب الإيفاء بالعقود، و«المنقذة»، و«الأحبار».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الوفاء بالعقود مع الله، ومع الناس، ومع النفس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الأخلاق الفاضلة هي أثر للعقيدة الصحيحة والتشريعات الحكيمة.
  • • علمتني السورة ::   أن الإنسان غال عند ربه، من أجل ذلك شرع الله الشرائع التي تضبط حياته، وتصون حرمته ودمه وماله (سورة المائدة أكثر سورة ذكرًا لآيات الأحكام).
  • • علمتني السورة ::   أنه ينبغي على الدعاة أن يبدأوا مع الناس بما أبيح أولًا، ثمّ يبينوا المحرّمات بعد ذلك، لكي يكسبوا القلوب: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاْنْعَامِ﴾ (1)، فلم يبدأ ربنا بما قد حُرِّم لكي لا ينفروا، فكلمة ﴿أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ﴾ توحي بأن الخطاب بعدها شديد اللهجة، فتأتي مباشرة كلمة ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ﴾ وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة.
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْمِلَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا».
    • عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ، يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (118)، فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا زِلْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى أَصْبَحْتَ تَرْكَعُ بِهَا وَتَسْجُدُ بِهَا»، قَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِيهَا، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة المائدة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (3)؛ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا»، فَقَالَ عُمَرُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ».
    • قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: «الْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ، وَفِيهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ فَرِيضَةً لَيْسَتْ فِي غَيْرِهَا».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي الأكثر ذكرًا لآيات الأحكام.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تبدأ بنداء المؤمنين: ﴿يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾ من أصل 3 سور افتتحت بذلك، وهي: «المائدة، والحجرات، والممتحنة».
    • آخر سورة نزلت بالأحكام الشرعية.
    • تمتاز بالمواجهة الشديدة مع أهل الكتاب، فهي أكثر السور تكفيرًا لليهود والنصارى.
    • أكثر السور تأكيدًا على أن التشريع حق لله تعالى وحده، حيث خُتِمت ثلاث آيات بالتحذير من الحكم بغير ما أنزل الله، وهي: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (44)، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (45)، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (47).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نفي بالعقود والعهود مع الله، ومع الناس، ومع النفس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...﴾ (1).
    • أن نتعاون دومًا على البر والتقوى، ففي التقوى رضى الله، وفي البر رضى الناس.
    • أن ندرس بابَ الأطعمةِ من أحد كتبِ الفقه لنتعلَّمَ ما يُبَاح وما يحْرُم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ...﴾ (3).
    • أن نزور أحد المرضى ونعلمه صفة التيمم: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (6).
    • أن نتوخي العدل دائمًا؛ حتى في معاملة المخالفين: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ (8).
    • أن نفوض أمورنا إلى الله تعالى، ونعتمد عليه، ونفعل الأسباب، ولا نعتمد عليها: ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (11).
    • ألا نُظهِر البلاء على ألسنتنا؛ فالبلاء موكّل بالمنطق، فاليهود لما قالوا: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ (النساء 155)، أي لا تعي شيء، حلّ بهم البلاء: ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ (13).
    • أن نجمع بين البشارة والنذارة أثناء دعوة الناس إلى الله: ﴿فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ (19).
    • أن نعدد ثلاثًا من النعم التي اختصنا الله بها دون أقراننا، ونشكره عليها: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ﴾ (20).
    • ألا يغيب عنا التفاؤل أبدًا: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ (23).
    • أن نحذر الحسد؛ لأنه صفة ذميمة تؤذي صاحبها وتجره إلى معصية الله، وتجعله يسخط ويعترض على ربه، فهو أول ذنب عُصي الله به في السماء والأرض: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ ...﴾ (27).
    • أن نشدد العقوبة بحق من يفسدون في الأرض ويقطعون الطريق؛ حتى نمنع مجرمين آخرين من الظهور: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ ...﴾ (33).
    • أن نشتغل بالإصلاح بعد التوبة؛ لأن هذا سبب لقبولها: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّـهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (39).
    • أن نحدد أمورًا تتطهر بها قلوبنا، ثم نفعلها، ونتحل بها؛ مثل: حسن الظن، والعفو: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّـهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ (41).
    • أن نسبق اليوم غيرنا إلى نوع من الطاعات؛ كالصف الأول، والصدقة لمضطر محتاج، أو غيرها من أبواب الخير: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ (48).
    • ألا نتخذ اليهود والنصارى أولياء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ...﴾ (51).
    • أن نتذكّر قول الله: ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ (54) عندما نرى من أقراننا من هو أفضل منا فهمًا أو علمًا أو مالًا أو نعمة.
    • أن نحفظ ألسنتنا عن كثرة الحلِف: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ (89).
    • أن نتجنب الخمر والميسر والأزلام والأنصاب، ونبين للناس حرمة ذلك: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ...﴾ (90).
    • أن نحدد بعض المنكرات ونبلغ الناس حكم الله فيها: ﴿مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ (99).
    • ألا نسأل عن الأمور التي لا فائدة من وراءها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (101).
    • أن نكتب الوصية قبل النوم، وننصح غيرنا بذلك، ونبين لهم أهمية كتابة الوصية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ (106).
    • أن نحذر أشد الحذر من كفران النعم، فإن أشد الناس عذابًا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة: ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (115).
    • أن نسأل الله كثيرًا أن يرزقنا الصدق في القول والعمل: ﴿قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ (119).

تمرين حفظ الصفحة : 116

116

مدارسة الآية : [46] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ ..

التفسير :

[46] وأتبعنا أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم مؤمناً بما في التوراة، عاملاً بما فيها مما لم ينسخه كتابه، وأنزلنا إليه الإنجيل هادياً إلى الحق، ومبيِّناً لما جهله الناس مِن حكم الله، وشاهداً على صدق التوراة بما اشتمل عليه من أحكامها، وقد جعلناه بياناً للذين

أي:وأتبعنا هؤلاء الأنبياءَ والمرسلين، الذين يحكمون بالتوراة، بعبدنا ورسولنا عيسى ابن مريم، روحِ الله وكلمتِه التي ألقاها إلى مريم. بعثه الله مصدقا لما بين يديه من التوراة، فهو شاهد لموسى ولما جاء به من التوراة بالحق والصدق، ومؤيد لدعوته، وحاكم بشريعته، وموافق له في أكثر الأمور الشرعية. وقد يكون عيسى عليه السلام أخف في بعض الأحكام، كما قال تعالى عنه أنه قال لبني إسرائيل:{ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ْ}{ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ ْ} الكتاب العظيم المتمم للتوراة.{ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ْ} يهدي إلى الصراط المستقيم، ويبين الحق من الباطل.{ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ْ} بتثبيتها والشهادة لها والموافقة.{ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِّلْمُتَّقِينَ ْ} فإنهم الذين ينتفعون بالهدى، ويتعظون بالمواعظ، ويرتدعون عما لا يليق.

وقوله: وَقَفَّيْنا معطوف على قوله قبل ذلك أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ وأصل القفو اتباع الأثر:

يقال قفاه يقفوه أى: اتبع أثره، والتقفية: الاتباع، يقال: قفيته بكذا أى أتبعته. وإنما سميت قافية الشعر قافية لأنها تتبع الوزن، والقفا مؤخر الرقبة. ويقال: قفا أثره إذا سار وراءه واتبعه.

قال صاحب الكشاف: قفيته مثل عقبته، إذا أتبعته. ثم يقال قفيته وعقبته به، فتعديه إلى الثاني بزيادة الباء.

فإن قلت فأين المفعول الأول في الآية؟ قلت هو محذوف. والظرف الذي هو «على آثارهم» كالسّاد مسدّه، لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه. والضمير في قوله: عَلى آثارِهِمْ يعود على النبيين في قوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا.

وقوله: آثارِهِمْ جمع أثر وهو العلم الذي يظهر للحس. وآثار القوم: ما أبقوا من أعمالهم. وقوله عَلى آثارِهِمْ تأكيد لمدلول فعل «قفينا» وإيماء إلى سرعة التقفية.

وقوله. لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أى: لما تقدمه، لأن ما بين يدي الإنسان كأنه حاضر أمامه.

والمعنى وأتبعنا على آثار أولئك النبيين الذين أسلموا وجوههم لله، وأخلصوا له العبادة، والذين كانوا يحكمون بالتوراة- كموسى وهارون وداود وسليمان وغيرهم- أتبعنا على آثارهم بعيسى ابن مريم ناهجا نهجهم في الخضوع والطاعة والإخلاص لله رب العالمين ومصدقا للتوراة التي تقدمته، ومنفذا لأحكامها إلا ما جاء نسخه في الإنجيل منها.

وفي التعبير بقوله وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ إشارة إلى أن عيسى- عليه السلام- لم يكن بدعة من الرسل، وإنما هو واحد منهم، جاء على آثار من سبقوه، سالكا مسلكهم في الدعوة إلى عبادة الله وحده وإلى التحلي بمكارم الأخلاق.

وفي التعبير بقوله بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إيذان بأنه محدث كجميع المحدثات، وأنه قد ولد من أمه كما يولد سائر البشر من أمهاتهم، وأنه لا نسب له إلا من جهتها، فليس له أب، وليس ابنا لله- تعالى-، وإنما هو عبد من عباد الله أو جده بقدرته، وأرسله- سبحانه- لدعوة الناس إلى توحيده وعبادته.

وقوله: مُصَدِّقاً حال من عيسى- عليه السلام-:

قال بعض العلماء: «ولو سايرنا الواقع عند النصارى في هذه الأيام، لكان لذكر كلمة التصديق في هذا المقام معنى أعمق من مجرد التصديق بأصل النزول، بل بالتنفيذ، لأن الإنجيل ليس فيه أحكام عملية كثيرة، فأحكام الأسرة كلها مأخوذة عند النصارى من التوراة، وليس ثمة نص قاطع في الأناجيل التي بين أيدينا يغاير ما جاء في التوراة من أحكام تتعلق بالأسرة، ولا بأحكام العقوبات من حدود وقصاصر ولقد رويت عبارات عندهم منسوبة للمسيح- عليه السلام- تدل على العمل بأحكام التوراة، مثل قوله- عليه السلام- «ما جئت لأنقض الناموس» أى التوراة.

وكلمة بَيْنَ يَدَيْهِ تعبير قرآنى، للدلالة على أن التوراة كانت حاضرة قائمة وقت مجيء عيسى- عليه السلام- وعلما عنده، وهو علم خال من التحريف والتبديل، أوحى الله به إليه.

ولفظ بين يديه في دلالته على الأمر المهيأ القائم من الاستعارات الرائعة، ومضمونها أن الأمر معلوم علما يقينا لعيسى بن مريم- عليه السلام- كعلم المحسوس يكون موضوعا بين يديه.

وقوله: وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ، وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ، وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ معطوف على قَفَّيْنا.

وقد وصف الله- تعالى- الإنجيل الذي أعطاه لعيسى بخمس صفات:أولها: أنه فيه هُدىً أى: فيه هداية للناس إلى الحق الذي متى اتبعوه سعدوا في دنياهم وآخرتهم.

وثانيها: أنه فيه نُورٌ أى: ضياء يكشف لهم ما التبس عليهم من أمور دينية ودنيوية.

وثالثها: كونه مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ أى أن الإنجيل مؤيد ومقرر لما جاءت به التوراة من أحكام وآداب وشرائع أنزلها الله فيها.

ورابعها: كونه: هُدىً أى: هو بذاته هدى فضلا على اشتماله عليه.

وخامسها: كونه: مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ أى: تذكير لهم بما يرق له القلب، وتصفو به النفس، وتنزجر به القلوب عن غشيان المحرمات.

وقوله فِيهِ هُدىً جملة مكونة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر. وقوله وَنُورٌ معطوف على قوله هُدىً والجملة كلها في موضع نصب على أنها حال من الإنجيل.

أى: أعطينا عيسى الإنجيل حالة كونه مشتملا على الهدى والنور.

وقوله: وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ حال أيضا من الإنجيل. ولا تكرار بين مُصَدِّقاً الأولى وبين مُصَدِّقاً الثانية، لأن الأولى لبيان حال عيسى وأنه جاء يدعو الناس إلى التصديق بالتوراة وإلى تنفيذ أحكامها، والثانية لبيان حال الإنجيل وأنه جاء مقررا لما اشتملت عليه التوراة من أحكام أنزلها الله، وأن من الواجب على بنى إسرائيل أن يسيروا على هدى هذه الأحكام إلا ما نسخه الإنجيل منها فعليهم أن يتبعوا أحكام الإنجيل فيها.

قال ابن كثير: وقوله: وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ أى: متبعا لها غير مخالف لما فيها إلا في القليل. مما بين لبنى إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه- كما قال- تعالى- إخبارا عن المسيح أنه قال لبنى إسرائيل: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ. ولهذا كان المشهور من قول العلماء: «أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة».

وقوله: وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ معطوف على ما تقدم ومنتظم معه في سلك الحالية.

وقال أولا فِيهِ هُدىً وقال ثانيا هُدىً لزيادة المبالغة في التنويه بشأن الإنجيل، فهو مشتمل على ما يهدى الناس إلى الحق والخير، وهو في ذاته هدى، لأنه منزل من عند الله، ولأنه بشارة بنبي يرسل من بعد عيسى اسمه أحمد.

قال الفخر الرازي: «وأما كونه هُدىً مرة أخرى، فلأن اشتمال الإنجيل على البشارة بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم سبب لاهتداء الناس إلى نبوته. ولما كان أشد وجوه الاختلاف والمنازعة بين المسلمين وبين اليهود، والنصارى في ذلك، لا جرم أعاده الله- تعالى- مرة أخرى تنبيها على أن الإنجيل يدل دلالة ظاهرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فكان هدى في هذه المسألة التي هي أشد المسائل احتياجا إلى البيان والتقرير.

وأما كونه موعظة: فلاشتمال الإنجيل على النصائح والمواعظ والزواجر البليغة المتأكدة.

وإنما خصها بالمتقين، لأنهم هم الذين ينتفعون بها».

قول تعالى : " وقفينا " أي : أتبعنا ( على آثارهم ) يعني : أنبياء بني إسرائيل [ عليه السلام ] ( بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : مؤمنا بها حاكما بما فيها ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) أي : هدى إلى الحق ، ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات . ( ومصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : متبعا لها ، غير مخالف لما فيها ، إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه ، كما قال تعالى إخبارا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل : ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) [ آل عمران : 50 ] ; ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة .

وقوله : ( وهدى وموعظة للمتقين ) أي : وجعلنا الإنجيل ) هدى ) يهتدى به ، ( وموعظة ) أي : وزاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم ( للمتقين ) أي : لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه .

القول في تأويل قوله عز ذكره : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وقفينا على آثارهم "، (1) أتبعنا. يقول: أتبعنا عيسى ابن مريم على آثار النبيين الذين أسلموا من قبلك، يا محمد، فبعثناه نبيًّا مصدّقا لكتابنا الذي أنـزلناه إلى موسى من قبله أنّه حق، وأن العمل بما لم ينسخه الإنجيل منه فرضٌ واجب=" وآتيناه الإنجيل "، يقول: وأنـزلنا إليه كتابنا الذي اسمه " الإنجيل "" فيه هدى ونور " يقول: في الإنجيل " هدًى "، وهو بيان ما جهله الناس من حكم الله في زمانه=" ونور "، يقول: وضياء من عَمَى الجهالة=" ومصدقًا لما بين يديه "، يقول: أوحينا إليه ذلك وأنـزلناه إليه بتصديق ما كان قبله من كتب الله التي كان أنـزلها على كل أمة أُنـزل إلى نبيِّها كتاب للعمل بما أنـزل إلى نبيهم في ذلك الكتاب، من تحليل ما حلّل، وتحريم ما حرّم=

" وهدى وموعظة "، يقول: أنـزلنا الإنحيل إلى عيسى مصدِّقا للكتب التي قبله، وبيانًا لحكم الله الذي ارتضاه لعباده المتَّقين في زمان عيسى،=" وموعظة "، لهم= يقول: وزجرًا لهم عما يكرهه الله إلى ما يحبُّه من الأعمال، وتنبيهًا لهم عليه.

&; 10-374 &;

و " المتقون "، هم الذين خافوا الله وحَذِروا عقابه، فاتقوه بطاعته فيما أمرهم، وحذروه بترك ما نهاهم عن فعله. وقد مضى البيان عن ذلك بشواهده قبل، فأغنى ذلك عن إعادته. (2)

-----------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"قفى" فيما سلف 2: 318.

(2) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

التدبر :

وقفة
[46] ما ذكره من مدح المسيح والإنجيل ليس فيه مدح النصارى الذين كذبوا محمدًا، وبدلوا أحكام التوراة والإنجيل، واتبعوا المبدل المنسوخ.
وقفة
[46] ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم﴾ التقفية: الاتباع، مأخوذة من قفَّاه إذا أتى بعده، وهي مشتقة من القفا أي الظهر، ومثله توجّه مشتقًّا من الوجه، وتعقَّب مشتقًّا من العقِب.
وقفة
[46] ﴿عَلَى آثَارِهِم﴾ أتى بكلمة آثارهم؛ ليدلنا على سرعة التقفية، فقد أرسل عيسى عقب زكريا كافل أمه مريم.
وقفة
[46] ﴿... مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ... وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ...﴾ سؤال: لم كرر قوله: (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)؟! والجواب: ليس في الآية تکرار؛ لأن في الأول: أن المسيح يصدق التوراة، وفي الثاني: الإنجيل يصدق التوراة.
وقفة
[46] ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ هو كناية عن تقدم التوراة عليه، أي على الإنجيل، فنحن نقول للأمر الذي يتقدمنا هو بين يدينا.
وقفة
[46] ﴿... فِيهِ هُدًى ... وَهُدًى ...﴾ سؤال: لم ذكر الهدي مرتين؟! والجواب: قال الفخر الرازي: «وأما كونه هدى مرة أخرى، فلأن اشتمال الإنجيل على البشارة بمجيء محمد r سبب لاهتداء الناس إلى نبوته، ولما كان أشد وجوه الاختلاف والمنازعة بين المسلمين وبين اليهود والنصارى في ذلك، لا جرم أن أعاده الله تعالى مرة أخرى؛ تنبيهًا على أن الإنجيل يدل دلال ظاهرة على نبوة محمد».
وقفة
[46] قال تعالى عن القرآن: ﴿هدى وموعظة للمتقين﴾ هل معنى هذا أن العبد لن يهتدي بالقرآن إلا إذا وصل لمنزلة التقوى؟ وكيف يصل لها بدون هداية القرآن؟ الجواب: هما متلازمان، فالتقوى داعية للاهتداء بالقرآن، والاهتداء بالقرآن يزيد التقوى ويرسخها، والمقصود أن الهداية الكاملة بالقرآن والاتعاظ بمواعظه لا تكون إلا لمن اتقى الله.

الإعراب :

  • ﴿ وَقَفَّيْنا:
  • بمعنى: وأتبعناهم. الواو: عاطفة. قفّينا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل على آثارهم: جار ومجرور متعلق بقفينا و «هم» ضمير الغائبين يعود على النبيين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ:
  • جار ومجرور متعلق بقفينا وعلامة جر الاسم الفتحة المقدرة على الألف للتعذر وبدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. ابن: صفة لعيسى ويجوز أن يكون بدلا مجرورا مثله وعلامة جره بالكسرة. مريم:مضاف اليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
  • ﴿ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ:
  • مصدقا اي موافقا: حال منصوب بالفتحة. لما:اللام: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف والجار والمجرور «لِما» متعلق بمصدقا. يديه: مضاف اليه مجرور بالياء لانه مثنى وحذفت نونه للاضافة والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة وشبه الجملة «بَيْنَ يَدَيْهِ» متعلق بفعل «استقر» المحذوف وجملة «استقر بين يديه» صلة الموصول.
  • ﴿ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما». آتيناه: معطوفة بالواو على «قَفَّيْنا» وتعرب اعرابها. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. الإنجيل: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ:
  • الجملة: في محل نصب حال. فيه: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. هدى: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر. ونور: معطوفة بالواو على «هُدىً» مرفوعة مثلها بالضمة الظاهرة.
  • ﴿ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ:
  • ومصدقا: معطوفة بالواو على محل «فِيهِ هُدىً» ومحله النصب لأنه حال. لما بين يديه: سبق إعرابها. ويجوز عطف «مُصَدِّقاً» على «مُصَدِّقاً» الأولى حسب المعنى.
  • ﴿ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً:
  • سبق اعرابها. الواو: عاطفة. هدى وموعظة: أي ارشادا واتعاظا وهما منصوبان لأنهما في موضع الحال كقوله مصدقا. ويجوز أن يكونا مفعولين لأجلهما بتقدير أو كقوله وليحكم كأنه أريد به: وللهدى والموعظة آتيناه الانجيل.
  • ﴿ لِلْمُتَّقِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بهدى أو بموعظة أو بصفة محذوفة منهما وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

المائدة: 46﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ
الحديد: 27﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: مُرَّ على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيهودي مُحمَّماً مجلوداً. فدعاهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم. فقالأنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه). فأمر به فرجم. فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قولهإِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ). يقول: ائتوا محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالىوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) في الكفار كلها. 2 - أخرج أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: إن الله - عَزَّ وجلَّ - أنزلوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قال ابن عبَّاسٍ: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة، فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتلته الذليلةُ من العزيزة فديته مئة وسق. فكانوا على ذلك حتى قدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وذَلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه، وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وَسْقِ، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفَرَقاً منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك. فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، ثم ذكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا، وقهراً لهم، فَدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا) إلى قولهوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله - عَزَّ وَجَلَّ -. زاد أبو داود والنَّسَائِي ثم نزلتأَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ .. ) الآية. 3 - أخرج الترمذي عن زرارة بن أوفى يحدث عن عمران بن حصين أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقاليعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك) فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآيات الكريمات. وقد أورد جمهور المفسرين السببين الأول والثاني وأعرضوا عن الثالث فلم يذكروه.فأما السبب الأول في حكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم الزاني فقد تتابع على القول به جمهور المفسرين:قال الطبري في ذلك كلامًا كثيراً، خلاصتهأن اليهود إنما سألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك ليعلموا، فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكماً فيهم وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه) اهـ.وقال البغوي بعد أن ساق حديث الرجم وأتبعه بقصة قريظة والنضيروالأول أصح لأن الآية في الرجم) اهـ. وقال ابن العربيفى سبب نزولها فيه ثلاثة أقوال: إلى أن قال: الثالث: أنها نزلت في اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا له: إن رجلاً منا وامرأةً زنيا فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فذكر الحديث بطوله ثم فند القولين الأولين إلى أن قال: والصحيح ما رواه الجماعة عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله كلاهما في وصف القصة أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكموه فكان ما ذكرنا في الأمر) اهـ. وقال ابن عطية بعد أن ساق الأسباب المرويةوهذه النوازل كلها وقعت ووقع غيرها مما يضارعها ويحسن أن يكون سببها لفضيحة اليهود في تحريفهم الكلم وتمرسهم بالدين) اهـ. - ومراده أن سببها قضية الزنى والرجم لأن التحريف وقع فيها -.وقال القرطبيوقيل إنها نزلت في زنى اليهوديين وقصة الرجم وهذا أصح الأقوال) اهـ.وقال ابن كثيروالصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا) اهـ.وقال الشنقيطياعلم أولاً أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة فتعمدوا تحريف كتاب الله) اهـ.وقال ابن عاشوروسبب نزول هذه الآية وما أشارت إليه ما محصّله: أن اليهود اختلفوا في حد الزاني حين زنى فيهم رجل بامرأة من أهل خيبر أو أهل فدك) اهـ.فحجة من تقدم من العلماء على مذهبهم الأحاديث الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآثار السلف من الصحابة والتابعين الدالة على هذا. وأما السبب الثاني: فقد تقدم أن جمهور المفسرين قد أوردوه، واقتصروا على ذلك إلا ابن العربي، وابن كثير، فالأول قد ضعفه وستأتي حجته، والثاني ألمح إلى تقويته فقال بعد سياق السببينوقد يكون اجتمع السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلكوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى آخرها وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص والله سبحانه وتعالى أعلم) اهـ.وبعد نقل كلام العلماء المتقدم وما احتجوا به على أقوالهم أقول: أما حديث عمران بن حصين في قصة الرجل الذي عض يد أخيه فلا تصح أن تكون سبباً لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية: 1 - أن ذكر نزول الآية شاذ غير محفوظ وتبين تفصيل ذلك في دراسة الإسناد. 2 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك. أقول: إذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفى حقه في الدية فكيف يكون له قصاص ثم يقال فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). مع أن شأن القصاص أكبر من الدية، والله قال في نفس الآية (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) فيمنعه من الدية ويأذن له بالقصاص حسب دلالة هذا السبب، هذا من التناقض، وصدق الله القائلأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82). 3 - أن المفسرين أعرضوا عنه فلم يذكروه في موضعه مما يدل على عدم حجيته عندهم. 4 - أن الشنقيطي ذكر أن الآية نزلت في شأن اليهود بالإجماع، وإذا كانت كذلك فكيف يقال إنها نزلت في شأن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟أما السبب الثاني وهو أن الآية نزلت في شأن بني قريظة والنضير فالحق أنها تتفق مع السياق القرآني فقولهمفدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يُعطكم حذرتم فلم تحكموه) يوافق قوله تعالى: - (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وقوله تعالىيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) لا يخالف قوله في الحديث فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والمنافق هو الذي يؤمن بفيه دون قلبه لكن يعكر على هذا أن إسناد الحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد، وأيضاً هو معارَض بحديث البراء الثابت في الصحيح.وابن العربي ذكر علة ثالثة وهي أن بني قريظة اشتكت، والشكوى شيء غير التحكيم المنصوص عليه في سياق الآيات. قال ابن العربيوأما من قال: إنها نزلت في شأن قريظة والنضير وما شكوه من التفضيل بينهم فضعيف لأن الله تعالى أخبر أنه كان تحكيماً منهم للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا شكوى) اهـ.وعندي أن ما ذكره ليس بوجيه فقد جاء في الحديث: ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم. فهذا تحكيم لكن الحديث معلول بما تقدم.وأما قول ابن كثيرإن قولهوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ .. ) يقوي أن سبب النزول قضية القصاص) فلا ريب أن هذا حق لو كان إسناد الحديث صحيحاً. وحينئذ لا يبقى لدينا إلا حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في سبب نزول الآيات الكريمات، وقد اجتمع فيه أمور: 1 - صحة إسناده إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2 - موافقته للسياق القرآني. 3 - اتفاق المفسرين على اختياره والقول بمقتضاه. 4 - تصريحه بنزول الآيات الكريمة بسبب تلك القصة. وهذا ما لم يذكر في حديثي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - اللذَين ذكرهما ابن العربي في قضية زنى اليهوديين ورجمهما. * النتيجة: أن سبب نزول هذه الآيات حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في زنى اليهوديين، وحكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهما بالرجم لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق الآيات، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     وبعدَ أن مَدَحَ اللهُ عز وجل التوراةَ وأثنى على الأنبياءِ الحاكمينَ بها، بَيَّنَ هنا أنَّه أَتْبعَهم بعِيسى عليه السلام ، مُؤمِنًا بما فيها ومُؤيِّدًا لها، ثُمَّ مَدَحَ الإنجيلَ، قال تعالى:
﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ

القراءات :

وهدى وموعظة:
قرئا:
1- بالرفع، وهى قراءة الضحاك.
2- بالنصب، وهى قراءة الجمهور.

مدارسة الآية : [47] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ..

التفسير :

[47] وليحكم أهل الإنجيل الذين أُرسِل إليهم عيسى بما أنزل الله فيه. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الخارجون عن أمره، العاصون له.

{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ْ} أي:يلزمهم التقيد بكتابهم، ولا يجوز لهم العدول عنه.{ وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ْ}

وقوله- تعالى-: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أمر من الله- تعالى- لأتباع سيدنا عيسى- عليه السلام- الذين وجدوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحكموا فيما بينهم بمقتضى أحكام الإنجيل بدون تحريف أو تبديل. أما الذين وجدوا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فمن الواجب عليهم أن يصدقوه ويتبعوا شريعته، لأن الشريعة التي جاء بها صلى الله عليه وسلم نسخت ما قبلها من شرائع.

قال الآلوسى ما ملخصه، قوله: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أمر مبتدأ لهم بأن يحكموا ويعلموا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائل رسالته صلى الله عليه وسلم وما قررته شريعته الشريفة من أحكام، وأما الأحكام المنسوخة فليس الحكم بها حكما بما أنزل الله، بل هو إبطال وتعطيل له إذ هو شاهد بنسخها وانتهاء وقت العمل بها، لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة الأحمدية شاهدة بنسخها. واختار كونه أمرا مبتدأ الجبائي.

وقيل هو حكاية للأمر الوارد عليهم بتقدير فعل معطوف على قوله وَآتَيْناهُ.

أى: - وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدى ونور- وقلنا ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه. وحذف القول- لدلالة ما قبله عليه- كثير في الكلام. ومنه قوله- تعالى-:

وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ.

واختار ذلك على بن عيسى.

وقرأ حمزة وَلْيَحْكُمْ- بكسر اللام وفتح الميم- بأن مضمرة- بعد لام كي- والمصدر معطوف على هُدىً وَمَوْعِظَةً على تقدير كونهما معللين. أى: وآتيناه ليحكم.

وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ تذييل مقرر ومؤكد لوجوب الامتثال لأحكام الله- تعالى-. أى: ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم المتمردون الخارجون عن جادة الحق. وعن السنن القويم، والصراط المستقيم.

قال أبو حيان: قوله وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ناسب هنا ذكر الفسق، لأنه خرج عن أمر الله- تعالى- إذ تقدم قوله: وَلْيَحْكُمْ وهو أمر كما قال- تعالى- للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.

أى: خرج عن طاعته» وقال صاحب المنار ما ملخصه: وأنت إذا تأملت الآيات السابقة ظهر لك نكتة التعبير بالكفر في الأولى وبوصف الظلم في الثانية، وبوصف الفسوق في الثالثة.

ففي الآية الأولى كان الكلام في التشريع، وإنزال الكتاب مشتملا على الهدى والنور، والتزام الأنبياء وحكماء العلماء بالعمل والحكم به. فكان من المناسب أن يختم الكلام ببيان أن كل معرض عن الحكم به لعدم الإذعان له، مؤثرا لغيره عليه. يكون كافرا به.

وأما الآية الثانية فلم يكن الكلام فيها في أصل الكتاب الذي هو ركن الإيمان، بل في عقاب المعتدين على الأنفس أو الأعضاء. فمن لم يحكم بحكم الله في ذلك يكون ظالما في حكمه.

وأما الآية الثالثة فهي في بيان هداية الإنجيل وأكثرها مواعظ وآداب وترغيب في إقامة الشريعة على الوجه الذي يطابق مراد الشارع وحكمته. فمن لم يحكم بهذه الهداية ممن خوطبوا فهم الفاسقون بالمعصية، والخروج عن محيط تأديب الشريعة .

وبعد أن تحدث- سبحانه- عن التوراة والإنجيل وما فيهما من الهدى والنور، وأمر باتباع تعاليمهما.. عقب ذلك بالحديث عن القرآن الكريم الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:

وقوله : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) قرئ ( وليحكم ) بالنصب على أن اللام لام كي ، أي : وآتيناه الإنجيل [ فيه هدى ونور ] ليحكم أهل ملته به في زمانهم . وقرئ : ( وليحكم ) بالجزم ؛ اللام لام الأمر ، أي : ليؤمنوا بجميع ما فيه ، وليقيموا ما أمروا به فيه ، ومما فيه البشارة ببعثة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد ، كما قال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) الآية [ المائدة : 68 ] وقال تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة [ والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم ] المفلحون ) [ الأعراف : 157 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) أي : الخارجون عن طاعة ربهم ، المائلون إلى الباطل ، التاركون للحق . وقد تقدم أن هذه الآية نزلت في النصارى وهو ظاهر السياق .

القول في تأويل قوله عزّ ذكره : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)

قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: " وليحكم أهل الإنجيل ".

فقرأته قرأة الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين: (3) " وَلْيَحْكُمْ" بتسكين " اللام "، على وجه الأمر من الله لأهل الإنجيل: أن يحكموا بما أنـزل الله فيه من أحكامه. وكأنّ من قرأ ذلك كذلك، أراد: وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونورٌ ومصدقًا لما بين يديه من التوراة، وأمرنا أهْلَه أن يحكموا بما أنـزل الله فيه= فيكون في الكلام محذوف، ترك استغناءً بما ذكر عما حُذِف.

* * *

وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ ) بكسر " اللام "، من " ليحكم "، بمعنى: كي يحكم أهل الإنجيل. وكأنّ معنى من قرأ ذلك كذلك: وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونورٌ ومصدقًا لما بين يديه من التوراة، كي يحكم أهله بما فيه من حكم الله.

* * *

والذي نقول به في ذلك، (4) أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، فبأيِّ ذلك قرأ قارئ فمصيبٌ فيه الصوابَ.

وذلك أن الله تعالى لم ينـزل كتابًا على نبيٍّ من أنبيائه إلا ليعمل بما فيه أهله الذين أمروا بالعمل بما فيه، ولم ينـزله عليهم إلا وقد أمرهم بالعمل بما فيه، فللعمل بما فيه أنـزله، وأمر‌ًا بالعمل بما فيه أنـزله. (5) فكذلك الإنجيل، إذ كان من كتب الله التي أنـزلها على أنبيائه، فللعمل بما فيه أنـزله على عيسى، وأمرًا بالعمل به أهلَه أنـزله عليه. (6) فسواءٌ قرئ على وجه الأمر بتسكين " اللام "، أو قرئ على وجه الخبر بكسرها، لاتفاق معنييهما.

* * *

وأما ما ذكر عن أبيّ بن كعب من قراءته ذلك ( وأن ليحكم ) على وجه الأمر، فذلك مما لم يَصِحّ به النقل عنه. ولو صحّ أيضا، لم يكن في ذلك ما يوجب أن تكون القراءة بخلافه محظورةً، إذ كان معناها صحيحًا، وكان المتقدّمون من أئمة القرأة قد قرءوا بها.

* * *

وإذ كان الأمر في ذلك على ما بيَّنَّا، فتأويل الكلام، إذا قرئ بكسر " اللام " من " ليحكم ": وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدًى ونورٌ ومصدقًا لما بين يديه من التوراة وهدًى وموعظة للمتقين، وكيْ يحكم أهلُ الإنجيل بما أنـزلنا فيه، فبدّلوا حكمه وخالفوه، فضلُّوا بخلافهم إياه إذ لم يحكموا بما أنـزل الله فيه وخالفوه=" فأولئك هم الفاسقون "، يعني: الخارجين عن أمر الله فيه، المخالفين له فيما أمرهم ونهاهم في كتابه.

* * *

فأما إذا قرئ بتسكين " اللام "، فتأويله: وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل، فيه هدى ونورٌ ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وأمرنا أهله أن يحكُموا بما أنـزلنا &; 10-376 &; فيه، فلم يطيعونا في أمرنا إياهم بما أمرناهم به فيه، ولكنهم خالفوا أمرنا، فالذين خالفوا أمرنا الذي أمرناهم به فيه، هم الفاسقون.

* * *

وكان ابن زيد يقول: " الفاسقون "، في هذا الموضع وفي غيره، هم الكاذبون.

12103 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وليحكم أهل الإنجيل بما أنـزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الفاسقون "، قال: ومن لم يحكم من أهل الإنجيل أيضًا بذلك=" فأولئك هم الفاسقون "، قال: الكاذبون. بهذا قال. وقال ابن زيد: كل شيء في القرآن إلا قليلا " فاسق " فهو كاذب. وقرأ قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ [سورة الحجرات: 6] قال: " الفاسق "، ههنا، كاذب.

* * *

وقد بينا معنى " الفسق " بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (7)

-----------------

الهوامش :

(3) في المطبوعة: "فقرأ قراء الحجاز..." ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4) في المطبوعة: "والذي يتراءى في ذلك" ، وفي المخطوطة: "وللذي يترك [محذوفة النقط] به في ذلك" ، وأرجح أن صواب قراءتها ما أثبت.

(5) في المطبوعة: "وأمر بالعمل بما فيه أهله" ، فغير ما في المخطوطة تغييرًا مفسدًا للمعنى ، مزيلا لقصد أبي جعفر من هذه الجملة التي احتج بها في تقارب معنى القراءتين. وهذا عجب من سوء التصرف. وكذلك سيفعل في الجملة التالية ، كما سترى في التعليق.

(6) في المطبوعة ، أسقط قوله: "أنزله عليه" وكتب"وأمر بالعمل به أهله" ، فأخل بمقصد أبي جعفر ، كما فعل بالجملة السالفة. انظر التعليق السالف.

(7) انظر تفسير"الفسق" فيما سلف ص: 189 تعليق: 4 ، والمراجع هناك.

وعند هذا الموضع ، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه مخطوطتنا ، وفيها ما نصه:

"يتلوه القول في تأويل قوله:

{وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بِيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عليه}.

وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم كثيرًا".

ثمّ يتلوه ما نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم"

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[47] ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ مع اعتقاده حقًّا وحكم بضده فهو ظالم، ومن لم يحكم بالحق جهلًا وحكم بضده فهو فاسق ،وقيل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمه الله، ظالم في حكمه، فاسق في فعله.
وقفة
[44-47] ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاث باعتبارات مختلفة؛ فلإنكارهم ذلك وصفوا بالكافرين, ولوضعهم الحكم في غير موضعه وصفوا بالظالمين, ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين.

الإعراب :

  • ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ:
  • الواو: حرف عطف. اللام: لام الأمر. يحكم:فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه: السكون. أهل: فاعل مرفوع بالضمة. الإنجيل: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ:
  • الباء: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بيحكم. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. فيه: جار ومجرور متعلق بأنزل وجملة «أَنْزَلَ اللَّهُ» صلة الموصول. والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به التقدير: بما أنزله.
  • ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ:
  • الواو: عاطفة. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يحكم: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: السكون والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وجملة «لَمْ يَحْكُمْ» في محل جزم بمن لانها فعل الشرط. وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ:
  • سبق اعرابها. فأولئك: الفاء: رابطة لجواب الشرط. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب. وجملة «فأولئك مع خبرها» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ هُمُ الْفاسِقُونَ:
  • هم: ضمير منفصل مبني على السكون حرك بضم الميم لاشباعها في محل رفع مبتدأ ثان. الفاسقون: خبر «هم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض عن حركة الاسم المفرد وتنوينه. والجملة الاسمية «هُمُ الْفاسِقُونَ» في محل رفع خبر أولئك. '

المتشابهات :

المائدة: 44﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
المائدة: 45﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
المائدة: 47﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: مُرَّ على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيهودي مُحمَّماً مجلوداً. فدعاهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم. فقالأنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه). فأمر به فرجم. فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قولهإِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ). يقول: ائتوا محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالىوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) في الكفار كلها. 2 - أخرج أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: إن الله - عَزَّ وجلَّ - أنزلوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قال ابن عبَّاسٍ: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة، فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتلته الذليلةُ من العزيزة فديته مئة وسق. فكانوا على ذلك حتى قدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وذَلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه، وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وَسْقِ، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفَرَقاً منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك. فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، ثم ذكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا، وقهراً لهم، فَدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا) إلى قولهوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله - عَزَّ وَجَلَّ -. زاد أبو داود والنَّسَائِي ثم نزلتأَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ .. ) الآية. 3 - أخرج الترمذي عن زرارة بن أوفى يحدث عن عمران بن حصين أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقاليعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك) فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآيات الكريمات. وقد أورد جمهور المفسرين السببين الأول والثاني وأعرضوا عن الثالث فلم يذكروه.فأما السبب الأول في حكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم الزاني فقد تتابع على القول به جمهور المفسرين:قال الطبري في ذلك كلامًا كثيراً، خلاصتهأن اليهود إنما سألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك ليعلموا، فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكماً فيهم وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه) اهـ.وقال البغوي بعد أن ساق حديث الرجم وأتبعه بقصة قريظة والنضيروالأول أصح لأن الآية في الرجم) اهـ. وقال ابن العربيفى سبب نزولها فيه ثلاثة أقوال: إلى أن قال: الثالث: أنها نزلت في اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا له: إن رجلاً منا وامرأةً زنيا فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فذكر الحديث بطوله ثم فند القولين الأولين إلى أن قال: والصحيح ما رواه الجماعة عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله كلاهما في وصف القصة أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكموه فكان ما ذكرنا في الأمر) اهـ. وقال ابن عطية بعد أن ساق الأسباب المرويةوهذه النوازل كلها وقعت ووقع غيرها مما يضارعها ويحسن أن يكون سببها لفضيحة اليهود في تحريفهم الكلم وتمرسهم بالدين) اهـ. - ومراده أن سببها قضية الزنى والرجم لأن التحريف وقع فيها -.وقال القرطبيوقيل إنها نزلت في زنى اليهوديين وقصة الرجم وهذا أصح الأقوال) اهـ.وقال ابن كثيروالصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا) اهـ.وقال الشنقيطياعلم أولاً أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة فتعمدوا تحريف كتاب الله) اهـ.وقال ابن عاشوروسبب نزول هذه الآية وما أشارت إليه ما محصّله: أن اليهود اختلفوا في حد الزاني حين زنى فيهم رجل بامرأة من أهل خيبر أو أهل فدك) اهـ.فحجة من تقدم من العلماء على مذهبهم الأحاديث الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآثار السلف من الصحابة والتابعين الدالة على هذا. وأما السبب الثاني: فقد تقدم أن جمهور المفسرين قد أوردوه، واقتصروا على ذلك إلا ابن العربي، وابن كثير، فالأول قد ضعفه وستأتي حجته، والثاني ألمح إلى تقويته فقال بعد سياق السببينوقد يكون اجتمع السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلكوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى آخرها وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص والله سبحانه وتعالى أعلم) اهـ.وبعد نقل كلام العلماء المتقدم وما احتجوا به على أقوالهم أقول: أما حديث عمران بن حصين في قصة الرجل الذي عض يد أخيه فلا تصح أن تكون سبباً لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية: 1 - أن ذكر نزول الآية شاذ غير محفوظ وتبين تفصيل ذلك في دراسة الإسناد. 2 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك. أقول: إذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفى حقه في الدية فكيف يكون له قصاص ثم يقال فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). مع أن شأن القصاص أكبر من الدية، والله قال في نفس الآية (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) فيمنعه من الدية ويأذن له بالقصاص حسب دلالة هذا السبب، هذا من التناقض، وصدق الله القائلأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82). 3 - أن المفسرين أعرضوا عنه فلم يذكروه في موضعه مما يدل على عدم حجيته عندهم. 4 - أن الشنقيطي ذكر أن الآية نزلت في شأن اليهود بالإجماع، وإذا كانت كذلك فكيف يقال إنها نزلت في شأن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟أما السبب الثاني وهو أن الآية نزلت في شأن بني قريظة والنضير فالحق أنها تتفق مع السياق القرآني فقولهمفدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يُعطكم حذرتم فلم تحكموه) يوافق قوله تعالى: - (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وقوله تعالىيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) لا يخالف قوله في الحديث فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والمنافق هو الذي يؤمن بفيه دون قلبه لكن يعكر على هذا أن إسناد الحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد، وأيضاً هو معارَض بحديث البراء الثابت في الصحيح.وابن العربي ذكر علة ثالثة وهي أن بني قريظة اشتكت، والشكوى شيء غير التحكيم المنصوص عليه في سياق الآيات. قال ابن العربيوأما من قال: إنها نزلت في شأن قريظة والنضير وما شكوه من التفضيل بينهم فضعيف لأن الله تعالى أخبر أنه كان تحكيماً منهم للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا شكوى) اهـ.وعندي أن ما ذكره ليس بوجيه فقد جاء في الحديث: ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم. فهذا تحكيم لكن الحديث معلول بما تقدم.وأما قول ابن كثيرإن قولهوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ .. ) يقوي أن سبب النزول قضية القصاص) فلا ريب أن هذا حق لو كان إسناد الحديث صحيحاً. وحينئذ لا يبقى لدينا إلا حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في سبب نزول الآيات الكريمات، وقد اجتمع فيه أمور: 1 - صحة إسناده إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2 - موافقته للسياق القرآني. 3 - اتفاق المفسرين على اختياره والقول بمقتضاه. 4 - تصريحه بنزول الآيات الكريمة بسبب تلك القصة. وهذا ما لم يذكر في حديثي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - اللذَين ذكرهما ابن العربي في قضية زنى اليهوديين ورجمهما. * النتيجة: أن سبب نزول هذه الآيات حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في زنى اليهوديين، وحكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهما بالرجم لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق الآيات، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     وبعد أن مَدَحَ اللهُ عز وجل الإنجيلَ؛ بَيَّنَ هنا أنه أمر أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه، قال تعالى:
﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [48] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا ..

التفسير :

[48] وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن، وكل ما فيه حقٌّ يشهد على صدق الكتب قبله، وأنها من عند الله، مصدقاً لما فيها من صحة، ومبيناً لما فيها من تحريف، ناسخاً لبعض شرائعها، فاحكم بين المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن، ولا تنصرف عن ا

يقول تعالى:{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ْ} الذي هو القرآن العظيم، أفضل الكتب وأجلها.{ بِالْحَقِّ ْ} أي:إنزالا بالحق، ومشتملا على الحق في أخباره وأوامره ونواهيه.{ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ْ} لأنه شهد لها ووافقها، وطابقت أخباره أخبارها، وشرائعه الكبار شرائعها، وأخبرت به، فصار وجوده مصداقا لخبرها.{ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ْ} أي:مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة، وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفسية. فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه. وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو مردود، قد دخله التحريف والتبديل، وإلا فلو كان من عند الله، لم يخالفه.{ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ْ} من الحكم الشرعي الذي أنزله الله عليك.{ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ْ} أي:لا تجعل اتباع أهوائهم الفاسدة المعارضة للحق بدلا عما جاءك من الحق فتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ ْ} أيها الأمم جعلنا{ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ْ} أي:سبيلا وسنة، وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم، هي التي تتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال، وكلها ترجع إلى العدل في وقت شرعتها، وأما الأصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان، فإنها لا تختلف، فتشرع في جميع الشرائع.{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ْ} تبعا لشريعة واحدة، لا يختلف متأخرها و[لا] متقدمها.{ وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ْ} فيختبركم وينظر كيف تعملون، ويبتلي كل أمة بحسب ما تقتضيه حكمته، ويؤتي كل أحد ما يليق به، وليحصل التنافس بين الأمم فكل أمة تحرص على سبق غيرها، ولهذا قال:{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ْ} أي:بادروا إليها وأكملوها، فإن الخيرات الشاملة لكل فرض ومستحب، من حقوق الله وحقوق عباده، لا يصير فاعلها سابقا لغيره مستوليا على الأمر، إلا بأمرين:المبادرة إليها، وانتهاز الفرصة حين يجيء وقتها ويعرض عارضها، والاجتهاد في أدائها كاملة على الوجه المأمور به. ويستدل بهذه الآية، على المبادرة لأداء الصلاة وغيرها في أول وقتها، وعلى أنه ينبغي أن لا يقتصر العبد على مجرد ما يجزئ في الصلاة وغيرها من العبادات من الأمور الواجبة، بل ينبغي أن يأتي بالمستحبات، التي يقدر عليها لتتم وتكمل، ويحصل بها السبق.{ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ْ} الأمم السابقة واللاحقة، كلهم سيجمعهم الله ليوم لا ريب فيه.{ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ْ} من الشرائع والأعمال، فيثيب أهل الحق والعمل الصالح، ويعاقب أهل الباطل والعمل السيئ.

قوله: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ.

معطوف على قوله قبل ذلك إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ.

والمراد بالكتاب الأول: القرآن الكريم وأل فيه للعهد.

والمراد بالكتاب الثاني: جنس الكتب السماوية المتقدمة فيشمل التوراة والإنجيل وأل فيه للجنس وقوله وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ أى: رقيبا على ما سبقه من الكتب السماوية المحفوظة من التغيير، وأمينا وحاكما عليها لأنه هو الذي يشهد لها بالصحة ويقرر أصول شرائعها.

قال ابن جرير: وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب. يقال: إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه. فهو يهيمن هيمنة، وهو عليه مهيمن» .

وقال صاحب الكشاف: وقرئ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ- بفتح الميم- أى هومن عليه بأن حفظ من التغيير والتبديل كما قال- تعالى-: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ.

والذي هيمن عليه هو الله- عز وجل. أو الحفاظ في كل بلد، لو حرّف حرف منه أو حركة أو سكون لتنبه له كل أحد، ولاشمأزوا، رادين ومنكرين» .

والمعنى: لقد أنزلنا التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، وأنزلنا إليك يا محمد الكتاب الجامع لكل ما اشتملت عليه الكتب السماوية من هدايات وقد أنزلناه ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، وجعلناه مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ أى: مؤيدا لما في تلك الكتب التي تقدمته: من دعوة إلى عبادة الله وحده، وإلى التمسك بمكارم الأخلاق. وجعلناه كذلك «مهيمنا عليها» أى: أمينا ورقيبا وحاكما عليها.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد أشار إلى سمو مكانة القرآن من بين الكتب السماوية بإشارات من أهمها:

أنه- سبحانه- لم يقل: وقفينا على آثارهم- أى على آثار الأنبياء السابقين- بمحمد صلى الله عليه وسلم وآتيناه القرآن. كما قال في شأن عيسى ابن مريم وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ.. إلخ.

لم يقل ذلك في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي شأن القرآن الكريم، وإنما قال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ للإشارة إلى معنى استقلاله وعدم تبعيته لغيره من الكتب التي سبقته، وللإيذان بأن الشريعة التي هذا كتابها هي الشريعة الباقية الخالدة التي لا تقبل النسخ أو التغيير.

وأنه- سبحانه- لم يزد في تعريف الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على تعريفه بلام العهد فقال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ للإشارة إلى كماله وتفوقه على سائر الكتب.

أى: أنه الكتاب الذي هو جدير بهذا الاسم، بحيث إذا أطلق اسم الكتاب لا ينصرف إلا إليه لأنه الفرد الكامل من بين الكتب في هذا الوجود.

وأنه- سبحانه- قد وصفه بأنه قد أنزله ملتبسا بالحق والصدق، وأنه مؤيد ومقرر لما اشتملت عليه الكتب السماوية من الدعوة إلى الحق والخير، وأنه- فضلا عن كل ذلك- أمين على تلك الكتب، وحاكم عليها، فما أيده من أحكامها وأقوالها فهو حق، وما لم يؤيده منها فهو باطل.

قال ابن كثير: جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، جعله أشملها وأعظمها وأكملها، لأنه- سبحانه- جمع فيه محاسن ما قبله من الكتب وزاد فيه من الكمالات ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها، وتكفل- سبحانه- بحفظه بنفسه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ .

وقوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ أمر من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يلتزم في حكمه بين الناس الأحكام التي أنزلها- سبحانه-والفاء في قوله: فَاحْكُمْ للإفصاح عن شرط مقدر.

أى: إذا كان شأن القرآن كما ذكرت لك يا محمد فاحكم بين هؤلاء اليهود وبين غيرهم من الناس بما أنزله الله من أحكام، فإن ما أنزله هو الحق الذي لا باطل معه، ولا تتبع في حكمك أهواء هؤلاء اليهود وأشباههم لأن اتباعك لأهوائهم يجعلك منحرفا ومائلا عما جاءك من الحق الذي لا مرية فيه ولا ريب. ولم يقل- سبحانه- «فاحكم بينهم به» بل ترك الضمير وعبر بالموصول فقال: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ للتنبيه على علية ما في حيز الصلة للحكم، لأن الموصول إذا كان في ضمن حكم تكون الصلة هي علة الحكم.

أى: التزم في حكمك بينهم بما يؤيده القرآن لأنه الكتاب الذي أنزله الله عليك.

قال بعض العلماء: «وهذا يفيد أن اليهود الذين عاشروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاءوا بعدهم مخاطبون بشريعة القرآن، وأنه نسخ ما قبله من الشرائع إلا ما جاء النص بوجوب العمل به كالقصاص، أو ما لم يثبت أنه نسخ والمعول عليه في الحالين هو القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد روى أنه- عليه السلام- ذكر أن موسى لو كان حيا ما وسعه إلا الإيمان به- عليه السلام» .

والضمير في قوله، أَهْواءَهُمْ يعود إلى أولئك اليهود الذين كانوا يتحاكمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا بقصد الوصول إلى الحق، وإنما بقصد الوصول إلى ما يسهل عليهم احتماله من أحكام.

قال الآلوسى: والنهى يجوز أن يكون لمن لا يتصور منه وقوع المنهي عنه، ولا يقال: كيف نهى صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهوائهم، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم عن ارتكاب ما دون ذلك. وقيل الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد سائر الحكام» .

وقوله: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً استئناف جيء به لحمل أهل الكتاب على الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم بما أنزل الله إليه من الحق.

والشرعة والشريعة بمعنى واحد. وهي في الأصل الطريق الظاهر الموصل للماء. والمراد بها هنا ما اشتمل عليه الدين من أحكام تكليفية يجب العمل بها أمرا ونهيا وندبا وإباحة. وسمى ما اشتمل عليه الدين من أحكام شريعة تشبيها بشريعة الماء. من حيث إن كلا منهما سبب الحياة. إذ أن الشريعة الدينية سبب في حياة الأرواح حياة معنوية. كما أن الماء سبب في حياة الأرواح حياة مادية.

والمنهاج: الطريق الواضح في الدين، من نهج الأمر ينهج إذا وضح. والعطف باعتبار جمع الأوصاف.

قال بعضهم. هما كلمتان بمعنى واحد والتكرير للتأكيد.

وقيل: ليستا بمعنى واحد. فالشرعة ابتداء الطريق. والمنهاج الطريق المستقيم.

وقوله: مِنْكُمْ متعلق بمحذوف وقع صفة لما عوض عنه تنوين «كل» .

أى: لكل أمة من الأمم الحاضرة والماضية وضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بها، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى- عليهما السلام-، كانت شرعتها ما في التوراة من أحكام. والأمة التي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث محمد- عليهما الصلاة والسلام كانت شرعتها ما في الإنجيل. وأما هذه الأمة الإسلامية فشريعتها ما في القرآن من أحكام، لأنه مشتمل على ما جاء في الكتب السابقة عليه من أصول الدين وكلياته التي لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وزاد عليها ما يناسب العصر الذي نزل فيه، والعصور التي تلت ذلك إلى يوم القيامة.

وأهل الكتاب إنما أمروا بأن يتحاكموا إلى كتبهم قبل نسخها بالقرآن الكريم، أما بعد نزوله ومجيء النبي صلى الله عليه وسلم خاتما للرسالات السماوية، فقد أصبح من الواجب عليهم الدخول في الإسلام، واتباع رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به أو نهى عنه، وليس لأحد بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إيمان مقبول إلا باتباعه وتصديقه في جميع أقواله وأعماله.

والاختلاف في الشرائع إنما يكون فيما يتعلق ببعض الأوامر والنواهي، وببعض وجوه الحلال والحرام، وبغير ذلك من فروع الشريعة، فقد يحرم الله شيئا على قوم عقوبة لهم، ويحله لقوم آخرين تخفيفا عنهم، كما قال- تعالى-: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ .

وكما قال- تعالى- حكاية عن عيسى- عليه السلام-: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ .

أما ما يتعلق بأصول الشريعة، وجوهر الدين، وأساس العقيدة كالأمر بعبادة الله وحده،والتحلي بمكارم الأخلاق، فلا يتعلق به اختلاف في أى شريعة من الشرائع، أو أى دين من الأديان.

وقد تكلم عن هذا المعنى الإمام ابن كثير فقال: قوله: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد. كما ثبت في صحيح البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات- أمهاتهم شتى- ودينهم واحد» يعنى بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله، وضمنه كل كتاب أنزله، كما قال- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ . وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى. كما قال- تعالى- في شأن شريعة عيسى: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وبالعكس، قد يكون الشيء حلالا في هذه الشريعة ثم يحرم في شريعة أخرى، فيزداد في الشدة في هذه دون هذه، وذلك لما له- تعالى- في ذلك من الحكمة البالغة، والحجة الدامغة» .

وقال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً الخطاب فيه- كما قال جماعة من المفسرين- للناس كافة الموجودين والماضين بطريق التغليب. واستدل بالآية من ذهب إلى أننا غير متعبدين بشرائع من قبلنا، لأن الخطاب يعم الأمم، واللام للاختصاص فيكون لكل أمة دين يخصها.

والتحقيق في هذا المقام أننا متعبدون بأحكام الشرائع السابقة من حيث إنها أحكام شريعتنا لا من حيث إنها شريعة للأولين» .

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر قدرته، وبالغ حكمته فقال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ.

ومفعول المشيئة هنا محذوف لدلالة الجزاء عليه.

وقوله: وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ متعلق بمحذوف يستدعيه المقام.

والابتلاء: الاختبار والامتحان ليميز المطيع من العاصي.

والمعنى: لو شاء الله- تعالى- أن يجعل الأمم جميعا أمة واحدة تدين بدين واحد وبشريعة واحدة لفعل، لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، وإنما شاء أن يجعلكم أمما متعددة ليختبركم فيما آتاكم من شرائع مختلفة في بعض فروعها ولكنها متحدة في جوهرها وأصولها فيجازى من أطاعه بما يستحقه من ثواب ويجازى من خالف أمره بما يستحقه من عذاب.

وقوله: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ حض منه- سبحانه- لعباده على الاجتهاد في فعل الطاعات.

أى إذا كان الأمر كما وصفت لكم. فسارعوا إلى القيام بالأعمال الصالحة التي تسعدكم في الدنيا والآخرة، وتنافسوا في تحصيلها بكل عزيمة ونشاط لتنالوا رضا الله- تعالى- وجزيل مثوبته.

فَاسْتَبِقُوا بمعنى فتسابقوا، ولتضمنه معنى السبق والابتدار تعدى بنفسه من غير إلى كما في قوله- تعالى- وَاسْتَبَقَا الْبابَ أى: حاول كل واحد منهما الابتدار والوصول إلى الباب قبل الآخر.

وقوله إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ استئناف مسوق مساق التعليل لاستباق الخيرات.

وقوله فَيُنَبِّئُكُمْ أى فيخبركم والمراد بالإنباء والإخبار هنا المجازاة على الأعمال، وإنما عبر عنها بالإنباء لوقوعها موقع إزالة الاختلاف التي هي وظيفة الأنبياء.

أى: إلى الله وحده مصيركم ومرجعكم، فيخبركم عند الحساب بما كنتم تختلفون فيه في الدنيا، ويجازيكم بما تستحقون: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم منه- سبحانه- جزيل الثواب. وأما الذين طغوا وآثروا الحياة الدنيا فلهم منه شديد العقاب.

لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها الله على موسى كليمه [ عليه السلام ] ومدحها وأثنى عليها ، وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الاتباع ، وذكر الإنجيل ومدحه ، وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه ، كما تقدم بيانه ، شرع تعالى في ذكر القرآن العظيم ، الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم ، فقال : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ) أي : بالصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله ، ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ) أي : من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه ، وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان نزوله كما أخبرت به ، مما زادها صدقا عند حامليها من ذوي البصائر ، الذين انقادوا لأمر الله واتبعوا شرائع الله ، وصدقوا رسل الله ، كما قال تعالى : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] أي : إن كان ما وعدنا الله على ألسنة الرسل المتقدمين ، من مجيء محمد ، عليه السلام ، ( لمفعولا ) أي : لكائنا لا محالة ولا بد .

وقوله : ( ومهيمنا عليه ) قال سفيان الثوري وغيره ، عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس أي : مؤتمنا عليه . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : المهيمن : الأمين ، قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله .

وروي عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك .

وقال ابن جريج : القرآن أمين على الكتب المتقدمة ، فما وافقه منها فهو حق ، وما خالفه منها فهو باطل .

وعن الوالبي ، عن ابن عباس : ( ومهيمنا ) أي : شهيدا . وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي .

وقال العوفي عن ابن عباس : ( ومهيمنا ) أي : حاكما على ما قبله من الكتب .

وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، فإن اسم " المهيمن " يتضمن هذا كله ، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله ، جعل الله هذا الكتاب العظيم ، الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها ، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله ، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره ; فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها . وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة ، فقال [ تعالى ] ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] .

فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد أنهم قالوا في قوله : ( ومهيمنا عليه ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم أمين على القرآن ، فإنه صحيح في المعنى ، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر ، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضا نظر . وبالجملة فالصحيح الأول ، قال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد : وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب ، بل هو خطأ ، وذلك أن " المهيمن " عطف على " المصدق " ، فلا يكون إلا من صفة ما كان " المصدق " صفة له . قال : ولو كان كما قال مجاهد لقال : " وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنا عليه " . يعني من غير عطف .

وقوله : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ) أي : فاحكم يا محمد بين الناس : عربهم وعجمهم ، أميهم وكتابيهم ) بما أنزل الله ) إليك في هذا الكتاب العظيم ، وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك . هكذا وجهه ابن جرير بمعناه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم . فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا .

وقوله : ( ولا تتبع أهواءهم ) أي : آراءهم التي اصطلحوا عليها ، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسوله ; ولهذا قال : ( ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) أي : لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء من الجهلة الأشقياء .

وقوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه ، عن التميمي عن ابن عباس : ( لكل جعلنا منكم شرعة ) قال : سبيلا .

وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس : ( ومنهاجا ) قال : وسنة . وكذا روى العوفي عن ابن عباس : ( شرعة ومنهاجا ) سبيلا وسنة .

وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سبيلا وسنة .

وعن ابن عباس ومجاهد أيضا وعطاء الخراساني عكسه : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سنة وسبيلا ، والأول أنسب ، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا ، هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال : " شرع في كذا " أي : ابتدأ فيه . وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء . أما " المنهاج " : فهو الطريق الواضح السهل ، والسنن : الطرائق ، فتفسير قوله : ( شرعة ومنهاجا ) بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس ، والله أعلم .

ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان ، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام ، المتفقة في التوحيد ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ، ديننا واحد " يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله ، وضمنه كل كتاب أنزله ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) الآية [ النحل : 36 ] ، وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي ، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى ، وبالعكس ، وخفيفا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه . وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة .

قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) يقول : سبيلا وسنة ، والسنن مختلفة : هي في التوراة شريعة ، وفي الإنجيل شريعة ، وفي الفرقان شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما يشاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، والدين الذي لا يقبل الله غيره : التوحيد والإخلاص لله ، الذي جاءت به الرسل .

وقيل : المخاطب بهذا هذه الأمة ، ومعناه : ( لكل جعلنا ) القرآن ( منكم ) أيتها الأمة ( شرعة ومنهاجا ) أي : هو لكم كلكم ، تقتدون به . وحذف الضمير المنصوب في قوله : ( لكل جعلنا منكم ) أي : جعلناه ، يعني القرآن ، ( شرعة ومنهاجا ) أي : سبيلا إلى المقاصد الصحيحة ، وسنة ؛ أي : طريقا ومسلكا واضحا بينا .

هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن مجاهد رحمه الله ، والصحيح القول الأول ، ويدل على ذلك قوله تعالى : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) فلو كان هذا خطابا لهذه الأمة لما صح أن يقول : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) وهم أمة واحدة ، ولكن هذا خطاب لجميع الأمم ، وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة التي لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة ، لا ينسخ شيء منها . ولكنه تعالى شرع لكل رسول شرعة على حدة ، ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة ، وجعله خاتم الأنبياء كلهم ; ولهذا قال تعالى : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ) أي : أنه تعالى شرع الشرائع مختلفة ، ليختبر عباده فيما شرع لهم ، ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله .

وقال عبد الله بن كثير : ( في ما آتاكم ) يعني : من الكتاب .

ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها ، فقال : ( فاستبقوا الخيرات ) وهي طاعة الله واتباع شرعه ، الذي جعله ناسخا لما قبله ، والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله .

ثم قال تعالى : ( إلى الله مرجعكم جميعا ) أي : معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة ( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) أي : فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق ، فيجزي الصادقين بصدقهم ، ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق ، العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان ، بل هم معاندون للبراهين القاطعة ، والحجج البالغة ، والأدلة الدامغة .

وقال الضحاك : ( فاستبقوا الخيرات ) يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم . والأظهر الأول .

القول في تأويل قوله عز ذكره : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ

قال أبو جعفر: وهذا خطابٌ من الله تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى ذكره: أنـزلنا إليك، يا محمد،" الكتاب "، وهو القرآن الذى أنـزله عليه= ويعني بقوله: " بالحق "، بالصدق ولا كذب فيه، ولا شك أنه من عند الله (8) =" مصدقًا لما بين يديه من الكتاب "، يقول: أنـزلناه بتصديق ما قبله من كتب الله التى أنـزلها إلى أنبيائه=

" ومهيمنًا عليه "، يقول: أنـزلنا الكتاب الذي أنـزلناه إليك، يا محمد، مصدّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنها حق من عند الله، أمينًا عليها، حافظا لها.

* * *

وأصل " الهيمنة "، الحفظ والارتقاب. يقال، إذا رَقَب الرجل الشيء وحفظه وشَهِده: " قد هيمن فلان عليه، فهو يُهَيمن هيمنة، وهو عليه مهيمن ".

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، إلا أنهم اختلفت عباراتهم عنه.

فقال بعضهم: معناه: شهيدًا.

ذكر من قال ذلك:

12103م - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ومهيمنًا عليه "، يقول: شهيدًا.

12104 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ومهيمنًا عليه "، قال: شهيدًا عليه.

12105 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب "، يقول: الكتب التي خلت قبله=" ومهيمنًا عليه "، أمينًا وشاهدًا على الكتب التي خلت قبله.

* * *

12106 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " ومهيمنًا عليه "، مؤتمنًا على القرآن، وشاهدًا ومصدِّقًا= وقال ابن جريج: وقال: آخرون (9) القرآن أمين على الكتب فيما إذا أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمرٍ، إن كان في القرآن فصدقوا، وإلا فكذبوا.

* * *

وقال بعضهم: معناه: أمينٌ عليه.

ذكر من قال ذلك:

12107 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= وحدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع= جميعًا، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.

12108 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في قوله: " ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.

12109 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.

12110 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، بإسناده، عن ابن عباس، مثله.

12111 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، &; 10-379 &; عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.

12112 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.

12113 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن رجل من تميم، عن ابن عباس، مثله. (10)

12114 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ومهيمنًا عليه "، قال: والمهيمن الأمين: قال: القرآن أمين على كلِّ كتاب قبله.

12115 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب "، وهو القرآن، شاهد على التوراة والإنجيل، مصدقًا لهما=" ومهيمنًا عليه "، يعني: أمينًا عليه، يحكم على ما كان قبله من الكتب.

12116 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.

12117 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن رجل من بني تميم، عن ابن عباس: " ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.

12118 - حدثني المثنى قال، حدثنا يحيى الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله. (11)

12119 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان وإسرائيل، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير: " ومهيمنًا عليه " قال: مؤتمنًا على ما قبله من الكتب.

12120 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال: سألت الحسين عن قوله: " وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه "، قال: مصدقًا لهذه الكتب، وأمينا عليها. وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع فقال: مؤتمنًا عليه.

* * *

وقال آخرون: معنى " المهيمن "، المصدق.

ذكر من قال ذلك:

12121 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ومهيمنًا عليه "، قال: مصدِّقًا عليه. كل شيء أنـزله الله من توراة أو إنجيل أو زَبُورٍ، فالقرآن مصدِّق على ذلك. وكل شيء ذكر الله في القرآن، فهو مصدِّقٌ عليها وعلى ما حُدِّث عنها أنه حق.

* * *

وقال آخرون: عنى بقوله: " مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه "، نبي الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

12122 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن &; 10-381 &; ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ومهيمنًا عليه "، محمد صلى الله عليه وسلم، مؤتمنٌ على القرآن.

12123 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ومهيمنًا عليه "، قال: محمد صلى الله عليه وسلم، مؤتمنٌ على القرآن.

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على ما تأوّله مجاهد: وأنـزلنا الكتاب مصدقًا الكتبَ قبله إليك، مهيمنا عليه= فيكون قوله: " مصدقًا " حالا من " الكتاب " وبعضًا منه، ويكون " التصديق " من صفة " الكتاب "، و " المهيمن " حالا من " الكاف " التي في" إليك "، وهي كناية عن ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، و " الهاء " في قوله: " عليه "، عائدة على الكتاب.

* * *

وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأ. وذلك أنّ" المهيمن " عطفٌ على " المصدق "، فلا يكون إلا من صفة ما كان " المصدِّق " صفةً له. ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهد، لقيل: " وأنـزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب مهيمنًا عليه " (12) = لأنه لم يتقدم من صفة " الكاف " التي في" إليك " بعدَها شيءٌ يكون " مهيمنًا عليه " عطفًا عليه، (13) وإنما عطف به على " المصدق "، لأنه من صفة " الكتاب " الذي من صفته " المصدق ".

* * *

فإن ظن ظان أن " المصدق "= على قول مجاهد وتأويلهِ هذا= من صفة " الكاف " التي في" إليك "، فإن قوله: " لما بين يديه من الكتاب "، يبطل أن يكون تأويل ذلك كذلك، وأن يكون " المصدق " من صفة " الكاف " التي في" إليك ". لأن " الهاء " في قوله: " بين يديه "، كناية اسم غير المخاطب، وهو النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " إليك ". (14) ولو كان " المصدق " من صفة " الكاف "، لكان الكلام: وأنـزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديك من الكتاب، (15) ومهيمنا عليه= فيكون معنى الكلام حينئذٍ كذلك. (16)

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ

قال أبو جعفر: وهذا أمر من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهلِ الملل بكتابه الذي أنـزله إليه، وهو القرآن الذي خصّه بشريعته. يقول تعالى ذكره: احكم، يا محمد، بين أهل الكتاب والمشركين بما أُنـزل إليك من كتابي وأحكامي في كل ما احتمكوا فيه إليك، من الحدود والجُرُوح والقَوَد والنفوس، فارجم الزاني المحصَن، واقتل النفسَ القاتلةَ بالنفس المقتولة ظلمًا، وافقأ العين بالعين، واجدع الأنف بالأنف، فإني أنـزلت إليك القرآن مصدِّقًا في ذلك ما بين يديه من الكتب، ومهيمنًا عليه رقيبًا، يقضي على ما قبله من سائر الكتب قبلَه، ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود= الذين يقولون: إن أوتيتم الجلدَ في الزاني المحصن دون الرجم، وقتلَ الوضيع بالشريف إذا قتله، وتركَ قتل الشريف بالوضيع إذا قتله، فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا (17) = عن الذي جاءك من عند الله من الحق، وهو كتاب الله الذي أنـزله إليك. يقول له: اعمل بكتابي الذي أنـزلته إليك إذا احتكموا إليك فاخترتَ الحكم عليهم، (18) ولا تتركنَّ العمل بذلك اتباعًا منك أهواءَهم، وإيثارًا لها على الحق الذي أنـزلته إليك في كتابي، كما:-

12124 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " فاحكم بينهم بما أنـزل الله "، يقول: بحدود الله=" ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ".

12125 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عنبسة، عن جابر، عن عامر، عن مسروق: أنه كان يحلف اليهوديَّ والنصراني بالله، ثم قرأ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ [سورة المائدة: 49]، (19) وأنـزل الله: أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [سورة الأنعام: 151].

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لكل قوم منكم جعلنا شرعةً. (20)

* * *

و " الشرعة " هي" الشريعة " بعينها، تجمع " الشرعة "" شِرَعًا "، (21) " والشريعة "" شرائع ". ولو جمعت " الشرعة "" شرائع "، كان صوابًا، لأن معناها ومعنى " الشريعة " واحد، فيردّها عند الجمع إلى لفظ نظيرها. وكل ما شرعت فيه من شيء فهو " شريعة ". ومن ذلك قيل: لشريعة الماء " شريعة "، لأنه يُشْرع منها إلى الماء. ومنه سميت شرائع الإسلام " شرائع "، لشروع أهله فيه. ومنه قيل للقوم إذا تساووا في الشيء: " هم شَرَعٌ"، سواءٌ.

* * *

وأما " المنهاج "، فإنّ أصله: الطريقُ البيِّن الواضح، يقال منه: " هو طريق نَهْجٌ، وَمنهْجٌ"، بيِّنٌ، كما قال الراجز: (22)

مَــنْ يـكُ فِـي شَـكٍّ فَهـذَا فَلْـجُ

مَـــاءٌ رَوَاءٌ وَطَـــرِيقٌ نَهْــجُ (23)

ثم يستعمل في كل شيء كان بينًا واضحًا سهلا.

* * *

فمعنى الكلام: لكل قوم منكم جعلنا طريقًا إلى الحق يؤمُّه، وسبيلا واضحًا يعمل به.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بقوله: " لكل جعلنا منكم ".

فقال بعضهم: عنى بذلك أهلَ الملل المختلفة، أي: أن الله جعل لكل مِلّةٍ شريعة ومنهاجًا.

ذكر من قال ذلك:

12126 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " يقول: سبيلا وسُنّة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلُّ الله فيها ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيدُ والإخلاصُ لله، الذي جاءت به الرسل.

12127 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، قال: الدينُ واحد، والشريعةُ مختلفة.

12128 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي قال: الإيمان منذُ بَعث الله تعالى ذكره آدم صلى الله عليه وسلم: شهادةُ أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله، لكلّ قوم ما جاءَهم من شرعة أو منهاج، فلا يكون المقرُّ تاركًا، ولكنه مُطِيع. (24)

* * *

وقال آخرون: بل عنى بذلك أمَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم. وقالوا: إنما معنى الكلام: قد جعلنا الكتاب الذي أنـزلناه إلى نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، &; 10-386 &; أيها الناس، لكُلِّكم= أي لكل من دخل في الإسلام وأقرّ بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لي نبيٌّ= شرعةً ومنهاجا.

ذكر من قال ذلك:

12129 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " قال: سنة، =" ومنهاجًا "، السبيل=" لكلكم "، من دخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله له شرعة ومنهاجًا. يقول: القرآن، هو له شرعة ومنهاج.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: لكل أهل ملة منكم، أيها الأمم جعلنا شِرعةً ومنهاجًا.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولو كان عنى بقوله: " لكل جعلنا منكم "، أمة محمد، وهم أمّة واحدةٌ، لم يكن لقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ، وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة= معنىً مفهوم. ولكن معنى ذلك، على ما جرى به الخطاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التوراة، وتقدم إليهم بالعمل بما فيها، ثم ذكر أنه قفَّي بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله، وأنـزل عليه الإنجيل، وأمر من بَعثه إليه بالعمل بما فيه. ثم ذكر نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأخبره أنه أنـزل إليه الكتابَ مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب، وأمره بالعمل بما فيه، والحكم بما أنـزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره= وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعةً غيرَ شرائع الأنبياء والأمم قبلَه الذين قصَّ عليهم قصصَهم، وإن كان دينه ودينهم- في توحيد الله، والإقرار بما جاءهم به من عنده، والانتهاء إلى أمره ونهيه- واحدًا، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكم واحد منهم ولأمته فيما أحلّ لهم وحرَّم عليهم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في" الشرعة " و " المنهاج " من التأويل، قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

12130- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا مسعر، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " قال: سنةً وسبيلا.

12131 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، قال: سنة وسبيلا.

12132 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان وإسرائيل وأبيه، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.

12133 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو يحيى الرازي، عن أبي سنان، عن أبي إسحاق، عن يحيى بن وثَّاب قال: سألت ابن عباس عن قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، قال: سنة وسبيلا. (25)

12134 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " شرعة ومنهاجًا "، قال: سنة وسبيلا.

12135 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن رجل من بني تميم، عن ابن عباس، بمثله.

12136 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.

12137 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " يعني: سبيلا وسنةً.

12138 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين قال: سمعت الحسن يقول: " الشرعة "، السنة.

12139 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد قال: سنة وسبيلا. (26)

12140 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " شرعة ومنهاجًا "، قال: " الشرعة "، السنة=" ومنهاجًا "، قال: السبيل.

12141 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.

12142 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، يقول: سبيلا وسنة.

12143 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحوضي قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت رجلا من بني تميم، عن ابن عباس، بنحوه. (27)

12144 - حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال، &; 10-389 &; حدثنا أسباط، عن السدي: " شرعة ومنهاجًا "، يقول: سبيلا وسنة.

12145 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: السنَّة والسبيل.

12146 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، يقول: سبيلا وسنة.

12147 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " شرعة ومنهاجًا "، قال: سبيلا وسنةً.

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربُّكم لجعل شرائعكم واحدة، ولم يجعل لكل أمة شريعةً ومنهاجًا غيرَ شرائع الأمم الأخر ومنهاجهم، فكنتم تكونون أمة واحدةً لا تختلف شرائعكم ومنهاجكم، ولكنه تعالى ذكره يعلم ذلك، فخالف بين شرائعكم ليختبركم، فيعرف المطيع منكم من العاصي، والعاملَ بما أمره في الكتاب الذي أنـزله إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم من المخالف.

* * *

و " الابتلاء ": هو الاختيار، وقد أبنتُ ذلك بشواهده فيما مضى قبلُ. (28)

* * *

وقوله: " في ما آتاكم "، يعني: فيما أنـزل عليكم من الكتب، كما:-

12148 - حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، ثني حجاح، عن ابن جريج: (ولكن ليبلوكم في ما آتاكم) قال عبد الله بن كثير: لا أعلمه إلا قال، ليبلوكم فيما آتاكم من الكتب.

* * *

فإن قال قائل: وكيف قال: " ليبلوكم في ما آتاكم "، ومن المخاطب بذلك؟ وقد ذكرت أنّ المعنيَّ بقوله: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا نبيُّنا مع الأنبياء الذين مضوا قبله وأممِهم، والذين قبل نبيّنا صلى الله عليه وسلم على حِدَةٍ؟ (29)

قيل: إن الخطاب وإن كان لنبينا صلى الله عليه وسلم: فإنه قد أريد به الخبر عن الأنبياء قبله وأممهم. ولكن العرب من شأنها إذا خاطبت إنسانًا وضمَّت إليه غائبًا، فأرادت الخبر عنه، أن تغلِّب المخاطب، فيخرج الخبرُ عنهما على وجه الخطاب، فلذلك قال تعالى ذكره: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا .

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبادروا أيها الناس، إلى الصالحات من الأعمال، والقُرَب إلى ربكم، بإدمان العمل بما في كتابكم الذي أنـزله إلى &; 10-391 &; نبيكم، فإنه إنما أنـزله امتحانًا لكم وابتلاءً، ليتبين المحسن منكم من المسيء، فيجازي جميعكم على عمله جزاءَه عند مصيركم إليه، فإن إليه مصيركم جميعًا، فيخبر كلَّ فريق منكم بما كان يخالف فيه الفرقَ الأخرى، فيفْصَل بينهم بفصل القضاء، وتُبِينُ المحقَّ مجازاته إياه بجناته، (30) من المسيء بعقابه إياه بالنار، فيتبين حينئذ كل حزب عيانًا، المحقَّ منهم من المبطل. (31)

* * *

فإن قال قائل: أو لم ينبئنا ربُّنا في الدنيا قبل مرجعنا إليه ما نحن فيه مختلفون؟

قيل: إنه بيَّن ذلك في الدنيا بالرسل والأدلة والحجج، دون الثواب والعقاب عيانًا، فمصدق بذلك ومكذِّب. وأما عند المرجع إليه، فإنه ينبئهم بذلك بالمجازاة التي لا يشكُّون معها في معرفة المحق والمبطل، ولا يقدرون على إدخال اللبس معها على أنفسهم. فكذلك خبرُه تعالى ذكره أنه ينبئنا عند المرجع إليه بما كنَّا فيه نختلف في الدنيا. وإنما معنى ذلك: إلى الله مرجعكم جميعًا، فتعرفون المحقَّ حينئذ من المبطل منكم، كما:-

12149 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن أبي سنان قال: سمعت الضحاك يقول: " فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا "، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، البرُّ والفاجر. (32)

-----------------

الهوامش :

(8) انظر تفسير"الحق" فيما سلف 7: 97/9: 227.

(9) في المطبوعة: "وقال ابن جريج وآخرون"، والصواب من المخطوطة.

(10) الآثار 12107- 12113-"التميمي" و"رجل من تميم" ، هو"أربدة التميمي" ، يروي التفسير عن ابن عباس ، رواه عنه أبو إسحق السبيعي ، مضى برقم: 1928 ، 1929 ، ولكن كتب أخي السيد أحمد على الأثر رقم: 2095 ، ثم كتبت أنا على الآثار من رقم: 3986- 3989 ، أنه رجل مجهول من تميم ، ولكن الصواب أنه معروف وهو"أربدة التميمي" ، وهو تابعي ثقة. ثم انظر الآثار الآتية من رقم: 12116- 12118.

(11) الآثار: 12116- 12118-"التميمي" ، و"رجل من بني تميم" ، هو"أربدة التميمي" ، انظر التعليق السالف.

(12) في المطبوعة والمخطوطة: "ومهيمنًا" بالواو ، والصواب إسقاطها ، لأنه أراد إسقاط العطف ، إذ كان"مهيمنًا" حالا من"الكاف" في"إليك" ، غير معطوف على شيء قبله ، كما ترى في بقية كلامه.

(13) في المطبوعة: "لأنه متقدم من صفة الكاف التي في إليك وليس بعدها شئ..." ، فزاد"وليس" ، وليست في المخطوطة ، وجعل"يتقدم""متقدم" ، إذ كان في المخطوطة خطأ ، فأساء الفهم ، وأساء التصرف!! كان في المخطوطة كما أثبت إلا أنه كتب"لأنه يتقدم من صفة الكاف" سقط من الناسخ"لم" ، فأثبتها ، واستقام الكلام على وجهه.

(14) في المخطوطة: "والنبي صلى الله عليه..." بإسقاط"هو" ، والصواب ما في المطبوعة.

(15) في المخطوطة: "لما بين يديه" ، والصواب ما في المطبوعة.

(16) في المخطوطة: "فيكون معنى الكلام حينئذ يكون كذلك" ، بزيادة"يكون" ، والصواب ما في المخطوطة ، إلا أن يكون الناسخ أسقط من الكلام شيئًا. ومع ذلك ، فالذي في المطبوعة مستقيم.

(17) السياق: "ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود... عن الذي جاءك من عند الله...".

(18) في المطبوعة: "فاختر الحكم" ، والصواب ما في المخطوطة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخير في الحكم بينهم وفي ترك الحكم ، كما سلف ص: 333.

(19) في المخطوطة: "ثم قرأ: فإن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله" ، وصواب الاستدلال في هذه الآية من المائدة ، أما آية المائدة الأخرى (42) ، فتلاوتها: "فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم" ، وليس فيها الدليل الذي تطلبه في استحلافهم بالله عز وجل.

(20) انظر تفسير"كل" فيما سلف 3: 193/6: 209/8: 269.

(21) في المطبوعة والمخطوطة: "تجمع الشرعة شراعًا" ، وهذا خطأ من الناسخ لاشك فيه ، فإن جمع"فعلة" (بكسر فسكون) إنما يكسر على"فعل" (بكسر ففتح) ، في الصحيح وفي غيره مثل"كسر" ، و"لحى". وقد جاء في"فعلة""فعال" ، وهو قليل ، كجمع"لقحة" و"لقاح" ، و"حقة" ، و"حقاق". فجائز أن يكون"شراع" جمعًا عزيزًا للشرعة ، ولكن الأقرب في مثل ذلك أن يذكر الجمع الذي أطبق عليه القياس.

(22) كأنه راجز من بني العنبر بن عمرو بن تميم.

(23) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 168 ، ومعجم ما استعجم: 1027 ، واللسان (روي) ، وروايتهم جميعًا: "من يك ذا شك". ولكن هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة.

و"فلج" (بفتح فسكون): ماءه لبني العنبر بن عمرو بن تميم ، يكثر ذكره في شعر بني تميم ، ويمتدحون ماءه ، قال بعض الأعراب:

أَلا شَـرْبَةٌ مِـنْ مَاءٍ مُزْنٍ عَلَى الصَّفَا

حَدِيثَــهُ عَهْـد بالسَّـحَاب المُسَـخَّرِ

إلَـى رَصَـفٍ مِـنْ بَطْـنِ فَلْجٍ، كأَنَّهَا

إذَا ذُقْتَهَــا بَيُّوتَــةً مَــاءُ سُــكَّرِ

و"ماء رواء" (بفتح الراء): الماء العذب الذي فيه للواردين ري.

(24) الأثر: 12128-"عبد الله بن هاشم" ، لم أعرف من يكون. وقد مضى في الإسنادين رقم: 7329 ، 7938 ، في مثل هذا الإسناد نفسه.

و"سيف بن عمر التميمي" ، مضى برقم: 7329 ، 7938 ، وهو ساقط الرواية. وكان في المطبوعة هنا أيضا ، كما في الإسنادين المذكورين: "سيف بن عمرو" ، وهو خطأ محض.

(25) الأثر: 12133-"أبو يحيى الرازي "أو"أبو يحيى العبدي" هو: "إسحق بن سلمان الرازي" ، ثقة. مضى برقم: 6456.

و"أبو سنان" هو: "سعيد بن سنان البرجمي". روى عن أبي إسحق السبيعي ، وروى عنه إسحق بن سليمان أبو يحيى الرازي. مضى برقم: 175 ، 11240. وكان في المطبوعة: "أبو شيبان" ، وهو خطأ صرف.

و"يحيى بن وثاب الأسدي" المقرئ. روى عن ابن عمر ، وابن عباس. وروى عنه أبو إسحق السبيعي. قال ابن سعد: "كان ثقة قليل الحديث صاحب قرآن". ومضى برقم: 11488.

(26) الأثر: 12139-"أبو يحيى القتات الكناني" ، مختلف في اسمه. وهو ضعيف متكلم فيه. مترجم في التهذيب.

(27) الأثر: 12143-"الحوضي" هو"حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة النمري" أبو عمر الحوضي ، ثقة ثبت متقن. مضى برقم: 11449.

(28) انظر تفسير"الابتلاء" فيما سلف 2: 49/3: 7/7: 574 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: "وقد ثبت ذلك" ، وليس بشيء ، أخطأ الناسخ ، صوابها ما أثبت.

(29) كانت هذه الجملة في المطبوعة: "وقد ذكرت أن المعنى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا. لكل نبي من الأنبياء الذين مضوا قبله وأممهم الذين قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، والمخاطب النبي وحده". غير ما في المخطوطة ، وحذف منه وزاد فيه. و في المخطوطة: "وقد ذكرت أن المعنى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا نبيا مع الأنبياء الذين مضوا قبله وأممهم ، والذين قبل نبينا صلى الله عليه وسلم حده". وهو سياق لا يستقيم ، ورجحت أن الناسخ أسقط"قوله" قبل الآيه ، وأسقط"على" من قوله: "على حدة". لأن مراد أبي جعفر أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يدخل في خطابه خطاب الأنبياء الذين قبله هم وأممهم. وأما الذي في المطبوعة ، فهو تصرف جاوز حده.

(30) في المطبوعة: "ويبين المحق بمجازاته إياه..." ، أساء قراءة المخطوطة ، فتصرف فيها.

(31) انظر تفسير"استبق" فيما سلف 3: 196= وتفسير"الخيرات" فيما سلف 3: 196= وتفسير"المراجع" فيما سلف 6: 464= وتفسير"أنبأ" و"النبأ" فيما سلف 1: 488 ، 489/6: 259 ، 404/10: 201

(32) الأثر: 12149-"أبو سنان" هو: "سعيد بن سنان" ، مضى قريبا برقم: 12133.

التدبر :

وقفة
[48] ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ أي: مشتملًا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفيسة؛ فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه، وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة.
وقفة
[48] ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ هذه شهادة القرآن على أن التوراة والإنجيل والزبور کتب حق وصدق، لكن القرآن مهيمن عليها جميعًا؛ لأنه الكتاب الذي لا يصير منسوخًا أبدًا، ولا يتطرق إليه تبدیل ولا تحريف.
وقفة
[48] ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ إذا كان الله تعالى يريد هيمنة القرآن على بقية الكتب السماوية، رغم كونها جميعًا كتب الخالق سبحانه، فكيف بمن يقاوم هيمنة القرآن على كتب المخلوقين، ودساتير البشر؟
وقفة
[48] ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ في شريعته r من اللين والعفو والصفح ومكارم الأخلاق؛ أعظم مما في الإنجيل، وفيها من الشدة والجهاد، وإقامة الحدود على الكفار والمنافقين؛ أعظم مما في التوراة، وهذا هو غاية الكمال؛ ولهذا قال بعضهم: بعث موسى بالجلال، وبعث عيسى بالجمال، وبعث محمد بالكمال.
وقفة
[48] ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ القرآن مهيمن على الكتب السماوية؛ أفلا يكون مهيمنا على أرآئنا ومناهجنا؟!
عمل
[48] ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ حذر الله نبيه من موافقة أهل الكتاب والميل لكتبهم، قارن هذا بمن يقرأ في كتب الزندقة والإلحاد، ويدعي أنه لا يتأثر!
وقفة
[48] ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ دل على أن الهوى باطل؛ ﻷنه مخالف للحق.
وقفة
[48] ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ الأنبياء متفقون في أصول الدين مع وجود بعض الفروق بين شرائعهم في الفروع.
وقفة
[48] ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ لو استيقن المسلمون أنهم علي أعظم شرعة ومنهاج رباني؛ لما التفتوا لما عليه الكفار من ثقافة، ولما اتبعوهم في نظام.
لمسة
[48] ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ الشرعة والشريعة هو الماء الكثير من نهر أو وادٍ، فنقول مثلًا: شريعة الفرات، ومن ثم سميت الديانة شريعة تشبيهًا لها بالماء العذب؛ لأن فيها شفاء النفوس وطهارتها، والمنهاج هو الطريق الواسع الذي يوصلك إلى الشرعة العذبة.
وقفة
[48] ﴿وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ الشريعة ابتلاءٌ من الله سبحانه وتعالى لعباده؛ ليرى من يستجيب ومن لا يستجيب.
عمل
[48] ﴿وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ لا تفرح بالنعمة كثيرًا، بل افرح بنجاحك في امتحانها، فالنعمة مادة اختبار، وسيرى الله شكرك عليها، ففيم تستعملها: في طاعته أم معصيته؟!
عمل
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ عمرك قصير؛ فاستبق الخيرات.
وقفة
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ أفضل الناس ما بين الورى رجلٌ تُقضى على يــده للناس حاجات .
وقفة
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ إتقان العمل، والاجتهاد في أدائه بإن يكون على أفضل وجه وأتمه، من الإحسان الذي أُمرنا به .
وقفة
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ استدل به علي أن تقديم العبادات أول وقتها أفضل من تأخيرها.
وقفة
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ أول خاطرة للخير في روحك هي القوة النفاثة العظمى إذا رحلت ربما لا تقوى على الاندفاع من جديد.
وقفة
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ لعلَّ تفريج هم أحدهم تكون لك حجة عند الله؛ فإن رحمت أحدًا فاعلم أن الله أكرم وأرحم بك منك في عبده.
وقفة
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ يستدل بهذه الآية على المبادرة لأداء الصلاة وغيرها في أول وقتها، وعلى أنه ينبغي أن لا يقتصر العبد على مجرد ما يجزئ في الصلاة وغيرها من العبادات من الأمور الواجبة، بل ينبغي أن يأتي بالمستحبات التي يقدر عليها لتتم وتكمل، ويحصل بها السبق.
وقفة
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ السباق الذي يعقبهُ نجاح حين نقوم بتأدية الفرائض طلبًا للفلاح.
عمل
[48] ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ اسبق اليوم غيرك إلى نوع من الطاعات؛ كالصف الأول في الصلاة، والصدقة لمضطر محتاج، أو غيرها من أبواب الخير.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ:
  • الواو عاطفة. أنزلنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع. نا: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. إليك: جار ومجرور. الكتاب: مفعول به منصوب بالفتحة. و«إِلَيْكَ» متعلق بأنزلنا.
  • ﴿ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً:
  • جار ومجرور متعلق بحال من «الْكِتابَ» بتقدير: متلبسا بالحق. أو بحال من الضمير «نا» أي ومعنا الحق. مصدقا: حال منصوب بالفتحة. بمعنى: موافقا.
  • ﴿ لِما بَيْنَ يَدَيْهِ:
  • جار ومجرور متعلق بمصدقا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة وهو مضاف. يديه: مضاف اليه مجرور بالياء لانه مثنى وحذفت النون للإضافة. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. وشبه الجملة متعلق بفعل «استقر» المحذوف وجملة «استقر بين يديه» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بمعنى: لما تقدمه.
  • ﴿ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما» ومن بيانية. ومهيمنا: معطوفة بالواو على «مُصَدِّقاً» وتعرب مثلها. عليه: جار ومجرور متعلق بمهيمنا بمعنى: رقيبا عليه.
  • ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ:
  • الفاء: حرف عطف. احكم: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق باحكم. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ:
  • يعرب اعراب «لِما» متعلق باحكم. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. والجملة صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به.التقدير: بما أنزل الله.
  • ﴿ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا:
  • الواو: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تتبع:فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أهواء: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. عمّا: أصلها: عن ما. تعرب مثل «لِما».
  • ﴿ جاءَكَ:
  • الجملة: صلة الموصول. جاء: فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا:
  • تعرب إعراب «مِنَ الْكِتابِ». لكل: جار ومجرور متعلق بجعلنا أي لكل أمة منكم. جعلنا: تعرب إعراب «أَنْزَلْنا».
  • ﴿ مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً:
  • جار ومجرور متعلق بحعلنا والميم علامة جمع الذكور. شرعة: مفعول به منصوب بالفتحة. ومنهاجا: معطوفة بواو العطف على «شِرْعَةً» منصوبة مثلها بالفتحة ويجوز ان تكون «مِنْكُمْ» متعلقة بصفة محذوفة لأمة المقدرة.
  • ﴿ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم. شاء: فعل ماض مبني على الفتح الله: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً:
  • اللام واقعة في جواب «لَوْ». جعلكم: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. الكاف:ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. والميم علامة جمع الذكور. أمة: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. واحدة: صفة لامة منصوبة مثلها بالفتحة. وجملة «لَجَعَلَكُمْ» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ:
  • الواو: استئنافية. لكن: حرف استدراك لا عمل له لانه مخفف. والتقدير: ولكن أراد. اللام: للتعليل وهي حرف جر يبلوكم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وعلامة نصب الفعل الفتحة الظاهرة.الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور وجملة «يبلوكم» صلة «أن» المصدرية لا محل لها. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بالفعل المقدّر أراد.
  • ﴿ فِي ما آتاكُمْ:
  • في: حرف جر. ما: اسم موصول مجرور بفي مبني على السكون في محل جر. آتاكم: الجملة: صلة الموصول. آتى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور و «فيما» متعلق بيبلوكم.
  • ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ:
  • الفاء: استئنافية. استبقوا فعل أمر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. الخيرات: مفعول به منصوب بالكسرة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ:
  • جار ومجرور للتعظيم في محل رفع خبر مقدم. مرجعكم:مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور .. بمعنى «رجوعكم».
  • ﴿ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ:
  • جميعا: حال منصوب بالفتحة من ضمير «مَرْجِعُكُمْ» الفاء: استئنافية. ينبئكم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بينبئ. كنتم: صلة الموصول. فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع.التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. فيه: جار ومجرور متعلق بتختلفون. تختلفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «تَخْتَلِفُونَ» في محل نصب خبر «كان». '

المتشابهات :

النساء: 105﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ
المائدة: 48﴿وَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
الزمر: 2﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ
الزمر: 41﴿إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: مُرَّ على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيهودي مُحمَّماً مجلوداً. فدعاهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم. فقالأنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه). فأمر به فرجم. فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قولهإِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ). يقول: ائتوا محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالىوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) في الكفار كلها. 2 - أخرج أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: إن الله - عَزَّ وجلَّ - أنزلوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قال ابن عبَّاسٍ: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة، فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتلته الذليلةُ من العزيزة فديته مئة وسق. فكانوا على ذلك حتى قدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وذَلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه، وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وَسْقِ، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفَرَقاً منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك. فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، ثم ذكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا، وقهراً لهم، فَدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا) إلى قولهوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله - عَزَّ وَجَلَّ -. زاد أبو داود والنَّسَائِي ثم نزلتأَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ .. ) الآية. 3 - أخرج الترمذي عن زرارة بن أوفى يحدث عن عمران بن حصين أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقاليعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك) فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآيات الكريمات. وقد أورد جمهور المفسرين السببين الأول والثاني وأعرضوا عن الثالث فلم يذكروه.فأما السبب الأول في حكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم الزاني فقد تتابع على القول به جمهور المفسرين:قال الطبري في ذلك كلامًا كثيراً، خلاصتهأن اليهود إنما سألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك ليعلموا، فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكماً فيهم وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه) اهـ.وقال البغوي بعد أن ساق حديث الرجم وأتبعه بقصة قريظة والنضيروالأول أصح لأن الآية في الرجم) اهـ. وقال ابن العربيفى سبب نزولها فيه ثلاثة أقوال: إلى أن قال: الثالث: أنها نزلت في اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا له: إن رجلاً منا وامرأةً زنيا فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فذكر الحديث بطوله ثم فند القولين الأولين إلى أن قال: والصحيح ما رواه الجماعة عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله كلاهما في وصف القصة أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكموه فكان ما ذكرنا في الأمر) اهـ. وقال ابن عطية بعد أن ساق الأسباب المرويةوهذه النوازل كلها وقعت ووقع غيرها مما يضارعها ويحسن أن يكون سببها لفضيحة اليهود في تحريفهم الكلم وتمرسهم بالدين) اهـ. - ومراده أن سببها قضية الزنى والرجم لأن التحريف وقع فيها -.وقال القرطبيوقيل إنها نزلت في زنى اليهوديين وقصة الرجم وهذا أصح الأقوال) اهـ.وقال ابن كثيروالصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا) اهـ.وقال الشنقيطياعلم أولاً أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة فتعمدوا تحريف كتاب الله) اهـ.وقال ابن عاشوروسبب نزول هذه الآية وما أشارت إليه ما محصّله: أن اليهود اختلفوا في حد الزاني حين زنى فيهم رجل بامرأة من أهل خيبر أو أهل فدك) اهـ.فحجة من تقدم من العلماء على مذهبهم الأحاديث الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآثار السلف من الصحابة والتابعين الدالة على هذا. وأما السبب الثاني: فقد تقدم أن جمهور المفسرين قد أوردوه، واقتصروا على ذلك إلا ابن العربي، وابن كثير، فالأول قد ضعفه وستأتي حجته، والثاني ألمح إلى تقويته فقال بعد سياق السببينوقد يكون اجتمع السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلكوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى آخرها وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص والله سبحانه وتعالى أعلم) اهـ.وبعد نقل كلام العلماء المتقدم وما احتجوا به على أقوالهم أقول: أما حديث عمران بن حصين في قصة الرجل الذي عض يد أخيه فلا تصح أن تكون سبباً لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية: 1 - أن ذكر نزول الآية شاذ غير محفوظ وتبين تفصيل ذلك في دراسة الإسناد. 2 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك. أقول: إذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفى حقه في الدية فكيف يكون له قصاص ثم يقال فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). مع أن شأن القصاص أكبر من الدية، والله قال في نفس الآية (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) فيمنعه من الدية ويأذن له بالقصاص حسب دلالة هذا السبب، هذا من التناقض، وصدق الله القائلأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82). 3 - أن المفسرين أعرضوا عنه فلم يذكروه في موضعه مما يدل على عدم حجيته عندهم. 4 - أن الشنقيطي ذكر أن الآية نزلت في شأن اليهود بالإجماع، وإذا كانت كذلك فكيف يقال إنها نزلت في شأن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟أما السبب الثاني وهو أن الآية نزلت في شأن بني قريظة والنضير فالحق أنها تتفق مع السياق القرآني فقولهمفدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يُعطكم حذرتم فلم تحكموه) يوافق قوله تعالى: - (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وقوله تعالىيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) لا يخالف قوله في الحديث فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والمنافق هو الذي يؤمن بفيه دون قلبه لكن يعكر على هذا أن إسناد الحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد، وأيضاً هو معارَض بحديث البراء الثابت في الصحيح.وابن العربي ذكر علة ثالثة وهي أن بني قريظة اشتكت، والشكوى شيء غير التحكيم المنصوص عليه في سياق الآيات. قال ابن العربيوأما من قال: إنها نزلت في شأن قريظة والنضير وما شكوه من التفضيل بينهم فضعيف لأن الله تعالى أخبر أنه كان تحكيماً منهم للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا شكوى) اهـ.وعندي أن ما ذكره ليس بوجيه فقد جاء في الحديث: ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم. فهذا تحكيم لكن الحديث معلول بما تقدم.وأما قول ابن كثيرإن قولهوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ .. ) يقوي أن سبب النزول قضية القصاص) فلا ريب أن هذا حق لو كان إسناد الحديث صحيحاً. وحينئذ لا يبقى لدينا إلا حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في سبب نزول الآيات الكريمات، وقد اجتمع فيه أمور: 1 - صحة إسناده إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2 - موافقته للسياق القرآني. 3 - اتفاق المفسرين على اختياره والقول بمقتضاه. 4 - تصريحه بنزول الآيات الكريمة بسبب تلك القصة. وهذا ما لم يذكر في حديثي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - اللذَين ذكرهما ابن العربي في قضية زنى اليهوديين ورجمهما. * النتيجة: أن سبب نزول هذه الآيات حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في زنى اليهوديين، وحكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهما بالرجم لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق الآيات، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     وبعدَ أن مَدَحَ اللهُ عز وجل التوراةَ ثُمَّ الإنجيلَ، مَدَحَ هنا القرآنَ وبَيَّنَ منزلتَه من الكتبِ السابقةِ، قال تعالى:
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

القراءات :

ومهيمنا:
وقرئ:
1- بفتح الميم الثانية، على أنه اسم مفعول، وهى قراءة مجاهد، وابن محيصن، والضمير عائد على «الكتاب» الأول.
2- بكسر الميم الثانية، على أنه اسم فاعل، وهى قراءة الباقين، والضمير عائد على «الكتاب» الثاني.

مدارسة الآية : [49] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ..

التفسير :

[49] واحكم -أيها الرسول- بين اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن، ولا تتبع أهواء الذين يحتكمون إليك، واحذرهم أن يصدُّوك عن بعض ما أنزل الله إليك فتترك العمل به، فإن أعرض هؤلاء عمَّا تحكم به فاعلم أن الله يريد أن يصرفهم عن الهدى؛ بسبب ذنوبٍ اكتسبوها من قبل

{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ْ} هذه الآية هي التي قيل:إنها ناسخة لقوله:{ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ْ} والصحيح:أنها ليست بناسخة، وأن تلك الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم مخير بين الحكم بينهم وبين عدمه، وذلك لعدم قصدهم بالتحاكم للحق. وهذه الآية تدل على أنه إذا حكم، فإنه يحكم بينهم بما أنزل الله من الكتاب والسنة، وهو القسط الذي تقدم أن الله قال:{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ْ} ودل هذا على بيان القسط، وأن مادته هو ما شرعه الله من الأحكام، فإنها المشتملة على غاية العدل والقسط، وما خالف ذلك فهو جور وظلم.{ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ْ} كرر النهي عن اتباع أهوائهم لشدة التحذير منها. ولأن ذلك في مقام الحكم والفتوى، وهو أوسع، وهذا في مقام الحكم وحده، وكلاهما يلزم فيه أن لا يتبع أهواءهم المخالفة للحق، ولهذا قال:{ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ْ} أي:إياك والاغترار بهم، وأن يفتنوك فيصدوك عن بعض ما أنزل [الله] إليك، فصار اتباع أهوائهم سببا موصلا إلى ترك الحق الواجب، والفرض اتباعه.{ فَإِن تَوَلَّوْا ْ} عن اتباعك واتباع الحق{ فَاعْلَمْ ْ} أن ذلك عقوبة عليهم وأن الله يريد{ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ْ} فإن للذنوب عقوبات عاجلة وآجلة، ومن أعظم العقوبات أن يبتلى العبد ويزين له ترك اتباع الرسول، وذلك لفسقه.{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ْ} أي:طبيعتهم الفسق والخروج عن طاعة الله واتباع رسوله.

ثم كرر- سبحانه- الأمر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين اليهود وغيرهم بما أنزله الله- تعالى- وحذره من مكرهم وكيدهم فقال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ.

أخرج ابن جرير عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: قال كعب بن أسد وابن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه: فأتوه فقالوا:

يا محمد، إنك قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وساداتهم وإنا إن اتبعناك اتبعك يهود ولم يخالفونا. وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضى لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدق فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك. فأنزل الله فيهم: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ إلى قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .

وقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ في محل نصب عطفا على الكتاب في قوله:

وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ.

وقوله: أَنْ يَفْتِنُوكَ بدل اشتمال من المفعول في وَاحْذَرْهُمْ كأنه قيل: واحذر فتنتهم كما تقول: أعجبنى زيد علمه.

والمراد بالفتنة هنا محاولة إضلاله وصرفه عن الحكم بما أنزل الله.

والمعنى: وأنزلنا إليك الكتاب يا محمد فيه حكم الله، وأنزلنا إليك فيه أن أحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا، واحذرهم أن يضلوك أو يصدوك عن بعض ما أنزلناه إليك ولو كان أقل قليل بأن يصوروا لك الباطل في صورة الحق، أو بأن يحاولوا حملك على الحكم الذي يناسب شهواتهم:

وقد كرر- سبحانه- على نبيه صلى الله عليه وسلم وجوب التزامه في أحكامه بما أنزل الله، لتأكيد هذا الأمر في مقام يستدعى التأكيد، لأن اليهود كانوا لا يكفون عن محاولتهم فتنته صلى الله عليه وسلم وإغراءه بالميل إلى الأحكام التي تتفق مع أهوائهم، ولأنه قد جاء في الآية السابقة ما قد يوهم بأن لكل قوم شريعة خاصة بهم لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وأن حكم القرآن ليس له صفة العموم فأراد- سبحانه- أن ينفى هذا الوهم نفيا واضحا وأن يؤكد أن شريعة القرآن هي الشريعة العامة الخالدة التي يجب أن يتحاكم إليها الناس في كل زمان ومكان، لأنها نسخت ما سبقها من شرائع.

وقوله- تعالى- وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ تيئيس لأولئك اليهود الذين حاولوا إغراء الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقضى لهم بما يرضيهم لكي يتبعوه، ونهى له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه عن الاستجابة لأهواء هؤلاء ولو في أقل القليل مما يتنافى مع الحق الذي أمره الله- تعالى- بالسير عليه في القضاء بين الناس.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة كل من يعرض عن حكم الله- تعالى- فقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ.

أى: فإن تولوا عن حكمك، وأعرضوا عنك بعد تحاكمهم إليك وأرادوا الحكم بغير ما أنزل الله. فاعلم أن حكمة الله قد اقتضت أن يعاقبهم بسبب بعض هذه الذنوب التي اقترفوها بتوليهم عن حكم الله، وإعراضهم عنك، وانصرافهم عن الهدى والرشاد إلى الغي والضلال، لأن الأمة التي لا تخضع لأحكام شرع الله، وتسير وراء لذائذها ومتعها وشهواتها وأهوائها الباطلة، لا بد أن يصيبها العقاب الشديد بسبب ذلك.

وعبر- سبحانه- عما يصيبهم من عقاب بأنه بسبب ارتكابهم لبعض الذنوب، للإشارة بأن لهم ذنوبا كثيرة بعضها كاف لإنزال العقوبة الشديدة بهم.

وقوله: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله، ومتضمن تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لقيه من مخالفيه ولا سيما اليهود.

أى: وإن كثيرا من الناس لخارجون عن طاعتنا، ومتمردون على أحكامنا، ومتبعون لخطوات الشيطان الذي استحوذ عليهم، وإذا كان الأمر كذلك فلا تبتئس يا محمد عما لقيته من أصحاب النفوس المريضة، بل اصبر حتى يحكم الله بينك وبينهم.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآية الكريمة بتوبيخ أولئك الذين يرغبون عن حكم الله إلى حكم غيره فقال: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ.

فالهمزة هنا للاستفهام الإنكارى التوبيخي. والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام.

والمعنى: أينصرفون عن حكمك بما أنزل الله ويعرضون عنه فيبغون حكم الجاهلية مع أن ما أنزله الله إليك من قرآن فيه الأحكام العادلة التي ترضى كل ذي عقل سليم، ومنطق قويم.

وقدم- سبحانه- المفعول «أفحكم» لإفادة التخصيص المفيد لتأكيد الإنكار والتعجيب من أحوال أولئك اليهود الذين يريدون حكم الجاهلية.

إذ أن التولي عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حكم آخر منكر عجيب. وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب.

والمراد بالجاهلية: الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى، والمداهنة في الأحكام، فيكون ذلك توبيخا لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب يبغون حكم الملة الجاهلية. وعدم الأخذ بشريعة المساواة. فيكون ذلك- أيضا- تعييرا لهم لاقتدائهم بأهل الجاهلية.

قال الآلوسى: فقد روى أن بنى النضير لما تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصومة قتيل وقعت بينهم وبين بنى قريظة، طلب بعضهم من رسول الله أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل، فقال صلى الله عليه وسلم: «القتلى سواء» - أى: متساوون- فقال بنو النضير: نحن لا نرضى بحكمك، فنزلت هذه الآية» .

وقوله- تعالى- وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ إنكار منه- سبحانه- لأن يكون هناك حكم أحسن من حكمه أو مساو له.

أى: لا أحد أحسن حكما من حكم الله- تعالى- عند قوم يوقنون بصحة دينه، ويذعنون لتكاليف شريعته، ويقرون بوحدانيته، ويتبعون أنبياءه ورسله.

فاللام في قوله: لِقَوْمٍ بمعنى عند، وهي متعلقة بأحسن، ومفعول يُوقِنُونَ محذوف أى لقوم يوقنون بحكمه وأنه أعدل الأحكام. والجملة حالية متضمنة لمعنى الإنكار السابق.

وخص- سبحانه- الموقنين بالذكر، لأنهم هم الذين يحسنون التدبر فيما شرعه الله من أحكام، وينتفعون بما اشتملت عليه من عدل ومساواة.

هذا، وقد شدد الإمام ابن كثير النكير على الذي يرغبون عن حكم الله إلى أحكام من عند البشر، ووصف من يفعل ذلك بالكفر، وأفتى بوجوب مقاتلته حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فقال- رحمه الله-:

«ينكر- تعالى- على من خرج عن حكم الله- المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر- وعدل عنه إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات.

مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم «جنكزخان» الذي وضع لهم «الباسق» وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى. فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير.

وقوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك ، والنهي عن خلافه .

ثم قال [ تعالى ] ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) أي : احذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه إليك من الأمور ، فلا تغتر بهم ، فإنهم كذبة كفرة خونة . ( فإن تولوا ) أي : عما تحكم به بينهم من الحق ، وخالفوا شرع الله ( فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) أي : فاعلم أن ذلك كائن عن قدر الله وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما عليهم من الذنوب السالفة التي اقتضت إضلالهم ونكالهم . ( وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) أي : أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم ، مخالفون للحق ناؤون عنه ، كما قال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] . وقال تعالى : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) [ الآية ] [ الأنعام : 116 ] .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه ، فقالوا : يا محمد ، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن لك ، ونصدقك! فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل فيهم : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) إلى قوله : ( لقوم يوقنون ) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .

القول في تأويل قوله عز ذكره : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وأن احكم بينهم بما أنـزل الله "، وأنـزلنا إليك، يا محمد، الكتابَ مصدقًا لما بين يديه من الكتاب، وأنِ احكم بينهم= فـ" أن " في موضع نصب بـ" التنـزيل ".

* * *

ويعني بقوله: " بما أنـزل الله "، بحكم الله الذي أنـزله إليك في كتابه.

* * *

وأما قوله: " ولا تتبع أهواءهم "، فإنه نهيٌ من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يتّبع أهواء اليهود الذين احتكموا إليه في قتيلهم وفاجِرَيْهم، (33) وأمرٌ منه له بلزوم العمل بكتابه الذي أنـزله إليه.

* * *

وقوله: " واحذرهم أن يفتِنُوك عن بعض ما أنـزل الله إليك "، يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: واحذر، يا محمد، هؤلاء اليهود الذين جاءوك محتكمين إليك=" أن يفتنوك "، فيصدُّوك عن بعض ما أنـزل الله إليك من حكم كتابه، فيحملوك على ترك العمل به واتّباع أهوائهم. (34)

* * *

وقوله: " فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم "، يقول تعالى ذكره: فإن تولى هؤلاء اليهود الذين اختصموا إليك عنك، فتركوا العمل بما حكمت به &; 10-393 &; عليهم وقضيت فيهم (35) " فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم "، يقول: فاعلم أنهم لم يتولوا عن الرضى بحكمك وقد قضيت بالحقّ، إلا من أجل أن الله يريد أن يتعجّل عقوبتهم في عاجل الدنيا ببعض ما قد سلف من ذنوبهم (36) =" وإن كثيرًا من الناس لفاسقون "، يقول: وإن كثيرًا من اليهود=" لفاسقون "، يقول: لتاركُو العمل بكتاب الله، ولخارجون عن طاعته إلى معصيته. (37)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الروايةُ عن أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

12150 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صوريا وشأس بن قيس، (38) بعضُهم لبعضٍ: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلّنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا: يا محمد، إنك قد عرفت أنَّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنَّا إن اتّبعناك اتّبعنا يهود ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين قومِنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك! فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله فيهم: " وأنِ احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتِنُوك عن بعض ما أنـزل الله إليك "، إلى قوله: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . (39)

12151 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنـزل الله إليك "، قال: أن يقولوا: " في التوراة كذا "، وقد بينَّا لك ما في التوراة. وقرأ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [سورة المائدة: 45]، بعضُها ببعضٍ.

12152 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: دخل المجوسُ مع أهل الكتاب في هذه الآية: " وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ".

-----------------

الهوامش :

(33) قوله: "وفاجريهم" ، يعني اليهودي واليهودية اللذان زنيا ، فرجمها صلى الله عليه وسلم.

(34) انظر تفسير"الفتنة" فيما سلف 10: 317 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(35) انظر تفسير"تولى" فيما سلف 10: 336 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(36) انظر تفسير"الإصابة" فيما سلف 8: 514 ، 538 ، 540 ، 555.

(37) انظر تفسير"الفسق" فيما سلف 10: 393 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(38) في ابن هشام: "وابن صلوبا ، وعبد الله بن صوريا".

(39) الأثر: 12150- سيرة ابن هشام 2: 216 ، وهو تابع الأثر السالف رقم: 11974.

التدبر :

وقفة
[49] فقد نهاه عن اتباع أهواء المشركين، واتباع أهواء أهل الكتاب، وحذره أن يفتنوه عما أنزل الله إليه من الحق، وذلك يتضمن النهي عن اتباع أهواء أحد في خلاف شريعته وسنته، وكذا أهل الأهواء من هذه الأمة.
وقفة
[49] انكار الدين السياسي تورط بأحد أمرين: إما اعتقاد سياسة بلا دين، أو دين بلا سياسة، وكلاهما ضلال؛ لأن الإسلام دين وسياسة ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ﴾.
وقفة
[49] ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ الوحي في مقابل اتباع الهوى، فلا ينصرف أحد عن حكم الله إلا اتباعًا لهواه، مهما تذرع بالأعذار.
وقفة
[49] ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ حكم الله أو الهوى المحض.
وقفة
[49] ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ على قدر إيمانك بملك الله العظيم وقدرته على كل شيء يخبو اتباعك للأهواء.
وقفة
[49] أعظم ما يصرف القاضي عن إصابة الحق موافقة هوى غيره، فقد حذر الله منه حتى الأنبياء ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.
وقفة
[49] وجوب تحكيم شرع الله والإعراض عمّا عداه من الأهواء ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.
وقفة
[49] ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ﴾ أمَرَهُ ثم نهاه ثم حذره، كل ذلك لأن من لا يريد تطبيق الشريعة كثر.
وقفة
[49] ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ فالهوى يصد المرء عن الحق، ولهذا حذَّر الله منه كثيرًا في القرآن.
عمل
[49] بادر بالتخلي عن صديق يصدك عن ذكر الله، واستبدل به من يقربك من الله؛ فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾.
عمل
[49] احذَر أن تقارب أمَاكن الفتنة وتقول: (أنَا لَن أتَأثر)؛ فَنبينَا يحذِّره ربنا فيقول:‌ ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ﴾.
وقفة
[49] ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ لا محاباة في الحق، فالتحذير هنا لسيد الخلق وصفوة رسل الله، لكنه ينصرف إلى أمته من باب أَوْلى.
وقفة
[49] ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ أي: احذر هؤلاء اليهود فإنهم كما قال الحافظ ابن كثير: «كذبة كفرة خونة» فهؤلاء اليهود فيهم هذه الثلاث الصفات «كذبة كفرة خونة»، وهذا هو الحق في وصفهم في جميع الأزمان وفي كل مكان.
وقفة
[49] ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ أي: واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه إليك من أمور، فلا تغتر بهم؛ فإنهم كذبة كفرة خونة.
عمل
[49] ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ احذر الوسائل التي تقنعك بقيم اليهود والنصارى وأفكارهم؛ فإن الله عز وجل قد حَذَّر نبيه من أن يفتنوه، فكيف بمن هو دونه؟!
عمل
[49] أكثر المنحرفين فكريًّا قرأوا كتب الانحراف للاطلاع آمنين من الانزلاق، لا تأمن من شيء حذَّر الله نبيه منه ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾.
وقفة
[49] المبادئ والمواقف الأخلاقية لا تتجزأ ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾، ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 74].
وقفة
[49] كثرة سماع الباطل تؤثر على القناعة بالحق، فقد حذَّر الله نبيَّه المعصوم من ذلك فقال: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾.
وقفة
[49] ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ كنت أعجب ممن يتولى عن الحق وقد اتضح، علمت بعدها أن خذلان الذنوب له دور هنا.
وقفة
[49] ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ بعض الطاعات لا يوفق لها العبد بسبب ذنب سابق، فلا تظن أن شؤم الذنب انقضى بانقضائه.
وقفة
[49] ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ للذنوب عقوبات، ومن أعظمها: أن يزين للعبد ترك اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
عمل
[49] بعض الطاعات لا يُوَفَّق العبد لها بسبب ذنب، لا تظن أن شؤم الذنب ينتهي من وقته ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾.
وقفة
[49] عند الفتن يتخلى بعض الصالحين عن الأعمال النافعة بدعوى الحكمة، فليُحذر أن يكون هذا من تخويف الشيطان، فآثار الذنوب قد تظهر عند الشدائد: ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾.
تفاعل
[49] ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ استعذ بالله من شؤم الذنوب.
وقفة
[49] أرسل رسالة تربط فيها بين عقوبة حلت بالمجتمع وذنب انتشر فيه ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾.
وقفة
[49] ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ قلت: أراد به عقوبتهم في الدُّنيا، على تولِّيهم عن الِإيمان، بالسَّبْيِ، والجزية وغيرهما، وهذه العقوبة منقطعة، بخلاف عقوبة الآخرة، فإنها على جميع الذنوب، من تولِّيهم عن الإِيمانِ، وعن جميع فروعهِ، ودائمةٌ لا تنقطع.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ:
  • الواو عاطفة. أن: حرف مصدري. احكم: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وجملة أحكم صلة أن المصدرية لا محل لها من الاعراب. بينهم: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق باحكم. وضمير الغائبين «هم» في محل جر بالاضافة. ووصلت نون «أَنِ» في الفعل. وأن وما تلاها بتأويل مصدر معطوف بالواو على «الْكِتابَ» في قوله: وأنزلنا إليك الكتاب. ويجوز أن يكون معطوفا على «بِالْحَقِّ». في الآية الكريمة السابقة.
  • ﴿ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ:
  • جار ومجرور متعلق باحكم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. الله فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وجملة «أَنْزَلَ اللَّهُ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف اختصارا منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير بما أنزله الله.
  • ﴿ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ:
  • الواو: حرف عطف. لا: ناهية جازمة. تتبع: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أهواء: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَاحْذَرْهُمْ:
  • الواو: عاطفة. احذرهم: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «هم» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أَنْ يَفْتِنُوكَ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يفتنوك: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به وإن المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف بتقدير: من فتنتهم لك. والجار والمجرور متعلق باحذرهم.
  • ﴿ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ:
  • جار ومجرور متعلق بيفتنوك. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أنزل الله: أعربت.
  • ﴿ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا:
  • جار ومجرور متعلق بأنزل. فإن: الفاء: استئنافية. إن حرف شرط جازم. تولّوا: فعل ماض مبني على الضم المقدر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين لاتصاله بواو الجماعة في محل جزم بإن لانه فعل الشرط. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ فَاعْلَمْ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. اعلم: تعرب إعراب «احْكُمْ» وجملة «فَاعْلَمْ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ:
  • أنّما: كافة ومكفوفة أو أداة حصر لا عمل لها. يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله: لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ أَنْ يُصِيبَهُمْ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يصيبهم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.و«هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. و «أَنِ وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب. مفعول به للفعل «يُرِيدُ». وجملة تصيبهم: صلة أن المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيصيبهم. ذنوب: مضاف اليه مجرور بالكسرة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً:
  • الواو: استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل كثيرا: اسم «أَنِ» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من كثيرا.اللام: للتوكيد. فاسقون: خبر إنّ مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

المائدة: 48﴿فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ
المائدة: 49﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ
الشورى: 15﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: مُرَّ على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيهودي مُحمَّماً مجلوداً. فدعاهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم. فقالأنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه). فأمر به فرجم. فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قولهإِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ). يقول: ائتوا محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالىوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) في الكفار كلها. 2 - أخرج أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: إن الله - عَزَّ وجلَّ - أنزلوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قال ابن عبَّاسٍ: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة، فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتلته الذليلةُ من العزيزة فديته مئة وسق. فكانوا على ذلك حتى قدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وذَلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه، وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وَسْقِ، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفَرَقاً منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك. فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، ثم ذكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا، وقهراً لهم، فَدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا) إلى قولهوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله - عَزَّ وَجَلَّ -. زاد أبو داود والنَّسَائِي ثم نزلتأَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ .. ) الآية. 3 - أخرج الترمذي عن زرارة بن أوفى يحدث عن عمران بن حصين أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقاليعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك) فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآيات الكريمات. وقد أورد جمهور المفسرين السببين الأول والثاني وأعرضوا عن الثالث فلم يذكروه.فأما السبب الأول في حكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم الزاني فقد تتابع على القول به جمهور المفسرين:قال الطبري في ذلك كلامًا كثيراً، خلاصتهأن اليهود إنما سألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك ليعلموا، فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكماً فيهم وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه) اهـ.وقال البغوي بعد أن ساق حديث الرجم وأتبعه بقصة قريظة والنضيروالأول أصح لأن الآية في الرجم) اهـ. وقال ابن العربيفى سبب نزولها فيه ثلاثة أقوال: إلى أن قال: الثالث: أنها نزلت في اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا له: إن رجلاً منا وامرأةً زنيا فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فذكر الحديث بطوله ثم فند القولين الأولين إلى أن قال: والصحيح ما رواه الجماعة عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله كلاهما في وصف القصة أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكموه فكان ما ذكرنا في الأمر) اهـ. وقال ابن عطية بعد أن ساق الأسباب المرويةوهذه النوازل كلها وقعت ووقع غيرها مما يضارعها ويحسن أن يكون سببها لفضيحة اليهود في تحريفهم الكلم وتمرسهم بالدين) اهـ. - ومراده أن سببها قضية الزنى والرجم لأن التحريف وقع فيها -.وقال القرطبيوقيل إنها نزلت في زنى اليهوديين وقصة الرجم وهذا أصح الأقوال) اهـ.وقال ابن كثيروالصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا) اهـ.وقال الشنقيطياعلم أولاً أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة فتعمدوا تحريف كتاب الله) اهـ.وقال ابن عاشوروسبب نزول هذه الآية وما أشارت إليه ما محصّله: أن اليهود اختلفوا في حد الزاني حين زنى فيهم رجل بامرأة من أهل خيبر أو أهل فدك) اهـ.فحجة من تقدم من العلماء على مذهبهم الأحاديث الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآثار السلف من الصحابة والتابعين الدالة على هذا. وأما السبب الثاني: فقد تقدم أن جمهور المفسرين قد أوردوه، واقتصروا على ذلك إلا ابن العربي، وابن كثير، فالأول قد ضعفه وستأتي حجته، والثاني ألمح إلى تقويته فقال بعد سياق السببينوقد يكون اجتمع السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلكوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى آخرها وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص والله سبحانه وتعالى أعلم) اهـ.وبعد نقل كلام العلماء المتقدم وما احتجوا به على أقوالهم أقول: أما حديث عمران بن حصين في قصة الرجل الذي عض يد أخيه فلا تصح أن تكون سبباً لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية: 1 - أن ذكر نزول الآية شاذ غير محفوظ وتبين تفصيل ذلك في دراسة الإسناد. 2 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك. أقول: إذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفى حقه في الدية فكيف يكون له قصاص ثم يقال فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). مع أن شأن القصاص أكبر من الدية، والله قال في نفس الآية (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) فيمنعه من الدية ويأذن له بالقصاص حسب دلالة هذا السبب، هذا من التناقض، وصدق الله القائلأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82). 3 - أن المفسرين أعرضوا عنه فلم يذكروه في موضعه مما يدل على عدم حجيته عندهم. 4 - أن الشنقيطي ذكر أن الآية نزلت في شأن اليهود بالإجماع، وإذا كانت كذلك فكيف يقال إنها نزلت في شأن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟أما السبب الثاني وهو أن الآية نزلت في شأن بني قريظة والنضير فالحق أنها تتفق مع السياق القرآني فقولهمفدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يُعطكم حذرتم فلم تحكموه) يوافق قوله تعالى: - (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وقوله تعالىيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) لا يخالف قوله في الحديث فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والمنافق هو الذي يؤمن بفيه دون قلبه لكن يعكر على هذا أن إسناد الحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد، وأيضاً هو معارَض بحديث البراء الثابت في الصحيح.وابن العربي ذكر علة ثالثة وهي أن بني قريظة اشتكت، والشكوى شيء غير التحكيم المنصوص عليه في سياق الآيات. قال ابن العربيوأما من قال: إنها نزلت في شأن قريظة والنضير وما شكوه من التفضيل بينهم فضعيف لأن الله تعالى أخبر أنه كان تحكيماً منهم للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا شكوى) اهـ.وعندي أن ما ذكره ليس بوجيه فقد جاء في الحديث: ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم. فهذا تحكيم لكن الحديث معلول بما تقدم.وأما قول ابن كثيرإن قولهوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ .. ) يقوي أن سبب النزول قضية القصاص) فلا ريب أن هذا حق لو كان إسناد الحديث صحيحاً. وحينئذ لا يبقى لدينا إلا حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في سبب نزول الآيات الكريمات، وقد اجتمع فيه أمور: 1 - صحة إسناده إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2 - موافقته للسياق القرآني. 3 - اتفاق المفسرين على اختياره والقول بمقتضاه. 4 - تصريحه بنزول الآيات الكريمة بسبب تلك القصة. وهذا ما لم يذكر في حديثي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - اللذَين ذكرهما ابن العربي في قضية زنى اليهوديين ورجمهما. * النتيجة: أن سبب نزول هذه الآيات حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في زنى اليهوديين، وحكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهما بالرجم لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق الآيات، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     وبعد أن أمر الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المحتكمين إليه من اليهود بما أنزل الله إليه في القرآن؛ أعاد هنا الأمر للتأكيد، قال تعالى:
﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ

القراءات :

وأن احكم:
وقرئ:
1- بضم النون، اتباعا لحركة الكاف.
2- بكسرها، على أصل التقاء الساكنين.

مدارسة الآية : [50] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ ..

التفسير :

[50] أيريد هؤلاء اليهود أن تحكم بينهم بما تعارف عليه المشركون عبدةُ الأوثان من الضلالات والجهالات؟! لا يكون ذلك ولا يليق أبداً. ومَن أعدل مِن الله في حكمه لمن عقل عن الله شَرْعَه، وآمن به، وأيقن أن حكم الله هو الحق؟

{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ْ} أي:أفيطلبون بتوليهم وإعراضهم عنك حكم الجاهلية، وهو كل حكم خالف ما أنزل الله على رسوله. فلا ثم إلا حكم الله ورسوله أو حكم الجاهلية. فمن أعرض عن الأول ابتلي بالثاني المبني على الجهل والظلم والغي، ولهذا أضافه الله للجاهلية، وأما حكم الله تعالى فمبني على العلم، والعدل والقسط، والنور والهدى.{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ْ} فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين ويميز -بإيقانه- ما في حكم الله من الحسن والبهاء، وأنه يتعين -عقلا وشرعا- اتباعه. واليقين، هو العلم التام الموجب للعمل.

قال- تعالى- أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أى: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن. وعلم أنه- سبحانه- أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها؟ فإنه- تعالى- هو العالم بكل شيء، والقادر على كل شيء، والعادل في كل شيء.

روى الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض الناس إلى الله- تعالى- من يبتغى في الإسلام سنة الجاهلين ومن طلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه .

وإلى هنا نرى الآيات الكريمة قد كشفت «باستفاضة» عن المسالك الخبيثة التي سلكها اليهود وأشباههم لكيد الإسلام والمسلمين.

فأنت تراها في مطلعها قد نادت الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا النداء وأمرته بعدم المبالاة بما يصدر عن أولئك الذين يسارعون في الكفر من مكر وخداع ووصفهم بجملة من الصفات القبيحة التي تجعل كل عاقل ينفر من الاقتراب منهم، وخيرت الرسول صلى الله عليه وسلم بين الحكم بينهم أو الإعراض عنهم إذا ما تحاكموا إليه.

ووبخت اليهود على إعراضهم عن الأحكام العادلة التي أنزلها الله- تعالى- ووصفت المعرضين عن حكمه سبحانه بالكفر تارة وبالظلم تارة وبالفسق تارة أخرى.

وبعد أن مدحت التوراة والإنجيل، وبينت بعض ما اشتملا عليه من هدايات ... عقبت ذلك ببيان منزلة القرآن الكريم وأنه الكتاب الجامع في هدايته وفضله وتشريعاته لكل ما جاء في الكتب السابقة.

ثم ختمت بتكرير الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يلتزم في أحكامه بما أنزله الله، وبتحذيره وتحذير أتباعه من خداع أعدائهم ومكرهم، وتتوعد كل من يرغب عن حكم الله إلى حكم غيره، بسوء العاقبة، وشديد العذاب.

وبعد هذا الحديث المستفيض عن الكتب السماوية: وعن وجوب الحكم بما أنزل الله، وعن المسالك الخبيثة التي استعملها اليهود ومن على شاكلتهم لكيد الدعوة الإسلامية بعد كل ذلك وجه- سبحانه- نداء إلى المؤمنين حذرهم فيه من موالاة أعدائهم فقال- تعالى-:

وقوله : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم اليساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى ، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا ، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله [ صلى الله عليه وسلم ] فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ، قال الله تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) أي : يبتغون ويريدون ، وعن حكم الله يعدلون . ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) أي : ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه ، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين ، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، العادل في كل شيء .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هلال بن فياض حدثنا أبو عبيدة الناجي قال : سمعت الحسن يقول : من حكم بغير حكم الله ، فحكم الجاهلية [ هو ]

وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال : كان طاوس إذا سأله رجل : أفضل بين ولدي في النحل؟ قرأ : ( أفحكم الجاهلية يبغون [ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ] )

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الخوطي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" أبغض الناس إلى الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه" وروى البخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة.

القول في تأويل قوله عز ذكره : أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيبغي هؤلاء اليهود الذين احتكموا إليك، فلم يرضوا بحكمك، (40) إذ حكمت فيهم بالقسط (41) =" حكم الجاهلية "، يعني: أحكام عبَدة الأوثان من أهل الشرك، وعندهم كتاب الله فيه بيان حقيقة الحكم الذي حكمت به فيهم، وأنه الحق الذي لا يجوزُ خلافه.

ثم قال تعالى ذكره= موبِّخا لهؤلاء الذين أبوا قَبُول حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ولهم من اليهود، ومستجهلا فعلَهم ذلك منهم=: ومَنْ هذا الذي هو أحسن حكمًا، أيها اليهود، من الله تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانية الله، ويقرُّ بربوبيته؟ يقول تعالى ذكره: أيّ حكم أحسن من حكم الله، إن كنتم موقنين أن لكم ربًّا، وكنتم أهل توحيدٍ وإقرار به؟

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد.

12153 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " أفحكم الجاهلية يبغون "، قال: يهود.

12154 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " أفحكم الجاهلية يبغون "، يهود.

12155 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شيخ، عن مجاهد: " أفحكم الجاهلية يبغون "، قال: يهود.

* * *

---------------

الهوامش:

(40) انظر تفسير"بغى" و"ابتغى" فيما سلف 10: 290 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(41) في المطبوعة: "وقد حكمت" ، وفي المخطوطة: "أو حكمت" ، وصوابها ما أثبت.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[50] ذم التحاكم إلى أحكام أهل الجاهلية وأعرافهم.
وقفة
[50] أضيف لفظ (الجاهلية) في القرآن إلى أربع كلمات: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: 154]، ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الأحزاب: 33]، ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: 26]، فالأول يأتي من فساد النظم، والثاني من فساد التصورات والمشاعر، والثالث من فساد اللباس لدى المرأة، والرابع من العصبيات والموروثات الفاسدة.
وقفة
[50] ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ لكل زمن أحكامه الجاهلية, ولا تعرف البشرية في جاهليتها الحالية قانون ظلم أشد كفرًا من قانون (حق الفيتو)! الذي تمارسه الدول الكبرى, وهو زائل بحكم قانون العدل السماوي.
وقفة
[50] كان طاووس إذا سأله رجل: أفضل بين ولدي في النِّحَل (الهدايا)؟ قرأ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾.
وقفة
[50] ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا﴾ في تحكيم الشريعة خياران: إما الشريعة أو الجاهلية، ولا حلول وسط!
وقفة
[50] ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا﴾ ها هم يبحثون عن حلول الأرض لعقوبات السماء، لقد فشل هؤلاء في بناء نظام يحفظ هذا المال الذي يعبدونه، والذي هو منتهى نظرهم ومدار فكرهم، وتالله إنهم لفي بناء النظام الاجتماعي والتربوي والقانوني أفشل، وهو درس لمن طلب هدايته من الضالين، أو رأى مصلحته في غير شرع الحكيم الخبير.
وقفة
[50] كل حكم يخالف شريعة الله فهو من فصيلة أحكام الجاهلية ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا﴾.
وقفة
[50] حكم الله على كل حكم سوى حكمه وحكم رسوله بأنه جاهلية، فقال: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا﴾، كل أمر الجاهلية موضوع.
وقفة
[50] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ إن من فاته إدراك جمال وحسن إحكام الشريعة؛ إنما ذلك بسبب ما فات قلبه من اليقين، وبسبب ما زاحم اليقين في قلبه من الارتيابات والتردد.
وقفة
[50] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ إن قلتَ: لم خصَّ (الموقنين) بالذِّكر، مع أنَّ أحسنيَّةَ حكمِ اللَّهِ لا يختصُّ بهم؟ قلتُ: لأنهم أكثر انتفاعًا بذلك من غيرهم، كنظيره في قوله تعالى: ﴿إنَّمَا أنتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: 45].
عمل
[50] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[50] إذا لم يستحسن أحدٌ حكمًا من أحكام الله؛ فهذا دليل على ضعف يقينه بالله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ:
  • الألف ألف تعجيب واستنكار بلفظ استفهام.حكم: مفعول به مقدم لفعل محذوف يفسره ما بعده التقدير أيبغون.الجاهلية: مضاف اليه مجرور بالكسرة. يبغون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والفاء في «أَفَحُكْمَ» زائدة تزيينية.
  • ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أحسن: خبر «مَنْ» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بأحسن. حكما: تمييز منصوب بالفتحة. لقوم: جار ومجرور متعلق بحكما.
  • ﴿ يُوقِنُونَ:
  • الجملة: في محل جر صفة للموصوف «قوم» وتعرب إعراب «يَبْغُونَ». '

المتشابهات :

المائدة: 50﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
البقرة: 138﴿صِبْغَةَ اللَّـهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: مُرَّ على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيهودي مُحمَّماً مجلوداً. فدعاهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم. فقالأنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه). فأمر به فرجم. فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قولهإِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ). يقول: ائتوا محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالىوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) في الكفار كلها. 2 - أخرج أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: إن الله - عَزَّ وجلَّ - أنزلوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قال ابن عبَّاسٍ: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة، فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتلته الذليلةُ من العزيزة فديته مئة وسق. فكانوا على ذلك حتى قدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وذَلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه، وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وَسْقِ، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفَرَقاً منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك. فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، ثم ذكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا، وقهراً لهم، فَدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا) إلى قولهوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله - عَزَّ وَجَلَّ -. زاد أبو داود والنَّسَائِي ثم نزلتأَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ .. ) الآية. 3 - أخرج الترمذي عن زرارة بن أوفى يحدث عن عمران بن حصين أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقاليعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك) فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآيات الكريمات. وقد أورد جمهور المفسرين السببين الأول والثاني وأعرضوا عن الثالث فلم يذكروه.فأما السبب الأول في حكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم الزاني فقد تتابع على القول به جمهور المفسرين:قال الطبري في ذلك كلامًا كثيراً، خلاصتهأن اليهود إنما سألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك ليعلموا، فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكماً فيهم وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه) اهـ.وقال البغوي بعد أن ساق حديث الرجم وأتبعه بقصة قريظة والنضيروالأول أصح لأن الآية في الرجم) اهـ. وقال ابن العربيفى سبب نزولها فيه ثلاثة أقوال: إلى أن قال: الثالث: أنها نزلت في اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا له: إن رجلاً منا وامرأةً زنيا فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فذكر الحديث بطوله ثم فند القولين الأولين إلى أن قال: والصحيح ما رواه الجماعة عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله كلاهما في وصف القصة أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكموه فكان ما ذكرنا في الأمر) اهـ. وقال ابن عطية بعد أن ساق الأسباب المرويةوهذه النوازل كلها وقعت ووقع غيرها مما يضارعها ويحسن أن يكون سببها لفضيحة اليهود في تحريفهم الكلم وتمرسهم بالدين) اهـ. - ومراده أن سببها قضية الزنى والرجم لأن التحريف وقع فيها -.وقال القرطبيوقيل إنها نزلت في زنى اليهوديين وقصة الرجم وهذا أصح الأقوال) اهـ.وقال ابن كثيروالصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا) اهـ.وقال الشنقيطياعلم أولاً أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة فتعمدوا تحريف كتاب الله) اهـ.وقال ابن عاشوروسبب نزول هذه الآية وما أشارت إليه ما محصّله: أن اليهود اختلفوا في حد الزاني حين زنى فيهم رجل بامرأة من أهل خيبر أو أهل فدك) اهـ.فحجة من تقدم من العلماء على مذهبهم الأحاديث الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآثار السلف من الصحابة والتابعين الدالة على هذا. وأما السبب الثاني: فقد تقدم أن جمهور المفسرين قد أوردوه، واقتصروا على ذلك إلا ابن العربي، وابن كثير، فالأول قد ضعفه وستأتي حجته، والثاني ألمح إلى تقويته فقال بعد سياق السببينوقد يكون اجتمع السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلكوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى آخرها وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص والله سبحانه وتعالى أعلم) اهـ.وبعد نقل كلام العلماء المتقدم وما احتجوا به على أقوالهم أقول: أما حديث عمران بن حصين في قصة الرجل الذي عض يد أخيه فلا تصح أن تكون سبباً لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية: 1 - أن ذكر نزول الآية شاذ غير محفوظ وتبين تفصيل ذلك في دراسة الإسناد. 2 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك. أقول: إذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفى حقه في الدية فكيف يكون له قصاص ثم يقال فأنزل اللهوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). مع أن شأن القصاص أكبر من الدية، والله قال في نفس الآية (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) فيمنعه من الدية ويأذن له بالقصاص حسب دلالة هذا السبب، هذا من التناقض، وصدق الله القائلأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82). 3 - أن المفسرين أعرضوا عنه فلم يذكروه في موضعه مما يدل على عدم حجيته عندهم. 4 - أن الشنقيطي ذكر أن الآية نزلت في شأن اليهود بالإجماع، وإذا كانت كذلك فكيف يقال إنها نزلت في شأن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟أما السبب الثاني وهو أن الآية نزلت في شأن بني قريظة والنضير فالحق أنها تتفق مع السياق القرآني فقولهمفدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يُعطكم حذرتم فلم تحكموه) يوافق قوله تعالى: - (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وقوله تعالىيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) لا يخالف قوله في الحديث فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والمنافق هو الذي يؤمن بفيه دون قلبه لكن يعكر على هذا أن إسناد الحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد، وأيضاً هو معارَض بحديث البراء الثابت في الصحيح.وابن العربي ذكر علة ثالثة وهي أن بني قريظة اشتكت، والشكوى شيء غير التحكيم المنصوص عليه في سياق الآيات. قال ابن العربيوأما من قال: إنها نزلت في شأن قريظة والنضير وما شكوه من التفضيل بينهم فضعيف لأن الله تعالى أخبر أنه كان تحكيماً منهم للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا شكوى) اهـ.وعندي أن ما ذكره ليس بوجيه فقد جاء في الحديث: ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم. فهذا تحكيم لكن الحديث معلول بما تقدم.وأما قول ابن كثيرإن قولهوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ .. ) يقوي أن سبب النزول قضية القصاص) فلا ريب أن هذا حق لو كان إسناد الحديث صحيحاً. وحينئذ لا يبقى لدينا إلا حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في سبب نزول الآيات الكريمات، وقد اجتمع فيه أمور: 1 - صحة إسناده إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2 - موافقته للسياق القرآني. 3 - اتفاق المفسرين على اختياره والقول بمقتضاه. 4 - تصريحه بنزول الآيات الكريمة بسبب تلك القصة. وهذا ما لم يذكر في حديثي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - اللذَين ذكرهما ابن العربي في قضية زنى اليهوديين ورجمهما. * النتيجة: أن سبب نزول هذه الآيات حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في زنى اليهوديين، وحكم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهما بالرجم لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق الآيات، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     وبعد الأمر بتحكيم ما أنزل الله؛ أنكر اللهُ عز وجل هنا على اليهود لمَّا أعرضوا عن حكم الله، واختاروا عليه حكم الجاهلية، وهم أهل كتاب، قال تعالى:
﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ

القراءات :

أفحكم:
وقرئ:
1- بنصب الميم، مفعول «يبغون» ، وهى قراءة الجمهور.
2- برفع الميم، على الابتداء، وهى قراءة السلمى، وابن وثاب، وأبى رجاء، والأعرج.
3- بفتح الحاء والكاف والميم، وهى قراءة قتادة، والأعمش.
يبغون:
وقرئ:
1- بالياء، وهى قراءة الجمهور.
2- بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة ابن عامر.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف