ترتيب المصحف | 31 | ترتيب النزول | 57 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 4.00 |
عدد الآيات | 34 | عدد الأجزاء | 0.15 |
عدد الأحزاب | 0.33 | عدد الأرباع | 1.30 |
ترتيب الطول | 45 | تبدأ في الجزء | 21 |
تنتهي في الجزء | 21 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 17/29 | آلم: 5/6 |
بعدَ توبيخِ المُشركينَ تأتي مواعظُ لقمانَ الحكيمِ وهو يُوصِي ولدَه: 1) عدمُ الشِّركِ باللهِ، 2) بِرُّ الوالدين وطاعتُهما في غيرِ معصيةٍ.
قريبًا إن شاء الله
3) استشعارُ عَظَمَةِ اللهِ في إحاطةِ علمِه بكلِّ شيءٍ، 4، 5، 6، 7) إقامةُ الصلاةِ، والأمرُ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكرِ والصَّبرُ، 8) عدمُ الكبرِ والخيلاءِ، 9، 10) التَّوسطُ في المشي وخفضُ الصوتِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان، بالحكمة، وهي العلم [بالحق]على وجهه وحكمته، فهي العلم بالأحكام، ومعرفة ما فيها من الأسرار والإحكام، فقد يكون الإنسان عالما، ولا يكون حكيما.
وأما الحكمة، فهي مستلزمة للعلم، بل وللعمل، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع، والعمل الصالح.
ولما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة، أمره أن يشكره على ما أعطاه، ليبارك له فيه، وليزيده من فضله، وأخبره أن شكر الشاكرين، يعود نفعه عليهم، وأن من كفر فلم يشكر اللّه، عاد وبال ذلك عليه. والله غني [عنه]حميد فيما يقدره ويقضيه، على من خالف أمره، فغناه تعالى، من لوازم ذاته، وكونه حميدا في صفات كماله، حميدا في جميل صنعه، من لوازم ذاته، وكل واحد من الوصفين، صفة كمال، واجتماع أحدهما إلى الآخر، زيادة كمال إلى كمال.
واختلف المفسرون، هل كان لقمان نبيا، أو عبدا صالحا؟ واللّه تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة، وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه، فذكر أصول الحكمة وقواعدها الكبار.
قال ابن كثير- رحمه الله-: اختلف السلف في لقمان، هل كان نبيا أو عبدا صالحا من غير نبوة؟ والأكثرون على أنه لم يكن نبيا.
وعن ابن عباس وغيره: كان لقمان عبدا حبشيا نجارا..
قال له مولاه: اذبح لنا شاة وجئني بأخبث ما فيها؟ فذبحها وجاءه بلسانها وقلبها. ثم قال له مرة ثانية: اذبح لنا شاة وجئني بأحسن ما فيها؟ فذبحها وجاءه- أيضا- بقلبها ولسانها، فقال له مولاه ما هذا؟ فقال لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، وليس من شيء أخبث منهما إذا خبثا.
وقال له رجل: ألست عبد فلان؟ فما الذي بلغ بك ما أرى من الحكمة؟ فقال لقمان: قدر الله وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وتركي ما لا يعنيني .
ومن أقواله لابنه: يا بنى اتخذ تقوى الله لك تجارة، يأتك الربح من غير بضاعة.
يا بنى، لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار، وأنت نائم على فراشك.
يا بنى، اعتزل الشر كما يعتزلك، فإن الشر للشر خلق.
يا بنى، عليك بمجالس العلماء، وبسماع كلام الحكماء، فإن الله- تعالى- يحيى القلب الميت بنور الحكمة.
يا بنى، إنك منذ نزلت الدنيا استدبرتها، واستقبلت الآخرة، ودار أنت إليها تسير، أقرب من دار أنت عنها ترتحل.. .
وقال الآلوسى ما ملخصه: ولقمان: اسم أعجمى لا عربي وهو ابن باعوراء. قيل: كان في زمان داود- عليه السلام- وقيل: كان زمانه بين عيسى وبين محمد- عليهما الصلاة والسلام-.
ثم قال الآلوسى: وإنى أختار أنه كان رجلا صالحا حكيما، ولم يكن نبيا .
وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ... كلام مستأنف مسوق لإبطال الإشراك بالله- تعالى- عن طريق النقل، بعد بيان إبطاله عن طريق العقل، في قوله- سبحانه- قبل ذلك: هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ....
والحكمة: اكتساب العلم النافع والعمل به. أو هي: العقل والفهم. أو هي الإصابة في القول والعمل.
والمعنى: والله لقد أعطينا- بفضلنا وإحساننا- عبدنا لقمان العلم النافع والعمل به.
وقوله- سبحانه- أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ بيان لما يقتضيه إعطاء الحكمة. أى: آتيناه الحكمة وقلنا له أن اشكر لله على ما أعطاك من نعم لكي يزيدك منها.
قال الشوكانى: قوله: أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ أن هي المفسرة: لأن في إيتاء الحكمة معنى القول. وقيل التقدير: قلنا له أن اشكر لي.. وقيل: بأن اشكر لي فشكر، فكان حكيما بشكره.
والشكر لله: الثناء عليه في مقابلة النعمة- واستعمالها فيما خلقت له-، وطاعته فيما أمر به .
ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة الشكر وسوء عاقبة الجحود فقال: وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.
أى: ومن يشكر الله- تعالى- على نعمه، فإن نفع شكره إنما يعود إليه، ومن جحد نعم الله- تعالى- واستحب الكفر على الإيمان، فالله- تعالى- غنى عنه وعن غيره، حقيق بالحمد من سائر خلقه لإنعامه عليهم بالنعم التي لا تعد ولا تحصى: فحميد بمعنى محمود.
فالجملة الكريمة المقصود بها، بيان غنى الله- تعالى- عن خلقه، وعدم انتفاعه بطاعتهم، لأن منفعتها راجعة إليهم، وعدم تضرره بمعصيتهم. وإنما ضرر ذلك يعود عليهم.
وعبر- سبحانه- في جانب الشكر بالفعل المضارع، للإشارة إلى أن من شأن الشاكرين أنهم دائما على تذكر لنعم الله- تعالى-، وإذا ما غفلوا عن ذلك لفترة من الوقت، عادوا إلى طاعته- سبحانه- وشكره.
وعبر في جانب الكفر بالفعل الماضي، للإشعار بأنه لا يصح ولا ينبغي من أى عاقل، بل كل عاقل عليه أن يهجر ذلك هجرا تاما، وأن يجعله في خبر كان.
وجواب الشرط محذوف، وقد قام مقامه قوله- تعالى-: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ والتقدير: ومن كفر فضرر كفره راجع إليه. لأن الله- تعالى- غنى حميد.
اختلف السلف في لقمان ، عليه السلام : هل كان نبيا ، أو عبدا صالحا من غير نبوة ؟ على قولين ، الأكثرون على الثاني .
وقال سفيان الثوري ، عن الأشعث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا .
وقال قتادة ، عن عبد الله بن الزبير ، قلت لجابر بن عبد الله : ما انتهى إليكم من شأن لقمان ؟ قال : كان قصيرا أفطس من النوبة .
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب قال : كان لقمان من سودان مصر ، ذا مشافر ، أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة .
وقال الأوزاعي : رحمه الله ، حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله ، فقال له سعيد بن المسيب : لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان : بلال ، ومهجع مولى عمر بن الخطاب ، ولقمان الحكيم ، كان أسود نوبيا ذا مشافر .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن أبي الأشهب ، عن خالد الربعي قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا ، فقال له مولاه : اذبح لنا هذه الشاة . فذبحها ، فقال : أخرج أطيب مضغتين فيها . فأخرج اللسان والقلب ، فمكث ما شاء الله ثم قال : اذبح لنا هذه الشاة . فذبحها ، فقال : أخرج أخبث مضغتين فيها . فأخرج اللسان والقلب ، فقال له مولاه : أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما ، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما . فقال لقمان : إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا .
وقال شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : كان لقمان عبدا صالحا ، ولم يكن نبيا .
وقال الأعمش : قال مجاهد : كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين ، مشقق القدمين .
وقال حكام بن سلم ، عن سعيد الزبيدي ، عن مجاهد : كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا غليظ الشفتين ، مصفح القدمين ، قاضيا على بني إسرائيل .
وذكر غيره : أنه كان قاضيا على بني إسرائيل في زمن داود ، عليه السلام .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا الحكم حدثنا عمرو بن قيس قال : كان لقمان ، عليه السلام ، عبدا أسود غليظ الشفتين ، مصفح القدمين ، فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم ، فقال له : ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ، قال : نعم . فقال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، والصمت عما لا يعنيني .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر قال : إن الله رفع لقمان الحكيم بحكمته ، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك ، فقال له : ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس ؟ قال : بلى . قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قدر الله ، وأداء الأمانة ، وصدق الحديث ، وتركي ما لا يعنيني .
فهذه الآثار منها ما هو مصرح فيه بنفي كونه نبيا ، ومنها ما هو مشعر بذلك; لأن كونه عبدا قد مسه الرق ينافي كونه نبيا; لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها; ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا ، وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة - إن صح السند إليه ، فإنه رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم من حديث وكيع عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة فقال : كان لقمان نبيا . وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي ، وهو ضعيف ، والله أعلم .
وقال عبد الله بن وهب : أخبرني عبد الله بن عياش القتباني ، عن عمر مولى غفرة قال : وقف رجل على لقمان الحكيم فقال : أنت لقمان ، أنت عبد بني الحسحاس ؟ قال : نعم . قال : أنت راعي الغنم ؟ قال : نعم . قال : أنت الأسود ؟ قال : أما سوادي فظاهر ، فما الذي يعجبك من أمري ؟ قال : وطء الناس بساطك ، وغشيهم بابك ، ورضاهم بقولك . قال : يا بن أخي إن صغيت إلى ما أقول لك كنت كذلك . قال لقمان : غضي بصري ، وكفي لساني ، وعفة طعمتي ، وحفظي فرجي ، وقولي بصدق ، ووفائي بعهدي ، وتكرمتي ضيفي ، وحفظي جاري ، وتركي ما لا يعنيني ، فذاك الذي صيرني إلى ما ترى .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا عمرو بن واقد ، عن عبدة بن رباح ، عن ربيعة ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، أنه قال يوما - وذكر لقمان الحكيم - فقال : ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال ، ولا حسب ولا خصال ، ولكنه كان رجلا صمصامة سكيتا ، طويل التفكر ، عميق النظر ، لم ينم نهارا قط ، ولم يره أحد قط يبزق ولا يتنخع ، ولا يبول ولا يتغوط ، ولا يغتسل ، ولا يعبث ولا يضحك ، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد ، وكان قد تزوج وولد له أولاد ، فماتوا فلم يبك عليهم . وكان يغشى السلطان ، ويأتي الحكام ، لينظر ويتفكر ويعتبر ، فبذلك أوتي ما أوتي .
وقد ورد أثر غريب عن قتادة ، رواه ابن أبي حاتم ، فقال :
حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الوليد ، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة قال : خير الله لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة ، فاختار الحكمة على النبوة . قال : فأتاه جبريل وهو نائم فذر عليه الحكمة - أو : رش عليه الحكمة - قال : فأصبح ينطق بها .
قال سعيد : فسمعت عن قتادة يقول : قيل للقمان : كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك ؟ فقال : إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيه الفوز منه ، ولكنت أرجو أن أقوم بها ، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة ، فكانت الحكمة أحب إلي .
فهذا من رواية سعيد بن بشير ، وفيه ضعف قد تكلموا فيه بسببه ، فالله أعلم .
والذي رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، في قوله تعالى : ( ولقد آتينا لقمان الحكمة ) أي : الفقه في الإسلام ، ولم يكن نبيا ، ولم يوح إليه .
وقوله : ( ولقد آتينا لقمان الحكمة ) أي : الفهم والعلم والتعبير ، ( أن اشكر لله ) أي : أمرناه أن يشكر الله ، عز وجل ، على ما أتاه الله ومنحه ووهبه من الفضل ، الذي خصه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه .
ثم قال تعالى : ( ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ) أي : إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين لقوله تعالى : ( ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) [ الروم : 44 ] .
وقوله : ( ومن كفر فإن الله غني حميد ) أي : غني عن العباد ، لا يتضرر بذلك ، ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعا ، فإنه الغني عمن سواه; فلا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا لقمان الفقه في الدين والعقل والإصابة في القول.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمان الحِكْمَةَ) قال: الفقه والعقل والإصابة في القول من غير نبوّة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ) أي الفقه في الإسلام، قال قَتادة: ولم يكن نبيا، ولم يوح إليه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن مجاهد في قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ) قال: الحكمة: الصواب، وقال غير أبي بشر: الصواب في غير النبوّة.
حدثنا ابن المثنى، ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد &; 20-135 &; أنه قال: كان لقمان رجلا صالحا، ولم يكن نبيا.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي وابن حميد، قالا ثنا حكام، عن سعيد الزبيدي، عن مجاهد قال: كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، قاضيا على بني إسرائيل.
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: كان لقمان عبدا أسود، عظيم الشفتين، مشقَّق القدمين.
حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا خالد بن مخلد، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: ثني يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كان لقمان الحكيم أسود من سودان مصر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أشعث، عن عكرِمة، عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدا حبشيا.
حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا أبي، قال: ثنا الأوزاعي، قال: ثنا عبد الرحمن بن حرملة، قال: جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأل، فقال له سعيد: لا تحزن من أجل أنك أسود، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بِلال، ومهجِّع مولى عمر بن الخطاب، ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي الأشهب، عن خالد الربعي، قال: كان لقمان عبدا حبشيا نجارا، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها، قال: أخرج أطيب مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، ثم مكث ما شاء الله، ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها، فقال: أخرج أخبث مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما، فقال له لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثنا عمرو بن قيس، قال: كان لقمان عبدا أسود، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، فأتاه رجل، وهو في مجلس أناس يحدّثهم، فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقمانَ الحِكْمَةَ) قال: القرآن.
قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الحكمة: الأمانة.
وقال آخرون: كان نبيا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرِمة، قال: كان لقمان نبيا.
وقوله: (أنِ اشْكُرْ لِلهِ) يقول تعالى ذكره: (ولقد آتينا لقمان الحكمة)، أن احمد الله على ما آتاك من فضله، وجعل قوله: (أنِ اشكُرْ) ترجمة عن الحكمة؛ لأن من الحكمة التي كان أوتيها، كان شكره الله على ما آتَاهُ، وقوله: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) يقول: ومن يشكر الله على نعمه عنده فإنما يشكر لنفسه، لأن الله يجزل له على شكره إياه الثواب، وينقذه به من الهلكة (وَمَن كَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) يقول: ومن كفر نعمة الله عليه إلى نفسه أساء؛ لأن الله معاقبه على كفرانه إياه، والله غنيّ عن شكره إياه على نعمه، لا حاجة به إليه، لأن شكره إياه لا يزيد في سلطانه، ولا ينقص كفرانه إياه من ملكه. ويعني بقوله: (حَمِيدٌ) محمود على كلّ حال، له الحمد على نعمه، كفر العبد نعمته أو شكره عليها، وهو مصروف من مفعول إلى فعيل.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 97 | ﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ |
---|
لقمان: 12 | ﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ |
---|
النمل: 40 | ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} أو قال له قولا به يعظه بالأمر، والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له السبب في ذلك فقال:{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ووجه كونه عظيما، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة [من النعم]بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟؟!
وهل أعظم ظلما ممن خلقه اللّه لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة، [فجعلها في أخس المراتب]جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلما كبيرا.
ثم حكى- سبحانه- ما قاله لقمان لابنه على سبيل النصيحة والإرشاد فقال- تعالى-:
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ، يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
وقوله يَعِظُهُ من الوعظ، وهو الزجر المقترن بالتخويف. وقيل: هو التذكير بوجوه الخير بأسلوب يرق له القلب.
قالوا: واسم ابنه «ثاران» أو «ماثان» أى: واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتنتفع، وقت أن قال لقمان لابنه وهو يعظه، ويرشده إلى وجوه الخير بألطف عبارة: يا بنى لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ- تعالى- لا في عبادتك، ولا في قولك، ولا في عملك، بل أخلص كل ذلك لخالقك- عز وجل-.
وفي ندائه بلفظ يا بُنَيَّ إشفاق عليه. ومحبة له، فالمراد بالتصغير إظهار الحنو عليه، والحرص على منفعته.
قيل: وكان ابنه كافرا فما زال يعظه حتى أسلم. وقيل: بل كان مسلما، والنهى عن الشرك المقصود به، المداومة على ما هو عليه من إيمان وطاعة لله رب العالمين.
وجملة إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ تعليل للنهى. أى: يا بنى حذار أن تشرك بالله في قولك أو فعلك، إن الشرك بالله- تعالى- لظلم عظيم، لأنه وضع للأمور في غير موضعها الصحيح، وتسوية في العبادة بين الخالق والمخلوق.
يقول تعالى مخبرا عن وصية لقمان لولده - وهو : لقمان بن عنقاء بن سدون . واسم ابنه : ثاران في قول حكاه السهيلي . وقد ذكره [ الله ] تعالى بأحسن الذكر ، فإنه آتاه الحكمة ، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه ، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف; ولهذا أوصاه أولا بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا ، ثم قال محذرا له : ( إن الشرك لظلم عظيم ) أي : هو أعظم الظلم .
قال البخاري حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : لما نزلت : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) [ الأنعام : 82 ] ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس بذاك ، ألا تسمع إلى قول لقمان : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) .
ورواه مسلم من حديث الأعمش ، به .
ثم قرن بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين . كما قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] . وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) يقول: لخطأ من القول عظيم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يا بنى:
قرئ:
1- بسكون الياء، وهى قراءة البزي.
2- بفتحها، وهى قراءة حفص، والمفضل، عن عاصم.
التفسير :
ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} أي:عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه{ بِوَالِدَيْهِ} وقلنا له:{ اشْكُرْ لِي} بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي.{ وَلِوَالِدَيْكَ} بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما]وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.
فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن{ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي:سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك:هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟.
ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم، فقال:{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أي:مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة، من الوحم، والمرض، والضعف، والثقل، وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد.
ثم{ فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد، مع شدة الحب، أن يؤكد على ولده، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟
وقوله- تعالى-: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ.. كلام مستأنف، جيء به على سبيل الاعتراض في أثناء وصية لقمان لابنه، لبيان سمو منزلة الوالدين، ولأن القرآن كثيرا ما يقرن بين الأمر بوحدانية الله- تعالى-، والأمر بالإحسان إلى الوالدين.
ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.. .
وقوله- عز وجل-: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ، أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.. . أى: أمرنا كل إنسان أن يكون بارا بأبويه، وأن يحسن إليهما، وأن يطيع أمرهما في المعروف.
ثم بين- سبحانه- ما بذلته الأم من جهد يوجب الإحسان إليها فقال: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ أى: حملته أمه في بطنها وهي تزداد في كل يوم ضعفا على ضعف، بسب زيادة وزنه، وكبر حجمه، وتعرضها لألوان من التعب خلال حمله ووضعه.
والوهن: الضعف. يقال: وهن فلان يهن وهنا. إذا ضعف. ولفظ «وهنا» حال من أمه بتقدير مضاف. أى: حملته أمه ذات وهن، أو مصدر مؤكد لفعل هو الحال. أى: تهن وهنا.
وقوله: عَلى وَهْنٍ متعلق بمحذوف صفة للمصدر. أى: وهنا كائنا على وهن.
وقوله: وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ بيان لمدة إرضاعه. والفصال: الفطام عن الرضاع.
أى: وفطام المولود عن الرضاعة يتم بانقضاء عامين من ولادته، كما قال- تعالى-:
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ... .
وهاتان الجملتان حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ جاءتا بعد الوصية بالوالدين عموما، تأكيدا لحق الأم، وبيانا لما تبذله من جهد شاق في سبيل أولادها، تستحق من أجله كل رعاية وتكريم وإحسان.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فقوله: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ كيف اعترض به بين المفسر والمفسر؟
قلت: لما وصى بالوالدين: ذكر ما تكابده الأم وتعانيه من المشاق والمتاعب في حمله وفصاله هذه المدة المتطاولة، إيجابا للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكيرا بحقها العظيم مفردا، ومن ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن قال له: من أبر؟ قال: «أمك ثم أمك ثم أمك، ثم قال بعد ذلك: «ثم أباك» .
وقوله- سبحانه-: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ بيان لما تستلزمه الوصية بالوالدين أى: وصينا الإنسان بوالديه حسنا، وقلنا له: اشكر لخالقك فضله عليك، بأن تخلص له العبادة والطاعة، واشكر لوالديك ما تحملاه من أجلك من تعب، بأن تحسن إليهما، واعلم أن مصيرك إلى خالقك- عز وجل- وسيحاسبك على أعمالك، وسيجازيك عليها بما تستحقه من ثواب أو عقاب.
وقال هاهنا ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) . قال مجاهد : مشقة وهن الولد .
وقال قتادة : جهدا على جهد .
وقال عطاء الخراساني : ضعفا على ضعف .
وقوله : ( وفصاله في عامين ) أي : تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين ، كما قال تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ البقرة : 233 ] .
ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر; لأنه قال تعالى في الآية الأخرى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ الأحقاف : 15 ] .
وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارا ، ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه ، كما قال تعالى : ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) [ الإسراء : 24 ] ; ولهذا قال : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) أي : فإني سأجزيك على ذلك أوفر الجزاء .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ، ومحمود بن غيلان قالا حدثنا عبيد الله ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال : قدم علينا معاذ بن جبل ، وكان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إني [ رسول ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تطيعوني لا آلوكم خيرا ، وأن المصير إلى الله ، وإلى الجنة أو إلى النار ، إقامة فلا ظعن ، وخلود فلا موت .
القول في تأويل قوله تعالى : وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
يقول تعالى ذكره: وأمرنا الإنسان ببرّ والديه (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلى وَهْنٍ) يقول: ضعفا على ضعف، وشدّة على شدّة، ومنه قول زهير:
فَلَــنْ يَقُولُـوا بِحَـبْلٍ وَاهِـنٍ خَـلَقٍ
لَـوْ كـانَ قَـوْمُكَ فِـي أسْـبابِه هَلَكُوا (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا في المعني بذلك، فقال بعضهم: عنى به الحمل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ) يقول: شدّة بعد شدّة، وخلقا بعد خلق.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَهْنًا عَلى وَهْنٍ) يقول: ضعفا على ضعف.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلى وَهْنٍ) أي جهدا على جهد.
وقال آخرون: بل عنى به: وهن الولد وضعفه على ضعف الأمّ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَهْنًا عًلى وَهْنٍ) قال: وهن الولد على وهن الوالدة وضعفها.
وقوله: (وَفِصَالُهُ فِي عامَيْنِ) يقول: وفطامه في انقضاء عامين. وقيل: (وَفِصَالُهُ فِي عامَيْنِ) وترك ذكر انقضاء اكتفاء بدلالة الكلام عليه، كما قيل: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا يراد به أهل القرية.
وقوله: (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) يقول: وعهدنا إليه أن اشكر لي على نعمي عليك، ولوالديك تربيتهما إياك، وعلاجهما فيك ما عالجا من المشقة حتى استحكم قواك. وقوله: (إليَّ المَصِيرُ) يقول: إلى الله مصيرك أيها الإنسان، وهو سائلك عما كان من شكرك له على نعمه عليك، وعما كان من شكرك لوالديك، وبرّك بهما على ما لقيا منك من العناء والمشقة في حال طفوليتك وصباك، وما اصطنعا إليك في برّهما بك، وتحننهما عليك.
وذُكر أن هذه الآية نـزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه.
ذكر الرواية الواردة في ذلك:
حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، قال: حلفت أمّ سعد أن لا تأكل ولا تشرب، حتى يتحوّل سعد عن دينه، قال: فأبى عليها، فلم تزل كذلك حتى غشي عليها، قال: فأتاها بنوها فسقوها، قال: فلما أفاقت دعت الله عليه، فنـزلت هذه الآية (وَوَصَّيْنا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) إلى قوله: فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قالت أمّ سعد لسعد: أليس الله قد أمر بالبرّ، فوالله، لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصا، ثم أوجروها، فنـزلت هذه الآية (وَوَصَّيْنا الإنسانَ بِوَالِدَيْهِ).
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن سماك بن حرب، قال: قال سعد بن مالك: نـزلت فيّ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا قال: لما أسلمت، حلفت أمي لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا، قال: فناشدتها أوّل يوم، فأبت وصبرت، فلما كان اليوم الثاني ناشدتها، فأبت، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت: والله، لو كانت لك مئة نفس لخرجت قبل أن أدع ديني هذا، فلما رأت ذلك، وعرفت أني لست فاعلا أكلت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت أبا هبيرة يقول: قال: نـزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ... الآية.
--------------------
الهوامش :
(1) البيت لزهير بن أبي سلمى (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي ص 245). وقبل البيت بيت مرتبط به ارتباط السؤال بالجواب قال:
هَــلا سـأَلتَ بنـي الصَّيْـدَاءِ كُـلِّهِمِ
بِــأَيّ حَـبْلِ جِـوَارٍ كُـنْتُ أمْتَسِـكُ
ومعنى بيت الشاهد: هو حبل شديد محكم، فمن تمسك به نجا، وليس بحبل ضعيف، من تعلق بأسبابه هلك. قالوا: وكان الحارث بن ورقاء الصيداوي من بني أسد، أغار على بني عبد الله بن غطفان، فغنم، واستاق إبل زهير وراعيه يسارًا فخاطبه زهير بهذه القصيدة، وذكره بأنه كان في عهده وجواره، وأنه إن لم يرد عليه الإبل والراعي فإنه سيقول فيه من قصائد الهجو ما يفضحه في أحياء العرب. وقال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: (وهنًا على وهنٍ): أي ضعفًا إلى ضعفها. واستشهد بالبيت. ا هـ . وفيه الواهي بمعنى: الضعيف.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
العنكبوت: 8 | ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ |
---|
لقمان: 14 | ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ﴾ |
---|
الأحقاف: 15 | ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وهنا ... وهن:
1- بسكون الهاء، فيهما، وهى قراءة الجمهور.
وقرئا:
2- بفتح الهاء، فيهما، وهى قراءة عيسى الثقفي وأبى عمرو.
وفصاله:
وقرئ:
وفصله، ومعناه: الفطام، وهى قراءة الحسن، وأبى رجاء، وقتادة، والجحدري، ويعقوب.
التفسير :
{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ} أي:اجتهد والداك{ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما، لأن حق اللّه، مقدم على حق كل أحد، و "لا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق"
ولم يقل:"وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما"بل قال:{ فَلَا تُطِعْهُمَا} أي:بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه، ولهذا قال:{ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي:صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما.
{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} وهم المؤمنون باللّه، وملائكته وكتبه، ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه.
واتباع سبيلهم، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه، ثم يتبعها سعي البدن، فيما يرضي اللّه، ويقرب منه.
{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} الطائع والعاصي، والمنيب، وغيره{ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية.
ثم بين- سبحانه- حدود الطاعة للوالدين فقال: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما..
والجملة الكريمة معطوفة على قوله وَوَصَّيْنَا ... بإضمار القول. أى: ووصينا الإنسان بوالديه. وقلنا له: وَإِنْ جاهَداكَ أى: وإن حملاك عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي في العبادة أو الطاعة، ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما في ذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وجملة ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ لبيان الواقع، فلا مفهوم لها، إذ ليس هناك من إله يعلم سوى الله- عز وجل-.
ثم أمر- سبحانه- بمصاحبتهما بالمعروف حتى مع كفرهما فقال: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً.
أى: إن حملاك على الشرك. فلا تطعهما، ومع ذلك فصاحبهما في الأمور الدنيوية التي لا تتعلق بالدين مصاحبة كريمة حسنة، يرتضيها الشرع، وتقتضيها مكارم الأخلاق.
وقوله مَعْرُوفاً صفة لمصدر محذوف. أى: صحابا معروفا. أو منصوب بنزع الخافض. أى: بالمعروف.
ثم أرشد- سبحانه- إلى وجوب اتباع أهل الحق فقال: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ... أى: واتبع- أيها العاقل طريق الصالحين من عبادي، الذين رجعوا إلى بالتوبة والإنابة والطاعة والإخلاص.
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ جميعا يوم القيامة- أيها الناس- فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدنيا، وأجازى كل إنسان على حسب عمله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
قال القرطبي ما ملخصه: وهاتان الآيتان نزلتا في شأن سعد بن أبى وقاص لما أسلم، وأن أمه حلفت أن لا تأكل طعاما حتى تموت.. وفيهما دليل على صلة الأبوين الكافرين، بما أمكن من المال إن كانا فقيرين.. وقد قالت أسماء بنت أبى بكر الصديق، للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمت عليها خالتها وقيل: أمها من الرضاعة: يا رسول الله، إن أمى قدمت على وهي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم» وراغبة قيل معناه: عن الإسلام، أو راغبة في الصلة .
وقوله : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) أي : إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنعنك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا ، أي : محسنا إليهما ، ( واتبع سبيل من أناب إلي ) يعني : المؤمنين ، ( ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) .
قال الطبراني في كتاب العشرة : حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد ، حدثنا مسلمة بن علقمة ، عن داود بن أبي هند [ عن أبي عثمان النهدي ] : أن سعد بن مالك قال : أنزلت في هذه الآية : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) الآية ، وقال : كنت رجلا برا بأمي ، فلما أسلمت قالت : يا سعد ، ما هذا الذي أراك قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت ، فتعير بي ، فيقال : " يا قاتل أمه " . فقلت : لا تفعلي يا أمه ، فإني لا أدع ديني هذا لشيء . فمكثت يوما وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت ، فمكثت يوما [ آخر ] وليلة أخرى لا تأكل ، فأصبحت قد اشتد جهدها ، فلما رأيت ذلك قلت : يا أمه ، تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت ديني هذا لشيء ، فإن شئت فكلي ، وإن شئت لا تأكلي . فأكلت .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
يقول تعالى ذكره: وإن جاهدك أيها الإنسان، والداك على أن تشرك بي في عبادتك إياي معي غيري، مما لا تعلم أنه لي شريك، ولا شريك له تعالى ذكره علوّا كبيرا، فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك بي، (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفًا) يقول: وصاحبهما في الدنيا بالطاعة لهما فيما لا تبعة عليك فيه، فيما بينك وبين ربك ولا إثم.
وقوله: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أنابَ إليَّ) يقول: واسلك طريق من تاب من شركه، ورجع إلى الإسلام، واتبع محمدا صلى الله عليه وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إليَّ) أي: من أقبل إليّ.
وقوله: (إليَّ مَرْجِعُكُمْ فأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) فإن إليّ مصيركم ومعادكم بعد مماتكم، فأخبركم بجميع ما كنتم في الدنيا تعملون من خير وشرّ، ثم أجازيكم على أعمالكم، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته.
فإن قال لنا قائل: ما وجه اعتراض هذا الكلام بين الخبر عن وصيتي لقمان ابنه؟ قيل: ذلك أيضا وإن كان خبرا من الله تعالى ذكره عن وصيته عباده به، وأنه إنما أوصى به لقمان ابنه، فكان معنى الكلام: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ولا تطع في الشرك به والديك (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفا) فإن الله وصّى بهما، فاستؤنف الكلام على وجه الخبر من الله، وفيه هذا المعنى، فذلك وجه اعتراض ذلك بين الخبرين عن وصيته.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
العنكبوت: 8 | ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ |
---|
لقمان: 15 | ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} التي هي أصغر الأشياء وأحقرها،{ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} أي في وسطها{ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ} في أي جهة من جهاتهما{ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} لسعة علمه، وتمام خبرته وكمال قدرته، ولهذا قال:{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} أي:لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار.
والمقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ.
ثم ذكر- سبحانه- بقية الوصايا التي أوصى بها لقمان ابنه فقال: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، أَوْ فِي السَّماواتِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ، يَأْتِ بِهَا اللَّهُ..
والضمير في قوله: إِنَّها يعود إلى الفعلة التي يفعلها من خير أو شر. وتَكُ مجزوم بسكون النون المحذوفة، وهو فعل الشرط. والجواب: «يأت بها الله» والمثقال: أقل ما يوزن به الشيء. والخردل: في غاية الصغر والدقة.
والمعنى: يا بنى إن ما تفعله من حسنة أو سيئة، سواء أكان في نهاية القلة والصغر، كمثال حبة من خردل، أم كان هذا الشيء القليل مخبوءا في صخرة من الصخور الملقاة في فجاج الأرض، أم كان في السموات أم في الأرض، فإن الله- تعالى- يعلمه ويحضره ويجازى عليه إِنَّ اللَّهَ- تعالى- لطيف خبير أى: محيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها، عظيمها وصغيرها.
فالمقصود من الآية الكريمة، غرس الهيبة والخشية والمراقبة لله- تعالى: لأنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء في هذا الكون، مهما دق وقل وتخفى في أعماق الأرض أو السماء.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ .
هذه وصايا نافعة قد حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم ; ليمتثلها الناس ويقتدوا بها ، فقال : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ) أي : إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة [ من ] خردل . وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله : ( إنها ) ضمير الشأن والقصة . وجوز على هذا رفع ) مثقال ) والأول أولى .
وقوله : ( يأت بها الله ) أي : أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . كما قال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء : 47 ] ، وقال تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 7 ، 8 ] ، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء ، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السماوات أو الأرض فإن الله يأتي بها; لأنه لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض; ولهذا قال : ( إن الله لطيف خبير ) أي : لطيف العلم ، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت ) خبير ) بدبيب النمل في الليل البهيم .
وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله : ( فتكن في صخرة ) أنها صخرة تحت الأرضين السبع ، ذكره السدي بإسناده ذلك المطروق عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة إن صح ذلك ، ويروى هذا عن عطية العوفي ، وأبي مالك ، والثوري ، والمنهال بن عمرو ، وغيرهم . وهذا والله أعلم ، كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق ، ولا تكذب ، والظاهر - والله أعلم - أن المراد : أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة ، فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ، ليس لها باب ولا كوة ، لخرج عمله للناس كائنا ما كان " .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
اختلف أهل العربية في معنى الهاء والألف اللتين في قوله: (إنَّها) فقال بعض نحويي البصرة: ذلك كناية عن المعصية والخطيئة. ومعنى الكلام عنده: يا بنيّ، إن المعصية إن تك مثقال حبة من خردل، أو إن الخطيئة. وقال بعض نحويي الكوفة: وهذه الهاء عماد. وقال: أنَّث تك، لأنه يراد بها الحبة، فذهب بالتأنيث إليها، كما قال الشاعر:
وَتَشْـرَقُ بـالقَوْلِ الَّـذِي قَـدْ أذَعْتَـهُ
كمَـا شَـرِقَتْ صَـدْرُ القَنـاةِ مِنَ الدَّمِ (2)
وقال صاحب هذه المقالة: يجوز نصب المثقال ورفعه، قال: فمن رفع رفعه (بتَكُ)، واحتملت النكرة أن لا يكون لها فعل في كان وليس وأخواتها، ومن نصب جعل في تكن اسما مضمرا مجهولا مثل الهاء التي في قوله: (إنَّها إن تَكُ) : ومثله قوله: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ قال: ولو كان (إن يك مثقال حبة) كان صوابا، وجاز فيه الوجهان. وأما صاحب المقالة الأولى، فإن نصب مثقال في قوله، على أنه خبر، وتمام كان، وقال: رفع بعضهم فجعلها كان التي لا تحتاج إلى خبر.
وأولى القولين بالصواب عندي، القول الثاني؛ لأن الله تعالى ذكره لم يعد عباده أن يوفيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم، فيقال: إن المعصية إن تك مثقال حبة من خردل يأت الله بها، بل وعد كلا العاملين أن يوفيه جزاء أعمالهما. فإذا كان ذلك كذلك، كانت الهاء في قوله: (إنَّها) بأن تكون عمادا أشبه منها بأن تكون كناية عن الخطيئة والمعصية. وأما النصب في المثقال، فعلى أن في " تَكُ" مجهولا والرفع فيه على أن الخبر مضمر، كأنه قيل: إن تك في موضع مثقال حبة؛ لأن النكرات تضمر أخبارها، ثم يترجم عن المكان الذي فيه مثقال الحبة.
وعنى بقوله: (مِثْقالَ حَبَّةٍ) : زنة حبة. فتأويل الكلام إذن: إن الأمر إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شرّ عملته، فتكن في صخرة، أو في السموات، أو في الأرض، يأت بها الله يوم القيامة، حتى يوفيك جزاءه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ) من خير أو شرّ.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ) فقال بعضهم: عنى بها الصخرة التي عليها الأرض، وذلك قول رُوي عن ابن عباس وغيره، وقالوا: هي صخرة خضراء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، قال: الصخرة خضراء على ظهر حوت.
حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة، عن عبد الله، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: خلق الله الأرض على حوت، والحوت هو النون الذي ذكر الله في القرآن ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء، ولا في الأرض.
وقال آخرون: عنى بها الجبال، قالوا: ومعنى الكلام: فتكن في جبل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة في قوله: (فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ) أي: جبل.
وقوله: (يَأْتِ بِهَا اللهُ) كان بعضهم يوجه معناه إلى: يعلمه الله، ولا أعرف يأتي به بمعنى: يعلمه، إلا أن يكون قائل ذلك أراد أن لقمان إنما وصف الله بذلك؛ لأن الله يعلم أماكنه، لا يخفى عليه مكان شيء منه فيكون وجها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى، قالا ثنا أبو سفيان، عن السدي، عن أبي مالك (فَتَكُن فِي صخْرَةٍ أوْ فِي السَّمَاوَاتِ أوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِها اللهُ) قال: يعلمها الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، مثله.
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) يقول: إن الله لطيف باستخراج الحبة من موضعها حيث كانت خبير بموضعها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) أي: لطيف باستخراجها، خبير بمستقرّها.
---------------------
الهوامش :
(2) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعة القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ص 123) وهو من قصيدة يهجو بها عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، حين جمع بينه وبين جهنام الشاعر، ليهاجيه. ورقم البيت (34) ومعنى تشرق: تغص، وصدر القناة: أعلاها. والقناة: الرمح. ا هـ . وفي "فرائد القلائد، شرح مختصر الشواهد" للعيني. قال: والشاهد في شرقت حيث أنث، مع أن فاعله مذكر، وهو الصدر، والقياس: شرق. ولكن لما كان الصدر الذي هو مضاف، بعض المضاف إليه، أعطى له حكمه. ا هـ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنبياء: 47 | ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ |
---|
لقمان: 16 | ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يا بنى:
قرئ:
1- بكسر الياء، وهى قراءة البزي.
2- بفتحها، وهى قراءة حفص، والمفضل عن عاصم.
3- بكسرها، وهى قراءة باقى السبعة.
مثقال:
وقرئ:
بالرفع، على أن «كان» تامة، وهى قراءة نافع، والأعرج، وأبى جعفر.
فتكن:
وقرئ:
1- بكسر الكاف وشد النون وفتحها، وهى قراءة عبد الكريم الجزري.
2- بضم التاء وفتح الكاف والنون مشددة، وهى قراءة محمد البعلبكي.
3- بفتح التاء وكسر الكاف وسكون النون، من «وكن» ، وهى قراءة قتادة.
التفسير :
{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} حثه عليها، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية،{ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه.
والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق، والصبر، وقد صرح به في قوله:{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} ومن كونه فاعلا لما يأمر به، كافًّا لما ينهى عنه، فتضمن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه.
ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال:{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ} الذي وعظ به لقمان ابنه{ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي:من الأمور التي يعزم عليها، ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم.
ثم أمره بالمحافظة على الصلاة وبالأمر بالمعروف، وبالنهى عن المنكر وبالصبر على الأذى، فقال: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ أى: واظب على أدائها في أوقاتها بخشوع وإخلاص لله رب العالمين.
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ أى بكل ما حض الشرع على قوله أو فعله وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ أى: عن كل ما نهى الشرع عن قوله أو فعله.
وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ من الأذى، فإن الحياة مليئة بالشدائد والمحن والراحة إنما هي في الجنة فقط.
واسم الإشارة في قوله: إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ يعود إلى الطاعات المذكورة قبله.
وعزم الأمور: أعاليها ومكارمها. أو المراد بها ما أوجبه الله- تعالى- على الإنسان.
قال صاحب الكشاف: إِنَّ ذلِكَ مما عزمه الله من الأمور، أى: قطعه قطع إيجاب وإلزام.. ومنه الحديث: «إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه» ومنه عزمات الملوك، وذلك أن يقول الملك لبعض من تحت يده، عزمت عليك إلا فعلت كذا. فإذا قال ذلك لم يكن للمعزوم عليه بد من فعله، ولا مندوحة في تركه.
وناهيك بهذه الآية مؤذنة بقدم هذه الطاعات، وأنها كانت مأمورا بها في سائر الأمم، وأن الصلاة لم تزل عظيمة الشأن، سابقة القدم على ما سواها .
م قال : ( يا بني أقم الصلاة ) أي : بحدودها وفروضها وأوقاتها ، ( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ) أي : بحسب طاقتك وجهدك ، ( واصبر على ما أصابك ) ، علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، لا بد أن يناله من الناس أذى ، فأمره بالصبر .
وقوله : ( إن ذلك من عزم الأمور ) أي : إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17)
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل لقمان لابنه (يا بُنَيَّ أقِمِ الصَّلاةَ) بحدودها(وأمُرْ بالمعْرُوفِ) يقول: وأمر الناس بطاعة الله، واتباع أمره (وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ) يقول: وانه الناس عن معاصي الله ومواقعة محارمه (وَاصْبِرْ عَلى ما أصَابَكَ) يقول: واصبر على ما أصابك من الناس في ذات الله، إذا أنت أمرتهم بالمعروف، ونهيتهم عن المنكر، ولا يصدّنك عن ذلك ما نالك منهم (إنَّ ذلكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) يقول: إن ذلك مما أمر الله به من الأمور عزما منه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني حجاج، عن ابن جُرَيج في قوله: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ) قال: اصبر على ما أصابك من الأذى في ذلك ( إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ ) قال: إن ذلك مما عزم الله عليه من الأمور، يقول: مما أمر الله به من الأمور.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 186 | ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَـ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ |
---|
لقمان: 17 | ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ |
---|
الشورى: 43 | ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يا بنى:
قرئ:
1- بفتح الياء، وهى قراءة البزي، وحفص، والمفضل عن عاصم.
2- بسكونها.
3- بكسرها، وهى قراءة باقى السبعة.
التفسير :
{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} أي:لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك الناس، تكبُّرًا عليهم، وتعاظما.
{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أي:بطرا، فخرا بالنعم، ناسيا المنعم، معجبا بنفسك.{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ}في نفسه وهيئته وتعاظمه{ فَخُور} بقوله.
ثم نهاه عن التكبر والغرور والتعالي على الناس فقال: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ...
والصعر في الأصل: مرض يصيب البعير فيجعله معوج العنق، والمراد به هنا، التكبر واحتقار الناس، ومنه قول الشاعر:
وكنا إذا الجبّار صعر خده ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
أى: ولا تمل صفحة وجهك عن الناس، ولا تتعالى عليهم كما يفعل المتكبرون والمغرورون، بل كن هينا لينا متواضعا، كما هو شأن العقلاء..
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أى: ولا تمش في الأرض مشية المختالين المعجبين بأنفسهم. ومَرَحاً مصدر وقع موقع الحال على سبيل المبالغة، أو هو مفعول مطلق لفعل محذوف. أى: تمرح مرحا. والجملة في موضع الحال. أو مفعول لأجله. أى: من أجل المرح.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ تعليل للنهى. والمختال: المتكبر الذي يختال في مشيته، ومنه قولهم: فلان يمشى الخيلاء. أى يمشى مشية المغرور المعجب بنفسه.
والفخور: المتباهى على الناس بماله أو جاهه أو منصبه.. يقال فخر فلان- كمنع- فهو فاخر وفخور، إذا تفاخر بما عنده على الناس، على سبيل التطاول عليهم، والتنقيص من شأنهم.
أى: إن الله- تعالى- لا يحب من كان متكبرا على الناس، متفاخرا بماله أو جاهه.
وقوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك ، احتقارا منك لهم ، واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك ، وابسط وجهك إليهم ، كما جاء في الحديث : " ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة ، والمخيلة لا يحبها الله " .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : لا تتكبر فتحقر عباد الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك . وكذا روى العوفي وعكرمة عنه .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ولا تصعر خدك للناس ) : لا تكلم وأنت معرض . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، ويزيد بن الأصم ، وأبي الجوزاء ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وابن يزيد ، وغيرهم .
وقال إبراهيم النخعي : يعني بذلك التشديق في الكلام .
والصواب القول الأول .
قال ابن جرير : وأصل الصعر : داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها ، حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها ، فشبه به الرجل المتكبر ، ومنه قول عمرو بن حنى التغلبي :
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
وقال أبو طالب في شعره :
وكنا قديما لا نقر ظلامة إذا ما ثنوا صعر الرؤوس نقيمها
وقوله : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) أي : جذلا متكبرا جبارا عنيدا ، لا تفعل ذلك يبغضك الله; ولهذا قال : ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) أي : مختال معجب في نفسه ، فخور أي على غيره ، وقال تعالى : ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) [ الإسراء : 37 ] ، وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، حدثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس بن شماس قال : ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدد فيه ، فقال : " إن الله لا يحب كل مختال فخور " . فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها ، ويعجبني شراك نعلي ، وعلاقة سوطي ، فقال : " ليس ذلك الكبر ، إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمط الناس " .
ورواه من طريق أخرى بمثله ، وفيه قصة طويلة ، ومقتل ثابت ووصيته بعد موته .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَلا تُصَعِّرْ) فقرأه بعض قرّاء الكوفة والمدنيين والكوفيين: (وَلا تُصَعِّرْ) على مثال (تُفَعِّل). وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة (وَلا تُصَاعِرْ) على مثال (تُفَاعِل).
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرا واستحقارا لمن تكلمه، وأصل (الصعر) داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رءوسها حتى تلفت أعناقها عن رءوسها، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس، ومنه قول عمرو بن حُنَيٍّ التَّغلبيّ:
وكُنَّــا إذَا الجَبَّــارُ صَعَّــرَ خَـدَّهُ
أقَمْنــا لَــهُ مِــنْ مَيْلِـهِ فَتَقوَّمـا (3)
واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) يقول: ولا تتكبر؛ فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تُصَعِّرْ) قال: الصدود والإعراض بالوجه عن الناس.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر بن برقان، عن يزيد في هذه الآية (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: إذا كلمك الإنسان لويت وجهك، وأعرضت عنه محقرة له.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا خالد بن حيان الرقي، عن جعفر بن ميمون بن مهران، قال: هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه.
حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثنا أبو مكين، عن عكرِمة في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: لا تُعْرض بوجهك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) يقول: لا تعرض عن الناس، يقول: أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: تصعير الخدّ: التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي مكين، عن عكرمة، قال: الإعراض.
وقال آخرون: إنما نهاه عن ذلك أن يفعله لمن بينه وبينه صعر، لا على وجه التكبر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة، فيراه فيعرض عنه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: هو الرجل بينه وبين أخيه حنة فيعرض عنه.
وقال آخرون: هو التشديق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن جعفر الرازي، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: هو التشديق.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: هو التشديق أو التشدّق " الطبري يشكُّ".
حدثنا يحيى بن طلحة، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، بمثله.
وقوله: (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا) يقول: ولا تمش في الأرض مختالا.
كما حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا) يقول: بالخيلاء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ ولا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا إنَّ اللهَ لا يُحبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) قال: نهاه عن التكبر، قوله: (إنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) متكبر ذي فخر.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) قال: متكبر. وقوله: (فخور) قال: يعدّد ما أعطى الله، وهو لا يشكر الله.
---------------------
الهوامش :
(3) البيت لعمرو بن حني (بالنون) التغلبي (معجم الشعراء للمرزباني ص 206 - 207) وهو فارس جاهلي مذكور، يقول في قتلهم عمرو بن هند، على رواية محمد بن داود:
نُعَـاطِي المُلُـوكَ الحَـقَّ مَا قَصَدُوا بِنَا
وَلَيْسَ عَلَيْنَـــا قَتْلُهُـــمْ بِمُحَــرَّمِ
أنِفْـتُ لَهُـمْ مِـنْ عَقْلِ عَمْرِو بنِ مَرْثَدٍ
إذَا وَرَدُوا مَــاءً وَرُمْـح بـنِ هَـرْثَمِ
وَكُنَّــا إذَا الجَبَّــارُ صَعَّــرَ خَـدَّهُ
أقَمْنَــا لَــهُ مِــنْ مَيْلِــهِ فَتَقَـوَّمِ
قال: يريد: فتقوم أنت. وهذا البيت يروى من قصيدة المتلمس التي أولها:
يُعَـيِّرُنِي أُمِّـي رِجَـالٌ وَلَـنْ تَـرَى
أخــا كــرمٍ إلا بِــأنْ يَتَكَرمَّــا
وبعده البيت، وآخره: "أقمنا لــه مــن ميلــه فتقومـا"
وغيره يروون هذه الأبيات لجابر بن حني التغلبي. وقال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: (ولا تصعر خدك للناس): مجازه: لا تقلب وجهك، ولا تعرض بوجهك في ناحية، من الكبر؛ ومنه الصعر الذي يأخذ الإبل في رءوسها، حتى يلفت أعناقها عن رءوسها. وقال عمرو بن حني التغلبي: "وكنا ... فتقوما". ونسب البيت في (اللسان: صعر) للمتلمس جرير بن عبد المسيح. قال: الصعر: ميل في الوجه. وقيل: الصعر: ميل في الخد خاصة. وربما كان خلقة في الإنسان والظليم. وقيل: هو ميل في العنق، وانقلاب في الوجه إلى حد الشقين. وقد صعر خده وصاعره: أماله من الكبر، قال المتلمس "وكنا ... فتقوما". يقول: إذا أمال متكبر خده أذللناه حتى يتقوم ميله. ا هـ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الإسراء: 37 | ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾ |
---|
لقمان: 18 | ﴿وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تصعر:
1- بفتح الصاد وشد العين، وهى قراءة ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وزيد بن على.
وقرئ:
2- تصعر، مضارع «أصعر» ، وهى قراءة الجحدري.
3- تصاعر، بألف، وهى قراءة باقى السبعة.
التفسير :
{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي:امش متواضعا مستكينا، لا مَشْيَ البطر والتكبر، ولا مشي التماوت.
{ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أدبا مع الناس ومع اللّه،{ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} أي أفظعها وأبشعها{ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار، الذي قد علمت خسته وبلادته.
وهذه الوصايا، التي وصى بها لقمان لابنه، تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمرا، وإلى تركها إن كانت نهيا.
وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة، أنها العلم بالأحكام، وحِكَمِها ومناسباتها، فأمره بأصل الدين، وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له الموجب لتركه، وأمره ببر الوالدين، وبين له السبب الموجب لبرهما، وأمره بشكره وشكرهما، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما، ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقهما، بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة اللّه، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر، إلا أتى بها.
ونهاه عن التكبر، وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر، والمرح، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك.
وأمره بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر، كما قال تعالى:فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا، أن يكون مخصوصا بالحكمة، مشهورا بها. ولهذا من منة اللّه عليه وعلى سائر عباده، أن قص عليهم من حكمته، ما يكون لهم به أسوة حسنة.
ثم أمر بالقصد والاعتدال في كل أموره فقال: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أى وكن معتدلا في مشيك، بحيث لا تبطئ ولا تسرع. من القصد وهو التوسط في الأمور.
وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ واخفض من صوتك فلا ترفعه إلا إذا استدعى الأمر رفعه، فإن غض الصوت عند المحادثة فيه أدب وثقة بالنفس، واطمئنان إلى صدق الحديث واستقامته.
وكان أهل الجاهلية يتفاخرون بجهارة الصوت وارتفاعه، فنهى المؤمنون عن ذلك، ومدح- سبحانه- الذين يخفضون أصواتهم في مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ.
وقوله- تعالى- إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ تعليل للأمر بخفض الصوت، وللنهى عن رفعه بدون موجب.
أى: إن أقبح الأصوات وأبشعها لهو صوت الحمير، فالجملة الكريمة حض على غض الصوت بأبلغ وجه وآكده، حيث شبه- سبحانه- الرافعين لأصواتهم في غير حاجة إلى ذلك، بأصوات الحمير التي هي مثار السخرية مع النفور منها.
وهكذا نجد أن لقمان قد أوصى ابنه بجملة من الوصايا السامية النافعة، فقد أمره- أولا- بإخلاص العبادة لله- تعالى- ثم غرس في قلبه الخوف من الله- عز وجل-، ثم حضه على إقامة الصلاة، وعلى الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وعلى الصبر على الأذى، ثم نهاه عن الغرور والتكبر والافتخار، وعن رفع الصوت بدون مقتض لذلك.
وبتنفيذ هذه الوصايا، يسعد الأفراد، وترقى المجتمعات.
وقوله : ( واقصد في مشيك ) أي : امش مشيا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط ، ولا بالسريع المفرط ، بل عدلا وسطا بين بين .
وقوله : ( واغضض من صوتك ) أي : لا تبالغ في الكلام ، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه; ولهذا قال تعالى : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) قال مجاهد وغير واحد : إن أقبح الأصوات لصوت الحمير ، أي : غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى . وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه " .
وقال النسائي عند تفسير هذه الآية : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ] قال : " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله ، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنها رأت شيطانا " .
وقد أخرجه بقية الجماعة سوى ابن ماجه ، من طرق ، عن جعفر بن ربيعة به ، وفي بعض الألفاظ : " بالليل " ، فالله أعلم .
فهذه وصايا نافعة جدا ، وهي من قصص القرآن العظيم عن لقمان الحكيم . وقد روي عنه من الحكم والمواعظ أشياء كثيرة ، فلنذكر منها أنموذجا ودستورا إلى ذلك .
قال الإمام أحمد : حدثنا ابن إسحاق ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا سفيان ، أخبرني نهشل بن مجمع الضبي عن قزعة ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لقمان الحكيم كان يقول : إن الله إذا استودع شيئا حفظه " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن موسى بن سليمان ، عن القاسم [ بن مخيمرة يحدث عن أبي موسى الأشعري ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني ، إياك والتقنع فإنه مخوفة بالليل ، مذمة بالنهار " .
وقال : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن عثمان ، عن ضمرة ، حدثنا السري بن يحيى قال : قال لقمان لابنه : يا بني ، إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك .
وقال : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، أخبرنا ابن المبارك ، حدثنا عبد الرحمن المسعودي ، عن عون بن عبد الله قال : قال لقمان لابنه : يا بني ، إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام - يعني السلام - ثم اجلس في ناحيتهم ، فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا ، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك معهم ، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم .
وحدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، حدثنا ضمرة ، عن حفص بن عمر ، رضي الله عنه ، قال : وضع لقمان جرابا من خردل إلى جانبه ، وجعل يعظ ابنه وعظة ويخرج خردلة ، حتى نفذ الخردل ، فقال : يا بني ، لقد وعظتك موعظة لو وعظها جبل لتفطر . قال : فتفطر ابنه .
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الباقي المصيصي ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الحراني ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي ، حدثنا أبين بن سفيان المقدسي ، عن خليفة بن سلام ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة : لقمان الحكيم ، والنجاشي ، وبلال المؤذن " .
قال أبو القاسم الطبراني : أراد الحبش .
فصل في الخمول والتواضع
وذلك متعلق بوصية لقمان ، عليه السلام ، لابنه ، وقد جمع في ذلك الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا كتابا مفردا [ و ] نحن ، نذكر منه مقاصده ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا عبد الله بن موسى المدني ، عن أسامة بن زيد ، عن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " رب أشعث ذي طمرين يصفح عن أبواب الناس ، إذا أقسم على الله لأبره " .
ثم رواه من حديث جعفر بن سليمان ، عن ثابت وعلي بن زيد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، وزاد منهم البراء بن مالك .
[ وروي أيضا عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طوبى للأتقياء الأثرياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفتقدوا ، أولئك مصابيح مجردون من كل فتنة غبراء مشينة " ] . وقال أبو بكر بن سهل التميمي : حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا نافع بن يزيد ، عن عياش بن عباس ، عن عيسى بن عبد الرحمن ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، رضي الله عنه ، أنه دخل المسجد فإذا هو بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : ما يبكيك يا معاذ ؟ قال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعته يقول : " إن اليسير من الرياء شرك ، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأثرياء ، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ، وإذا حضروا لم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ، ينجون من كل غبراء مظلمة " .
حدثنا الوليد بن شجاع ، حدثنا عثام بن علي ، عن حميد بن عطاء الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رب ذي طمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره ، لو قال : اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الجنة ، ولم يعطه من الدنيا شيئا " .
وقال أيضا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أمتي من لو أتى باب أحدكم يسأله دينارا أو درهما أو فلسا لم يعطه ، ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها ، ولو سأله الدنيا لم يعطه إياها ، ولم يمنعها إياه لهوانه عليه ، ذو طمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره " .
وهذا مرسل من هذا الوجه .
وقال أيضا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جعفر بن سليمان ، حدثنا عوف قال : قال أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من ملوك الجنة من هو أشعث أغبر ذو طمرين لا يؤبه له ، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم ، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا ، وإذا قالوا لم ينصت لهم ، حوائج أحدهم تتجلجل في صدره ، لو قسم نوره يوم القيامة بين الناس لوسعهم " . قال : وأنشدني عمر بن شبة ، عن ابن عائشة قال : قال عبد الله بن المبارك :
ألا رب ذي طمرين في منزل غدا زرابيه مبثوثة ونمارقه قد اطردت أنهاره حول قصره
وأشرق والتفت عليه حدائقه
وروي - أيضا - من حديث عبيد الله بن زحر ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة مرفوعا : " قال الله : من أغبط أوليائي عندي : مؤمن خفيف الحاذ ، ذو حظ من صلاة ، أحسن عبادة ربه ، وأطاعه في السر ، وكان غامضا في الناس ، لا يشار إليه بالأصابع . إن صبر على ذلك " . قال : ثم نقد رسول الله بيده وقال : " عجلت منيته ، وقل تراثه ، وقلت بواكيه " .
وعن عبد الله بن عمرو قال : أحب عباد الله إلى الله الغرباء . قيل : ومن الغرباء ؟ قال : الفرارون بدينهم ، يجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم .
وقال الفضيل بن عياض : بلغني أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أنعم عليك ؟ ألم أعطك ؟ ألم أسترك ؟ ألم . . ؟ ألم . . ؟ ألم أخمل ذكرك ؟ ثم قال الفضيل : إن استطعت ألا تعرف فافعل ، وما عليك ألا يثنى عليك ، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس محمودا عند الله .
وكان ابن محيريز يقول : اللهم إني أسألك ذكرا خاملا .
وكان الخليل بن أحمد يقول : اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك ، واجعلني في نفسي من أوضع خلقك ، وعند الناس من أوسط خلقك . ثم قال :
باب ما جاء في الشهرة
حدثنا أحمد بن عيسى المصري ، حدثنا ابن وهب ، عن عمر بن الحارث وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حسب امرئ من الشر - إلا من عصم الله - أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه ودنياه ، وإن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم " .
وروي مثله عن إسحاق بن البهلول ، عن ابن أبي فديك ، عن محمد بن عبد الواحد الأخنسي ، عن عبد الواحد بن أبي كثير ، عن جابر بن عبد الله مرفوعا ، مثله .
وروي عن الحسن مرسلا نحوه ، فقيل للحسن : فإنه يشار إليك بالأصابع ؟ فقال : إنما المراد من يشار إليه في دينه بالبدعة وفي دنياه بالفسق .
وعن علي ، رضي الله عنه ، قال : لا تبدأ لأن تشتهر ، ولا ترفع شخصك لتذكر ، وتعلم واكتم ،
واصمت تسلم ، تسر الأبرار ، وتغيظ الفجار .
وقال إبراهيم بن أدهم ، رحمه الله : ما صدق الله من أحب الشهرة .
وقال أيوب : ما صدق الله عبده إلا سره ألا يشعر بمكانه .
وقال محمد بن العلاء : من أحب الله أحب ألا يعرفه الناس .
وقال سماك بن سلمة : إياك وكثرة الأخلاء .
وقال أبان بن عثمان : إن أحببت أن يسلم لك دينك فأقل من المعارف; كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة نهض وتركهم .
وقال : حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة ، عن عوف ، عن أبي رجاء قال : رأى طلحة قوما يمشون معه ، فقال : ذباب طمع ، وفراش النار .
وقال ابن إدريس ، عن هارون بن عنترة ، عن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أبي إذ علاه عمر بن الخطاب بالدرة وقال : إنها مذلة للتابع ، وفتنة للمتبوع .
وقال ابن عون ، عن الحسن : خرج ابن مسعود فاتبعه أناس ، فقال : والله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ، ما اتبعني منكم رجلان .
وقال حماد بن زيد : كنا إذا مررنا على المجلس ، ومعنا أيوب ، فسلم ، ردوا ردا شديدا ، فكان ذلك يغمه .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر : كان أيوب يطيل قميصه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن الشهرة فيما مضى كانت في طول القميص ، واليوم في تشميره . واصطنع مرة نعلين على حذو نعلي النبي صلى الله عليه وسلم ، فلبسهما أياما ثم خلعهما ، وقال : لم أر الناس يلبسونهما .
وقال إبراهيم النخعي : لا تلبس من الثياب ما يشهر في الفقهاء ، ولا ما يزدريك السفهاء .
وقال الثوري : كانوا يكرهون من الثياب الجياد ، التي يشتهر بها ، ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم . والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ، ويستذل دينه .
وحدثنا خالد بن خداش : حدثنا حماد ، عن أبي حسنة - صاحب الزيادي - قال : كنا عند أبي قلابة إذ دخل عليه رجل عليه أكسية ، فقال : إياكم وهذا الحمار النهاق .
وقال الحسن ، رحمه الله : إن قوما جعلوا الكبر في قلوبهم ، والتواضع في ثيابهم ، فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرف بمطرفه ، ما لهم تفاقدوا .
وفي بعض الأخبار أن موسى ، عليه السلام ، قال لبني إسرائيل : ما لكم تأتوني عليكم ثياب الرهبان ، وقلوبكم قلوب الذئاب ، البسوا ثياب الملوك ، وألينوا قلوبكم بالخشية .
فصل في حسن الخلق
قال أبو التياح : عن أنس ، رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا .
وعن عطاء ، عن ابن عمر : قيل : يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل ؟ قال : " أحسنهم خلقا " .
وعن نوح بن عباد ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا : " إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجات الآخرة وشرف المنازل ، وإنه لضعيف العبادة . وإنه ليبلغ بسوء خلقه درك جهنم وهو عابد " . وعن سنان بن هارون ، عن حميد ، عن أنس مرفوعا : " ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " . وعن عائشة مرفوعا : " إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، أخبرني أبي وعمي ، عن جدي ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ، فقال : " تقوى الله وحسن الخلق " . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ، فقال : " الأجوفان : الفم والفرج " .
وقال أسامة بن شريك : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءته الأعراب من كل مكان ، فقالوا : يا رسول الله ، ما خير ما أعطي الإنسان ؟ قال : " حسن الخلق " .
وقال يعلى بن مملك : عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء - يبلغ به - قال : " ما [ من ] شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق " ، وكذا رواه عطاء ، عن أم الدرداء ، به .
وعن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : " إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا " .
حدثنا عبد الله بن أبي بدر ، حدثنا محمد بن عبيد ، عن محمد بن أبي سارة ، عن الحسن بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق ، كما يعطي المجاهد في سبيل الله ، يغدو عليه الأجر ويروح " .
وعن مكحول ، عن أبي ثعلبة مرفوعا : " إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا ، أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني منزلا في الجنة مساويكم أخلاقا ، الثرثارون المتشدقون المتفيهقون " .
وعن أبي أويس ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر مرفوعا : " ألا أخبركم بأكملكم إيمانا ، أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يؤلفون ويألفون " .
وقال الليث ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة ، عن بكر بن أبي الفرات قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما حسن الله خلق رجل وخلقه فتطعمه النار " .
وعن عبد الله بن غالب الحداني ، عن أبي سعيد مرفوعا : " خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل ، وسوء الخلق " ، وقال ميمون بن مهران ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق; وذلك أن صاحبه لا يخرج من ذنب إلا وقع في آخر " .
حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا أبو المغيرة الأحمسي ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن رجل من قريش قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق; إن الخلق الحسن ليذيب الذنوب كما تذيب الشمس الجليد ، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل " .
وقال عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي هريرة مرفوعا : " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط وجوه وحسن خلق " .
وقال محمد بن سيرين : حسن الخلق عون على الدين .
فصل في ذم الكبر
قال علقمة ، عن ابن مسعود - رفعه - : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان " .
وقال إبراهيم بن أبي عبلة ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : " من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر أكبه الله على وجهه في النار " .
حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا أبو معاوية ، عن عمر بن راشد ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه مرفوعا : " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب عند الله من الجبارين ، فيصيبه ما أصابهم من العذاب " .
وقال مالك بن دينار : ركب سليمان بن داود ، عليهما السلام ، ذات يوم البساط في مائتي ألف من الإنس ، ومائتي ألف من الجن ، فرفع حتى سمع تسبيح الملائكة في السماء ، ثم خفضوه حتى مست قدمه ماء البحر ، فسمعوا صوتا : لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسف به أبعد مما رفع .
حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : كان أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق الإنسان ، حتى إن أحدنا ليقذر نفسه ، يقول : خرج من مجرى البول مرتين .
وقال الشعبي : من قتل اثنين فهو جبار ، ثم تلا أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ) [ القصص : 19 ] وقال الحسن : عجبا لابن آدم ، يغسل الخرء بيده في اليوم مرتين ثم يتكبر! يعارض جبار السماوات ، قال : حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا حماد بن زيد ، عن علي بن الحسن ، عن الضحاك بن سفيان ، فذكر الحديث . ضرب مثل الدنيا بما يخرج من ابن آدم .
وقال الحسن ، عن يحيى ، عن أبي قال : إن مطعم ابن آدم ضرب مثل للدنيا وإن قزحه وملحه .
وقال محمد بن الحسين بن علي - من ولد علي رضي الله عنه - : ما دخل قلب رجل شيء من الكبر إلا نقص من عقله بقدر ذلك .
وقال يونس بن عبيد : ليس مع السجود كبر ، ولا مع التوحيد نفاق .
ونظر طاوس إلى عمر بن عبد العزيز وهو يختال في مشيته ، وذلك قبل أن يستخلف ، فطعنه طاوس في جنبه بأصبعه ، وقال : ليس هذا شأن من في بطنه خرء ؟ فقال له كالمعتذر إليه : يا عم ، لقد ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها .
قال أبو بكر بن أبي الدنيا : كانت بنو أمية يضربون أولادهم حتى يتعلموا هذه المشية .
فصل في الاختيال
عن أبي ليلى ، عن ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعا : " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه " .
ورواه عن إسحاق بن إسماعيل ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر مرفوعا مثله . وحدثنا محمد بن بكار ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره " . و " بينما رجل يتبختر في برديه ، أعجبته نفسه ، خسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " .
وروى الزهري عن سالم ، عن أبيه : " بينما رجل . . . " إلى آخره .
القول في تأويل قوله تعالى : وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
يقول: وتواضع في مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أن منهم من قال: أمره بالتواضع في مشيه، ومنهم من قال: أمره بترك السرعة فيه.
ذكر من قال: أمره بالتواضع في مشيه:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن جابر، عن مجاهد (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) قال: التواضع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) قال: نهاه عن الخيلاء.
ذكر من قال نهاه عن السرعة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن عبد الله بن عقبة، عن يزيد بن أبي حبيب، في قوله: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) قال: من السرعة. قوله: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) يقول: واخفض من صوتك، فاجعله قصدا إذا تكلمت.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) قال: أمره بالاقتصاد في صوته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) قال: اخفض من صوتك.
واختلف أهل التأويل قوله: ( إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) فقال بعضهم: معناه: إن أقبح الأصوات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة وأبان بن تغلب، قالا ثنا أبو معاوية عن جُوَيبر، عن الضحاك (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) قال: إن أقبح الأصوات (لَصَوْتُ الحَمِيرِ).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ) أي: أقبح الأصوات لصوت الحمير، أوّله زفير، وآخره شهيق، أمره بالاقتصاد في صوته.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت الأعمش يقول: (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) (4) صوت الحمير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن أشرّ الأصوات.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن يحيى بن واضح، عن أبي حمزة، عن جابر عن عكرِمة والحكم بن عُتيبة (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) قال: أشرّ الأصوات.
قال جابر: وقال الحسن بن مسلم: أشدّ الأصوات.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) قال: لو كان رفع الصوت هو خيرا ما جعله للحمير.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إن أقبح أو أشرّ الأصوات، وذلك نظير قولهم: إذا رأوا وجها قبيحا، أو منظرا شنيعا، ما أنكر وجه فلان، وما أنكر منظره.
وأما قوله: (لَصَوْتُ الحَمِيرِ) فأضيف الصوت، وهو واحد، إلى الحمير وهي جماعة، فإن ذلك لوجهين: إن شئت، قلت: الصوت بمعنى الجمع، كما قيل: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وإن شئت قلت: معنى الحمير: معنى الواحد، لأن الواحد في مثل هذا الموضع يؤدّي عما يؤدي عنه الجمع.
------------------------
الهوامش:
(4) لعل فيه سقطًا، والأصل: أي أقبح الأصوات صوت ... إلخ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
واقصد:
وقرئ:
وأقصد، بهمزة قطع، ونسبها ابن خالويه للحجاز.