504151617181920

الإحصائيات

سورة الأحقاف
ترتيب المصحف46ترتيب النزول66
التصنيفمكيّةعدد الصفحات4.50
عدد الآيات35عدد الأجزاء0.21
عدد الأحزاب0.42عدد الأرباع1.70
ترتيب الطول41تبدأ في الجزء26
تنتهي في الجزء26عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 27/29الحواميم: 7/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (15) الى الآية رقم (16) عدد الآيات (2)

لمَّا ذكرَ اللهُ التَّوحيدَ والاستقامةَ ذَكَرَ هنا الوصيَّةَ بالوالدينِ كما هو مقرونٌ في أكثر من آيةٍ من القرآنِ، ثُمَّ بَشَّرَ البارَّ والديه بقبولِ أعمالِه الصَّالحةِ والتَّجاوزِ عن سيئاتِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (17) الى الآية رقم (20) عدد الآيات (4)

بعدَ أن ذكَرَ اللَّهُ الولدَ البَارَّ بوالديِه ذكَرَ هنا الولدَ العاقَّ لوالديِه، ثُمَّ أخبرَ تعالى أنَّ لكلٍّ من الفريقينِ درجاتٍ عندَ ربِّهم، ثُمَّ هَدَّدَ الكفارَ بعذابِ النَّارِ ووَبَّخَهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الأحقاف

نماذج لمن استجاب ولمن رفض أوامر الله ومنهجه

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • النموذج الأول::   تأتي سورة الأحقاف لتقول لنا: إن هناك من يستجيب لأوامر الله ومنهجه، وهناك من سيرفض، فتعرض نماذج متناقضة:
  • • النموذج الثاني::   عدم استجابة المشركين: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (7)، قالوا: إنه سحر، ثم قالوا: اختلقه محمد من عند نفسه، ثم قالوا: لو كان هذا الدين خيرًا ما سبقنا إليه الفقراء.
  • • النموذج الثالث والرابع::   استجابة المؤمنين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (13).
  • • النموذج الخامس::   تعرض السورة نموذجين للاستجابة لأمر الله ببر الوالدين، فنرى نموذجًا صالحًا: ﴿... حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وٰلِدَىَّ ...﴾ (15). وبالمقابل: يأتي نموذج رهيب للعقوق وعدم الاستجابة: ﴿وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱلله وَيْلَكَ ءامِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱلله حَقٌّ﴾ (17).
  • • النموذج السادس::   لأناس لم يستجيبوا لله تعالى، وهم قوم عاد: ﴿وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ...﴾ (21)، فكان تكذيبهم شديدًا: ﴿قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءالِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ...﴾ (22)، وحتى لما رأوا العذاب: ﴿قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ (24).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأحقاف».
  • • معنى الاسم ::   أَحْقاف: مفرد حِقْف، تلال عظيمة من الرَّمل معوجَّة، وهي ‏مساكن ‏عاد ‏في أرض اليمن.
  • • سبب التسمية ::   لورود لفظ (الأحقاف) في ‏الآية (21)‏، ولم يرد في غيرها‏.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة حم الأحقاف» بإضافة حم إلى اسمها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الاستجابة لأوامر الله ومنهجه.
  • • علمتني السورة ::   أنه من السهل جدًا أن تتهم أحدًا بأنه مخطئ، ولكن تكمن الخطورة حينما ﻻ تملك دليلًا على خطئه: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الإعجاب بالنَّفسِ سبب من أسبابِ البُعدِ عن الهدايةِ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾
  • • علمتني السورة ::   القرآن الكريم فيه: إنذار لمن ظلم، وبشرى لمن أحسن: ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ». قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة الأحقاف) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الأحقاف من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة الأحقاف) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الأحقاف هي السورة السابعة والأخيرة من الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • سورة الأحقاف هي أول سورة في الجزء الـ 26.
    • سورة الأحقاف هي آخر سورة -بحسب ترتيب المصحف- افتتحت بحرفين من الحروف المقطعة.
    • اختصت سورتا الأحقاف والجن بذكر خبر استماع الجن للقرآن الكريم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإيمانهم بالإسلام ودعوة قومهم له، ولكن سوررة الجن أكثر تفصيلًا للخبر.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نستجيب لأوامر الله ومنهجه.
    • ألا نتكلم مع أحد إلا بدليل: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (4).
    • أن نبحث عن بدعة موجودة بين الناس وننصح من حولنا بتركها: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ (9).
    • ألا نعجب بأنفسنا: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ (11).
    • أن نبحث عن خير ونسبق غيرنا إلى فعله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ (11).
    • أن نبذل قصارى جهدنا في الإحسان إلى الوالدين: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ...﴾ (15).
    • أن نخصص وقتًا للوالدين لندخل السرور والأنس عليهما، ونقدم هدية لهما ولو يسيرة: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ (15).
    • أن ندعو بهذا الدعاء: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (15).
    • أن نتأدب مع كلام الله، فالجن لم ينصرفوا حتى انتهت التلاوة: ﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ (29).
    • أن نتأسى بأخلاق الأنبياء؛ ففي استحضارِ صبرِهم خيرُ تسليةٍ للمُبتَلى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ (35).

تمرين حفظ الصفحة : 504

504

مدارسة الآية : [15] :الأحقاف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ ..

التفسير :

[15] ووصينا الإنسان أن يحسن في صحبته لوالديه بِرّاً بهما في حياتهما وبعد مماتهما، فقد حملته أمه جنيناً في بطنها على مشقة وتعب، وولدته على مشقة وتعب أيضاً، ومدة حَمْله وفطامه ثلاثون شهراً. وفي ذكر هذه المشاق التي تتحملها الأم دون الأب، دليل على أن حقها على

هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة وغير ذلك من وجوه الإحسان.

ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين،

وإنما ذلك مدة طويلة قدرها{ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} للحمل تسعة أشهر ونحوها والباقي للرضاع هذا هو الغالب.

ويستدل بهذه الآية مع قوله:{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع -وهي سنتان- إذا سقطت منها السنتان بقي ستة أشهر مدة للحمل،{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي:نهاية قوته وشبابه وكمال عقله،{ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي:ألهمني ووفقني{ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} أي:نعم الدين ونعم الدنيا، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها ومقابلته منته بالاعتراف والعجز عن الشكر والاجتهاد في الثناء بها على الله، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم لأنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصا نعم الدين فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.

{ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} بأن يكون جامعا لما يصلحه سالما مما يفسده، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله ويثيب عليه.{ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} لما دعا لنفسه بالصلاح دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله:{ وَأَصْلِحْ لِي}

{ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ} من الذنوب والمعاصي ورجعت إلى طاعتك{ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}

قال الإمام ابن كثير: لما ذكر- تعالى- في الآية الأولى التوحيد له، وإخلاص العبادة والاستقامة إليه، عطف بالوصية بالوالدين، كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن، كقوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .

وقوله- سبحانه-: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ... من الإيصاء بالشيء بمعنى الأمر به. قال- تعالى-: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا أى: أمرنى بالمحافظة على أدائهما..

وقوله: إِحْساناً قراءة عاصم وحمزة والكسائي. وقرأ غيرهم من بقية السبعة حسنا وعلى القراءتين فانتصابهما على المصدرية. أى: ووصينا الإنسان وأمرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا أو حسنا، بأن يقدم إليهما كل ما يؤدى إلى برهما وإكرامهما.

ويصح أن يكون وصينا بمعنى ألزمنا، فيتعدى لاثنين، فيكون المفعول الثاني منهما، قوله:

إِحْساناً أو حسنا.

وقوله- سبحانه-: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً تعليل للإيصاء المذكور ولفظ كُرْهاً قرئ بضم الكاف وفتحها، وهما قراءتان سبعيتان، قالوا: ومعناهما واحد كالضّعف- بتشديد الضاد وفتحها أو ضمها- فهما لغتان بمعنى واحد.

وهذا اللفظ منصوب على الحال من الفاعل. أى: حملته أمه ذات كره. ووضعته ذات كره، أو هو صفة لمصدر مقدر، أى: حملته حملا ذا كره، ووضعته كذلك.

ولا شك في أن الأم تعانى في أثناء حملها ووضعها لوليدها، الكثير من المشاق والآلام والمتاعب.. فكان من الوفاء أن يقابل ذلك منها بالإحسان والإكرام.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- في آية أخرى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ.. .

أى: حملته أمه ضعفا على ضعف، لأن الحمل كلما تزايد وعظم في بطنها، ازداد ضعفها..

وقوله- تعالى-: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً بيان لمدة الحمل والفطام، والكلام على حذف مضاف. والفصال: مصدر فاصل، وهو بمعنى الفطام، وسمى الفطام فصالا، لأن الطفل ينفصل عن ثدي أمه في نهاية الرضاع.

أى: ومدة حمل الطفل مع مدة فصاله عن ثدي أمه، ثلاثون شهرا.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: المراد بيان مدة الرضاع لا الفطام، فكيف عبر عنه بالفصال.. قلت: لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه، لأنه ينتهى به ويتم، سمى فصالا..

وفيه فائدة، وهي الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته.. .

وقال الشوكانى: وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع سنتان، أى: مدة الرضاع الكامل، كما في قوله- تعالى-: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ فذكر- سبحانه- في هذه الآية أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع.

وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم، آكد من حق الأب، لأنها هي التي حملت وليدها بمشقة ووضعته بمشقة، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب.. .

وقوله- تعالى-: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ.. غاية لمحذوف يفهم من سياق الكلام.

والأشد: قوة الإنسان واشتعال حرارته، من الشدة بمعنى القوة والارتفاع. يقال: شد النهار، إذا ارتفع، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع، ولا واحد له من لفظه.

والمراد ببلوغ أشده: أن يصل سنه على الراجح- إلى ثلاث وثلاثين سنة.

وقوله: أَوْزِعْنِي أى: رغبني ووفقني، من قولك: أوزعت فلانا بكذا، إذا أغريته وحببته في فعله. أى: أن هذا الإنسان بعد أن بقي في بطن أمه ما بقي، وبعد أن وضعته وأرضعته وفطمته وتولته برعايتها، واستمرت حياته «حتى إذا بلغ أشده» أى: حتى إذا بلغ زمن استكمال قوته، وبلغ أربعين سنة وهي تمام اكتمال العقل والقوة والفتوة.

قالَ على سبيل الشكر لخالقه رَبِّ أَوْزِعْنِي ... أى: يا رب وفقني وألهمنى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ بأن وفقتني ووفقتهما إلى صراطك المستقيم، وبأن رزقتهما العطف عليّ، ورزقتني الشكر لهما، ووفقني- أيضا- أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ منى، وتقبله عندك وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي أى: واجعل- يا إلهى- الصلاح راسخا في ذريتي، وساريا فيها، لأن صلاح الذرية فيه السعادة الغامرة للآباء.

إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ توبة صادقة نصوحا وإنى من المسلمين الذين أخلصوا نفوسهم لطاعتك، وقلوبهم لمرضاتك.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد اشتملت على أسمى ألوان الدعوات، التي عن طريق إجابتها تتحقق السعادة الدنيوية والأخروية.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى «في» في قوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي؟

قلت: معناه أن يجعل ذريته موقعا للصلاح ومظنته، كأنه قال: هب لي الصلاح في ذريتي، وأوقعه فيهم. .

وفي الآية الكريمة: تنبيه للعقلاء، إلى أن شأنهم- خصوصا عند بلوغ سن الأربعين. أن يكثروا من التضرع إلى الله بالدعاء، وأن يتزودوا بالعمل الصالح، فإنها السن التي بعث الله- تعالى- فيها معظم الأنبياء، والتي فيها يكتمل العقل، وتستجمع القوة، ويرسخ فيها خلق الإنسان الذي تعوده وألفه ورحم الله القائل:

إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يهوى حياء ولا ستر

فدعه، ولا تنفس عليه الذي مضى ... وإن جر أسباب الحياة له العمر

لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه ، عطف بالوصية بالوالدين ، كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن ، كقوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] وقال : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان : 14 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة . وقال هاهنا : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ) أي : أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أخبرني سماك بن حرب قال : سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال : قالت أم سعد لسعد : أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين ، فلا آكل طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى تكفر بالله . فامتنعت من الطعام والشراب ، حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ، ونزلت هذه الآية : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) الآية [ العنكبوت : 8 ] .

ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث شعبة بإسناده ، نحوه وأطول منه .

( حملته أمه كرها ) أي : قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا ، من وحام وغشيان وثقل وكرب ، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة ، ( ووضعته كرها ) أي : بمشقة أيضا من الطلق وشدته ، ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )

وقد استدل علي ، رضي الله عنه ، بهذه الآية مع التي في لقمان : ( وفصاله في عامين ) [ لقمان : 14 ] ، وقوله : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ البقرة : 233 ] ، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وهو استنباط قوي صحيح . ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم .

قال محمد بن إسحاق بن يسار ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن بعجة بن عبد الله الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة ، فولدت له لتمام ستة أشهر ، فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له ، فبعث إليها ، فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ، فقالت : ما يبكيك ؟ ! فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله غيره قط ، فيقضي الله في ما شاء . فلما أتي بها عثمان أمر برجمها ، فبلغ ذلك عليا فأتاه ، فقال له : ما تصنع ؟ قال : ولدت تماما لستة أشهر ، وهل يكون ذلك ؟ فقال له [ علي ] أما تقرأ القرآن ؟ قال : بلى . قال : أما سمعت الله يقول : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وقال : ( [ يرضعن أولادهن ] حولين كاملين ) ، فلم نجده بقى إلا ستة أشهر ، قال : فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها ، قال : فقال بعجة : فوالله ما الغراب بالغراب ، ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه . فلما رآه أبوه قال : ابني إني والله لا أشك فيه ، قال : وأبلاه الله بهذه القرحة قرحة الأكلة ، فما زالت تأكله حتى مات .

رواه ابن أبي حاتم ، وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله : ( فأنا أول العابدين ) [ الزخرف : 81 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء ، حدثنا علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا ، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا ، وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين ; لأن الله تعالى يقول : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )

( حتى إذا بلغ أشده ) أي : قوي وشب وارتجل ( وبلغ أربعين سنة ) أي : تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه . ويقال : إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الأربعين .

قال أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قلت لمسروق : متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال : إذا بلغت الأربعين ، فخذ حذرك .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله القواريري ، حدثنا عزرة بن قيس الأزدي - وكان قد بلغ مائة سنة - حدثنا أبو الحسن السلولي عنه وزادني قال : قال محمد بن عمرو بن عثمان ، عن عثمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله حسابه ، وإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه ، وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء ، وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله حسناته ومحا سيئاته ، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفعه الله في أهل بيته ، وكتب في السماء أسير الله في أرضه " .

وقد روي هذا من غير هذا الوجه ، وهو في مسند الإمام أحمد .

وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق : تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس ، ثم تركتها حياء من الله ، عز وجل .

وما أحسن قول الشاعر :

صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل : ابطل

( قال رب أوزعني ) أي : ألهمني ( أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ) أي : في المستقبل ، ( وأصلح لي في ذريتي ) أي : نسلي وعقبي ، ( إني تبت إليك وإني من المسلمين ) وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله ، عز وجل ، ويعزم عليها .

وقد روى أبو داود في سننه ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد : " اللهم ، ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا ، وأزواجنا ، وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها قابليها ، وأتممها علينا " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)

يقول تعالى ذكره: ووصينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما أيام حياتهما, والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله (حُسنا) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة " حُسنا " بضمّ الحاء على التأويل الذي وصف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (إحْسانا) بالألف, بمعنى: ووصيناه بالإحسان إليهما, وبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب, لتقارب معاني ذلك , واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في القرّاء.

وقوله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) يقول تعالى ذكره: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا برّا بهما, لما كان منهما إليه حملا ووليدا وناشئا, ثم وصف جلّ ثناؤه ما لديه من نعمة أمه, وما لاقت منه في حال حمله ووضعه, ونبهه على الواجب لها عليه من البرّ, واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصحبة, فقال: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ) يعني في بطنها كرها, يعني مشقة,( وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) يقول: وولدته كرها يعني مشقة.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) يقول: حملته مشقة, ووضعته مشقة.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والحسن , في قوله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) قالا حملته في مشقة, ووضعته في مشقة.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أَبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ) قال: مشقة عليها.

اختلف القرّاء في قراءة قوله (كُرْها) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة " كَرها " بفتح الكاف. وقرأته عامة قرّاء الكوفة (كُرها) بضمها, وقد بينت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح وإذا ضمّ في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) يقول تعالى ذكره: وحمل أمه إياه جنينا في بطنها, وفصالها إياه من الرضاع, وفطمها إياه, شرب اللبن ثلاثون شهرا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَفِصَالُهُ) , فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار غير الحسن البصري: (وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ) بمعنى: فاصلته أمه فصالا ومفاصلة. وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: " وحَمْلُهُ وَفَصْلُهُ" بفتح الفاء بغير ألف, بمعنى: وفصل أمه إياه.

والصواب من القول في ذلك عندنا, ما عليه قرّاء الأمصار, لإجماع الحجة من القراء عليه، وشذوذ ما خالف.

وقوله ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) اختلف أهل التأويل في مبلغ حد ذلك من السنين, فقال بعضهم: هو ثلاث وثلاثون سنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: أشدّه: ثلاث وثلاثون سنة, واستواؤه أربعون سنة, والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) قال: ثلاثا وثلاثين.

وقال آخرون: هو بلوغ الحلم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا مجالد, عن الشعبيّ, قال: الأشدّ: الحلم إذا كتبت له الحسنات, وكتبت عليه السيئات.

وقد بيَّنا فيما مضى الأشدّ جمع شدّ, وأنه تناهي قوّته واستوائه. وإذا كان ذلك كذلك, كان الثلاث والثلاثون به أشبه من الحلم, لأن المرء لا يبلغ في حال حُلمه كمال قواه, ونهاية شدّته, فإن العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام, فعطفت ببعض على بعض جعلت كلا الوقتين قريبا أحدهما من صاحبه, كما قال جلّ ثناؤه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ ولا تكاد تقول أنا أعلم أنك تقوم قريبا من ساعة من الليل وكله, ولا أخذت قليلا من مال أو كله, ولكن تقول: أخذت عامة مالي أو كله, فكذلك ذلك في قوله ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) لا شك أن نسق الأربعين على الثلاث والثلاثين أحسن وأشبه, إذ كان يراد بذلك تقريب أحدهما من الآخر من النسق على الخمس عشرة أو الثمان عشرة.

وقوله ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) ذلك حين تكاملت حجة الله عليه, وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحق في بر والديه.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) وقد مضى من سيئ عمله.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ) حتى بلغ ( مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وقد مضى من سيئ عمله ما مضى.

وقوله ( قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ) يقول تعالى ذكره: قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده, وعرف حقّ الله عليه فيما ألزمه من برّ والديه ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) يقول: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك, والعمل بطاعتك ( وَعَلَى وَالِدَيَّ ) من قبلي, وغير ذلك من نعمتك علينا, وألهمني ذلك. وأصله من وزعت الرجل على كذا: إذا دفعته عليه.

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) قال: اجعلني أشكر نعمتك, وهذا الذي قاله ابن زيد في قوله ( رَبِّ أَوْزِعْنِي ) وإن كان يئول إليه معنى الكلمة, فليس بمعنى الإيزاع على الصحة.

وقوله ( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ) يقول تعالى ذكره: أوزعني أن أعمل صالحا من الأعمال التي ترضاها, وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقوله ( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) يقول: وأصلح لي أموري في ذرّيتي الذين وهبتهم, بأن تجعلهم هداة للإيمان بك, واتباع مرضاتك, والعمل بطاعتك, فوصفه (1) جل ثناؤه بالبرّ بالآباء والأمهات والبنين والبنات. وذُكر أن هذه الآية نـزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه .

وقوله ( إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الإنسان.( إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ ) يقول: تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي إليك ( وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يقول: وإني من الخاضعين لك بالطاعة, المستسلمين لأمرك ونهيك, المنقادين لحكمك.

------------------------

الهوامش:

(1) لعله فوصاه .

التدبر :

وقفة
[15] هل سألت نفسك مرة: ما هي وصية الله؟ استمع للجواب بنفسك: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه﴾، فانظر من الذي أوصى، لتعرف أهمية الوصية.
عمل
[15] ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ ادخِل السرورَ عليهما اليومَ، ولو بهديةٍ يسيرةٍ.
وقفة
[15] ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ الوصية بالوالدين جاءت لعموم الناس، المسلم وغير المسلم، والحكمة من ذلك، أن يعرف حق من كانا سببًا في وجوده في الحياة، فيعرف بعد ذلك حق الله تعالى، الذي أوجده وأوجد والديه.
وقفة
[15] ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حُسنا﴾ [العنكبوت: 8]، ﴿ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا﴾ حياتنا مع الوالدين ما بين حُسن القول، وإحسان المعاملة.
اسقاط
[15] وصيَّة ربَّانيّة فتفقّدها فيك، تدبّر: ﴿وَوَصَّينَا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ إِحسانًا﴾.
وقفة
[15] ﴿وَوَصَّينَا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ إِحسانًا﴾ معاملة الوالدين بالإحسان ليست مقتصرة على المسلمين فقط، ولذا ذكر سبحانه كلمة (الإنسان)، فقد ورد ذلك فى كل الشرائع السابقة.
عمل
[15] خصص اليوم وقتًا لوالديك لتدخل السرور والأنس عليهما، وقدم هدية لهما ولو يسيرة ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾.
وقفة
[15] ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ ليس معنى كُرهًا الإكراه أو الكراهية؛ بل المعنى حملته على مشقة.
وقفة
[15] ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ بيان مكانة بِرِّ الوالدين في الإسلام، بخاصة في حق الأم، والتحذير من العقوق.
وقفة
[15] ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب؛ لأنها حملته بمشقة، ووضعته بمشقة، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب، ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك.
وقفة
[15] تقلبت أمك في تربيتك بين معاناة الحمل والولادة والرضاعة والإطعام والنظافة والمرض والهداية، فهل تستطيع أن توفيها حقها؟ ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾.
وقفة
[15] وفي إدماج تلقين الدعاء بإصلاح ذريته مع أن سياق الكلام في الإحسان إلى الوالدين ، إيماء إلى أن المرء يلقى من إحسان أبنائه إليه مثل ما لقي أبواه من إحسانه إليهما.
لمسة
[15] ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ في القرآن (كُره) بالضم، وأحيانًا بالفتح (كَره)، والنطق بالضم أقوى وأشد؛ لذا جاء مع الثقل النفسي والبدني مثل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216]، وأما بالفتح فمع الثقل النفسي فحسب مثل: ﴿قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [التوبة: 53]، فجاء التعبير الأثقل مع الأثقل، والأخف مع الأخف.
وقفة
[15] ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ سبحان من جمع في قلوب الأمهات المتناقضات كره مع حبٍ مع ضجر مع أُنس مع تعب مع تحمُّلٍ مع تأفف مع خوف مع أمان!
وقفة
[15] ﴿حملته أمه كرها ووضعته كرها﴾ قبل قدومك إلى الدنيا قدمت متاعبك إليها وآلامك، أمك الإنسان الوحيد الذي أتبعته قبل وصولك، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا.
وقفة
[15] ﴿حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً﴾ ومع كل ذلك تحبه وتخاف عليه، فسبحان من رزقها الصبر، وغمر قلبها بالحب!
وقفة
[15] ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ لا نحب من يسبب لنا الآلام، وحدها الأم تحب من فعل لها ذلك.
وقفة
[15] ﴿حملته أمه كرها ووضعته كرها﴾ خُصَّ والدتك بدعاء، فما خرجت إلى هذه الدنيا إلا بعد آلام وتعب قضَّ مضجعها!
وقفة
[15] ﴿ائتيا طوعاً أو كَرهاً﴾ [فصلت: 11]، ﴿حملته أمه كُرهاً﴾ الفتح أخف من الضم، لذا (كَرهًا): بفتح الكاف تفيد المشقة النفسية فحسب، و(كُرهًا): بضم الكاف المشقة النفسية والبدنية، فالأم تتعب نفسيًّا وبدنيًّا في حملها فقال ﴿كُرهًا﴾.
تفاعل
[15] تخيل اليوم أنك حملت شيئًا وزنه خمسة كيلو جرامات لمدة يوم كامل، ثم تصور مقدار معاناة أمك بحملك، ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾.
وقفة
[15] ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ أوجاع الأم يتتبعها القرآن وتسجلها آياته، يا له من كتاب رحمة!
وقفة
[15] ﴿حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرهًا وَوَضَعَتهُ كُرهًا وَحَملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهرًا﴾ حتى وإن لم يقدر تعبكِ أحد؛ فالله يعلم.
وقفة
[15] بعض الناس يثقل عليه الجلوس مع أمه ساعة وينسى أن أمه حملته ﴿كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًاوَحَمْلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهْرًا﴾.
وقفة
[15] ﴿وَحَملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهرًا﴾، ﴿وَفِصالُهُ في عامَينِ﴾ [لقمان: 14] استنبط العلماء منهما أن أقل مدة للحمل هى ستة أشهر، كيف؟ مدة الرضاعة حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وأقل مدة الحمل ٦ أشهر، حولين + ٦ أشهر = ٣٠ شهرًا.
وقفة
[15] ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ وإنما خص زمان بلوغه الأشد؛ لأنه زمن يكثر فيه الكلف بالسعي للرزق؛ إذ يكون له فيه زوجة وأبناء، وتكثر تكاليف المرأة؛ فيكون لها فيه زوج وبيت وأبناء، فيكونان مظنة أن تشغلهما التكاليف عن تعهد والديهما والإحسان إليهما، فنبها بأن لا يفتُرا عن الإحسان إلى الوالدين.
وقفة
[15] ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ ...﴾ العبد الصالح إذا بلغ الأربعين شكر الله، وجدَّ واجتهد، وتفرغ للتزود بالطاعات، وابتعد عن المعاصي والمنكرات.
وقفة
[15] ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ ...﴾ هو مأمور بطاعة الله قبلها، لكن المنعطف الأخير يحفز المؤمن لتركيز كل جهده على خط النهاية.
وقفة
[15] ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ ...﴾ في الأربعيـن يتناهى عقـلُ الإنسـان وفهمـه ومـا قبلَ ذلك وما بعدَه: مُنتقَصٌ عن كماله في حال الأربعين.
وقفة
[15] ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ ...﴾ لماذا الأربعين؟ لأنه اكتملت فيه ثلاث: 1- غاية النشاط الجسدي المناسب. 2- غاية النشاط العقلي المناسب. 3- غاية الفهم للحياة وتجاربها، إذا مزجت هذا الثلاثي فلابد أن يظهر منه: شكر الله والعمل الصالح والدعاء بصلاح الذرية.
وقفة
[15] ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ ...﴾ ما بال أقوام بعد الأربعين ينتكسون بعد أن كانوا صالحين؟ إن لم يسعك أن تزدد إحسانًا فلا ترتد على عقبيك.
وقفة
[15] ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ ...﴾ فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها.
وقفة
[15] ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ أي ألهمني ووفِّقني، فلولا توفيق الله ما شكره أحد، ولولا عونه ما أطاعه منهم أحد.
وقفة
[15] ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ﴾ من برِّ الوالدين أن تشكر الله على النعم التي أنعم بها على والديك.
عمل
[15] ﴿قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي﴾ ادع لوالديك؛ فإن النعم التي تنالهم ستنال ذرياتهم، وأعظم النعم: نعمة الدين.
وقفة
[15] قال مالك بن مغول: «اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف، فقال: استعن عليه بهذه الآية، وتلا: ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ﴾».
وقفة
[15] تأملوا ترتيب الآية، ابدأ بالحمد والشكر لله على نعمه عليك ومن حولك، ثم استعن به مخلصًا لتعمل ما يرضيه، ثم ادعوه واعلن التوبة والولاء.
وقفة
[15] ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ قد ينعم الله علينا من النعم لكن العين ﻻ تراها؛ لأنها موجهة لما ينقصنا، وقد ﻻ نلتفت لها إلا بعد سلبها.
تفاعل
[15] ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ﴾ كرر هذا الدعاء.
وقفة
[15] ﴿رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي﴾ غاية البر أن تشكر الله نيابة عن والديك خوفًا من نسيانهما الشكر أو عدم علمهما.
وقفة
[15] ﴿رب أوزعني أن أشكر نعمتك التيأنعمت علي وعلى والدي﴾ يشرع إظهار التوبة عند سؤال الله الحاجات، فربما كان للإنسان ذنب يمنع الاجابة.
وقفة
[15] ﴿رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ﴾ هذا من تمام بر الوالدين، كأن هذا الولد خاف أن يكون والداه قصرا في شكر الرب عز وجل، فسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم به عليه وعليهما ليقوم بما وجب عليهما من الشكر إن كانا قصرا.
عمل
[15] قل في سجودك اليوم: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وقفة
[15] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ المؤمن لا تنتهي همته عند حدود أن يكون العمل صالحًا، وإنما يزين عمله حتى يرضى ربه.
عمل
[15] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ ليست العبرة بالعمل الصالح، وإنما الأصل أن يكون هذا العمل مما يُرضي الله عز وجل، فلنحرص على ما يرضي الله تعالى في أقوالنا وأفعالنا وأعمالنا.
وقفة
[15] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ لم يكتف في دعائه بطلب التوفيق للعمل الصالح، بل يريد أن يكون محل رضى ربه.
وقفة
[15] تأمل قوله تعالى: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا﴾، فلم يكتف بذلك، بل قال: ﴿تَرْضَاهُ﴾ فيا لتلك الهمم العالية، ويا لعلو رغبات المخلصين!
وقفة
[15] ليس العبرة بكثرة العمل، ولا بجودته، ولا بعدده وتعدي نفعه -مع أن ذلك مطلوب- ولكن العبرة: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾.
وقفة
[15] ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ تأمل كيف جعل صلاح الذرية من صلاح النفس؛ لعظيم الذرية على الإنسان في دنياه وآخرته.
وقفة
[15] ﴿وأصلح لي في ذريتي﴾ صلاحك مع والديك سبيل لصلاح ذريتك لك، والجزاء من جنس العمل.
وقفة
[15] ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ الدعاء بالهداية والتوفيق للأبناء يختصر مسافات التربية والعناء، والأنبياء فى ذلك هم خير قدرة لنا.
وقفة
[15] ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ قل الآن: «اللهم أصلح أولادنا وأولاد المسلمين، واجعلهم هاديين مهديين غير ضالين ولا مضلين».
وقفة
[15] ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ التَّوبة والدُّعـاء من أسباب صلاح الأبناء.
عمل
[15] ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ تب إلى ربك قبل أن تسأله.
وقفة
[15] ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ من كان يرجوا صلاحًا في ذريته؛ فليتب من ذنوبه أولًا ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ [الكهف: 82].
وقفة
[15] ﴿وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك﴾ قرن بين صلاح الذرية والتوبة لله؛ توبة الآباء مفتاح صلاح الأبناء.

الإعراب :

  • ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ:
  • الواو: استئنافية. وصي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الانسان: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً:
  • جار ومجرور متعلق بوصينا وعلامة جر الاسم الياء لانه مثنى وحذفت نونه للاضافة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. احسانا: مفعول مطلق-مصدر-منصوب بفعل محذوف تقديره: احسن احسانا بمعنى: وصيناه ان يحسن اليهما احسانا
  • ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من الانسان. حملته: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. امه:فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كُرْهاً:
  • حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة اي ذات كره. او يكون صفة للمصدر-المفعول المطلق-اي حملا ذاكره وهو المشقة
  • ﴿ وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً:
  • معطوفة بالواو على «حملته كرها» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ وَحَمْلُهُ:
  • الواو استئنافية. حمله: مبتدأ مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة بتقدير ومدة حمله وفصاله فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه.
  • ﴿ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً:
  • معطوفة بالواو على «حمله» وتعرب اعرابها اي وفطامه. ثلاثون: خبر حَمْلُهُ وَفِصالُهُ» مرفوع بالواو لانه ملحق بجمع المذكر السالم-من الفاظ‍ العقود-.شهرا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ولجملة الاسمية حَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً»: استئنافية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ:
  • حرف غاية للابتداء. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون خافض لشرطه متعلق بجوابه متضمن معنى الشرط‍.بلغ: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أشده: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة اي غاية نموه. وجملة بَلَغَ أَشُدَّهُ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً:
  • معطوفة بالواو على بَلَغَ أَشُدَّهُ» وتعرب اعرابها. اربعين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لانه ملحق بجمع المذكر السالم وهو من الفاظ‍ العقود. سنة: تعرب اعراب «شهرا
  • ﴿ قالَ:
  • تعرب اعراب «بلغ» وجملة «قال» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي:
  • الجملة مفعول به-مقول القول-.رب: منادى بأداة نداء محذوفة اكتفاء بالمنادى وأصله: يا رب. وحذفت الياء اختصارا واكتفاء بالكسرة الدالة عليها. أوزعني: اي الهمني وهي فعل تضرع ودعاء بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت والنون للوقاية والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ:
  • حرف مصدري ناصب. أشكر: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا.نعمتك: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. وجملة أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به ثان لاوزعني بمعنى: الهمني شكر نعمتك اي نعمة التوحيد والاسلام.
  • ﴿ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة -نعت-للنعمة. انعمت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. علي:جار ومجرور متعلق بأنعمت. والجملة صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد الى الموصول ضمير محذوف مجرور. اي بتقدير: انعمت علي بها.
  • ﴿ وَعَلى والِدَيَّ:
  • معطوفة بالواو على «علي».والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة وحذفت النون للاضافة وعلامة جر الاسم الياء لانه مثنى.
  • ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً:
  • معطوفة بالواو على أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» وتعرب اعرابها. اي ان اعمل عملا مرضيا فحذف الموصوف وحلت الصفة محله.
  • ﴿ تَرْضاهُ:
  • الجملة في محل نصب صفة-نعت-لعملا اي صفة ثانية ويجوز ان تكون صفة لصالحا وهي فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به اي تقبله.
  • ﴿ وَأَصْلِحْ لِي:
  • معطوفة بالواو على «اوزعني» وتعرب اعرابها. لي: جار ومجرور متعلق بأصلح.
  • ﴿ فِي ذُرِّيَّتِي:
  • جار ومجرور متعلق بأصلح او بصفة محذوفة من المصدر على تقدير هب لي الصلاح او صلاحا في ذريتي واوقعه فيهم والياء ضمير متصل- ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل للتعليل او للاستئناف والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «ان».تبت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل -ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع فاعل. إليك: جار ومجرور متعلق بتبت. والجملة الفعلية في محل رفع خبر «ان» بمعنى: رجعت إليك.
  • ﴿ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ:
  • معطوفة بالواو على «إني» وتعرب اعرابها. من المسلمين: جار ومجرور متعلق بخبر «ان» وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد بمعنى: من المخلصين.'

المتشابهات :

العنكبوت: 8﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
لقمان: 14﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ
الأحقاف: 15﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿حَتّى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ وبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطاءٍ: نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذَلِكَ أنَّهُ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهو ابْنُ ثَمانَ عَشْرَةَ سَنَةً، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وهم يُرِيدُونَ الشّامَ في التِّجارَةِ، فَنَزَلُوا مَنزِلًا فِيهِ سِدْرَةٌ، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في ظِلِّها، ومَضى أبُو بَكْرٍ إلى راهِبٍ هُناكَ يَسْألُهُ عَنِ الدِّينِ، فَقالَ لَهُ: مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي في ظِلِّ السِّدْرَةِ ؟ فَقالَ: ذاكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. قالَ: هَذا واللَّهِ نَبِيٌّ، وما اسْتَظَلَّ تَحْتَها أحَدٌ بَعْدَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ إلّا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ اللَّهِ. فَوَقَعَ في قَلْبِ أبِي بَكْرٍ اليَقِينُ والتَّصْدِيقُ، فَكانَ لا يُفارِقُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في أسْفارِهِ وحُضُورِهِ. فَلَمّا نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو ابْنُ أرْبَعِينَ سَنَةً، وأبُو بَكْرٍ ابْنُ ثَمانٍ وثَلاثِينَ سَنَةً؛ أسْلَمَ وصَدَّقَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمّا بَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً قالَ: ﴿رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ اللهُ التَّوحيدَ، وإخلاصَ العِبادةِ، والاستِقامةَ إليه؛ عَطَفَ بالوَصيَّةِ بالوالِدَينِ، كما هو مَقرونٌ في غيرِ ما آيةٍ مِن القُرآنِ، قال تعالى:
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إحسانا:
1- وهى قراءة الكوفيين.
وقرئ:
2- حسنا، بضم الحاء وإسكان السين، وهى قراءة الجمهور.
3- حسنا، بفتح الحاء والسين، وهى قراءة على، والسلمى، وعيسى.
4- حسنا، بضم الحاء والسين، ورويت عن عيسى أيضا.
كرها:
1- بضم الكاف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة شيبة، وأبى جعفر، والأعرج، والحرميين، وأبى عمرو.
وفصاله:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- وفصله، وهى قراءة أبى رجاء، والحسن، وقتادة، والجحدري.

مدارسة الآية : [16] :الأحقاف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ..

التفسير :

[16] أولئك الذين نتقبل منهم أحسن ما عملوا من صالحات الأعمال، ونصفح عن سيئاتهم في جملة أصحاب الجنة، هذا الوعد الذي وعدناهم به هو وعد الصدق الحق الذي لا شك فيه.

{ أُولَئِكَ} الذين ذكرت أوصافهم{ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} وهو الطاعات لأنهم يعملون أيضا غيرها.{ وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} فِي جملة{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} فحصل لهم الخير والمحبوب وزال عنهم الشر والمكروه.

{ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} أي:هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادق من أصدق القائلين الذي لا يخلف الميعاد.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة من يسلك هذا الطريق القويم فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ...

واسم الإشارة يعود إلى الإنسان باعتبار الجنس. أى: أولئك الموصوفون بما ذكر من الصفات الجميلة، هم الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا من الأعمال الطيبة المتقبلة عندنا.. وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فلا نعاقبهم عليها، لكثرة توبتهم إلينا.. بل نجعلهم فِي عداد أَصْحابِ الْجَنَّةِ الخالدين فيها، والمتنعمين بخيراتها.

فالجار والمجرور في قوله أَصْحابِ الْجَنَّةِ في محل نصب على الحال، على سبيل التشريف والتكريم، كما تقول: أكرمنى الأمير في أصحابه، أى: حالة كوني معدودا من أصحابه.

وقوله- تعالى-: وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ تذييل مؤكد لما قبله. ولفظ وَعْدَ مصدر لفعل مقدر. أى: وعدهم الله- تعالى- وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسنة الرسل في الدنيا.

هذا، وقد ذكر بعض المفسرين أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن أبى بكر الصديق- رضى الله عنه-، وقد استجاب الله دعاءه، فأسلم أبواه وأولاده جميعا.. .

وبعد أن ساق- سبحانه- هذه الصورة الوضيئة لأصحاب الجنة، أتبع ذلك ببيان صورة سيئة لنوع آخر من الناس، فقال- تعالى-:

قال الله تعالى : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم ) أي : هؤلاء المتصفون بما ذكرنا ، التائبون إلى الله المنيبون إليه ، المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار ، هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ، ويتجاوز عن سيئاتهم ، فيغفر لهم الكثير من الزلل ، ويتقبل منهم اليسير من العمل ، ( في أصحاب الجنة ) أي : هم في جملة أصحاب الجنة ، وهذا حكمهم عند الله كما وعد الله من تاب إليه وأناب ; ولهذا قال : ( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون )

قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الروح الأمين ، عليه السلام ، قال : " يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ، فيقتص بعضها ببعض ، فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة " قال : فدخلت على يزداد فحدث بمثل هذا الحديث قال : قلت : فإن ذهبت الحسنة ؟ قال : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، عن المعتمر بن سليمان ، بإسناده مثله - وزاد عن الروح الأمين . قال : قال الرب ، جل جلاله : يؤتى بحسنات العبد وسيئاته . . . فذكره ، وهو حديث غريب ، وإسناد جيد لا بأس به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن معبد ، حدثنا عمرو بن عاصم الكلائي ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ، عن يوسف بن سعد ، عن محمد بن حاطب قال : ونزل في داري حيث ظهر علي على أهل البصرة ، فقال لي يوما : لقد شهدت أمير المؤمنين عليا ، وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر ، فذكروا عثمان فنالوا منه ، وكان علي ، رضي الله عنه ، على السرير ، ومعه عود في يده ، فقال قائل منهم : إن عندكم من يفصل بينكم ، فسألوه ، فقال علي : كان عثمان من الذين قال الله : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) قال : والله عثمان وأصحاب عثمان - قالها ثلاثا - قال يوسف : فقلت لمحمد بن حاطب : آلله لسمعت هذا من علي ؟ قال : آلله لسمعت هذا من علي ، رضي الله عنه .

القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)

يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم, هم الذين يُتقبل عنهم أحسن ما عملوا في الدنيا من صالحات الأعمال, فيجازيهم به, ويثيبهم عليه ( وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ) يقول: ويصفح لهم عن سيئات أعمالهم التي عملوها في الدنيا, فلا يعاقبهم عليها( فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ) يقول: نفعل ذلك بهم فعلنا مثل ذلك في أصحاب الجنة وأهلها الذين هم أهلها.

كما حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا المعتمر بن سليمان, عن الحكم بن أبان, عن الغطريف, عن جابر بن زيد, عن ابن عباس. عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن الروح الأمين, قال: " يؤتي بحسنات العبد وسيئاته, فيقتص بعضها ببعض، فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة- قال: فدخلت على يزداد, فحدث بمثل هذا الحديث, قال: قلت: فإن ذهبت الحسنة؟ قال: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ )... الآية .

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد, قال: دعا أبو بكر عمر رضي الله عنهما , فقال له: إني أوصيك بوصية أن تحفظها: إن لله في الليل حقا لا يقبله بالنهار, وبالنهار حقا لا يقبله بالليل, إنه ليس لأحد نافلة حتى يؤدّي الفريضة, إنه إنما ثقُلت موازين من ثقُلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحقّ في الدنيا, وثقُل ذلك عليهم, وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلا الحقّ أن يثقل, وخفَّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة, لاتباعهم الباطل في الدنيا, وخفته عليهم, وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف.

ألم تر أن الله ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم, فيقول قائل: أين يبلغ عملي من عمل هؤلاء, وذلك أن الله عزّ وجلّ تجاوز عن أسوأ أعمالهم فلم يبده, ألم تر أن الله ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم حتى يقول قائل: أنا خير عملا من هؤلاء, وذلك بأن الله ردّ عليهم أحسن أعمالهم, ألم تر أن الله عزّ وجلّ أنـزل أية الشدّة عند آية الرخاء, وآية الرخاء عند آية الشدّة, ليكون المؤمن راغبا راهبا, لئلا يُلقي بيده إلى التهلكة, ولا يتمنى على الله أمنية يتمنى على الله فيها غير الحقّ.

واختلفت القراء في قراءة قوله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (يُتَقَبَّلُ وَيُتَجَاوَزُ) بضم الياء منهما, على ما لم يسمّ فاعله, ورفع (أحْسَنُ). وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة (نَتَقَبَّلُ, وَنَتَجَاوَزُ) بالنون وفتحها, ونصب (أحسنَ) على معنى إخبار الله جلّ ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم,

وردّا للكلام على قوله وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ ونحن نتقبل منهم أحسن ما عملوا ونتجاوز, وهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله ( وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) يقول: وعدهم الله هذا الوعد, وعد الحقّ لا شك فيه أنه موفّ لهم به, الذي كانوا إياه في الدنيا يعدهم الله تعالى, ونصب قوله ( وَعْدَ الصِّدْقِ ) لأنه مصدر خارج من قوله ( نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ) , وإنما أخرج من هذا الكلام مصدر وعد وعدا, لأن قوله ( يَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ - وَيَتَجاوَز ُ) وعد من الله لهم, فقال: وعد الصدق, على ذلك المعنى.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[16] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ قبول العمل هاجس في قلوب المحسنين، اللهم تقبل منا رمضان.
وقفة
[16] ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ هل المقصود أن تقبل لهم مثلًا أحسن صلاة وتقاس عليها باقي الصلوات، وهكذا؟ الجواب: قال الشوكاني في تفسير الآية: المراد بالأحسن: الحسن، كقوله: ﴿واتَّبِعُوا أحْسَنَ ما أُنْزِلَ إلَيْكم﴾ [الزمر: 55]، وقيل: إن اسم التفضيل على معناه، ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال، لا ما لا يثاب عليه كالمباح؛ فإنه حسن وليس بأحسن.
وقفة
[16] قال الله عز وجل بعد آية بر الوالدين: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾، لعل برك بوالديك سبب لقبول صلواتك وعبادتك.
لمسة
[16] ﴿نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ﴾ الأصل أن تأتي (نتقبل منهم)، ولكن جاءت (عنهم) حتى يشمل توبته عن السيئات التي فعلها.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ الَّذِينَ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هم. وجملة «هم الذين» في محل رفع خبر «اولئك».
  • ﴿ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.نتقبل: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. عن: حرف جر بمعنى «من» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن. والجار والمجرور متعلق بنتقبل.
  • ﴿ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. عملوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «عملوا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: احسن ما عملوه او تكون «ما» مصدرية. والجملة صلتها لا محل لها. و «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة بتقدير:احسن اعمالهم.
  • ﴿ وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ» وتعرب اعرابها. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال أي بتقدير: كائنين من أصحاب الجنة ومعدودين فيهم. و «في» بمعنى «مع» اي مع أصحاب الجنة أي في جملتهم وعدادهم. الجنة: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ:
  • مفعول مطلق-مصدر-مؤكد لان قوله: يتقبل ويتجاوز وعد من الله سبحانه لهم بالتقبل والتجاوز وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الصدق: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ الَّذِي كانُوا:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة-نعت- للوعد وفي محل جر صفة للصدق و «كانوا» فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والالف فارقة. وجملة كانُوا يُوعَدُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وحذف الجار الصلة العائدة لاسم الموصول. التقدير: الذي كانوا يوعدون به اي الذي كنا وعدناهم به. وجملة «يوعدون» في محل نصب خبر «كان».
  • ﴿ يُوعَدُونَ:
  • فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرت أوصافهم؛ ذُكِرَ جزاؤهم، وما حصل لهم من الخير والمحبوب، وزال عنهم من الشر والمكروه، قال تعالى:
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نتقبل ... أحسن:
1- نتقبل، بالنون، وأحسن، بالنصب. وهى قراءة زيد بن على، وابن وثاب، وطلحة، وأبى جعفر، والأعمش، بخلاف عنه، وحمزة، والكسائي، وحفص.
وقرئ:
2- يتقبل، بالياء مفتوحة، أحسن، بالنصب، وهى قراءة الحسن، والأعمش، وعيسى.
3- يتقبل، بالياء مبنيا للمفعول، أحسن، بالرفع، وهى قراءة زيد بن على، وابن وثاب، وطلحة، وأبى جعفر، والأعمش.

مدارسة الآية : [17] :الأحقاف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا ..

التفسير :

[17] والذي قال لوالديه إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث:قبحاً لكما أتَعِدانني أن أُخْرج من قبري حيّاً، وقد مضت القرون من الأمم من قبلي، فهلكوا فلم يُبعث منهم أحد؟ ووالداه يسألان الله هدايته قائلَين له:ويلك، آمن وصدِّق واعمل صالحاً، إن وعد الله

لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه ذكر حالة العاق وأنها شر الحالات فقال:{ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} إذ دعواهإلى الإيمان بالله واليوم الآخر وخوفاه الجزاء.

وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية وفلاحه السرمدي فقابلهما بأقبح مقابلة فقال:{ أُفٍّ لَكُمَا} أي:تبا لكما ولما جئتما به.

ثم ذكر وجه استبعاده وإنكاره لذلك فقال:{ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} من قبري إلى يوم القيامة{ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} على التكذيب وسلفوا على الكفر وهم الأئمة المقتدى بهم لكل كفور وجهول ومعاند؟{ وَهُمَا} أي:والداه{ يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} عليه ويقولان له:{ وَيْلَكَ آمِنْ} أي:يبذلان غاية جهدهما ويسعيان في هدايته أشد السعي حتى إنهما -من حرصهما عليه- أنهما يستغيثان الله له استغاثة الغريق ويسألانه سؤال الشريق ويعذلان ولدهما ويتوجعان له ويبينان له الحق فيقولان:{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ثم يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما، وولدهما لا يزداد إلا عتوا ونفورا واستكبارا عن الحق وقدحا فيه،{ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي:إلا منقول من كتب المتقدمين ليس من عند الله ولا أوحاه الله إلى رسوله، وكل أحد يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ ولا تعلم من أحد، فمن أين يتعلمه؟ وأنى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟.

والاسم الموصول في قوله- تعالى-: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما.. بمعنى الذين، وهو مبتدأ وخبره قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ.. وهذا صريح في أن المراد بقوله: وَالَّذِي العموم وليس الإفراد، وهذا يدل- أيضا- على فساد قول من قال إن الآية نزلت في شأن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق- رضى الله عنهما-، والصحيح أنها في حق كل كافر عاق لوالديه، منكر للبعث.

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: وهذا عام في كل من قال هذا، ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبى بكر، فقوله ضعيف، لأن عبد الرحمن أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه.

أخرج البخاري عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية بن أبى سفيان، فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه.

فقال له عبد الرحمن بن أبى بكر شيئا.. فقال مروان: إن هذا الذي أنزل فيه: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ...

فقالت عائشة من وراء حجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري. وفي رواية للنسائى أنها قالت: كذب مروان، والله ما هو به، ولو شئت أن أسمى الذي نزلت فيه لسميته...

ولفظ «أف» : اسم صوت ينبئ عن التضجر، أو اسم فعل مضارع هو أتضجر.

والمقصود به هنا: إظهار الملل والتأفف والكراهية لما يقوله أبواه من نصح له.

وقوله: أَتَعِدانِنِي فعل مضارع من وعد الماضي، وحذف واوه في المضارع مطرد.

والنون الأولى نوع الرفع، والثانية نون الوقاية.

وقوله: أَنْ أُخْرَجَ: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر هو المفعول الثاني لقوله:

أَتَعِدانِنِي. أى: والذي قال لوالديه- على سبيل الإنكار والإعراض عن نصحهما- أُفٍّ لَكُما أى: أقول بعدا وكرها لقولكما، أو إنى متضجر من قولكما.

أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ أى: أتعداننى الخروج من قبري بعد أن أموت، لكي أبعث وأحاسب على عملي، والحال أنه قَدْ خَلَتِ أى: مضت الْقُرُونُ الكثيرة مِنْ قَبْلِي دون أن يخرج أحد منهم من قبره، ودون أن يرجع بعد أن مات.

فالآية الكريمة تصور بوضوح ما كان عليه هذا الإنسان، من سوء أدب مع أبويه، ومن إنكار صريح للبعث والحساب والجزاء.

ثم حكى- سبحانه- مارد به الأبوان فقال: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ....

وقوله: يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ أى: يلتمسان غوثه وعونه في هداية هذا الإنسان إلى الصراط المستقيم، والجملة في محل نصب على الحال.

ولفظ «ويلك» في الأصل، يقال في الدعاء على شخص بالهلاك والتهديد. والمراد به هنا:

حض المخاطب على الإيمان والطاعة لله رب العالمين.

أى: هذا هو حال الإنسان العاق الجاحد، أما حال أبواه، فإنهما يفزعان لما قاله وترتعش أفئدتهما لهذا التطاول والصدود عن الحق، فيلجئان إلى الله، ويلتمسان منه- سبحانه- الهداية لابنهما، ويحضان هذا الابن على الإيمان بوحدانية الله- تعالى-، وبالبعث والحساب والجزاء، فيقولان له: وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ولا خلف فيه، ولا راد له..

والمتأمل في هذه الجملة الكريمة يراها تصور لهفة الوالدين على إيمان ولدهما أكمل تصوير، فهما يلتمسان من الله له الهداية، ثم يهتفان بهذا الابن العاق بفزع أن يترك هذا الجحود، وأن يبادر إلى الإيمان بالحق..

ولكن الابن العاق يصر على كفره، ويلج في جحوده: فَيَقُولُ في الرد على أبويه ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. أى: ما هذا الذي تعدانني إياه من البعث والحساب والجزاء.. إلا أباطيل الأولين وخرافاتهم التي سطروها في كتبهم.

فالأساطير: جمع أسطورة، وهي ما سجله الأقدمون في كتبهم من خرافات وأكاذيب.

لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز والنجاة ، عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال : ( والذي قال لوالديه أف لكما ) - وهذا عام في كل من قال هذا ، ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر فقوله ضعيف ; لأن عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ، وكان من خيار أهل زمانه .

وروى العوفي ، عن ابن عباس : أنها نزلت في ابن لأبي بكر الصديق . وفي صحة هذا نظر ، والله أعلم .

وقال ابن جريج ، عن مجاهد : نزلت في عبد الله بن أبي بكر . وهذا أيضا قاله ابن جريج .

وقال آخرون : عبد الرحمن بن أبي بكر . وقاله السدي . وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق ، فقال لوالديه : ( أف لكما ) عقهما .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، أخبرني عبد الله بن المديني قال : إني لفي المسجد حين خطب مروان ، فقال : إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا ، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : أهرقلية ؟ ! إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ، ولا أحد من أهل بيته ، ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده . فقال مروان : ألست الذي قال لوالديه : أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن : ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباك ؟ قال : وسمعتهما عائشة فقالت : يا مروان ، أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا ؟ كذبت ، ما فيه نزلت ، ولكن نزلت في فلان بن فلان . ثم انتحب مروان ، ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها ، فجعل يكلمها حتى انصرف .

وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر ، فقال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك قال : كان مروان على الحجاز ، استعمله معاوية بن أبي سفيان ، فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا ، فقال : خذوه . فدخل بيت عائشة ، رضي الله عنها ، فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إن هذا الذي أنزل فيه : ( والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي ) فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن ، إلا أن الله أنزل عذري .

طريق أخرى : قال النسائي : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أمية بن خالد ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد قال : لما بايع معاوية لابنه ، قال مروان : سنة أبي بكر وعمر . فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : سنة هرقل وقيصر . فقال مروان : هذا الذي أنزل الله فيه : ( والذي قال لوالديه أف لكما ) الآية ، فبلغ ذلك عائشة فقالت : كذب مروان ! والله ما هو به ، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان فضض من لعنة الله .

وقوله : ( أتعدانني أن أخرج ) أي : [ أن ] أبعث ( وقد خلت القرون من قبلي ) أن قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر ، ( وهما يستغيثان الله ) أي : يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما : ( ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ) قال الله [ تعالى ] ( أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) أي : دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (17)

وهذا نعت من الله تعالى ذكره نعت ضالّ به كافر, وبوالديه عاقّ, وهما مجتهدان في نصيحته ودعائه إلى الله, فلا يزيده دعاؤهما إياه إلى الحقّ, ونصيحتهما له إلا عتوًا وتمرّدا على الله, وتماديا في جهله, يقول الله جلّ ثناؤه ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ ) أن دعواه إلى الإيمان بالله, والإقرار ببعث الله خلقه من قبورهم, ومجازاته إياهم بأعمالهم (أُفٍّ لَكُمَا) يقول: قذرا لكما ونتنا( أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) يقول أتعدانني أن أخرج من قبري من بعد فنائي وبلائي فيه حيا.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) أن أبعث بعد الموت.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) قال: يعني البعث بعد الموت.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي )... إلى آخر الآية; قال: الذي قال هذا ابن لأبي بكر رضي الله عنه , قال: ( أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) أتعدانني أن أبعث بعد الموت.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا هوذة, قال: ثنا عوف, عن الحسن, في قوله ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) قال: هو الكافر الفاجر العاقّ لوالديه, المكذب بالبعث.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: ثم نعت عبد سوء عاقا لوالديه فاجرا فقال: ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا )... إلى قوله ( أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) .

وقوله ( وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ) يقول: أتعدانني أن أبعث, وقد مضت قرون من الأمم قبلي, فهلكوا, فلم يبعث منهم أحدا, ولو كنت مبعوثا بعد وفاتي كما تقولان, لكان قد بعث من هلك قبلي من القرون ( وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ) يقول تعالى ذكره ووالداه يستصرخان الله عليه, ويستغيثانه عليه أن يؤمن بالله, ويقرّ بالبعث ويقولان له: ( وَيْلَكَ آمِنْ ) , أي صدّق بوعد الله, وأقر أنك مبعوث من بعد وفاتك, إن وعد الله الذي وعد خلقه أنه باعثهم من قبورهم, ومخرجهم منها إلى موقف الحساب لمجازاتهم بأعمالهم حقّ لا شكّ فيه، فيقول عدوّ الله مجيبا لوالديه, وردًّا عليهما نصيحتهما, وتكذيبا بوعد الله: ما هذا الذي تقولان لي وتدعواني إليه من التصديق بأني مبعوث من بعد وفاتي من قبري, إلا ما سطره الأوّلون من الناس من الأباطيل, فكتبوه, فأصبتماه أنتما فصدّقتما.

التدبر :

وقفة
[17] ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا ... وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّـهَ﴾ ما أرحم الوالدين! العاق يتأفف والوالد يتودد.
وقفة
[17] ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا ... وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّـهَ﴾ قال ابن كثير: «وهذا عام في كل من قال هذا، ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر، فقوله ضعيف؛ لأن عبد الرحمن أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه».
عمل
[17] ارفق بوالديك فلا تكن سببًا في أن يستصرخا ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾.
وقفة
[17] يقول لوالديه: ﴿أُفٍّ لَّكُمَا﴾، وهما يقولان: ﴿وَيْلَكَ آمِنْ﴾، مشهد يتكرر في بيوتنا كثيرًا، لا يعرف الابن قدر نصح والديه.
وقفة
[17] ﴿أَتَعِدانِني أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَتِ القُرونُ مِن قَبلي﴾ ما أسوأ ألا يستطيع الآباء إقناع أبنائهم بما فيه مصلحتهم، ويعود بالنفع عليهم، هذا مؤلم حقًّا.
وقفة
[17] ﴿وَهُما يَستَغيثانِ اللَّهَ وَيلَكَ آمِن﴾ الوالدان دائمًا لا هم لهم إلا ما فيه مصلحة الأبناء، والأبناء فى وادٍ آخر إلا من رحم ربى.
وقفة
[17] ﴿وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّـهَ وَيْلَكَ آمِنْ﴾ حرصُ الوالدين على هدايةِ الولدِ يضطرُّهما أحيانًا لقسوةِ العبارةِ، يا لحرصهما!
وقفة
[17] ﴿وَهُما يَستَغيثانِ اللَّهَ وَيلَكَ آمِن﴾ تقطَّعت قلوب الآباء في تربية الأبناء!
وقفة
[17] لو يعلم الأبناء ما في قلوب والديهم من الحرقة لأجل هدايتهم؛ لأدركوا قوله ﷻ: ﴿وَهُما يَستَغيثانِ اللَّهَ وَيلَكَ آمِن﴾، وأن صلاحهم أعظم البر بهما.
وقفة
[17] ﴿وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ لاحظ أنه جمع بين الدعاء للأبناء بالهداية، وبذل الأسباب ومحاورتهم!
وقفة
[17] في تربية الأبناء ينبغي للأهل أن يجمعوا بين دعاء ﷲ وبذل الأسباب من نصح ووعظ ﴿وهما يستغيثان اﷲ ويلك آمن إن وعد ﷲ حق﴾.
وقفة
[17] إقناع الإنسان لنفسه بتحضُّره وتخلف غيره، وتنوُّره وظلام غيره؛ يحجب عقله عن التأمل ﴿ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين﴾.
وقفة
[17] ﴿إنَّ وعد الله حقٌّ﴾ أي لاشكَّ فيه، وهذا مما يُعين على الصبر؛ فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملًا؛ هان عليه ما يلقاه من المكاره، ويسَّر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير.
وقفة
[17] وصفوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلّف القديم، فقالوا: ﴿أساطير الأولين﴾، وقالوا: ستموت دعوته بموته ووصفوه بـ (الأبتر)؛ فماتوا ومات دينهم، وبقي ذكر محمد ودينه.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِي:
  • الواو عاطفة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة الاسمية الواردة في بداية الآية الكريمة التالية في محل رفع خبره والمراد بالذي قال: الجنس القائل ذلك القول ولذلك وقع الخبر مجموعا. والجملة الفعلية بعد «الذي» صلته لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ قالَ لوالِدَيْهِ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لوالديه: جار ومجرور متعلق بقال وعلامة جر الاسم الياء لانه مثنى وحذفت النون للاضافة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة والجملة بعده مفعول به-مقول القول-في محل نصب.
  • ﴿ أُفٍّ لَكُما:
  • اسم فعل مضارع بمعنى «أتضجر» والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره انا. لكما: جار ومجرور متعلق بمعنى «أف» وقيل اللام هنا للبيان بمعنى هذا التأفيف لكما خاصة ولاجلكما دون غيركما. و «ما» علامة التثنية.
  • ﴿ أَنْ أُخْرَجَ:
  • حرف مصدرية ونصب. اخرج: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انا، وجملة «أخرج» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر اي بأن اخرج اي بالخروج من الارض والبعث من جديد. والجار والمجرور متعلق بتعدانني.
  • ﴿ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ:
  • الواو حالية والجملة بعدها في محل نصب حال. قد:حرف تحقيق. خلت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بتاء التأنيث ولالتقاء الساكنين. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. القرون: فاعل مرفوع بالضمة اي اهل القرون فحذف المضاف وحل المضاف اليه محله
  • ﴿ مِنْ قَبْلِي:
  • جار ومجرور متعلق بالفعل خلت. او يتعلق بحال محذوفة من اهل القرون والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة بمعنى وقد مضوا ولم يبعث منهم احد.
  • ﴿ وَهُما يَسْتَغِيثانِ:
  • الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هما:ضمير رفع منفصل-ضمير الغائبين-في محل رفع مبتدأ. يستغيثان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والالف ضمير متصل-ضمير الاثنين-مبني على السكون في محل رفع فاعل. والجملة في محل رفع خبر «هما» بمعنى: يقولان الغياث بالله منك ومن قولك وهو استعظام لقوله
  • ﴿ اللهَ:
  • لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.
  • ﴿ وَيْلَكَ:
  • المراد: الحث والتحريض على الايمان وهو دعاء عليه بالثبور دون ارادة حقيقة الهلاك. والكلمة مفعول مطلق-مصدر-منصوب وهو مضاف والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالاضافة وهو مصدر لا فعل له
  • ﴿ آمِنْ:
  • امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. وجملة وَيْلَكَ آمِنْ» في محل نصب مفعول به-مقول القول-اي قائلين له: ويلك آمن.
  • ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد التعليل. وعد:اسم «ان» منصوب بالفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. حق: خبر «ان» مرفوع بالضمة بمعنى: آمن فان وعد الله بمعاقبة الكافرين حق اي وعد حق.
  • ﴿ فَيَقُولُ:
  • الفاء استئنافية. يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به-مقول القول-ما: نافية لا عمل لها. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. الا: اداة حصر لا عمل لها. اساطير: خبر «هذا» مرفوع بالضمة اي اباطيل.
  • ﴿ الْأَوَّلِينَ:
  • مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

الأنبياء: 67﴿ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ
الأحقاف: 17﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعد أن ذَكَرَ اللَّهُ الولدَ البَارَّ بوالديِه؛ ذكَرَ هنا الولدَ العاقَّ لوالديِه، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أتعدانني:
1- بنونين، الأولى مكسورة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بإدغام نون الرفع فى نون الوقاية، وهى قراءة الحسن، وعاصم، وأبى عمرو، فى رواية هشام.
3- بنون واحدة، وهى قراءة نافع، فى رواية، وجماعة.
4- بنونين، الأولى مفتوحة، فرارا من الكسرتين، وهى قراءة شيبة، وأبى جعفر، بخلاف عنه، وعبد الوارث، عن أبى عمرو، وهارون بن موسى، عن الجحدري.
وقال أبو حاتم: فتح النون باطل غلط.
أخرج:
1- مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للفاعل، وهى قراءة الحسن، وابن يعمر، والأعمش، وابن مصرف، والضحاك.
إن وعد الله:
1- بكسر همزة «إن» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، أي: آمن بأن، وهى قراءة الأعرج، وعمرو بن فائد.

مدارسة الآية : [18] :الأحقاف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ..

التفسير :

[18] أولئك الذين هذه صفتهم وجب عليهم عذاب الله، وحلَّت بهم عقوبته وسخطه في جملة أمم مضت مِن قبلهم مِنَ الجن والإنس على الكفر والتكذيب، إنهم كانوا خاسرين ببيعهم الهدى بالضلال، والنعيم بالعذاب.

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ} بهذه الحالة الذميمة{ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي:حقت عليهم كلمة العذاب{ فِي} جملة{ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} على الكفر والتكذيب فسيدخل هؤلاء في غمارهم وسيغرقون في تيارهم.

{ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} والخسران فوات رأس مال الإنسان، وإذا فقد رأس ماله فالأرباح من باب أولى وأحرى، فهم قد فاتهم الإيمان ولم يحصلوا على شيء من النعيم ولا سلموا من عذاب الجحيم.

وقوله: أُولئِكَ.. اسم الإشارة هذا يعود إلى العاقين المكذبين بالبعث والجزاء المذكورين في قوله- تعالى- قبل ذلك: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ...

أى: أولئك القائلون ذلك، هم الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أى: وجب عليهم العذاب الذي حكم به- سبحانه- على أمثالهم في قوله- تعالى- لإبليس لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ كما يفيده قوله- سبحانه- بعد ذلك. فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. أى: أولئك الذين وجب عليهم العذاب، حالة كونهم مندرجين في أمم قد مضت من قبلهم من طائفة الجن ومن طائفة الإنس إِنَّهُمْ جميعا كانُوا خاسِرِينَ لأنهم استحبوا الكفر على الإيمان.

وقوله : ( أولئك ) بعد قوله : ( والذي قال ) دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك .

وقال الحسن وقتادة : هو الكافر الفاجر العاق لوالديه ، المكذب بالبعث .

وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود ، من طريق هشام بن عمار : حدثنا حماد بن عبد الرحمن ، حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي ، عن سليمان بن حبيب المحاربي ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أربعة لعنهم الله من فوق عرشه ، وأمنت عليهم الملائكة : مضل المساكين - قال خالد : الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول : هلم أعطيك ، فإذا جاءه قال : ليس معي شيء - والذي يقول للمكفوف : اتق الدابة ، وليس بين يديه شيء . والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها ، والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا " . غريب جدا .

القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)

يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم, الذين وجب عليهم عذاب الله, وحلَّت بهم عقوبته وسخطه, فيمن حلّ به عذاب الله على مثل الذي حلّ بهؤلاء من الأمم الذين مضوا قبلهم من الجنّ والإنس, الذين كذّبوا رسل الله, وعتوا عن أمر ربهم.

وقوله (إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) يقول تعالى ذكره: إنهم كانوا المغبونين ببيعهم الهدى بالضلال والنعيم بالعقاب.

2

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا معاذ بن هشام, قال: ثنا أبي, عن قتادة, عن الحسن, قال: الجنّ لا يموتون, قال قتادة: فقلت ( أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ )... الآية.

التدبر :

وقفة
[18] من عق والديه بأدنى درجات الإيذاء فيخشى دخوله في وعيد قوله تعالى: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾.
وقفة
[18] الجن والإنس لا يموتون، بل في النار يعذبون! قال الحسن: «الجنُّ لا يموتون»، فقال قتادة معقبًا: فقلت: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾.
تفاعل
[18] ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الخاسرين.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ الَّذِينَ:
  • اعربت في الآية الكريمة السادسة عشرة وبقية الآية اعربت في الآية الكريمة الخامسة والعشرين من سورة «فصلت».
  • ﴿ فِي أُمَمٍ:
  • تعرب اعراب فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ» الواردة في الآية الكريمة السادسة عشرة ايضا.'

المتشابهات :

الأعراف: 38﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ
فصلت: 25﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ
الأحقاف: 18﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ الولدَ العاقَّ لوالديِه؛ ذكرَ هنا عقوبته، قال تعالى:
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إنهم كانوا:
1- بكسر همزة «إنهم» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة العباس، عن أبى عمرو.

مدارسة الآية : [19] :الأحقاف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ ..

التفسير :

[19] ولكل فريق من أهل الخير وأهل الشر منازل عند الله يوم القيامة؛ بأعمالهم التي عملوها في الدنيا، كل على وَفْق مرتبته؛ وليوفيهم الله جزاء أعمالهم، وهم لا يُظلمون بزيادة في سيئاتهم، ولا بنقص من حسناتهم.

{ وَلِكُلٍّ} من أهل الخير وأهل الشر{ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} أي:كل على حسب مرتبته من الخير والشر ومنازلهم في الدار الآخرة على قدر أعمالهم ولهذا قال:{ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} بأن لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم.

ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر عدالته في حكمه بين عباده فقال: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا. وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

والتنوين في قوله وَلِكُلٍّ عوض عن المضاف إليه المحذوف، والجار والجرور في قوله مِمَّا عَمِلُوا صفة لقوله دَرَجاتٌ، ومن بيانية، وما موصولة.

وقوله: وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ علة لمحذوف.. والمعنى: ولكل فريق من الفريقين: فريق المؤمنين المعبر عنهم بقوله: - تعالى-: أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ...

وفريق الكافرين المعبر عنهم بقوله- تعالى-: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ...

لكل فريق من هؤلاء وهؤلاء دَرَجاتٌ حاصلة من الذي عملوه من الخير والشر، وقد فعل- سبحانه- ذلك معهم، ليوفيهم جزاء أعمالهم.

وَهُمْ جميعا لا يُظْلَمُونَ شيئا، بل كل فريق منهم يجازى على حسب عمله. كما قال- تعالى-: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.

وقوله : ( ولكل درجات مما عملوا ) أي : لكل عذاب بحسب عمله ، ( وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ) أي : لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها .

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : درجات النار تذهب سفالا ودرجات الجنة تذهب علوا .

وقوله ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) يقول تعالى ذكره: ولكلّ هؤلاء الفريقين: فريق الإيمان بالله واليوم الآخر, والبرّ بالوالدين, وفريق الكفر بالله واليوم الآخر, وعقوق الوالدين اللذين وصف صفتهم ربنا عزّ وجلّ في هذه الآيات منازل ومراتب عند الله يوم القيامة, مما عملوا, يعني من عملهم الذي عملوه في الدنيا من صالح وحسن وسيىء يجازيهم الله به.

وقد حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) قال: درج أهل النار يذهب سفالا ودرج أهل الجنة يذهب علوا( وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ) يقول جلّ ثناؤه: وليعطى جميعهم أجور أعمالهم التي عملوها في الدنيا, المحسن منهم بإحسانه ما وعد الله من الكرامة, والمسيء منهم بإساءته ما أعدّه من الجزاء ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يقول: وجميعهم لا يظلمون: لا يجازى المسيء منهم إلا عقوبة على ذنبه, لا على ما لم يعمل, ولا يحمل عليه ذنب غيره, ولا يبخس المحسن منهم ثوابَ إحسانه.

التدبر :

وقفة
[19] ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾ فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه، فإن موضع نظر الله سبحانه: القلوب، دون ظاهر الحركات.
وقفة
[19] ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾ حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
وقفة
[19] ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾ درجات النار تزداد سفولًا، ودرجات الجنة تزداد علوا، ولن يُظلم أحد، فلن يزاد في سيئات المسيئين وعذابهم، ولن ينقص من حسنات المحسنين ونعيمهم.
وقفة
[19] ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ لكل فريق من أهل الخير والشر منازل عند الله يوم القيمة; بأعمالهم التي عملوها في الدنيا.
وقفة
[19] ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِما عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ إن قلتَ: كيف وصف الفريقين بأنَّ لكلٍ منهما درجات، مع أن أهل النَارِ لهم دَرَكاتٌ لا دَرَجاتٌ؟ قلتُ: الدرجاتُ هي: الطبقاتُ من المراتب مطلقًا، أو فيه إضمارٌ تقديره: ولكلِّ فريقٍ درجاتٌ أو دركاتٌ، لكنْ حذفَ الثاني اختصارًا، لدلالة المذكور عليه.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ:
  • الواو استئنافية. لكل: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. درجات: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة بمعنى ولكل من الجنسين درجات اي مراتب ومنازل.
  • ﴿ مِمّا عَمِلُوا:
  • اصلها: من: حرف جر. و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. عملوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة وجملة «عملوا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: مما عملوه. اي من جزاء ما عملوا من الخير والشر او من اجل ما عملوا منهما.او تكون «ما» مصدرية وتكون الجملة صلتها لا محل لها. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بدرجات او بصفة محذوفة لها. والوجه الثاني اوجه بدليل وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ».
  • ﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ:
  • الواو عاطفة على معلل محذوف لدلالة الكلام عليه بتقدير: وليوفيهم اعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم. اللام لام التعليل وهي حرف جر. يوفي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به اول. اعمال: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة وجملة «يوفيهم أعمالهم» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «أن» المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام.
  • ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال. هم: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لا:نافية لا عمل لها. يظلمون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والجملة لا يُظْلَمُونَ» في محل رفع خبر «هم».'

المتشابهات :

الأنعام: 132﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
الأحقاف: 19﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ الفريقينِ؛ بَيَّنَ هنا أنَّ لكلٍّ من الفريقينِ درجاتٍ عندَ ربِّهم، قال تعالى:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وليوفيهم:
1- بالياء، أي: الله تعالى، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنون، وهى قراءة الأعمش، والأعرج، وشيبة، وأبى جعفر، والأخوين، وابن ذكوان، ونافع، بخلاف عنه.
3- بالتاء، أي: ولتوفيهم الدرجات، أسند التوفية إليها مجازا، وهى قراءة السلمى.

مدارسة الآية : [20] :الأحقاف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى ..

التفسير :

[20] ويوم يعرض الذين كفروا على النار للعذاب، فيقال لهم توبيخاً:لقد أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها، فاليوم -أيها الكفار- تُجْزَون عذاب الخزي والهوان في النار؛ بما كنتم تتكبرون في الأرض بغير الحق، وبما كنتم تخرجون عن طاعة الله.

يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون فيقال لهم:{ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} حيث اطمأننتم إلى الدنيا، واغتررتم بلذاتها ورضيتم بشهواتها وألهتكم طيباتها عن السعي لآخرتكم وتمتعتم تمتع الأنعام السارحة فهي حظكم من آخرتكم،{ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أي:العذاب الشديد الذي يهينكم ويفضحكم بما كنتم تقولون على الله غير الحق، أي:تنسبون الطريق الضالة التي أنتم عليها إلى الله وإلى حكمه وأنتم كذبة في ذلك،{ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} أي:تتكبرون عن طاعته، فجمعوا بين قول الباطل والعمل بالباطل والكذب على الله بنسبته إلى رضاه والقدح في الحق والاستكبار عنه فعوقبوا أشد العقوبة.

ثم بين- سبحانه- ما سيكون عليه الكافرون يوم القيامة من حال سيئة فقال: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ، أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ...

والظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكر. وقوله يُعْرَضُ من العرض بمعنى الوقوف على الشيء، وتلقى ما يترتب على هذا الوقوف على هذا الشيء من خير أو شر.

والمراد بالعرض على النار هنا: مباشرة عذابها، وإلقائهم فيها، ويشهد لهذا قوله- تعالى- بعد ذلك وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ، أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ، قالُوا: بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.

قال الآلوسى: قوله: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ. أى: يعذبون بها، من قولهم: عرض بنو فلان على السيف، إذا قتلوا به، وهو مجاز شائع.. .

وقوله: أَذْهَبْتُمْ.. إلخ مقول لقول محذوف. وهذا اللفظ قرأه ابن كثير وابن عامر أأذهبتم بهمزتين على الاستفهام الذي هو للتقريع والتوبيخ، وقرأه الجمهور أَذْهَبْتُمْ بهمزة واحدة على الخبر من غير استفهام.

أى: واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، يوم يقف الذين كفروا على النار، فيرون سعيرها ثم يلقون فيها، ويقال لهم- على سبيل الزجر والتأنيب- أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا أى: ضيعتم وأتلفتم الطيبات التي أنعم الله بها عليكم في حياتكم الدنيا، حيث اسْتَمْتَعْتُمْ بِها استمتاعا دنيويا دون أن تدخروا للآخرة منها شيئا..

فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أى: تجزون عذاب الهون والخزي والذل.

بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أى: بسبب استكباركم في الأرض بغير الحق..

وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ أى: وبسبب خروجكم في الدنيا عن طاعة الله- تعالى-، وعن هدى أنبيائه.

وقيد- سبحانه- استكبارهم في الأرض بكونه بغير الحق، ليسجل عليهم هذه الرذيلة، وليبين أنهم قوم دينهم التكبر والغرور وإيثار اتباع الباطل على الحق.

قال الجمل: والحاصل أنه- تعالى- علل ذلك العذاب بأمرين:

أحدهما: الاستكبار والترفع وهو ذنب القلب.

والثاني: الفسق وهو ذنب الجوارح، وقدم الأول على الثاني، لأن أحوال القلب أعظم وقعا من أعمال الجوارح .

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن مصارع الغابرين الذين كانوا أشد قوة وأكثر جمعا من مشركي قريش، لكي يعتبروا بهم، ويقلعوا عن كفرهم، حتى لا يكون مصيرهم كمصير من سبقوهم في الكفر والطغيان، فقال- سبحانه-:

وقوله : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا . وقد تورع [ أمير المؤمنين ] عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن كثير من طيبات المآكل والمشارب ، وتنزه عنها ، ويقول : [ إني ] أخاف أن أكون كالذين قال الله تعالى لهم وقرعهم : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها )

وقال أبو مجلز : ليتفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا ، فيقال لهم : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا )

وقوله : ( فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) فجوزوا من جنس عملهم ، فكما نعموا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق ، وتعاطوا الفسق والمعاصي ، جازاهم الله بعذاب الهون ، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة ، والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة ، أجارنا الله من ذلك كله .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)

يقول تعالى ذكره: ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) بِاللَّهِ ( عَلَى النَّارِ ) يقال لهم ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) فيها.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) قرأ يزيد حتى بلغ ( وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) تعلمون والله أن أقواما يشترطون حسناتهم استبقى رجل طيباته إن استطاع, ولا قوّة إلا بالله. ذُكر أن عمر بن الخطاب كان يقول: لو شئت كنت أطيبكم طعاما, وألينكم لباسا, ولكني أستبقي طيباتي. وذُكر لنا أنه لما قدم الشأم, صنع له طعام لم ير قبله مثله, قال: هذا لنا, فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ قال خالد بن الوليد: لهم الجنة, فاغرورقت عينا عمر, وقال: لئن كان حظنا في الحطام, وذهبوا- قال أبو جعفر فيما أرى أنا- بالجنة, لقد باينونا بونا بعيدا.

وذُكر لنا " أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم دخل على أهل الصفة مكانا يجتمع - فيه فقراء المسلمين, وهم يرقَعون ثيابهم بالأدَم, ما يجدون لها رقاعا, قال: أنتم اليوم خير, أو يوم يغدو أحدكم في حلة, ويروح في أُخرى, ويغدى عليه بحفنة, ويُراح عليه بأخرى, ويستر بيته كما تستر الكعبة. قالوا: نحن يومئذ خير, قال: " بل أنتم اليوم خير " .

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: حدثنا صاحب لنا عن أبي هريرة, قال: إنما كان طعامنا مع النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الأسودين: الماء, والتمر, والله ما كنا نرى سمراءكم هذه, ولا ندري ما هي.

قال: ثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس الأشعريّ, عن أبيه, قال: أي بنيّ لو شهدتنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ونحن مع نبينا إذا أصابتنا السماء, حسبت أن ريحنا ريح الضأن, إنما كان لباسنا الصوف.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله عزّ وجلّ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا )... إلى آخر الآية, ثم قرأ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ وقرأ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَـزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وقرأ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ... إلى آخر الآية, وقال: هؤلاء الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ) , فقرأته عامة قرّاء الأمصار (أَذْهَبْتُمْ) بغير استفهام, سوى أبي جعفر القارئ, فإنه قرأه بالاستفهام, والعرب تستفهم بالتوبيخ, وتترك الاستفهام فيه, فتقول: أذهبت ففعلت كذا وكذا, وذهبت ففعلت وفعلت. وأعجب القراءتين إليّ ترك الاستفهام فيه, لإجماع الحجة من القرّاء عليه, ولأنه أفصح اللغتين.

وقوله ( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) يقول تعالى ذكره: يقال لهم: فاليوم أيها الكافرون الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا تجزون: أي تثابون عذاب الهون, يعني عذاب الهوان, وذلك عذاب النار الذي يهينهم. كما حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( عَذَابَ الْهُونِ ) قال: الهوان ( بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) يقول: بما كنتم تتكبرون في الدنيا على ظهر الأرض على ربكم, فتأبون أن تخلصوا له العبادة, وأن تذعنوا لأمره ونهيه بغير الحقّ, أي بغير ما أباح لكم ربكم, وأذن لكم به ( وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) يقول: بما كنتم فيها تخالفون طاعته فتعصونه.

التدبر :

تفاعل
[20] ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[20] ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ فالمؤمن لا يُذهِب طيباتِه في الدنيا، بل إنه يترك بعض طيباته للآخرة، وأما الكافر فإنه لا يؤمن بالآخرة، فهو حريص على تناول حظوظه كلها في الدنيا.
وقفة
[20] ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ الآية في الكفار بدليل قوله: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾، وهي مع ذلك واعظة لأهل التقوى من المؤمنين؛ ولذلك قال عمر لجابر بن عبد الله وقد رآه اشترى لحمًا: «أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية».
وقفة
[20] ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ t أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: «قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا»، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ. [البخاري 1275]، وعبد الرحمن بن عوف من العشرة المبشرين بالجنة، لكن المؤمن يهضم نفسه.
وقفة
[20] ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ بيان خطر التوسع في ملاذِّ الدنيا؛ لأنها تشغل عن الآخرة.
وقفة
[20] ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ لما قدم عمر الشام صُنع له طعام لم ير قط مثله، قال: «هذا لنا؟! فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وما شبعوا من خبز الشعير»، فقال خالد بن الوليد: «لهم الجنة»، فاغرورقت عينا عمر بالدموع وقال: «لئن كان حظنا من الدنيا هذا الحطام، وذهبوا هم في حظهم بالجنة، فلقد باينونا بونًا بعيدًا».
وقفة
[20] ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ قال قتادة: «ذكر لنا أن عمر t قال: لو شئتُ كنت أطيبكم طعامًا، وألينكم لباسًا، ولكني أستبقي طيباتي للآخرة».
وقفة
[20] ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ قال جابر: «اشتهى أهلي لحمًا فاشتريته لهم فمررت بعمر بن الخطاب t، فقال: ما هذا يا جابر؟ فأخبرته، فقال: أو كلما اشتهى أحدكم شيئًا جعله في بطنه، أما يخشى أن يكون من أهل هذه الآية: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾». قال القرطبي معلقًا على قول عمر: «إن التوبيخ واقع على ترك الشكر لا على تناول الطيبات المحللة، وهو حسن، فإن تناول الطيب الحلال مأذون فيه، فإذا ترك الشكر عليه، واستعان به على ما لا يحل له، فقد أذهبه».
وقفة
[20] ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ الاستمتاع الحقيقي في الجنة، فهناك الحياة الطيبة والهناء والسعادة التي لا تزول.
وقفة
[20] ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ إن الانغماس في الملذات والإسراف الزائد أحد أسباب الإعراض عن الوحي؛ ولذلك كان عمر رضي الله عنه عندما اتسعت الفتوحات كان يربي نفسه على عدم التوسع فيها، ويقول: «أخشى أن أكون ممن عُجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا».
وقفة
[20] ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا﴾ لنجعل شعارنا: (يا نفس ما كل ما تشتهي تشتري)، فالإنسان إذا عوَّد نفسه حياة الترف؛ سيصعب عليه أن يعيش حياة التقشف، وهذه العيشة تؤثر على عبادته.
وقفة
[20] من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجل ما حرم عليه قبل وفاته عوقب بحرمانه في الآخرة وفواته، وشاهد ذلك قوله تعالى: ﴿‏أذْهَبْتُمْ طيِّبَاتِكُمْ في حيَاتِكُمُ الدُّنْيَا واسْتَمْتَعْتُمْ بها﴾.
وقفة
[20] كثرة الترف تورث الكبر والغفلة ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.
وقفة
[20] ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ الجزاء من جنس العمل؛ عاقبهم الله بالهوان لما استكبروا على عباده.
وقفة
[20] ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ أُريد بالاستكبار الترفع عن الإيمان, وبالفسق معاصي الجوارح, وقدَّمَ ذنب القلب على ذنب الجوارح؛ إذ أعمال الجوارح ناشئة عن مراد القلب.
وقفة
[20] ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ بيان الوعيد الشديد لأصحاب الكبر والفسوق.
وقفة
[20] ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ لمَّا استكبروا هنا استحقوا عذاب الهون هناك.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَوْمَ:
  • الواو استئنافية. يوم: مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر منصوب وعلامة نصبه الفتحة او هو ظرف زمان منصوب متعلق بمضمر قبل «أذهبتم» اي يقال لهم اذهبتم.
  • ﴿ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة. يعرض:فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «كفروا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب بمعنى يوم يعذبون.
  • ﴿ عَلَى النّارِ:
  • جار ومجرور متعلق بيعرض. وعرضهم على النار: تعذيبهم بها اي تعرض النار عليهم.
  • ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ:
  • الجملة في محل رفع نائب فاعل لفعل مضمر تقديره:يقال لهم اذهبتم اي ضيعتم وفي القول توبيخ لهم. اذهبتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.طيباتكم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لانه ملحق بجمع المؤنث السالم والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع
  • ﴿ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا:
  • جار ومجرور متعلق بأذهبتم. و «كم» اعربت فيطَيِّباتِكُمْ». الدنيا: صفة-نعت-لحياتكم مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الالف للتعذر.
  • ﴿ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها:
  • معطوفة بالواو على «أذهبتم» وتعرب اعرابها. بها:جار ومجرور متعلق باستمتعتم اي تمتعتم
  • ﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ:
  • الفاء استئنافية. اليوم: ظرف زمان منصوب متعلق بتجزون وعلامة نصبه الفتحة. تجزون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ عَذابَ الْهُونِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الهون: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ بِما كُنْتُمْ:
  • الباء حرف جر. ما: مصدرية. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. وجملة «كنتم مع خبرها» صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بتجزون. التقدير بسبب استكباركم اي تكبرهم وحذف المضاف المجرور واقيم المضاف اليه مقامه.
  • ﴿ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.في الارض: جار ومجرور متعلق بتستكبرون.
  • ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوف من ضمير «تستكبرون» بمعنى تتكبرون في الأرض غير محقين. او يكون صلة لفعل التكبر اي تتكبرون بما ليس بحق. الحق: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ:
  • معطوفة بالواو على بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» وتعرب اعرابها.'

المتشابهات :

الأنعام: 93﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
الأحقاف: 20﴿أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَـ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ أنَّه يُعطي كلَّ ذى حق حقه؛ بَيَّنَ هنا الأهوال التي يلاقيها الكافرون يوم القيامة، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أذهبتم:
1- على الخبر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بهمزة بعدها مدة مطولة، وهى قراءة قتادة، ومجاهد، وابن وثاب، وأبى جعفر، والأعرج، وابن كثير.
3- بهمزتين محققتين، وهى قراءة ابن ذكوان.
4- بهمزتين، الثانية منهما ملينة، وهى قراءة ابن كثير، فى رواية.
5- بهمزتين، الثانية منهما ملينة مع الفصل بينهما بألف، وهى قراءة هشام.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف