2852829303132333435363738

الإحصائيات

سورة الإسراء
ترتيب المصحف17ترتيب النزول50
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول12تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء15عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 3/14 المُسبِّحات : 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (28) الى الآية رقم (30) عدد الآيات (3)

= فإنْ لم يجدْ الإنسانُ ما يعطي هؤلاءِ فليَعِدْهم إلى ميسرةٍ، ثُمَّ دعا للاعتدالِ في الإنفاقِ من غيرِ بخلٍ ولا إسرافٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (31) الى الآية رقم (34) عدد الآيات (4)

لمَّا بَيَّنَ في الآيةِ السَّابقةِ أنَّه باسطُ الرزقِ والمتكفلُ بالأرزاقِ نهي هنا عن قتلِ الأولادِ خوفًا من الفقرِ، ثُمَّ نَهَى عن: الزنا وقتلِ النَّفسِ وأكلِ مالِ اليتيمِ، ثُمَّ أمرَ بـ: الوفاءِ بالعهدِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (35) الى الآية رقم (38) عدد الآيات (4)

= وإيفاءِ الكيلِ والوزنِ، ونَهَى عن: اتِّباعِ ما لا علمَ لنا به والتكَّبرِ والخُيَلاءِ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الإسراء

استشعر قيمة القرآن/ انتصار أمة الإسراء والقرآن على أمة إسرائيل والتوراة/ المسؤولية الشخصية/ المواجهة والتثبيت/ الإمامة في الدين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • عن أي شيء تتحدث سورة الإسراء؟:   قد يجيب البعض: «إنها تتحدث عن (رحلة الإسراء والمعراج)، وهذا واضح من اسمها ومن أول آية منها». أولًا: إنها آية واحدة فقط هي التي تحدثت عن رحلة (الإسراء)، وهي أول آية، آية واحدة فقط من 111 آية تتكون منها السورة، فماذا عن الـ 110 الباقية؟! ثانيًا: رحلة (المعراج) فلم تتكلم عنها السورة أبدًا، إنما جاء ذكرها في أول سورة النجم. فيبدو أن هناك موضوع آخر، وربما موضوعات تتحدث عنها سورة الإسراء.
  • • بين رحلة (الإسراء) وسورة (الإسراء)::   كانت (رحلة الإسراء والمعراج) تثبيتًا للنبي ﷺ وتأييدًا له وتكريمًا له، وتسرية عنه في وقت اشتداد المصاعب والمشاق، وما تعرض له من أذى وعداء، وكذلك كانت سورة (الإسراء) كلها تدور حول تثبيت النبي ﷺ في مواجهة المشركين المعاندين والمكذبين وتأييده بالحجج والآيات. وركزت السورة على القرآن الكريم؛ لأنه تثبيت للنبي ﷺ والمؤمنين وهم يواجهون أعاصير المحن ورياح الفتن، وهكذا يثبت الله عبادة المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن، ويحدد لهم منابع القوة التي يستمدون منها الصبر وقوة التحمل والثبات على الحق
  • • سورة الإسراء والقرآن::   سورة الإسراء هي أكثر سورة ذكر فيها القرآن 11 مرة، وركزت على قيمة القرآن وعظمته وأهميته كما لم يرد في أي سورة من سور القرآن.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الإسراء».
  • • معنى الاسم ::   الإسراء: هو السير ليلًا، والإسراء أُطْلِق على رحلة الرسول ﷺ ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
  • • سبب التسمية ::   لأنها افتتحت بذكر قصة إسراء النبي ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة بني إسرائيل»؛ لأنه ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض ما لم يذكر في غيرها، و«سورة سبحان»؛ لافتتاحها بهذه الكلمة، وذُكر التسبيح فيها في أكثر من آية.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   تثبيت الله لعباده المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن.
  • • علمتني السورة ::   استشعار قيمة القرآن، وقيمة المسؤولية عنه من قراءته وتنفيذه والدعوة إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن كل إنسان يتحمل عاقبة عمله، ولا يتحمل أحد عاقبة عمل غيره، فالإنسان إن عمل خيرًا فلنفسه، وإن أساء فعليها.
  • • علمتني السورة ::   : احذر عند الغضب من أن تدعو على نفسك، أو أولادك، أو مالك بالشر: ﴿وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي».
    • قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الإسراء من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الإسراء -بحسب ترتيب المصحف- أول سور المُسَبِّحات؛ وهي سبع سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
    • أكثر سورة يذكر فيها لفظ (القرآن)، ذُكِرَ 11 مرة، وهو ما لم يقع في سورة أخرى (تليها سورة النمل 4 مرات).
    • احتوت على السجدة الرابعة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم، في الآية (107).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتمسك بالقرآن الكريم، ونعتصم به؛ فإنه يهدي للتي هي أقوم.
    • أن نقرأ حادثة الإسراء والمعراج من صحيح البخاري، أو غيره من الكتب، ونستخلص منها الدروس والعبر: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (1).
    • أن نتيقن ونستحضر أن أول من يستفيد من إحساننا ويتضرر من إساءتنا هو نحن: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ (7).
    4- أن نحذر من الدعاء على النفس والأهل بالشر، ولا نتعجل فقد يوافق ساعة استجابة: ﴿ وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا﴾ (11).
    • أن نتذكر دائمًا أن كل عمل نعمله من خير وشر سنجده مكتوبًا يوم القيامة: ﴿ وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا (13) ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا﴾ (13، 14).
    • ألا نؤثر الحياة الدنيا على الآخرة: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا (18) وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا (19) كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا (20) ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا ﴾ (18-21).
    • 7- أن نحسن إلى الوالدين ونبرهما ونتذلل لهما وندعو لهما: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا (23) وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ﴾ (23، 24).
    8- أن نُحْسن إلى الأقارب والمساكين: ﴿ وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ﴾ (26). • 9- أن نحذر البخل ونبتعد عن التبذير: ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا ﴾ (29).
    • ألا نخشى الفقر على أنفسنا وأهلنا؛ فالله هو الرزاق الكريم: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا﴾ (31).
    • أن نَحْذر من الوقوع في مقدمات الزنا؛ حتى لا نقع فيه: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا﴾ (32).
    • أن نَحْذر من قتل النفس المعصومة: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾ (33).
    • أن نحذر من أكل مال اليتيم، ونلزم الوفاء بالعهود: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (34).
    • ألا نتكلم بما لا نعلم؛ ونتيقن أننا سنحاسب علي ما نقول: ﴿ وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (36).
    • ألا نتكبر: ﴿ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا ﴾ (37).
    • إذا تكلمنا مع الناس فلا نقول إلا الكلام الحسن؛ حتى لا يدخل الشيطان بيننا وبينهم، وتحصل البغضاء: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا ﴾ (53).
    • أن نتنافس على القُرَب: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ﴾ (57).
    • أن نكون مع الله في السراء والضراء؛ عند النعمة نشكر الله، وعند الضر ندعو الله وحده: ﴿وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا ﴾ (83).

تمرين حفظ الصفحة : 285

285

مدارسة الآية : [28] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ ..

التفسير :

[28] وإن أعرضت عن إعطاء هؤلاء الذين أُمِرْت بإعطائهم؛ لعدم وجود ما تعطيهم منه طلباً لرزق تنتظره مِن عند ربك، فقل لهم قولاً ليِّناً لطيفاً، كالدعاء لهم بالغنى وسعة الرزق، وعِدْهم بأن الله إذا أيسر من فضله رزقاً أنك تعطيهم منه.

وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى مع القدرة والغنى، فأما مع العدم أو تعسر النفقة الحاضرة فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا فقال:{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} أي:تعرض عن إعطائهم إلى وقت آخر ترجو فيه من الله تيسير الأمر.

{ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} أي:لطيفا برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم كما قال تعالى:{ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}

وهذا أيضا من لطف الله تعالى بالعباد أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه لأن انتظار ذلك عبادة، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر عبادة حاضرة لأن الهم بفعل الحسنة حسنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ولعل الله ييسر له [بسبب رجائه]

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما يجب على المؤمن فعله في حال عدم قدرته على تقديم العون للأقارب والمحتاجين، فقال- تعالى-: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً.

ولفظ إِمَّا مركب من «إن» الشرطية، ومن «ما» المزيدة. أى: إن تعرض عنهم.

وقوله تُعْرِضَنَّ من الإعراض، بمعنى صرف الوجه عن السائل حياء منه وبسبب عدم القدرة على تلبية طلبه.

وقوله: ابْتِغاءَ مفعول لأجله منصوب بتعرضن، وهو من باب وضع المسبب موضع السبب. لأن الأصل: وإما تعرضن عنهم لإعسارك.

والمراد بالرحمة: انتظار الحصول على الرزق، وحلول الفرج بعد الضيق.

والميسور: اسم مفعول من يسر الأمر- بالبناء للمفعول- مثل سعد الرجل، ومعناه:

السهل اللين.

والمعنى: وإما تعرضن- أيها المخاطب- عن ذي قرابتك وعن المسكين وابن السبيل، بسبب إعسارك وانتظارك لرزق يأتيك من الله- عز وجل- فقل لهم في هذه الحالة قولا لينا رفيقا يدل على اهتمامك بشأنهم، ويدخل السرور على نفوسهم، كأن تقول لهم مثلا-: ليس عندي اليوم ما أقدمه لكم، وإن يرزقني الله بشيء فسأجعل لكم نصيبا منه.

قال القرطبي ما ملخصه: وهو تأديب عجيب، وقول لطيف بديع، أى لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر غنى وقدرة فتحرمهم، وإنما يجوز أن تعرض عنهم عند عجز يعرض، وعائق يعوق، وأنت عند ذلك ترجو من الله- تعالى- فتح باب الخير، لتتوصل به إلى مواساة السائل، فإن قعد بك الحال فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أى لينا لطيفا.. ولقد أحسن من قال:

إلّا تكن ورق يوما أجود بها ... للسائلين فإنى لين العود

لا يعدم السائلون الخير من خلقي ... إما نوالى وإما حسن مردود

وقوله تعالى ] ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ) أي وإذا سألك أقاربك ومن أمرنا بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة ( فقل لهم قولا ميسورا ) أي عدهم وعدا بسهولة ولين : إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله هكذا فسر قوله ( فقل لهم قولا ميسورا ) بالوعد مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد

يقول تعالى ذكره: وإن تعرض يا محمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم إذا وجدت إليها السبيل بوجهك عند مسألتهم إياك، ما لا تجد إليه سبيلا حياء منهم ورحمة لهم ( ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ ) يقول: انتظار رزق تنتظره من عند ربك، وترجو تيسير الله إياه لك، فلا تؤيسهم، ولكن قل لهم قولا ميسورا: يقول: ولكن عدهم وعدا جميلا بأن تقول: سيرزق الله فأعطيكم، وما أشبه ذلك من القول اللين غير الغليظ، كما قال جلّ ثناؤه وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ) قال: انتظار الرزق ( فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ) قال: لينا تَعِدُهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس ( ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ ) قال: رزق أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ .

حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عمارة، عن عكرمة، في قوله ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ) قال: انتظار رزق من الله يأتيك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ) قال: إن سألوك فلم يجدوا عندك ما تعطيهم ابتغاء رحمة، قال: رزق تنتظره ترجوه ( فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ) قال: عدهم عدة حسنة، إذا كان ذلك، إذا جاءنا ذلك فعلنا، أعطيناكم، فهو القول الميسور.

قال ابن جريج، قال مجاهد: إن سألوك فلم يكن عندك ما تعطيهم، فأعرضت عنهم ابتغاء رحمة، قال: رزق تنتظره ( فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ).

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عزّ وجلّ( ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ ) قال: انتظار رزق الله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن عبيدة في قوله ( ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ) قال: ابتغاء الرزق.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ) قال: أي رزق تنتظره ( فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ) أي معروفا.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ) قال: عدهم خيرا. وقال الحسن: قل لهم قولا لينا وسهلا.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان ، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ) يقول: لا نجد شيئا تعطيهم ( ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ ) يقول: انتظار الرزق من ربك، نـزلت فيمن كان يسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم من المساكين.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني حرمي بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: ثني عمارة، عن عكرمة في قول الله ( فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ) قال: الرفق.

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ) عن هؤلاء الذين أوصيناك بهم ( ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ) إذا خشيت إن أعطيتهم. أن يتقووا بها على معاصي الله عزّ وجلّ، ويستعينوا بها عليها، فرأيت أن تمنعهم خيرا، فإذا سألوك ( فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ) قولا جميلا رزقك الله، بارك الله فيك.

وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن زيد مع خلافه أقوال أهل التأويل في تأويل هذه الآية، بعيد المعنى، مما يدل عليه ظاهرها، وذلك أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ) فأمره أن يقول إذا كان إعراضه عن القوم الذين ذكرهم انتظار رحمة منه يرجوها من ربه (قَوْلا مَيْسُورًا) وذلك الإعراض ابتغاء الرحمة، لن يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من الله يرجوها لنفسه، فيكون معنى الكلام كما قلناه، وقال أهل التأويل الذين ذكرنا قولهم، وخلاف قوله؛ أو يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من الله يرجوها للسائلين الذين أُمِر نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بزعمه أن يمنعهم ما سألوه خشية عليهم من أن ينفقوه في معاصي الله، فمعلوم أن سخط الله على من كان غير مأمون منه صَرْف ما أُعْطي من نفقة ليتقوّى بها على طاعة الله في معاصيه، أخوف من رجاء رحمته له، وذلك أن رحمة الله إنما ترجى لأهل طاعته، لا لأهل معاصيه، إلا أن يكون أراد توجيه ذلك إلى أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أمر بمنعهم ما سألوه، لينيبوا من معاصي الله، ويتوبوا بمنعه إياهم ما سألوه، فيكون ذلك وجها يحتمله تأويل الآية، وإن كان لقول أهل التأويل مخالفا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[28] ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ فيه الأمر بالقول اللين عند عدم وجود ما يعطي منه.
وقفة
[28] ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ ما فائدة الشرط والرد الجميل مطلوب مطلقًا؟ الجواب: أن المراد به: الوعد بالعطاء عند رجاء حصول الخير؛ لأنه أطيب لنفس السائل.
عمل
[28] ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ إذا ضاقت بك الحال أن توسع على أهلك؛ فلا تحرمهم من الكلمة، ففي ذلك مواساة لهم.
عمل
[28] ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ واسِ أهلك؛ ولو بكلمة طيبة.
عمل
[28] ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ لا ترد المسكين إلا بعطاء أو وعد أو قول لطيف.
وقفة
[28] ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ الأدب الرفيع هو رد ذوي القربى بلطف، ووعدهم وعدًا جميلًا بالصلة عند اليسر، والاعتذار إليهم بما هو مقبول.
وقفة
[28] ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا﴾ هذا تأديب عجيب، أي: لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر الغنى والقدرة فتحرمهم، وإنما يجوز أن تعرض عنهم عند عجز يعرض، وعائق يعوق، وأنت عند ذلك ترجو من الله فتح باب الخير لتتوصل به إلى مواساة السائل، فإن قعد بك الحال: ﴿فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾.
وقفة
[28] ﴿فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ أي وعدًا عند اليسر، فينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، وينوي فعل ما لم يقدر عليه؛ ليثاب على ذلك.
وقفة
[28] ﴿فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ في هذا الأمر تأديب للمؤمن إن هو فقد المال، أن يرجو من الله تيسير أسبابه، وأن لا يحمله الشح على السرور بعدم امتلاك المال؛ كي يتخلص من الإنفاق على المحتاج، بل الأولى أن يدعو الله -إن كان فقيرا وعدم المال- أن يرزقه به في المستقبل؛ حرصًا على ثواب الصدقة.
وقفة
[28] انتظار الرزق من الله سبب لفتح أبوابه، والبخل سبب لإغلاقها، تأمل: ﴿فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ:
  • الواو: عاطفة. إما: مكونة من «ان» حرف شرط‍ جازم و «ما» زائدة. تعرضنّ: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة فعل الشرط‍ في محل جزم والنون لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. عنهم: جار ومجرور متعلق بتعرضنّ و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن أي المستحقين.
  • ﴿ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ:
  • ابتغاء: مفعول له-لأجله-منصوب بالفتحة. رحمة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. من ربك: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رحمة» والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والكلام متعلق بالشرط‍.أي وان أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك. أي بوضع الابتغاء موضع الفقد.
  • ﴿ تَرْجُوها:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. والجملة: في محل جر صفة-نعت-لرحمة.
  • ﴿ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً:
  • أعربت في الآية الكريمة الثالثة والعشرين. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     وبعد الأمرِ بأداء حقوق الأقارب والمحتاجين؛ أرشدَ اللهُ عز وجل هنا من لم يجدْ ما يعطي هؤلاءِ أن يقول لهم قولًا لطيفًا، كالدعاء لهم بسعة الرزق، أو يعدهم بالعطاء إن رزقه الله مالًا، قال تعالى:
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [29] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى ..

التفسير :

[29] ولا تمسك يدك عن الإنفاق في سبيل الخير، مضيِّقاً على نفسك وأهلك والمحتاجين، ولا تسرف في الإنفاق، فتعطي فوق طاقتك، فتقعد ملوماً يلومك الناس ويذمونك، نادماً على تبذيرك وضياع مالك.

وقال هنا:{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} كناية عن شدة الإمساك والبخل.

{ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} فتنفق فيما لا ينبغي، أو زيادة على ما ينبغي.

{ فَتَقْعُدَ} إن فعلت ذلك{ مَلُومًا} أي:تلام على ما فعلت{ مَحْسُورًا} أي:حاسر اليد فارغها فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء.

ثم أرشد- سبحانه- عباده إلى أفضل الطرق لإنفاق أموالهم والتصرف فيها، فقال- تعالى-: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ، فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً.

وقوله مَغْلُولَةً من الغل- بضم الغين- وأصله الطوق الذي يجعل في العنق وتربط به اليد، كما يربط المذنب والأسير: وهو كناية عن البخل والتقتير.

قال صاحب الكشاف ما ملخصه: غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ولا يقصد من يتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط. ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازا عنه، لأنهما كلامان معتقبان على حقيقة واحدة. حتى أنه يستعمله في ملك لا يعطى عطاء قط، ولا يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يد وقبضها وبسطها. ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلا لقالوا: ما أبسط يده بالنوال لأن بسط اليد وقبضها عبارتان معاقبتان للبخل والجود.. .

وقوله: مَحْسُوراً من الحسور بمعنى الانقطاع عن الشيء، والعجز عن الحصول عليه.

يقال: فلان حسره السير، إذا أثر فيه أثرا بليغا جعله يعجز عن اللحاق برفقائه.

ويقال: بعير محسور. أى: ذهبت قوته وأصابه الكلل والإعياء. فصار لا يستطيع النهوض بما يوضع عليه من أحمال.

والمقصود من الآية الكريمة: الأمر بالتوسط والاعتدال في الإنفاق والنهى عن البخل والإسراف.

فقد شبه- سبحانه- مال البخيل، بحال من يده مربوطة إلى عنقه ربطا محكما بالقيود والسلاسل، فصار لا يستطيع تحريكها أو التصرف بها.

وشبه حال المسرف والمبذر، بحال من مد يده وبسطها بسطا كبيرا، بحيث أصبحت لا تمسك شيئا يوضع فيها سواء أكان قليلا أم كثيرا.

والمعنى: كن- أيها الإنسان- متوسطا في كل أمورك، ومعتدلا في إنفاق أموالك بحيث لا تكون بخيلا ولا مسرفا، فان الإسراف والبخل يؤديان بك إلى أن تصير ملوما. أى:

مذموما من الخلق والخالق، محسورا، أى: مغموما منقطعا عن الوصول إلى مبتغاك بسبب ضياع مالك، واحتياجك إلى غيرك.

قال الآلوسى ما ملخصه: فالآية الكريمة تحض على التوسط، وذلك هو الجود الممدوح، فخير الأمور أوساطها. وأخرجه أحمد وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عال من اقتصد» . وأخرجه البيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة» . وفي رواية عن أنس مرفوعا: «التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين» وكما يقال: حسن التدبير مع الكفاف، خير من الغنى مع الإسراف .

يقول تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش ذاما للبخل ناهيا عن السرف ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) أي لا تكن بخيلا منوعا لا تعطي أحدا شيئا كما قالت اليهود عليهم لعائن الله ( يد الله مغلولة ) [ المائدة 64 ] أي نسبوه إلى البخل تعالى وتقدس الكريم الوهاب

وقوله : ( ولا تبسطها كل البسط ) أي ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوما محسورا

وهذا من باب اللف والنشر أي فتقعد إن بخلت ملوما يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة

ومن كان ذا مال ويبخل بماله على قومه يستغن عنه ويذمم

ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه فتكون كالحسير ، وهو الدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفا وعجزا فإنها تسمى الحسير وهو مأخوذ من الكلال كما قال تعالى : ( فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ) [ الملك 3 ، 4 ] أي كليل عن أن يرى عيبا هكذا فسر هذه الآية بأن المراد هنا البخل والسرف ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم

وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو : وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها فلا تتسع

هذا لفظ البخاري في الزكاة .

وفي الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفقي هكذا وهكذا وهكذا ولا توعي فيوعي الله عليك ولا توكي فيوكي الله عليك وفي لفظ ولا تحصي فيحصي الله عليك "

وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال لي أنفق أنفق عليك .

وفي الصحيحين من طريق معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا "

وروى مسلم عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه الله وفي حديث أبي كثير عن عبد الله بن عمرو مرفوعا إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا "

وروى البيهقي من طريق سعدان بن نصر عن أبي معاوية عن الأعمش عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخرج رجل صدقة حتى يفك لحيي سبعين شيطانا وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عبيدة الحداد حدثنا سكين بن عبد العزيز حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عال من اقتصد "

وهذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في أموال ذوي الأموال، فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه، الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء.

وإنما معنى الكلام: ولا تمسك يا محمد يدك بخلا عن النفقة في حقوق الله، فلا تنفق فيها شيئا إمساك المغلولة يده إلى عنقه، الذي لا يستطيع بسطها( وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) يقول: ولا تبسطها بالعطية كلّ البسط، فتَبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك ( فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) يقول: فتقعد يلومك سائلوك إذا لم تعطهم حين سألوك، وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه، محسورا: يقول: مَعِيبا، قد انقُطِع بك، لا شيء عندك تنفقه، وأصله من قولهم للدابة التي قد سير عليها حتى انقَطَع سيرها، وكلَّت ورَزحت من السير، بأنه حَسِير. يقال منه: حَسَرْت الدابة فأنا أحسِرُها، وأحسُرها حَسْرا، وذلك إذا أنضيته بالسير، وحَسَرته بالمسألة إذا سألته فألحفت، وحَسَرَ البصرُ فهو يَحْسِر، وذلك إذا بلغ أقصى المنظر فكَلّ. ومنه قوله عزَ وجلَ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ وكذلك ذلك في كلّ شيء كَلَّ وأزحف حتى يَضْنَى.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هودة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) قال: لا تجعلها مغلولة عن النفقة (وَلا تَبْسُطْها): تبذر بسرف.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يوسف بن بهز، قال: ثنا حوشب، قال: كان الحسن إذا تلا هذه الآية ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) يقول: لا تطفِّف برزقي عن غير رضاي، ولا تضعْه في سُخْطي فأسلُبَك ما في يديك، فتكون حسيرا ليس في يديك منه شيء.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) يقول هذا في النفقة، يقول ( لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) يقول: لا تبسطها بالخير ( وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) يعني التبذير (فَتَقْعُدَ مَلُوما) يقول: يلوم نفسه على ما فات من ماله (مَحْسُورًا) يعني: ذهب ماله كله فهو محسور.

حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) يعني بذلك البخل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) أي لا تمسكها عن طاعة الله، ولا عن حقه ( وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) يقول: لا تنفقها في معصية الله، ولا فيما يصلح لك، ولا ينبغي لك، وهو الإسراف، قوله ( فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) قال: ملوما في عباد الله، محسورا على ما سلف من دهره وفرّط.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) قال: في النفقة، يقول : لا تمسك عن النفقة ( وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) يقول: لا تبذر تبذيرا(فَتَقْعُدَ مَلُوما) في عباد الله (مَحْسُورًا) يقول: نادما على ما فرط منك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق ( وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) فيما نهيتك (فَتَقْعُدَ مَلُوما) قال: مذنبا(مَحْسُورًا) قال: منقطعا بك.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) قال: مغلولة لا تبسطها بخير ولا بعطية ( وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) في الحق والباطل، فينفَذ ما معك، وما في يديك، فيأتيك من يريد أن تعطيه فيحسر بك، فيلومك حين أعطيت هؤلاء، ولم تعطهم.

التدبر :

وقفة
[29] ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾ فيه النهي عن الإقتار والإسراف معًا، ولكن حالة وسطي.
وقفة
[29] ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ﴾ ما أروع هذه الصورة! وكأن من ينفق تتحشرج أنفاسه مع نفقاته، لا لقلة في يده، بل لضيق في نفسه.
لمسة
[29] ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ﴾: استعارة في معنى غاية البخل؛ كأن البخيل حبست يده عن الإعطاء، وشدت إلى عنقه، ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾: استعارة في معنى غاية الجود، فنهى الله عن الطرفين وأمر بالتوسط بينهما؛ كقوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
وقفة
[29] ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ في الآية حض على التوسط، فخير الأمور الوسط، وكان يقال: حسن التدبير مع الكفاف، خير من الغنى مع الإسراف.
وقفة
[29] ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ ما أجمل هذه الصورة! فالسطح المنبسط لا يحفظ ما على الحواف فيتساقط، وما يسقط في وسطه يتساوى ارتفاعه، فإذا وقع المال على اليد المنبسطة؛ فاعلم أنه لا ادخار ولا استثمار ولا إدارة أولويات.
وقفة
[29] ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾، ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا﴾ [22]، نشعر بالخذلان والألم والضآلة؛ بقدر المسافة التي نقطعها في البحث عن غير الله في أوجاعنا.
وقفة
[29] ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ حُسن التدبير مع العفاف خيرٌ من الغنى مع الإسراف.
وقفة
[29] ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ ثمن بعدك عن التوسط في الإنفاق حسرة قلبية وملامة اجتماعية، ولن تقوم لك قائمة عملية.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة. تجعل: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. يدك: مفعول به منصوب بالفتحة والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ:
  • أي مشدودة: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. الى عنقك: جار ومجرور متعلق بمغلولة والكاف في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ‍:
  • ولا تبسطها: أي ولا تفتحها: معطوفة بالواو على لا تَجْعَلْ يَدَكَ» وتعرب إعرابها و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. كلّ: نائب عن المصدر-المفعول المطلق- ومضاف الى المصدر لبيان النوع منصوب بالفتحة. البسط‍: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً:
  • الفاء: سببية. تقعد: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بمعنى لكي لا تصير ملوما محسورا حالان منصوبان بالفتحة ويجوز أن يكونا خبري «صار» على معنى الفعل «تقعد» بمعنى صار واسمها هو الضمير المستكن في الفعل و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق. وجملة «تقعد ملوما محسورا» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عِمْرانَ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَلِيٍّ أحْمَدُ الفَقِيهُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عُبَيْدٍ القاسِمُ بْنُ إسْماعِيلَ المَحامِلِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا زَكَرِيّا بْنُ يَحْيى الضَّرِيرُ، قالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ سُفْيانَ الجُهَنِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنْ أبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: جاءَ غُلامٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: إنَّ أُمِّي تَسْألُكَ كَذا وكَذا. فَقالَ: ”ما عِنْدَنا اليَوْمَ شَيْءٌ“ . قالَ: فَتَقُولُ لَكَ: اكْسُنِي قَمِيصَكَ. قالَ: فَخَلَعَ قَمِيصَهُ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، وجَلَسَ في البَيْتِ حاسِرًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ﴾ .وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قاعِدًا فِيما بَيْنَ أصْحابِهِ أتاهُ صَبِيٌّ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ دِرْعًا. ولَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلّا قَمِيصُهُ، فَقالَ لِلصَّبِيِّ: ”مِن ساعَةٍ إلى ساعَةٍ يَظْهَرُ، فَعُدْ وقْتًا آخَرَ“ . فَعادَ إلى أُمِّهِ، فَقالَتْ: قُلْ لَهُ: إنَّ أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ القَمِيصَ الَّذِي عَلَيْكَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دارَهُ، ونَزَعَ قَمِيصَهُ وأعْطاهُ إيّاهُ، وقَعَدَ عُرْيانًا، فَأذَّنَ بِلالٌ لِلصَّلاةِ، وانْتَظَرُوهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، فَشَغَلَ قُلُوبَ الصَّحابَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهم فَرَآهُ عُرْيانًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     7- الوصيةُ السابعةُ: الاعتدال في الإِنفاق، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [30] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن ..

التفسير :

[30] إن ربك يوسِّع الرزق على بعض الناس، ويضيِّقه على بعضهم، وَفْق علمه وحكمته سبحانه وتعالى. إنه هو المطَّلِع على خفايا عباده، لا يغيب عن علمه شيء من أحوالهم.

ثم أخبر تعالى أنه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ويضيقه على من يشاء حكمة منه،{ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم ويدبرهم بلطفه وكرمه.

ثم بين- سبحانه- أن مرجع الأمور كلها اليه، فهو المعطى وهو المانع، فقال- تعالى-: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ، إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً.

أى: إن ربك- أيها الإنسان- العاقل- يبسط الرزق ويوسعه لمن يشاء أن يبسطه له ويمسك الرزق ويضيقه ويقدره على من يشاء من خلقه. إذ كل شيء في هذا الكون يسير على حسب ما تقتضيه حكمته ومشيئته، وهو- سبحانه- العليم ببواطن الناس وبظواهرهم، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم، ولا يعطى أو يمنع، إلا لحكمة هو يعلمها.

قال- تعالى-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد حضت على إيتاء ذوى القربى والمساكين وابن السبيل حقوقهم. وعلى الاعتدال في إنفاق المال، ونهت عن الشح والتبذير، وأسندت العطاء والمنع إلى الله- تعالى- الخبير البصير بالظواهر والبواطن.

ثم يسوق- سبحانه- جملة من النواهي التي يؤدى الوقوع فيها إلى فساد أحوال الأفراد والجماعات، وإلى شيوع الفاحشة في الأمم، مما يؤدى إلى اضمحلالها وذهاب ريحها، فقال- تعالى-:

وقوله تعالى ] ( إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) إخبار أنه تعالى هو الرزاق القابض الباسط المتصرف في خلقه بما يشاء فيغني من يشاء ويفقر من يشاء بما له في ذلك من الحكمة ولهذا قال : ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) أي خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر ، كما جاء في الحديث إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه

وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجا والفقر عقوبة عياذا بالله من هذا وهذا

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد يبسط رزقه لمن يشاء من عباده، فيوسع عليه، ويقدر على من يشاء، يقول: ويُقَتِّر على من يشاء منهم، فيضيِّق عليه ( إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا ): يقول: إن ربك ذو خبرة بعباده، ومن الذي تصلحه السعة في الرزق وتفسده؛ ومن الذي يصلحه الإقتار والضيق ويهلكه (بصيرا) : يقول: هو ذو بصر بتدبيرهم وسياستهم، يقول: فانته يا محمد إلى أمرنا فيما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه، وفيمن تبسطها له، ومن كفها عمن تكفها عنه، وتكفها فيه، فنحن أعلم بمصالح العباد منك، ومن جميع الخلق وأبصر بتدبيرهم.

كالذي حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، ثم أخبرنا تبارك وتعالى كيف يصنع، فقال ( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) قال: يقدر: يقلّ، وكل شيء في القرآن يَقْدِر كذلك؛ ثم أخبر عباده أنه لا يرزَؤُه ولا يئُوده أن لو بسط عليهم، ولكن نظرا لهم منه، فقال وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَـزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ بَصِيْرٌ قال: والعرب إذا كان الخصب وبُسِط عليهم أُشِروا، وقتل بعضهم بعضا، وجاء الفساد، فإذا كان السنة شُغِلوا عن ذلك.

التدبر :

عمل
[30] ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ لا تحسد غنيًّا ولا تعب فقيرًا؛ فالله يعطي من يشاء، ويمنع عن من يشاء.
تفاعل
[30] ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[30] ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ أي: خبير بصير بمن يستحق الغنى، ومن يستحق الفقر؛ فإن من العباد من لا يصلحه إلا الفقر، ولو غني لفسد عليه دينه، وإن من العباد لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو افتقر لفسد عليه دينه، وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجاً، والفقر عقوبةً. عياذاً بالله من هذا وهذا.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ‍ الرِّزْقَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ربك: اسم: «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة والكاف ضمير المخاطبين في محل جر بالاضافة. يبسط‍: أي يوسع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الرزق: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة يَبْسُطُ‍ الرِّزْقَ» في محل رفع خبر «إن».
  • ﴿ لِمَنْ يَشاءُ:
  • جار ومجرور متعلق بيبسط‍.من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. يشاء: صلة الموصول لا محل لها تعرب اعراب «يبسط‍».
  • ﴿ وَيَقْدِرُ:
  • معطوفة بالواو على يَبْسُطُ‍ الرِّزْقَ» وتعرب اعرابها بمعنى: ويضيقه عليه وحذف المفعول لدليل يدل عليه.
  • ﴿ إِنَّهُ كانَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسم «إن».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة كان مع اسمها وخبرها» في محل رفع خبر «ان».
  • ﴿ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً:
  • جار ومجرور متعلق ببصيرا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. أي بأحوال عباده. وخبيرا بصيرا: خبران لكان على التتابع منصوبان بالفتحة. '

المتشابهات :

الرعد: 26﴿ٱللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ
الإسراء: 30﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا
الروم: 37﴿أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ
سبإ: 36﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ
الزمر: 52﴿أَوَ لَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ
الشورى: 12﴿لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     وبعد الوصية بالاعتدال في الإِنفاق على النفس وعلى من يتصدق؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن بَسط الرزقِ وتضييقَه إنَّما هو لِتَربيةِ العِبادِ بما يُصلِحُهم، لا لِهَوانٍ بالمُضَيَّقِ عليه، ولا لإكرامٍ للمُوَسَّعِ عليه، قال تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ..

التفسير :

[31] وإذا علمتم أن الرزق بيد الله سبحانه فلا تقتلوا -أيها الناس- أولادكم خوفاً من الفقر؛ فإنه -سبحانه- هو الرزاق لعباده، يرزق الأبناء كما يرزق الآباء، إنَّ قَتْلَ الأولاد ذنب عظيم.

وهذا من رحمته بعباده حيث كان أرحم بهم من والديهم، فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم خوفا من الفقر والإملاق وتكفل برزق الجميع.

وأخبر أن قتلهم كان خطأ كبيرا أي:من أعظم كبائر الذنوب لزوال الرحمة من القلب والعقوق العظيم والتجرؤ على قتل الأطفال الذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية.

وقوله- سبحانه-: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ... نهى عن قتل الأولاد بعد بيان أن الأرزاق بيده- سبحانه-، يبسطها لمن يشاء، ويضيقها على من يشاء.

والإملاق: الفقر. يقال: أملق الرجل إذا افتقر قال الشاعر:.

وإنى على الإملاق يا قوم ماجد ... أعد لأضيافى الشواء المصهبا

قال الآلوسى: وظاهر اللفظ النهى عن جميع أنواع قتل الأولاد، ذكورا كانوا أو إناثا مخافة الفقر والفاقة.

لكن روى أن من أهل الجاهلية من كان يئد البنات مخافة العجز عن النفقة عليهن، فنهى في الآية عن ذلك، فيكون المراد بالأولاد البنات، وبالقتل الوأد.. .

أى: ولا تقتلوا- أيها الآباء- أولادكم خشية فقر متوقع، فنحن قد تكفلنا برزقهم ورزقكم، وأرزاق غيركم من مخلوقاتنا التي لا تحصى.

قال- تعالى-: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها ...

ولا شك أن الحياة حق لهؤلاء الصغار كما أنها حق لكم، فمن الظلم البين الاعتداء على حقوقهم، والتخلص منهم خوفا من الفقر المتوقع في المستقبل، مع أن الله- تعالى- هو الرازق لهم ولكم في كل زمان ومكان.

وقد ورد النهى عن قتل الأولاد هنا بهذه الصيغة، وورد في سورة الأنعام بصيغة أخرى، هي قوله- تعالى-: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ.

وليست أحدهما تكرارا للأخرى وإنما كل واحدة منهما تعالج حالة معينة.

فهنا يقول- سبحانه-: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ لأن النهى موجه بالأصالة إلى الموسرين الذين يقتلون أولادهم لا من أجل فقر كائن فيهم، وإنما من أجل فقر هم يتوهمون حصوله في المستقبل بسبب الأولاد، لذا قال- سبحانه- نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ فقدم رزق الأولاد لأنهم سبب توقع الفقر، في زعم آبائهم- لكي يمتنع الآباء عن هذا التوقع ولكي يضمن للأولاد رزقهم ابتداء مستقلا عن رزق الآباء.

وقال- سبحانه- هناك مِنْ إِمْلاقٍ لأن النهى متوجه أصالة إلى الآباء المعسرين:

أى لا تقتلوهم بسبب الفقر الموجود فيكم- أيها الآباء-، فقد يجعل الله بعد عسر يسرا.

ولذا قال- سبحانه-: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ فجعل الرزق للآباء ابتداء. لكي يطمئنهم- سبحانه- على أنه هو الكفيل برزقهم وبرزق أولادهم.

وفي كلتا الحالتين، القرآن الكريم ينهى عن قتل الأولاد، ويغرس في نفوس الآباء الثقة بالله- تعالى- والاعتماد عليه.

وجمله نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ تعليل للنهى عن قتل الأولاد، بإبطال موجبه- في زعمهم- وهو الفقر.

أى: نحن نرزقهم لا أنتم، ونرزقكم أنتم معهم، وما دام الأمر كذلك فلا تقدموا على تلك الجريمة النكراء: وهي قتل الأولاد، لأن الأولاد، قطعة من أبيهم، والشأن- حتى في الحيوان الأعجم- أنه يضحى من أجل أولاده ويحميهم، ويتحمل الصعاب في سبيلهم.

وقوله إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً تعليل آخر للنهى عن قتل الأولاد جيء به على سبيل التأكيد.

والخطء: هو الإثم- وزنا ومعنى-، مصدر خطئ خطئا كأثم إثما من باب علم.

أى: أن قتل الأولاد كان عند الله- تعالى- إثما كبيرا فاحشا، يؤدى إلى التعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة:

والحق أن المجتمع الذي يبيح قتل الأولاد، خوفا من الفقر أو العار، لا يمكن أن يصلح شأنه، لأنه مجتمع نفعي تسوده الأثرة والأنانية والتشاؤم والأوهام، لأن أفراده يظنون أن الله يخلق خلقا لا يدبر لهم رزقهم، ويعتدون على روح بريئة طاهرة، تخوفا من فقر أو عار مترقب، وذلك هو الضلال المبين.

ورحم الله الإمام الرازي فقد قال عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: إن قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر، فهو سوء ظن بالله. وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعى في تخريب العالم. فالأول: ضد التعظيم لأمر الله- تعالى- والثاني: ضد الشفقة على خلقه، وكلاهما مذموم .

ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برعاية الأبناء، وحذر من الاعتداء عليهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله، أى الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت: ثم أى؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أى؟ قال: أن تزنى بحليلة جارك .

هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده لأنه ينهى [ تعالى عن قتل الأولاد كما أوصى بالأولاد في الميراث وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته فنهى الله [ تعالى عن ذلك فقال : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) أي خوف أن تفتقروا في ثاني الحال ولهذا قدم الاهتمام برزقهم فقال ( نحن نرزقهم وإياكم ) وفي الأنعام " ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ) أي من فقر ( نحن نرزقكم وإياهم ) [ الأنعام 151

وقوله : ( إن قتلهم كان خطئا كبيرا ) أي ذنبا عظيما

وقرأ بعضهم كان خطأ كبيرا وهو بمعناه

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي ؟ قال أن تزاني بحليلة جارك "

يقول تعالى ذكره: وَقَضَى رَبُّكَ يا محمد أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) فموضع تقتلوا نصب عطفا على ألا تعبدوا.

ويعني بقوله (خَشْيَةَ إمْلاقٍ) خوف إقتار وفقر، وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى، وذكرنا الرواية فيه، وإنما قال جلّ ثناؤه ذلك للعرب، لأنهم كانوا يقتلون الإناث من أولادهم خوف العيلة على أنفسهم بالإنفاق عليهن.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) : أي خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله، فقال ( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ).

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (خَشْيَةَ إمْلاقٍ) قال: كانوا يقتلون البنات.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) قال: الفاقة والفقر.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (خَشْيَة إِمْلاقٍ) يقول: الفقر.

وأما قوله ( إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) فإن القراء اختلفت في قراءته؛ فقرأته عامَّة قراء أهل المدينة والعراق ( إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) بكسر الخاء من الخطإ وسكون الطاء، وإذا قرئ ذلك كذلك، كان له وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون اسما من قول القائل: خَطِئت فأنا أَخْطَأ، بمعنى: أذنبت وأثمت. ويُحكى عن العرب: خَطِئتُ: إذا أذنبتَ عمدا، وأخطأت: إذا وقع منك الذنب خَطَأ على غير عمد منك له. والثاني: أن يكون بمعنى خَطَأ بفتح الخاء والطاء، ثم كسرت الخاء وسكنت الطاء، كما قيل: قِتْب وقتب وحِذَر، ونجِس ونَجَس. والخطء بالكسر اسم، والخطأ بفتح الخاء والطاء مصدر من قولهم: خَطِئ الرجل؛ وقد يكون اسما من قولهم: أخطأ. فأما المصدر منه فالإخطاء. وقد قيل: خطئ، بمعنى أخطأ، كما قال: الشاعر:

يا لَهْفَ هِنْدٍ إِذْ خَطِئْنَ كاهِلا (1)

بمعنى: أخطأن. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة: (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خَطَأً) بفتح الخاء والطاء مقصورا على توجيهه إلى أنه اسم من قولهم: أخطأ فلان خطأ. وقرأه بعض قراء أهل مكة: (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خَطَاءً) بفتح الخَاء والطاء، ومد الخَطَاء بنحو معنى من قرأه خطأ بفتح الخاء والطاء، غير أنه يخالفه في مدّ الحرف.

وكان عامة أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة وبعض البصريين منهم يرون أن الخطْء والخطأ بمعنى واحد، إلا أن بعضهم زعم أن الخطْء بكسر الخاء وسكون الطاء في القراءة أكثر، وأن الخِطْء بفتح الخاء والطاء في كلام الناس أفشى، وأنه لم يسمع الخطء بكسر الخاء وسكون الطاء، في شيء من كلامهم وأشعارهم، إلا في بيت أنشده لبعض الشعراء:

الخِــطْءُ فاحِشَــةٌ والــبِرُّ نافِلَـةٌ

كعَجْـوَةٍ غُرِسَـتْ فِـي الأرْضِ تُؤْتَبرُ (2)

وقد ذكرت الفرق بين الخِطْء بكسر الخاء وسكون الطاء وفتحهما.

وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب، القراءة التي عليها قراء أهل العراق، وعامة أهل الحجاز، لإجماع الحجة من القراء عليها، وشذوذ ما عداها. وإن معنى ذلك كان إثما وخطيئة، لا خَطَأ من الفعل، لأنهم إنما كانوا يقتلونهم عمدا لا خطأ، وعلى عمدهم ذلك عاتبهم ربهم، وتقدم إليهم بالنهي عنه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (خِطْأً كَبِيرًا) قال: أي خطيئة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) قال: خطيئة. قال ابن جريج، وقال ابن عباس: خِطأ: أي خطيئة.

---------------------

الهوامش :

(1) هذا بيت من مشطور الرجز ينسب إلى امرئ القيس بن حجر الكندي، من مقطوعة تسعة أبيات، (مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي ص 105) قالها حين بلغه أن بني أسد قتلت أباه. ومعنى يا لهف: يا أسف أو يا حسرة. وهند أخته. وخطئن : يعني الخيل ، أي أخطأن . وكان قد طلب بني كاهل من بني أسد ليلا ، فأوقع بين كنانة خطأ ، وهرب منه بنو كاهل . وهذا البيت هو أول الأبيات في الأغاني والعقد الثمين لوليم ألورد. ومحل الشاهد في البيت أن خطئ خطأ ، وأخطأ إخطاء : لغتان بمعنى واحد إذا عمل شيئا وأخطأ فيه عن غير تعمد كما في البيت والخطء ، بكسر الخاء وسكون الطاء اسم مصدر بمعنى المصدر وبعض اللغويين يقول : إن خطئ خطأ معناه وقع في الإثم عن تعمد ، بخلاف أخطأ ، فإنه عن غير تعمد .

(2) استشهد المؤلف بهذا البيت على أن بعضهم زعم أن الخطء ( بكسر الخاء وسكون الطاء ) في القراءة أكثر ، وأن الخطأ ( بفتح الخاء وسكون الطاء في كلام الناس أفشى، وأنه لم يسمع بكسر الخاء وسكون الطاء في شيء من كلامهم وأشعارهم إلا في بيت أنشده لبعض الشعراء : الخطء فاحشة ... إلخ البيت) ولم أقف على البيت ولا قائله في معاني القرآن للفراء ، ولا في مجاز القرآن لأبي عبيدة غير أن الفراء قال : قرأ الحسن : خطاء كبيرا بالمد ، وقرأ أبو جعفر المدني : خطأ كبيراً ، قصر وهمز ، وكل صواب . وكأن الخطأ الإثم ، وقد يكون في معنى خطأ بالقصر ، كما قالوا : قتب وقتب وحذر وحذر ونجس ونجس . ومثله قراءة من قرأ : (هم أولاء على أثري ) وإثري . والنافلة : ما يكون زيادة على الفرض . والعجوة : أجود تمر المدينة ، كما في اللسان وتؤتبر : تصلح بالإبار ، ليجود ثمرها .

التدبر :

وقفة
[31] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ خشية الفقر (فقر).
وقفة
[31] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ استخدم القرآن كلمة (الإملاق) دلالة على شدة الفقر، فالإملاق أشد الفقر.
وقفة
[31] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: 151] أي: لا تقتلوهم من فقركم الحاصل؛ ولهذا قال بعدها: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151]، فذكر الرزق لهم، بينما قال هنا في سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ أي: خشية حصول فقر في المستقبل؛ ولذا قال بعدها: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على الله.
وقفة
[31] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده.
وقفة
[31] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ الله أرحم بالأولاد من والديهم؛ فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم خوفًا من الفقر والإملاق وتكفل برزق الجميع.
عمل
[31] ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ لا تقلق من أجل رزق صغارك، يرزقهم حتى بدونك أنت!
تفاعل
[31] ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[31] ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ شكى رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله، فقال له إبراهيم: «يا أخي إن وجدت في بيتك من ليس رزقه على الله؛ فحوِّله إلى منزلي».
وقفة
[31] يُرزق الآباء بسبب الأبناء، ويُرزق الأبناء بسبب الآباء، بركةٌ متبادلة: ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾، ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151].

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقْتُلُوا:
  • الواو: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تقتلوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة.
  • ﴿ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير المخاطبين في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. خشية: مفعول لأجله منصوب بالفتحة وهو مضاف. املاق: مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى: مخافة الفقر.
  • ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ:
  • نحن: ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. نرزقهم: في محل رفع خبر «نحن» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. الواو عاطفة. اياكم: ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمضمر دل عليه السياق أي ونرزقكم. الكاف: حرف للمخاطبين لا محل له. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِنَّ قَتْلَهُمْ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. قتل: اسم «ان» منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كانَ خِطْأً كَبِيراً:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «ان» كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيها جوازا تقديره هو. خطأ: خبر «كان» منصوب بالفتحة بمعنى-إثما-.كبيرا: صفة-نعت-لخطأ منصوبة بالفتحة. '

المتشابهات :

الأنعام: 151﴿أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ
الإسراء: 31﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡ‍ٔٗا كَبِيرٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     (ولمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّه المتكفلُ بالأرزاقِ، وهو الذي يَبْسُطُ وَيَقْدِرُ؛ نهى هنا عن قتلِ الأولادِ خوفًا من الفقرِ) 8- الوصيةُ الثامنةُ: النهيُ عن تركِ الإنجابِ مَخَافَةَ الفَقْرِ، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

خشية:
وقرئ:
خشية، بكسر الخاء.
خطئا:
1- بكسر الخاء وسكون الطاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
1- خطأ، بكسر الخاء وفتح الطاء والمد، على أنها مصدر خاطأ، وهى قراءة ابن كثير.
2- خطأ، على وزن «نبأ» ، وهى قراءة ابن ذكوان.
3- خطاء، بفتح الخاء والطاء والمد، اسم مصدر، من «أخطأ» ، كالعطاء من «أعطى» ، وهى قراءة الحسن.

مدارسة الآية : [32] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ ..

التفسير :

[32] ولا تقربوا الزنى ودواعيه؛ كي لا تقعوا فيه، إنه كان فعلاً بالغ القبح، وبئس الطريق طريقه.

والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن:"من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه "خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه.

ووصف الله الزنى وقبحه بأنه{ كَانَ فَاحِشَةً} أي:إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد.

وقوله:{ وَسَاءَ سَبِيلًا} أي:بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.

وبعد أن نهى- سبحانه- عن قتل الأولاد المؤدى إلى إفناء النسل، أتبع ذلك بالنهى عن فاحشة الزنا المؤدية إلى اختلاط الأنساب: فقال- تعالى-: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى، إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا.

والزنا: وطء المرأة بدون عقد شرعي يجيز للرجل وطأها.

والفاحشة: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال. يقال فحش الشيء، فحشا، كقبح قبحا- وزنا ومعنى-، ويقال أفحش الرجل، إذا أتى الفحش بضم الفاء وسكون الحاء-، وهو القبيح من القول أو الفعل. وأكثر ما تكون الفاحشة إطلاقا على الزنا.

وتعليق النهى بقربانها، للمبالغة في الزجر عنها، لأن قربانها قد يؤدى إلى الوقوع فيها، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

وهذا لون حكيم من ألوان إصلاح النفوس، لأنه إذا حصل النهى عن القرب من الشيء، فلأن ينهى عن فعله من باب أولى.

فكأنه- سبحانه- يقول: كونوا- أيها المسلمون بعيدين عن كل المقدمات التي تفضى إلى فاحشة الزنا كمخالطة النساء، والخلوة بهن، والنظر إليهن ... فإن ذلك يفتح الطريق إلى الوقوع فيها.

قال بعض العلماء: وكثيرا ما يتعلق النهى في القرآن بالقربان من الشيء، وضابطه بالاستقراء:

أن كل منهى عنه من شأنه أن تميل النفوس إليه، وتدفع إليه الأهواء، جاء النهى فيه عن القربان، ويكون القصد التحذير من أن يأخذ ذلك الميل في النفس مكانة تصل بها إلى اقتراف المحرم، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...

وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ...

أما المحرمات التي لم يؤلف ميل النفوس إليها، ولا اقتضاء الشهوات لها، فإن الغالب فيها، أن يتعلق النهى عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه.

ومن ذلك قوله- تعالى-: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ... وقوله- تعالى-:

وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ...

فهذه وإن كانت فواحش، إلا أنها ليست ذات دوافع نفسية، يميل إليها الإنسان بشهوته.

بل هي في نظر العقل على المقابل من ذلك، يجد الإنسان في نفسه مرارة ارتكابها، ولا يقدم عليها إلا وهو كاره لها، أو في حكم الكاره.. .

وقوله: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا تعليل للنهى عن الاقتراب منه، أى: ابتعدوا عن مقدمات الزنا فضلا عن الوقوع فيه ذاته، لأنه كان- وما زال- في شرع الله، وفي نظر كل عقل سليم فعلة فاحشة ظاهرة القبح وبئس الطريق طريقه، فإنها طريق تؤدى إلى غضب الله- تعالى- وسخطه.

ومما لا شك فيه أن فاحشة الزنا من أقبح الفواحش التي تؤدى إلى شيوع الفساد والأمراض الخبيثة في الأفراد والمجتمعات، وما وجدت في أمة إلا وكانت عاقبتها خسرا.

ولقد تحدث الإمام الرازي عن تلك المفاسد التي تترتب على الزنا فقال ما ملخصه:

الزنا اشتمل على أنواع من المفاسد، أولها: اختلاط الأنساب واشتباهها، فلا يعرف الإنسان أن الولد الذي أتت به الزانية، أهو منه أو من غيره ...

وثانيا: أنه إذا لم يوجد سبب شرعي لأجله يكون هذا الرجل لتلك المرأة، لم يبق في حصول ذلك الاختصاص إلا التواثب والتقاتل.

وثالثها: أن المرأة إذا باشرت الزنا، استقذرها كل طبع سليم، وحينئذ لا تحصل الألفة والمحبة، ولا يتم السكن والازدواج..

ورابعها: أنه إذا فتح باب الزنا، فحينئذ لا يبقى لرجل اختصاص بامرأة وحينئذ لا يبقى بين نوع الإنسان، وبين سائر البهائم فرق في هذا الباب.

وخامسها: أنه ليس المقصود من المرأة قضاء الشهوة، بل أن تصير شريكة للرجل في ترتيب المنزل وإعداد مهماته.. وهذه المهمات لا تتم إلا إذا كانت مقصورة الهمة على هذا الرجل الواحد، منقطعة الطمع عن سائر الرجال، وذلك لا يحصل إلا بتحريم الزنا ... فثبت بما ذكرنا أن العقول السليمة تقضى على الزنا بالقبح .

ولقد سد الإسلام جميع المنافذ التي تؤدى إلى ارتكاب هذه الفاحشة، وسلك لذلك وسائل من أهمها:

1- تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء إلا في حدود الضرورة الشرعية، ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى، ما رواه الشيخان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» .

وروى الشيخان- أيضا- عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو- بفتح الحاء وسكون الميم- وهو قريب الزوج كأخيه وابن عمه فقال صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت» «2» . أى: دخوله قد يؤدى إلى الموت.

2- تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية. ووجوب غض البصر.

قال- تعالى-: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ...

وقال- سبحانه-: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. .

وروى الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام ... والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» .

3- وجوب التستر والاحتشام للمرأة فإن التبرج والسفور يغرى الرجال بالنساء، ويحرك الغريزة الجنسية بينهما.

قال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ.. .

4- الحض على الزواج، وتيسير وسائله، والبعد عن التغالى في نفقاته، وتخفيف مؤنه وتكاليفه.. فإن الزواج من شأنه أن يحصن الإنسان، ويجعله يقضى شهوته في الحلال..

فإذا لم يستطع الشاب الزواج، فعليه بالصوم فإنه له وقاية- كما جاء في الحديث الشريف-.

5- إقامة حدود الله بحزم وشدة على الزناة سواء أكانوا من الرجال أم من النساء، كما قال- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ. وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .

وهذا الجلد إنما هو بالنسبة للبكر ذكرا كان أو أنثى، أما بالنسبة للمحصن وهو المتزوج أو الذي سبق له الزواج، فعقوبته الرجم ذكرا كان أو أنثى، وقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.

ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في زان لم يتزوج وزانية متزوجة، بقوله لوالد الرجل: «على ابنك مائة جلدة وتغريب عام» ثم قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه واسمه أنيس: اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فغدا عليها فاعترفت فرجمها.

ومما لا شك أنه لو تم تنفيذ حدود الله- تعالى- على الزناة، لمحقت هذه الفاحشة محقا، لأن الشخص إن لم يتركها خوفا من ربه- عز وجل- لتركها خوفا من تلك العقوبة الرادعة، ومن فضيحته على رءوس الأشهاد.

هذه بعض وسائل الوقاية من تلك الفاحشة القبيحة، ولو اتبعها المسلمون، لطهرت أمتهم من رجسها، ولحفظت في دينها ودنياها.

يقول تعالى ناهيا عباده عن الزنا وعن مقاربته وهو مخالطة أسبابه ودواعيه ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ) أي ذنبا عظيما ( وساء سبيلا ) أي وبئس طريقا ومسلكا

وقد قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا جرير حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة قال إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه فقال : ادنه فدنا منه قريبا فقال اجلس فجلس ، قال أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداك . قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم " قال أفتحبه لابنتك " قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك . قال ولا الناس يحبونه لبناتهم " قال أتحبه لأختك " قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداك قال : " ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه " قال فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .

وقال ابن أبي الدنيا حدثنا عمار بن نصر حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن الهيثم بن مالك الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له "

يقول تعالى ذكره: وقضى أيضا أن (لا تَقْرَبُوا) أيها الناس ( الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) يقول: إِن الزّنا كان فاحشة (وَساءَ سَبِيلا) يقول: وساء طريق الزنا طريقا، لأنه طريق أهل معصية الله، والمخالفين أمره، فأسوئ به طريقا يورد صاحبه نار جهنم.

التدبر :

وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ﴾ في أمور الأعراض ذكر عدم القرب منها؛ ابتعد من هذا الطريق؛ فالخطوة الأولى تجر خطوات.
وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ﴾ المنع من الاقتراب دليل على ثبوت محرَّمات تُحيط بالمحرَّم وقبله، وهي الخلوة والاختلاط والخضوع بالقول والسفور.
وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ﴾ هو أعمُّ من أن يُقال: (ولا تَزْنُوا)؛ ليفيد النَّهيَ عن مقدِّمات الزِّنا، كاللَّمس والقُبلة بالمنطوق، وعن الزِّنا بمفهوم الأَولى.
وقفة
[32] شاب شكى مرض قلبه بالشهوات، ومن أعظم أسبابه: 1- مقصر في الصلاة. 2- بعده عن القرآن. 3- أنه يبحث بنفسه عما يثير شهوته، والقرآن يقول: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ﴾.
وقفة
[32] قال الله ﷻ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ﴾، ولم يقل: (ولا تزنوا)؛ الهروب من أسباب الخطيئة خير من الهروب من الخطيئة نفسها، ﴿تلك حدود الله فلا تقربوها﴾ [البقرة: 187].
وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ وصف الله الزنا وقبَّحه بأنه كان فاحشة، أي: إثمًا يستفحش في الشرع، والعقل، والفطر؛ لتضمنه التجرؤ على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد.
وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، خصوصًا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داعٍ إليه.
عمل
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ ابتعد عن الخطوات التي تؤدي بك إلى الوقوع في الفواحش والمعاصي؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ إنه ليس مجرد شهوة، إنه سبيل طويلة في الظلام والسقوط والسفر نحو الوحل.
وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ إن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، خصوصًا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه.
لمسة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه.
وقفة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ قال يونس بن عبيد: «لا يخل رجل بامرأة شابة وإن أقرأها القرآن».
لمسة
[32] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ ما الفرق بين السفاح والبغاء والزنى؟ الزنا: هو الوطء من غير عقد شرعي، ويوصف به الرجل والمرأة ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ [النور: 2]، البغاء: هو الفجور، استمراء الزنا حتى يصير فجورًا، يقال بغت المرأة إذا تجاوزت ما ليس لها وفعلت هذا، بغى في الأرض أي فجر فيها وتجاوز إلى ما ليس له، وعند العرب لا يوصف الرجل بالبغيّ، السفاح: هو الإقامة مع الرجل من غير تزويج شرعي وهذا أشد، ويوصف الرجل والمرأة بالسِفاح.
وقفة
[32] الزنا من كبائر الذنوب، وقد حرَّمه الله تعالى صيانة للدين، والعرض، والنفس، والعقل، والمال، فإنه يفسد كل هؤلاء، وهو من الذنوب التي قد يعجِّل الله تعالى لصاحبها العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، في نفسه وعرضه عياذًا بالله، فالمؤمن (الغيور) لا يقرب الزنا أبدًا ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾.
عمل
[32] حدد سببًا يذكرك المعصية، وابتعد عنه ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾.
وقفة
[32] ما الفرق بين ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ و﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 22]؟ المقت أشد البغضاء، إذا زنا شخص بامرأة فهذه فاحشة وسبيل سيئ، لكن أن تزني بمحارم هذا ليس فقط فاحشة، هذا مقت، يعني مقزز مثير للعار، فكلمة (مقتًا) تضيف إلى الزنا بالمحارم جريمة زائدة، ولهذا عقوبة الذي يزني بالمحارم ليس كعقوبة الزاني، فذهب بعض العلماء إلى أن الزاني بالمحارم يقتل مطلقًا، سواء كان محصنًا أو غير محصن، وهي رواية عن الإمام أحمد، وهو قول إسحاق بن راهويه، وجماعة من أهل الحديث.
وقفة
[32، 33] سرعة انتشار الفاحشة في المجتمعات أكثر من قتل النفس؛ لذلك قدمت في النهي عليه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً:
  • تعرب إعراب ما ورد في الآية الكريمة السابقة: أي ولا تقتلوا أولادكم .. ان قتلهم كان خطأ. الزنا: علامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. إنه: الهاء ضمير متصل في محل نصب اسمها.
  • ﴿ وَساءَ سَبِيلاً:
  • الواو: استئنافية. ساء: بمعنى «بئس» وهي فعل ماض مبني على الفتح لانشاء الذم والفعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. سبيلا: تمييز منصوب بالفتحة. وحذف المخصوص بالذم لوجود ما يدل عليه. التقدير والمعنى: وبئس طريقا طريقة. '

المتشابهات :

النساء: 22﴿وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا
الإسراء: 32﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     (ولَمَّا نهى اللهُ عز وجل عن قَتلِ الأولادِ المؤدي إلى إفناء النسل؛ نهى هنا عن فاحشة الزنا المؤدية إلى اختلاط الأنساب) 9- الوصيةُ التاسعةُ: النهيُ عن الزِّنا، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [33] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ ..

التفسير :

[33] ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قَتْلها إلا بالحق الشرعي كالقصاص أو رجم الزاني المحصن أو قتل المرتد. ومَن قُتِل بغير حق شرعي فقد جعلنا لولي أمره مِن وارث أو حاكم حجة في طلب قَتْل قاتله أو الدية، ولا يصح لولي أمر المقتول أن يجاوز حدَّ الله في القصاص كأ

وهذا شامل لكل نفس{ حَرَّمَ اللَّهُ} قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهد.

{ إِلَّا بِالْحَقِّ} كالنفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إلا بالقتل.

{ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} أي:بغير حق{ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ} وهو أقرب عصباته وورثته إليه{ سُلْطَانًا} أي:حجة ظاهرة على القصاص من القاتل، وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص كالعمد العدوان والمكافأة.

{ فَلَا يُسْرِفْ} الولي{ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} والإسراف مجاوزة الحد إما أن يمثل بالقاتل أو يقتله بغير ما قتل به أو يقتل غير القاتل.

وفي هذه الآية دليل إلى أن الحق في القتل للولي فلا يقتص إلا بإذنه وإن عفا سقط القصاص.

وأن ولي المقتول يعينه الله على القاتل ومن أعانه حتى يتمكن من قتله.

ثم نهى- سبحانه- عن قتل النفس المعصومة الدم، بعد نهيه عن قتل الأولاد، وعن الاقتراب من فاحشة الزنا فقال- تعالى-: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.

أى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها، إلا بالحق الذي يبيح قتلها شرعا، كردة، أو قصاص، أو زنا يوجب الرجم.

قال الإمام ابن كثير: يقول- تعالى- ناهيا عن قتل النفس بغير حق شرعي، كما ثبت في الصحيحين- عن عبد الله بن مسعود- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة» .

وفي السنن: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم » .

وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ متعلق بلا تقتلوا، والباء للسببية، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أى: لا تقتلوها في حال من الأحوال، إلا في حال ارتكابها لما يوجب قتلها.

وذلك: لأن الإسلام ينظر إلى وجود الإنسان على أنه بناء بناه الله- تعالى- فلا يحل لأحد أن يهدمه إلا بحق.

وبهذا يقرر الإسلام عصمة الدم الإنسانى، ويعتبر من يعتدى على نفس واحدة، فكأنما قد اعتدى على الناس جميعا. قال- تعالى-: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.. .

وقوله- سبحانه-: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً إرشاد لولى المقتول إلى سلوك طريق العدل عند المطالبة بحقه.

والمراد بوليه: من يلي أمر المقتول، كأبيه وابنه وأخيه وغيرهم من أقاربه الذين لهم الحق في المطالبة بدمه. فإن لم يكن للمقتول ولى، فالحاكم وليه.

والمراد بالسلطان: القوة التي منحتها شريعة الله- تعالى- لولى المقتول على القاتل، حيث جعلت من حق هذا الولي المطالبة بالقصاص من القاتل، أو أخذ الدية منه، أو العفو عنه، ولا يستطيع أحد أن ينازعه في هذا الحق، أو أن يجبره على التنازل عنه.

والمعنى: ومن قتل مظلوما، أى: بدون سبب يوجب قتله، فإن دمه لم يذهب هدرا، فقد شرعنا «لوليه سلطانا» على القاتل، لأنه- أى الولي- إن شاء طالب بالقصاص منه، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا عنه. وبذلك يصير الولي هو صاحب الكلمة الأولى في

التصرف في القاتل، حتى لكأنه مملوك له.

وما دامت شريعة الله- تعالى- قد أعطت الولي هذا السلطان على القاتل، فعليه أن لا يسرف في القتل، وأن لا يتجاوز ما شرعه الله- تعالى-.

ومن مظاهر هذا التجاوز: أن يقتل اثنين- مثلا- في مقابل قتيل واحد أو أن يقتل غير القاتل، أو أن يمثل بالقاتل بعد قتله.

قال الآلوسى ما ملخصه: كان من عادتهم في الجاهلية، أنهم إذا قتل منهم واحد، قتلوا قاتله، وقتلوا معه غيره ...

وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أنه قال: إن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل من ليس شريفا شريفا، لم يقتلوه به، وقتلوا شريفا من قومه، فنهوا عن ذلك، كما نهوا عن المثلة بالقاتل.

وقرأ حمزة والكسائي: «فلا تسرف» بالخطاب للولي على سبيل الالتفات .

وقوله: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً تذييل المقصود به تعليل النهى عن الإسراف في القتل.

والضمير يعود إلى الولي- أيضا-.

أى: فلا يسرف هذا الولي في القتل، لأن الله- تعالى- قد نصره عن طريق ما شرعه له من سلطان عظيم، من مظاهره: المطالبة بالقصاص من القاتل، أو بأخذ الدية، ومن مظاهره- أيضا- وقوف الحاكم وغيره إلى جانبه حتى يستوفى حقه من القاتل، دون أن ينازعه منازع في هذا الحق.

ومنهم من يرى أن الضمير في قوله إِنَّهُ يعود إلى المقتول ظلما، على معنى: أن الله- تعالى- قد نصره في الدنيا بمشروعية القصاص والدية حتى لا يضيع دمه، ونصره في الآخرة بالثواب الذي يستحقه، وما دام الأمر كذلك فعلى وليه أن لا يسرف في القتل.

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب. لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.

قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال في ذلك: وأشبه ذلك بالصواب عندي، قول من قال: عنى بها- أى بالهاء في إنه- الولي، وعليه عادت، لأنه هو المظلوم ووليه المقتول، وهي إلى ذكره أقرب من ذكر المقتول، وهو المنصور- أيضا- لأن الله- جل ثناؤه- قضى في كتابه المنزل، أن سلطه على قاتل وليه، وحكمه فيه، بأن جعل إليه قتله إن شاء، واستبقاءه على الدية إن أحب، والعفو عنه إن رأى. وكفى بذلك نصرة له من الله- تعالى-، فلذلك هو المعنى بالهاء التي في قوله إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً .

والمتأمل في هذه الآية الكريمة التي هي أول آية نزلت في شأن القتل كما قال الضحاك :

يراها قد عالجت هذه الجريمة علاجا حكيما.

فهي أولا: تنهى عن القتل، لأنه من أكبر الكبائر التي تؤدى إلى غضب الله- تعالى- وسخطه، قال- تعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً .

وجاء النهى عنه في بعض الآيات بعد النهى عن الإشراك بالله- عز وجل-. قال- سبحانه-: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.. .

كما جاء النهى عنه في كثير من الأحاديث النبوية، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» .

وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب» .

وفي حديث ثالث: «لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم، لأكبهم الله في النار» .

وهذا النهى الشديد عن قتل النفس من أسبابه: أنه يؤدى إلى شيوع الغل والبغض والتقاتل ... بين الأفراد والجماعات إذ النفس البشرية في كل زمان ومكان، يؤلمها، ويثير غضبها وانتقامها، أن ترى قاتل عزيز لديها يمشى على الأرض..

وهي ثانيا: تسوق لولى المقتول من التوجيهات الحكيمة، ما يهدئ نفسه، ويقلل من غضبه، ويطفئ من نار ثورته المشتعلة.

وقد أجاد صاحب الظلال- رحمه الله- في توضيح هذا المعنى فقال:

«وفي تولية صاحب الدم على القصاص من القاتل، وتجنيد سلطان الشرع وتجنيد الحاكم لنصرته، تلبية للفطرة البشرية، وتهدئة للغليان الذي تستشعره نفس الولي، الغليان الذي قد يجرفه ويدفعه إلى الضرب يمينا وشمالا، في حمى الغضب والانفعال على غير هدى. فأما حين يحس أن الله قد ولاه على دم القاتل. وأن الحاكم مجند لنصرته على القصاص، فإن ثائرته تهدأ، ونفسه تسكن، ويقف عند حد القصاص العادل الهادئ.

والإنسان إنسان، فلا يطالب بغير ما ركب في فطرته من الرغبة العميقة في القصاص.

لذلك يعترف الإسلام بهذه الفطرة ويلبيها في الحدود المأمونة، ولا يتجاهلها فيفرض التسامح فرضا. إنما هو يدعو إلى التسامح ويؤثره، ويجبب فيه، ويأجر عليه، ولكن بعد أن يعطى الحق. فلولى الدم أن يقتص أو يصفح.

وشعور ولى الدم بأنه قادر على كليهما، قد يجنح به إلى الصفح والتسامح، أما شعوره بأنه مرغم على الصفح فقد يهيج نفسه، ويدفع به إلى الغلو والجموح .

هذا، والذي نعتقده وندين الله- تعالى- عليه، أنه لا علاج لجريمة القتل- وغيرها- إلا بتطبيق شريعة الله- تعالى- التي جمعت بين الرحمة والعدل.

وبالرحمة والعدل: تتلاقى القلوب بعد التفرق، وتلتئم بعد التصدع، وتتسامى عن الانتقام إلى ما هو أعلى منه وهو العفو.

يقول تعالى ناهيا عن قتل النفس بغير حق شرعي كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة "

وفي السنن لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم " .

وقوله : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) أي سلطة على القاتل فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله قودا وإن شاء عفا عنه على الدية وإن شاء عفا عنه مجانا كما ثبتت السنة بذلك وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة وأنه سيملك لأنه كان ولي عثمان وقد قتل عثمان مظلوما رضي الله عنه وكان معاوية يطالب عليا رضي الله عنه أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم لأنه أموي وكان علي رضي الله عنه يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة وأبى أن يبايع عليا هو وأهل الشام ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه كما تفاءل ابن عباس واستنبط من هذه الآية الكريمة وهذا من الأمر العجب وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال

حدثنا يحيى بن عبد الباقي حدثنا أبو عمير بن النحاس حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن زهدم الجرمي قال كنا في سمر ابن عباس فقال إني محدثكم حديثا ليس بسر ولا علانية إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان يعني عثمان قلت لعلي : اعتزل فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج فعصاني وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية وذلك أن الله تعالى يقول ) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ) الآية ، وليحملنكم قريش على سنة فارس والروم وليقيمن عليكم النصارى واليهود والمجوس فمن أخذ منكم يومئذ بما يعرف نجا ومن ترك وأنتم تاركون كنتم كقرن من القرون هلك فيمن هلك .

وقوله تعالى ] ( فلا يسرف في القتل ) قالوا معناه فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به أو يقتص من غير القاتل

وقوله ( إنه كان منصورا ) أي أن الولي منصور على القاتل شرعا وغالبا قدرا

يقول جلّ ثناؤه: وقضى أيضا أن (لا تَقْتُلُوا) أيها الناس (النَّفْسَ التي حَرَّمَ الله) قتلها(إلا بالحَقّ) وحقها أن لا تقتل إلا بكفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قود نفس، وإن كانت كافرة لم يتقدّم كفرها إسلام، فأن لا يكون تقدم قتلها لها عهد وأمان.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) وإنا والله ما نعلم بحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، إلا رجلا قتل متعمدا، فعليه القَوَد، أو زَنى بعد إحصانه فعليه الرجم؛ أو كفر بعد إسلامه فعليه القتل.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن الزهريّ، عن عُروة أو غيره، قال: قيل لأبي بكر: أتقتل من يرى أن لا يؤدي الزكاة، قال: لو منعوني شيئا مما أقروا به لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم فقيل لأبي بكر : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتى يَقُولُوا: لا إِلَه إِلا الله، فإذَا قالُوها عَصَمُوا مِنّي دِماءهُمْ وأمْوالهُم إِلا بِحَقِّها، وحِسابُهُمْ عَلى الله " فقال أبو بكر: هذا من حقها.

حدثني موسى بن سهل، قال: ثنا عمرو بن هاشم، قال: ثنا سليمان بن حيان، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يقُولُوا لا إِلَه إِلا الله، فإذَا قالُوها عَصَمُوا مِنِّى دِماءهُمْ وأمْوالهُمْ إِلا بِحَقِّها وحِسابهُمْ عَلى الله؛ قيل: وما حقها؟ قال: زِنًا بَعْد إحْصانٍ، و كُفْرٌ بَعْد إيمَانٍ، وقَتْلُ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ بِها ".

وقوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ) يقول: ومن قتل بغير المعاني التي ذكرنا أنه إذا قتل بها كان قتلا بحقّ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) يقول: فقد جعلنا لوليّ المقتول ظلما سلطانا على قاتل وليه، فإن شاء استقاد منه فقتله بوليه، وإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذ الدية.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى السلطان الذي جُعل لوليّ المقتول، فقال بعضهم في ذلك، نحو الذي قُلنا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: بيِّنة من الله عزّ وجلّ أنـزلها يطلبها وليّ المقتول، العَقْل، أو القَوَد، وذلك السلطان.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن جُويبر، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: إن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.

وقال آخرون: بل ذلك السلطان: هو القتل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) وهو القَوَد الذي جعله الله تعالى.

وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من تأول ذلك: أن السلطان الذي ذكر الله تعالى في هذا الموضع ما قاله ابن عباس، من أن لوليّ القتيل القتل إن شاء وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء العفو، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة: " ألا ومَنْ قُتِل لَهُ قَتِيلٌ فَهُو بِخَيْرِ النَّظَريْنِ بين أنْ يَقْتُل أوْ يأْخُذ الدّيَة ". قد بيَّنت الحكم في ذلك في كتابنا: كتاب الجِراح.

وقوله ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الكوفة (فَلا تُسْرِفْ) بمعنى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد به هو والأئمة من بعده، يقول: فلا تقتل بالمقتول ظُلْما غير قاتله، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك إذا قتل رجل رجلا عمد وليّ القتيل إلى الشريف من قبيلة القاتل، فقتله بوليه، وترك القاتل، فنهى الله عزّ وجلّ عن ذلك عباده، وقال لرسوله عليه الصلاة والسلام: قتل غير القاتل بالمقتول معصية وسرف، فلا تقتل به غير قاتله، وإن قتلت القاتل بالمقتول فلا تمثِّل به. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة (فَلا يُسْرفْ) بالياء، بمعنى فلا يسرف وليّ المقتول، فيقتل غير قاتل وليه. وقد قيل: عنى به: فلا يسرف القاتل الأول لا ولي المقتول.

والصواب من القول في ذلك عندي، أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وذلك أن خطاب الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأمر أو نهي في أحكام الدين، قضاء منه بذلك على جميع عباده، وكذلك أمره ونهيه بعضهم، أمر منه ونهى جميعهم، إلا فيما دلّ فيه على أنه مخصوص به بعض دون بعض، فإن كان ذلك كذلك بما قد بيَّنا في كتابنا [كتاب البيان، عن أصول الأحكام] فمعلوم أن خطابه تعالى بقوله (فَلا تُسْرِف في القَتْلِ) نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كان موجَها إليه أنه معنيّ به جميع عباده، فكذلك نهيه وليّ المقتول أو القاتل عن الإسراف في القتل، والتعدّي فيه نهي لجميعهم، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب صواب القراءة في ذلك.

وقد اختلف أهل التأويل في تأويلهم ذلك نحو اختلاف القرّاء في قراءتهم إياه.

* ذكر من تأوّل ذلك: بمعنى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن منصور، عن طلق بن حبيب ، في قوله (فَلا تُسْرِفْ في القَتْلِ) قال لا تقتل غير قاتله، ولا تمثِّل به.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير. عن منصور، عن طلق بن حبيب، بنحوه.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، في قوله (فَلا تُسْرِفْ في القَتْلِ) قال: لا تقتل اثنين بواحد.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) كان هذا بمكة، ونبيّ الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نـزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون يغتالون أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال الله تبارك وتعالى: من قتلكم من المشركين، فلا يحملنَّكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أبا أو أخا أو أحدا من عشيرته، وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلا قاتلكم؛ وهذا قبل أن تنـزل براءة، وقبل أن يؤمروا بقتال المشركين، فذلك قوله (فَلا تُسْرِفْ فِي القَتْلِ) يقول: لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين، لا يحلّ لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم.

* ذكر من قال: عُنِي به وليّ المقتول حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: كان الرجل يُقتل فيقول وليه: لا أرضى حتى أقتل به فلانا وفلانا من أشراف قبيلته.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَلا تُسْرِفْ في القَتْلِ) قال: لا تقتل غير قاتلك، ولا تمثِّل به.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ) قال: لا يقتل غير قاتله؛ من قَتَل بحديدة قُتل بحديدة؛ ومن قَتَل بخشبة قُتِل بخشبة؛ ومن قَتل بحجر قُتل بحجر. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إِنَّ مِنْ أعْتَى النَّاسِ على الله جَلَّ ثَناؤُهُ ثَلاثَةً رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قاتِلِهِ، أوْ قَتَلَ بدَخَنٍ في الجاهِلِيَّة، أو قَتَل فِي حَرَمِ الله ".

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سمعته، يعني ابن زيد، يقول في قول الله جلّ ثناؤه ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: إن العرب كانت إذا قُتل منهم قتيل، لم يرضوا أن يقتلوا قاتل صاحبهم، حتى يقتلوا أشرف من الذي قتله، فقال الله جلّ ثناؤه ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) ينصره وينتصف من حقه ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) يقتل بريئا.

* ذكر من قال عُنِي به القاتل حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير عن مجاهد ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) قال: لا يسرف القاتل في القتل.

وقد ذكرنا الصواب من القراءة في ذلك عندنا، وإذا كان كلا وجهي القراءة عندنا صوابا، فكذلك جميع أوجه تأويله التي ذكرناها غير خارج وجه منها من الصواب، لاحتمال الكلام ذلك، وإن في نهي الله جلّ ثناؤه بعض خلقه عن الإسراف في القتل، نهى منه جميعَهم عنه.

وأما قوله (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عُنِي بالهاء التي في قوله (إِنَّهُ) وعلى ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة على وليّ المقتول، وهو المعنيّ بها، وهو المنصور على القاتل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) قال: هو دفع الإمام إليه، يعني إلى الوليّ، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا.

وقال آخرون: بل عُنِي بها المقتول، فعلى هذا القول هي عائدة على " مَن " في قوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما).

* ذكر مَن قال ذلك: حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) إن المقتول كان منصورا.

وقال آخرون: عُنِي بها دم المقتول، وقالوا: معنى الكلام: إن دم القتيل كان منصورا على القاتل.

وأشبه ذلك بالصواب عندي، قول من قال: عُنِي بها الوليّ، وعليه عادت، لأنه هو المظلوم، ووليه المقتول، وهي إلى ذكره أقرب من ذكر المقتول، وهو المنصور أيضا، لأن الله جلّ ثناؤه قضى في كتابه المنـزل، أنه سلَّطه على قاتل وليه، وحكَّمه فيه، بأن جعل إليه قتله إن شاء، واستبقاءه على الدية إن أحبّ، والعفو عنه إن رأى، وكفى بذلك نُصرة له من الله جلّ ثناؤه، فلذلك قلنا: هو المعنيّ بالهاء التي في قوله (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا).

التدبر :

لمسة
[33] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾ جاء الأمر للجمع (ولا تقتلوا)، ولم يقل: (ولا تقتل)، فكأن حماية النفس هي مسئولية الجميع.
وقفة
[33] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾ المظلوم منصور ولو كان (ميتًا)، فكيف وهو حي؟!
وقفة
[33] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾ في الآيات دليل على أن الحق في القتل للولي، فلا يُقْتَص إلا بإذنه، وإن عفا سقط القصاص.
وقفة
[33] ﴿فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ﴾ أعظم حالات قهر الإنسان أن يقتل أولياؤه وأحبته ظلمًا، وقد حذر مع ذلك من العدوان، حالات الحنق والغيظ لا تسوغ انتهاك العدالة.
وقفة
[33] ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ مهما كانت عدالة قضايانا؛ فهي لا تمنحنا الحصانة لظلم الآخرين.
وقفة
[33] ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ الجبار سبحانه ينتصر للمظلوم وإن كان تحت التراب؛ فليخش الظالمون الغارقون في الظلمات انتقام ذي القوة والجبروت.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي:
  • أعربت في الآية الكريمة الحادية والثلاثين. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة للنفس.
  • ﴿ حَرَّمَ اللهُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة. والجملة صلة الموصول لا محل لها والعائد أي المفعول محذوف لوجود ما يدل عليه. التقدير: حرم الله قتلها. أي حرمها من القتل.
  • ﴿ إِلاّ بِالْحَقِّ:
  • إلا: أداة استثناء. بالحق: جار ومجرور متعلق بالمستثنى المحذوف أو بصفة مصدر محذوف. التقدير إلا قتلا ملتبسا بالحق. بمعنى إلاّ إذا استحقت القتل.
  • ﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع. قتل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. مظلوما: حال منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مسبوق بحرف تحقيق مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة لجواب الشرط‍.قد: حرف تحقيق. جعل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. لوليه: جار ومجرور متعلق بجعلنا. والهاء ضمير الغائب في محل جر بالاضافة. سلطانا: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: حقا أو حجة في طلب القصاص من القاتل.
  • ﴿ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ:
  • الفاء: استئنافية أو للتعليل. لا: ناهية جازمة. يسرف: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. في القتل: جار ومجرور متعلق بيسرف. بمعنى فلا يبالغ وهو حزين على أقرب الناس إليه في التمثيل بقاتله.
  • ﴿ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير الغائب مبني على الضم في محل نصب اسم «إنّ».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. منصورا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. والجملة الفعلية كانَ مَنْصُوراً» في محل رفع خبر «إن» وتعددت الأقوال في ضمير «إنه» فقد قيل انه يعود على وليه أو للمقتول وقيل يجوز أن يعود على القتل. '

المتشابهات :

الفرقان: 68﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ
الأنعام: 151﴿وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
الإسراء: 33﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     (ولَمَّا نهى اللهُ عز وجل عن قَتلِ الأولادِ؛ نهى هنا عن قَتلِ النَّفسِ، انتقال مِن الخاصِّ إلى العامِّ) 10- الوصيةُ العاشرةُ: النهيُ عن قتل النفس إلا بحق، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فلا يسرف:
1- بياء الغيبة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتاء الخطاب، على خطاب «الولي» ، فالضمير له، وهى قراءة الأخوين، وزيد بن على، وحذيفة، وابن وثاب، والأعمش، ومجاهد، بخلاف.
3- بضم الفاء، على الخبر، ومعناه النهى.

مدارسة الآية : [34] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ ..

التفسير :

[34] ولا تتصرَّفوا في أموال الأطفال الذين مات آباؤهم وهم دون سنِّ البلوغ، وصاروا في كفالتكم، إلا بالطريقة التي هي أحسن لهم، وهي التثمير والتنمية، حتى يبلغ الطفل اليتيم سنَّ البلوغ، وحسن التصرف في المال، وأتموا الوفاء بكل عهد التزمتم به. إن العهد يسأل الله

وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم الذي فقد والده وهو صغير غير عارف بمصلحة نفسه ولا قائم بها أن أمر أولياءه بحفظه وحفظ ماله وإصلاحه وأن لا يقربوه{ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} من التجارة فيه وعدم تعريضه للأخطار، والحرص على تنميته، وذلك ممتد إلى أن{ يَبْلُغَ} اليتيم{ أَشُدَّهُ} أي:بلوغه وعقله ورشده، فإذا بلغ أشده زالت عنه الولاية وصار ولي نفسه ودفع إليه ماله.

كما قال تعالى:{ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}{ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} الذي عاهدتم الله عليه والذي عاهدتم الخلق عليه.{ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} أي:مسئولين عن الوفاء به وعدمه، فإن وفيتم فلكم الثواب الجزيل وإن لم تفوافعليكم الإثم العظيم.

وبعد أن نهى- سبحانه- عن إتلاف النفوس عن طريق القتل والزنا، أتبع ذلك بالنهى عن إتلاف الأموال التي هي قوام الحياة، وبدأ- سبحانه- بالنهى عن الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، ثم ثنى بالأمر بإيفاء الكيل والميزان عند التعامل، فقال- تعالى-:

وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا. وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ، وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ، ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.

واليتيم: هو الصغير الذي مات أبوه مأخوذ من اليتم بمعنى الانفراد، ومنه الدرة اليتيمة.

والخطاب في قوله: وَلا تَقْرَبُوا ... لأولياء اليتيم، والأوصياء على ماله.

والأشد: قوة الإنسان، واشتعال حرارته، ومن الشدة بمعنى القوة. يقال: شد النهار إذا ارتفع واكتمل، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع. أو هو جمع لا واحد له من لفظه، أو جمع شدة كأنعم ونعمة.

أى: ولا تقربوا- أيها الأولياء على اليتيم- ماله الذي منحه الله إياه عن طريق الميراث أو غيره، إلا بالطريقة التي هي أحسن الطرق، والتي من شأنها أن تنفعه، كالمحافظة عليه، واستثماره له، وإنفاقه في الوجوه المشروعة.

واعلموا أن كل تصرف مع اليتيم أو في ماله لا يقع في تلك الدائرة- دائرة الأنفع والأحسن- فهو تصرف محظور ومنهى عنه، وسيحاسبكم الله- تعالى- عليه.

وتعليق النهى بالقربان، للمبالغة في الزجر عن التصرف في مال اليتيم، إلا بالطريقة التي هي أحسن.

وقوله: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ليس غاية للنهى، إذ ليس المعنى: فإذا بلغ أشده فاقربوه، لأن هذا المعنى يقتضى إباحة أكل الولي لمال اليتيم بعد بلوغه، وإنما هو غاية لما يفهم من النهى، فيكون المعنى: لا تقربوا مال اليتيم إلا بالطريقة التي هي أحسن، واستمروا على ذلك حتى يبلغ أشده، أى: حتى يصير بالغا عاقلا رشيدا، فإذا ما صار كذلك، فسلموا إليه ماله بأمانة واستعفاف عن التطلع إلى شيء منه.

هذا، وقد أمرت شريعة الإسلام، بحسن رعاية اليتيم، وبالمحافظة على حقوقه، ونهت عن الإساءة إليه، بأى لون من ألوان الإساءة.

قال- تعالى-: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.. .

وقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً، إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن سهل بن سعد رضى الله عنه: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى .

وروى الشيخان عن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» .

ومن الحكم التي من أجلها أمر الإسلام بالعطف على اليتيم ونهى عن ظلمه، أنه إنسان ضعيف فقد الأب الحانى، والعائل والنصير منذ صغره..

فإذا نشأ في بيئة ترعاه وتكرمه.. شب محبا لمن حوله، وللمجتمع الذي يعيش فيه.

وإذا نشأ في بيئة تقهره وتذله وتظلمه.. نظر إلى من حوله، وإلى المجتمع الذي يعيش فيه، نظرة العدو إلى عدوه..

وكأنه يقول لنفسه: إذا كان الناس لم يحسنوا إلى في صغرى وفي حالة ضعفى، فلماذا أحسن إليهم في حال كبرى وقوتي!! وإذا كانوا قد حرموني حقي الذي منحه الله لي فلماذا أعطيهم شيئا من خيرى وبرى!!.

هذه بعض الأسباب التي من أجلها أمر الإسلام أتباعه برعاية اليتيم وإكرامه، وصيانة حقوقه من أى اعتداء أو ظلم.

يقول تعالى ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) أي لا تتصرفوا له إلا بالغبطة ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ) [ النساء 2 ] و ( لا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [ النساء 6 .

وقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " .

وقوله [ تعالى : ( وأوفوا بالعهد ) أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه ( إن العهد كان مسئولا ) أي عنه

يقول تعالى ذكره: وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل، إسرافا وبدارا أن يَكْبَروا، ولكن اقرَبوه بالفَعْلة التي هي أحسن، والخَلَّة التي هي أجمل، وذلك أن تتصرّفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة.

وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) لما نـزلت هذه الآية، اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره، فأنـزل الله تبارك وتعالى وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ فكانت هذه لهم فيها رُخْصة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب، حتى نـزلت وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ .

وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: الأكل بالمعروف، أن تأكل معه إذا احتجت إليه، كان أُبيّ يقول ذلك.

وقوله (حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ) يقول: حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل، وتدبير ماله، وصلاح حاله في دينه (وأوْفُوا بالعَهْدِ) يقول: وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود ( إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ) يقول: إن الله جلّ ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك. وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا، يقال في الكلام: ليسئلنّ فلان عهد فلان.

التدبر :

وقفة
[34] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ الجراح تحتاج لمن يضمدها ويواسي أصحابها، لا أن نزيد في آلامها ونزف دمائها.
وقفة
[34] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الأمر هنا بالقرب من مال اليتيم ليس بالحسن فقط، وإنما بالأحسن، والأحسن هنا تنميته وزيادته، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ [النساء: 5]، فإنه قال: (فيها)، ولم يقل: (منها)؛ حثًا على تنمية المال وتكثيره؛ لأن (منها) يؤدي إلى نقصانها ونهايتها.
وقفة
[34] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ من لطف الله ورحمته باليتيم أن أمر أولياءه بحفظه وحفظ ماله وإصلاحه وتنميته حتى يبلغ أشده.
عمل
[34] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ اكفل يتيمًا، أو أسهِم في كفالته عن طريق إحدى المؤسسات الخيرية.
وقفة
[34] ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ أنت مسؤول يوم القيامة عن العهود والعقود التي عقدتها مع الله، أو مع خلقه؛ فاحرص على الوفاء بها.
وقفة
[34] أيما امرئ يعطي كلمة لإنسان بعمل مشروع -حتى لو كان لقاء-؛ يصبح بموجب كلمته مسئولًا مسئولية صارمة، وذلك هو قول الحق سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة. تقربوا: أي تمسوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. مال: مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف. اليتيم: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ:
  • إلا: أداة حصر لا عمل لها أو أداة استثناء ملغاة. بالتي هي أحسن: أعربت في الآية الكريمة التاسعة.
  • ﴿ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ:
  • بمعنى: حتى يبلغ مبلغ الرجال أو غاية نموه. حتى حرف غاية وجر. يبلغ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حتى» وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بتقربوا. أشده: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير الغائب في محل جر بالاضافة. وجملة يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» صلة «أن» المصدرية المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ:
  • الواو: استئنافية. أوفوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالعهد: جار ومجرور متعلق بأوفوا.
  • ﴿ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. العهد: اسم «إن» منصوب بالفتحة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيها جوازا تقديره هو. مسئولا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. والجملة الفعلية كانَ مَسْؤُلاً» في محل رفع خبر «ان» بمعنى انّ الانسان كان مسئولا عن عهده أو عنه. وقد حذف الجار والمجرور «عنه» اختصارا وقد ذكر في بعض أي الذكر الحكيم. '

المتشابهات :

الأنعام: 152﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ
الإسراء: 34﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     (ولَمَّا نهى اللهُ عز وجل عن إتلاف الأنفس؛ نهى هنا عن إتلاف الأموال؛ لأن المال أخو الروح، وأحق الناس بالنهي عن إتلاف ماله هو اليتيم لضعفه) 11- الوصيةُ الحادية عشرة: النهيُ عن أكلِ مالِ اليتيم، 12- الوصيةُ الثانية عشرة: الوفاءُ بالعهود، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [35] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ ..

التفسير :

[35] وأتموا الكيل، ولا تنقصوه إذا كِلْتم لغيركم، وزِنوا بالميزان السوي، إن العدل في الكيل والوزن خير لكم في الدنيا، وأحسن عاقبة عند الله في الآخرة.

وهذا أمر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين بالقسط من غير بخس ولا نقص.

ويؤخذ من عموم المعنى النهي عن كل غش في ثمن أو مثمن أو معقود عليه والأمر بالنصح والصدق في المعاملة.

{ ذَلِكَ خَيْرٌ} من عدمه{ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} أي:أحسن عاقبة به يسلم العبد من التبعات وبه تنزل البركة.

وبعد أن نهى- سبحانه- عن الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، أمر بالوفاء بالعهود فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا.

والعهد: ما من شأنه أن يراعى ويحفظ، كالوصية واليمين. وعهد الله: أوامره ونواهيه وعهد الناس: ما يتعاهدون عليه من معاملات وعقود وغير ذلك مما تقتضيه شئون حياتهم.

أى: وأوفوا بالعهود التي بينكم وبين الله- تعالى-، والتي بينكم وبين الناس، بأن تؤدوها كاملة غير منقوصة، وأن تقوموا بما تقتضيه من حقوق شرعية. وقوله إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا تعليل لوجوب الوفاء بالعهد.

أى: كونوا أوفياء بعهودكم لأن صاحب العهد كان مسئولا عنه، أمام الله- تعالى- وأمام الناس، فالكلام على حذف مضاف كما في قوله- سبحانه- وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.

وقال- سبحانه-: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ ... بالإظهار دون الإضمار للإشعار بكمال العناية بشأن الوفاء بالعهود.

ويجوز أن يكون المعنى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا، أى: كان مطلوبا بالوفاء به وقد مدح الله- تعالى- الذين يوفون بعهودهم في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-:

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ .

وقوله- تعالى-: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ

وَحِينَ الْبَأْسِ، أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ .

وبعد أن أمر- سبحانه- بالوفاء بصفة عامة، أتبع ذلك بالوفاء في شئون البيع والشراء، فقال- تعالى-: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ، وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ، ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.

والقسطاس: الميزان الذي يوزن به في حالتي البيع والشراء.

قال صاحب الكشاف: قرئ «بالقسطاس» بكسر القاف وضمها.. قيل: كل ميزان صغر أو كبر من موازين الدراهم وغيرها .

وقال الآلوسى ما ملخصه: وهذا اللفظ رومي معرب.. وقيل: عربي.. وعلى القول بأنه رومي معرب- وهو الصحيح- لا يقدح استعماله في القرآن في عربيته المذكورة في قوله- تعالى-: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لأنه بعد التعريب والسماع في فصيح الكلام، يصير عربيا، فلا حاجة إلى إنكار تعريبه.. .

وقوله: تَأْوِيلًا من الأول- بفتح الهمزة وسكون الواو- بمعنى الرجوع. يقال: آل هذا الأمر إلى كذا، إذا رجع إليه.

والمعنى: وأتموا أيها المؤمنون الكيل إذا كلتم لغيركم عند بيعكم لهم ما تريدون بيعه، وزنوا لهم كذلك بالميزان المستقيم العادل ما تريدون وزنه لهم.

وقيد- سبحانه- الأمر بوجوب إتمام الكيل والميزان في حالة البيع، لأنها الحالة التي يكون فيها التطفيف في العادة، إذ أن البائع هو الذي غالبا ما يطفف للمشتري في المكيال والميزان ولا يعطيه حقه كاملا.

قال- تعالى-: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ.

أى: ذلك الذي أمرناكم به. من وجوب إتمام المكيال والميزان عند التعامل، خير لكم في الدنيا، لأنه يرغب الناس في التعامل معكم، أما في الآخرة فهو أحسن عاقبة ومآلا، لما يترتب عليه من الثواب الجزيل لكم من الله- عز وجل-.

وقوله [ تعالى : ( وأوفوا الكيل إذا كلتم ) أي من غير تطفيف ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( وزنوا بالقسطاس ) قرئ بضم القاف وكسرها كالقرطاس وهو الميزان وقال مجاهد هو العدل بالرومية

وقوله : ( المستقيم ) أي الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا اضطراب

( ذلك خير ) أي لكم في معاشكم ومعادكم ولهذا قال : ( وأحسن تأويلا ) أي مآلا ومنقلبا في آخرتكم

قال سعيد عن قتادة ( ذلك خير وأحسن تأويلا ) أي : خير ثوابا وعاقبة وأما ابن عباس كان يقول يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم هذا المكيال وهذا الميزان قال وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك "

يقول تعالى ذكره: (وَ) قضى أن (أوْفُوا الكَيْلَ) للناس (إِذَا كِلْتُمْ) لهم حقوقهم قِبَلَكم، ولا تبخَسُوهم (وَزِنُوا بالقِسْطاس المُسْتَقِيمِ) يقول:

وقَضَى أن زنوا أيضا إذا وزنتم لهم بالميزان المستقيم، وهو العدل الذي لا اعوجاج فيه، ولا دَغَل، ولا خديعة.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى القسطاس، فقال بعضهم: هو القبان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: ثنا الحسن بن ذكوان، عن الحسن (وَزِنُوا بالقِسْطاسِ المُسْتَقِيمِ) قال: القَبَّان.

وقال آخرون: هو العدل بالرومية.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: القِسطاس: العدل بالرومية.

وقال آخرون: هو الميزان صغر أو كبر؛ وفيه لغتان: القِسطاس بكسر القاف، والقُسطاس بضمها، مثل القِرطاس والقُرطاس؛ وبالكسر يقرأ عامَّة قرّاء أهل الكوفة، وبالضمّ يقرأ عامه قرّاء أهل المدينة والبصرة، وقد قرأ به أيضا بعض قرّاء الكوفيين، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لأنهما لغتان مشهورتان، وقراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار.

وقوله (ذلكَ خَيْرٌ) يقول: إيفاؤكم أيها الناس من تكيلون له الكيل، ووزنكم بالعدل لمن توفون له (خَيْرٌ لَكُمْ) من بخسكم إياهم ذلك، وظلمكموهم فيه. وقوله (وأحْسَنُ تَأْوِيلا) يقول: وأحسن مردودا عليكم وأولى إليه فيه فعلكم ذلك، لأن الله تبارك وتعالى يرضى بذلك عليكم، فيُحسن لكم عليه الجزاء.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ) أي خير ثوابا وعاقبة.

وأخبرنا أن ابن عباس كان يقول: يا معشر الموالي، إنكم وَلِيتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم: هذا المِكيال، وهذا الميزان. قال: وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا يَقْدِرُ رَجُلٌ على حَرَام ثُمَّ يَدَعُهُ، لَيْسَ بِهِ إِلا مَخافَةُ الله، إِلا أَبْدَلَهُ الله فِي عاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ ما هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذلكَ".

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وأحْسَنُ تَأْوِيلا) قال: عاقبة وثوابا.

التدبر :

وقفة
[35] ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ﴾ اعلم أن توفية الكيل بركة، وتطفيفه حسرة.
وقفة
[35] ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ﴾ ما فائدة قوله: (إِذا كِلْتُمْ)، وظاهر في أنه لا يكون ذلك إلا إذا كال؟ الجواب: (إِذَا كِلْتُمْ) لتخصيص الأمر بالإيفاء إذا كال المسلم لغيره؛ لأنه قد يبخسه حقه، بخلاف إذا اكتال لنفسه من غيره؛ فإنه حينئذ مأمور بالتسامح والترك، ويتضح هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 3].
وقفة
[35] ﴿وزنوا بالقسطاس المستقيم﴾ أمر باتباع الدقة البالغة في الوزن؛ وذلك لإقامة العدل التام في المجتمع، ففي إثبات الحقوق إشاعة للفضيلة والخير بين الناس.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ:
  • الواو: عاطفة. أوفوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بمعنى: وأتموا. الكيل: مفعول به منصوب بالفتحة. اذا ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه متعلق بجوابه أداة شرط‍ غير جازمة. كلتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور وجملة «كلتم» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ:
  • معطوفة بالواو على «أوفوا» وتعرب إعرابها. بالقسطاس: جار ومجرور متعلق بزنوا. المستقيم: صفة-نعت- للقسطاس مجرورة مثلها بالكسرة أي الميزان العادل. وجواب «اذا» محذوف لتقدم معناه.
  • ﴿ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. خير: خبر «ذلك» مرفوع بالضمة أي خير لكم وأحسن معطوفة بالواو على «خير» مرفوعة بالضمة. تأويلا: تمييز منصوب بالفتحة أي وأحسن عاقبة. '

المتشابهات :

هود: 85﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
الأنعام: 152﴿وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
الأعراف: 85﴿فَـ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
الإسراء: 35﴿وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ
الشعراء: 181﴿ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     (وبعد أن أمرَ اللهُ عز وجل بالوفاء بصفة عامة؛ أمرَ هنا بالوفاء في شئون البيع والشراء) 13- الوصيةُ الثالثة عشرة: الوفاءُ بالكَيْل والميزان، قال تعالى:
﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [36] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ ..

التفسير :

[36] ولا تتبع -أيها الإنسان- ما لا تعلم، بل تأكَّد وتثبَّت. إن الإنسان مسؤول عما استعمَل فيه سمعه وبصره وفؤاده، فإذا استعمَلها في الخير نال الثواب، وإذا استعملها في الشر نال العقاب.

أي:ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك،{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى.

ثم ختم- سبحانه- تلك التوجيهات السامية السديدة، بالنهى عن تتبع مالا علم للإنسان به، وعن الفخر والتكبر والخيلاء.. فقال- تعالى-:

وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا. كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً. ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ. وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ. فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً.

قال القرطبي- رحمه الله- ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أى: ولا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك- من قول أو فعل- قال قتادة: لا تقل رأيت وأنت لم تر، وسمعت وأنت لم تسمع، وعلمت وأنت لم تعلم..

ثم قال: وأصل القفو البهت، والقذف بالباطل. ومنه قوله- عليه الصلاة والسلام-:

«نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا، ولا ننتفى من أبينا» أى: لا نسبّ أمنا.

وقال: قفوته أقفوه ... إذا اتبعت أثره. وقافية كل شيء آخره، ومنه اسم النبي صلى الله عليه وسلم: المقفّى، لأنه آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام-، ومنه القائف، وهو الذي يتبع الأثر.. .

وقال صاحب الكشاف- رحمه الله-: قوله: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ: يعنى، ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول أو فعل، كمن يتبع مسلكا لا يدرى أنه يوصله إلى مقصده فهو ضال. والمراد: النهى عن أن يقول الرجل ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم.

ويدخل فيه النهى عن التقليد الأعمى دخولا ظاهرا لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساده.. .

وقوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا تحذير شديد من أن يقول الإنسان قولا لا علم له به، أو أن يفعل فعلا بدون تحقق، أو أن يحكم حكما بلا بينة أو دليل.

أى: إن السمع الذي تسمع به- أيها المكلف-، والبصر الذي تبصر به، والفؤاد- أى القلب- الذي تحيا به، كل أولئك الأعضاء ستكون مسئولا عن أفعالها يوم القيامة، وسيقال لك بتأنيب وتوبيخ: لماذا سمعت ما لا يحل لك سماعه، ونظرت إلى ما لا يجوز لك النظر إليه، وسعيت إلى ما لا يصح لك أن تسعى إليه!!.

وعلى هذا التفسير يكون السؤال في قوله- تعالى-: كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا للإنسان الذي تتبع ما ليس له به علم من قول أو فعل.

ومن الآيات التي تشهد لهذا التفسير قوله- تعالى-: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ .

ومنهم من يرى أن السؤال موجه إلى تلك الأعضاء، لتنطق بما اجترحه صاحبها، ولتكون شاهدة عليه، فيكون المعنى:.

إن السمع والبصر والفؤاد، كل واحد من أولئك الأعضاء، كان مسئولا عن فعله، بأن يقال له: هل استعملك صاحبك فيما خلقت من أجله أولا؟.

ويكون هذا السؤال للأعضاء من باب التوبيخ لأصحابها، كما قال- تعالى-: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ .

وكما قال- سبحانه-: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ .

واسم الإشارة أُولئِكَ على التفسيرين يعود إلى السمع والبصر والفؤاد، إما لأن هذا الاسم يشار به إلى العقلاء ويشار به إلى غير العقلاء، كما في قول الشاعر:

ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام

وإما لأن هذه الأعضاء أخذت حكم العقلاء، لأنها جزء منهم، وشاهدة عليهم.

وعلى كلا التفسيرين أيضا، يتمثل التحذير الشديد للإنسان عن أن يتبع ما ليس له به علم.

قال الجمل: وقوله- تعالى-: كُلُّ أُولئِكَ مبتدأ، خبره جملة كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا، والضمير في «كان» وفي «عنه» وفي «مسئولا» يعود على كل. أى: كان كل واحد منها مسئولا عن نفسه، يعنى عما فعل به صاحبه: ويجوز أن يكون الضمير في: «عنه» لصاحب السمع والبصر والفؤاد.. .

وشبيه بهذه الآية في النهى عن اتباع ما لا علم للإنسان به. قوله- تعالى-: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ .

وقوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ .

قال الإمام ابن كثير: ومضمون ما ذكروه- في معنى قوله- تعالى-: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. أن الله- تعالى- نهى عن القول بلا علم، كما قال- سبحانه-:

اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.. وفي الحديث: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ... » وفي سنن أبى داود: «بئس مطية الرجل زعموا» وفي الحديث الآخر:

«إن أفرى الفري- أى أكذب الكذب- أن يرى الرجل عينيه ما لم تريا» .

وقال بعض العلماء: وهذه الكلمات القليلة- التي اشتملت عليها الآية- تقيم منهجا كاملا للقلب والعقل، يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثا جدا، ويضيف إليه استقامة القلب، ومراقبة الله، ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة!.

فالتثبت من كل خبر، ومن كل ظاهرة، ومن كل حركة، قبل الحكم عليها، هو دعوة القرآن الكريم، ومنهج الإسلام الدقيق..

فلا يقول اللسان كلمة، ولا ينقل رواية، ولا يروى حادثة، ولا يحكم العقل حكما، ولا يبرم الإنسان أمرا. إلا وقد تثبت من كل جزئية، ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة، فلم يبق هنالك شك ولا شبهة في صحتها.. .

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول لا تقل

وقال العوفي عنه لا ترم أحدا بما ليس لك به علم

وقال محمد بن الحنفية يعني شهادة الزور

وقال قتادة لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع وعلمت ولم تعلم فإن الله سائلك عن ذلك كله

ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخيال كما قال تعالى : ( اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) [ الحجرات 12 ، وفي الحديث إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " وفي سنن أبي داود بئس مطية الرجل : زعموا ، وفي الحديث الآخر إن أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تريا " وفي الصحيح من تحلم حلما كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد .

وقوله ( كل أولئك ) أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد ( كان عنه مسئولا ) أي سيسأل العبد عنها يوم القيامة وتسأل عنه وعما عمل فيها ويصح استعمال أولئك مكان " تلك كما قال الشاعر .

ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) فقال بعضهم: معناه: ولا تقل ما ليس لك به علم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) يقول: لا تقل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ) لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) قال: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم.

حُدثت عن محمد بن ربيعة، عن إسماعيل الأزرق، عن أبى عمر البزار، عن ابن الحنفية قال: شهادة الزور.

وقال آخرون: بل معناه: ولا ترم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) يقول: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تَقْفُ) ولا ترمِ.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وهذان التأويلان متقاربا المعنى، لأن القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزور، ورمي الناس بالباطل، وادّعاء سماع ما لم يسمعه، ورؤية ما لم يره. وأصل القفو: العضه والبهت، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بن كِنانَة لا نَقْفُو أمِّنا ولا نَنْتَفِي مِنْ أبِينا "، وكان بعض البصريين ينشد في ذلك بيتا:

وَمِثْـلُ الـدُّمَى شُـمُّ العَـرَانِينِ ساكِنٌ

بِهِــنَّ الحَيــاءُ لا يُشِـعْنَ التَّقافِيـا (3)

يعني بالتقافي: التقاذف. ويزعم أن معنى قوله (لا تَقْفُ) لا تتبع ما لا تعلم، ولا يعنيك. وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة، يزعم أن أصله القيافة، وهي اتباع الأثر، وإذ كان كما ذكروا وجب أن تكون القراءة (وَلا تَقُفْ) بضم القاف وسكون الفاء، مثل: ولا تقل. قال: والعرب تقول: قفوت أثره، وقُفت أثره، فتقدِّم أحيانا الواو على الفاء وتؤخرها أحيانا بعدها، كما قيل: قاع الجمل الناقة: إذا ركبها وقَعَا وعاثَ وَعَثَى؛ وأنشد سماعا من العرب:

ولَــوْ أنّــي رَمَيْتُـكَ مِـنْ قَـرِيبٍ

لَعــاقَكَ مِـنْ دُعـاءٍ الـذّئْبِ عـاقِ (4)

يعني عائق، ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: لا تقل للناس وفيهم ما لا علم لك به، فترميهم بالباطل، وتشهد عليهم بغير الحقّ، فذلك هو القفو.

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب، لأن ذلك هو الغالب من استعمال العرب القفو فيه.

وأما قوله ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ) فإن معناه: إن الله سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها، من أنه سمع أو أبصر أو علم ، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحقّ، وقال أولئك، ولم يقل تلك، كما قال الشاعر:

ذُمَّ المَنــازِلَ بَعْــدَ مَنزلَـةِ اللَّـوَى

والعَيْشَ بَعْـــدَ أُولَئِـــكَ الأيَّــامِ (5)

وإنما قيل: أولئك، لأن أولئك وهؤلاء للجمع القليل الذي يقع للتذكير والتأنيث، وهذه وتلك للجمع الكثير، فالتذكير للقليل من باب أَنْ كان التذكير في الأسماء قبل التأنيث لك التذكير للجمع الأوّل، والتأنيث للجمع الثاني، وهو الجمع الكثير، لأن العرب تجعل الجمع على مثال الأسماء.

--------------------------

الهوامش :

(3) البيت للنابغة الجعدي: وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (1 : 379) شاهد على أن معنى التقافي: التقاذف. وفي (اللسان : قفو) قال أبو عبيد الأصل في القفو واتقافي: البهتان يرمى به الرجل صاحبه . أ هـ . قال أبو بكر : قولهم قد قفا فلان فلانا قال أبو عبيد : معناه أتبعه أمرا كلاما قبيحا . وقال الليث : القفو : مصدر قولك قفا يقفو وقفوا ( الثاني بتشديد الواو ) ، وهو أن يتبع الشيء : قال تعالى : " ولا تقف ما ليس لك به علم " قال الفراء : أكثر القراء يجعلونها من قفوت ، كما تقول : لا تدع من دعوت . قال : وقرأ بعضهم: ولا تقف مثل ولا تقل . وقال الأخفش في قوله تعالى : "ولا تقف ما ليس لك به علم": أي لا تتبع ما لا تعلم . وقيل: ولا تقل سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ؛ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا . أ . هـ . والدمى جمع دمية ، وهي التمثال من المرمر أو العاج أو نحوهما . وشم العرانين : جمع شماء العرنين ، أي مرتفعات قصبات الأنوف ، وهو من أمارات جمالهن.

(4) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 179 ) على أن العرب تقول قفا الشيء : إذا تتبعه كما تقول قافه . وكما قال الشاعر : عاقى ، يريد عائق . قال الفراء : أكثر القراء يجعلونها من قفوت ... وبعضهم قال : ولا تقف . والعرب تقول : قفت أثره ، وقفوته ؛ ومثله : يعتام ويعتمي ، وعاث وعثى ، من الفساد ، وهو كثير ، منه شاك السلاح ، وشاكي السلاح . وسمعت بعض قضاعة يقول : اجتحى ماله ، واللغة الفاشية : اجتاح ماله . وقد قال الشاعر : " ولو أني رأيتك " ... إلخ البيت . هذا وقد نقلنا في الشاهد الذي قبل هذا عبارة الفراء ، كما جاءت في اللسان ، وفيها اختلال عن عبارته هنا في معاني القرآن ، ولعله من اختلاف النسخ . وأورد الفراء بعد بيت الشاهد بيتا آخر من وزنه وقافيته ، وهو لذي الخرق الطهوي كما في ( اللسان : بغم ) :

حَسِــبْتُ بُغــامَ رَاحِــلَتِي عَنَاقَـا

وَمــا هِـيَ وَيْـبَ غَـيرِك بالعَنـاقِ

وقد سبق الاستشهاد به في أكثر من موضع من هذا التفسير .

(5) البيت لجرير بن الخطفي ( ديوانه طبعة الصاوى ص 551 ) وهو البيت الثاني من قصيدة يجيب بها الفرزدق ، مطلعها:

سَــرتِ الهُمـومُ فَبِتْـنَ غَـيرَ نِيـامِ

وأخُــو الهُمـومِ يَـرُومُ كـلَّ مَـرَامِ

الشاهد في هذا البيت أنه أشار إلى الأيام بأولئك ، ولم يقل تلك ، لأن أولئك يشار بها إلى الجمع الكثير ، وهؤلاء إلى الجمع القليل ، للمذكر والمؤنث والعاقل وغيره .

التدبر :

وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ جُنَّة العالِم: (لا أدري)، ويَهتك حجابَه الاستنكافُ منها، وإذا كان نصف العلم: (لا أدري)، فنصف الجهل: (يُقال) و(أظنُّ)!
عمل
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ قل: (لا أعلم)، (لا أدري)، وعود لسانك هذه الكلمة فيما لا تعرفه.
عمل
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ لا تقل: رأيت ولم ترَ، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله سائلك عن ذلك كله!
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ عن أَبِى مَسْعُودٍ قال: قال ﷺ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا» [أحمد 4/119، وصححه الألباني]، أي: يقولون؛ لأنها بداية الإشاعة وبوابة الكذب، وكان عبد الله بن عمر يقول: « (زعموا) مطية الكذب»، ومعني (بئس مَطيَّة الرجل زَعَمُوا): أنّ الرجُل إذا أرادَ المَسِير إلى بَلد وَالظْعنَ في حاجة ركِب مطيته، وسار حتى يقْضى أرَبَه.
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ يقال: قفيته إذا اتبعت أثره، ومنه جاء اسم (القافة)، وهم الذين يتبعون آثار الأقدام، وقافية كل شي آخره، ومنه قافية الشعر، ومنه اسم النبي ﷺ المقفي، لأنه جاء آخر الأنبياء.
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ دعوة إلى صون الجوارح والتحري والتثبت من الأمور قبل التحدث بها والخوض فيها، فذلك أسلم للذمة.
عمل
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ نهي صريح عن متابعة كل الأمور الظنية، فلا تتلقف الشائعات وتنشرها.
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ قال ابن عثيمين: «لا يحل لأحد أن يفسر آية من كتاب الله وهو لا يعلم معناها، وإنما يفسرها بالظن والتخمين؛ لأن الأمر خطير، لأنك إذا فسرت آية إلى معنى من المعاني فقد شهدت على الله إنه أراد كذا وكذا، وهذا خطر عظيم».
عمل
[36] احذر أن تغرق في موج الشائعات، بل تطوَّق بطوق النجاة في حديثك ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾.
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ جميل أن ترتقي بما تنشر، فأنت ترسل وغيرك يتداول، وما نشر عنك ستجده في صحيفتك؛ فأحسن ما يسرك أن تراه.
اسقاط
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ بم ستجيب، والسائل لا تخفي عليه خافية؟!
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ وهذا أدب خُلقي عظيم، وهو أيضًا إصلاح عقلي جليل؛ يعلم الأمة التفرقة بين مراتب الخواطر العقلية؛ بحيث لا يختلط عندها المعلوم، والمظنون، والموهوم.
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ لما كانت هذه الأعضاء الثلاثة هي أشرف الأعضاء وملوكها والمتصرفة فيها والحاكمة عليها؛ خصَّها سبحانه وتعالى بالذكر في السؤال عنها، فسعادة الإنسان بصحة هذه الأعضاء الثلاثة، وشقاوته بفسادها.
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ من حافظ على هذه الأعضاء وصانها عما حرم الله سلم ونجا، ومن فرط خاب وخسر.
وقفة
[36] ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ من الآية نستنتج القاعده التالية: إما كلام بعلم أو سكوت بسلامة.
لمسة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ﴾ السمع مقدم على البصر في القرآن لماذا؟ الذي يوقظ النائم بشكل طبيعي هو الصوت؛ لأن الأذن مفتوحة، أما العين فمغلقة عند النوم، إذا أوقدت ضوءًا لا يستيقظ، والإنسان يستقبل المواعظ والآيات من الرسل بالأذن أكثر من البصر، ويسمع منهم، ثم ينظر في ملكوت الله.
لمسة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ﴾ قدم السمع على البصر؛ لأنه يحصل من ضروب المعرفة عن طريق السمع ما لا يحصل عن البصر، فبشار بن برد كان أعمى، ومع ذلك كان صاحب البيت المشهور الذي يمتلئ بالبصيرة والإحساس: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوی کواكبه
وقفة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ﴾ قدم السمع على البصر لأسباب، منها: 1-إنه الآلة التي تعمل دائماً ،حتى لو كان الإنسان نائماً ،فهو آلة التنبيه. 2- إن التبيلغ يكون بالسمع، والسمع يعمل في جسم الطفل قبل عمل العين. 3- إن الله لما ذكر نوم أهل الكهف، ذكر حاسة السمع، فقال تعالى: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾ [الكهف: 11]، فعطل آلة السمع لديهم.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ فحقيق بالعبد أن يعد للسؤال جوابًا، عما قال وفعل، ولا يكون ذلك إلا باستعمالها بعبودية وإخلاص لله.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ هذه هي رعاياك، وأنت راعيها، وكلٌّ مسئولٌ عن رعيَّته.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ هذه الجوارح أنت مسؤول عنها أمام الله تعالى، ولا يعرف قيمتها إلا من فقدها، فاستعملها في الطاعة.
عمل
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ قل دائمًا: اللهم احفظ سمعي وبصري وقلبي ولساني من الزلل .
وقفة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ الجوارح كالسواقي توصل إلى القلب الصافي والكدر، فمن كفها عن الشر جلت معدة القلب بما فيها من الأخلاط، فأذابتها وكفى بذلك حمية، فإذا جاء الدواء صادف محلاًّ قابلًا، ومن أطلقها في الذنوب أوصلت إلى القلب وسخ الخطايا وظلم المعاصي.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ سعادة الانسان بصحة هذه الاعضاء الثلاثة، وشقاوته بفسادها: السمع والبصر والفؤاد.
اسقاط
[36] إذا كنت خاليًا لوحدك تقلب هذا الهاتف ولا أحد يراك؛ تذكر: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
عمل
[36] إذا كنت خاليًا وحدك تقلب هذا الهاتف ولا أحد يراك؛ تذكر: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقْفُ ما:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تقف: أي تتبع: فعل أمر مبني على حذف آخره-حرف العلة-والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها. ليس: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لك: جار ومجرور متعلق بخبر «ليس» المقدم. به: جار ومجرور في محل نصب حال من علم. علم: اسم «ليس» مؤخر مرفوع بالضمة. أي من أمور الدين والدنيا.
  • ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ:
  • حرف نصب مشبه بالفعل وتوكيد. السمع: اسم ان منصوب بالفتحة. والبصر والفؤاد: معطوفتان بواوي العطف على «السمع».
  • ﴿ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً:
  • كل: مبتدأ مرفوع بالضمة. أولاء: اسم اشارة الى السمع والبصر والفؤاد مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. والكاف حرف خطاب. كان عنه مسئولا: أعربت في الآية الكريمة الرابعة والثلاثين وهي في محل رفع خبر «كل» بمعنى أنت مسئول عمّا تفعله بها. أو كل عضو من هذه الأعضاء مسئول عنه صاحبه. أي عما فعله به. عنه: جار ومجرور متعلق بمسئولا أو يكون في محل رفع اسم «كان» أي كل واحد منها كان مسئولا عنه. فمسئولا: مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في قوله-غير المغضوب عليهم-. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     14- الوصيةُ الرابعة عشرة: النهيُ عن تتبع ما لا علم للإِنسان به، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولا تقف:
1- بحذف الواو للجزم، مضارع «قفا» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ولا تقفو، بإثبات الواو، وهى قراءة زيد بن على.
3- ولا تقف، مثل: ولا تقل، من: قاف يقوف، وهى قراءة معاذ القارئ.
والفؤاد:
وقرئ:
الفواد، بفتح الفاء والواو، قلبت الهمزة واوا، بعد الضمة، ثم استصحب القلب مع الفتح، وهى لغة فى الفؤاد، وبها قرأ الجراح العقيلي.

مدارسة الآية : [37] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا ..

التفسير :

[37] ولا تمش في الأرض مختالاً متكبراً؛ فإنك لن تَخْرِق الأرض بمشيك عليها بهذه الصفة، ولن تبلغ الجبال طولاً بخيلائك وفخرك وكبرك.

يقول تعالى:{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أي:كبرا وتيها وبطرا متكبرا على الحق ومتعاظما على الخلق.

{ إِنَّكَ} في فعلك ذلك{ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} في تكبرك بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق مبغوضا ممقوتا قد اكتسبت أشر الأخلاق واكتسيت أرذلها من غير إدراك لبعض ما تروم.

ثم ينتقل القرآن الكريم من النهى عن أن يتبع الإنسان ما لا علم له به، إلى النهى عن التفاخر والتكبر والإعجاب في النفس فيقول: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً....

والمرح في الأصل: شدة الفرح، والتوسع فيه، مع الخيلاء والتعالي على الناس، يقال:

مرح- بزنة فرح- يمرح مرحا، إذا اشتد فرحه ومشى مشية المتكبرين. وهو مصدر وقع موقع الحال.

أى: ولا تمش- أيها الإنسان- في الأرض مشية الفخور المتكبر المختال بل كن متواضعا متأدبا بأدب الإسلام في سلوكك.

وتقييد النهى بقوله «في الأرض» للتذكير بالمبدأ والمعاد، المانعين من الكبر والخيلاء، إذ من الأرض خلق وإليها يعود، ومن كان كذلك كان جديرا به أن يتواضع لا أن يتكبر.

قال- تعالى-: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى .

وقوله- سبحانه-: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا تعليل للنهى عن التفاخر مع السخرية والتهكم من المتفاخر المغرور.

أى: إنك- أيها الماشي في الأرض مرحا- لن تخرق الأرض بوطئك عليها، أو بمشيك فوقها، ولن تبلغ- مهما ارتفعت قامتك- الجبال في الطول والعلو. ومادام شأنك كذلك، فكن متواضعا، فمن تواضع لله- تعالى- رفعه.

وقوله «طولا» تمييز محول عن الفاعل. أى: لن يبلغ طولك الجبال.

وشبيه بهذه الآية في النهى عن التعالي والتطاول، قوله- تعالى-: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ .

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتواضع، ونهى عن التكبر والغرور، وبين سوء عاقبة ذلك في أحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله- تعالى- أوحى إلى أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد» .

وروى الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» .

وروى الترمذي عن سلمة بن الأكوع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الرجل يذهب بنفسه- أى يرتفع ويتكبر- حتى يكتب في الجبارين- فيصيبه ما أصابهم» .

ورحم الله القائل:

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ... فكم تحتها قوم همو منك أرفع

وإن كنت في عز وحرز ومنعة ... فكم مات من قوم همو منك أمنع

يقول تعالى ناهيا عباده عن التجبر والتبختر في المشية ( ولا تمش في الأرض مرحا ) أي متبخترا متمايلا مشي الجبارين ( إنك لن تخرق الأرض ) أي لن تقطع الأرض بمشيتك ؛ قاله ابن جرير واستشهد عليه بقول رؤبة بن العجاج

وقاتم الأعماق خاوي المخترق

وقوله [ تعالى : ( ولن تبلغ الجبال طولا ) أي بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده كما ثبت في الصحيح بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة "

وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه في زينته وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض وفي الحديث من تواضع لله رفعه الله فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير ومن استكبر وضعه الله فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير حتى لهو أبغض إليهم من الكلب أو الخنزير "

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الخمول والتواضع " حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير حدثنا حجاج بن محمد بن أبي بكر الهذلي قال بينما نحن مع الحسن إذ مر عليه ابن الأهتم يريد المنصور وعليه جباب خز قد نضد بعضها فوق بعض على ساقه وانفرج عنها قباؤه وهو يمشي ويتبختر إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال أف أف شامخ بأنفه ثان عطفه مصعر خده ينظر في عطفيه أي حميق ينظر في عطفه في نعم غير مشكورة ولا مذكورة غير المأخوذ بأمر الله فيها ولا المؤدي حق الله منها! والله إن يمشي أحدهم طبيعته يتلجلج تلجلج المجنون في كل عضو منه نعمة وللشيطان به لعنة فسمعه ابن الأهتم فرجع يعتذر إليه فقال لا تعتذر إلي وتب إلى ربك أما سمعت قول الله تعالى ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) .

ورأى البختري العابد رجلا من آل علي يمشي وهو يخطر في مشيته فقال له يا هذا إن الذي أكرمك به لم تكن هذه مشيته! قال فتركها الرجل بعد

ورأى ابن عمر رجلا يخطر في مشيته فقال إن للشياطين إخوانا

وقال خالد بن معدان إياكم والخطر فإن الرجل يده من سائر جسده رواهما ابن أبي الدنيا

وقال ابن أبي الدنيا حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا حماد بن زيد عن يحيى عن سعيد عن يحنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض "

يقول تعالى ذكره: ولا تمش في الأرض مختالا مستكبرا( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ ) يقول: إنك لن تقطع الأرض باختيالك، كما قال رُؤْبة:

وقاتِمِ الأعماقِ خاوِي المُخْتَرَق (6)

يعني بالمخترق: المقطع ( وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ) بفخرك وكبرك، وإنما هذا نهي من الله عباده عن الكبر والفخر والخُيَلاء، وتقدم منه إليهم فيه معرِّفهم بذلك أنهم لا ينالون بكبرهم وفخارهم شيئا يقصر عنه غيرهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ) يعني بكبرك ومرحك.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا ) قال: لا تمش في الأرض فخرا وكبرا، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال، ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ ) قال: لا تفخر.

وقيل: لا تمش مرَحا، ولم يقل مرِحا، لأنه لم يرد بالكلام: لا تكن مرِحا، فيجعله من نعت الماشي، وإنما أريد لا تمرح في الأرض مرَحا، ففسر المعنى المراد من قوله: ولا تمش، كما قال الراجز:

يُعْجَبُـــهُ السَّـــخُونُ والعَصِيــدُ

والتَّمْــرُ حبًّــا مَــا لَــهُ مَزِيـدُ (7)

فقال: حبا، لأن في قوله: يعجبه، معنى يحبّ، فأخرج قوله: حبا، من معناه دون لفظه.

----------------------

الهوامش :

(6) البيت مطلع أرجوزة مطولة (171 بيتا في ديوان رؤبة طبع ليبج سنة 1903م ، ص 104) وهو شاهد على أن قوله المخترق بمعنى القطع كما في قوله تعالى: "إنك لن تخرق الأرض" أي لن تقطع الأرض. ويريد بقائم الأعماق : واديا مظلم النواحي لما كثر فيه من الغبار الثائر . والخاوي : الخالي . والمخترق : الممر والمقطع . وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 380 ) " إنك لن تخرق الأرض " : مجاز " لن تقطع الأرض . وقال رؤبة: ... البيت أي المقطع . وقال آخرون : إنك لن تنقب الأرض وليس بشيء.

(7) البيتان في الملحق بشعر رؤبة بن العجاج ، بآخر ديوانه ( طبع ليبسج سنة 1903 ص 172 ) وروايتهما فيه:

يُعْجِبُـــهُ السِّـــخُونُ والــبَرُودُ

والقَـــزُّ حُبًّـــا مالَــهُ مَزِيــدُ

ورواية البيت في ( اللسان : سخن ) كرواية المؤلف . قال : ويروى: " حتى ماله مزيد " . وقال : السخون من المرق : ما يسخن . وقال في ( برد ) : كل ما برد به شيء : برود . أ هـ . ولعله يريد الماء البارد ، تنقع به الغلة ، وقال في (عصد) : العصيدة : دقيق يلت بالسمن ويطبخ . والشاهد في البيت : أن قوله حبا مفعول مطلق ، لأنه بمعنى إعجابا ، لأن في قوله يعجبه ، معنى يحبه ، فكأنه مرادف له . وهو نظير قوله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحا ، أي المرح . وقد سبق الاستشهاد بالبيت في بعض أجزاء التفسير.

التدبر :

وقفة
[37] ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ عجيب! حتى طريقة المشي يحددها لك القرآن، وتنزل فيها الآيات، لقد علمنا ديننا كل شيء.
عمل
[37] ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ راقب خطواتك جيدًا، مشية البلاء ليست كمشية العافية، لا تسمح لأقدامك أن تجعلك من المتكبرين.
عمل
[37] ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ مشيك لسان فصيح يكشف عن أخلاقك.
وقفة
[37] ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: 19]، ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: 63]، علاقة حركة الجوارح بالأخلاق قرينة معتبرة لمعرفة أخلاق بعض الناس، وفي سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾، وفي سورة النور: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]، بل أشدها في سورة لقمان: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19].
وقفة
[37] ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ أي: مقدرتك لا تبلغ هذا المبلغ، بل أنت عبد ذليل، محاط بك من تحتك، ومن فوقك، والمحاط محصور ضعيف، فلا يليق بك التكبر.
وقفة
[37] ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ ليعرف العبد قدر نفسه، خطوته لن تخرق الأرض مهما بلغ من قوة، وطوله لن يبلغ طول الحجارة.
وقفة
[37] ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ مهما بلغ حجم منازلنا أو حداثة سياراتنا أو ضخامة حسابنا البنكي؛ فقبورنا ستظل دائمًا بنفس الحجم؛ فلنتواضع.
وقفة
[37] ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ إرشادات ربانية ودلالات عقلية للتواضع، وهكذا القرآن يهدي للتي هي أقوم في كل شيء، في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك.
وقفة
[37] ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ وصف دقيق جدًا لمحدودية حجم الإنسان، ولن يكون أكثر مما هو عليه، محدود الزمان والمكان، ولا يمكنه غير ذلك، فعلام التبختر والتعجرف؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً:
  • تعرب اعراب وَلا تَقْفُ» في الآية الكريمة السابقة. في الأرض: جار ومجرور متعلق بتمشي. مرحا: حال من الضمير المستتر في تمشي أي ذا مرح بمعنى «مختالا» وهو مصدر في موضع الحال.
  • ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير المخاطب في محل نصب اسم «إن» لن: حرف نصب واستقبال ونفي. تخرق: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه: الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الأرض: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: انك لا تستطيع أن تخرق الأرض بدوسك لها بقدميك.
  • ﴿ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً:
  • معطوفة بالواو على لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ» وتعرب إعرابها. أي ولا تستطيع أن تطاول الجبال في شموخها. أي لن تبلغها بتطاولك وهو تهكم بالمختال. والكلمة «طولا» منصوبة على المصدر في موضع الحال. أو على المصدر-المفعول المطلق-ويجوز أن تكون تمييزا. '

المتشابهات :

الإسراء: 37﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ
لقمان: 18﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     15- الوصيةُ الخامسة عشرة: النهيُ عن التكبر والخُيَلاءِ، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مرحا:
وقرئ:
بكسر الراء، وهى قراءة فرقة.
تخرق:
وقرئ:
تخرق، بضم الراء، وهى قراءة الجراح الأعرابى.
وقال أبو حاتم: لا تعرف هذه اللغة.

مدارسة الآية : [38] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ ..

التفسير :

[38] جميع ما تقدَّم ذِكْرُه من أوامر ونواهٍ، يكره الله سيِّئَه، ولا يرضاه لعباده.

{ كُلُّ ذَلِكَ} المذكور الذي نهى الله عنه فيما تقدم من قوله:{ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك{ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} أي:كل ذلك يسوء العاملين ويضرهم والله تعالى يكرهه ويأباه.

ثم ختم- سبحانه- تلك التكاليف التي يغلب عليها طابع النهى عن الرذائل بقوله:

كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً.

واسم الإشارة ذلِكَ يعود إلى ما تقدم ذكره من التكاليف والأوامر والنواهي. التي لا يتطرق إليها النسخ، والتي تبلغ خمسة وعشرين تكليفا، تبدأ بقوله- تعالى-:

لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ثم يأتى بعد ذلك النهى عن عقوق الوالدين، والأمر بصلة الأرحام، وبالعطف على المسكين وابن السبيل، ثم النهى عن البخل، والإسراف، وقتل الأولاد، والاقتراب من الزنا، وقتل النفس إلا بالحق، والاعتداء على مال اليتيم.. إلخ.

والضمير في سَيِّئُهُ يعود إلى ما نهى الله عنه من أفعال، كالشرك، وعقوق الوالدين، والزنا. أى: كل ذلك الذي بيناه لك فيما سبق، كان الفعل السيئ منه، عند ربك مكروها، أى: مبغوضا عنده- سبحانه- وأما الفعل الحسن كالوفاء بالعهد، وإعطاء ذي القربى حقه، فهو محمود عند ربك- عز وجل-.

قال الآلوسى: ووصف ذلك بمطلق الكراهة مع أن أكثره من الكبائر- كالشرك والزنا ... - للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده- تعالى- كافية في وجوب الكف عن ذلك.

وتوجيه الإشارة إلى الكل، ثم تعيين البعض دون توجيهها إليه ابتداء، لما قيل: من أن البعض المذكور ليس بمذكور جملة، بل على وجه الاختلاط لنكتة اقتضته، وفيه إشعار بكون ما عداه مرضيا عنده- سبحانه-.

وإنما لم يصرح بذلك، إيذانا بالغنى عنه، أو اهتماما بشأن التنفير من النواهي.. .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ بالتاء والتنوين.

وعلى هذه القراءة يكون اسم الإشارة، يعود إلى المنهيات السابقة فقط، ويكون المعنى:

كل ذلك الذي نهيناك عنه في الآيات السابقة، من الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واتباع ما ليس لك به علم.. كان اقترافه سيئة من السيئات المبغوضة عند ربك، المحرمة في شرعه، المعاقب مرتكبها.

وقوله تعالى : ( كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ) أما من قرأ سيئة أي : فاحشة فمعناه عنده كل هذا الذي نهينا عنه من قوله : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) إلى هاهنا فهو سيئة مؤاخذ عليها ( مكروها ) عند الله لا يحبه ولا يرضاه

وأما من قرأ ( سيئه ) على الإضافة فمعناه عنده كل هذا الذي ذكرناه من قوله ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) إلى هاهنا فسيئه أي فقبيحه مكروه عند الله هكذا وجه ذلك ابن جرير رحمه الله .

وقوله ( كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ) فإن القرّاء اختلفت فيه، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة ( كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ) على الإضافة بمعنى: كل هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التي عددنا من مبتدأ قولنا وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ .... إلى قولنا( وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا )(كانَ سَيِّئُهُ) يقول:

سيء ما عددنا عليك عند ربك مكروها.

وقال قارئو هذه القراءة: إنما قيل ( كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ ) بالإضافة، لأن فيما عددنا من قوله وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ أمورا، هي أمر بالجميل، كقوله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وقوله وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وما أشبه ذلك، قالوا: فليس كلّ ما فيه نهيا عن سيئة، بل فيه نهى عن سيئة، وأمر بحسنات، فلذلك قرأنا(سَيِّئُهُ)، وقرأ عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (كُلُّ ذلكَ كانَ سَيِّئَةً) وقالوا: إنما عنى بذلك: كلّ ما عددنا من قولنا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ولم يدخل فيه ما قبل ذلك. قالوا: وكل ما عددنا من ذلك الموضع إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه، فالصواب قراءته بالتنوين. ومن قرأ هذه القراءة، فإنه ينبغي أن يكون من نيته أن يكون المكروه مقدما على السيئة، وأن يكون معنى الكلام عنده: كلّ ذلك كان مكروها سيئه؛ لأنه إن جعل قوله: مكروها نعدّ السيئة من نعت السيئة، لزمه أن تكون القراءة: كلّ ذلك كان سيئة عند ربك مكروهة، وذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين.

وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأ ( كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ ) على إضافة السيئ إلى الهاء، بمعنى: كلّ ذلك الذي عددنا من وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ .... كَانَ سَيِّئُهُ لأن في ذلك أمورا منهيا عنها، وأمورا مأمورا بها، وابتداء الوصية والعهد من ذلك الموضع دون قوله وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ إنما هو عطف على ما تقدّم من قوله وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ فإذا كان ذلك كذلك، فقراءته بإضافة السيء إلى الهاء أولى وأحقّ من قراءته سيئةً بالتنوين، بمعنى السيئة الواحدة.

فتأويل الكلام إذن: كلّ هذا الذي ذكرنا لك من الأمور التي عددناها عليك كان سيئة مكروها عند ربك يا محمد، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه، فاتق مواقعته والعمل به.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[38] ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ الضمير في (سَيِّئُهُ) يعود إلى ما نهى الله عنه من أفعال،كالشرك، وعقوق الوالدين، والزنا، أي: كل ذلك الذى بيناه لك فيما سبق كان الفعل السيئ منه عند ربك مكروهًا، أى: مبغوضًا عنده سبحانه، وأما الفعل الحسن كالوفاء بالعهد، وإعطاء ذي القربى حقه، فهو محمود عند ربك عز وجل.
عمل
[38] ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ أترضى أن تُقبل على من تدّعي حبه بما يبغُضه؟! راجع أعمالك.

الإعراب :

  • ﴿ كُلُّ ذلِكَ:
  • كل: مبتدأ مرفوع بالضمة. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. اللام للبعد والكاف للخطاب.
  • ﴿ كانَ سَيِّئُهُ:
  • كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. سيئه: اسم «كان» مرفوع بالضمة. والهاء ضمير «كل» مبني على الضم في محل جر بالاضافة. أي: كل ما تقدم من الأوصاف كان رديئة أي الأمور المنهى عنها.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً:
  • ظرف مكان متعلق بمكروها منصوب على الظرفية بالفتحة وهو مضاف. ربك: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة وهو مضاف والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة مكروها خبر «كان» منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     وبعد كل هذه المنهيات؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن كلَّ ذلك يسوء العاملين ويضرهم، واللهُ يكرهه، قال تعالى:
﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سيئه:
قرئ:
1- سيئه، بالنصب والتأنيث، وهى قراءة الحرميين، وأبى عمرو، وأبى جعفر، والأعرج.
2- سيئه، بضم الهمزة، مضافا لهاء المذكر الغائب، وهى قراءة باقى السبعة.
3- سيئاته، بالجمع مضافا الهاء، وهى قراءة عبد الله.
4- سيئات، بالجمع بغير هاء، وهى قراءة لعبد الله أيضا.
5- خبيئه، وهى قراءة لعبد الله أيضا.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف