161828384858687

الإحصائيات

سورة الأعراف
ترتيب المصحف7ترتيب النزول39
التصنيفمكيّةعدد الصفحات26.00
عدد الآيات206عدد الأجزاء1.25
عدد الأحزاب2.50عدد الأرباع10.00
ترتيب الطول4تبدأ في الجزء8
تنتهي في الجزء9عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 3/29آلمص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (82) الى الآية رقم (84) عدد الآيات (3)

لم يستجيبُوا فنزلَ بهم العذابُ، وأنجى اللهُ لوطًا عليه السلام وأتباعَه وأهلكَ الكافرينَ وفيهم امرأةُ لوطٍ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (85) الى الآية رقم (86) عدد الآيات (2)

القصَّةُ الخامسةُ: شُعَيبٌ عليه السلام ، دعا قومَه (مَدْينَ) إلى التوحيدِ، وأمرَهم بإتمامِ الكيلِ والميزانِ، ونهاهُم عن الإفسادِ في الأرضِ وصدِّ النَّاسِ عن الإيمانِ،

فيديو المقطع


المقطع الثالث

من الآية رقم (87) الى الآية رقم (87) عدد الآيات (1)

وتَوعَّدَهم بانتقامِ اللهِ مِنهم.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأعراف

الصراع بين الحق والباطل/ احسم موقفك ولا تكن سلبيًّا

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • بدأت السورة ::   بالصراع بين آدم وإبليس، وأتبعته بالحوار بين أهل الجنة وأهل النار. وكأنها تنادينا: هذه هي بداية الصراع، أو أول صراع: (آدم وإبليس)، وهذه هي النتيجة: (فريق في الجنة وفريق في النار).
  • • ثم عرضت السورة ::   الصراع في تاريخ البشرية بين كل نبي وقومه، ويظهر أن نهاية الصراع دائمًا هي هلاك الظالمين بسبب فسادهم، ونجاة المؤمنين بسبب إيمانهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأعراف».
  • • معنى الاسم ::   الأعراف: جمع عُرْفٍ، وعُرْف الجبل ونحوه: أعلاه، ويطلق على السور ونحوه، وقيل لعرف الديك: عُرف، لارتفاعه على ما سواه من جسده، والأعراف: هو ‏السور ‏الذي ‏بين ‏الجنة ‏والنار يحول بين أهليهما. وأهل الأعراف: من تساوت حسناتهم وسيئاتهم يوم القيامة، إذ يوقفون على أعالي سور بين الجنة والنار، ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته.
  • • سبب التسمية ::   لورود لفظ "‏الأعراف" ‏فيها، ولم يذكر في غيرها من السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة الميقات»، و«سورة الميثاق»، «أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ» (الطُّولَيَيْن: الأنعام والأعراف، فهما أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الصراع دائم ومستمر بين الحق والباطل، من بداية خلق آدم إلى نهاية الخلق، مرورًا بنوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وفي قصص هؤلاء الأنبياء ظهر لنا كيف أن الله ينجي أولياءه ويهلك أعداءه.
  • • علمتني السورة ::   وجوب اتباع الوحي، وحرمة اتباع ما يدعو إليه أصحاب الأهواء والمبتدعة: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الوزن يوم القيامة لأعمال العباد يكون بالعدل والقسط: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب اجتباه ربه وهداه‏، ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، فإنه لن يزداد من اللّه إلا بعدًا‏.
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: «مَا لِى أَرَاكَ تَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ السُّوَرِ؟ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِأَطْوَلِ الطُّولَيَيْنِ»، قُلْتُ (القائل ابن أَبِي مُلَيْكَة): «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ؟»، قَالَ: «الأَعْرَافُ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ الأَعْرَافِ فِى صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، فَرَّقَهَا فِى رَكْعَتَيْنِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الأعراف من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أطول سورة مكية (وكما سبق فهي أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ (الأنعام والأعراف)، فهما أطول السور المكية).
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء: آدم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى.
    • بها أول سجدة تلاوة -بحسب ترتيب المصحف-، ويبلغ عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم 15 سجدة.
    • اشتملت على 4 نداءات متتالية لبني آدم من أصل 5 نداءات ذُكرت في القرآن الكريم، وهذه النداءات الأربعة ذُكرت في الآيات (26، 27، 31، 35)، وكلها بعد سرد قصة آدم في بداية السورة، والنداء الخامس ذُكِرَ في الآية (60) من سورة يس.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبذل قصارى جهدنا في دعوة النَّاس إلى الله كما فعل الأنبياء الكرام.
    • أن نحسم موقفنا من الصراع بين الحق والباطل، فأصحاب الأعراف كانوا يعرفون الحق والباطل لكنهم لم يحسموا أمرهم فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم.
    • ألا يكون طموحنا أدني المنازل في الجنان؛ حتى لا نكن ممن سيقفون على الأعراف ينتظرون وغيرهم سبق وفاز، ولا نرضى في العبادة أدناها.
    • ألا نتحرج في تبليغ هذا الدين وأداء فرائضه فهو الدين الحق: ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (2).
    • ألا نتكبر على عباد الله؛ فالكبر سبب معصية إبليس: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (12).
    • أن نلبس الحسن من الثياب إذا ذهبنا إلى المساجد، ولا نسرف في الأكل والشرب: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (31).
    • أن نجتنب هذه الأمور التي حرمها الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (33).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا ومن حولنا بأهمية سلامة القلب، وأنه من صفات أهل الجنة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ (43).
    • ألا نغتر بالحياة الدنيا؛ فهي دار لهو ولعب: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ...﴾ (51).
    • أن نُذَكِّر بعض البائعين -بأسلوب طيب- بأهمية العدل في الميزان: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نجمع في الدنيا بين الخوف والرجاء: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (99).
    • أن نحافظ على الصلاة مع الجماعة؛ فهي من العهد الذي بينك وبين الله: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ (102).
    • أن نضمّ أسماء أحبابِنا في الدُّعاء: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي﴾ (151).
    • أن نتذكر سنة كنا غافلين عنها من سنن النبي ﷺ، ونطبقها: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ (157).
    • ألا نتهاون في الأخذِ بنصيحةِ من يعظنا ويذكِّرنا بالله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ (165).
    • أن نطلب دومًا الثبات على الصراط المستقيم، ونتعوذ من نزغات الشياطين والكفر بعد الإيمان: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ...﴾ (175).
    • أن نسأل الله تعالى صلاح قلوبنا، وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا في طاعته: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ (179).
    • أن نحذر من مكر الله فيما أنعم به علينا: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (182).
    • أن نتيقن ويستقر في قلوبنا أنه لن ينفعنا أو يضرنا أحد إلا بإذن الله: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ...﴾ (188).
    • أن نقابل وسوسة الشيطان بالاستعاذة بالله منه: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ...﴾ (200).
    • أن نستمع وننصت أثناء قراءة القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (204).
    • أن نداوم على أذكار الصباح والمساء، ونُذَكِّر بهـا غيرنا: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ ... وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ (205).

تمرين حفظ الصفحة : 161

161

مدارسة الآية : [82] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ ..

التفسير :

[82] وما كان جواب قوم لوط حين أنكر عليهم فعلهم الشنيع إلا أن قال بعضهم لبعض:أخرجوا لوطاً وأهله من بلادكم؛ إنه ومن تبعه أناس يتنزهون عن إتيان أدبار الرجال.

{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ْ} أي:يتنزهون عن فعل الفاحشة.{ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ْ} .

ولقد حكى القرآن جوابهم القبيح على نصائح نبيهم لهم، فقال: وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ.

أى: وما كان جواب الطغاة المستكبرين على نصائح نبيهم لوط- عليه السلام- إلا أن قال بعضهم لبعض أخرجوا لوطا ومن معه من المؤمنين من قريتكم سدوم التي استوطنتموها وعشتم بها.

وقوله: إِلَّا أَنْ قالُوا استثناء مفرغ من أعم الأشياء، أى: ما كان جوابهم شيئا من الأشياء سوى قول بعضهم لبعض أخرجوهم.

لماذا هذا الإخراج؟ بين القرآن أسبابه كما تفوهت به ألسنتهم الخبيثة، واتفقت عليه قلوبهم المنكوسة فقال: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ بهذه الجملة التعليلية.

أى: إن لوطا وأتباعه أناس يتنزهون عن إتيان الرجال، وعن كل عمل من أعمالنا لا يرونه مناسبا لهم. يقال: تطهر الرجل، أى: تنزه عن الآثام والقبائح.

وما أعجب العقول عند ما تنتكس، والأخلاق عند ما ترتكس، إنها تستنكف أن يبقى معها الطهور المتعفف عن الفحش، وتعمل على إخراجه، ليبقى لها الملوثون الممسوخون. وإنه لمنطق يتفق مع المنحرفين الذين انحطت طباعهم، وانقلبت موازينهم، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: وقولهم: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش، وافتخار بما كانوا فيه من القذارة، كما يقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد» .

أي : ما أجابوا لوطا إلا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من المؤمنين من بين أظهرهم ، فأخرجه الله تعالى سالما ، وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين .

وقوله تعالى : ( إنهم أناس يتطهرون ) قال قتادة ، عابوهم بغير عيب .

وقال مجاهد : ( إنهم أناس يتطهرون ) من أدبار الرجال وأدبار النساء . وروي مثله عن ابن عباس أيضا .

القول في تأويل قوله : وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وما كان جواب قوم لُوط للوط ، إذ وبَّخهم على فعلهم القبيح ، وركوبهم ما حرم الله عليهم من العمل الخبيث ، إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله= ولذلك قيل: " أخرجوهم "، فجمع ، وقد جرى قبل ذكر " لوط" وحده دون غيره.

* * *

وقد يحتمل أن يكون إنما جمع بمعنى: أخرجوا لوطًا ومن كان على دينه من قريتكم= فاكتفى بذكر " لوط" في أول الكلام عن ذكر أتباعه، ثم جمع في آخر الكلام، كما قيل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ، [الطلاق: 1] .

* * *

وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)

=(إنهم أناس يتطهرون ) ، يقول: إن لوطًا ومن تبعه أناس يتنـزهون عما نفعله نحنُ من إتيان الرجال في الأدبار. (2)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد النخعي، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: من أدبار الرجال وأدبار النساء. (3)

14834-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، من أدبار الرجال وأدبار النساء.

14835-حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: يتطهرون من أدبار الرجال والنساء.

14836-حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: من أدبار الرجال ومن أدبار النساء.

14837-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: يتحرَّجون.

14838-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، يقول: عابوهم بغير عَيْب، وذمُّوهم بغير ذَمّ.

------------------

الهوامش :

(1) انظر ما سلف 2: 485- 487 ، وغيرها.

(2) انظر تفسير"التطهر" فيما سلف 10: 318 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(3) الأثر: 14836-"هانئ بن سعيد النخعي" ، صالح الحديث ، مضى برقم: 13159 ، 13965.

التدبر :

وقفة
[82] فساد الفطرة! هل صار التطهر عيبًا، والاستقامة جريمة؟! والجواب: من عاش النجاسة وألِفها أحبها، ثم كره الخروج منها؛ لذا كرهوا طهارة المؤمنين.
لمسة
[82] ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ وفى العنكبوت: ﴿إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّـهِ﴾ [العنكبوت: 29]، و(إلا) للحصر، فكيف الجمع بينهما؟ الجواب: لعل ذلك في مجالس، ففي مجلس اختصر بذكر إتيان الفاحشة وإظهارها، فناسب ذكر إخراجه؛ كيلا يعيب عليهم ذلك، وفى مجلس عدَّد ذنوبهم فناسب مطالبتهم بإتيان العذاب عليها، فحَصَر الجواب في كل مجلس بما ذكر فيه وناسبه، أو أن الجوابين من طائفتين، فلم تجيبا إلا بما ذكر عنهما.
وقفة
[82] ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ ذنبهم أنهم أناس يتطهرون!
وقفة
[82] ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ من سمات أهل الباطل أنهم يلجؤون إلى العنف، عندما تحاصرهم البراهين الصحيحة.
وقفة
[82] ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ إذا كثر الفساد يصبح الطهر جريمة.
وقفة
[82] من عادة المجرمين والفاسقين أنهم يقلبون الحقائق؛ فيَذُمُّون الصالحين، ويمدحون المفسدين ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾.
وقفة
[82] ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ موقف قديم متجدّد ممّن يعانون من كراهة الصلاح والعفة وفسادِ الفطرة.
وقفة
[82] كل أنبياء الله تعالى هُددوا بالقتل أو الإخراج أو السجن: ﴿لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ﴾ [القصص: 20]، ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: 30]، ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ﴾ [88]، ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ [الشعراء: 167]، ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: 29]، ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف: 32]، ﴿لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا﴾ [إبراهيم: 13]، ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾، ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [النمل: 49]؛ الحق والباطل لا يجتمعان.
وقفة
[82] ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ لا يريدون الفساد أن يبقى في دوائرهم الضيقة، بل يعم القرية بأكملها.
وقفة
[82] ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ عندما يطغى الفجور في مجتمع، تصبح الفضيلة تهمة تستوجب اقصاء المتلبسين بها.
وقفة
[82] ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ أصحاب المنهج القويم يكونون أحيانًا غرباء بين الناس، طوبَى لهم.
وقفة
[82] ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ الفساد عند أهل الحق (فساد)، والطهر عند أهل الزيغ (فساد).
وقفة
[82] قال ابن القيم: «وقول اللوطية: ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ من جنس قوله سبحانه في أصحاب الأخدود: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: 8]، وهكذا المشرك؛ إنما ينقم على الموحد تجريده للتوحيد، وأنه لا يشوبه بالإشراك، وهكذا المبتدع إنما ينقم على السنيّ تجريده متابعة الرسول، وأنه لم يَشُبها بآراء الرجال، ولا بشيء مما خالفها، فصَبْر الموحد المتبع للرسول على ما ينقمه عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع، وأسهل عليه من صبره على ما ينقمه الله ورسوله من موافقة أهل الشرك والبدعة».
وقفة
[82] ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ استُدِل به على تحريم أدبار النساء، قال مجاهد: «أي: عن أدبار الرجال وأدبار النساء».
وقفة
[82] قولهم: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ سخرية بهم، وبتطهرهم من الفواحش، وافتخارًا بما كانوا فيه من القذارة؛ كما يقول بعض الفسقة عن أحد الصالحين إذا وعظهم: «أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد».

الإعراب :

  • ﴿ وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كان فعل ماض ناقص مبني على الفتح جواب اسم «كانَ» مرفوع بالضمة. قومه: مضاف اليه مجرور بالكسرة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر مضاف اليه ثان.
  • ﴿ إِلَّا أَنْ قالُوا:
  • الّا: أداة حصر لا عمل لها. أن: حرف مصدري. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة و «أَنْ» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل نصب خبر «كانَ» التقدير: إلا قولهم.
  • ﴿ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ:
  • أخرجوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. من قريتكم: جار ومجرور متعلق بأخرجوا. الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل «هم» ضمير الغائبين المتصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». اناس: خبر «إن» مرفوع بالضمة. يتطهرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَتَطَهَّرُونَ» في محل رفع صفة لأناس. '

المتشابهات :

الأعراف: 82﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
النمل: 56﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [82] لما قبلها :     لَمَّا أُفحِمُوا عن المجادلةِ في شَأنِ فاحِشَتِهم؛ بادروا بالتآمُرِ على إخراجِ لُوطٍ عليه السلام وأهْلِه مِنَ القَريةِ، فقال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [83] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ ..

التفسير :

[83] فأنجى الله لوطاً وأهله من العذاب حيث أمره بمغادرة ذلك البلد، إلا امرأته، فإنها كانت من الهالكين الباقين في عذاب الله.

{ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ْ} أي:الباقين المعذبين، أمره اللّه أن يسري بأهله ليلا، فإن العذاب مصبح قومه فسرى بهم، إلا امرأته أصابها ما أصابهم.

ثم حكت السورة عاقبة الفريقين فقالت: فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ أى: أنجينا لوطا ومن يختص به من ذويه أو من المؤمنين به.

قالوا: ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال- تعالى-: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وقوله: إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من أهله، أى: فأنجيناه وأهله إلا امرأته فإنا لم ننجها لخبثها وعدم إيمانها.

قال ابن كثير: إنها لم تؤمن به، بل كانت على دين قومها، تمالئهم عليه وتخبرهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم، ولهذا لما أمر لوط- عليه السلام- ليسرى بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد، ومنهم من يقول بل اتبعتهم، فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم، والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم، ولهذا قال هاهنا: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أى: «الباقين في العذاب» .

والغابر: الباقي. يقال: غبر الشيء يغبر غبورا، أى «بقي» . وقد يستعمل فيما مضى- أيضا- فيكون من الأضداد، ومنه قول الأعشى: في الزمن الغابر. أى: الماضي.

يقول تعالى : فأنجينا لوطا وأهله ، ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط ، كما قال تعالى : ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) [ الذاريات : 35 ، 36 ] إلا امرأته فإنها لم تؤمن به ، بل كانت على دين قومها ، تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم ; ولهذا لما أمر لوط ، عليه السلام ، أن يسري بأهله أمر ألا يعلم امرأته ولا يخرجها من البلد . ومنهم من يقول : بل اتبعتهم ، فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم . والأظهر أنها لم تخرج من البلد ، ولا أعلمها لوط ، بل بقيت معهم ; ولهذا قال هاهنا : ( إلا امرأته كانت من الغابرين ) أي : الباقين . ومنهم من فسر ذلك ( من الغابرين ) من الهالكين ، وهو تفسير باللازم .

القول في تأويل قوله : فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فلما أبى قوم لوط= مع توبيخ لوط إياهم على ما يأتون من الفاحشة، وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتحريم ذلك عليهم= إلا التمادي في غيّهم، أنجينا لوطًا وأهله المؤمنين به ، إلا امرأته ، فإنها كانت للوط خائنة ، وبالله كافرة.

* * *

وقوله: ( من الغابرين ) ، يقول: من الباقين.

* * *

وقيل: ( من الغابرين ) ، ولم يقل " الغابرات "، لأنه أريد أنها ممن بقي مع الرجال، (4) فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قيل: " من الغابرين ". (5)

* * *

والفعل منه: " غبَرَ يَغْبُرُ غُبُورًا ، وغَبْرًا "، (6) وذلك إذا بقي ، كما قال الأعشى:

عَــضَّ بِمَــا أَبْقَـى المَوَاسِـي لَـهُ

مِــنْ أَمَــةٍ فِــي الـزَّمَنِ الغَـابِرِ (7)

وكما قال الآخر: (8)

&; 12-552 &; وَأَبِــي الَّـذِي فَتَـحَ البِـلادَ بِسَـيْفِهِ

فَأَذَلَّهـــا لِبَنِــي أَبَــانَ الغَــابِرِ (9)

يعني: الباقي.

* * *

فإن قال قائل: فكانت امرأة لوط ممن نجا من الهلاك الذي هلك به قوم لوط؟

قيل: لا بل كانت فيمن هلك.

فإن قال: فكيف قيل: ( إلا امرأته كانت من الغابرين ) ، وقد قلت إن معنى " الغابر " الباقي؟ فقد وجب أن تكون قد بقيت؟

قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبتَ إليه ، وإنما عنى بذلك ، إلا امرأته كانت من الباقين قبلَ الهلاك ، والمعمَّرين الذين قد أتى عليهم دهرٌ كبيرٌ ومرّ بهم زمن كثيرٌ، حتى هرِمت فيمن هرِم من الناس، فكانت ممن غبرَ الدهرَ الطويلَ قبل هلاك القوم، فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب.

* * *

وقيل: معنى ذلك: من الباقين في عذاب الله.

* ذكر من قال ذلك:

14839-حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ، [ سورة الشعراء : 171 /سورة الصافات : 135 ] ، في عذاب الله.

--------------------

الهوامش :

(4) في المطبوعة: "لأنه يريد" وأثبت ما في المخطوطة.

(5) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 218 ، 219.

(6) قوله: "وغبرا" ، ضبطته بفتح فسكون ، ولم يرد هذا المصدر في شيء من كتب اللغة ، اقتصروا على المصدر الأول.

(7) ديوانه: 106 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 219 ، من قصيدته التي هجا بها علقمة ، ومدح عامرًا ، كما أسلفت في تخريج أبيات مضت من القصيدة ، وفي المطبوعة ومجاز القرآن"من أمه" ، وأثبت ما في الديوان ، قال أبو عبيدة ، بعد البيت: "لم يختن فيما مضى ، فبقي من الزمن الغابر ، أي الباقي. ألا ترى أنه قال:

وَكُــنَّ قَــدْ أَبْقَيْــنَ مِنْهَــا أَذًى

عِنْــدَ المَلاقِــي وَافِــيَ الشَّـافِر

وهو هجاء لأم علقمة قبيح.

(8) هو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي.

(9) خزانة الأدب 1: 55 ، وكان يزيد شريفًا عزيزًا ، وأبوه الحكم بن أبي العاصي الثقفي ، أحد أصحاب الفتوح الكثيرة في فارس وغيرها ، وكذلك عمه عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله ، فدعاه الحجاج بن يوسف الثقفي ، فولاه فارس ، فلما جاء يأخذ عهده ، قال له الحجاج: يا يزيد ، أنشدني بعض شعرك ، وإنما أراد أن ينشده مديحًا له ، فأنشده قصيدة يفخر فيها ، يقول:

وَأَبِــي الَّـذِي فَتَـحَ البِـلادَ بِسَـيْفِه

فَأَذلَّهَـــا لِبَنِــي أَبَــانَ الغَــابِرِ

وَأَبِـي الَّـذِي سَـلَبَ ابْنَ كِسْرَى رايةً

بيضــاءَ تَخْـفِقُ كالعُقَـابِ الكَاسِـرِ

وِإذَا فَخَـرْتُ فَخَـرْتُ غَـيْرَ مُكَــذَّب

فَخْــرًا أَدُقُّ بِـــهِ فَخَــارَ الفَـاخِرِ

فنهض الحجاج مغضبًا ، وخرج يزيد من غير أن يودعه. فأرسل الحجاج حاجبه وراءه يرتجع منه العهد ، ويقول له: أيهما خير لك ، ما ورثك أبوك أم هذا؟ فقال يزيد: قل له:

وَرِثْــتُ جَــدِّي مَجْــدَهُ وَفَعَالَـهُ

وَوَرِثْــتَ جَـدَّك أعْـنُزًا بالطـائفِ

ثم سار ولحق بسليمان بن عبد الملك وهو ولي للعهد ، فضمه إليه وجعله من خاصته.

وروى صاحب الخزانة: "لبني الزمان الغابر" ، وأما رواية جعفر"لبني أبان" ، فإنه يعني عشيرته ورهطه ، فإن جده هو"أبو العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار الثقفي".

وقوله"وأبي الذي سلب ابن كسرى راية" ، يعني أباه الحكم في فتح فارس ، وإصطخر سنة 23 من الهجرة. (انظر تاريخ الطبري 5: 6/ وفتوح البلدان: 393 ، 394).

التدبر :

وقفة
[83] قال ابن تيمية: «ومن رضي عمل قوم حشر معهم، كما حشرت امرأة لوط معهم، ولم تكن تعمل فاحشة اللواط، فإن ذلك لا يقع من المرأة، لكنها لما رضيت فعلهم عمها العذاب معهم».
وقفة
[83] ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ دينُ اللهِ تعالى ليس فيه مُحَاباةٌ، فامرأةُ لوطٍ u لما عصَت جعَلَها اللهُ من المعذَّبين.
وقفة
[83] ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ زوجة نبي وضلّت! قد تبتلى بقريب ولكنه بعيد عن الله عز وجلّ، فهذا عزاؤك، والهداية بيد الله جلّ جلاله وحده.
وقفة
[83] ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ هذه امرأة نوح لم ينفعها أنها زوجة نبي! فكل العلاقات ستَضْمَحِلُّ، ما لم يصحبها الإيمان بالله.
لمسة
[83] ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا ۙ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الحجر: 60] القائل هم الملائكة، والجو العام كله خوف وريب من إبراهيم عليه السلام؛ لذا احتاج الموقف للتوكيد (إن)، (اللام)، أما: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [النمل: 57] فالقائل هو الله سبحانه؛ لذا قال: ﴿قَدَّرْنَاهَا﴾ فهو المقدر سبحانه ولا يحتاج لتوكيد، أما: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ هنا وفي العنكبوت، فهو حدث تاريخي يُحكى؛ فجاءت: (كانت) التي تدل على واقعة انتهت في الماضي.

الإعراب :

  • ﴿ فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ:
  • الفاء: استئنافية. أنجينا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. وأهله: الواو عاطفة أهل: معطوف على الضمير في «أنجيناه» منصوب بالفتحة بمعنى: فأنجينا لوطا وأنجينا أهله. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ:
  • إلّا: أداة استثناء. إمراته: مستثني بالّإ منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ:
  • فعل ماض ناقص مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها واسم «كان» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي. من الغابرين: جار ومجرور متعلق بخبر «كان» وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

الأعراف: 83﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
النمل: 57﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [83] لما قبلها :     لما عاند قوم لوط ولم يستجيبُوا؛ نزلَ بهم العذابُ، وأنجى اللهُ عز وجل لوطًا عليه السلام وأتباعَه، وأهلكَ الكافرينَ وفيهم امرأةُ لوطٍ، قال تعالى:
﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [84] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ ..

التفسير :

[84] وعذَّب الله الكفار من قوم لوط بأن أنزل عليهم مطراً من الحجارة، وقلب بلادهم، فجعل عاليها سافلها، فانظر -أيها الرسول- كيف صارت عاقبة الذين اجترؤوا على معاصي الله وكذبوا رسله.

{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ْ} أي:حجارة حارة شديدة، من سجيل، وجعل اللّه عاليها سافلها،{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ْ} الهلاك والخزي الدائم.

وقوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً أى: وأرسلنا على قوم لوط نوعا من المطر عجيبا أمره، وقد بينه الله في آية أخرى بقوله: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ .

أى: جازيناهم بالعقوبة التي تناسب شناعة جرمهم فإنهم لما قلبوا الأوضاع فأتوا الرجال دون النساء، أهلكناهم بالعقوبة التي قلبت عليهم قريتهم فجعلت أعلاها أسفلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل أى من طين متجمد.

ثم ختمت القصة بالدعوة إلى التعقل والتدبر والاعتبار فقال- تعالى-: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ.

أى: فانظر أيها العاقل نظرة تدبر واتعاظ في مآل أولئك الكافرين المقترفين لأشنع الفواحش، واحذر أن تعمل أعمالهم حتى لا يصيبك ما أصابهم وسر في الطريق المستقيم لتنال السعادة في الدنيا والآخرة.

هذا، وقد وردت أحاديث تصرح بقتل من يعمل عمل قوم لوط فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس.

قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط. فاقتلوا الفاعل والمفعول به» .

وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط.

وذهب بعض العلماء إلى أنه يرجم، سواء أكان محصنا أو غير محصن .

ثم قصت علينا سورة الأعراف بعد ذلك قصة شعيب مع قومه، فقالت:

وقوله : ( وأمطرنا عليهم مطرا ) مفسر بقوله : ( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) [ هود 82 ، 83 ] ولهذا قال : ( فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) أي : انظر - يا محمد - كيف كان عاقبة من تجهرم على معاصي الله وكذب رسله

وقد ذهب الإمام أبو حنيفة ، رحمه الله ، إلى أن اللائط يلقى من شاهق ، ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط .

وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن . وهو أحد قولي الشافعي ، رحمه الله ، والحجة ما رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به "

وقال آخرون : هو كالزاني ، فإن كان محصنا رجم ، وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة . وهو القول الآخر للشافعي .

وأما إتيان النساء في الأدبار ، فهو اللوطية الصغرى ، وهو حرام بإجماع العلماء ، إلا قولا [ واحدا ] شاذا لبعض السلف ، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم الكلام عليها في سورة البقرة

القول في تأويل قوله : وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأمطرنا على قوم لوط الذين كذبوا لوطًا ولم يؤمنوا به ، مطرًا من حجارة من سجّيل أهلكناهم به=(فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) ، يقول جل ثناؤه: فانظر ، يا محمد ، إلى عاقبة هؤلاء الذين كذبوا الله ورسوله من قوم لوط، فاجترموا معاصيَ الله ، وركبوا الفواحش ، واستحلوا ما حرم الله من أدبار الرجال، كيف كانت؟ وإلى أي شيء صارت؟ هل كانت إلا البوار والهلاك؟ فإن ذلك أو نظيرَه من العقوبة، عاقبةُ من كذَّبك واستكبر عن الإيمان بالله وتصديقك إن لم يتوبوا، من قومك.

* * *

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[84] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم﴾ اللواطَ فاحشة تدلُّ على انتكاس الفطرة، وناسب أن يكون عقابهم من جنس عملهم، فنكَّس الله عليهم قراهم.
لمسة
[84] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا﴾ نكّر (مَّطَرًا) للتعظيم والتعجب، أي مطرًا عجيبًا من شأنه أن يكون مهلكًا للقرى.
لمسة
[84] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا﴾ جاء بالظرف (عَلَيْهِم) للاستعلاء المفضي إلى التمكن والأخذ، فالحرف (على) يفيد التمكن من الشيء خلافًا لـ (في) التي تفيد الظرفية، فلو قال: (وأمطرنا فيهم مطرًا) لما أفاد إهلاكهم إهلاك تمكّن.
لمسة
[84] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا﴾ الآية في مجملها محمولة على الاستعارة التخيلية، إذا علمت أن ما أصاب القوم هو الجمر والكبريت وليس ماء نازلًا من السحاب، وقرينة ذلك كلمة: (وَأَمْطَرْنَا) التي تؤذن بنزول شيء من السماء يشبه المطر وليس بمطر، وإنما للعذاب.
لمسة
[84] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ الفعل (وَأَمْطَرْنَا) أسنده إلى ضمير الجمع جريًا على التعظيم والدلال لذات الله جل جلاله.
تفاعل
[84] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.
وقفة
[84] ﴿وأمطرنا عليهم مطرًا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين﴾ قيلت في قوم لوط عليه السلام، أما يخشى من يقومون على إشاعة الفاحشة عبر القنوات الهابطة أن يصيبهم ما أصاب قوم لوط؟!
وقفة
[84] ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ ما من ظالمٍ طغَى وتجبَّر إﻻ وجعله اللهُ عبرةً لمن يعتبِر، لكنَّ المشكلةَ هل نعتبِر؟!
وقفة
[84] ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ [يونس: 73] جاءت عقب إنذار نوح لقومه، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ جاءت وصفًا لقوم لوط، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [103] جاءت وصفًا لقوم فرعون، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: 39] جاءت وصفًا لمن كذب بالقرآن، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الزخرف: 25] جاءت وصفًا لمن كذب الرسل.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً:
  • الواو: عاطفة. أمطرنا: بمعنى «أرسلنا» فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. عليهم: جار ومجرور متعلق بأمطرنا و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى. مطرا: مفعول به منصوب بالفتحة. أو توكيد بالمصدر. بمعنى مطرا من حجارة.
  • ﴿ فَانْظُرْ:
  • الفاء: استئنافية. انظر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ:
  • كيف اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر «كانَ» مقدم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. عاقبة: اسم «كانَ» مرفوع بالضمة. المجرمين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

الأعراف: 84﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ
الشعراء: 173﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ
النمل: 58﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [84] لما قبلها :     لمَّا فُهِمَ من الآية السابقة هلاكهم؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا نوعه، قال تعالى:
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [85] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ ..

التفسير :

[85] ولقد أرسلنا إلى قبيلة «مدين» أخاهم شعيباً عليه السلام، فقال لهم:يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له؛ ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيره جلَّ وعلا، فأخلصوا له العبادة، قد جاءكم برهان من ربكم على صِدْق ما أدعوكم إليه، فأدوا للناس حقوقهم بإيفاء الكيل وا

أي:{ و ْ} أرسلنا إلى القبيلة المعروفة بمدين{ أَخَاهُمْ ْ} في النسب{ شُعَيْبًا ْ} يدعوهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، ويأمرهم بإيفاء المكيال والميزان، وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم، وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين، بالإكثار من عمل المعاصي، ولهذا قال:{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ْ} فإن ترك المعاصي امتثالا لأمر اللّه وتقربا إليه خير، وأنفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار، وعذاب النار.

وقوله: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أى:

وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا. ومدين اسم للقبيلة التي تنسب إلى مدين بن إبراهيم- عليه السلام- وكانوا يسكنون في المنطقة التي تسمى معان بين حدود الحجاز والشام، وهم أصحاب الأيكة- والأيكة: منطقة مليئة بالشجر كانت مجاورة لقرية معان، وكان يسكنها بعض الناس فأرسل الله شعيبا إليهم جميعا.

وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم فهو أخوهم في النسب وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر شعيب قال: «ذلك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه، وقوة حجته.

وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان فدعاهم إلى توحيد الله- تعالى- ونهاهم عن الخيانة وسوء الأخلاق.

وعن السدى وعكرمة: أن شعيبا أرسل إلى أمتين: أهل مدين الذين أهلكوا بالصيحة،وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة، وأنه لم يبعث نبي مرتين إلا شعيب- عليه السلام-.

ولكن المحققين من العلماء اختاروا أنهما أمة واحدة فأهل مدين هم أصحاب الأيكة أخذتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة- أى السحابة-، وأن كل عذاب كان كالمقدمة للآخر.

وبعد أن دعاهم إلى وحدانية الله شأن جميع الرسل في بدء دعوتهم قال لهم: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ أى: قد جاءتكم معجزة شاهدة بصحة نبوتي توجب عليكم الإيمان بي والأخذ بما آمركم به والانتهاء عما أنهاكم عنه.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما كانت معجزته؟ قلت: قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة لقوله: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، ولأنه لا بد لمدعي النبوة من معجزة تشهد له وتصدقه وإلا لم تصح دعواه، وكان متنبئا لا نبيا، غير أن معجزته لم تذكر في القرآن كما لم تذكر معجزات نبينا صلّى الله عليه وسلّم فيه .

ثم أخذ في نهيهم عن أبرز المنكرات التي كانت متفشية فيهم فقال- كما حكى القرآن عنه-:

فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ الكيل والميزان مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن به، كالعيش بمعنى ما يعاش به. أو المكيل والموزون.

أى: فأتموا الكيل والميزان للناس بحيث يعطى صاحب الحق حقه من غير نقصان، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب الزيادة.

وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أى: ولا تنقصوهم حقوقهم بتطفيف الكيل ونقص الوزن فيما يجرى بينكم وبينهم من معاملات.

يقال: بخسه حقه يبخسه إذا نقصه إياه. وظلمه فيه «وتبخسوا» تعدى إلى مفعولين أولهما الناس والثاني أشياءهم.

وفائدة التصريح بالنهى عن النقص بعد الأمر بالإيفاء، تأكيد ذلك الأمر وبيان قبح ضده.

قال الآلوسى: وقد يراد بالأشياء الحقوق مطلقا فإنهم كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوة. وقد جاء عن ابن عباس أنهم كانوا قوما طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم. قيل ويدخل في ذلك بخس الرجل حقه من حسن المعاملة والتوقير اللائق به وبيان فضله على ما هو عليه للسائل عنه. وكثير ممن ينتسب إلى أهل العلم اليوم مبتلون بهذا البخس، وليتهم قنعوا به بل جمعوا «حشفا وسوء كيلة» فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم نهاهم عن الإفساد بوجه عام فقال: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أى:

لا تفسدوا في الأرض بما ترتكبون فيها من ظلم وبغى، وكفر وعصيان، بعد أن أصلح أمرها وأمر أهلها الأنبياء وأتباعهم الصالحون الذين يعدلون في معاملاتهم ويلتزمون الحق في كل تصرفاتهم.

ثم ختمت الآية بتلك الجملة الكريمة التي استجاش بها شعيب مشاعر الإيمان في نفوس قومه حيث قال لهم: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

أى: ذلكم الذي آمركم به وأنهاكم عنه خير لكم في الحال والمآل فبادروا إلى الاستجابة لي إن كنتم مصدقين قولي، ومنتفعين بالهدايات التي جئت بها إليكم من ربكم.

فاسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى ما ذكر من الأمر بالوفاء في الكيل والميزان والنهى عن بخس الناس أشياءهم وعن الإفساد في الأرض.

قال محمد بن إسحاق : هم من سلالة " مدين بن إبراهيم " . وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر قال : واسمه بالسريانية : " يثرون " .

قلت : وتطلق مدين على القبيلة ، وعلى المدينة ، وهي التي بقرب " معان " من طريق الحجاز ، قال الله تعالى : ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ) [ القصص : 23 ] وهم أصحاب الأيكة ، كما سنذكره إن شاء الله ، وبه الثقة .

( قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) هذه دعوة الرسل كلهم ، ( قد جاءتكم بينة من ربكم ) أي : قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به . ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان ، ولا يبخسوا الناس أشياءهم ، أي : لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس ، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسا ، كما قال تعالى : ( ويل للمطففين [ الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس ] لرب العالمين ) [ المطففين : 1 - 6 ] وهذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، نسأل الله العافية منه .

ثم قال تعالى إخبارا عن شعيب ، الذي يقال له : " خطيب الأنبياء " ، لفصاحة عبارته ، وجزالة موعظته .

القول في تأويل قوله : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ولد مدين= و " مدين " ، هم ولدُه مديان بن إبراهيم خليل الرحمن، (10) فيما:-

14840-حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.

* * *

فإن كان الأمر كما قال: فـ" مدين " ، قبيلة كَتميم.

=وزعم أيضًا ابن إسحاق: أن شعيبًا الذي ذكر الله أنه أرسله إليهم ، من ولد مدين هذا، وأنه " شعيب بن ميكيل بن يشجر " ، قال: واسمه بالسريانية ،" يثرون ". (11)

* * *

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام= على ما قاله ابن إسحاق: ولقد أرسلنا إلى ولد مدين ، أخاهم شعيب بن ميكيل، يدعوهم إلى طاعة الله ، والانتهاء إلى أمره، وترك السعي في الأرض بالفساد ، والصدِّ عن سبيله، فقال لهم شعيب: يا قوم ، اعبدوا الله وحده لا شريك له، ما لكم من إله يستوجب عليكم العبادة غير الإله الذي خلقكم ، وبيده نفعكم وضركم=(قد جاءتكم بينة من ربكم ) ، يقول: قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقيقة ما أقول ، وصدق ما أدعوكم إليه (12) =(فأوفوا الكيل والميزان ) ، يقول: أتموا للناس حقوقهم بالكيل الذي تكيلون به ، وبالوزن الذي تزنون به (13) =(ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ، يقول ولا تظلموا الناس حقوقهم ، ولا تنقصوهم إياها. (14)

=ومن ذلك قولهم: " تَحْسَبُها حَمْقَاءَ وهي بَاخِسَةٌ" ، (15) بمعنى: ظالمة = ومنه قول الله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ، [سورة يوسف: 20] ، يعني به: رديء.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14841-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ، يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم.

14842-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ، : قال: لا تظلموا الناس أشياءهم.

* * *

قوله: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) ، يقول: ولا تعملوا في أرض الله بمعاصيه ، وما كنتم تعملونه قبل أن يبعث الله إليكم نبيه، من عبادة غير الله ، والإشراك به ، وبخس الناس في الكيل والوزن (16) =(بعد إصلاحها ) ، يقول: بعد أن قد أصلح الله الأرض بابتعاث النبي عليه السلام فيكم، ينهاكم عما لا يحل لكم ، وما يكرهه الله لكم (17) =(ذلكم خير لكم ) ، يقول: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به ، من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ، وإيفاء الناس حقوقهم من الكيل والوزن ، وترك الفساد في الأرض، خيرٌ لكم في عاجل دنياكم وآجل آخرتكم عند الله يوم القيامة=(إن كنتم مؤمنين ) ، يقول: إن كنتم مصدقيَّ فيما أقول لكم ، وأؤدِّي إليكم عن الله من أمره ونهيه.

-------------------

الهوامش :

(10) في المطبوعة: "مدين بن إبراهيم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في تاريخ الطبري 1: 159.

(11) ( 2 ) في المخطوطة : "يثروب" ، غير منقوطة ، بالباء ، وهذه أسماء لا أستطيع الآن ضبطها ، وانظر تاريخ الطبري 1: 167 ، والبداية والنهاية 1: 185.

(12) انظر تفسير"بينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين).

(13) انظر تفسير"إيفاء الكيل والميزان" فيما سلف ص224.

(14) انظر تفسير"البخس" فيما سلف 6: 56.

(15) هذا مثل ، انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 83 ، 219 ، وأمثال الميداني 1: 108 ، وجمهرة الأمثال: 68 ، واللسان (بخس) ، وروايتهم: "وهي باخس" ، بمعنى: ذات بخس ، على النسب. يضرب المثل لمن يتباله وفيه دهاء. وذلك أن رجلا من بني العنبر بن عمرو بن تميم ، حاورته امرأة فحسبها حمقاء ، لا تعقل ، ولا تحفظ مالها. فقال لها: ألا أخلط مالي ومالك؟ يريد أن يخلط ثم يقاسمها ، فيأخذ الجيد ويدع لها الرديء. فلما فعل وجاء يقاسمها ، نازعته ، فلم يخلص منها حتى افتدى منها بما أرادت. فلما عوتب في اختداعه المرأة على ضعفها قال: "تحسبها حمقاء وهي باخس".

(16) انظر تفسير"الإفساد في الأرض" فيما سلف ص542 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(17) انظر تفسير"الإصلاح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).

التدبر :

وقفة
[85] ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ (مَدْيَنَ): هو اسم علم، هو ابن من أبناء إبراهيم الخليل يسمونه (مديان).
وقفة
[85] ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾، ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾ [الشعراء: 176، 177]، في جميع القرآن إذا ذكر الله تعالى مدين نسب لهم شعيبًا عليه السلام؛ لأنه منهم: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ فهو أخٌ لهم، وإذا ذكر الله الأيكة وهي شجرة تُعبد؛ قطع نسب شعيب منهم لئلا يكون منهم.
وقفة
[85] تقوم دعوة الأنبياء -ومنهم شعيب عليه السلام- على أصلين: تعظيم أمر الله: ويشمل الإقرار بالتوحيد وتصديق النبوة، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ﴾ والشفقة على خلق الله: ويشمل ترك البَخْس وترك الإفساد وكل أنواع الإيذاء ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾.
وقفة
[85] ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ البخس: النقص، وهو يكون في السلعة بالتعييب، والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيد في الكيل، والنقصان منه، وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه على جميعهم.
وقفة
[85] ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ إذا رأيت الناس قد أقبلوا على نوع من المفاسد أكثر من إقبالهم على غيره، فأبدأ به، کما بدأ شعیب بالنهي عن التطفيف والبخس؛ لما رآه فاشيًا في قومه، وهو درس للدعاة البعيدين اليوم عن واقع الأمة.
وقفة
[85] ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ تأمل في قصة شعيب عليه الصلاة السلام تجد أن حاصل ما أمر به قومه -بعد الأمر بالتوحيد- ينحصر في ثلاثة أصول: حفظ حقوق المعاملة المالية، وحفظ نظام الأمة ومصالحها، وحفظ حقوق حرية الاستهداء.
وقفة
[85] ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ في تنبيه شعيب على خطورة التطفيف في الموازين، دليل على شمول أحكام الشرائع لأحوال الدنيا والآخرة، وليس كما يقول العلمانيون الذين يُقْصون حكم الشرع في الاقتصاد والسياسة، وغيرها من شؤون الناس الدنيوية.
عمل
[85] ذكّر بعض البائعين بما تراه مناسبًا من الوسائل, بأهمية العدل في الميزان ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ أي: لا تنقصوهم حقوقهم، وإنما قال: ﴿أَشْيَاءَهُمْ﴾ للتعميم؛ تنبيهًا على أنهم كانوا يبخسون الجليل والحقير، والقليل والكثير.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ تأسس منهجًا واضحًا بأن: لا نظلم الناس وننقص قدرهم ونهضم حقهم لزلة ندت: مَن ذا الذي مَا سَـــــــــاءَ قَط ... ومَـــــــن لَـــــــهُ الحُسنَىَ فقط
وقفة
[85] ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ حقهم في التعبير، حقهم في الشكوى، حقهم في التطلع لحياة أفضل.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تُفْسِدُوا﴾ الإفساد في الأرض بعد الإصلاح جُرْم اجتماعي في حق الإنسانية؛ لأن صلاح الأرض بالعقيدة والأخلاق فيه خير للجميع، وإفساد الأرض عدوان على الناس.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ أي: بالكفر والظلم، ﴿بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ أي: بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم الصالحون العاملون بشرائعهم من: وضع الكيل والوزن، والحدود والأحكام.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ كل فساد في الأرض فهو طارئ، وإنما هو من صنع البشر.
عمل
[85] اقرأ قصة شعيب، واكتب ثلاثًا مما اشتملت عليها من فوائد.
وقفة
[85، 86] ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [74]، ﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾، ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾، الإفساد عاقبته وخيمة في كل زمان ومكان؛ لأنه اعتداء على ما خلقه الله عز وجل صالحًا، سواء كان أرضًا، أو نباتًا، أو كوكبًا، أو بشرًا، أو مالًا، أو ثروات طبيعية.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ:
  • أي وأرسلنا الى أولاد مدين ... سبق إعرابها في الآية الكريمة الخامسة والستين. ومنعت «مَدْيَنَ» من الصرف وجرت بالفتحة بدلا من الكسرة لأنها اسم مدينة.
  • ﴿ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ:
  • قد: حرف تحقيق. جاءت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. بينة: فاعل مرفوع بالضمة. من ربكم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «بَيِّنَةٌ» الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ:
  • الفاء: استئنافية. أوفوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الكيل: مفعول به منصوب بالفتحة. والميزان: معطوفة بالواو على «الْكَيْلَ».
  • ﴿ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ:
  • الواو استئنافية لا: ناهية جازمة. تبخسوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمة حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الناس: مفعول به أول منصوب بالفتحة. أشياء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. بمعنى: تنقصوهم.
  • ﴿ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ:
  • معطوفة بالواو على «لا تَبْخَسُوا» وتعرب إعرابها في الأرض: جار ومجرور متعلق بتفسدوا.
  • ﴿ بَعْدَ إِصْلاحِها:
  • بعد: ظرف زمان منصوب متعلق بلا تفسدوا وهو مضاف إصلاحها أي اصلاح أهلها: مضاف اليه مجرور و «ها» ضمير متصل في محل جر مضاف اليه ثان.
  • ﴿ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف حرف خطاب. خير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. لكم: جار ومجرور والميم علامة جمع الذكور و «لَكُمْ» متعلق بخير.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
  • إن: حرف شرط جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور مؤمنين: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. التقدير: إن كنتم مؤمنين فذلكم خير لكم. '

المتشابهات :

الأعراف: 85﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ
هود: 84﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [85] لما قبلها :     القصَّةُ الخامسةُ: شُعَيبٌ عليه السلام ، دعا قومَه مَدْينَ إلى التوحيدِ، ثم نهاهم عن أبرز المنكرات التي كانت متفشية فيهم، قال تعالى:
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [86] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ ..

التفسير :

[86] ولا تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل، إن لم يعطوكم أموالهم، وتصدُّون عن سبيل الله القويم مَن صدَّق به عز وجل، وعمل صالحاً، وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة، وتميلونها اتباعاً لأهوائكم، وتنفِّرون الناس عن اتباعها. واذكروا نعمة الله تعالى عليكم إذ كا

{ وَلَا تَقْعُدُوا ْ} للناس{ بِكُلِّ صِرَاطٍ ْ} أي:طريق من الطرق التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها{ و ْ}{ تُوعَدُونَ ْ} من سلكها{ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ْ} من أراد الاهتداء به{ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ْ} أي:تبغون سبيل اللّه تكون معوجة، وتميلونها اتباعا لأهوائكم، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة، وتشنعون على من سلكها.{ وَاذْكُرُوا ْ} نعمة اللّه عليكم{ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ْ} أي:نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل.{ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ْ} فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة أشد خزيا وفضيحة.

ثم انتقل شعيب إلى نهيهم عن رذائل أخرى كانوا متلبسين بها فقال: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ توعدون: من التوعد بمعنى التخويف والتهديد. أى: ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بي بالقتل، وتخيفونه بأنواع الأذى، وتلصقون بي وأنا نبيكم التهم التي أنا برىء منها، بأن تقولوا لمن يريد الإيمان برسالتي: إن شعيبا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم.

وقوله: وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَتَبْغُونَها عِوَجاً أى: وتصرفون عن دين الله وطاعته من آمن به، وتطلبون لطريقه العوج بإلقاء الشبه أو بوصفها بما ينقصها، مع أنها هي الطريق المستقيم الذي هو أبعد ما يكون عن شائبه الاعوجاج.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: صراط الحق واحد وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ فكيف قيل: بكل صراط؟ قلت: صراط الحق واحد، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة، فكانوا إذا رأوا أحدا يشرع في شيء منها أوعدوه وصدوه فإن قلت: إلام يرجع الضمير في آمَنَ بِهِ؟ قلت: إلى كل صراط، والتقدير: توعدون من آمن به وتصدون عنه. فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم، ودلالة على عظم ما يصدون عنه .

وقوله: توعدون. وتصدون، وتبغون هذه الجمل أحوال، أى: لا تقعدوا موعدين وصادين، وباغين، ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب، ثم ذكرهم شعيب بنعم الله عليهم فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ أى: اذكروا ذلك الزمن الذي كنتم فيه قليلي العدد فكثركم الله بأن جعلكم موفورى العدد، وكنتم في قلة من الأموال فأفاضها الله بين أيديكم، فمن الواجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم، وأن تفردوه بالعبادة والطاعة ثم اتبع هذا التذكير بالنعم بالتخويف من عواقب الإفساد فقال: وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أى: انظروا نظر تأمل واعتبار كيف كانت عاقبة المفسدين من الأمم الخالية، والقرون الماضية، كقوم لوط وقوم صالح، فسترون أنهم قد دمروا تدميرا بسبب إفسادهم في الأرض، وتكذيبهم لرسلهم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ لأن سيركم على طريقهم سيؤدي بكم إلى الدمار.

ينهاهم شعيب ، عليه السلام ، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي ، بقوله : ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي : توعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم . قال السدي وغيره : كانوا عشارين . وعن ابن عباس [ رضي الله عنه ] ومجاهد وغير واحد : ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي : تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه . والأول أظهر ; لأنه قال : ( بكل صراط ) وهي الطرق ، وهذا الثاني هو قوله : ( وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا ) أي : وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة . ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) أي : كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عددكم ، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك ، ( وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) أي : من الأمم الخالية والقرون الماضية ، ما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله .

وقوله : ( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) أي : قد اختلفتم علي ) فاصبروا ) أي : انتظروا ( حتى يحكم الله بيننا ) أي : يفصل ، ( وهو خير الحاكمين ) فإنه سيجعل العاقبة للمتقين ، والدمار على الكافرين .

القول في تأويل قوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)

قال أبو جعفر : يعني بقوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، ولا تجلسوا بكل طريق = وهو " الصراط" = توعدون المؤمنين بالقتل. (18)

* * *

وكانوا ، فيما ذكر ، يقعدون على طريق من قصد شعيبًا وأراده ليؤمن به، فيتوعَّدونه ويخوِّفونه ، ويقولون: إنه كذاب!

* ذكر من قال ذلك:

14843-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( بكل صراط توعدون ) ، قال: كانوا يوعدون مَنْ أتى شعيبًا وغشِيَه فأراد الإسلام.

14844-حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، و " الصراط" ، الطريق، يخوِّفون الناس أن يأتوا شعيبًا.

14845-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله ) ، قال: كانوا يجلسون في الطريق ، فيخبرون مَنْ أتى عليهم: أن شعيبًا عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: ( بكل صراط ) ، قال:طريق=(توعدون) ، بكل سبيل حق. (19)

14846-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.

14847-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، كانوا يقعدون على كل طريق يوعدون المؤمنين.

14848-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن السدي: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، قال: العشَّارُون.

حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره= شك أبو جعفر الرازي = قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسْرِي به على خشبة على الطريق ، لا يمرُّ بها ثوبٌ إلا شقته ، ولا شيء إلا خرقته ، قال: ما هذا يا جبريل ؟ ، قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه! ثم تلا( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون). (20)

* * *

وهذا الخبر الذي ذكرناه عن أبي هريرة ، يدلّ على أن معناه كان عند أبي هريرة: أن نبي الله شعيبًا إنما نهى قومه بقوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، عن قطع الطريق، وأنهم كانوا قُطَّاع الطريق.

* * *

وقيل: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، ولو قيل في غير القرآن: " لا تقعدوا في كلّ صراط" ، كان جائزًا فصيحًا في الكلام ، وإنما جاز ذلك لأن الطريق ليس بالمكان المعلوم، فجاز ذلك كما جاز أن يقال: " قعد له بمكان كذا، وعلى مكان كذا، وفي مكان كذا ".

* * *

وقال: ( توعدون ) ، ولم يقل: " تَعِدُون "، لأن العرب كذلك تفعل فيما أبهمت ولم تفصح به من الوعيد. تقول: " أوعدته " بالألف ،" وتقدَّم مني إليه وعيد "، فإذا بينت عما أوعدت وأفصحت به، (21) قالت: " وعدته خيرًا "، و " وعدته شرًّا " ، بغير ألف، كما قال جل ثناؤه: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، [سورة الحج: 72].

* * *

وأما قوله: ( وتصدون عن سبيل الله من آمن به ) ، فإنه يقول: وتردُّون عن طريق الله ، وهو الردُّ عن الإيمان بالله والعمل بطاعته (22) =(من آمن به)، يقول: تردُّون عن طريق الله مَنْ صدق بالله ووحّده=( وتبغونها عوجًا ) ، يقول: وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته (23) =(عوجًا) ، عن القصد والحق ، إلى الزيغ والضلال ، (24) كما:-

14849-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وتصدون عن سبيل الله ) ، قال: أهلها=( وتبغونها عوجًا ) ، تلتمسون لها الزيغ.

14850-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.

14851-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( وتبغونها عوجًا ) ، قال: تبغون السبيل عن الحق عوجًا.

14852-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( وتصدون عن سبيل الله ) ، عن الإسلام= تبغون السبيل=( عوجًا ) ، هلاكًا.

* * *

وقوله: ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) ، يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثّرَ جماعتهم بعد أن كانوا قليلا عددهم، وأنْ رَفعهم من الذلة والخساسة ، يقول لهم: فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك ، وأخلصوا له العبادة، واتقوا عقوبته بالطاعة، واحذروا نقمته بترك المعصية ،=(وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) ، يقول: وانظروا ما نـزل بمن كان قبلكم من الأمم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله، من المَثُلات والنقمات، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه؟ (25) ألم يُهلك بعضهم غرقًا بالطوفان ، وبعضهم رجمًا بالحجارة ، وبعضهم بالصيحة؟

* * *

و " الإفساد " ، في هذا الموضع ، معناه: معصية الله. (26)

-------------------

الهوامش :

(18) انظر تفسير"الصراط" فيما سلف 1: 170- 177 ، ثم فهارس اللغة (سرط).

(19) في المطبوعة: حذف"قال: طريق" ، وغير سائر العبارة فكتب: "توعدون كل سبيل حق" ، فأفسد الكلام إفسادًا!! والصواب من المخطوطة.

(20) الأثر: 14853- هذا مختصر من أثر طويل ، سيرويه أبو جعفر بهذا الإسناد في تفسير"سورة الإسراء" 15: 6 (بولاق) ، وسيأتي تخريجه هناك.

و"أبو جعفر الرازي" و"الربيع بن أنس" ، و"أبو العالية" ، ثقات جميعًا ، ومضوا في مواضع مختلفة.

وهذا الخبر ذكره الهيثمي مطولا في مجمع الزوائد 1: 67- 72 وقال: "رواه البزار ورجاله موثقون ، إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره ، فتابعيه مجهول".

ولكن نص أبي جعفر هنا وهناك ، يدل على أن أبا جعفر الرازي شك في أنه عن أبي هريرة أو غيره من الصحابة ، فلعل ما في رواية البزار مخالف لما في رواية أبي جعفر الطبري.

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 144 مطولا ، ونسبه إلى البزار ، وأبي يعلي ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل.

(21) في المخطوطة: (( فإذا نصب عما أوعدت" غير منقوطة ، ولم أحسن توجيه قراءتها ، فتركت ما في المطبوعة على حاله ، إذ كان صوابًا واضحًا. 1 ، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 385.

(22) انظر تفسير"الصد" فيما سلف ص: 448 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(23) انظر تفسير"بغى" فيما سلف ص: 448 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(24) انظر تفسير"العوج" فيما سلف 7: 54/ 12: 448.

(25) انظر تفسير"العاقبة" فيما سلف 11: 272 ، 273/ 12: 129.

(26) انظر تفسير"الإفساد" فيما سلف ص: 556 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك.

التدبر :

وقفة
[86] قال ابن عباس في قوله: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾، والصراط: الطريق؛ يخوِّفون الناس أن يأتوا شعيبًا، قال: كانوا يجلسون في الطريق، فيخبرون مَن أتى عليهم: أن شعيبًا عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم.
وقفة
[86] ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ توعدوا من آمن بنبي الله شعيب بسوء العذاب، وبسبب هذا الوعيد خاف كثير من الناس من اتباع الحق، فوقع الصد عن سبيل الله، سنة جارية في كل عصر.
وقفة
[86] ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ ينهاهم شعيب عن قطع الطريق الحسي والمعنوي، كم هم قاطعو الطرق اليوم حسيًا ومعنويًا!
وقفة
[86] ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ الله أكبر عليهم، في كل طريق يقعدون يصدون.
عمل
[86] انصح من يجلس في الشوارع لإيذاء الناس, ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِۦ﴾
وقفة
[86] ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ ويدخل في هذا: إلقاء الشبهات المشكِّكة أو المشوِّهة للدين على عقول الناس والعوام من خلال الإعلام وغيره.
وقفة
[86] ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ ما أكثرهم في هذا الزمن! يترصدون للدعاة في كل طريق؛ يتوعدونهم ويخوفونهم حتى تعوج السبيل.
وقفة
[86] ينهاهم شعيب عليه السلام عن قطع الطريق الحسي، والمعنوي بقـوله: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ أي: تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم ﴿وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ أي: وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة.
وقفة
[86] قُطّاع طريق الإصلاح أخطر قُطّاع لأعظم طريق ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾.
وقفة
[86] ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ الكثيرون ممن حولنا يحبون انحرافنا عن صراط الله المستقيم، ويسعون في هذا سعيًا حثيثًا.
وقفة
[86] ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ هم كثر، من يبغي صراط الله المستقيم عِوَجًا ليسلكه.
عمل
[86] ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ أذكر ماضيك تعرف مقدار ما أنعم الله عليك.
عمل
[86] ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ لا تقابلوا النعم بضدها، قال البقاعي: «لما كانت أفعالهم نقص الناس؛ إما في الأموال بالبخس، وإما في الإيمان بالصد، ذكَّرهم أن الله تعالى فعل معهم ضد ذلك من التكثير بعد القلة، فقال: (فكثركم) أي: كثر عددكم وأموالكم، وكل شيء ينسب إليكم، فلا تقابلوا النعمة بضدها».
وقفة
[86] ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ أي: نَمَّاكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء من أمراض من الأمراض الْمُقَلِّلَة لكم، ولا سَلَّط عليكم عدوًا يجتاحكم، ولا فَرَّقَكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل.
وقفة
[86] ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ تذكير نعم الله على الآخرين خصوصًا عند نصيحتهم مُعين لتقبلهم.
وقفة
[86] ﴿وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ من لم ينظر نظر بصيرة في حال المفسدين السابقين واللاحقين، وكيف حلّت بهم العقوبات؛ فما عرف قيمة النقل الذي ذكره الله، ولا استعمل العقل الذي وهبه الله.
وقفة
[86] التأمل في عاقبة المفسدين سببٌ رادع وزاجر لمن يفكر بالمعصية ﴿وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تقعدوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بكل: جار ومجرور متعلق بتقعدوا. صراط: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ:
  • توعدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فاعل كلمة وتصدون: معطوفة بالواو على «تُوعِدُونَ» وتعرب إعرابها. عن سبيل: جار ومجرور متعلق بتصدون. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ مَنْ آمَنَ بِهِ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. آمن: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. به: جار ومجرور متعلق بآمن. وجملة «آمَنَ بِهِ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَتَبْغُونَها عِوَجاً:
  • معطوفة بالواو على «تَصُدُّونَ» وتعرب إعرابها. والجمل الثلاث: توعدون. تصدّون. تبغون: في محل نصب على الحال و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة «تَبْغُونَها» في محل نصب حال على معنى. تطلون بتقدير: باغيها. عوجا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَاذْكُرُوا:
  • الواو استئنافية. اذكروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف. فارقة.
  • ﴿ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا:
  • إذ: اسم وليس ظرفا مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل «اذكر» وهو مضاف. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. قليلا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. بمعنى: واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلا عددكم وجملة «كُنْتُمْ قَلِيلًا» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «إِذْ» الظرفية.
  • ﴿ فَكَثَّرَكُمْ:
  • الفاء: عاطفة. كثّر: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور وجملة «فَكَثَّرَكُمْ» معطوفة على الجملة المضاف اليها في محل جر. أي جملة «كُنْتُمْ».
  • ﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ:
  • الواو عاطفة. وما بعده: سبق إعرابه في الآية الكريمة الرابعة والثمانين. و «الواو» في «انْظُرُوا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. '

المتشابهات :

آل عمران: 99﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ
الأعراف: 86﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [86] لما قبلها :     وبعد أن نهى شُعَيبٌ عليه السلام قومَه عن بعض الرذائل؛ انتقل هنا إلى نهيهم عن رذائل أخرى كانوا متلبسين بها أيضًا، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [87] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ ..

التفسير :

[87] وإن كان جماعة منكم صدَّقوا بالذي أرسلني الله به، وجماعة لم يصدِّقوا بذلك، فانتظروا أيها المكذبون قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم حين يحلُّ عليكم عذابه الذي أنذرتكم به. والله -جلَّ وعلا- هو خير الحاكمين بين عباده.

{ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا ْ} وهم الجمهور منهم.{ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ْ} فينصر المحق، ويوقع العقوبة على المبطل.

ثم نصحهم بأن يأخذوا أنفسهم بشيء من العدل وسعة الصدر، وأن يتركوا أتباعه أحرارا في عقيدتهم حتى يحكم الله بين الفريقين، فقال: وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.

أى: إن كان بعضكم قد آمن بما أرسلنى الله به إليكم من التوحيد وحسن الأخلاق، وبعضكم لم يؤمن بما أرسلت به بل أصر على شركه وعناده، فتربصوا وانتظروا حتى يحكم الله بيننا وبينكم بحكمه العادل، الذي يتجلى في نصرة المؤمنين، وإهلاك الظالمين، وهو- سبحانه- خير الحاكمين.

قال صاحب الكشاف: وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله منهم، كقوله: فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ أو هو عظة للمؤمنين وحث على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم. ويجوز أن يكون خطابا للفريقين. أى:

ليصبر المؤمنون على أذى الكفار، وليصبر الكفار على ما يسوءهم من إيمان من آمن حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيب » .

وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حكت لنا جانبا من الحجج الناصعة، والنصائح الحكيمة، والتوجيهات الرشيدة التي وجهها شعيب- خطيب الأنبياء- إلى قومه.

وارجع البصر- أيها القارئ الكريم- في هذه النصائح ترى شعيبا- عليه السلام- يأمر قومه بوحدانية الله لأنها أساس العقيدة وركن الدين الأعظم، ثم يتبع ذلك بمعالجة الجرائم التي كانت متفشية فيهم، فيأمرهم بإيفائهم الكيل والميزان، وينهاهم عن بخس الناس أشياءهم وعن الإفساد في الأرض، وعن القعود في الطرقات لتخويف الناس وتهديدهم، وعن محاولة صرفهم عن طريق الحق، بإلقاء الشبهات، وإشاعة الأباطيل. مستعملا في وعظه التذكير بنعم الله تارة. وبنقمه من المكذبين تارة أخرى.

ولقد كان من المنتظر أن يتقبل قوم شعيب هذه المواعظ تقبلا حسنا، وأن يصدقوه فيما يبلغه عن ربه، ولكن المستكبرين منهم عموا وصموا عن الحق، واستمع إلى القرآن وهو يحكى موقفهم فيقول:

وقوله : ( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) أي : قد اختلفتم علي ) فاصبروا ) أي : انتظروا ( حتى يحكم الله بيننا ) أي : يفصل ، ( وهو خير الحاكمين ) فإنه سيجعل العاقبة للمتقين ، والدمار على الكافرين .

وقوله : ( أولو كنا كارهين ) يقول : أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه ؟ فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه ، فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أندادا . وهذا تعبير منه عن أتباعه . ( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) وهذا رد إلى المشيئة ، فإنه يعلم كل شيء ، وقد أحاط بكل شيء علما ، ( على الله توكلنا ) أي : في أمورنا ما نأتي منها وما نذر ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) أي : افصل بيننا وبين قومنا ، وانصرنا عليهم ، ( وأنت خير الفاتحين ) أي : خير الحاكمين ، فإنك العادل الذي لا يجور أبدا .

القول في تأويل قوله : وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره: ( وإن كان طائفة منكم ) ، وإن كانت جماعة منكم وفرقة (27) =(آمنوا)، يقول: صدّقوا (بالذي أرسلتُ به) من إخلاص العبادة لله ، وترك معاصيه ، وظلم الناس ، وبخسهم في المكاييل والموازين، فاتّبعوني على ذلك=(وطائفة لم يؤمنوا ) ، يقول: وجماعة أخرى لم يصدِّقوا بذلك، ولم يتبعوني عليه=(فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ) ، يقول: فاحتبسوا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم (28) =(وهو خير الحاكمين ) ، يقول: والله خيرُ من يفصل وأعدل من يقضي، لأنه لا يقع في حكمه مَيْلٌ إلى أحدٍ، ولا محاباة لأحدٍ.

------------------------

الهوامش:

(27) انظر تفسير"طائفة" فيما سلف 6: 500/ 9: 141/ 12: 240.

(28) انظر تفسير"الصبر" فيما سلف 7: 508 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

= وتفسير"الحكم" فيما سلف 9: 175 ، 324 ، 462/ 11: 413.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[87] ﴿وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا﴾ أبعد هذه الآية المحكمة وأمثالها تصبح النسبة للطائفة المؤمنة مسبة وعارًا؟ إنه البعد عن هدي القرآن، والخضوع لمصطلحات الإعلام، فنقول لهؤلاء: ﴿فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّـهُ بَيْنَنَا ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ:
  • الواو: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. كان: فعل ماض ناقص فعل الشرط مبني على الفتح في محل جزم بإن. طائفة: اسم «كانَ» مرفوع بالضمة بمعنى «جماعة» أو «فريق». منك: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «طائِفَةٌ». والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ آمَنُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة: في محل نصب خبر كان.
  • ﴿ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بآمنوا. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. أرسلت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل- ضمير المتكلم- مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل والجار والمجرور «بِهِ» متعلق بأرسلت. وجملة «أُرْسِلْتُ بِهِ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا:
  • وطائفة: معطوفة بالواو على «طائِفَةٌ» الأولى وتعرب إعرابها. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يؤمنوا: فعل مضارع مجزوم بلم. وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل يعود على «طائِفَةٌ» على معناها لا لفظها أي بتقدير فريق لم يؤمنوا. والألف فارقة.
  • ﴿ فَاصْبِرُوا:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط. اصبروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة: جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا:
  • حتى: حرف جر ومعناها هنا: إلى أن. يحكم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حَتَّى» وعلامة نصبه: الفتحة. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بيننا: ظرف متعلق بيحكم منصوب على الظرفية المكانية بالفتحة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. و «أن» المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق باصبروا. وجملة «يَحْكُمَ اللَّهُ» صلة «أن» المصدرية «المضمرة» لا محل لها.
  • ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ:
  • الواو: استئنافية. هو ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. خير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. الحاكمين: مضاف اليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

الأعراف: 87﴿فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّـهُ بَيْنَنَا ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
يونس: 109﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّـهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
يوسف: 80﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّـهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [87] لما قبلها :     وبعد أن دعا شُعَيبٌ عليه السلام قومَه إلى التوحيد، وانقسام الناس إلى فريقين: مؤمنين وهم قلة، وكافرين وهم الأكثرون؛ دعا الكافرين هنا إلى العدل وسعة الصدر، فيتركوا أتباعه أحرارًا في عقيدتهم حتى يحكم الله بين الفريقين، قال تعالى:
﴿ وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف