ترتيب المصحف | 28 | ترتيب النزول | 49 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 11.00 |
عدد الآيات | 88 | عدد الأجزاء | 0.56 |
عدد الأحزاب | 1.12 | عدد الأرباع | 4.50 |
ترتيب الطول | 14 | تبدأ في الجزء | 20 |
تنتهي في الجزء | 20 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 14/29 | طسم: 2/2 |
بعدَ بيانِ صدقِ النَّبي ﷺ وعِنادِهم، بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّه وصَّلَ لَهم القولَ بقصصِ الأممِ السَّابقةِ، وما حلَّ بِهم من عذابٍ رجاءَ أنْ يتَّعِظُوا، وأنَّ الذينَ يُؤمِنُونَ بالقرآنِ من أهلِ الكتابِ يُؤتيهم اللهُ أجرَهم مَرَّتَينِ.
قريبًا إن شاء الله
ولمَّا قالَ مشركُو مَكَّةَ: يمنعُنا أن نؤمنَ بكَ مخافةٌ أن تقاتلَنا العربُ، ردَّ اللهُ عليهم أنَّ الذي أمَّنهم بالحرمِ وهم عصاةٌ أَيدعُ النَّاسَ يتَخَطَّفُونَهم وهم تُقاةٌ؟! بل الكفرُ هو الذي يُزيلُ النِّعمَ كحالِ الأممِ السابقةِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} أي:تابعناه وواصلناه، وأنزلناه شيئا فشيئا، رحمة بهم ولطفا{ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} حين تتكرر عليهم آياته، وتنزل عليهم بيناته وقت الحاجة إليها. فصار نزوله متفرقا رحمة بهم، فلم اعترضوا على ما هو من مصالحهم؟
فصل في ذكر بعض الفوائد والعبر في هذه القصة العجيبة
فمنها أن آيات اللّه تعالى وعبره، وأيامه في الأمم السابقة، إنما يستفيد بها ويستنير المؤمنون، فعلى حسب إيمان العبد تكون عبرته، وإن اللّه تعالى إنما يسوق القصص، لأجلهم، وأما غيرهم، فلا يعبأ اللّه بهم، وليس لهم منها نور وهدى.
ومنها:أن اللّه تعالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه، وأتى بها شيئا فشيئا بالتدريج، لا دفعة واحدة.
ومنها:أن الأمة المستضعفة، ولو بلغت في الضعف ما بلغت، لا ينبغي لها أن يستولى عليها الكسل عن طلب حقها، ولا الإياس من ارتقائها إلى أعلى الأمور، خصوصا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ اللّه أمة بني إسرائيل، الأمة الضعيفة، من أسر فرعون وملئه، ومكنهم في الأرض، وملكهم بلادهم.
ومنها:أن الأمة ما دامت ذليلة مقهورة لا تأخذ حقها ولا تتكلم به، لا يقوم لها أمر دينها [ولا دنياها] ولا يكون لها إمامة فيه.
ومنها:لطف اللّه بأم موسى، وتهوينه عليها المصيبة بالبشارة، بأن اللّه سيرد إليها ابنها، ويجعله من المرسلين.
ومنها:أن اللّه يقدر على عبده بعض المشاق، لينيله سرورا أعظم من ذلك، أو يدفع عنه شرا أكثر منه، كما قدر على أم موسى ذلك الحزن الشديد، والهم البليغ، الذي هو وسيلة إلى أن يصل إليها ابنها، على وجه تطمئن به نفسها، وتقر به عينها، وتزداد به غبطة وسرورا.
ومنها:أن الخوف الطبيعي من الخلق، لا ينافي الإيمان ولا يزيله، كما جرى لأم موسى ولموسى من تلك المخاوف.
ومنها:أن الإيمان يزيد وينقص. وأن من أعظم ما يزيد به الإيمان، ويتم به اليقين، الصبر عند المزعجات، والتثبيت من اللّه، عند المقلقات، كما قال تعالى.{ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي:ليزداد إيمانها بذلك ويطمئن قلبها.
ومنها:أن من أعظم نعم اللّه على عبده، و [أعظم] معونة للعبد على أموره، تثبيت اللّه إياه، وربط جأشه وقلبه عند المخاوف، وعند الأمور المذهلة، فإنه بذلك يتمكن من القول الصواب، والفعل الصواب، بخلاف من استمر قلقه وروعه، وانزعاجه، فإنه يضيع فكره، ويذهل عقله، فلا ينتفع بنفسه في تلك الحال.
ومنها:أن العبد -ولو عرف أن القضاء والقدر ووعد اللّه نافذ لا بد منه- فإنه لا يهمل فعل الأسباب التي أمر بها، ولا يكون ذلك منافيا لإيمانه بخبر اللّه، فإن اللّه قد وعد أم موسى أن يرده عليها، ومع ذلك، اجتهدت على رده، وأرسلت أخته لتقصه وتطلبه.
ومنها:جواز خروج المرأة في حوائجها، وتكليمها للرجال، من غير محذور، كما جرى لأخت موسى وابنتي صاحب مدين.
ومنها:جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع، والدلالة على من يفعل ذلك.
ومنها:أن اللّه من رحمته بعبده الضعيف الذي يريد إكرامه، أن يريه من آياته، ويشهده من بيناته، ما يزيد به إيمانه، كما رد الله موسى على أمه، لتعلم أن وعد اللّه حق.
ومنها:أن قتل الكافر الذي له عهد بعقد أو عرف، لا يجوز، فإن موسى عليه السلام عدَّ قتله القبطي الكافر ذنبا، واستغفر اللّه منه.
ومنها:أن الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين الذين يفسدون في الأرض.
ومنها:أن من قتل النفوس بغير حق، وزعم أنه يريد الإصلاح في الأرض، وتهييب أهل المعاصي، فإنه كاذب في ذلك، وهو مفسد كما حكى اللّه قول القبطي{ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} على وجه التقرير له، لا الإنكار.
ومنها:أن إخبار الرجل غيره بما قيل فيه، على وجه التحذير له من شر يقع فيه، لا يكون ذلك نميمة -بل قد يكون واجبا- كما أخبر ذلك الرجل لموسى، ناصحا له ومحذرا.
ومنها:أنه إذا خاف القتل والتلف في الإقامة، فإنه لا يلقي بيده إلى التهلكة، ولا يستسلم لذلك، بل يذهب عنه، كما فعل موسى.
ومنها:أنه عند تزاحم المفسدتين، إذا كان لا بد من ارتكاب إحداهما أنه يرتكب الأخف منهما والأسلم، كما أن موسى، لما دار الأمر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل، أو يذهب إلى بعض البلدان البعيدة، التي لا يعرف الطريق إليها، وليس معه دليل [يد] له غير ربه، ولكن هذه الحالة أقرب للسلامة من الأولى، فتبعها موسى.
ومنها:أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، ويسأله أن يهديه الصواب من القولين، بعد أن يقصد بقلبه الحق ويبحث عنه، فإن اللّه لا يخيب مَنْ هذه حاله. كما خرج موسى تلقاء مدين فقال:{ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}
ومنها:أن الرحمة بالخلق، والإحسان على من يعرف ومن لا يعرف، من أخلاق:الأنبياء، وأن من الإحسان سقي الماشية الماء، وإعانة العاجز.
ومنها استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها، ولو كان اللّه عالما لها، لأنه تعالى، يحب تضرع عبده وإظهار ذله ومسكنته، كما قال موسى:{ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}
ومنها أن الحياء -خصوصا من الكرام- من الأخلاق الممدوحة.
ومنها:المكافأة على الإحسان لم يزل دأب الأمم السابقين.
ومنها:أن العبد إذا فعل العمل للّه تعالى، ثم حصل له مكافأة عليه من غير قصد بالقصد الأول، أنه لا يلام على ذلك، كما قبل موسى مجازاة صاحب مدين عن معروفه الذي لم يبتغ له، ولم يستشرف بقلبه على عوض.
ومنها:مشروعية الإجارة، وأنها تجوز على رعاية الغنم ونحوها، مما لا يقدر العمل، وإنما مرده، العرف.
ومنها أنه تجوز الإجارة بالمنفعة، ولو كانت المنفعة بضعا.
ومنها أن خطبة الرجل لابنته الرجل الذي يتخيره، لا يلام عليه.
ومنها:أن خير أجير وعامل [يعمل] للإنسان، أن يكون قويا أمينا.
ومنها:أن من مكارم الأخلاق، أن يُحَسِّن خلقه لأجيره، وخادمه، ولا يشق عليه بالعمل، لقوله:{ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}
ومنها:جواز عقد الإجارة وغيرها من العقود من دون إشهاد لقوله:{ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}
ومنها:ما أجرى اللّه على يد موسى من الآيات البينات، والمعجزات الظاهرة، من الحية، وانقلاب يده بيضاء من غير سوء، ومن عصمة اللّه لموسى وهارون، من فرعون، ومن الغرق.
ومنها:أن من أعظم العقوبات أن يكون الإنسان إماما في الشر، وذلك بحسب معارضته لآيات اللّه وبيناته، كما أن من أعظم نعمة أنعم اللّه بها على عبده، أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا.
ومنها:ما فيها من الدلالة على رسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم، حيث أخبر بذلك تفصيلا مطابقا، وتأصيلا موافقا، قصه قصا، صدق به المرسلين، وأيد به الحق المبين، من غير حضور شيء من تلك الوقائع، ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع، ولا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الأمور، ولا مجالسة أحد من أهل العلم، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم، ووحي أنزله عليه الكريم المنان، لينذر به قوما جاهلين، وعن النذر والرسل غافلين.
فصلوات اللّه وسلامه، على من مجرد خبره ينبئ أنه رسول اللّه، ومجرد أمره ونهيه ينبه العقول النيرة، أنه من عند اللّه، كيف وقد تطابق على صحة ما جاء به، وصدقه خبر الأولين والآخرين، والشرع الذي جاء به من رب العالمين، وما جبل عليه من الأخلاق الفاضلة، التي لا تناسب، ولا تصلح إلا لأعلى الخلق درجة، والنصر المبين لدينه وأمته، حتى بلغ دينه مبلغ الليل والنهار، وفتحت أمته معظم بلدان الأمصار، بالسيف والسنان، وقلوبهم بالعلم والإيمان.
ولم تزل الأمم المعاندة، والملوك الكفرة المتعاضدة، ترميه بقوس واحدة، وتكيد له المكايد، وتمكر لإطفائه وإخفائه، وإخماده من الأرض، وهو قد بهرها وعلاها، لا يزداد إلا نموا، ولا آياته وبراهينه إلا ظهورا، وكل وقت من الأوقات، يظهر من آياته ما هو عبرة لِلْعَالَمِينَ، وهداية لِلْعَالمِينَ، ونور وبصيرة للمتوسمين. والحمد للّه وحده.
ثم أكد- سبحانه- قطع أعذارهم وحججهم بقوله: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.
وقوله. وَصَّلْنا من الوصل الذي هو ضد القطع، والتضعيف فيه للتكثير.
أى: ولقد أنزلنا هذا القرآن عليك- أيها الرسول الكريم- متتابعا، وأنت أوصلته إليهم كذلك، ليتصل تذكيرك لهم، عن طريق ما اشتمل عليه من عقائد وآداب وأحكام وقصص.
لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أى: ليكون ذلك أقرب إلى تذكرهم وتعقلهم وتدبرهم، لأن استماعهم في كل يوم. أو بين الحين والحين إلى جديد منه، أدعى إلى تذكرهم واعتبارهم.
فالمقصود بالآية الكريمة. قطع كل حجة لهم، وبيان أن القرآن الكريم قد أنزله- سبحانه- متتابعا ولم ينزله جملة واحدة، لحكم من أعظمها اتصال التذكير بهداياته بين حين وآخر، على حسب ما يجد في المجتمع من أحداث.
وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد أقامت ألوانا من الحجج والبراهين، على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند الله، كما حكت جانبا من شبهات المشركين، وردت عليها بما يبطلها.
ثم تمدح السورة الكريمة بعد ذلك، طائفة من أهل الكتاب، استقامت قلوبهم، وخلصت نفوسهم من العناد، فاستقبلوا آيات الله- تعالى- ومن جاء بها استقبالا يدل على صدق إيمانهم، فقال- تعالى-:
وقوله : ( ولقد وصلنا لهم القول ) قال مجاهد : فصلنا لهم القول . وقال السدي : بينا لهم القول .
وقال قتادة : يقول تعالى : أخبرهم كيف صنع بمن مضى وكيف هو صانع ، ( لعلهم يتذكرون ) .
قال مجاهد وغيره : ( وصلنا لهم ) يعني : قريشا . وهذا هو الظاهر ، لكن قال حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة ، عن رفاعة - رفاعة هذا هو ابن قرظة القرظي ، وجعله ابن منده : رفاعة بن سموأل ، خال صفية بنت حيي ، وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا ، كذا ذكره ابن الأثير - قال : نزلت ( ولقد وصلنا لهم القول ) في عشرة أنا أحدهم . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
يقول تعالى ذكره: ولقد وصلنا يا محمد، لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا, إذ كذّبوا رسلنا, وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم, واحتذى في الكفر بالله, وتكذيب رسله مثالهم, ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا. وأصله من: وصل الحبال بعضها ببعض; ومنه قول الشاعر:
فَقُـلْ لِبَنِـي مَـرْوَانَ مَـا بَـالُ ذِمَّـةٍ
وَحَـبْلٍ ضَعِيـفٍ مَـا يَـزَالُ يُـوصَلُ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله، فقال بعضهم: معناه: بيّنا. وقال بعضهم: معناه: فصلنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن أبيه, عن ليث, عن مجاهد, قوله: ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ) قال: فصلنا لهم القول.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ) قال: وصل الله لهم القول في هذا القرآن, يخبرهم كيف صنع بمن مضى, وكيف هو صانع ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ).
حدثنا القاسم, قال: ثنا محمد بن عيسى أبو جعفر, عن سفيان بن عيينة: وصلنا: بيَّنا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ) الخبر، خبر الدنيا بخبر الآخرة, حتى كأنهم عاينوا الآخرة, وشهدوها في الدنيا, بما نريهم من الآيات في الدنيا وأشباهها. وقرأ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ وقال: إنا سوف ننجزهم ما وعدناهم في الآخرة كما أنجزنا للأنبياء ما وعدناهم نقضي بينهم وبين قومهم.
واختلف أهل التأويل, فيمن عنى بالهاء والميم من قوله: ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ) فقال بعضهم: عنى بهما قريشا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ) قال: قريش.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ) قال: لقريش.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) قال: يعني محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون: عنى بهما اليهود.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر بن آدم, قال: ثنا عفان بن مسلم, قال: ثنا حماد بن سلمة, قال: ثنا عمرو بن دينار, عن يحيى بن جعدة, عن رفاعة القرظي, قال: نـزلت هذه الآية في عشرة أنا أحدهم ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ).
حدثنا ابن سنان, قال: ثنا حيان, قال: ثنا حماد, عن عمرو, عن يحيى بن جعدة, عن عطية القُرَظِيّ قال: نـزلت هذه الآية ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) حتى بلغ: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ في عشرة أنا أحدهم, فكأن ابن عباس أراد بقوله:يعني محمدا، لعلهم يتذكرون عهد الله في محمد إليهم, فيقرّون بنبوّته ويصدّقونه.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة، الورقة 181ب) قال: (ولقد وصلنا لهم القول) أي أتممناه. وفي (اللسان: وصل). وفي التنزيل العزيز: (ولقد وصلنا لهم القول): أي وصلنا ذكر الأنبياء وأقاصيص من مضى: بعضها ببعض. والذمة: العهد. والحبل: العهد. وقوله "ما يزال يوصل" أي قد رث وبلي، ويجدد ما بلي منه، حتى كثر فيه الترقيع.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وصلنا:
1- مشدد الصاد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتخفيفها، وهى قراءة الحسن.
التفسير :
يذكر تعالى عظمة القرآن وصدقه وحقه، وأن أهل العلم بالحقيقة يعرفونه ويؤمنون به ويقرون بأنه الحق،{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ} وهم أهل التوراة، والإنجيل، الذين لم يغيروا ولم يبدلوا{ هُمْ بِهِ} أي:بهذا القرآن ومن جاء به{ يُؤْمِنُونَ}
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها: أنها نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشيّ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما قدموا عليه، قرأ عليهم سورة يس، فجعلوا يبكون وأسلموا.
وقيل: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من اليهود.
وقيل: نزلت في نصارى نجران.
وعلى أية حال فالآيات الكريمة تمدح قوما من أهل الكتاب أسلموا، وتعرض بالمشركين الذين أعرضوا عن دعوة الإسلام، مع أن في اتباعها سعادتهم ورشدهم.
والضمير في قوله مِنْ قَبْلِهِ يعود إلى القرآن الكريم، أو إلى النبي صلّى الله عليه وسلم والمراد بالموصول من آمن من أهل الكتاب، والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل.
أى: الذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى من قبل نزول القرآن عليك- أيها الرسول الكريم- هم به يؤمنون، لأنهم يرون فيه الحق الذي لا باطل معه، والهداية التي لا ننشوبها ضلالة.
يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ، كما قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) [ البقرة : 121 ] ، وقال : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ) [ آل عمران : 199 ] ، وقال : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] ، وقال : ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون . وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) [ المائدة : 82 ، 83 ] .
قال سعيد بن جبير : نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي ، فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليهم : ( يس . والقرآن الحكيم ) حتى ختمها ، فجعلوا يبكون وأسلموا ، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون . وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ) يعني : من قبل هذا القرآن كنا مسلمين ، أي : موحدين مخلصين لله مستجيبين له .
وقوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) يعني بذلك تعالى ذكره قوما من أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدقوه, فقال الذين آتيناهم الكتاب من قبل هذا القرآن, هم بهذا القرآن يؤمنون. فيقرّون أنه حق من عند الله, ويكذّب جهلة الأميين, الذين لم يأتهم من الله كتاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثني عمي, قال: ثنى أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله:تعالى: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) قال: يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ ) ... إلى قوله: لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ في مسلمة أهل الكتاب.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ) ... إلى قوله: الْجَاهِلِينَ قال: هم مسلمة أهل الكتاب.
قال ابن جُرَيج: أخبرني عمرو بن دينار: أن يحيى بن جعدة أخبره, عن عليّ بن رفاعة, قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب, منهم أبو رفاعة, يعني أباه, إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فآمنوا, فأوذوا, فنـزلت: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ) قبل القرآن.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) قال: كنا نُحدَّث أنها نـزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحقّ, يأخذون بها, وينتهون إليها, حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم , فآمنوا به, وصدّقوا به, فأعطاهم الله أجرهم مرتين, بصبرهم على الكتاب الأوّل, واتباعهم محمدًا صلى الله عليه وسلم , وصبرهم على ذلك, وذكر أن منهم سلمان, وعبد الله بن سلام.
حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) ... إلى قوله: مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل، ثم أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم , فآمنوا به. فآتاهم الله أجرهم مرّتين بما صبروا: بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث, وباتباعهم إياه حين بعث, فذلك قوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 121 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ |
---|
البقرة: 146 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ |
---|
الأنعام: 20 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
القصص: 52 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
الرعد: 36 | ﴿وَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ |
---|
الأنعام: 89 | ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ |
---|
الأنعام: 114 | ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ |
---|
العنكبوت: 47 | ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَـ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} استمعوا له وأذعنوا و{ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا} لموافقته ما جاءت به الرسل، ومطابقته لما ذكر في الكتب، واشتماله على الأخبار الصادقة، والأوامر والنواهي الموافقة، لغاية الحكمة.
وهؤلاء الذين تفيد شهادتهم، وينفع قولهم، لأنهم لا يقولون ما يقولون إلا عن علم وبصيرة، لأنهم أهل الصنفوأهل الكتب، وغيرهم لا يدل ردهم ومعارضتهم للحق على شبهة، فضلا عن الحجة، لأنهم ما بين جاهل فيه أو متجاهل معاند للحق.
قال تعالي:{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} الآيات.
وقوله:{ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} فلذلك ثبتنا على ما مَنَّ اللّه به علينا من الإيمان، فصدقنا بهذا القرآن، آمنا بالكتاب الأول والكتاب الآخر، وغيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب، إيمانه بالكتاب الأول.
وَإِذا يُتْلى عليهم هذا القرآن قالُوا بفرح وسرور آمَنَّا بِهِ بأنه كلام الله- تعالى- إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا أى: إنه الكتاب المشتمل على الحق الكائن من عند ربنا وخالقنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ أى: من قبل نزوله مُسْلِمِينَ وجوهنا لله- تعالى-، ومخلصين له العبادة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين الاستئنافين إِنَّهُ وإِنَّا؟
قلت: الأول تعليل للإيمان به، لأن كونه حقا من الله حقيق بأن يؤمن به. والثاني: بيان لقوله: آمَنَّا بِهِ لأنه يحتمل أن يكون إيمانا قريب العهد وبعيده، فأخبروا أن إيمانهم به متقادم، لأن آباءهم القدماء قرءوا في الكتب الأول ذكره وأبناءهم من بعدهم، .
يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ، كما قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) [ البقرة : 121 ] ، وقال : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ) [ آل عمران : 199 ] ، وقال : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] ، وقال : ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون . وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) [ المائدة : 82 ، 83 ] .
قال سعيد بن جبير : نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي ، فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليهم : ( يس . والقرآن الحكيم ) حتى ختمها ، فجعلوا يبكون وأسلموا ، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون . وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ) يعني : من قبل هذا القرآن كنا مسلمين ، أي : موحدين مخلصين لله مستجيبين له .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)
يقول تعالى ذكره: ( وَإِذَا يُتْلَى ) هذا القرآن على الذين آتيناهم الكتاب من قبل نـزول هذا القرآن ( قَالُوا آمَنَّا بِهِ ) يقول: يقولون: صدّقتا به ( إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا ) يعني من عند ربنا نـزل,( إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ) أي نـزول هذا القرآن ( مُسْلِمِينَ ) , وذلك أنهم كانوا مؤمنين بما جاء به الأنبياء قبل مجيء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم من الكتب, وفي كتبهم صفة محمد ونعته, فكانوا به وبمبعثه وبكتابه مصدّقين قبل نـزول القرآن, فلذلك قالوا: ( إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ).
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 16 | ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ |
---|
آل عمران: 193 | ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ |
---|
طه: 45 | ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ﴾ |
---|
القصص: 53 | ﴿وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِينَ﴾ |
---|
الأحزاب: 67 | ﴿وَقَالُواْ رَّبِّنَا إِنَّا أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَا۠﴾ |
---|
الصافات: 31 | ﴿فَحَقَّ عَلَيۡنَا قَوۡلُ رَّبِّنَا إِنَّا لَذَآئِقُونَ﴾ |
---|
القلم: 29 | ﴿قَالُواْ سُبۡحَٰنَ رَّبِّنَا إِنَّا إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أُولَئِكَ} الذين آمنوا بالكتابين{ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} أجرا على الإيمان الأول، وأجرا على الإيمان الثاني،{ بِمَا صَبَرُوا} على الإيمان، وثبتوا على العمل، فلم تزعزعهمعن ذلك شبهة، ولا ثناهم عن الإيمان رياسة ولا شهوة.
و من خصالهم الفاضلة، التي من آثار إيمانهم الصحيح، أنهم{ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي:دأبهم وطريقتهم الإحسان لكل أحد، حتى للمسيء إليهم بالقول والفعل، يقابلونه بالقول الحميد والفعل الجميل، لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم، وأنه لا يوفق له إلا ذو حظ عظيم.
ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء الأخيار من ثواب فقال: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا.
أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات الكريمة يؤتون أجرهم مضاعفا بسبب صبرهم على مغالبة شهواتهم، وبسبب صبرهم على ما يستلزمه اتباع الحق من تكاليف.
قال القرطبي: قوله- تعالى- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ثبت في صحيح مسلم عن أبى موسى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين:
رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله- عز وجل- وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن تغذيتها، ثم أدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران» .
قال علماؤنا: لما كان كل واحد من هؤلاء مخاطبا بأمرين من جهتين استحق كل واحد منهم أجرين، فالكتابى كان مخاطبا من جهة نبيه، ثم إنه خوطب من جهة نبينا، فأجابه واتبعه فله أجر الملتين» .
وقوله- تعالى- وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ بيان لصفة أخرى من صفاتهم الحسنة.
ويَدْرَؤُنَ من الدرء بمعنى الدفع ومنه الحديث الشريف: «ادرءوا الحدود بالشبهات» .
أى: لا يقابلون السيئة بمثلها، وإنما يعفون ويصفحون، ويقابلون الكلمة الخبيثة بالكلمة الحسنة.
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أى: ومما أعطيناهم من مال يتصدقون، بدون إسراف أو تقتير.
قال الله : ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ) أي : هؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول ثم بالثاني [ يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالرسول الأول ثم بالثاني ] ; ولهذا قال : ( بما صبروا ) أي : على اتباع الحق ; فإن تجشم مثل هذا شديد على النفوس . وقد ورد في الصحيحين من حديث عامر الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، حدثنا ابن لهيعة ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : إني لتحت راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ، فقال قولا حسنا جميلا وقال فيما قال : " من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ، وله ما لنا وعليه ما علينا ، [ ومن أسلم من المشركين ، فله أجره ، وله ما لنا وعليه ما علينا ] " .
وقوله ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) أي : لا يقابلون السيئ بمثله ، ولكن يعفون ويصفحون . ( ومما رزقناهم ينفقون ) أي : ومن الذي رزقهم من الحلال ينفقون على خلق الله في النفقات الواجبة لأهلهم وأقاربهم ، والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات ، وصدقات النفل والقربات .
القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم ( يُؤْتَوْنَ ) ثواب عملهم ( مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ).
واختلف أهل التأويل في معنى الصبر الذي وعد الله ما وعد عليه, فقال بعضهم:
وعدهم ما وعد جلّ ثناؤه بصبرهم على الكتاب الأوّل, واتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم, وصبرهم على ذلك. وذلك قول قَتادة, وقد ذكرناه قبل.
وقال آخرون: بل وعدهم بصبرهم بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث, وباتباعهم إياه حين بعث، وذلك قول الضحاك بن مزاحم, وقد ذكرناه أيضا قبل, وممن وافق قَتادة على قوله:عبد الرحمن بن زيد.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد, في قوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ على دين عيسى, فلما جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلموا, فكان لهم أجرهم مرَّتين بما صبروا أوّل مرّة, ودخلوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
وقال قوم في ذلك بما حدثنا به ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: إن قوما كانوا مشركين أسلموا, فكان قومهم يؤذونهم, فنـزلت: ( أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ) وقوله: ( وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) يقول: ويدفعون بحسنات أفعالهم التي يفعلونها سيئاتهم ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) من الأموال (يُنْفِقٌونَ) في طاعة الله, إما في جهاد في سبيل الله, وإما في صدقة على محتاج, أو في صلة رحم.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ(أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ) وأحسن الله عليهم الثناء كما تسمعون, فقال: ( وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ).
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 22 | ﴿وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ |
---|
القصص: 54 | ﴿أُولَـٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} من جاهل خاطبهم به،{ قَالُوا} مقالة عباد الرحمن أولي الألباب:{ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} أي:كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده، ليس عليه من وزر غيره شيء. ولزم من ذلك، أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون، من اللغو والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه.
{ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي لا تسمعون منا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم، فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه،{ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} من كل وجه.
وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ أى: وإذا سمعوا الكلام الساقط الذي لا خير فيه.
انصرفوا عنه تكرما وتنزها.
وَقالُوا لمن تطاول عليهم وآذاهم، لنا أعمالنا، التي سيحاسبنا الله- تعالى- عليها وَلَكُمْ- أيضا- أعمالكم، التي سيحاسبكم الله- تعالى- عليها.
سَلامٌ عَلَيْكُمْ أى: سلام متاركة منا عليكم، وإعراض عن سفاهتكم، فليس المراد بالسلام هنا: سلام التحية، وإنما المقصود به سلام المتاركة والإعراض.
لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ أى: إن ديننا ينهانا عن طلب صحبة الجاهلين، وعن المجادلة معهم.
قال ابن كثير ما ملخصه: لما انتهى وقد أهل الكتاب من لقائه مع النبي صلّى الله عليه وسلم، وآمنوا به، وقاموا عنه، اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم، ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تكد تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم، وصدقتموه فيما قال، ما نعلم وفدا أحمق منكم.. فقالوا لهم: سلام عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، «1» .
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن الهداية منه وحده، ورد على أقوال المشركين، وبين سنة من سننه في خلقه، كما بين أن ما عنده- سبحانه- أفضل وأبقى، من شهوات الدنيا وزينتها، فقال- تعالى-:
وقوله : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) أي : لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم ، بل كما قال تعالى : ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) [ الفرقان : 72 ] .
( وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) أي : إذا سفه عليهم سفيه ، وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه ، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب . ولهذا قال عنهم : إنهم قالوا : ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) أي : لا نريد طريق الجاهلين ولا نحبها .
قال محمد بن إسحاق في السيرة : ثم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة عشرون رجلا أو قريب من ذلك ، من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة . فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه - ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة - فلما فرغوا من مساءلة رسول الله عما أرادوا ، دعاهم إلى الله وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب . بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال ; ما نعلم ركبا أحمق منكم . أو كما قالوا لهم . فقالوا [ لهم ] سلام عليكم ، لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا .
قال : ويقال : إن النفر النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أي ذلك كان .
قال : ويقال - والله أعلم - إن فيهم نزلت هذه الآيات : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) إلى قوله : ( لا نبتغي الجاهلين ) .
قال : وقد سألت الزهري عن هذه الآيات فيمن أنزلن ، قال : ما زلت أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه ، رضي الله عنهم ، والآيات التي في سورة المائدة : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) إلى قوله : ( فاكتبنا مع الشاهدين ) [ المائدة : 82 ، 83 ]
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
يقول تعالى ذكره: وإذا سمع هؤلاء القوم الذين آتيناهم الكتاب اللغو, وهو الباطل من القول.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم, أتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك.
وقال آخرون: عُنِي باللغو في هذا الموضع: ما كان أهل الكتاب ألحقوه في كتاب الله مما ليس هو منه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا ) ... إلى آخر الآية, قال: هذه لأهل الكتاب, إذا سمعوا اللغو الذي كتب القوم بأيديهم مع كتاب الله, وقالوا: هو من عند الله, إذا سمعه الذين أسلموا, ومرّوا به يتلونه, أعرضوا عنه, وكأنهم لم يسمعوا ذلك قبل أن يؤمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم , لأنهم كانوا مسلمين على دين عيسى, ألا ترى أنهم يقولون: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ .
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا ابن عيينة, عن منصور, عن مجاهد ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) قال: نـزلت في قوم كانوا مشركين فأسلموا, فكان قومهم يؤذونهم.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جويرية, عن منصور, عن مجاهد, قوله: ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) قال: كان ناس من أهل الكتاب أسلموا, فكان المشركون يؤذونهم, فكانوا يصفحون عنهم, يقولون: ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ).
وقوله: ( أَعْرَضُوا عَنْهُ ) يقول: لم يصغوا إليه ولم يستمعوه ( وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) وهذا يدل على أن اللغو الذي ذكره الله في هذا الموضع, إنما هو ما قاله مجاهد, من أنه سماع القوم ممن يؤذيهم بالقول ما يكرهون منه في أنفسهم, وأهم أجابوهم بالجميل من القول ( لَنَا أَعْمَالُنَا ) قد رضينا بها لأنفسنا,( وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) قد رضيتم بها لأنفسكم. وقوله: ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) يقول: أمنة لكم منا أن نُسَابَّكم, أو تسمعوا منا ما لا تحبون ( لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) يقول: لا نريد محاورة أهل الجهل ومسابَّتهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 139 | ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّـهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ |
---|
القصص: 55 | ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ |
---|
الشورى: 15 | ﴿اللَّـهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى أنك يا محمد -وغيرك من باب أولى- لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق هداية للتوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد اللّه سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله.
وأما إثبات الهداية للرسول في قوله تعالى:{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فتلك هداية البيان والإرشاد، فالرسول يبين الصراط المستقيم، ويرغب فيه، ويبذل جهده في سلوك الخلق له، وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان، ويوفقهم بالفعل، فحاشا وكلا.
ولهذا، لو كان قادرا عليها، لهدى من وصل إليه إحسانه، ونصره ومنعه من قومه، عمه أبا طالب، ولكنه أوصل إليه من الإحسان بالدعوة للدين والنصح التام، ما هو أعظم مما فعله معه عمه، ولكن الهداية بيد اللّه تعالى.
والمعنى: إِنَّكَ- أيها الرسول الكريم- لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أى:
لا تستطيع بقدرتك الخاصة أن تهدى إلى الإيمان من تريد هدايته إليه.
وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أى: ولكن الله- تعالى- وحده، هو الذي يملك هداية من يشاء هدايته إلى الإيمان، فهو- سبحانه- الخالق لكل شيء، وقلوب العباد تحت تصرفه- تعالى- يهدى من يشاء منها ويضل من يشاء، على حسب مشيئته وحكمته، التي تخفى على الناس.
وَهُوَ- سبحانه- أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أى: بالقابلين للهداية المستعدين لها.
فبلغ- أيها الرسول الكريم- ما كلفناك به، ثم اترك بعد ذلك قلوب الناس إلى خالقهم، فهو- سبحانه- الذي يصرفها كيف يشاء.
قال بعض العلماء: وإن الإنسان ليقف أمام هذا الخبر، مأخوذا بصرامة هذا الدين واستقامته، فهذا عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكافله وحاميه والذائد عنه، لا يكتب الله له الإيمان، على شدة حبه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشدة حب الرسول له أن يؤمن.
ذلك أنه إنما قصد إلى عصبية القرابة وحب الأبوة، ولم يقصد إلى العقيدة، وقد علم الله منه ذلك فلم يقدر له ما كان يحبه له صلّى الله عليه وسلّم ويرجوه، فأخرج هذا الأمر- أى الهداية- من خاصة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وجعله خاصا بإرادته- سبحانه- وتقديره. وما على الرسول إلا البلاغ، وما على الداعين بعده إلا النصيحة، والقلوب بعد ذلك بين أصابع الرحمن والهدى والضلال وفق ما يعلمه من قلوب العباد، واستعدادهم للهدى والضلال .
ثم حكى- سبحانه- جانبا من الاعتذارات الواهية التي تذرع بها المشركون في عدم الدخول في الإسلام.
يقول تعالى لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه : إنك يا محمد ( إنك لا تهدي من أحببت ) أي : ليس إليك ذلك ، إنما عليك البلاغ ، والله يهدي من يشاء ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ، كما قال تعالى : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] ، وقال : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] .
وهذه الآية أخص من هذا كله ; فإنه قال : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) أي : هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ، وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان يحوطه وينصره ، ويقوم في صفه ويحبه حبا [ شديدا ] طبعيا لا شرعيا ، فلما حضرته الوفاة وحان أجله ، دعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإيمان والدخول في الإسلام ، فسبق القدر فيه ، واختطف من يده ، فاستمر على ما كان عليه من الكفر ، ولله الحكمة التامة .
قال الزهري : حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبيه - وهو المسيب بن حزن المخزومي ، رضي الله عنه - قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عم ، قل : لا إله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله " . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ، ويعودان له بتلك المقالة ، حتى قال آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب . وأبى أن يقول : لا إله إلا الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " . فأنزل الله عز وجل : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) [ التوبة : 113 ] ، وأنزل في أبي طالب : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .
أخرجاه من حديث الزهري . وهكذا رواه مسلم في صحيحه ، والترمذي ، من حديث يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا عماه ، قل : لا إله إلا الله ، أشهد لك بها يوم القيامة " . فقال : لولا أن تعيرني بها قريش ، يقولون : ما حمله عليه إلا جزع الموت ، لأقررت بها عينك ، لا أقولها إلا لأقر بها عينك . فأنزل الله : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) . وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان .
ورواه الإمام أحمد ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن يزيد بن كيسان ، حدثني أبو حازم ، عن أبي هريرة ، فذكره بنحوه .
وهكذا قال ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد ، والشعبي ، وقتادة : إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : " لا إله إلا الله " فأبى عليه ذلك ، وقال : أي ابن أخي ، ملة الأشياخ . وكان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد قال : كان رسول قيصر جاء إلي قال : كتب معي قيصر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا ، فأتيته فدفعت الكتاب ، فوضعه في حجره ، ثم قال : " ممن الرجل ؟ " قلت : من تنوخ . قال : " هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفية ؟ " قلت : إني رسول قوم ، وعلى دينهم حتى أرجع إليهم . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونظر إلى أصحابه وقال : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكَ ) يا محمد ( لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) هدايته ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) أن يهديه من خلقه, بتوفيقه للإيمان به وبرسوله. ولو قيل: معناه: إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك, ولكن الله يهدي من يشاء, كان مذهبا( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) يقول جل ثناؤه: والله أعلم من سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد، ذلك الذي يهديه الله فيسدده ويوفقه.
وذكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته, إذ دعاه إلى الإيمان بالله, إلى ما دعاه إليه من ذلك.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو كُرَيب والحسين بن عليّ الصُّدائي, قالا ثنا الوليد بن القاسم, عن يزيد بن كيسان, عن أبي حازم, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه عند الموت: " قُلْ لا إِلَهَ إِلا الله أَشْهَد لَكَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ" قال: لولا أن تعيرني قريش لأقررت عينك, فأنـزل الله: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) ... الآية.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى بن سعيد, عن يزيد بن كيسان, قال: ثني أبو حازم الأشجعي, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: " قُلْ لا إِله إلا اللهُ" ثم ذكر مثله.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا أبو أسامة, عن يزيد بن كيسان سمع أبا حازم الأشجعي, يذكر عن أبي هريرة قال: لما حضرتْ وفاة أبي طالب, أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا عَمَّاهُ، قُلْ لا إلَهَ إلا الله " فذكر مثله, إلا أنه قال: لولا أن تعيرني قريش, يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا محمد بن عبيد, عن يزيد بن كيسان, عن أبي حازم, عن أبي هريرة, قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم , فذكر نحو حديث أبي كُرَيب الصُّدائي.
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: ثني عمي عبد الله بن وهب, قال: ثني يونس, عن الزهري قال: ثني سعيد بن المسيب, عن أبيه, قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة, جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فوجد عنده أبا جهل بن هشام, وعبد الله بن أبي أُمَيَّة بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عَمّ، قُلْ لا إلَهَ إلا اللهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِها عِنْدَ اللهِ" فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمَيَّه: يا أبا طالب: أترغب عن ملَّة عبد المطَّلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه, ويعيد له تلك المقالة, حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب, وأبى أن يقول: لا إله إلا الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَمَا وَاللهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ" , فأنـزل الله مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ، وأنـزل الله في أبي طالب, فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي ) ... الآية.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب, عن أبيه, بنحوه
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن أبي سعيد بن رافع, قال: قلت لابن عمر: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) نـزلت في أبي طالب؟ قال: نعم.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) قال: قول محمد لأبي طالب: " قُلْ: كَلمةَ الإخْلاص أُجَادِلُ عَنْكَ بِها يَوْمَ القِيَامَةِ" قال محمد بن عمرو في حديثه: قال: يا ابن أخي ملة الأشياخ, أو سنة الأشياخ. وقال الحارث في حديثه: قال يا ابن أخي ملة الأشياخ.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) قال: قال محمد لأبي طالب: " اشْهَدْ بكَلمَةِ الإخْلاصِ أُجَادلْ عَنْكَ بِها يَوْمَ القِيَامَةِ" قال: أي ابن أخي ملة الأشياخ, فأنـزل الله ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) قال: نـزلت هذه الآية في أبي طالب.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) ذُكر لنا أنها نـزلت في أبي طالب، قال الأصم (2) عند موته يقول لا إله إلا الله لكيما تحلّ له بها الشفاعة, فأبى عليه.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن عطاء, عن عامر: لما حضر أبا طالب الموت, قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: " يا عَمَّاهُ، قُلْ: لا إلَهَ إلا اللهُ أشْهَدُ لكَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ" فقال له: يا ابن أخي, إنه لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل، فقال له ذلك مرارا. فلما مات اشتدّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما تنفع قرابة أبي طالب منك, فقال: " بَلى، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِه إنَّه السَّاعَةَ لَفِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ عَلَيْهِ نَعْلان مِنْ نَارٍ تغْلِي مِنْهُما أُمُّ رأسِهِ, وما مِنْ أهل النَّارِ مِنْ إِنْسانٍ هُوَ أَهْوَنُ عَذابًا مِنْهُ, وَهُوَ الَّذِي أَنـزل الله فيه ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) " .
وقوله: ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) يقول: وهو أعلم بمن قضى له الهدى.
كالذي حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) قال بمن قدّر له الهدى والضلالة.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
------------------------
الهوامش:
(2) الذي في الدر عن قتادة قال: التمس منه عند موته أن يقول.. إلخ.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 117 | ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ |
---|
النحل: 125 | ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ |
---|
القلم: 7 | ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ |
---|
القصص: 56 | ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى أن المكذبين من قريش وأهل مكة، يقولون للرسول صلى اللّه عليه وسلم:{ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} بالقتل والأسر ونهب الأموال، فإن الناس قد عادوك وخالفوك، فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم، ولم يكن لنا بهم طاقة.
وهذا الكلام منهم، يدل على سوء الظن باللّه تعالى، وأنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، بل يمكن الناس من أهل دينه، فيسومونهم سوء العذاب، وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق.
قال اللّه مبينا لهم حالة هم بها دون الناس وأن اللّه اختصهم بها، فقال:{ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} أي:أولم نجعلهم متمكنين [ممكنين] في حرم يكثره المنتابون ويقصده الزائرون، قد احترمه البعيد والقريب، فلا يهاج أهله، ولا ينتقصون بقليل [ولا كثير].
والحال أن كل ما حولهم من الأماكن، قد حف بها الخوف من كل جانب، وأهلها غير آمنين ولا مطمئنين، فَلْيَحْمَدُوا ربهم على هذا الأمن التام، الذي ليس فيه غيرهم، وعلى الرزق الكثير، الذي يجيء إليهم من كل مكان، من الثمرات والأطعمة والبضائع، ما به يرتزقون ويتوسعون. ولْيَتَّبِعُوا هذا الرسول الكريم، ليتم لهم الأمن والرغد.
فقال- تعالى-: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا والتخطف:
الانتزاع بسرعة. يقال: فلان اختطفه الموت. إذا أخذه بغتة بدون إمهال.
وقد ذكروا في سبب نزولها، أن بعض المشركين أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له: يا محمد، نحن نعلم أنك على الحق، ولكنا نخشى إن اتبعناك، وخالفنا العرب، أن يتخطفونا من أرضنا، وإنما نحن أكلة رأس- أى: قليلون لا نستطيع مقاومة العرب.
وقد رد الله- تعالى- على تعللهم هذا بقوله: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
وقوله: يُجْبى إِلَيْهِ أى: يحمل إليه، يقال جبى فلان الماء في الحوض إذا جمعه فيه، وحمله إليه.
والاستفهام لتقريعهم على قولهم هذا الذي يخالف الحقيقة.
أى: كيف قالوا ذلك، مع أننا قد جعلنا لهم حرما ذا أمان يعيشون من حوله، وتأتيهم خيرات الأرض من كل مكان، وقد فعلنا ذلك معهم وهم مشركون، فكيف نعرضهم للخطف وهم مؤمنون.
قال صاحب الكشاف: وكانت العرب في الجاهلية حولهم- أى حول أهل مكة- يتغاورون ويتناحرون وهم آمنون مطمئنون في حرمهم، وبحرمة البيت هم قارون بواد غير ذي زرع، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل مكان، فإذا خولهم الله ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها، وهم كفرة عبدة أصنام، فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخطف والخوف، ويسلبهم الأمن، إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة، الإسلام.. .
والتعبير بقوله- سبحانه-: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً للإشعار بكثرة الخيرات والثمرات، التي تأتى إلى أهل مكة من كل جانب من جوانب الأرض، ومن كل نوع من أنواع ثمارها. والجملة الكريمة صفة من صفات الحرم.
وقوله- تعالى-: مِنْ لَدُنَّا أى: من جهتنا ومن عندنا وليس من عند غيرنا الذين تخشون غضبهم أو تخطفهم لكم، إن اتبعتم الرسول صلّى الله عليه وسلم.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة بيان سعة فضل الله- تعالى-، وأنه هو القادر على كل شيء.
وقوله- تعالى- وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ متعلق بقوله أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً.
أى: لقد جعلنا لهم حرما ذا أمن، وأفضنا عليهم من خيرات الأرض، ولكن أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة، ويجهلون أن اتباعهم للدين الحق، يؤدى إلى سعادتهم في حياتهم وبعد مماتهم.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ، وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ .
وقوله : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) : [ يقول تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) ] أي : نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى ، وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين ، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ، ويتخطفونا أينما كنا ، فقال الله تعالى مجيبا لهم : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) يعني : هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل ; لأن الله جعلهم في بلد أمين ، وحرم معظم آمن منذ وضع ، فكيف يكون هذا الحرم آمنا في حال كفرهم وشركهم ، ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟ .
وقوله : ( يجبى إليه ثمرات كل شيء ) أي : من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره ، وكذلك المتاجر والأمتعة ( رزقا من لدنا ) أي : من عندنا ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) فلهذا قالوا ما قالوا .
وقد قال النسائي : أنبأنا الحسن بن محمد ، حدثنا الحجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة قال : قال عمرو بن شعيب ، عن ابن عباس - ولم يسمعه منه - : أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال : ( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) .
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)
يقول تعالى ذكره: وقالت كفار قريش: إن نتبع الحقّ الذي جئتنا به معك, ونتبرأ من الأنداد والآلهة, يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا, يقول الله لنبيه: فقل: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا ) يقول: أو لم نوطئ لهم بلدا حرّمنا على الناس سفك الدماء فيه, ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء, وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة, أو قتل, أو سباء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عبد الله بن أبي مليكة, عن ابن عباس, أن الحارث بن نوفل, الذي قال: ( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) وزعموا أنهم قالوا: قد علمنا أنك رسول الله, ولكنا نخاف أن نتخطف من أرضنا,( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ ) الآية.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) قال: هم أناس من قريش قالوا لمحمد: إن نتبعك يتخطفنا الناس, فقال الله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ).
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ : قال: كان يغير بعضهم على بعض.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) قال الله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) يقول: أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون, يجبى إليه ثمرات كل شيء.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال ثني أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ) قال: كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا, إذا خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يُتَعَرَّض له, وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ) قال: آمناكم به, قال هي مكة, وهم قريش.
وقوله: ( يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) يقول يجمع إليه, وهو من قولهم: جبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه, وإنما أريد بذلك: يحمل إليه ثمرات كلّ بلد.
كما حدثنا أبو كُرَيب, قال ثنا ابن عطية, عن شريك, عن عثمان بن أبي زرعة, عن مجاهد, عن ابن عباس في ( يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) قال: ثمرات الأرض.
وقوله: ( رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول: ورزقا رزقناهم من لدنا, يعني: من عندنا( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) لا يعلمون أنا نحن الذين مكَّنا لهم حرما آمنا, ورزقناهم فيه, وجعلنا الثمرات من كلّ أرض تجبي إليهم, فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون, لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
القصص: 57 | ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا﴾ |
---|
العنكبوت: 67 | ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ثمرات:
1- بفتحتين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمتين، وهى قراءة أبان بن تغلب.
3- بفتح الثاء وإسكان الميم، وهى قراءة لبعضهم.
التفسير :
وإياهم وتكذيبه، والبطر بنعمة الله، فيبدلوا من بعد أمنهم خوفا، وبعد عزهم ذلا، وبعد غناهم فقرا، ولهذا توعدهم بما فعل بالأمم قبلهم، فقال:
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أي:فخرت بها، وألهتها، واشتغلت بها عن الإيمان بالرسل، فأهلكهم اللّه، وأزال عنهم النعمة، وأحل بهم النقمة.{ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} لتوالي الهلاك والتلف عليهم، وإيحاشها من بعدهم.
{ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} للعباد، نميتهم، ثم يرجع إلينا جميع ما متعناهم به من النعم، ثم نعيدهم إلينا، فنجازيهم بأعمالهم.
ثم بين- سبحانه- الأسباب الحقيقية التي تؤدى إلى زوال النعم، التي من بينها نعمة الأمان والاطمئنان، فقال- تعالى-: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها.
وكم هنا خبرية للتكثير، وبَطِرَتْ من البطر، بمعنى الأشر والغرور واستعمال نعم الله- تعالى- في غير ما خلقت له.
أى: وكثيرا من أهل قرى كانت أحوالهم كحال أهل مكة في الأمن وسعة الرزق، فلما بطروا معيشتهم، واستعملوا نعمنا في الشر لا في الخير، وفي الفسوق لا في الطاعة، أخذناهم أخذ عزيز مقتدر، بأن دمرناهم وقراهم تدميرا.
إذا فبطر النعمة وعدم الشكر عليها، هو السبب الحقيقي في الهلاك، وليس اتباع الهدى، كما زعم أولئك المشركون الجاهلون.
قال القرطبي: «بين- سبحانه- لمن توهم، أنه لو آمن لقاتلته العرب وتخطفته، أن الخوف في ترك الإيمان أكثر، فكم من قوم كفروا ثم حل بهم البوار. والبطر: الطغيان بالنعمة» .
ومَعِيشَتَها أى: في معيشتها، فلما حذف «في» تعدى الفعل، كما في قوله- تعالى-: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا .
ثم بين- سبحانه- مآل مساكن هؤلاء الطاغين فقال: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا.
أى: فتلك مساكن هؤلاء الطغاة ترونها يا أهل مكة في أسفاركم- إنها لم تسكن من بعدهم إلا زمانا قليلا، كالذي يرتاح بها وهو مسافر ثم يتركها إلى غير عودة إليها، لأنها صارت غير صالحة لذلك لشؤمها.
وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ أى: وكنا نحن وحدنا الوارثين لها منهم، لأنهم لم يتركوا أحدا يرث منازلهم وأموالهم، أو لأنها صارت خرابا لا تصلح للسكن.
يقول تعالى معرضا بأهل مكة في قوله : ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ) أي : طغت وأشرت وكفرت نعمة الله ، فيما أنعم به عليهم من الأرزاق ، كما قال في الآية الأخرى : ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ) [ النحل 112 ، 113 ] ولهذا قال : ( فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ) أي : دثرت ديارهم فلا ترى إلا مساكنهم .
وقوله : ( وكنا نحن الوارثين ) أي : رجعت خرابا ليس فيها أحد .
وقد ذكر ابن أبي حاتم [ هاهنا ] عن ابن مسعود أنه سمع كعبا يقول لعمر : إن سليمان عليه السلام قال للهامة - يعني البومة - ما لك لا تأكلين الزرع ؟ قالت : لأنه أخرج آدم بسببه من الجنة . قال : فما لك لا تشربين الماء ؟ قالت : لأن الله أغرق قوم نوح به . قال : فما لك لا تأوين إلا إلى الخراب ؟ قالت : لأنه ميراث الله عز وجل ، ثم تلا ( وكنا نحن الوارثين ) .
القول في تأويل قوله تعالى : وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)
يقول تعالى ذكره: ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ) أبطرتها( مَعِيشَتَهَا ) فبطرت, وأشِرت, وطَغَت, فكفرت ربها.
وقيل: بطرت معيشتها, فجعل الفعل للقرية, وهو في الأصل للمعيشة, كما يقال: أسفهك رأيك فَسفِهته, وأبطرك مالك فبطرته, والمعيشة منصوبة على التفسير.
وقد بيَّنا نظائر ذلك في غير موضع من كتابنا هذا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ) قال: البطر: أَشَرُ أهل الغفلة وأهل الباطل والركوب لمعاصي الله, وقال: ذلك البطر في النعمة ( فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا ) يقول: فتلك دور القوم الذين أهلكناهم بكفرهم بربهم، ومنازلهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا يقول: خربت من بعدهم, فلم يعمر منها إلا أقلها, وأكثرها خراب. ولفظ الكلام وإن كان خارجا على أن مساكنهم قد سُكِنت قليلا فإن معناه: فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا منها, كما يقال: قضيت حقك إلا قليلا منه.
وقوله: ( وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) يقول: ولم يكن لما خرّبنا من مساكنهم منهم وإرث, وعادت كما كانت قبل سُكناهم فيها, لا مالك لها إلا الله, الذي له ميراث السماوات والأرض.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 4 | ﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ |
---|
القصص: 58 | ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ومن حكمته ورحمته أن لا يعذب الأمم بمجرد كفرهم قبل إقامة الحجة عليهم، بإرسال الرسل إليهم، ولهذا قال:{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى} أي:بكفرهم وظلمهم{ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا} أي:في القرية والمدينة التي إليها يرجعون، ونحوها يترددون، وكل ما حولها ينتجعها، ولا تخفى عليه أخبارها.
{ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} الدالة على صحة ما جاء به، وصدق ما دعاهم إليه، فيبلغ قوله قاصيهم ودانيهم، بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة، والأطراف النائية، فإن ذلك مظنة الخفاء والجفاء، والمدن الأمهات مظنة الظهور والانتشار، وفي الغالب أنهم أقل جفاء من غيرهم.
{ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} بالكفر والمعاصي، مستحقون للعقوبة. والحاصل:أن اللّه لا يعذب أحدا إلا بظلمه، وإقامة الحجة عليه.
ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر عدالته، وسنة من سننه التي كتبها على نفسه فقال- تعالى-: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ...
والمراد ب أُمِّها أكبرها وأعظمها كمكة بالنسبة للجزيرة العربية.
أى: إن حكمة الله- تعالى- وعدالته قد اقتصت، أن لا يهلك قرية من القرى التي كفر أهلها، حتى يبعث في كبرى تلك القرى وأصلها رسولا من رسله الكرام، يتلو على أهلها آياته، ويبلغهم دعوته، ويبين لهم الحق من الباطل.
وحكمة إرسال الرسول في كبرى تلك القرى، لأنها المركز والعاصمة، التي تبلغ الرسالة إلى القرى التابعة لها، ولأنها في العادة- المكان المختار لسكنى وجهاء القوم ورؤسائهم.
قال ابن كثير ما ملخصه: وفي هذه الآية دلالة على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم المبعوث من أم القرى- وهي مكة-، رسول إلى جميع القرى من عرب وأعجام، كما قال- تعالى-:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها..، وقال- تعالى-:
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً. وثبت في الصحيحين أنه قال: بعثت إلى الأحمر والأسود، ولذا ختم به الرسالة والنبوة، فلا نبي بعده، ولا رسول، بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة، .
وقوله- سبحانه-: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ معطوف على ما قبله. وهو قوله: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى ومؤكد له.
أى: وما كنا في حال من الأحوال بمهلكى هذه القرى، إلا في حال ظلم أهلها لأنفسهم، عن طريق تكذيبهم لرسلنا وإعراضهم عن آياتنا، وإيثارهم الكفر على الإيمان.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ.
ثم قال الله مخبرا عن عدله ، وأنه لا يهلك أحدا ظالما له ، وإنما يهلك من أهلك بعد قيام الحجة عليهم ، ولهذا قال : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها ) وهي مكة ( رسولا يتلو عليهم آياتنا ) . فيه دلالة على أن النبي الأمي ، وهو محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، المبعوث من أم القرى ، رسول إلى جميع القرى ، من عرب وأعجام ، كما قال تعالى : ( لتنذر أم القرى ومن حولها ) [ الشورى : 7 ] ، وقال تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ، وقال : ( لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] ، وقال : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] . وتمام الدليل [ قوله ] ( وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ) [ الإسراء : 58 ] . فأخبر أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة ، وقد قال : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] . فجعل تعالى بعثة النبي الأمي شاملة لجميع القرى ; لأنه مبعوث إلى أمها وأصلها التي ترجع إليها . وثبت في الصحيحين عنه ، صلوات الله وسلامه عليه ، أنه قال : " بعثت إلى الأحمر والأسود " . ولهذا ختم به الرسالة والنبوة ، فلا نبي بعده ولا رسول ، بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة .
وقيل : المراد بقوله : ( حتى يبعث في أمها ) أي : أصلها وعظيمتها ، كأمهات الرساتيق والأقاليم . حكاه الزمخشري وابن الجوزي ، وغيرهما ، وليس ببعيد .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
يقول تعالى ذكره: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ ) يا محمد ( مُهْلِكَ الْقُرَى ) التي حوالي مكة في زمانك وعصرك ( حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا ) يقول: حتى يبعث في مكة رسولا وهي أمّ القرى, يتلو عليهم آيات كتابنا, والرسول: محمد صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا ) وأمّ القرى مكة, وبعث الله إليهم رسولا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقوله: ( وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) يقول: ولم نكن لنهلك قرية وهي بالله مؤمنة إنما نهلكها بظلمها أنفسها بكفرها بالله, وإنما أهلكنا أهل مكة بكفرهم بربهم وظلم أنفسهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثنا أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) قال: الله لم يهلك قرية بإيمان, ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها, ولو كانت قرية آمنت لم يهلكوا مع من هلك, ولكنهم كذّبوا وظلموا, فبذلك أُهلكوا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 131 | ﴿ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ |
---|
القصص: 59 | ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء