ترتيب المصحف | 13 | ترتيب النزول | 96 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 6.20 |
عدد الآيات | 43 | عدد الأجزاء | 0.35 |
عدد الأحزاب | 0.70 | عدد الأرباع | 2.70 |
ترتيب الطول | 32 | تبدأ في الجزء | 13 |
تنتهي في الجزء | 13 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 7/29 | آلمر: 1/1 |
بعدَ ذكرِ عذابِ الكفارِ أتبعَه بذكرِ ثوابِ المتَّقينَ، ثُمَّ بيانُ فرَحِ مؤمنِي أهلِ الكتابِ بتوافقِ القرآنِ معَ كتبِهم، وإنكارِ فئةٍ آخرينَ لذلك، ونزولُ القرآنِ عربيًا، وتحذيرُ النَّبيَ ﷺ من اتِّباعِ الكافرينَ.
قريبًا إن شاء الله
الردُّ على شبهاتِ الكفارِ لإبطالِ نبُوَّتِه ﷺ بـ: أنه بشرٌ كسائرِ الأنبياءِ له أزواجٌ وأولادٌ، وأن أَمْرَ المعجزاتِ بيدِ اللهِ وحدَهُ، ألا يشاهدونَ نقصَ أرضِ الكفرِ ونشرَ الإسلامِ، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
يقول تعالى:{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} الذين تركوا ما نهاهم الله عنه، ولم يقصروا فيما أمرهم به، أي:صفتها وحقيقتها{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أنهار العسل، وأنهار الخمر، وأنهار اللبن، وأنهار الماء التي تجري في غير أخدود، فتسقى تلك البساتين والأشجار فتحمل من جميع أنواع الثمار.
{ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} دائم أيضا،{ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا} أي:عاقبتهم ومآلهم التي إليها يصيرون،{ وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} فكم بين الفريقين من الفرق المبين؟"
ثم أعقب ذلك ببيان حسن عاقبة المؤمنين فقال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها.....
والمراد بالمثل هنا: الصفة العجيبة. أى: صفة الجنة التي وعد الله إياها من اتقاه وصان نفسه عن كل ما لا يرضيه، أنها تجرى من تحت أشجارها ومساكنها الأنهار، وأنها أكلها دائم، أى: ما يؤكل فيها لا انقطاع لأنواعه «وظلها» كذلك دائم.
قال بعضهم: وجملة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خبر عن «مثل» باعتبار أنها من أحوال المضاف إليه، فهي من أحوال المضاف لشدة الملابسة بين المتضايفين، كما يقال: صفة زيد أسمر. وجملة «أكلها دائم» خبر ثان .
واسم الإشارة في قوله: «تلك عقبى الذين اتقوا» يعود على الجنة التي أعدها الله- تعالى- للمتقين.
أى: تلك الجنة المنعوتة بما ذكر هي مآل المتقين الذين استقاموا على الطريق الحق، وهي منتهى أمرهم.
أما مآل الكافرين ومنتهى أمرهم فهي النار، وبئس القرار.
هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، جملة من الأحاديث في صفة الجنة فقال: وفي الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، وفيه: قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت- أى توقفت وأحجمت؟ فقال:
«إنى رأيت الجنة- أو أريت الجنة- فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا» .
وروى الطبراني عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى» .
وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت من التوجيهات ما فيه التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه، وما فيه أوضح الدلائل والبراهين وأبلغها عن وحدانية الله- تعالى- ووجوب إفراده بالعبادة، وما فيه البشارة للمؤمنين، والتهديد للكافرين.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، ببيان موقف أهل الكتاب من القرآن الكريم، وبأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلن منهجه بصراحة وثبات، دون التفات إلى أهواء معارضيه، وبالرد على الشبهات التي أثارها أعداؤه حوله وحول دعوته، وبتهديد هؤلاء الأعداء وبسوء العاقبة إذا ما استمروا في طغيانهم فقال- تعالى-:
ولهذا قرن هذا بهذا; فقال : ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) أي : صفتها ونعتها ، ( تجري من تحتها الأنهار ) أي : سارحة في أرجائها وجوانبها ، وحيث شاء أهلها ، يفجرونها تفجيرا ، أي : يصرفونها كيف شاءوا وأين شاءوا ، كما قال تعالى : ( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) [ محمد : 15 ] . وقوله : ( أكلها دائم وظلها ) أي : فيها المطاعم والفواكه والمشارب ، لا انقطاع [ لها ] ولا فناء .
وفي الصحيحين ، من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف ، وفيه قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت فقال : " إني رأيت الجنة - أو أريت الجنة - فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا عبيد الله ، حدثنا أبو عقيل ، عن جابر قال : بينما نحن في صلاة الظهر ، إذ تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدمنا ، ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر . فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب : يا رسول الله ، صنعت اليوم في الصلاة شيئا ما رأيناك كنت تصنعه . فقال : " إني عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به ، فحيل بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه " .
وروى مسلم من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، شاهدا لبعضه .
وعن عتبة بن عبد السلمي : أن أعرابيا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجنة ، فقال : فيها عنب ؟ قال : " نعم " . قال : فما عظم العنقود ؟ قال : " مسيرة شهر للغراب الأبقع ولا يفتر " . رواه أحمد .
وقال الطبراني : حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا ريحان بن سعيد ، عن عبادة بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " .
وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " يأكل أهل الجنة ويشربون ، ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون ، طعامهم جشاء كريح المسك ، ويلهمون التسبيح والتقديس كما يلهمون النفس " . رواه مسلم .
وروى الإمام أحمد والنسائي ، من حديث الأعمش ، عن ثمامة بن عقبة سمعت زيد بن أرقم قال : جاء رجل من أهل الكتاب فقال : يا أبا القاسم ، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ؟ قال : نعم ، والذي نفس محمد بيده ، [ إن الرجل من أهل الجنة ] ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة " . قال : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، وليس في الجنة أذى ؟ قال : " حاجة أحدهم رشح يفيض من جلودهم ، كريح المسك ، فيضمر بطنه " .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ، فيخر بين يديك مشويا .
وجاء في بعض الأحاديث : أنه إذا فرغ منه عاد طائرا كما كان بإذن الله تعالى .
وقد قال تعالى : ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ) [ الواقعة : 32 ، 33 ] وقال ( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ) [ الإنسان : 14 ] .
وكذلك ظلها لا يزول ولا يقلص ، كما قال تعالى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا ) [ النساء : 57 ] .
وقد تقدم في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة شجرة ، يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها " ، ثم قرأ : ( وظل ممدود ) [ الواقعة : 30 ] .
وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ، ليرغب في الجنة ويحذر من النار; ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر ، قال بعده : ( تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ) كما قال تعالى : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ الحشر : 20 ] .
وقال بلال بن سعد خطيب دمشق في بعض خطبه : عباد الله هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من عبادتكم تقبلت منكم ، أو أن شيئا من خطاياكم غفرت لكم ؟ ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) [ المؤمنون : 115 ] والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما افترض عليكم ، أو ترغبون في طاعة الله لتعجيل دنياكم ، ولا تنافسون في جنة ( أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ) رواه ابن أبي حاتم .
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ العلم بكلام العرب في مُرَافع " المثل ", (1)
فقال بعض نحويي الكوفيين: الرافع للمثل قوله: (تجري من تحتها الأنهار) ، في المعنى, وقال: هو كما تقول: " حِلْيَةُ فلان، أسمرُ كذا وكذا " فليس " الأسمر " بمرفوع بالحلية, إنما هو ابتداءٌ، أي هو أسمر هو كذا . قال: ولو دخل " أنّ" في مثل هذا كان صوابًا . قال: ومِثْلُه في الكلام: " مَثَلُك أنَّك كذا وأنك كذا "، وقوله: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا [سورة عبس: 24 ، 25] مَنْ وجَّه، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا ، ومن قال: أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ ، أظهر الاسم لأنه مردودٌ على " الطعام " بالخفض, ومستأنف, أي: طَعامُهُ أنَّا صببنا ثم فعلنا . وقال: معنى قوله: (مثل الجنة) ، صفات الجنّة .
* * *
وقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: صفةُ الجنة قال: ومنه قول الله تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى [سورة الروم:27]، معناه: ولله الصِفة العُليَا . قال: فمعنى الكلام في قوله: (مثلُ الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتِها الأنهار) ، أو فيها أنهار, (2) كأنه قال: وَصْف الجنة صفة تجري من تحتها الأنهار, أو صفة فيها أنهار ، والله أعلم .
قال: ووجه آخر كأنه إذا قيل: (مَثَلُ الجنة), قيل: الجنَّة التي وُعِدَ المتقون . قال . وكذلك قوله: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [سورة النمل:30]، كأنه قال: بالله الرحمن الرحيم, والله أعلم .
قال: وقوله: عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [سورة الزمر:56] ، في ذات الله, كأنه عندَنا قيل: في الله .
قال: وكذلك قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [سورة الشورى:11]، إنما المعنى: ليس كشيء, وليس مثله شيء, لأنه لا مثْلَ له . قال: وليس هذا كقولك للرجل: " ليس كمثلك أحدٌ", لأنه يجوز أن يكون له مثلٌ, والله لا يجوز ذلك عليه . قال: ومثلُه قول لَبيد:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا (3)
قال: وفُسِّر لنا أنه أراد: السلام عليكما:
قال أوس بن حجر:
وَقَتْــلَى كِــرَامٍ كَمِثْــلِ الجُـذُوعِ
تَغَشَّــــاهُمُ سَـــبَلُ مُنْهِمـــرْ (4)
قال: والمعنى عندنا: كالجذوع, لأنه لم يرد أن يجعل للجذوع مَثَلا ثمّ يشبه القتلى به . قال: ومثله قول أمية:
زُحَـلٌ وَثَـوْرٌ تَحْـتَ رِجْـلِ يَمِينِـهِ
وَالنَّسْــرُ لِلأخْـرَى وَلَيْـثٌ مُرْصِـدُ (5)
قال فقال: " تحت رجل يمينه " كأنه قال: تَحْتَ رِجله، أو تحت رِجله اليُمْنَى. قال: وقول لَبيد:
أَضَـــلَّ صِـــوَارَهُ وَتَضَيَّفَتْــهُ
نَطُــوفٌ أَمْرُهَــا بِيَــدِ الشَّـمَالِ (6)
كأنه قال: أمرها بالشمال، وإلى الشمال ; وقول لَبيد أيضًا:
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِر (7)
فكأنه قال: حتى وَقَعت في كافر .
* * *
وقال آخر منهم: هو من المكفوف عن خبَره. (8) قال: والعرب تفعل ذلك . قال: وله معنى آخر: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ، مَثَلُ الجنة، موصولٌ، صفةٌ لها على الكلام الأوَل . (9)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال ذَكر المَثَل, فقال (مثل الجنة), والمراد الجنة, ثم وُصِفت الجنة بصفتها, وذلك أن مَثَلَها إنما هو صِفتَهُا وليست صفتها شيئًا غيرها . وإذْ كان ذلك كذلك, ثم ذكر " المثل ", فقيل: (مثل الجنة), ومثلها صفَتُها وصفة الجنّة, فكان وصفها كوصف " المَثَل ", وكان كأنَّ الكلام جرى بذكر الجنة, فقيل: الجنةُ تجري من تحتها الأنهار, كما قال الشاعر: (10)
أَرَى مَــرَّ السِّــنِينَ أَخَــذْنَ مِنِّـي
كَمَــا أَخَـذَ السِّـرَارُ مِـنَ الْهِـلالِ (11)
فذكر " المرّ" ، ورَجَع في الخبر إلى " السنين " .
وقوله: (أكلها دائمٌ وظلها) ، يعني: ما يؤكل فيها، (12) يقول: هو دائم لأهلها, لا ينقطع عنهم, ولا يزول ولا يبيد, ولكنه ثابتٌ إلى غير نهاية(وظلها)، يقول: وظلها أيضًا دائم, لأنه لا شمس فيها. (13)
* * *
(تلك عقبى الذين اتقَوْا) ، يقول: هذه الجنة التي وصف جل ثناؤه، عاقبة الذين اتَّقَوا الله, فاجتنبوا مَعَاصيه وأدَّوْا فرائضه . (14)
وقوله: (وعُقْبَى الكافرين النار) ، يقول: وعاقبةُ الكافرين بالله النارُ .
-------------------------
الهوامش :
(1) في المطبوعة :" رافع" والذي في المخطوطة خالص الصواب . وانظر ما سيأتي ص : 552 .
(2) العبارة مبهمة ، ويبدو لي أن صوابها بعد الآية :" صفة الجنة التي وعد المتقون ، صفة جنة تجري من تحتها الأنهار ، أو فيها أنهار" .
(3) سلف البيت وتخريجه وشرحه 1 : 119 ، تعليق 1 / 14 : 417 ، تعليق : 1 ، وعجزه :
* وَمَـنْ يَبْـكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ *
(4) سيأتي البيت بعد 25 : 9 ( بولاق ) ، وروايته هناك :" مُسْبِلٌ" ، وكان في المطبوعة :" سيل" ، تصحيف ، و" السبل" ، بالتحريك ، المطر .
(5) سلف البيت : 1 : 345 ، وهناك" رجل وثور" ، ورجحت أنها" رجل" ، لما جاء في الخبر قبله رقم : 448 .
(6) ديوانه : 77 ، وتخريجه : 373 ، يزاد عليه ما هنا واللسان ( يدي ) . والبيت في سياق أبيات من القصيدة ، يصف فيها ثور الوحش ، والضمير في" أضل ، إليه . و" الصوار" ، قطيع بقر الوحش ، أضل الثور قطيعة وبقي فردًا وحيدًا ، كئيبًا متحيرًا ." تضيفته" ، نزلت به وطرقته ، والضمير في" تضيفته" لإحدى الليالي التي ذكرها في البيت قبله :
كَــأَخْنَسَ نَاشِــطٍ جَــادَتْ عَلَيْـهِ
ببُرْقَــةِ وَاحِــفٍ إحْــدَى اللَّيـالي
و" ليلة نطوف" ، قاطرة تمطر حتى الصباح . وقال أبو عمرو :" تطوف" : سحابة تسيل قليلا قليلا" ، والأول عندي أجود هنا ، وفي اللسان ( يدي ) :" نِطَافٌ"
(7) ديوانه : 216 ، تخريجه : 396 ، ويزاد عليه ما هنا ، وتمام البيت :
* وأجَـنَّ عَـوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُهَا *
" ألقت" ، يعني الشمس ، ولم يجر لها ذكر قبل . و" الكافر" ، الليل المظلم ، يستر ما يشتمل عليه .
(8) هذه مقالة أبي عبيدة مجاز القرآن 1 : 333 ، 334 .
(9) هو أيضًا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 334 . وقوله :" للذين استجابوا" ، هي الآية 18 من سورة الرعد ، وهذه الآية : 35 منها ، فلذلك قال :" على الكلام الأول" .
(10) هو جرير .
(11) سلف البيت 7 : 86 ، تعليق : 1 / 15 : 567 وسيأتي 19 : 39 ( بولاق ) ، ويزاد في المراجع : اللسان ( خضع ) .
(12) انظر تفسير" الأكل" فيما سلف من هذا الجزء : 343 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(13) سلف" الظل" غير مبين 8 : 489 .
(14) انظر تفسير" العاقبة" و" العقبى" فيما سلف 15 : 356 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 35 | ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾ |
---|
محمد: 15 | ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى:{ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} أي:مننا عليهم به وبمعرفته،{ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} فيؤمنون به ويصدقونه، ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض، وتصديق بعضها بعضا وهذه حال من آمن من أهل الكتابين،{ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} أي:ومن طوائف الكفار المنحرفين عن الحق، من ينكر بعض هذا القرآن ولا يصدقه.
{ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} إنما أنت يا محمد منذر تدعوا إلى الله،{ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} أي:بإخلاص الدين لله وحده،{ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} أي:مرجعي الذي أرجع به إليه فيجازيني بما قمت به من الدعوة إلى دينه والقيام بما أمرت به.
وقوله- سبحانه-: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ثناء منه- سبحانه- على الذين عرفوا الحق من أهل الكتاب فاتبعوه.
والمراد بالكتاب هنا: التوراة والإنجيل.
والمعنى: والذين أعطيناهم التوراة والإنجيل، فآمنوا بما فيهما من بشارات تتعلق بك- أيها الرسول الكريم-، ثم آمنوا بك عند إرسالك رحمة للعالمين.
هؤلاء الذين تلك صفاتهم، يفرحون بما أنزل إليك من قرآن، لأن ما فيه من هدايات وبراهين على صدقك، يزيدهم إيمانا على إيمانهم، ويقينا على يقينهم.
وقيل: المراد بالكتاب القرآن الكريم، وبالموصول أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين.
فيكون المعنى: والذين آتيناهم الكتاب- وهو القرآن- فآمنوا بك وصدقوك يفرحون بكل ما ينزل عليك منه، لأنه يزيدهم هداية على هدايتهم.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح، لأن الآية الكريمة سيقت بعد الحديث عن عاقبة الذين اتقوا وهم المؤمنون الصادقون، وعاقبة الكافرين. ولأن فرح المؤمنين بنزول القرآن أمر مسلم به فلا يحتاج إلى الحديث عنه.
ومن المفسرين الذين اقتصروا في تفسيرهم للآية على الرأى الأول الإمام ابن كثير فقد قال: يقول الله- تعالى-: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وهم قائمون بمقتضاه يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ أى: من القرآن، لما في كتبهم من الشواهد على صدقه صلى الله عليه وسلم والبشارة به، كما قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ .
وقوله: وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ بيان لمن بقي على كفره من أهل الكتاب وغيرهم. والأحزاب: جمع حزب ويطلق على مجموعة من الناس اجتمعوا من أجل غاية معينة أى: ومن أحزاب الكفر والضلال من ينكر بعض ما أنزل إليك لأنه يخالف أهواءهم وأطماعهم وشهواتهم ... ولم يذكر القرآن هذا البعض الذي ينكرونه، إهمالا لشأنهم، ولأنه لا يتعلق بذكره غرض.
وقوله- سبحانه-: قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ، إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ أمر منه- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يصدع بما يأمره دون تردد أو وجل.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لكل من خالفك فيما تدعو إليه «إنما أمرت أن أعبد الله» وحده «ولا أشرك به» بوجه من الوجوه إليه وحده «أدعو» الناس لكي يخلصوا له العبادة والطاعة «وإليه مآب» أى وإليه وحده إيابى ومرجعي لا إلى أحد غيره.
فالآية تضمنت المدح لمن عرف الحق ففرح بوجوده. والذم لمن أنكره جحودا وعنادا، والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالسير في طريقه بدون خشية من أحد.
يقول تعالى : ( والذين آتيناهم الكتاب ) وهم قائمون بمقتضاه ( يفرحون بما أنزل إليك ) أي : من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به ، كما قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ) [ البقرة : 121 ] وقال تعالى : ( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] أي : إن كان ما وعدنا الله به في كتبنا من إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - لحقا وصدقا مفعولا لا محالة ، وكائنا ، فسبحانه ما أصدق وعده ، فله الحمد وحده ، (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) [ الإسراء : 109 ] .
وقوله : ( ومن الأحزاب من ينكر بعضه ) أي : ومن الطوائف من يكذب ببعض ما أنزل إليك .
وقال مجاهد : ( ومن الأحزاب ) اليهود والنصارى ، من ينكر بعضه ما جاءك من الحق . وكذا قال قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وهذا كما قال تعالى : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ) [ آل عمران : 199 ] .
( قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ) أي : إنما بعثت بعبادة الله وحده لا شريك له ، كما أرسل الأنبياء من قبلي ، ( إليه أدعو ) أي : إلى سبيله أدعو الناس ، ( وإليه مآب ) أي : مرجعي ومصيري .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين أنـزلنا إليهم الكتاب ممَّن آمن بك واتبعك، يا محمد، (يفرحون بما أنـزل إليك) منه(ومن الأحْزاب من ينكر بعضه) ، يقول: ومن أهل الملل المتحزِّبين عليك, وهم أهل أدْيان شَتَّى, (15) من ينكر بعضَ ما أنـزل إليك. فقل لهم: (إنَّما أمرتُ) ، أيها القوم (أن أعبد الله) وحده دون ما سواه(ولا أشرك به) ، فأجعل له شريكًا في عبادتي, فأعبدَ معه الآلهةَ والأصنامَ, بل أخلِص له الدين حَنِيفًا مسلمًا (إليه أدعو)، يقول: إلى طاعته وإخلاص العبادة له أدعو الناسَ(وإليه مآب) ، يقول: وإليه مصيري
* * *
وهو " مَفْعَل " ، من قول القائل: "آبَ يَؤُوب أوْبًا ومَآبًا " . (16)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20454- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك) ، أولئك أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم, فرحوا بكتاب الله وبرسوله وصدَّقُوا به
* * *
قوله: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) ، يعني اليهودَ والنصارى .
20455- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) ، قال: من أهل الكتاب .
20456- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، مثله .
20457- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه) ، من أهل الكتاب، و " الأحزاب " أهل الكتب يقرّبهم تحزُّبهم . (17) قوله: وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ [سورة الأحزاب:20] قال: لتحزبهم على النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج, وقال عن مجاهد: (ينكِرُ بعضه) ، قال: بعض القرآنِ .
20458- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (وإليه مآب) : ، وإليه مَصِيرُ كلّ عبْدٍ .
20459- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك) ، قال: هذا مَنْ آمنَ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فيفرحون بذلك . وقرأ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ [سورة يونس:40] . وفي قوله: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) ، قال: " الأحزاب ": الأممُ، اليهودُ والنصارى والمجوس منهم من آمنَ به, ومنهم من أنكره .
----------------------------
الهوامش :
(15) انظر تفسير" الأحزاب" فيما سلف 15 : 278 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(16) انظر تفسير" المآب" فيما سلف : 444 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(17) في المطبوعة :" تفريقهم لحربهم ، والذي أثبت هو ما في المخطوطة ، وإن كان قد أساء في كتابة الكلمة الأولى بعض الإساءة .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 121 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ |
---|
البقرة: 146 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ |
---|
الأنعام: 20 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
القصص: 52 | ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
الرعد: 36 | ﴿وَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ |
---|
الأنعام: 89 | ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ |
---|
الأنعام: 114 | ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾ |
---|
العنكبوت: 47 | ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَـ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ولا أشرك:
وقرئ:
1- بالرفع، على القطع، وهى قراءة أبى خليد، عن نافع.
التفسير :
أي:ولقد أنزلنا هذا القرآن والكتاب حكما، عربيا أي:محكما متقنا، بأوضح الألسنة وأفصح اللغات، لئلا يقع فيه شك واشتباه، وليوجب أن يتبع وحده، ولا يداهن فيه، ولا يتبع ما يضاده ويناقضه من أهواء الذين لا يعلمون.
ولهذا توعد رسوله -مع أنه معصوم- ليمتن عليه بعصمته ولتكون أمته أسوته في الأحكام فقال:{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} البين الذي ينهاك عن اتباع أهوائهم،{ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ} يتولاك فيحصل لك الأمر المحبوب،{ وَلَا وَاقٍ} يقيك من الأمر المكروه.
ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك بعض الفضائل التي امتاز بها القرآن الكريم فقال- تعالى-: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا....
والكاف للتشبيه، واسم الإشارة يعود إلى الإنزال المأخوذ من أَنْزَلْناهُ وضمير الغائب في أنزلناه يعود الى بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ في قوله في الآية السابقة يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...
وقوله حُكْماً عَرَبِيًّا حالان من ضمير الغائب.
والمعنى: ومثل ذلك الإنزال البديع الجامع لألوان الهداية والإعجاز، أنزلنا عليك القرآن يا محمد حُكْماً أى: حاكما بين الناس عَرَبِيًّا أى: بلسان عربي مبين هو لسانك ولسان قومك.
ومنهم من يرى أن اسم الإشارة يعود إلى الكتب السماوية السابقة، فيكون المعنى:
وكما أنزلنا الكتب السماوية على بعض رسلنا بلغاتهم وبلغات أقوامهم أنزلنا عليك القرآن حاكما بين الناس بلغتك وبلغة قومك، وهي اللغة العربية ليسهل عليهم فهمه وحفظه.
وعلى كلا القولين فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد اشتملت على فضيلتين للقرآن الكريم: فضيلة من جهة معانيه ومقاصده وهداياته وحكمه وأحكامه وتشريعاته، وهو المعبر عنها بكونه «حكما» .
وفضيلة من جهة ألفاظه ومفرداته وتراكيبه، وهي المعبر عنها بكونه «عربيا» .
أى: نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات وأغناها وأجملها.
ثم في كونه «عربيا» امتنان على العرب المخاطبين به ابتداء، حيث إنه نزل بلغتهم، فكان من الواجب عليهم أن يقابلوه بالفرح والتسليم لأوامره ونواهيه، فهو الكتاب الذي فيه شرفهم وعزهم، قال- تعالى-: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أى: فيه بقاء شرفكم أَفَلا تَعْقِلُونَ .
وقال- تعالى-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ .
وفي ذلك تعريض بغباء مشركي العرب، حيث لم يشكروا الله- تعالى- على هذه النعمة، بل قابلوا من أنزل عليه هذا القرآن بالعناد والعصيان.
ثم ساق- سبحانه- تحذيرا للأمة كلها في شخص نبيها صلى الله عليه وسلم من اتباع أهواء كل كافر أو فاسق: فقال- تعالى-: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ.
واللام في قوله وَلَئِنِ موطئة للقسم لتأكيد ما تضمنته من عقاب شديد لمتبع أهواء الكافرين.
والأهواء: جمع هوى، والمراد بها آراؤهم المنحرفة عن الحق، ومطالبهم المتعنتة، والمراد بما جاءه من العلم: ما بلغه وعلمه من الدين عن طريق الوحى الصادق.
والولي: الناصر والمعين والقريب والحليف. والواقي: المدافع عن غيره.
والمعنى: «ولئن اتبعت» - يا محمد- على سبيل الفرض والتقدير أهواء هؤلاء الكافرين فيما يطلبونه منك، «من بعد ما جاءك من العلم» اليقيني بأن الإسلام هو الدين الحق، «مالك من الله» أى من عقباه «من ولى» يلي أمرك وينصرك «ولا واق» يقيك من حسابه. وسيق هذا التحذير في صورة الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم للتأكيد من مضمونه.
فكأنه- سبحانه يقول: لو اتبع أهواءهم- على سبيل الفرض- أكرم الناس عندي لعاقبته، وأحق بهذا العقاب من كان دونه في الفضل والمنزلة، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى-: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ .
وقوله : ( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) أي : وكما أرسلنا قبلك المرسلين ، وأنزلنا عليهم الكتب من السماء ، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا ، شرفناك به وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي الذي ) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 11 ] .
وقوله : ( ولئن اتبعت أهواءهم ) أي : آراءهم ، ( أهواءهم بعدما جاءك من العلم ) أي : من الله تعالى ( ما لك من الله من ولي ولا واق ) أي : من الله تعالى . وهذا وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعدما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والمحجة المحمدية ، على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام [ والتحية والإكرام ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما أنـزلنا عليك الكتاب، يا محمد, فأنكرهُ بعض الأحزاب, كذلك أيضًا أنـزلنا الحكم والدين حُكْمًا عربيًا (18) وجعل ذلك (عربيًا), ووصفه به لأنه أنـزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهو عربيٌّ, فنسب الدين إليه، إذ كان عليه أنـزل, فكذَّب به الأحزابُ . ثم نهاه جل ثناؤه عن ترك ما أنـزل إليه واتباع الأحزاب, وتهدَّده على ذلك إنْ فعله فقال: (ولئن اتبعت) يا محمد (أهواءهم), أهوَاء هؤُلاء الأحزاب ورضَاهم ومحبتَهم (19) وانتقلت من دينك إلى دينهم, ما لك من يَقيك من عَذاب الله إنْ عذّبك على اتباعك أهواءَهم, وما لك من ناصر ينصرك فيستنقذك من الله إن هو عاقبك, (20) يقول: فاحذر أن تتّبع أهَواءهم .
-----------------------
الهوامش :
(18) انظر تفسير" الحكم" فيما سلف من هذا الجزء : 23 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(19) انظر تفسير" الهوى" فيما سلف 9 : 302 / 11 : 397 .
(20) انظر تفسير" الولي" فيما سلف 13 : 152 ، تعليق : 1 ، المراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 120 | ﴿ُقلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ |
---|
البقرة: 145 | ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ |
---|
الرعد: 37 | ﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:لست أول رسول أرسل إلى الناس حتى يستغربوا رسالتك،{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} فلا يعيبك أعداؤك بأن يكون لك أزواج وذرية، كما كان لإخوانك المرسلين، فلأي شيء يقدحون فيك بذلك وهم يعلمون أن الرسل قبلك كذلك؛ إلا لأجل أغراضهم الفاسدة وأهوائهم؟ وإن طلبوا منك آية اقترحوها فليس لك من الأمر شيء.
{ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} والله لا يأذن فيها إلا في وقتها الذي قدره وقضاه،{ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه، فليس استعجالهم بالآيات أو بالعذاب موجبا لأن يقدم الله ما كتب أنه يؤخر مع أنه تعالى فعال لما يريد.
ثم بين- سبحانه- أن اعتراض المشركين على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ليس إلا من قبيل التعنت والجحود، لأن الرسل جميعا كانوا من البشر، فقال- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً....
أى: «ولقد أرسلنا رسلا» كثيرين «من قبلك» يا محمد «وجعلنا لهم» أى لهؤلاء الرسل «أزواجا» يسكنون إليهن «وذرية» أى: وأولادا تقرّ بهم أعينهم.
قال الشوكانى: «وفي هذا رد على من كان ينكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجه بالنساء.
أى: هذا شأن رسل الله المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه» .
وقوله- سبحانه-: وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... رد على ما طلبوه منه صلى الله عليه وسلم من معجزات.
أى: وما صح وما استقام لرسول من الرسل أن يأتى لمن أرسل إليهم بمعجزة كائنة ما كانت إلا بإذن الله وإرادته المبنية على الحكم والمصالح التي عليها يدور أمر الكائنات.
وقوله- سبحانه- لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ تهديد للمشركين الذين كانوا يتعجلون حصول المقترحات التي طلبوها منه صلى الله عليه وسلم.
أى: لكل وقت من الأوقات «كتاب» أى: حكم معين يكتب على الناس حسبما تقتضيه مشيئته- سبحانه-.
يقول تعالى : وكما أرسلناك ، يا محمد ، رسولا بشريا كذلك [ قد ] بعثنا المرسلين قبلك بشرا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ، ويولد لهم ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ، وقد قال [ الله ] تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) [ الكهف : 110 ] .
وفي الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل الدسم وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول قال : قال أبو أيوب : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " أربع من سنن المرسلين : التعطر ، والنكاح ، والسواك ، والحناء " .
وقد رواه أبو عيسى الترمذي ، عن سفيان بن وكيع عن حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن مكحول ، عن أبى الشمال عن أبي أيوب . . . فذكره ، ثم قال : وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال .
وقوله : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) أي : لم يكن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه ، ليس ذلك إليه ، بل إلى الله ، عز وجل ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .
( لكل أجل كتاب ) أي : لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ، وكل شيء عنده بمقدار ، ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ) [ الحج : 70 ] .
وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : ( لكل أجل كتاب ) أي : لكل كتاب أجل يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ولقد أرسلنا) ، يا محمد (رسلا من قبلك) إلى أمم قَدْ خَلَتْ من قبلِ أمتك، فجعلناهم بَشرًا مثلَك, لهم أزواج ينكحون, وذريةٌ أنْسَلوهم, (21) ولم نجعلهم ملائكةً لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون, فنجعلَ الرسولَ إلى قومك من الملائكة مثلهم, ولكن أرسلنا إليهم بشرًا مثلهم, كما أرسلنا إلى من قبلهم من سائر الأمم بشرًا مثلهم(وما كان لرسول أن يأتيَ بآية إلا بإذن الله) يقول تعالى ذكره: وما يقدِر رسولٌ أرسله الله إلى خلقه أنْ يأتي أمَّتَه بآية وعلامة، (22) من تسيير الجبال، ونقل بَلْدةٍ من مكان إلى مكان آخر، وإحياء الموتى ونحوها من الآيات(إلا بإذن الله) ، يقول: إلا بأمر الله الجبالَ بالسير، (23) والأرضَ بالانتقال, والميتَ بأن يحيَا(لكل أجل كتاب) ، يقول: لكلِّ أجلِ أمرٍ قضاه الله، كتابٌ قد كتَبَه فهو عنده . (24)
* * *
وقد قيل: معناه: لكل كتابٍ أنـزله الله من السماء أجَلٌ .
* ذكر من قال ذلك:
20460- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن يوسف, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: (لكلّ أجل كتاب) ، يقول: لكل كتاب ينـزل من السماء أجل, فيمحُو الله من ذلك ما يشاءُ ويُثْبت, وعنده أمُّ الكتاب . (25)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا على هذا القول نظيرُ قول الله: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [سورة ق:19] ، وكان أبو بكر رحمه الله يقرؤه (26) (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ) ، وذلك أن سَكْرة الموت تأتي بالحق والحق يأتي بها, فكذلك الأجل له كتاب وللكتاب أجَلٌ .
-------------------
الهوامش :
(21) انظر تفسير" الذرية" فيما سلف 423 تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(22) انظر تفسير" الآية" فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .
(23) انظر تفسير" الإذن" فيما سلف من فهارس اللغة ( أذن ) .
(24) انظر تفسير" الأجل" فيما سلف 15 : 100 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير" الكتاب" فيما سلف 14 : 90 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(25) الأثر : 20460 -" المثنى" ، هو" المثنى بن إبراهيم الآملي" ، شيخ الطبري ، مضى مرارًا و" إسحاق بن يوسف" ، لعله" إسحاق بن يوسف الواسطي" ، الذي مضى برقم : 3339 ، 4224 ، 12742 .
(26) في المطبوعة :" وكان أبو بكر رضى الله عنه يقول" ، وهو فاسد .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 38 | ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ |
---|
غافر: 78 | ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ |
---|
الروم: 47 | ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} من الأقدار{ وَيُثْبِتُ} ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص أو خلل ولهذا قال:{ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي:اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك مظهرا من مظاهر شمول قدرته، وسعة علمه، وعظيم حكمته فقال: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.
وقوله: يَمْحُوا من المحو وهو إذهاب أثر الشيء بعد وجوده.
وقوله: وَيُثْبِتُ من الإثبات وهو جعل الشيء ثابتا قارا في مكان ما.
وأم الكتاب: أصل الكتاب والمراد بأم الكتاب: اللوح المحفوظ، أو علمه- سبحانه- المحيط بكل شيء.
قال الفخر الرازي: «والعرب تسمى كل ما يجرى مجرى الأصل للشيء أمّا له ومنه أمّ الرأس للدماغ، وأم القرى لمكة، وكل مدينة فهي أم لما حولها من القرى فكذلك أم الكتاب هو الذي يكون أصلا لجميع الكتب» .
والمعنى: يمحو الله- تعالى- ما يشاء محوه، ويثبت ما يريد إثباته من الخير أو الشر ومن السعادة أو الشقاوة، ومن الصحة أو المرض، ومن الغنى أو الفقر، ومن غير ذلك مما يتعلق بأحوال خلقه.
وعنده- سبحانه- الأصل الجامع لكل ما يتعلق بأحوال هذا الكون.
قال- تعالى-: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ... .
وقال- تعالى-: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ .
وللمفسرين في معنى هذه الآية كلام طويل، لخصه الإمام الشوكانى تلخيصا حسنا فقال:
قوله- سبحانه-: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ أى يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه، وظاهر النظم القرآنى العموم في كل شيء مما في الكتاب، فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر ... ويبدل هذا بهذا، ويجعل هذا مكان هذا. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وقتادة وغيرهم.
وقيل الآية خاصة بالسعادة والشقاوة. وقيل يمحو ما يشاء من ديوان الحفظة، وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب.
وقيل «يمحو ما يشاء من الشرائع فينسخه، ويثبت ما لا يشاء فلا ينسخه ... والأول أولى كما تفيده «ما» في قوله «ما يشاء» من العموم مع تقدم ذكر الكتاب في قوله «لكل أجل كتاب» ومع قوله «وعنده أم الكتاب» أى أصله وهو اللوح المحفوظ.
فالمراد من الآية أنه يمحو ما يشاء مما في اللوح المحفوظ فيكون كالعدم، ويثبت ما يشاء مما فيه فيجري فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته.
وهذا لا ينافي ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله «جفّ القلم» ، وذلك لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه- سبحانه-.
وقيل: إن أم الكتاب هو علم الله- تعالى-: بما خلق وبما هو خالق .
وقوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) اختلف المفسرون في ذلك ، فقال الثوري ، ووكيع ، وهشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة ، والحياة والموت . وفي رواية : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : كل شيء إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما .
وقال مجاهد : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة ، فإنهما لا يتغيران .
وقال منصور : سألت مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم ، إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء . فقال : حسن . ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ، فسألته عن ذلك ، فقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) [ الدخان : 3 ، 4 ] قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب الشقاوة والسعادة فهو ثابت لا يغير .
وقال الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة : إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء : اللهم ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . رواه ابن جرير .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن أبي حكيمة عصمة ، عن أبي عثمان النهدي; أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي : اللهم ، إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة .
وقال حماد عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة عن ابن مسعود أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا .
ورواه شريك ، عن هلال بن حميد ، عن عبد الله بن عكيم ، عن ابن مسعود ، بمثله .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا حجاج ، حدثنا خصاف ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم; أن كعبا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تعالى : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .
ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، وهو الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " .
ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان الثوري ، به .
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي الحديث الآخر : " إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض " .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت - والدفتان لوحان - لله ، عز وجل [ كل يوم ثلاثمائة ] وستون لحظة ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال الليث بن سعد ، عن زياد بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " [ إن الله ] يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وذكر تمام الحديث . رواه ابن جرير .
وقال الكلبي : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب ، وعليه العقاب .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس : الكتاب كتابان : فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) يقول : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ، وهو الذي يثبت .
وروي عن سعيد بن جبير : أنها بمعنى : ( فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) [ البقرة : 284 ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، ( وعنده أم الكتاب ) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل ، وما يثبت كل ذلك في كتاب .
وقال قتادة في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) كقوله ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) [ البقرة : 106 ]
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : قالت كفار قريش حين أنزلت : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) ما نراك يا محمد تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر . فأنزلت هذه الآية تخويفا ، ووعيدا لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ونحدث في كل رمضان ، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما نعطيهم ، وما نقسم لهم .
وقال الحسن البصري : ( يمحو الله ما يشاء ) قال : من جاء أجله ، فذهب ، ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله .
وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وقوله : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الحلال والحرام .
وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله .
وقال الضحاك : ( وعنده أم الكتاب ) قال : كتاب عند رب العالمين .
وقال سنيد بن داود ، حدثني معتمر ، عن أبيه ، عن سيار ، عن ابن عباس; أنه سأل كعبا عن " أم الكتاب " ، فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ، ثم قال لعلمه : " كن كتابا " . فكانا كتابا .
وقال ابن جرير ، عن ابن عباس : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الذكر ، [ والله أعلم ] .
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: يمحو الله ما يشاء من أمور عبادِه, فيغيّره, إلا الشقاء والسعادة، فإنهما لا يُغَيَّران .
*ذكر من قال ذلك:
20461- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا بحر بن عيسى, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، قال: يدبّر الله أمرَ العباد فيمحو ما يشاءُ, إلا الشقاء والسعادة [والحياة] والموت . (27)
20462- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا... ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، قال: كل شيء غير السعادة والشقاء, فإنهما قد فُرِغ منهما . (28)
20463- حدثني علي بن سهل قال: حدثنا يزيد وحدثنا أحمد قال حدثنا أبو أحمد عن سفيان, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس يقول: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، قال: إلا الشقاء والسعادة, والموت والحياة .
20464- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دُكَيْن وقَبِيصة قالا حدثنا سفيان, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, مثله .
20465- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، قال: قال ابن عباس: إلا الحياة والموت, والشقاء والسعادة .
20466- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده الكتاب) ، قال: يقدِّر الله أمر السَّنَة في ليلة القَدْر, إلا الشقاوة والسَّعادة والموت والحياة .
20467- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، قال: إلا الحياة والموت والسعادة والشقاوة فإنَّهما لا يتغيَّران .
20468- حدثنا عمرو قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا معاذ بن عقبة, عن منصور, عن مجاهد. مثله . (29)
20469- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله .
20470- ... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن منصور قال: قلت لمجاهد " إن كنت كتبتني سعيدًا فأثبتني, وإن كنت كتَبتَني شقيًّا فامحني" قال: الشقاء والسعادة قد فُرغ منهما . (30)
20471- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا شريك, عن منصور, عن مجاهد: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، قال: ينـزل الله كل شيء في السَّنَة في ليلة القَدر, فيمحو ما يشاءُ من الآجال والأرزاق والمقادير, إلا الشقاء والسعادة, فإنهما ثابتان . (31)
20472- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن منصور قال: سألت مجاهدًا فقلت: أرأيت دعاءَ أحدنا يقول: " اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم, وإن كان في الأشقياء فامحه واجعله في السعداء "، فقال: حَسنٌ . ثم أتيته بعد ذلك بحَوْلٍ أو أكثر من ذلك, فسألته عن ذلك, فقال: إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [سورة الدخان:3 ، 4] قال: يُقْضى في ليلة القدر ما يكون في السَّنة من رزق أو مصيبة, ثم يقدِّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء . فأما كتاب الشقاء والسعادة فهو ثابتٌ لا يُغَيَّر .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتابٍ سوى أمّ الكتاب الذي لا يُغَيَّرُ منه شيء .
*ذكر من قال ذلك:
20473- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن سليمان التَّيمي, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، قال: كتابان: كتابٌ يمحو منه ما يشاء ويثبت, وعنده أمّ الكتاب .
20474- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا سهل بن يوسف قال: حدثنا سليمان التيمي, عن عكرمة, في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، قال: الكتابُ كتابان, كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت, وعنده أم الكتاب .
20475- ... قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن سليمان التيمي, عن عكرمة, عن ابن عباس بمثله .
20475م- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, عن عكرمة قال: الكتاب كتابان، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء, ويثبت كل ما أراد .
*ذكر من قال ذلك:
20476- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثام, عن الأعمش, عن شقيق أنه كان يقول: " اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء, فامحنَا واكتبنا سعداء, وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا, فإنك تمحو ما تشاءُ وتثبت وعندَك أمّ الكتاب " .
20477- حدثنا عمرو قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش, عن أبي وائل قال: كان مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات: " اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء, وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب " . (32)
20478- ... قال، حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثنا أبي, عن أبي حكيمة, عن أبي عثمان النَّهْديّ, أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شِقْوة أو ذنبًا فامحه, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت . وعندك أم الكتاب, فاجعله سعادةً ومغفرةً . (33)
20479- ... حدثنا معتمر, عن أبيه, عن أبي حكيمة, عن أبي عثمان قال: وأحسِبْني قد سمعتُه من أبي عثمان, مثله . (34)
20480-... قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة بن خالد, عن عصمة أبي حكيمة, عن أبي عثمان النهدي, عن عمر رحمه الله, مثله . (35)
20481- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، حدثنا أبو حكيمة قال: سمعت أبَا عُثْمان النَّهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول، وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتَني في أهل السعادة فأثبتني فيها, وإن كنت كتبت عليَّ الذّنب والشِّقوة فامحُني وأثبتني في أهل السّعادة, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك أمّ الكتاب . (36)
20482- ... قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا حماد, عن خالد الحذاء, عن أبي قلابة, عن ابن مسعود, أنه كان يقول: اللهم إن كنت كتبتني في [أهل] الشقاء فامحني وأثبتني في أهل السعادة . (37)
20483- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، يقول: هو الرجل يعمل الزمانَ بطاعة الله, ثم يعود لمعصية الله، فيموت على ضلاله, فهو الذي يمحو والذي يثبتُ: الرجلُ يعمل بمعصية الله, وقد كان سبق له خير حتى يموت, وهو في طاعة الله, فهو الذي يثبت . (38)
20484- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن هلال بن حميد, عن عبد الله بن عُكَيْم, عن عبد الله, أنه كان يقول: اللهم إن كُنْت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك أم الكتاب . (39)
20485- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن أبي حمزة, عن إبراهيم, أن كعبًا قال لعمر رحمة الله عليه: يا أمير المؤمنين, لولا آية في كتاب الله لأنبأتك ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة قال: وما هي؟ قال: قولُ الله: (يمحو الله ما يشاءُ ويثبت وعندَهُ أم الكتاب) . (40)
20486- حدثت من الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، الآية يقول: (يمحو الله ما يشاء) ، يقول: أنسخُ ما شئت, وأصْنعُ من الأفعال ما شئت, إن شئتُ زدتُ فيها, وإن شئت نقصت .
20487- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا همام قال: حدثنا الكلبي قال: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، قال: يَمْحي من الرزق ويزيد فيه, ويمحي من الأجل ويزيد فيه . (41) قلت: من حدّثك! قال: أبو صالح, عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري, عن النبي صلى الله عليه وسلم . فقدم الكلبيّ بعدُ, فسئل عن هذه الآية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، قال: يكتب القول كُلُّه, حتى إذا كان يوم الخميسِ طُرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عليه عقاب, مثل قولك: أكلت, شربت, دخلت, خرجت, ذلك ونحوه من الكلام, وهو صادق, ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب . (42)
20488- حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت الكلبي, عن أبي صالح نحوه, ولم يجاوز أبا صالح .
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ الله ينسخ ما يشاء من أحكام كِتَابه, ويثبت ما يشاء منها فلا ينسَخُه .
*ذكر من قال ذلك:
20489- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (يمحو الله ما يشاء) ، قال: من القرآن . يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه, ويثبت ما يشاء فلا يبدله(وعنده أم الكتاب) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب، الناسخ والمنسوخ, وما يبدل وما يثبت, كلُّ ذلك في كتاب . (43)
20490- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، هي مثل قوله: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [سورة البقرة:106]، وقوله: (وعنده أم الكتاب) : أي جُملة الكتاب وأصله .
20491- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ما يشاء, وهو الحكيم(وعنده أمّ الكتاب) ، وأصله .
20492- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (يمحو الله ما يشاء) ، بما ينـزل على الأنبياء,(ويثبت) ما يشاء مما ينـزل على الأنبياء، قال: (وعنده أم الكتاب) ، لا يغيَّر ولا يبدَّل .
20493- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: (يمحو الله ما يشاء) ، قال: ينسخ . قال: (وعند أم الكتاب) ، قال: الذِكْرُ .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله, ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله .
*ذكر من قال ذلك:
20494- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي, عن عوف, عن الحسن في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ، يقول: يمحو من جاء أجله فذهب, والمثبت الذي هو حيٌّ يجري إلى أجله .
20495- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عوف قال: سمعت الحسن يقول: (يمحو الله ما يشاء) ، قال: من جاء أجله(ويثبت) ، قال: من لم يجئ أجله إلى أجله .
20496- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة قال: حدثنا عوف, عن الحسن, نحو حديث ابن بشار .
20497- ... قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن في قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، قال: آجال بني آدم في كتاب، (يمحو الله ما يشاء) من أجله (ويثبت وعنده أم الكتاب) .
20498- ... قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قول الله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، قالت قريش حين أنـزل: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ [سورة الرعد:38] : ما نراك، يا محمد تملك من شيء, ولقد فُرِغ من الأمر! فأنـزلت هذه الآية تخويفًا ووعيدًا لهم: إنا إن شئنا أحدَثْنا له من أمرنا ما شئنا, ونُحْدِث في كل رمضان, فنمحو ونثبتُ ما نشاء من أرزاق الناس وَمصَائبهم, وما نعطيهم, وما نقسم لهم . (44)
20499- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد نحوه .
20500- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده, ويترك ما يشاء فلا يغفر .
* * *
*ذكر من قال ذلك:
20501- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد في قوله (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، قال: يثبت في البطن الشَّقاء والسعادة وكلَّ شيء, فيغفر منه ما يشاء ويُؤخّر ما يشاء . (45)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية وأشبهُها بالصّواب, القولُ الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد، وذلك أن الله تعالى ذكره توعَّد المشركين الذين سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الآياتِ بالعقوبة، وتهدَّدهم بها، وقال لهم: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مُثْبَتًا في كتاب، هم مؤخَّرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل. ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل، يجيء الله بما شَاء ممن قد دَنا أجله وانقطع رزقه، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مالٍ, فيقضي ذلك في خلقه, فذلك مَحْوُه، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله, (46) فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه .
وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما:-
20502- حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا الليث بن سعد, عن زيادة بن محمد, عن محمد بن كعب القُرَظي, عن فَضالة بن عُبَيْد, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يَفتح الذِّكر في ثلاث ساعات يَبْقَيْن من الليل, في الساعة أولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظُرُ فيه أحد غَيره, فيمحو ما يشاء ويثبتُ" . ثم ذكر ما في الساعتين الأخريين . (47)
20503- حدثنا موسى بن سهل الرمليّ قال: حدثنا آدم قال، حدثنا الليث قال: حدثنا زيادة بن محمد, عن محمد بن كعب القرظي, عن فضالة بن عبيد, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينـزل في ثلاث ساعات يَبْقَين من الليل, يفتح الذكر في الساعة الأولى الذي لم يره أحد غيره, يمحو ما يشَاء ويثبت ما يشاء " . (48)
20504- حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس قال: إن لله لوحًا محفوظًا مسيرةَ خمسمِائة عام, من دُرَّة بيضاء لَها دَفَّتَان من ياقوت, والدَّفتان لَوْحان لله, كل يوم ثلاثمائة وستون لحظةً, يمحو ما يشَاء ويثبت وعنده أم الكتاب . (49)
20505- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه قال: حدثني رجل, عن أبيه, عن قيس بن عباد, أنه قال: العاشر من رجب هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء . (50)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)
قال أبو جعفر: اختلفَ أهل التأويل في تأويل قوله: (وعنده أم الكتاب) ، فقال بعضهم: معناه: وعنده الحلال والحرام .
*ذكر من قال ذلك:
20506- حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عقبة قال، حدثنا مالك بن دينار قال: سألت الحسن: قلت: (أمُّ الكتاب) ، قال: الحلال والحرام قال: قلت له: فما(الحمد لله رب العالمين) قال: هذه أمُّ القرآن .
* * *
وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله .
*ذكر من قال ذلك:
20507- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وعنده أم الكتاب) ، قال: جملة الكتاب وأصله .
20508- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله .
20509- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وعنده أم الكتاب) ، قال: كتابٌ عند رب العالمين .
20510- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن يوسف, عن جويبر عن الضحاك: (وعنده أم الكتاب) ، قال: جملة الكتاب وعلمه . يعني بذلك ما يَنْسَخ منه وما يُثْبت .
20511- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (وعنده أم الكتاب) يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب: الناسخُ والمنسوخ, وما يبدّل, وما يثبت, كلُّ ذلك في كتاب .
* * *
وقال آخرون في ذلك, ما:
20512- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا معتمر بن سليمان, عن أبيه, عن سيَّار, عن ابن عباس, أنه سأل كعبًا عن " أم الكتاب " قال: علم الله ما هو خَالقٌ وما خَلْقُه عاملون, فقال لعلمه: كُنْ كتابًا، فكان كتابًا . (51)
* * *
وقال آخرون: هو الذكر .
*ذكر من قال ذلك:
20513- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال أبو جعفر: لا أدري فيه ابن جريج أم لا قال: قال ابن عباس: (وعنده أم الكتاب) قال: الذكر .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ من قال: " وعنده أصل الكتاب وجملته "، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحُو ما يشاء ويثبت ما يشاء, ثم عقَّب ذلك بقوله: (وعنده أم الكتاب) ، فكان بيِّنًا أن معناه. وعنده أصل المثبّت منه والمَمحوّ, وجملتُه في كتاب لديه .
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: وَيُثْبِتُ فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة: " وَيُثَبِّتُ" بتشديد " الباء " بمعنى: ويتركه ويقرُّه على حاله, فلا يمحوه.
* * *
وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: وَيُثْبِتُ بالتخفيف, بمعنى: يكتب.
* * *
وقد بيَّنَّا قبلُ أن معنى ذلك عندنا: إقرارُه مكتوبًا وتركُ محْوه على ما قد بيَّنَّا, فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيتُ به أولى, والتشديدُ أصْوبُ من التخفيف, وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد، والتشديد إلى التخفيف, لتقارب معنييهما .
* * *
وأما " المحو ", فإن للعرب فيه لغتين: فأما مُضَر فإنها تقول: " محوت الكتَابَ أمحُوه مَحْوًا " وبه التنـزيل" ومحوته أمْحَاه مَحْوًا " .
وذُكِر عن بعض قبائل ربيعة: أنها تقول: " مَحَيْتُ أمْحَى ". (52)
-----------------------------
الهوامش :
(27) الأثر : 20461 -" أبو كريب" ، هو" محمد بن العلاء بن كريب الكوفي الحافظ" شيخ الطبري ، مضى مرارًا لا تحصى كثرة .
و" بحر بن عيسى" ، فهذا شيء لم أعرفه ، ولم أجد له ذكرًا في كتاب على طول البحث ، ولكني أرجح أعظم الترجيح أن صواب هذا الإسناد .
" حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا بكر ، عن عيسى ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ..."
وتفسير ذلك :
" ابن أبي ليلى" ، هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري" ، مضى مرارًا كثيرا ، و" عيسى" ، هو" عيسى بن المختار بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري" ، روى عن عم جده" ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن" قال ابن سعد :" كان سمع مصنف ابن أبي ليلى" ، مترجم في التهذيب ، وغيره .
و" بكر" ، هو" بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري" ويقال له :" بكر بن عبيد" ، روى عن ابن عمه" عيسى بن المختار" ، و" أبو كريب" روى عن" بكر بن عبد الرحمن" هذا . مترجم في التهذيب .
فمن أجل هذا السياق الصحيح في الرواية ، رجحت أن الصواب" حدثنا بكر ، عن عيسى ، عن ابن أبي ليلى" ، ولعل ذلك من مصنفه الذي رواه عنه عيسى بن المختار ، والله أعلم .
وهذا الأثر ، ذكره السيوطي في الدر المنثور 4 : 65 ، ونسبه إلى عبد الرزاق ، والفريابي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب مطولا ، والزيادة التي بين القوسين منه ، ومن تفسير ابن كثير 4 : 536 ، وذكر الخبر ، عن الثوري ، ووكيع ، وهشيم ، عن ابن أبي ليلى كما سيأتي في الآثار التالية من 20463 - 20466 .
(28) الأثر : 20462 -" ابن بشار" ، هو" محمد بن بشار العبدي" ،" بندار" أبو بكر الحافظ ، شيخ أبي جعفر ، مضى ما لا يعد كثرة .
و" ابن أبي ليلى" هو" محمد بن عبد الرحمن" ، سلف في الأثر قبله .
وقد وضعت نقطًا بين الرجلين ، لأنه هكذا إسناد باطل لا يقوم ، لأن ابن أبي ليلى توفي سنة 148 ، و" ابن بشار" ولد سنة 167 ، وتوفي سنة 252 ، فهذا قاطع في سقوط شيء من الإسناد ، وظني أن صوابه :
" حدثنا ابن بشار ، قال حدثنا وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن ابن أبي ليلى" ، لأن الخبرين بعده من طريق سفيان ، عن ابن أبي ليلى ، و" محمد بن بشار" ، إنما يروي عن وكيع ، وكيع يروي عن سفيان ، والله أعلم .
(29) الأثر : 20468 -" معاذ بن عقبة" ، لم أجد له ذكرًا ، وقد أعياني أن أعرف من يكون ، أو ما دخل هذا الإسناد من الاضطراب ، أخشى أن يكون :" معاذ بن هشام الدستوائي" عن" عقبة" ، محرفًا عن شيء آخر نحو" شعبة" .
(30) الأثر : 20470 -" إن كنت كتبتني سعيدًا ..." إشارة إلى حديث عبد الله بن مسعود في الدعاء ، كما سيأتي في الآثار التالية إلى آخر تفسير الآية . والنقط هنا دلالة على أن الحديث عن" ابن بشار" شيخ الطبري ، كالذي قبله .
(31) الأثر : 20471 -" أحمد" هو" أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي" ، شيخ أبي جعفر ، سلف مرارًا ، انظر رقم : 159 ، 1841 .
و" أبو أحمد" ، هو" محمد بن عبد الله بن الزبير ، الزبيري" ، مضى أيضًا ، وانظر رقم : 159 ، 1841 .
ثم انظر الإسناد السالف رقم 20463 ، 20470 والإسناد الثاني في هذا الخبر ، تفسيره :
" سعيد بن سليمان الضبي" ،" سعدويه" ، مضى مرارًا كثيرة ، آخرها رقم : 18511 ، والراوي عنه :" أحمد بن إسحاق" ، شيخ الطبري . وكان في المطبوعة" بن سليمان" ، وهو خطأ .
(32) الأثران : 20476 ، 20477 -" شقيق" ، هو" شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي" ، وهو" أبو وائل" ، كما في الإسناد الثاني ، مضى مرارًا كثيرة جدًا ، كان أعلم أهل الكوفة بحديث" عبد الله بن مسعود" ، فقوله :" كان يكثر أن يدعو" ، الضمير في ذلك إلى عبد الله بن مسعود . وساقه ابن كثير في تفسيره 4 : 536 ، مساقًا يوهم أنه شقيق بن سلمة نفسه الذي كان يكثر أن يدعو ، وقد أساء ، لأنه هو الذي غير لفظ الخبر الثاني . وانظر الدر المنثور 4 : 67 .
(33) الأثر : 20478 -" معاذ بن هشام" هو الدستوائي ، روى عنه الجماعة ، مضى مرارًا منها : 4523 ، 5552 ، 6321 .
وأبوه" هشام بن أبي عبد الله ، سنبر"" أبو بكر الربعي" ، من بكر بن وائل ، ثقة مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 2 / 198 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 59 .
و" أبو حكيمة" ، اسمه" عصمة" ، ويقال" الغزال" ، روى عن أبي عثمان النهدي ، وروى عنه" قرة" و" سلام بن مسكين" ، و" الضحاك بن يسار" ، و" حماد بن سلمة"
و" سليمان بن طرخان التيمي" . قال أبو حاتم :" محله الصدق" ، وذكره أحمد في كتاب العلل 1 : 18 وقال :" أبو حكيمة" ، عصمة ، روى عنه قرة ، و" أظن التيمي يحدث عنه" ، وانظر التعليق على الخبر التالي ، وهو مترجم في الكبير للبخاري 4 / 1 / 63 ، والصغير له : 140 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 30 .
و" أبو عثمان النهدي" ، هو" عبد الرحمن بن مل" ، أدرك الجاهلية ، وأسلم على عهد رسول الله ولم يلقه ، مضى مرارًا كثيرة آخرها : 17151 .
وبهذا الإسناد نقله ابن كثير في تفسيره 4 : 536 ، وزاد في إسناده فقال :" عن أبي حكيمة عصمة" . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 66 ، ونسبه إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر .
ثم انظر التعليق على الآثار التالية .
(34) الأثر : 20479 -" معتمر" ، هو" معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي" ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة .
وأبوه هو" سليمان بن طرخان التيمي" ،" أبو المعتمر" ، ثقة روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة منها رقم : 6820
وهذا الإسناد مصداق ظن أحمد رضي الله عنه حيث قال :" وأظن التيمي يحدث عنه" ، كما سلف في تفسير الإسناد السالف .
(35) الأثر : 20480 -" قرة بن خالد السدوسي" ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة ، وانظر رقم : 9762 .
وكان في المطبوعة :" عصمة بن أبي حكيمة" ، غير ما في المخطوطة ، وكان فيها :" عصمة بن حكيمة" ، وكلاهما خطأ ، كما دل عليه ما أسلفنا في التعليق على الأثر : 20478 .
ومن طريق" قرة ، عن عصمة" ، رواه البخاري في الكبير 4 / 1 / 63 ،" عن عبد الله ، حدثنا أبو عامر قال حدثنا قرة" ولفظه :" اللهم إن كنت كتبت علي ذنبًا أو إثمًا أو ضغنًا ، فاغفره لي ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب".
ورواه الدولابي في الكني والأسماء 1 : 155 ، قال : حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا حماد بن مسعدة قال حدثنا قرة" ، ولم يقل :" أو ضغنًا" ، وقال :" فاغفر لي ، وامحه هني ، فإنك ..." .
(36) الأثر : 20481 -" المثنى" هو" المثنى بن إبراهيم الآملي" ، شيخ الطبري ، مضى مرارًا .
و" الحجاج" هو" حجاج بن النهال الأنماطي" ، من شيوخ البخاري ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة ، انظر رقم : 682 .
و" حماد" هو" حماد بن سلمة بن دينار" ، مضى مرارًا كثيرة ، انظر : 20342 .
(37) الأثر : 20482 - ما بين القوسين زيادة في المطبوعة ، وهو في المخطوطة :" في الشقاء" وانظر التعليق على الأثر التالي رقم : 20484 .
(38) الأثر : 20483 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 65 ، وزاد في نسبته إلى ابن أبي حاتم . وفي المخطوطة مكان" فيموت على ضلاله" ،" فيعود على ضلاله" .
(39) الأثر : 20484 -" هلال بن حميد" و" هلال بن أبي حميد" ويقال :" ابن عبد الله" ، و" ابن عبد الرحمن" ، و" ابن مقلاص" ، الجهني ، ويقال له :" هلال الوزان" قال البخاري :" قال وكيع مرة : هلال بن حميد ، ومرة : هلال بن عبد الله ، ولا يصح" .
وانظر العلل لأحمد 1 : 106 ، 211 . وقال ابن أبي حاتم" هلال بن أبي حميد الوزان ، أبو جهم الصيرفي . ويقال أبو أمية ، وهو : هلال بن مقلاص الجهبذ ، مولى جهينة" ، وبنحوه قال ابن سعد .
و" هلال" ثقة مترجم في التهذيب والكبير 4 / 2 / 207 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 75 ، وابن سعد في الطبقات 6 : 227 .
و" عبد الله بن عكيم الجهني" ،" أبو معبد" ، كان كبيرًا قد أدرك الجاهلية ، وأدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا يعرف له سماع صحيح ، مترجم في التهذيب ، والكبير 3 / 1 / 39 ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 121 ، وابن سعد في الطبقات 6 : 77 .
وكان في المطبوعة" عبد الله بن حكيم" ، وفي تفسير ابن كثير 4 : 536 ،" عبد الله ابن عليم" ، وكلاهما خطأ .
وهذا الأثر ، أشار إليه ابن كثير في تفسير 4 : 536 ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 67 ، وزاد في نسبته إلى ابن المنذر والطبراني ، وساقه وهو الأثر السالف : 20482 ، سياقًا واحدًا ، مع اختلاف في اللفظ .
(40) الأثر : 20485 -" الحجاج" هو" الحجاج بن المنهال" ، سلف قريبًا برقم : 20481 .
و" حماد" هو" حماد بن سلمة" ، مضى مرارًا . وفي تفسير ابن كثير 4 : 537 ، روى هذا الخبر ، وفيه هناك" خصاف" ، ولكني أرجح أنه" حماد" ، كما في المخطوطة أيضًا
و" خصاف" ، هو" خصاف بن عبد الرحمن الجزري" ، ليس بذاك ، مترجم في لسان الميزان 2 : 397 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 404 .
و" أبو حمزة" ، هو" ميمون الأعور التمار الراعي ، الكوفي ، هو صاحب إبراهيم النخعي ، ضعيف جدًا ذاهب الحديث ، قال العقيلي :" وأحاديثه عن إبراهيم خاصة مما لا يتابع عليه" . قد سلف برقم : 6190 ، 11810 ، وانظر الكني للدولابي 1 : 157 .
و" إبراهيم" ، هو" إبراهيم بن يزيد النخعي" ، مضى مرارًا .
وهذا إسناد واه جدًا ، والعجب من السيد رشيد رضا في تعليقه على تفسير ابن كثير ( 4 : 537 ) حيث يقول :" من الغريب أن تبلغ الجرأة بكعب إلى هذا الحد الباطل شرعًا وعقلا . ثم يعتدون بدينه وعلمه ويردون عنه ، والغريب هو تحامله على كعب الأحبار قبل التثبت من إسناد الخبر ، وما ذنب كعب إذا ابتلاه بذلك مثل" أبي حمزة الأعور" ؟ ولكن هكذا ديدن الشيخ ، إذا جاء ذكر كعب الأحبار ، يتهمه بلا بينة .
وخرج هذا الأثر السيوطي في الدر المنثور 4 : 67 ، ولم ينسبه إلى غير ابن جرير .
(41) هكذا جاء في المخطوطة ،" يمحى" أيضًا ، وهو صواب" محا الشيء يمحوه ، ويمحاه محوًا ومحيًا" ، والذي في المراجع الأخرى :" يمحو" . وانظر ما سيأتي : 492 تعليق : 1 .
(42) الأثر : 20487 - الكلبي" ، هو" محمد بن السائب الكلبي" ، النسابة المفسر ، متكلم فيه بما لا يحتمل الرواية عنه ، وقد سلف قول الطبري فيه :" إنه ليس من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله" ( 1 : 66 ) ، وهذا من المواضع القليلة في تفسير أبي جعفر ، التي جاءت فيها الرواية عن الكلبي ، انظر ما سلف : 72 ، 246 ، 248 ، 12967 .
وهذا الخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبير مختصرًا 3 / 2 / 114 ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 66 ، وزاد نسبته إلى ابن مردويه ، ونقله ابن كثير في تفسيره 4 : 537 . وانظر الإسناد التالي . وكان في المطبوعة وابن كثير :" ونحو ذلك من الكلام" .
(43) الأثر : 20489 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 67 ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في المدخل . ونقله ابن كثير في تفسيره 4 : 538 .
(44) الأثر : 20498 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 5 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، ونقله ابن كثير في تفسيره 4 : 538 .
(45) الأثر : 20501 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 68 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير ، ولفظه عنده :" ... وكل شيء هو كائن ، فيقدم منه ما يشاء ..." ، وهذا أجود مما في مخطوطتنا .
(46) " الأكل" ، بضم فسكون ، الحظ من الدنيا ، من البقاء والرزق .
(47) ( الأثر : 20502 -" محمد بن سهل بن عسكر" ، شيخ الطبري ، مضى مرارًا ، انظر 5598 ، 5664 ، 5911 .
و"ابن أبي مريم" ، هو" سعيد بن أبي مريم" ، وهو" سعيد بن الحكم" ، ثقة روى له الجماعة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 18404 .
و" زيادة بن محمد الأنصاري" ، منكر الحديث مضى برقم : 16943 ، 16944 .
وسلف هذا الأثر مطولا برقم : 16943 ، وسلف تخريجه وشرح إسناده ، وهو الخبر الذي أشار إليه البخاري في الكبير ، وقال" منكر الحديث" . ويزاد في تخريجه : السيوطي في الدر المنثور 4 : 65 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والطبراني ونقله ابن كثير في تفسيره 4 : 537 . ثم انظر الخبر التالي والتعليق عليه .
(48) الأثر : 20503 -" موسى بن سهل بن قادم الرملي" ، شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم : 878 ، 5434 ، 16944 ، انظر أيضًا" موسى بن سهل الرازي" رقم : 180 ، والتعليق عليه ، و" سهل بن موسى الرازي" رقم : 180 ، 4319 ، 9482 ، والتعليق عليها .
و" آدم" ، هو" آدم بن أبي إياس" .
وهذه طريق أخرى للخبر السالف، فهو منكر كمثله .
(49) الأثر : 20504 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 65 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير ، ونقله ابن كثير في تفسيره 4 : 537 .
(50) الأثر : 20505 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 66 ، ولم ينسبه إلى غير ابن جرير ، ثم ذكر بعده خبرًا مطولا عن قيس بن عباد ، ونسبه إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب .
(51) 20512 -" سيار" ، مولى خالد بن يزيد بن معاوية ، روى عن أبي الدرداء ، وابن عباس ، وأبي أمامة . روى عنه سليمان التيمي ، وذكره ابن حبان في الثقات :" سيار بن عبد الله" ، قال ابن حجر :" لم نجد من سمى أباه عبد الله غير ابن حبان" .
وهو مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 2 / 2 / 161 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 254 ، ولم يذكرا فيه جرحًا .
وكان في المطبوعة وحدها :" شيبان" .
والخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 68 ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق ، ونقله ابن كثير في تفسيره 4 : 538 ، وفي جميعها" سيار" ، وهو الصواب .
(52) هذه اللغة منسوبة في اللسان وغيره إلى طيئ أيضًا ، و" أمحى" ، بفتح الحاء . وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 334 ، وما سلف : 484 ، تعليق : 2 .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 7 | ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ﴾ |
---|
الرعد: 39 | ﴿يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ |
---|
الزخرف: 4 | ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمُّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ويثبت:
1- يثبت، من «أثبت» ، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، وعاصم.
وقرئ:
2- بالتشديد، وهى قراءة باقى السبعة.
التفسير :
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:لا تعجل عليهم بإصابة ما يوعدون به من العذاب، فهم إن استمروا على طغيانهم وكفرهم فلا بد أن يصيبهم ما وعدوا به،{ إمَا نُرِيَنَّكَ} إياه في الدنيا فتقر بذلك عينك،{ أو نتوفينك} قبل إصابتهم فليس ذلك شغلا لك{ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} والتبيين للخلق.
{ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} فنحاسب الخلق على ما قاموا به، مما عليهم، وضيعوه، ونثيبهم أو نعاقبهم.
وقوله- سبحانه- وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ حض له صلى الله عليه وسلم على المضي في دعوته بدون تسويف أو تأجيل.
و «ما» في قوله «وإما نرينك» مزيدة لتأكيد معنى الشرط، والأصل: وإن نرك، والإراءة هنا بصرية، والكاف مفعول أول، وبعض الذي نعدهم: مفعول ثان، وجواب الشرط، محذوف.
والمعنى: وإما نرينك- يا محمد- بعض الذي توعدنا به أعداءك من العذاب الدنيوي، فذاك شفاء لصدرك وصدور أتباعك.
وقوله «أو نتوفينك» شرط آخر لعطفه على الشرط السابق، وجوابه- أيضا- محذوف والتقدير: أو نتوفينك قبل ذلك فلا تهتم، واترك الأمر لنا.
وقوله: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ تعليل لهذا الجواب المحذوف، أى: سواء أرأيت عذابهم أم لم تره، فإنما عليك فقط تبليغ ما أمرناك بتبليغه للناس.
وَعَلَيْنَا وحدنا الْحِسابُ أى: محاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم السيئة.
وقوله- سبحانه-: بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ للإشارة إلى أن ما يصيبهم من عذاب دنيوى هو بعض العذاب المعد لهم، أما البعض الآخر وهو عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى.
ولقد صدق الله- تعالى- وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم فأراه قبل أن يفارق هذه الدنيا، جانبا من العذاب الذي أنزله بأعدائه، فسلط على مشركي مكة الجدب والقحط الذي جعلهم يأكلون العظام والميتة والجلود.
يقول تعالى لرسوله : ( وإن ما نرينك ) يا محمد ( بعض الذي نعدهم ) أي : نعد أعداءك من الخزي والنكال في الدنيا ، ( أو نتوفينك ) [ أي ] قبل ذلك ، ( فإنما عليك البلاغ ) أي : إنما أرسلناك لتبلغهم رسالة الله وقد بلغت ما أمرت به ، ( وعلينا الحساب ) أي : حسابهم وجزاؤهم ، كما قال تعالى : ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) [ الغاشية : 21 - 26 ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإما نرينك، يا محمد في حياتك بعضَ الذي نعدُ هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم أو نتوفيَنَّكَ قبل أن نُريَك ذلك, فإنما عليك أن تنتهِيَ إلى طاعة ربك فيما أمرك به من تبليغهم رسالتَه, لا طلبَ صلاحِهم ولا فسادهِم, وعلينا محاسبتهم، فمجازاتهم بأعمالهم, إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ . (53)
--------------------------
الهوامش :
(53) انظر مراجع ألفاظ هذه الآية في فهارس اللغة .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 46 | ﴿وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ |
---|
الرعد: 40 | ﴿وَ إِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ |
---|
غافر: 77 | ﴿فَـ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم قال متوعدا للمكذبين{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قيل بإهلاك المكذبين واستئصال الظالمين، وقيل:بفتح بلدان المشركين، ونقصهم في أموالهم وأبدانهم، وقيل غير ذلك من الأقوال.
والظاهر -والله أعلم- أن المراد بذلك أن أراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها ويجتاحها، ويحل القوارع بأطرافها، تنبيها لهم قبل أن يجتاحهم النقص، ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يرده أحد، ولهذا قال:{ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ويدخل في هذا حكمه الشرعي والقدري والجزائي.
فهذه الأحكام التي يحكم الله فيها، توجد في غاية الحكمة والإتقان، لا خلل فيها ولا نقص، بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد، فلا يتعقبها أحد ولا سبيل إلى القدح فيها، بخلاف حكم غيره فإنه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه،{ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أي:فلا يستعجلوا بالعذاب فإن كل ما هو آت، فهو قريب.
كما سلط عليهم المؤمنين فهزموهم في غزوة بدر وفي غزوة الفتح وفي غيرهما. ثم وبخ- سبحانه- المشركين لعدم تفكرهم وتدبرهم واتعاظهم بآثار من قبلهم، فقال- تعالى-:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها....
والهمزة للاستفهام الإنكارى، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام.
والخطاب لمشركي مكة ومن كان على شاكلتهم في الكفر والضلال.
والمراد بالأرض هنا: أرض الكفرة والظالمين.
والأطراف جمع طرف وهو جانب الشيء.
والمعنى: أعمى هؤلاء الكافرون عن التفكير والاعتبار، ولم يروا كيف أن قدرة الله القاهرة، قد أتت على الأمم القوية الغنية- حين كفرت بنعمه- سبحانه-، فصيرت قوتها ضعفا وغناها فقرا، وعزها ذلا، وأمنها خوفا ... وحصرتها في رقعة ضيقة من الأرض، بعد أن كانت تملك الأراضي الفسيحة، والأماكن المترامية الأطراف.
فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين، وإنذار للكافرين.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ .
قال الآلوسى ما ملخصه: «وروى عن ابن عباس أن المراد بانتقاص الأرض: موت أشرافها وكبرائها وذهاب العلماء منها. وعليه يكون المراد بالأرض جنسها وبالأطراف الأشراف والعلماء، وشاهده قول الفرزدق:
واسأل بنا وبكم، إذا وردت منى ... أطراف كل قبيلة، من يتبع؟
يريد أشراف كل قبيلة.
وتقرير الآية عليه: أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة، وموتا بعد حياة، وذلا بعد عز ... فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله- تعالى- الأمر عليهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة ...
ثم قال: وهو كما ترى:
والأول- وهو أن يكون المراد بالأرض: أرض الكفر، وبالأطراف الجوانب- أوفق بالمقام، ولا يخفى ما في التعبير بالإتيان المؤذن بعظيم الاستيلاء من الفخامة، وجملة «ننقصها» في موضع الحال من فاعل نأتى ... » .
وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ بيان لعلو شأن حكمه- تعالى- ونفاذ أمره.
والمعقب: هو الذي يتعقب فعل غيره أو قوله فيبطله أو يصححه.
أى: والله- تعالى- يحكم ما يشاء أن يحكم به في خلقه، لا راد لحكمه، ولا دافع لقضائه، ولا يتعقب أحد ما حكم به بتغيير أو تبديل، وقد حكم- سبحانه- بعزة الإسلام، وعلو شأنه وشأن أتباعه على سائر الأمم والأديان ...
وقوله وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ أى: وهو- سبحانه- سريع المحاسبة والمجازاة، لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه غيره من الإحصاء والعد، إذ هو- سبحانه- محيط بكل شيء، فلا تستبطئ. عقابهم- أيها الرسول الكريم- فإن ما وعدناك به واقع لا محالة.
وقوله : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) قال ابن عباس : أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض ؟
وقال في رواية : أو لم يروا إلى القرية تخرب ، حتى يكون العمران في ناحية ؟
وقال مجاهد وعكرمة : ( ننقصها من أطرافها ) قال : خرابها .
وقال الحسن والضحاك : هو ظهور المسلمين على المشركين .
وقال العوفي عن ابن عباس : نقصان أهلها وبركتها .
وقال مجاهد : نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض .
وقال الشعبي : لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك ، ولكن تنقص الأنفس والثمرات . وكذا قال عكرمة : لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكانا تقعد فيه ، ولكن هو الموت .
وقال ابن عباس في رواية : خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها . وكذا قال مجاهد أيضا : هو موت العلماء .
وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ سكن أصبهان ، حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق ، أنشدنا أبو بكر الآجرى بمكة قال : أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه :
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها متى يمت عالم منها يمت طرف كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها
وإن أبى عاد في أكنافها التلف
والقول الأول أولى ، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية ، [ وكفرا بعد كفر ، كما قال تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ) [ الأحقاف : 27 ] الآية ، وهذا اختيار ابن جرير ، رحمه الله ]
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: أولم ير هؤلاء المشركون مِنْ أهل مكة الذين يسألون محمدًا الآيات, أنا نأتي الأرض فنفتَحُها له أرضًا بعد أرض حَوَالَيْ أرضهم؟ أفلا يخافون أن نفتح لَهُ أرضَهم كما فتحنا له غيرها؟
*ذكر من قال ذلك:
20514- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم, عن حصين, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: (أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض؟ (54)
20515- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، يعني بذلك: ما فتح الله على محمد. يقول: فذلك نُقْصَانها .
20516- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك قال: ما تغلَّبتَ عليه من أرضِ العدوّ .
20517- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال: كان الحسن يقول في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، هو ظهور المسلمين على المشركين . (55)
20518- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، يعنى أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يُنْتَقَصُ له ما حوله من الأرَضِين, ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون قال الله في" سورة الأنبياء ": نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [سورة الأنبياء:44]، بل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الغالبون .
* * *
وقال آخرون: بل معناه: أولم يروا أنا نأتي الأرض فنخرِّبها, أو لا يَخَافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرِّب أرضهم؟
*ذكر من قال ذلك:
20519- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم, عن حصين بن عبد الرحمن, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: (أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: أولم يروا إلى القرية تخربُ حتى يكون العُمْران في ناحية؟ (56)
20520- ... قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج, عن الأعرج, أنه سمع مجاهدًا يقول: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: خرابُها .
20521- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن الأعرج, عن مجاهد مثله قال: وقال ابن جريج: خرابُها وهلاك الناس .
20522- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي جعفر الفرَّاء, عن عكرمة قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: نخرِّب من أطرافها . (57)
* * *
وقال آخرون: بل معناه: ننقص من بَرَكتها وثَمرتها وأهلِها بالموت .
*ذكر من قال ذلك:
20523- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ننقصها من أطرافها) يقول: نقصان أهلِها وبركتها .
20524- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: (ننقصها من أطرافها) ، قال: في الأنفس وفي الثمرات, وفي خراب الأرض .
20525- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن طلحة القناد, عمن سمع الشعبي قال: لو كانت الأرض تُنْقَص لضَاق عليك حُشَّك, (58) ولكن تُنْقَص الأنفُس والثَّمرات .
* * *
وقال آخرون: معناه: أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها, فنتطرَّفهم بأخذهم بالموت . (59)
*ذكر من قال ذلك:
20526- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (ننقصها من أطرافها) ، قال: موت أهلها .
20527- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: الموت . (60)
20528- حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هارون النحوي قال: حدثنا الزبير بن الخِرِّيت عن عكرمة, في قوله: (ننقصها من أطرافها) ، قال: هو الموت . ثم قال: لو كانت الأرض تنقص لم نجد مكانًا نجلسُ فيه . (61)
20529- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: كان عكرمة يقول: هو قَبْضُ الناس .
20530- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: سئل عكرمة عن نقص الأرض قال: قبضُ الناس .
20531- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا جرير بن حازم, عن يعلى بن حكيم, عن عكرمة في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: لو كان كما يقولون لما وجَد أحدكم جُبًّا يخرَأ فيه .
20532- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن علية, عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: الموت .
* * *
وقال آخرون: (ننقُصها من أطرافها) بذهاب فُقَهائها وخِيارها .
*ذكر من قال ذلك:
20533- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها . (62)
20534- قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد الوهاب, عن مجاهد قال: موتُ العلماء .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ من قال: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليها وقَهْرِهم أهلها, أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظُهورَهم على أرْضِهم وقَهْرَهم إياهم؟ وذلك أن الله توعَّد الذين سألوا رسولَه الآيات من مشركي قومه بقوله: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ، ثم وبَّخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضُرَبائهم من الكفار, وهم مع ذلك يسألون الآيات, فقال: (أولم يرَوْا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) بقهر أهلها, والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها, (63) وهم لا يعتبرون بما يَرَوْن من ذلك .
* * *
وأما قوله: (والله يحكُم لا مُعَقّب لحكمه) ، يقول: والله هو الذي يحكم فيَنْفُذُ حكمُه, ويَقْضي فيَمْضِي قضاؤه, وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حُكْم الله وقضاؤُه لم يستطيعوا رَدَّهَ . ويعني بقوله: (لا معقّب لحكمه) : لا راد لحكمه,
* * *
" والمعقب " ، في كلام العرب، هو الذي يكرُّ على الشيء. (64)
* * *
وقوله: (وهو سريع الحساب) ، يقول: والله سريع الحساب يُحْصي أعمال هؤلاء المشركين، لا يخفى عليه شيء، وهو من وراءِ جزائهم عليها . (65)
----------------------------------
الهوامش :
(54) الأثر : 20514 -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، شيخ الطبري ، مضى مرارًا ، آخرها قريبًا رقم : 20411 .
و "محمد بن الصباح الدولابي" ، أبو جعفر البزاز البغدادي ، ثقة روى له الجماعة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 118 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 289 ، وتاريخ بغداد 5 : 365 .
(55) في المطبوعة :" فهو ظهور" .
(56) الأثر : 20519 -" علي بن عاصم بن صهيب الواسطي" ، متكلم فيه لغلطه ثم لجاجه ، مضى برقم : 5427 .
و" حصين بن عبد الرحمن السلمي" ، مضى مرارًا كثيرة ، آخرها رقم : 17237 .
(57) الأثر : 20522 -" أبو جعفر الفراء"، كوفي ، مختلف في اسمه قيل" كسيان" ، وقيل" سلمان" ، وقيل" زيادة" ، ذكره ابن حبان في الثقات . مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 1 / 234 ، وابن أبي حاتم 3 /2 / 166 ، وابن سعد في طبقاته 6 : 230 ، والكنى والأسماء للدولابي 1 : 134 ، 135 ، وفي التاريخ الكبير ، وفي إحدى نسخ ابن أبي حاتم" القراد" بالقاف والدال ، وهذا مشكل ، والأرجح" الفراء" . وانظر العلل لأحمد 1 : 104 ، 360 ، خبر له هناك . ، وفيه" الفراء" أيضًا .
(58) " الحش" البستان ، والمتوضأ ، حيث يقضي المرء حاجته . وانظر ما سلف 15 : 518 ، تعليق : 2 . ثم انظر الخبر رقم : 20531 .
(59) يعني بقولهم:"نتطرفهم" ، أي نأخذ من أطرافهم ونواحيهم، وهو عربي جيد.
(60) الأثر : 20527 -" يحيى ، هو" يحيى بن سعيد القطان" ، مضى مرارًا .
و" سفيان" ، هو الثوري ، مضى مرارًا .
(61) الأثر : 20528 -" هارون النحوي" ، هو" هارون بن موسى النحوي" ، سلف مرارا.
و "الزبير بن الخريت" ، سلف قريبًا رقم : 20410 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا وهناك :" الزبير بن الحارث" ، وهو خطأ .
(62) الأثر : 20532 - رواه الحاكم في المستدرك 2 : 350 ، من طريق الثوري عن طلحة بن عمرو ، وقال :" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، وتعقبه الذهبي ، فقال :" طلحة بن عمرو" ، قال أحمد :" متروك" .
(63) انظر تفسير" الطرف" فيما سلف 7 : 192 .
(64) انظر تفسير مادة ( عقب ) فيما سلف من فهارس اللغة . ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 334 .
(65) انظر تفسير" سريع الحساب" فيما سلف من فهارس اللغة .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 41 | ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّـهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ |
---|
الأنبياء: 44 | ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى:{ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} برسلهم وبالحق الذي جاءت به الرسل، فلم يغن عنهم مكرهم ولم يصنعوا شيئا فإنهم يحاربون الله ويبارزونه،{ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا} أي:لا يقدر أحد أن يمكر مكرا إلا بإذنه، وتحت قضائه وقدره،
فإذا كانوا يمكرون بدينه فإن مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم، فإن الله{ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} أي:هومها وإراداتها وأعمالها الظاهرة والباطنة.
والمكر لا بد أن يكون من كسبها فلا يخفى على الله مكرهم، فيمتنع أن يمكروا مكرا يضر الحق وأهله ويفيدهم شيئا،{ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} أي:ألهم أو لرسله؟ ومن المعلوم أن العاقبة للمتقين لا للكفر وأعماله.
ثم زاد- سبحانه- في تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم وفي تثبيت فؤاده فقال: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً....
والمكر: صرف الغير عما يريده بحيلة، أو إيصال المكروه للممكور به خفية، والمراد بمكر الذين من قبلهم: إضمارهم السوء لرسلهم.
والمراد بمكر الله- تعالى- هنا: علمه- سبحانه- بما بيتوه، وإحباطه لمكرهم، وإنجاؤه لرسله- عليهم الصلاة والسلام-.
أى: وقد مكر الكفار الذين سبقوا قومك- يا محمد- برسلهم وحاولوا إيقاع المكروه بهم، ولكن ربك- سبحانه- نصر رسله لأنه- عز وجل- له المكر جميعا، ولا اعتداد بمكر غيره لأنه معلوم له.
وقال الجمل ما ملخصه: «وقوله فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً تعليل لمحذوف تقديره فلا عبرة بمكرهم، ولا تأثير له، فحذف هذا اكتفاء بدلالة القصر المستفاد من تعليله بقوله فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً أى: لا تأثير لمكرهم أصلا لأنه معلوم لله- تعالى- وتحت قدرته ...
وأثبت لهم المكر باعتبار الكسب، ونفاه عنهم باعتبار الخلق.
وجملة «يعلم ما تكسب كل نفس» بمنزلة التعليل لجملة «فلله المكر جميعا» .
أى: هو- سبحانه- له المكر جميعا، لأنه لا تخفى عليه خافية من أحوال كل نفس، وسيجازيها بما تستحقه من خير أو شر.
وقوله: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ تهديد للكافرين بالحق الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أى: وسيعلم الكافرون عند ما ينزل بهم العذاب، لمن تكون العاقبة الحميدة أهي لهم- كما يزعمون- أم للمؤمنين؟ لا شك أنها للمؤمنين.
فالجملة الكريمة تحذير للكافرين من التمادي في كفرهم، وتبشير للمؤمنين بأن العاقبة لهم.
وفي قراءة سبعية «وسيعلم الكافر» . فيكون المراد به جنس الكافر.
يقول : ( وقد مكر الذين من قبلهم ) برسلهم ، وأرادوا إخراجهم من بلادهم ، فمكر الله بهم ، وجعل العاقبة للمتقين ، كما قال تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) [ الأنفال : 30 ] وقال تعالى : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) الآية [ النمل : 50 - 52 ] .
وقوله : ( يعلم ما تكسب كل نفس ) أي : إنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر ، وسيجزي كل عامل بعمله .
( وسيعلم الكافر ) وقرئ : ( الكفار ) ( لمن عقبى الدار ) أي : لمن تكون الدائرة والعاقبة ، لهم أو لأتباع الرسل ؟ كلا بل هي لأتباع الرسل في الدنيا والآخرة ، ولله الحمد والمنة .
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قَبْل هؤلاء المشركين من قُرَيشٍ من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورُسله (فلله المكر جميعًا) ، يقول: فلله أسبابُ المكر جميعًا, وبيده وإليه, لا يضرُّ مكرُ من مَكَر منهم أحدًا إلا من أراد ضرَّه به, يقول: فلم يضرَّ الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضرَّه ذلك, وإنما ضرُّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربَّهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم, ونجَّى رُسُلَه: يقول: فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك، يا محمد, والله منَجّيك من مكرهم, ومُلْحِقٌ ضُرَّ مكرهم بهم دونك . (66)
وقوله: (يعلم ما تكسب كلّ نفس) ، يقول: يعلم ربك، يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، وما يسعون فيه من المكر بك, ويعلم جميعَ أعمال الخلق كلهم, لا يخفى عليه شيء منها (67) (وسيعلَم الكفار لمن عقبى الدار) ، يقول: وسيعلمون إذا قَدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار, ويدخلُ المؤمنون بالله ورسوله الجَنَّة. (68)
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأته قرأة المدينة وبعضُ البَصْرة: " وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُ" على التوحيد . (69)
* * *
وأما قرأة الكوفة فإنهم قرءوه: (وَسَيَعْلَمُ الكُفَّار) ، على الجمع .
* * *
قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، القراءةُ على الجميع: ( وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ ) لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم, وأتبع بعَده الخبر عنهم, وذلك قوله: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ وبعده قوله: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا . وقد ذُكر أنها في قراءة ابن مسعود: " وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُونَ", وفى قراءة أبيّ: ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وذلك كله دليلٌ على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك .
------------------------
الهوامش:
(66) انظر تفسير" المكر" فيما سلف : 466 ، تعليق : 3 ،والمراجع هناك .
(67) انظر تفسير" الكسب" فيما سلف من فهارس اللغة .
(68) انظر تفسير" العقبى" فيما سلف قريبًا : 472 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .
(69) في المطبوعة :" بعض أهل البصرة" ، زاد في الكلام ما يستقيم بإسقاطه وبإثباته .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 42 | ﴿وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّـهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا﴾ |
---|
النحل: 26 | ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الكفار:
قرئ:
1- الكافر، على الإفراد، وهى قراءة الحرميين، وأبى عمرو.
2- الكفار، جمع تكسير، وهى قراءة باقى السبعة.
3- الكافرين، جمع سلامة، وهى قراءة ابن مسعود.