4767879808182838485

الإحصائيات

سورة غافر
ترتيب المصحف40ترتيب النزول60
التصنيفمكيّةعدد الصفحات9.80
عدد الآيات85عدد الأجزاء0.47
عدد الأحزاب0.95عدد الأرباع3.80
ترتيب الطول21تبدأ في الجزء24
تنتهي في الجزء24عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 21/29الحواميم: 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (78) الى الآية رقم (81) عدد الآيات (4)

بعدَ أن أمَرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بالصَّبرِ أخبَرَه هنا أن هذا حَدَثَ لِمن سبقَهُ من الرُّسلِ، ثُمَّ العودةُ لذِكرِ الأدلَّةِ على وجودِ اللهِ وقدرتِه ونِعمِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (82) الى الآية رقم (85) عدد الآيات (4)

تهديدُ المُكذبينَ المُجادلينَ في آياتِ اللهِ ببيانِ نِهايةِ من هُم أكثرُ منهم أموالًا وأعظمُ قوةً، فلم ينفعْهُم هذا لمَّا جاءَهُم عذابُ اللهِ، بل إنَّ إيمانَهُم باللهِ وتَركَهُم الشِّركِ حينَ رؤيةِ العذابِ لم ينفعْهُم أيضًا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة غافر

أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر لله/ غافر الذنب لمن آمن وشديد العقاب لمن كفر

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما علاقة الدعوة بتفويض الأمر إلى الله؟:   إن الداعي إلى الله تعالى سيواجه مشاكل ومصاعب خلال دعوته، فإذا أردت أخي المسلم أن تختار طريق الدعوة إلى الله، طريق أنبياء الله تعالى، فاعلم أن هناك عقبات كثيرة فيه، وعليك أن تفوض الأمر كله لله وتتوكل عليه. لذلك جاء في هذه السورة آية محورية: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾ (51). هذه الآية موجهة إليك أخي المسلم كما هي موجهة للأنبياء: ﴿رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾، وتعدك بالنصر الرباني في الدنيا قبل الآخرة: ﴿فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾، فتوكل على الله، وفوض الأمر إليه.
  • • خير القول وخير العمل::   وسورة غافر تنضم إلى سور كثيرة في القرآن في حثها على أشرف مهمة في التاريخ: الدعوة إلى الله، لأنها طريق الأنبياء والمرسلين، فلا بد أن يحرص الإنسان عليها ويهتم بها، لا بل ينذر حياته كلها لإيصال الخير إلى الناس. والدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى. حدّث أصدقاءك عن الإسلام وعظمته ورحمته، أو انشر الكتب النافعة التي تعلّم الناس أمور دينهم وتقرّبهم إلى الله، حدّثي رفيقاتك عن الحياء والعفة بأي وسيلة تؤثر في القلب، وليس عليكم النظر إلى النتائج، إذ أن المطلوب منا هو العمل فقط، والله وحده هو الذي يهدي من يشاء.
  • • إني عذت بربي وربكم:   ولأن السورة تحدثنا عن الدعوة وتفويض الأمر إلى الله، فإننا نرى هذه المعاني مرتين في قصة موسى عليه السلام: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ﴾ (26). وحين وصل الأمر إلى التهديد بالقتل، استمر موسى عليه السلام بالدعوة إلى دين الله تعالى وفوّض أمره إلى الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ﴾ (27).
  • • وأفوض أمري إلى الله::   ونموذج التفويض الثاني، لرجل مؤمن من آل فرعون، كان يكتم إيمانه، لكنه حين رآهم يكيدون لموسى ليقتلوه، قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱلله﴾ (28)، فكانت صدمة لفرعون أن يقف رجل من حاشيته ويدافع عن موسى، وكان مؤكدًا عند الجميع أن فرعون سيبطش به، لكن المؤمن الصادق انتقل من الدعوة إلى التفويض: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱلله إِنَّ ٱلله بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ﴾ (44). فماذا حدث بعد ذلك؟: ﴿فَوقَاهُ ٱلله سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ﴾ (45). وكأن المعنى: ادع أيها المسلم إلى الله، ولا تخش في الله لومة لائم، وتوكل على من يحفظك وفوض أمرك إليه، ليحميك من أعدائك، واستعذ دومًا بالله تعالى، كما قال موسى: ﴿إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ﴾ (27).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة غافر»، و«‏سورة ‏المؤمن»، و«سورة حم المؤمن».
  • • معنى الاسم ::   غافر: أي ساتر الذنوب ومتجاوز عنها.
  • • سبب التسمية ::   سميت «سورة غافر»؛ لورود هذا اللفظ في أول السورة الآية (3)، وسميت بـ«حم المؤمن»، و«‏سورة ‏المؤمن»؛ ‏لذكر ‏قصة ‏مؤمن ‏آل ‏فرعون، ولم تذكر هذه القصة في سورة أخرى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   1- سورة «الطَّوْلِ»؛ لورودها في مستهلها (والطَّوْل: أي الفضل والنعمة). 2- «سورة حم الأولى»؛ لأنها السورة الأولى في ترتيب المصحف بين السور الحواميم.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن الله غافر الذنب لمن آمن، وشديد العقاب لمن كفر.
  • • علمتني السورة ::   أن الدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن من رحمة الله تعالى بنا أن السيئة بمثلها والحسنة مضاعفة: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ». قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة غافر) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة غافر من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة غافر) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة غافر أول الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • هي أكثر سورة يتكرر فيها مشتقات لفظ (الجدال)، حيث تكرر فيها 5 مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن ندعو الناس إلى الله، ولا نخش في الله لومة لائم، ونتوكل عليه، ونفوض أمرنا إليه.
    • أن نحذر الجدال في آيات الله بغير علم: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ ...﴾ (4). • أن نخلص عبادتنا لله وحده، ولا نشرك به شيئًا: ﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّـهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّـهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ (12).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (19).
    • أن نحذر أن يزين لنا الشيطان أعمالنا: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ (36، 37).
    • أن نستخدم الأسلوب الوعظي المؤثر في دعوتنا إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾ (41).
    • أن نحذر أن نسلم عقولنا لأحد ونتبعه دون علم؛ فإنه سيتبرأ منا يوم القيامة: ﴿... فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ...﴾ (47، 48).
    • أن نكثر من الأعمال الصالحة استعدادًا للآخرة: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ (59).
    • أن نجعل الليل راحة لأبداننا والنهار لمعاشنا: ﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ (61).
    • أن نبادر بالتوبة، ونحذر من تسويفها: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ...﴾ (84، 85)، فإذا وقع العذاب لا تقبل التوبة.

تمرين حفظ الصفحة : 476

476

مدارسة الآية : [78] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ ..

التفسير :

[78] ولقد أرسلنا مِن قبلك -أيها الرسول- رسلاً كثيرين إلى قومهم يدعونهم، ويصبرون على أذاهم:منهم مَن قصصنا عليك خبرهم، ومنهم مَن لم نقصص عليك، وكلهم مأمورون بتبليغ وحي الله إليهم. وما كان لأحد منهم أن يأتي بآية من الآيات الحسية أو العقلية إلا بإذن الله ومش

أي:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا} كثيرين إلى قومهم، يدعونهم ويصبرون على أذاهم.{ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ} خبرهم{ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} وكل الرسل مدبرون، ليس بيدهم شيء من الأمر.

وما كان لأحد منهم{ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ} من الآيات السمعية والعقلية{ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} أي:بمشيئته وأمره، فاقتراح المقترحين على الرسل الإتيان بالآيات، ظلم منهم، وتعنت، وتكذيب، بعد أن أيدهم اللّه بالآيات الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به.{ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} بالفصل بين الرسل وأعدائهم، والفتح.{ قُضِىَ} بينهم{ بِالْحَقِّ} الذي يقع الموقع، ويوافق الصواب بإنجاء الرسل وأتباعهم، وإهلاك المكذبين، ولهذا قال:{ وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أي:وقت القضاء المذكور{ الْمُبْطِلُونَ} الذين وصفهم الباطل، وما جاءوا به من العلم والعمل، باطل، وغايتهم المقصودة لهم، باطلة، فَلْيَحْذَر هؤلاء المخاطبون، أن يستمروا على باطلهم، فيخسروا، كما خسر أولئك، فإن هؤلاء لا خير منهم، ولا لهم براءة في الكتب بالنجاة.

ثم ساق- سبحانه- تسلية أخرى للرسول صلّى الله عليه وسلم فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا ... أى: رسلا كثيرين مِنْ قَبْلِكَ أى من قبل إرسالك إلى الناس.

مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ كنوح وهود وصالح وإبراهيم. وغيرهم.

وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ أخبارهم وأحوالهم لأن حكمتنا قد اقتضت ذلك.

كما قال- تعالى- في آية أخرى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً .

والمراد بالآية في قوله- تعالى- وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ المعجزة الخارقة الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه.

أى: وما صح وما استقام لرسول من الرسل أن يأتى بمعجزة من عند نفسه، وإنما يأتى بها بإذن الله- تعالى- ومشيئته، إذ المعجزات جميعا عطايا من الله- تعالى- لرسله لتأييدهم في دعوتهم.

فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ أى: فإذا جاء الوقت الذي حدده- سبحانه- لعذاب أعدائه قُضِيَ بِالْحَقِّ أى: قضى بين الناس جميعا بالحق، فينجى- سبحانه- بقضائه العادل عباده المؤمنين.

وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ أى: وخسر- عند مجيء أمر الله، عند القضاء بين خلقه- المبطلون، وهم الذين ماتوا مصرين على كفرهم أو فسوقهم عن أمره.

وكما قال- تعالى- في آيات أخرى منها قوله- تعالى-: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ.

ثم بين- سبحانه- في أواخر هذه السورة الكريمة، جانبا آخر من نعمه على عباده، ووبخ الفاسقين على عدم اعتبارهم بأحوال من سبقهم من الأمم، وهددهم بأنهم عند مجيء العذاب إليهم لن ينفعهم إيمانهم.. فقال- تعالى-:

ثم قال مسليا له : ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) كما قال في " سورة النساء " سواء ، أي : منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت للرسل العاقبة والنصرة ، ( ومنهم من لم نقصص عليك ) وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف ، كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء ، ولله الحمد والمنة .

وقوله : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) أي : ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات ، إلا أن يأذن الله له في ذلك ، فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به ، ( فإذا جاء أمر الله ) وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين ( قضي بالحق ) فينجو المؤمنون ، ويهلك الكافرون ; ولهذا قال : ( وخسر هنالك المبطلون )

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ) يا محمد ( رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ ) إلى أممها( مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ ) يقول: من أولئك الذين أرسلنا إلى أممهم من قصصنا عليك نبأهم ( وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) نبأهم.

وذُكر عن أنس أنهم ثمانية آلاف.

* ذكر الرواية بذلك:

حدثنا عليّ بن شعيب السمسار, قال: ثنا معن بن عيسى, قال: ثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار, عن محمد بن المنكدر, عن يزيد بن أبان, عن أنس بن مالك, قال: بعث النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء, منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل.

حدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا يونس, عن عتبة بن عتيبة البصريّ العبدي, عن أبي سهل عن وهب بن عبد الله بن كعب بن سور الأزديّ, عن سلمان, عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " بعث الله أربعة آلاف نبيّ".

حدثني أحمد بن الحسين الترمذي, قال: ثنا آدم بن أبي إياس, قال: ثنا إسرائيل, عن جابر, عن ابن عبد الله بن يحيى, عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, في قوله: ( مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) قال: بعث الله عبدا حبشيا نبيا, فهو الذي لم نقصص عليك.

وقوله: ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّه ) يقول تعالى ذكره: وما جعلنا لرسول ممن أرسلناه من قبلك الذين قصصناهم عليك, والذين لم نقصصهم عليك إلى أممها أن يأتي قومه بآية فاصلة بينه وبينهم, إلا بإذن الله له بذلك, فيأتيهم بها; يقول جلّ ثناؤه لنبيه: فلذلك لم يجعل لك أن تأتي قومك بما يسألونك من الآيات دون إذننا لك بذلك, كما لم نجعل لمن قبلك من رسلنا إلا أن نأذن له به ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ ) يعني بالعدل, وهو أن ينجي رسله والذين آمنوا معهم ( وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) يقول: وهلك هنالك الذين أبطلوا في قيلهم الكذب, وافترائهم على الله وادعائهم له شريكا.

التدبر :

عمل
[78] إلى كل داعية: لا تستوحش، فأنت فرد في قطار النبوة الخالد، ولك الفخر أن لك نسبًا يربطك بأعظم الخلق من الأنبياء، وأنك كما كانوا بين الناس منارة اهتداء وموضع اقتداء.
وقفة
[78] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ كان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: «كيف أستوحش وأنا مع النبي وأصحابه؟!».
عمل
[78] قُصَّ على زملائك أو إخوانك قصة من قصص القرآن ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾.
وقفة
[78] الاتعاظ والاعتبار بما قص الله تعالى من أخبار الرسل ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾.
وقفة
[78] ﴿وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلًا مِن قَبلِكَ مِنهُم مَن قَصَصنا عَلَيكَ وَمِنهُم مَن لَم نَقصُص عَلَيكَ﴾ إن كنت خالص النية لله؛ فلن يضايقك عدم ذكر اسمك وعملك.
وقفة
[78] ﴿وَمِنهُم مَن لَم نَقصُص عَلَيكَ﴾ وللخبيئة فضل عظيم، فاللهم ارزقنا خبيئة لا يعلمها سواك.
وقفة
[78] ﴿وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ كثيرٌ من الرُّسلِ لا يعرفُهم النَّاسُ، فهل ضَرَّهم ذلك عند ربَّهم؟ ليست شهرةَ الإنسانِ هي القضيةُ، وإنَّما ماذا قدَّم لدينِ اللهِ.
وقفة
[78] ﴿وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ لله رسل غير الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم نؤمن بهم إجمالًا.
وقفة
[78] ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ﴾ كانوا يطلبون المعجزات من الأنبياء على سبيل التعجيز والعناد، لا طلبًا للدليل والاهتداء، وهو ما سارت عليه قريش مع النبي ﷺ.
وقفة
[78] ﴿فإذا جاء أمر الله قضي بالحق﴾ ميزان البشر شر؛ ﻷنه يفتقر إلى العدل واﻹنصاف، فتجده يميل مع من مالوا، وميزان الله هو الذي ﻻ يحابي.
وقفة
[78] ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّـهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ لماذ ينزل قضاء الله ليهلك الأمم وفيها أناس صالحون؟ والسبب: إذا كثر الخبث، أو غاب المصلحون، أو غيبوا قهرًا.
تفاعل
[78] ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الخاسرين.
وقفة
[78] اعلم أن مآل الباطل إلى خسار مهما اشتهر وأعجب به الناس ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا:
  • الواو استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. أرسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. من قبلك: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رسلا» والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. أي أرسلنا إلى الأمم.
  • ﴿ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ:
  • الجملة الاسمية: في محل نصب صفة-نعت- لرسلا. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. قصصنا: تعرب إعراب «أرسلنا» وجملة «قصصنا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. عليك: جار ومجرور متعلق بقصصنا.
  • ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ:
  • معطوفة بالواو على مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ» وتعرب إعرابها. لم: حرف نفي وجزم وقلب. نقصص: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. بمعنى: منهم من روينا لك أخباره ومنهم من لم نرو لك عنه شيئا. وحذف مفعولا «قصصنا» و لَمْ نَقْصُصْ» لأنهما معلومان.
  • ﴿ وَما كانَ لِرَسُولٍ:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لرسول: جار ومجرور متعلق بخبر «كان» مقدم. بمعنى: وما كان لرسول من الرسل أي لواحد منهم.
  • ﴿ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ:
  • حرف مصدري واستقبال ناصب. يأتي: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. بآية: جار ومجرور متعلق بيأتي. وجملة يَأْتِيَ بِآيَةٍ» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الإعراب. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع اسم «كان» ويجوز أن تكون «كان» تامة. بمعنى: فلا ينبغي ولا يصح ففي هذه الحالة يكون المصدر المؤول في محل رفع فاعل «كان».
  • ﴿ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ:
  • أداة حصر لا عمل لها. بإذن: جار ومجرور متعلق بيأتي. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ:
  • الفاء استئنافية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون متضمن معنى الشرط‍ خافض لشرطه متعلق بجوابه. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. أمر: فاعل مرفوع بالضمة. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. أي جاء أمر الله بالعذاب. والجملة في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ قُضِيَ بِالْحَقِّ:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الإعراب. قضي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. بالحق: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل بمعنى: قضى الله بالنجاة للمحق.
  • ﴿ وَخَسِرَ هُنالِكَ:
  • معطوفة بالواو على «قضي» هنا: اسم إشارة للمكان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بخسر. اللام للبعد أو زائدة للتوكيد والكاف حرف خطاب. و «هنالك» استعير للزمان أي وقت مجيء أمر الله أو وقت القضاء بالحق. والفعل «خسر» مبني للمعلوم.
  • ﴿ الْمُبْطِلُونَ:
  • فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. أي قضى الله بإهلاك الباطل الذي يتمسك به أصحابه.'

المتشابهات :

الرعد: 38﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً
غافر: 78﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ
الروم: 47﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [78] لما قبلها :     وبعد أن أمَرَ اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالصَّبرِ؛ أخبَرَه هنا أن هذا حَدَثَ لِمن سبقَهُ من الرُّسلِ، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [79] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ ..

التفسير :

[79] الله سبحانه هو الذي جعل لكم الأنعام؛ لتنتفعوا بها:من منافع الركوب والأكل

يمتن تعالى على عباده، بما جعل لهم من الأنعام، التي بها، جملة من الإنعام:

منها:منافع الركوب عليها، والحمل.

ومنها:منافع الأكل من لحومها، والشرب من ألبانها.

ومنها:منافع الدفء، واتخاذ الآلات والأمتعة، من أصوافها، وأوبارها وأشعارها، إلى غير ذلك من المنافع.

وقوله- تعالى- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ.. بيان لنعمة أخرى من نعمه التي تتعلق بما سخره- سبحانه- لخدمة الإنسان من دواب، بعد بيانه قبل لكثير من النعم التي تتعلق بالليل والنهار، والسماء والأرض ... إلخ.

والأنعام: جمع نعم، وأطلق على الإبل والبقر والغنم، قالوا والمراد بها هنا: الإبل خاصة:

لأن معظم المنافع التي ذكرت هنا توجد فيها.

أى: الله- تعالى- هو الذي خلق لكم بقدرته الإبل لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ أى لتركبوا بعضا منها، ولتأكلوا بعضا آخر منها. فمن في الموضعين للتبعيض.

يقول تعالى ممتنا على عباده ، بما خلق لهم من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم ( فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) [ يس : 72 ] ،

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)

يقول تعالى ذكره: ( اللهُ ) الذي لا تصلح الألوهة إلا له أيها المشركون به من قريش ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ ) من الإبل والبقر والغنم والخيل, وغير ذلك من البهائم التي يقتنيها أهل الإسلام لمركب أو لمطعم ( لِتَرْكَبُوا مِنْهَا ) يعني: الخيل والحمير ( وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) يعني الإبل والبقر والغنم. وقال: ( لِتَرْكَبُوا مِنْهَا ) ومعناه: لتركبوا منها بعضا ومنها بعضا تأكلون, فحذف استغناء بدلالة الكلام على ما حذف.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[79] ﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ سخر الله الأكوان لخدمتك، وجعل كل شيء طوع أمرك، فأنت خليفة الله في الأرض، وباقي المخلوقات ولو كانت أكبر وأعظم وأقوى منك تعمل في خدمتك.
وقفة
[79] ﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ بعض الخلق أشد نفورًا من الحيوانات الأعاجم، فذكرهم الله بنعمته عليهم في تذليل هذه الأنعام لهم، ليستعطفهم بذلك إلى طاعته، وليرتقوا فوق مقام الأنعام في طاعة رب الأنام.
عمل
[79] احمد الله تعالى واشكره على ما سخر من الانتفاع المتنوع من الدواب ﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.
وقفة
[79، 80] ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ فالمنافع في هذه الآية أريد بها ما قابل منافع أكل لحومها في قوله: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾؛ مثل: الانتفاع بأوبارها، وألبانها، وأثمانها، وأعواضِها في الديَّات والمهور، وكذلك الانتفاع بجلودها باتخاذها قبابًا وغيرَها، وبالجلوس عليها، وكذلك الانتفاع بجَمال مرآها في العيون في المسرح والمراح.

الإعراب :

  • ﴿ اللهُ الَّذِي:
  • الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو. والجملة الإسمية «هو الذي» في محل رفع خبر لفظ‍ الجلالة. ويجوز أن يكون لفظ‍ الجلالة خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو لله. ويكون الاسم الموصول «الذي» في محل رفع صفة الله.
  • ﴿ جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. لكم: جار ومجرور متعلق بجعل والميم علامة جمع الذكور. الأنعام: مفعول به منصوب بالفتحة. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لِتَرْكَبُوا مِنْها:
  • اللام حرف جر للتعليل والغرض. تركبوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. منها: جار ومجرور متعلق بتركبوا. وجملة «تركبوا منها» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الإعراب و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بجعل ويجوز أن يكون متعلقا بمفعول له-لأجله-بمعنى لأجل الركوب .. أو للركوب.
  • ﴿ وَمِنْها تَأْكُلُونَ:
  • الواو عاطفة. منها: أعربت. تأكلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.'

المتشابهات :

النحل: 5﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
المؤمنون: 19﴿فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
المؤمنون: 21﴿نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
غافر: 79﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [79] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ في تقرير الوعيد؛ عادت الآيات إلى ذِكرِ الأدلَّةِ على وجودِ اللهِ وقدرتِه ونِعمِه، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [80] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا ..

التفسير :

[80]وغيرها من أنواع المنافع، ولتبلغوا بالحمولة على بعضها حاجةً في صدوركم من الوصول إلى الأقطار البعيدة، وعلى هذه الأنعام تُحْمَلون في البَرِّ، وعلى السُّفن في البحر تُحْمَلون كذلك.

يمتن تعالى على عباده، بما جعل لهم من الأنعام، التي بها، جملة من الإنعام:

منها:منافع الركوب عليها، والحمل.

ومنها:منافع الأكل من لحومها، والشرب من ألبانها.

ومنها:منافع الدفء، واتخاذ الآلات والأمتعة، من أصوافها، وأوبارها وأشعارها، إلى غير ذلك من المنافع.

{ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} من الوصول إلى الأوطان البعيدة، وحصول السرور بها، والفرح عند أهلها.{ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} أي:على الرواحل البرية، والفلك البحرية، يحملكم الله الذي سخرها، وهيأ لها ما هيأ، من الأسباب، التي لا تتم إلا بها.

وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ أخرى غير الأكل وغير الركوب، كالانتفاع بألبانها وأوبارها وجلودها ...

وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ أى: ومن منافعها- أيضا- أنكم تستعملونها في الأمور الهامة كحمل الأثقال، والانتقال عليها من مكان إلى مكان..

كما قال- تعالى- وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ .

وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ أى: وعلى هذه الإبل في البر وعلى السفن في البحر تحملون.

كما قال- تعالى-: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ .

هذا، ولا مانع من أن يكون المراد بالأنعام هنا ما يشمل الإبل والبقر والغنم، وإلى هذا المعنى ذهب الإمام ابن كثير، فقد قال: يقول- تعالى- ممتنا على عباده بما خلق لهم من الأنعام! وهي: الإبل والبقر والغنم، فالإبل تركب وتؤكل وتحلب، ويحمل عليها الأثقال في الأسفار والرحال إلى البلاد النائية، والأقطار الشاسعة، والبقر تؤكل ويشرب لبنها، وتحرث عليها الأرض، والغنم تؤكل ويشرب لبنها، والجميع تجز أوبارها وأصوافها وأشعارها. فيتخذ منه الأثاث والثياب والأمتعة..» .

فالإبل تركب وتؤكل وتحلب ، ويحمل عليها الأثقال في الأسفار والرحال إلى البلاد النائية ، والأقطار الشاسعة . والبقر تؤكل ، ويشرب لبنها ، وتحرث عليها الأرض . والغنم تؤكل ، ويشرب لبنها ، والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها ، فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة كما فصل وبين في أماكن تقدم ذكرها في " سورة الأنعام " ، و " سورة النحل " ، وغير ذلك ; ولهذا قال هاهنا : ( لتركبوا منها ومنها تأكلون . ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ) .

وقوله : ( ويريكم آياته ) أي : حججه وبراهينه في الآفاق وفي أنفسكم ، ( فأي آيات الله تنكرون ) أي : لا تقدرون على إنكار شيء من آياته ، إلا أن تعاندوا وتكابروا .

وقوله: ( وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ) وذلك أن جعل لكم من جلودها بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم, ويوم إقامتكم, ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين.

وقوله: ( وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ) يقول: ولتبلغوا بالحمولة على بعضها, وذلك الإبل حاجة في صدروكم لم تكونوا بالغيها لولا هي, إلا بشق أنفسكم, كما قال جلّ ثناؤه: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ) يعني الإبل تحمل أثقالكم إلى بلد.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ) لحاجتكم ما كانت. وقوله: ( وَعَلَيْهَا ) يعني: وعلى هذه الإبل, وما جانسها من الأنعام المركوبة ( وَعَلَى الْفُلْكِ ) يعني: وعلى السفن ( تُحْمَلُونَ ) يقول نحملكم على هذه في البر, وعلى هذه في البحر .

التدبر :

وقفة
[80] ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ كل يوم يكتشف العلم منافع جديدة للحيوانات، بل كل تجارب الأدوية تجري على الحيوانات أولًا، فإن نجحت استعملها الإنسان.
وقفة
[80] ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ قال قتادة: «الرحلة من بلد إلى بلد».
وقفة
[80] ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ الفلك نركب فيها، والأنعام نركب عليها، وهنا غلب ما يتعلق بالأنعام على ما يتعلق بالفلك لأمرين: 1- تغليب لخلق الله تعالى على ما صنعه خلقه، فالأنعام من خلق الله، والفلك من صنع البشر. 2- إن العرب لم تكن تعرف الفلك، وإنما تعرف الأنعام، فغلب ما يعرفونه على مالا يعرفونه.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ:
  • الواو استئنافية. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. فيها: جار ومجرور متعلق بمنافع. أو بحال من «منافع» لأنه صفة قدمت عليها ويجوز أن يكون الجار والمجرور «لكم» متعلقا بحال من «منافع» والميم علامة جمع الذكور. منافع: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن-مفاعل-من الجموع التي بعد ألفها حرفان. بمعنى: منافع أخرى غير الركوب كاللبن والجلود والوبر والصوف. واذا علّق الجار والمجرور «لكم» بحال من «منافع» يكون الجار والمجرور «فيها» في محل رفع خبرا مقدما.
  • ﴿ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً:
  • الواو عاطفة. لتبلغوا عليها: تعرب إعراب لِتَرْكَبُوا مِنْها» الواردة في الآية الكريمة السابقة. حاجة: مفعول به منصوب بالفتحة. أي لتقضوا على ظهورها حاجاتكم في أثناء أسفاركم وترحالكم.
  • ﴿ فِي صُدُورِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من حاجة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-في محل جر بالإضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ:
  • الواو استئنافية. عليها: جار ومجرور متعلق بتحملون. وعلى الفلك معطوفة بالواو على «عليها» أي بإعادة عامل الجر معها. وجاءت عبارة وَعَلَى الْفُلْكِ» أي وعلى السفن لتطابق «وعليها» للمزاوجة.
  • ﴿ تُحْمَلُونَ:
  • فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.'

المتشابهات :

المؤمنون: 22﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
غافر: 80﴿وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [80] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ من منافعِ الأنعامِ: الركوب والأكل؛ بَيَّنَ هنا أن فِيها مَنافِعُ أخرى، قال تعالى:
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [81] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ ..

التفسير :

[81] ويريكم الله تعالى دلائله الكثيرة الواضحة الدالة على قدرته وتدبيره في خلقه، فأي آية من آياته تنكرونها، ولا تعترفون بها؟

{ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} الدالة على وحدانيته، وأسمائه، وصفاته، وهذا من أكبر نعمه، حيث أشهد عباده، آياته النفسية، وآياته الأفقية، ونعمه الباهرة، وعدَّدَها عليهم، ليعرفوه، ويشكروه، ويذكروه.

{ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} أي:أي آية من آياته لا تعترفون بها؟ فإنكم، قد تقرر عندكم، أن جميع الآيات والنعم، منه تعالى، فلم يبق للإنكار محل، ولا للإعراض عنها موضع، بل أوجبت لذوي الألباب، بذل الجهد، واستفراغ الوسع، للاجتهاد في طاعته، والتبتل في خدمته، والانقطاع إليه.

وقوله- تعالى-: يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ

تعجب من غفلتهم عن هذه الآيات المبثوثة في الكون. والتي تدل جميعها على وحدانية الله- تعالى- وقدرته.

ولفظ «أى» منصوب بقوله «تنكرون» وقدم وجوبا لأن له صدر الكلام.

أى: أنه- سبحانه- في كل وقت وحين يريكم آياته الدالة على قدرته ووحدانيته، فقولوا لي. أية تلك الآيات تنكرون دلالتها على ذلك.

إنها جميعا تنطق وتصرح بوجوب إخلاص العبادة لله- عز وجل- فكيف جحدتموها أو غفلتم عنها مع وضوحها؟

فالآية الكريمة توبيخ شديد لأولئك الذين استحبوا العمى على الهدى مع أن كل شيء في هذا الكون يدعوهم إلى الإيمان بالله الواحد القهار.

قوله جل وعلا "ويريكم آياته" أي حججه وبراهينه في الآفاق وفي أنفسكم "فأي آيات الله تنكرون" أي لا تقدرون على إنكار شيء من آياته إلا أن تعاندوا وتكابروا.

( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) يقول: ويريكم حججه,( فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ ) يقول: فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس في السماء والأرض تنكرون صحتها, فتكذبون من أجل فسادها بتوحيد الله, وتدعون من دونه إلها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[81] ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّـهِ تُنكِرُونَ﴾ من نعم الله: تبيينه الآيات الدالة على توحيده.
وقفة
[81] ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّـهِ تُنكِرُونَ﴾ لا عذر للمنكرين، ولا مجال للإنكار، فآياته سبحانه مبثوثة في كل ما حولك، في أقداره، في نفسك، في أكبر المخلوقات حولك.
وقفة
[81] ﴿وَيُريكُم آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنكِرونَ﴾ الآيات واضحة رأى العين، لكن يراها ذوو الألباب فقط.
وقفة
[81] ﴿وَيُريكُم آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنكِرونَ﴾ لا ينكر الشمس إلا أعمى البصر والبصيرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَيُرِيكُمْ آياتِهِ:
  • الواو استئنافية. يري: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو أي الله سبحانه. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول والميم علامة جمع الذكور. آياته: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فَأَيَّ آياتِ اللهِ:
  • الفاء استئنافية. أي: اسم استفهام منصوب بتنكرون لأن له الصدارة في الكلام وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ تُنْكِرُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.'

المتشابهات :

البقرة: 73﴿كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
غافر: 81﴿ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّـهِ تُنكِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [81] لما قبلها :     وبعد أن ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الدَّلائِلَ الكَثِيرَةَ؛ بَيَّنَ هنا أن كُلَّها ظاهِرَةٌ باهِرَةٌ، لَيْسَ في شَيْءٍ مِنَها ما يُمْكِنُ إنْكارُهُ، قال تعالى:
﴿ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [82] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا ..

التفسير :

[82] أفلم يَسِرْ هؤلاء المكذبون في الأرض ويتفكروا في مصارع الأمم المكذبة من قبلهم، كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه الأمم السابقة أكثر منهم عدداً وعدة وآثاراً في الأرض من الأبنية والمصانع والغراس وغير ذلك، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه حين حلَّ بهم بأس الله.

يحث تعالى، المكذبين لرسولهم، على السير في الأرض، بأبدانهم، وقلوبهم:وسؤال العالمين.{ فَيَنْظُرُوا} نظر فكر واستدلال، لا نظر غفلة وإهمال.

{ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم السالفة، كعاد، وثمود وغيرهم، ممن كانوا أعظم منهم قوة وأكثر أموالاً وأشد آثارًا في الأرض من الأبنية الحصينة، والغراس الأنيقة، والزروع الكثيرة{ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} حين جاءهم أمر الله، فلم تغن عنهم قوتهم، ولا افتدوا بأموالهم، ولا تحصنوا بحصونهم.

ثم وبخهم- سبحانه- مرة أخرى لعدم اتعاظهم بمصارع الغابرين فقال: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...

أى: أقبعوا في بيوتهم. فلم يسيروا في أقطار الأرض. فينظروا كيف كانت عاقبة الأمم المكذبة من قبلهم، كقوم صالح وقوم لوط، وقوم شعيب وغيرهم.

فالاستفهام للتوبيخ والتأنيب، والفاء في قوله: أَفَلَمْ.. للعطف على مقدر.

ثم فصل- سبحانه- حال الذين كانوا من قبل كفار مكة فقال: كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ أى: في العدد وَأَشَدَّ قُوَّةً أى في الأبدان والأجسام وَآثاراً فِي الْأَرْضِ أى: وكانوا أظهر منهم في العمران والحضارة والغنى.

فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ أى أن هؤلاء الغابرين عند ما حل بهم عذابنا لم تغن عنهم شيئا كثرتهم أو قوتهم أو أموالهم ... بل أخذناهم أخذ عزيز مقتدر في زمن يسير.

يخبر تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر ، وماذا حل بهم من العذاب الشديد ، مع شدة قواهم ، وما أثروه في الأرض ، وجمعوه من الأموال ، فما أغنى عنهم ذلك شيئا ، ولا رد عنهم ذرة من بأس الله ;

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)

يقول تعالى ذكره: أفلم يسر يا محمد هؤلاء المجادلون في آيات الله من مشركي قومك في البلاد, فإنهم أهل سفر إلى الشأم واليمن, رحلتهم في الشتاء والصيف, فينظروا فيما وطئوا من البلاد إلى وقائعنا بمن أوقعنا به من الأمم قبلهم, ويروا ما أحللنا بهم من بأسنا بتكذيبهم رسلنا, وجحودهم آياتنا, كيف كان عقبى تكذيبهم ( كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ) يقول: كان أولئك الذين من قبل هؤلاء المكذبيك من قريش أكثر عددا من هؤلاء وأشد بطشا, وأقوى قوة, وأبقى في الأرض آثارا, لأنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا ويتخذون مصانع.

وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَآثَارًا فِي الأرْضِ ) المشي بأرجلهم. ( فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يقول: فلما جاءهم بأسنا وسطوتنا, . لم يغن عنهم ما كانوا يعملون من البيوت في الجبال, ولم يدفع عنهم ذلك شيئا. ولكنهم بادوا جميعا فهلكوا. وقد قيل: إن معنى قوله: ( فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ ) فأيّ شيء أغني عنهم; وعلى هذا التأويل يجب أن يكون " ما " الأولى في موضع نصب, والثانية في موضع رفع. يقول: فلهؤلاء المجادليك من قومك يا محمد في أولئك معتبر إن اعتبروا, ومتعظ إن اتعظوا, وإن بأسنا إذا حلّ بالقوم المجرمين لم يدفعه دافع, ولم يمنعه مانع, وهو بهم إن لم ينيبوا إلى تصديقك واقع.

التدبر :

وقفة
[82] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا﴾ تأمَّل صُورِ آثارِ الأقوامِ الذين أهلكَهم اللهُ، ثم استغفِر اللهَ على تقصيرِك وذنوبِك؛ لئلَّا يصيبَكَ ما أصابَهم.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ التاريخ صفحات تعاد، السابق يعطي موعظة للاحق، ‏واﻷخير قل ما يستقبلها!
وقفة
[82] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ خاطبهم الله بكل وسيلة ليستميلهم إلى الحق، إن لم يكونوا من أصحاب النفوس الكريمة، فتمنعهم النعم عن كفران مسديها، فليكن شأنهم شأن النفوس اللئيمة ممن يردعهم الخوف من البطش عن كفر النعم.
وقفة
[82] ﴿فَيَنظُرُوا﴾ نظر فكر واستدلال، لا نظر غفلة وإهمال.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في سورة «الروم» الآية الكريمة التاسعة وفي سورة «فاطر» الآية الكريمة الرابعة والأربعين.
  • ﴿ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة الرابعة والثمانين من سورة «الحجر» بمعنى فما نفعهم مكسوبهم أو كسبهم.'

المتشابهات :

يوسف: 109﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا
غافر: 82﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً
محمد: 10﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ
الروم: 9﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ
فاطر: 44﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [82] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ أن آياتِ اللَّهِ ظاهِرَةٌ باهِرَةٌ، لَيْسَ في شَيْءٍ مِنَها ما يُمْكِنُ إنْكارُهُ؛ أرْشَدَ هنا إلى الِاعْتِبارِ والتَّفَكُّرِ فيها، قال تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [83] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا ..

التفسير :

[83] فلما جاءت هؤلاء الأمم المكذبة رسلُها بالدلائل الواضحات، فرحوا جهلاً منهم بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل، وحلَّ بهم من العذاب ما كانوا يستعجلون به رسلَهم على سبيل السخرية والاستهزاء. وفي الآية دليل على أن كل علم يناقض الإسلام، أو يقدح في

ثم ذكر جرمهم الكبير فقال:{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} من الكتب الإلهية، والخوارق العظيمة، والعلم النافع المبين، للهدي من الضلال، والحق من الباطل{ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} المناقض لدين الرسل.

ومن المعلوم، أن فرحهم به، يدل على شدة رضاهم به، وتمسكهم، ومعاداة الحق، الذي جاءت به الرسل، وجعل باطلهم حقًا، وهذا عام لجميع العلوم، التي نوقض بها، ما جاءت به الرسل، ومن أحقها بالدخول في هذا، علوم الفلسفة، والمنطق اليوناني، الذي رُدَّت به كثير من آيات القرآن، ونقصت قدره في القلوب، وجعلت أدلته اليقينية القاطعة، أدلة لفظية، لا تفيد شيئًا من اليقين، ويقدم عليها عقول أهل السفه والباطل، وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله، والمعارضة لها، والمناقضة، فالله المستعان.

{ وَحَاقَ بِهِمْ} أي:نزل{ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} من العذاب.

ثم بين- سبحانه- موقف هؤلاء الجاحدين من رسلهم فقال: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ...

أى: فحين جاء الرسل إلى هؤلاء الجاهلين، فرحوا بما لديهم من العلوم الدنيوية كالتجارة والزراعة.. واغتروا بتلك القشور التي كانوا يسمعونها ممن كانوا يزعمون أنهم على شيء من العلم الديني، واستهزءوا بما جاءهم به الرسل من علوم تهدى إلى الرشد، وتدعو إلى إخلاص العبادة لله. واعتقدوا- لغبائهم- وانطماس بصائرهم- أنه لا علم أنفع من علومهم ففرحوا بها..

ورحم الله صاحب الكشاف فقد فصل القول عند تفسيره لهذه الآية فقال: قوله:

فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فيه وجوه:

منها: أنه أراد العلم الوارد على سبيل التهكم في قوله- تعالى-: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون لا نبعث ولا نعذب.

ومنه: أن يريد علم الفلاسفة والدهريين عن بنى يونان، وكانوا إذا سمعوا بوحي الله:

دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم.

ويجوز أن يريد بما فرحوا به من العلم: علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال- تعالى- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات.. لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزءوا بها، واعتقدوا أنه لا أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به» .

ويبدو لنا أن هذا الرأى الأخير الذي ذكره صاحب الكشاف، هو أقرب الآراء إلى الصواب.

وقوله- سبحانه-: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ بيان لما نزل بهم من عذاب بسبب تكذيبهم لرسلهم، واستهزائهم بهم. أى: ونزل بهؤلاء الكافرين العذاب الأليم بسبب استهزائهم برسلهم، وإعراضهم عن دعوتهم.

وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات ، والحجج القاطعات ، والبراهين الدامغات ، لم يلتفتوا إليهم ، ولا أقبلوا عليهم ، واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل .

قال مجاهد : قالوا : نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب .

وقال السدي : فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم ، فأتاهم من بأس الله ما لا قبل لهم به .

( وحاق بهم ) أي : أحاط بهم ( ما كانوا به يستهزئون ) أي : يكذبون ويستبعدون وقوعه .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)

يقول تعالى ذكره: فلما جاءت هؤلاء الأمم الذين من قبل قريش المكذّبة رسلها رُسُلُهُمْ الذين أرسلهم الله إليهم بالبيّنات, يعني: بالواضحات من حجج عزّ وجلّ( فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) يقول: فرحوا جهلا منهم بما عندهم من العلم وقالوا: لن نُبْعَثَ, ولن يُعذّبنا الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن أبن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله ( فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) قال: قولهم: نحن أعلم منهم, لن نُعَذَّبَ, ولن نُبْعَثَ.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) بجهالتهم .

وقوله: ( وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) يقول: وحاق بهم من عذاب الله ما كانوا يستعجلون رسلهم به استهزاء وسخرية.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) ما جاءتهم به رسلهم من الحقّ.

التدبر :

وقفة
[83] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ وهذا عام لجميع العلوم التي نوقض بها ما جاءت به الرسل، ومن أحقها بالدخول في هذا: علوم: الفلسفة، والمنطق اليوناني، الذي رُدَّت به كثير من آيات القرآن، ونقصت قدره من القلوب، وجعلت أدلته اليقينية القاطعة أدلة لفظية لا تفيد شيئًا من اليقين، ويقدم عليها عقول أهل السفه والباطل، وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله والمعارضة لها والمناقضة.
لمسة
[83] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ الضمير يعود على الأمم المكذبين، وفي تفسير علمهم وجوه: أحدها: أنه ما كانوا يعتقدون من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون، والثاني: أنه علمهم بمنافع الدنيا ووجوه كسبها، والثالث: أنه علم الفلاسفة الذين يحتقرون علوم الشرائع.
وقفة
[83] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ سمي ذلك علمًا على ما يدَّعونه ويزعمونه، وهو في الحقيقة جهل.
وقفة
[83] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ قال مجاهد: «قالوا لرسلهم: نحن أعلم منكم، لن نُبعَث، ولن نُعَدَّب»، وإطلاق العلم على اعتقادهم الباطل تهكم، وإلا فهو قمة الجهل.
عمل
[83] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ احذر طغيان العلم؛ كان عبد الله بن المبارك يقول: «إنَّ للعلم طغيانًا كطغيان المال»، وذلك حين يدفع العلم صاحبه إلى الكبر والتعالي عن الحق وقبول النصح.
وقفة
[83] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ أفرد ابن مفلح في الآداب الشرعية بابًا كاملًا تحت عنوان: «فصل: في قول العالم: لا أدري، واتقاء التهجم على الفتوى».
وقفة
[83] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أنه جاءه رجل، فسأله عن شيء فقال القاسم: « لا أحسنه»، فجعل الرجل يقول: «إني دُفعت إليك لا أعرف غيرك؟»، فقال القاسم: «لا تنظر إلى طول لحيتي، وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه»، فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: «يا ابن أخي، الزمها (أي كلمة: ما أحسنه)، فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم»، فقال القاسم: «والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به».
وقفة
[83] الفرح بالعلوم الدنيوية والاستغناء بها عن العلم بالله ودينه هو نهج الذين يزدرون علم الرسل ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾.
وقفة
[83] اغترار الأُمم بعلمها بالماديات سبب كفرها بالله، قال الله: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾.
وقفة
[83] ﴿فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ من باب العناد والكبر يفرح البعض بأمور لا تمت للحق بصلة.
وقفة
[83] خطر الفرح بالباطل وسوء عاقبته على صاحبه ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾.
وقفة
[83] الدين الصحيح يبنى على الوحي الصحيح، لا على البدع والخرافات ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
وقفة
[83] ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم﴾ في إضافة الرسل إليهم ما يفيد أنهم يعرفونهم ويعرفون صدقهم، ثم إن كلمة ﴿جَاءَتْهُمْ﴾ تفيد أن هؤلاء الرسل لم يقولوا شيئًا من عند أنفسهم، وإنما جاءوا بما جاءوا به كما يجيء حامل الرسالة والأمانة.
وقفة
[83] ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ما استهزؤوا به من العذاب وقع بهم، وما استبعدوه من عقاب الله نزل، وهذه عاقبة السخرية والاستهزاء عمومًا ودائمًا.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمّا:
  • الفاء استئنافية. لما: اسم شرط‍ غير جازم بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية.
  • ﴿ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ:
  • الجملة الفعلية: في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «لما» جاءت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. وقد أنث الفعل على معنى جماعة الرسل. رسل: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة. وجوابها: جملة «فرحوا ... » بتقدير: كفروا.
  • ﴿ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا:
  • جار ومجرور متعلق بجاءتهم. اي بالآيات البينات. اي المعجزات الواضحات فحذف المضاف المجرور واقيمت الصفة مكانه. فرحوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «فرحوا» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ بِما عِنْدَهُمْ:
  • الباء: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بفرحوا. عند: ظرف مكان منصوب متعلق بجملة الصلة المحذوفة. التقدير: بما هو كائن عندهم وهو مضاف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة بمعنى: غرهم ما عندهم. وجملة «هو كائن عندهم» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ مِنَ الْعِلْمِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما» الاسم الموصول. و«من» حرف جر بياني.
  • ﴿ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ:
  • اعربت في كثير من السور منها سورة «هود» الآية الثامنة. وسورة «النحل» الآية الرابعة والثلاثون بمعنى: واحاط‍ بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به.'

المتشابهات :

هود: 8﴿أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
النحل: 34﴿فَأَصَابَهُمۡ سَيِّ‍َٔاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
الزمر: 48﴿وَبَدَا لَهُمۡ سَيِّ‍َٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
غافر: 83﴿فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
الجاثية: 33﴿وَبَدَا لَهُمۡ سَيِّ‍َٔاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
الأحقاف: 26﴿إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [83] لما قبلها :     ولَمَّا أخبرَ اللهُ عن كثرتهم وقوتهم وآثارهم الدالة على مُكْنتِهم؛ ذكرَ هنا جرمهم الكبير، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [84] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا ..

التفسير :

[84] فلما رأوا عذابنا أقرُّوا حين لا ينفع الإقرار، وقالوا:آمنا بالله وحده، وكفرنا بما كنا به مشركين في عبادة الله.

{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي:عذابنا، أقروا حيث لا ينفعهم الإقرار{ قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} من الأصنام والأوثان، وتبرأنا من كل ما خالف الرسل، من علم أو عمل.

ثم بين- سبحانه- حالهم عند ما أحاط بهم العذاب فقال: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا أى عاينوا عذابنا النازل بهم.

قالُوا بفزع وخوف آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ أى: وكفرنا بما كنا به مشركين في الدنيا من عبادة لغير الله- تعالى- واعتماد على سواه.

( فلما رأوا بأسنا ) أي : عاينوا وقوع العذاب بهم ، ( قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ) أي : وحدوا الله وكفروا بالطاغوت ، ولكن حيث لا تقال العثرات ، ولا تنفع المعذرة . وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) [ يونس : 90 ] ، قال الله [ تبارك و ] تعالى : ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) [ يونس : 91 ] أي : فلم يقبل الله منه ; لأنه قد استجاب لنبيه موسى دعاءه عليه حين قال : ( واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 88 ] . و [ هكذا ] هاهنا قال :

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)

يقول تعالى ذكره: فلما رأت هذه الأمم المكذّبة رسلها بأسنا, يعني عقاب الله الذي وعدتهم به رسلُهم قد حلّ بهم.

كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) قال: النقمات التي نـزلت بهم .

وقوله ( قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) يقول: قالوا: أقررنا بتوحيد الله, وصدقنا أنه لا آله غيره ( وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ) يقول: وجحدنا الآلهة التي كنا قبل وقتنا هذا نشركها في عبادتنا الله ونعبدها معه, ونتخذها آلهة, فبرئنا منها.

التدبر :

وقفة
[84] ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ﴾ هنالك وقت ﻻ ينفعه معه أي صرخة ندم، انتهت كل مهلة متاحة، وﻻ توجد أي فرصة جديدة، ‏امتحان وأقفل!
وقفة
[84] ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ﴾ دل على انهيار مقاومتهم وتبدد قواهم زيادة تصريحهم بقولهم: ﴿وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾، بعد أن نفوا ما كانوا فيه من الشرك بقولهم: (آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ).
وقفة
[84] ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ حكى حالة بعضهم ممن آمن بعد تلبس العذاب بهم، فلم ينفعهم ذلك، وفي ذكر هذا حض للعرب على المبادرة، وتخويف من التأني؛ لئلا يدركهم عذاب لا تنفعهم توبة بعد تلبسه بهم.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا:
  • اعربت في الآية السابقة. رأوا: فعل ماض مبني على الفتح او الضم المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. وبقيت الفتحة دالة عليها. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بأس: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. اي عذابنا.
  • ﴿ آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب مفعول به-مقول القول- آمن: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بآمنا. وحده: مصدر اقيم مقام الحال وهو قول سيبويه. من وحد يحد حدة: اي انفرد. والتقدير: آمنا بالله منفردا. وبنو تميم يعربونه بإعراب الاسم الأول.
  • ﴿ وَكَفَرْنا بِما:
  • معطوفة بالواو على «آمنا» وتعرب اعرابها. الباء حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بكفرنا. والجملة الفعلية بعده: صلته لا محل لها.
  • ﴿ كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ:
  • فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا. و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «كان».به: جار ومجرور متعلق بخبر «كنا» أي بمشركين. مشركين: خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [84] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ جُرمَهم الكبير؛ ذكرَ هنا ما قالوه حين عاينوا العذاب، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [85] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا ..

التفسير :

[85] فلم يك ينفعهم إيمانهم هذا حين رأوا عذابنا؛ وذلك لأنه إيمان قد اضطروا إليه، لا إيمان اختيار ورغبة، سنة الله وطريقته التي سنَّها في الأمم كلها ألَّا ينفعَها الإيمان إذا رأوا العذاب، وهلك عند مجيء بأس الله الكافرون بربهم، الجاحدون توحيده وطاعته.

{ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي:في تلك الحال، وهذه{ سُنَّةَ اللَّهِ} وعادته{ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} أن المكذبين حين ينزل بهم بأس الله وعقابه إذا آمنوا، كان إيمانهم غير صحيح، ولا منجيًا لهم من العذاب، وذلك لأنه إيمان ضرورة، قد اضطروا إليه، وإيمان مشاهدة، وإنما الإيمان النافع الذي ينجي صاحبه، هو الإيمان الاختياري، الذي يكون إيمانًا بالغيب، وذلك قبل وجود قرائن العذاب.

{ وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أي:وقت الإهلاك، وإذاقة البأس{ الْكَافِرُونَ} دينهم ودنياهم وأخراهم، ولا يكفي مجرد الخسارة، في تلك الدار، بل لا بد من خسران يشقي في العذاب الشديد، والخلود فيه، دائما أبدًا.

تم تفسير سورة المؤمن بحمد الله ولطفه ومعونته، لا بحولنا وقوتنا، فله الشكر والثناء

وقد بين- سبحانه- أن إيمانهم هذا لن ينفعهم لأنه جاء في غير وقته فقال فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ شيئا من النفع لأنه إيمان جاء عند معاينة العذاب، والإيمان الذي يدعى في هذا الوقت لا قيمة له، لأنه جاء في وقت الاضطرار لا في وقت الاختيار.

ولفظ «سنة» في قوله- تعالى-: سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ.. منصوب على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف.

أى: سن الله- تعالى- ذلك، وهو عدم نفع الإيمان عند حلول العذاب سنة ماضية في الناس، بحيث لا تتخلف في أى زمان أو مكان.

وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ أى: في هذا الوقت الذي ينزل الله- تعالى- فيه العذاب على الكافرين يخسرون كل شيء، بحيث لا تنفعهم لا أموالهم ولا أولادهم ولا آلهتهم التي كانوا يتوهمون شفاعتها.

وبعد: فهذا تفسير وسيط لسورة «غافر» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده:

وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده ) أي : هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب : أنه لا يقبل ; ولهذا جاء في الحديث : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أي : فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة ، وعاين الملك ، فلا توبة حينئذ ; ولهذا قال : ( وخسر هنالك الكافرون )

آخر تفسير " سورة غافر ، ولله الحمد والمنة .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)

يقول تعالى ذكره: فلم يك ينفعهم تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله عند معاينة عقابه قد نـزل, وعذابه قد حل, لأنهم صدقوا حين لا ينفع التصديق مصدقا, إذ كان قد مضى حكم الله في السابق من علمه, أن من تاب بعد نـزول العذاب من الله على تكذيبه لم تنفعه توبته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) : لما رأوا عذاب الله في الدنيا لم ينفعهم الإيمان عند ذلك.

وقوله: ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) يقول: ترك الله تبارك وتعالى إقالتهم, وقبول التوبة منهم, ومراجعتهم الإيمان بالله, وتصديق رسلهم بعد معاينتهم بأسه, قد نـزل بهم سنته التي قد مضت في خلقه, فلذلك لم يقلهم ولم يقبل توبتهم في تلك الحال.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) يقول: كذلك كانت سنة الله في الذين خلوا من قبل إذا عاينوا عذاب الله لم ينفعهم إيمانهم عند ذلك.

وقوله: ( وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) يقول: وهلك عند مجيء بأس الله, فغبنت صفقته ووضُع في بيعه الآخرة بالدنيا, والمغفرة بالعذاب, والإيمان بالكفر, الكافرون بربهم الجاحدون توحيد خالقهم, المتخذون من دونه آلهة يعبدونهم من دون بارئهم

التدبر :

وقفة
[85] ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ الكفر بالغيب سبب لعدم قبول الإيمان عند انقلاب الغيب إلى شهادة.
عمل
[85] ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾، ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [52] لا زلنا في المهلة فلنراجع أنفسنا.
وقفة
[85] ﴿فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم إيمانُهُم لَمّا رَأَوا بَأسَنا﴾ نُسب الإيمان إليهم فهو ليس بإيمان، إنما فقط ذلك فى اعتقادهم، كما فى قوله تعالى: ﴿وَإِذ أَخَذنا ميثاقَكُم وَرَفَعنا فَوقَكُمُ الطّورَ خُذوا ما آتَيناكُم بِقُوَّةٍ وَاسمَعوا قالوا سَمِعنا وَعَصَينا وَأُشرِبوا في قُلوبِهِمُ العِجلَ بِكُفرِهِم قُل بِئسَما يَأمُرُكُم بِهِ إيمانُكُم إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ [البقرة: 93].
وقفة
[85] بطلان الإيمان عند معاينة العذاب المهلك ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾.
وقفة
[85] مفتتح غافر وخاتمتها تعلمنا أن مغفرة الله وقبوله التوبة يكون لمن تاب قبل الموت ﴿فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا﴾.
وقفة
[85] ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ أي: سن الله عز وجل في الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب، وأن التوبة لا تقبل بعد رؤية العذاب وحصول العلم الضروري.
وقفة
[85] ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب: أنه لا يقبل؛ ولهذا جاء في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» [ابن ماجة 4253، وحسنه الألباني] أي: فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة، وعاين الملك، فلا توبة حينئذ؛ ولهذا قال: ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[85]‏ ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ هذه هي نهاية كل خارج عن المنهج قد تفتح له الدنيا أبوابها، قد ينال عزًا وسلطان وقوة، ‏لكن كلها استدراج.
تفاعل
[85]‏ ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمْ يَكُ:
  • الفاء عاطفة تفيد الترتيب والتعقيب. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يك: فعل مضارع تام بمعنى فلم يصح ولم يستقم مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره النون المحذوفة جوازا خطا واختصارا وحذفت الواو وجوبا لالتقاء الساكنين. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو اي ايمانهم. ويجوز أن يكون محذوفا لأن ما بعده يدل عليه. وعلى هذا التقدير يجوز ابقاء «يكن» على بابها وهو كونها فعلا ناقصا وخبرها جملة يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ» ودخولها على الجملة الفعلية المبالغة في نفي الفعل الداخلة عليه بتعديد جهتي نفيه.
  • ﴿ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم و «ايمان» فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا:
  • اعربت في الآية السابقة وحذف جواب «لما» لتقدم معناها وهو قوله فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ» وفي هذه الحالة تكون الفاء رابطة لجواب الشرط‍ المتقدم. ويجوز ان تكون «لما» ظرفا بمعنى «حين» مبنيا على السكون في محل نصب.
  • ﴿ سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ:
  • مصدر مؤكد مفعول مطلق أي سن الله ذلك سنة بمنزلة وعد الله وما اشبه. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. بمعنى طريقة الله. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة لسنة الله. قد: حرف تحقيق. خلت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة وحذفت الالف لالتقاء الساكنين ولاتصالها بتاء التأنيث الساكنة والتاء لا محل لها من الاعراب والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي.
  • ﴿ فِي عِبادِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بخلت والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة الثامنة والسبعين. أي وخسروا وقت رؤية البأس أي العذاب.'

المتشابهات :

غافر: 85﴿ سُنَّتَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ
الفتح: 23﴿ سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [85] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ ما قالوه حين عاينوا العذاب؛ بَيَّنَ هنا أن ذلك لا يفيدهم شيئًا، فقد فات الأوان، فلا يفيد الندم ولا الاعتراف بالحق شيئًا، قال تعالى:
﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف