ترتيب المصحف | 21 | ترتيب النزول | 73 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 112 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 22 | تبدأ في الجزء | 17 |
تنتهي في الجزء | 17 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 4/21 | _ |
بعدَ توبيخِ المشركينَ لعدمِ تدبرِهم آياتِ الكونِ، بَيَّنَ هنا استهزاءَهم بالنَّبي ﷺ، واستعجالَهم موعدَ العذابِ، وهو آتيهم بغتةً.
قريبًا إن شاء الله
لمَّا استهزؤوا به ﷺ بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّ الاستهزاءَ بالأنبياءِ عادةُ الكفَّارِ قديمًا وحديثًا، فلا بدَّ من الصبرِ، ولا أحدَ يستطيعُ أن يمنعَ من إنزالِ العقوبةِ على الكفَّارِ، ثُمَّ بيانُ أنَّ النِّعمَ لهم استدراجٌ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
وهذا من شدة كفرهم، فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، استهزأوا به وقالوا:{ أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ْ} أي:هذا المحتقر بزعمهم، الذي يسب آلهتكم ويذمها، ويقع فيها، أي:فلا تبالوا به، ولا تحتفلوا به.
هذا استهزاؤهم واحتقارهم له، بما هو من كماله، فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله ومكارمه، إخلاص العبادة لله، وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه، وذكر محله ومكانته، ولكن محل الازدراء والاستهزاء، هؤلاء الكفار، الذين جمعوا كل خلق ذميم، ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله فصاروا بذلك، من أخس الخلق وأرذلهم، ومع هذا، فذكرهم للرحمن، الذي هو أعلى حالاتهم، كافرون بها، لأنهم لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون فذكرهم كفر وشرك، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال:{ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ْ} وفي ذكر اسمه{ الرَّحْمَنِ ْ} هنا، بيان لقباحة حالهم، وأنهم كيف قابلوا الرحمن - مسدي النعم كلها، ودافع النقم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع السوء إلا إياه - بالكفر والشرك.
ثم حكى- سبحانه- جانبا من السفاهات التي كان المشركون يقابلون بها النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً.
أى: وإذا أبصرك المشركون- أيها الرسول الكريم- سخروا منك، واستخفوا بك وقالوا على سبيل التهوين من شأنك: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ أى: أهذا هو مدعى النبوة الذي يذكر آلهتكم بسوء ويعيبها، وينفى شفاعتها لنا، وأنها تقربنا إلى الله زلفى.
وقوله- سبحانه-: وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ في محل نصب حال من ضمير القول المقدر.
أى: أنهم يقولون فيما بينهم أهذا هو الرسول الذي يذكر آلهتكم بسوء، والحال أن هؤلاء المشركين الجاهلين، كافرون بالقرآن الذي أنزله الله- تعالى- عليك- أيها الرسول الكريم- لتخرج الناس به من الظلمات إلى النور.
فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء المشركين جهالاتهم وسفاهاتهم، حيث استكثروا على الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يذم آلهتهم التي لا تنفع ولا تضر ولم يستكثروا على أنفسهم، أن يكفروا بخالقهم وبذكره الذي أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم ليكون رحمة لهم.
قال صاحب الكشاف: الذكر يكون بخير وبخلافه. فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد. كقولك للرجل: سمعت فلانا يذكرك، فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء، وإن كان عدوا فهو ذم، ومنه قوله: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ.
والمعنى: أنهم عاكفون على ذكر آلهتهم بهممهم، وربما يجب أن لا تذكر به من كونهم شفعاء وشهداء. ويسوءهم أن يذكرها ذاكر بخلاف ذلك. وأما ذكر الله- تعالى- وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، فهم به كافرون لا يصدقون به أصلا، فهم أحق بأن يتّخذوا هزوا منك، فإنك محق وهم مبطلون.. فسبحان من أضلهم حتى تأدبوا مع الأوثان، وأساءوا الأدب مع الرحمن» .
يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، ( وإذا رآك الذين كفروا ) يعني : كفار قريش كأبي جهل وأشباهه ( إن يتخذونك إلا هزوا ) أي : يستهزئون بك وينتقصونك ، يقولون : ( أهذا الذي يذكر آلهتكم ) يعنون : أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم ، قال تعالى : ( وهم بذكر الرحمن هم كافرون ) أي : وهم كافرون بالله ، ومع هذا يستهزئون برسول الله ، كما قال في الآية الأخرى : ( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا . إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ) [ الفرقان : 41 ، 42 ] .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا رَآكَ ) يا محمد ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) بالله، ( إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا ) يقول: ما يتخذونك إلا سخريا يقول بعضهم لبعض ( أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) يعني بقوله: يذكر آلهتكم بسوء ويعيبها، تعجبا منهم من ذلك، يقول الله تعالى ذكره: فيعجبون من ذكرك يا محمد آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بسوء ( وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) الذي خلقهم وأنعم عليهم، ومنه نفعهم، وبيده ضرّهم، وإليه مرجعهم بما هو أهله منهم؛ أن يذكروه به ( كافرون ) والعرب تضع الذكر موضع المدح والذمّ، فيقولون: سمعنا فلانا يذكر فلانا، وهم يريدون سمعناه يذكره بقبيح ويعيبه؛ ومن ذلك قول عنترة:
لا تَذْكُــرِي مُهْـرِي ومَـا أطْعَمْتُـهُ
فَيكُـونَ جِـلْدُكِ مِثـلَ جِـلْدِ الأجْرَبِ (1)
يعني بذلك: لا تعيبي مهري. وسمعناه يُذكر بخير.
-------------------------------
الهوامش :
(1) البيت لعنترة بن عمرو بن شداد العبسي ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة الحلبي ، ص 396 ) يقول : لا تلوميني بذكر مهري وطعامه ، وإلا نفرت منك كما ينفر الصحيح من الأجرب . يعني لا تعيبي مهري ولا تلوميني من أجل اهتمامي به ، فهو وسيلتي للدفاع عنك وعن قومي .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنبياء: 36 | ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ |
---|
الفرقان: 41 | ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّـهُ رَسُولًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ْ} أي:خلق عجولا، يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون، يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويتباطئونها، والكافرون يتولونويستعجلون بالعذاب، تكذيبا وعنادا، ويقولون:{ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ْ} والله تعالى، يمهل ولا يهمل ويحلم، ويجعل لهم أجلا مؤقتا{ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ْ} ولهذا قال:{ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ْ} أي:في انتقامي ممن كفر بي وعصاني{ فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ْ} ذلك
ثم بين- سبحانه- ما جبل عليه الإنسان من تسرع وتعجل فقال: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ.
والعجل: طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو ضد البطء.
والمراد بالإنسان: جنسه.
والمعنى: خلق جنس الإنسان مجبولا على العجلة والتسرع فتراه يستعجل حدوث الأشياء قبل وقتها المحدد لها، مع أن ذلك قد يؤدى إلى ضرره.
فالمراد من الآية الكريمة وصف الإنسان بالمبالغة في تعجل الأمور قبل وقتها، حتى لكأنه مخلوق من نفس التعجل. والعرب تقول: فلان خلق من كذا، يعنون بذلك المبالغة في اتصاف هذا الإنسان بما وصف به، ومنه قولهم خلق فلان من كرم، وخلقت فلانة من الجمال.
وقوله: سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ تهديد وزجر لأولئك الكافرين الذين كانوا يستعجلون العذاب.
أى: سأريكم عقابي وانتقامي منكم- أيها المشركون- فلا تتعجلوا ذلك فإنه آت لا ريب فيه.
قال ابن كثير: والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هنا: أنه- سبحانه- لما ذكر المستهزئين بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم. فقال- سبحانه-: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ لأنه- تعالى- يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر، ولهذا قال: سَأُرِيكُمْ آياتِي أى: نقمى واقتدارى على من عصاني فَلا تَسْتَعْجِلُونِ .
وقال الآلوسى: «والنهى عن استعجالهم إياه- تعالى- مع أن نفوسهم جبلت على العجلة، ليمنعوها عما تريده وليس هذا من التكليف بما لا يطاق. لأنه- سبحانه- أعطاهم من الأسباب ما يستطيعون به كف النفس عن مقتضاها، ويرجع هذا النهى إلى الأمر بالصبر» .
وقوله : ( خلق الإنسان من عجل ) ، كما قال في الآية الأخرى : ( وكان الإنسان عجولا ) [ الإسراء : 11 ] أي : في الأمور .
قال مجاهد : خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار ، من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه ، ولم يبلغ أسفله قال : يا رب ، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا محمد بن علقمة بن وقاص الليثي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة ، وفيه أهبط منها ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي - وقبض أصابعه قللها - فسأل الله خيرا ، إلا أعطاه إياه " . قال أبو سلمة : فقال عبد الله بن سلام : قد عرفت تلك الساعة ، وهي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة ، وهي التي خلق الله فيها آدم ، قال الله تعالى : ( خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) .
والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول ، صلوات الله [ وسلامه ] عليه ، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ، فقال الله تعالى : ( خلق الإنسان من عجل ) ; لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، يؤجل ثم يعجل ، وينظر ثم لا يؤخر; ولهذا قال : ( سأوريكم آياتي ) أي : نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني ، ( فلا تستعجلون ) .
يقول تعالى ذكره ( خُلِقَ الإنْسَانَ ) يعني آدم ( مِنْ عَجَلٍ ).
واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: من عجل في بنيته وخلقته، كان من العجلة، وعلى العجلة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد في قوله ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) قال: لما نفخ فيه الروح في ركبتيه ذهب لينهض، فقال الله: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ).
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما نفخ فيه يعني في آدم الروح، فدخل في رأسه عطس، فقالت الملائكة: قل الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال الله له: رحمك ربك، فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة؛ فذلك حين يقول ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) يقول: خلق الإنسان عجولا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) قال: خلق عجولا.
وقال آخرون: معناه: خلق الإنسان من عجل: أي من تعجيل في خلق الله إياه ومن سرعة فيه وعلى عجل، وقالوا: خلقه الله في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس على عجل في خلقه إياه قبل مغيبها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) قال: قول آدم حين خُلق بعد كلّ شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق: فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم تبلغ أسفله، قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب بالشمس. (2)
حدثني الحارث، قال ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مجاهد ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) قال آدم حين خُلق بعد كلّ شيء ثم ذكر نحوه، غير أنه قال في حديثه: استعجلْ بخلقي فقد غربت الشمس.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) قال: على عجل آدم آخر ذلك اليوم من ذينك اليومين، يريد يوم الجمعة، وخلقه على عجل، وجعله عجولا.
وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة ممن قال نحو هذه المقالة: إنما قال: ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) وهو يعني أنه خلقه من تعجيل من الأمر، لأنه قال إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قال: فهذا العجل. وقوله ( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) إِنِّي ( سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ) وعلى قول صاحب هذه المقالة، يجب أن يكون كل خلق الله خُلق على عجل، لأن كل ذلك خلق بأن قيل له كن فكان. فإذا كان ذلك كذلك، فما وجه خصوص الإنسان إذا بذكر أنه خُلق من عجل دون الأشياء كلها، وكلها مخلوق من عجل، وفي خصوص الله تعالى ذكره الإنسان بذلك الدليل الواضح، على أن القول في ذلك غير الذي قاله صاحب هذه المقالة.
وقال آخرون منهم: هذا من المقلوب، وإنما خُلق العجل من الإنسان، وخُلقت العجلة من الإنسان. وقالوا: ذلك مثل قوله مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ وإنما هو لتنوء العصبة بها متثاقلة، وقالوا: هذا وما أشبهه في كلام العرب كثير مشهور، قالوا: وإنما كلم القوم بما يعقلون، قالوا: وذلك مثل قولهم: عَرضتُ الناقة، وكقولهم: إذا طلعت الشعرى واستوت العود على الحِرْباء: أي استوت الحرباء على العود، كقول الشاعر:
وَتَــرْكَبُ خَــيْلا لا هَـوَادَةَ بَيْنَهـا
وَتَشْـقَى الرّمـاحُ بالضيـاطِرَة الحُمْرِ (3)
وكقول ابن مقبل:
حَسَـرْتُ كَـفِّي عَـنِ السِّـربالِ آخُذُهُ
فَــرْدًا يُجَـرُّ عَـلى أيْـدِي المُفَدّينـا (4)
يريد: حسرت السربال عن كفي، ونحو ذلك من المقلوب، وفي إجماع أهل التأويل على خلاف هذا القول، الكفاية المغنية عن الاستشهاد على فساده بغيره.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا الذي ذكرناه عمن قال معناه: خُلق الإنسان من عجل في خلقه: أيْ على عجل وسرعة في ذلك، وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه بُودر بخلقه مغيب الشمس في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، وفي ذلك الوقت نفخ فيه الروح.
وإنما قلنا أولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بالصواب، لدلالة قوله تعالى ( سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) علي ذلك.
وأن أبا كريب، حدثنا قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ فِي الجُمُعَةِ لَساعَةٌ يَقَلِّلُها (5)
، قال لا يُوَافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسأْلُ اللهَ فِيها خَيْرًا إلا أتاهُ اللهُ إيَّاهُ فقال عبد الله بن سلام: قد علمت أيّ ساعة هي، هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة، قال الله ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ).
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي وعبدة بن سليمان وأسير بن عمرو، عن محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبى هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه، وذكر كلام عبد الله بن سلام بنحوه.
فتأويل الكلام إذا كان الصواب في تأويل ذلك ما قلنا بما به استشهدنا( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) ولذلك يستعجل ربه بالعذاب ( سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) أيها المستعجلون ربهم بالآيات القائلون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: بل هو شاعر، فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون آياتي، كما أريتها من قبلكم من الأمم التي أهلكناها بتكذيبها الرسل، إذا أتتها الآيات فلا تستعجلون، يقول: فلا تستعجلوا ربكم، فإنا سنأتيكم بها ونريكموها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) بضمّ الخاء على مذهب ما لم يسمّ فاعله. وقرأه حُميد الأعرج ( خَلَقَ ) بفتحها، بمعنى: خلق الله الإنسان، والقراءة التي عليها قرّاء الأمصار، هي القراءة التي لا أستجيز خلافها.
------------------------
الهوامش :
(2) هذا السند تكرار للذي قبله من غير فرق .
(3) البيت لخداش بن زهير ( اللسان : ضطر ) . الجوهري : الضيطر : الرجل الضخم الذي لا غناء عنده ؛ وكذلك الضواطر والضوطري . وفي حديث علي : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة : هم الضخام الذين لا غناء عندهم ، الواحد ضيطار . وقول خداش : " وتركب خيلا . . . البيت " : قال ابن سيده : يجوز أن يكون عني أن الرماح تشفى بهم ، أي أنهم لا يحسنون حملها ، ولا الطعن بها ، ويجوز أن يكون على " القلب " أي تشقى الضياطرة الحمر بالرماح ؛ يعني أنهم يقتلون بها . والهوادة : المصالحة والموادعة . والبيت شاهد على القلب .
(4) البيت لتميم بن أبي مقبل ، كما قال المؤلف . وحسرت كفي عن السربال : يريد حسرت السربال عنها . والسربال : القميص والدرع . والمفدون : الذي يقولون لي فديناك من المكاره ، تعظيما لي وإكبارا لبلائي في الحرب ؛ وهو كالشاهد قبله على أن الكلام فيه مقلوب ، لأنه يريد حسرت السربال عن كفي ، لشجاعتي .
(5) في ابن كثير ، رواية ابن أبي حاتم : " وقبض أصابعه يقللها " .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
وكذلك الذين كفروا يقولون:{ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ْ} قالوا هذا القول، اغترارا، ولما يحق عليهم العقاب، وينزل بهم العذاب.
ثم أكد - سبحانه - ما يدل على تعجلهم لما فيه هلاكهم فقال : ( وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) .
أى : أن هؤلاء المشركين بلغ من طغيانهم وجهلهم أنهم كانوا يتعجلون العذاب الذى توعدهم الله - تعالى - به إذا ما استمروا على كفرهم . ويقولون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه - على سبيل التهكم والاستهزاء - متى يقع هذا العذاب الذى توعدتمونا به . إننا مترقبون له ، فإن كنتم صادقين فى وعيدكم ، فأسرعوا فى إنزاله . وأسرعوا فى دعوة ربكم - سبحانه - أن يأتى بالساعة .
وجواب الشرط لقوله ( إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) محذوف ، لدلالة ما قبله عليه .
أى : إن كنتم صادقين فى وعيدكم بأن هناك عذابا ينتظرنا ، فأتوا به بسرعة .
يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضا بوقوع العذاب بهم ، تكذيبا وجحودا وكفرا وعنادا واستبعادا ، فقال : ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين )
وقوله ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المستعجلون ربهم بالآيات والعذاب لمحمد صلى الله عليه وسلم: متى هذا الوعد: يقول: متى يجيئنا هذا الذي تعدنا من العذاب إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به من ذلك. وقيل ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) كأنهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به، و متى في موضع نصب، لأن معناه: أي وقت هذا الوعد وأيّ يوم هو فهو نصب على الظرف لأنه وقت.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
السجدة: 28 | ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
يونس: 48 | ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
الأنبياء: 38 | ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
النمل: 71 | ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
سبإ: 29 | ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
يس: 48 | ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
الملك: 25 | ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ْ} حالهم الشنيعة حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم، إذ قد أحاط بهم من كل جانب وغشيهم من كل مكان{ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ْ} أي:لا ينصرهم غيرهم، فلا نصروا ولا انتصروا.
وهنا يسوق القرآن ما يدل على غفلتهم وسوء تفكيرهم، وعلى أنهم لو كانوا يعلمون ما ينتظرهم من عذاب يوم القيامة، لما تفوهوا بما تفوهوا به- فيقول- سبحانه- لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ.
وجواب «لو» محذوف. و «يعلم» بمعنى يعرف، و «حين» مفعوله.
أى: لو عرف الكافرون وقت وقوع العذاب بهم. وما فيه من فظائع تجعلهم يعجزون عن دفع النار عن وجوههم وعن ظهورهم.. لو يعرفون ذلك لما استعجلوه. ولما استخفوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وبأصحابه، لكن عدم معرفتهم هي التي جعلتهم يستعجلون ويستهزئون.
وخص- سبحانه- الوجوه والظهور بالذكر. لكونهما أظهر الجوانب، ولبيان أن العذاب سيغشاهم من أمامهم ومن خلفهم دون أن يملكوا له دفعا.
وقال- سبحانه- وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لبيان أنهم مع عجزهم عن دفع العذاب بأنفسهم. فإن غيرهم- أيضا- لن يستطيع دفعه عنهم.
قال صاحب الكشاف: «جواب «لو» محذوف. و «حين» مفعول به ليعلم. أى: لو يعلمون الوقت الذي يستعلمون عنه بقولهم: «متى هذا الوعد» وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من وراء وقدام، فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم، ولا يجدون ناصرا ينصرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال، ولكن جهلهم به هو الذي هونه عندهم، ويجوز أن يكون «يعلم» متروكا بلا تعدية، بمعنى: لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين، لما كانوا مستعجلين، وحين: منصوب بمضمر، أى حين «لا يكفون عن وجوههم النار» يعلمون أنهم كانوا على الباطل.. .
قال الله تعالى : ( لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ) أي : لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا به ، ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ( لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ) [ الزمر : 16 ] ، ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ) [ الأعراف : 41 ] ، وقال في هذه الآية : ( حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ) وقال : ( سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ) [ إبراهيم : 50 ] ، فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم ، ( ولا هم ينصرون ) أي : لا ناصر لهم كما قال : ( وما لهم من الله من واق ) [ الرعد : 34 ] .
يقول تعالى ذكره: لو يعلم هؤلاء الكفار المستعجلون عذاب ربهم ماذا لهم من البلاء حين تلفح وجوههم النار، وهم فيها كالحون، فلا يكفون عن وجوههم النار التي تلفحها، ولا عن ظهورهم فيدفعونها عنها بأنفسهم ( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ).
يقول: ولا لهم ناصر ينصرهم، فيستنقذهم حينئذ من عذاب الله لما أقاموا على ما هم عليه مقيمون من الكفر بالله، ولسارعوا إلى التوبة منه والإيمان بالله، ولما استعجلوا لأنفسهم البلاء.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ بَلْ تَأْتِيهِمْ ْ} النار{ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ ْ} من الانزعاج والذعر والخوف العظيم.
{ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ْ} إذ هم أذل وأضعف من ذلك.{ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ْ} أي:يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب. فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة، لما استعجلوا بالعذاب، ولخافوه أشد الخوف، ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم، قالوا ما قالوا
وقوله- سبحانه- بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ.. بيان لسرعة قيام الساعة، ومفاجأتها لهم. أى: بل تأتيهم الساعة الموعود بها، وبعذابهم فيها، مفاجأة من غير شعور بمجيئها «فتبهتهم» أى: فتدهشهم وتحيرهم، والبهت: الانقطاع والحيرة.
«فلا يستطيعون ردها» أى: فلا يستطيعون دفع الساعة أوردها عنهم وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أى: ولا هم يمهلون لتوبة أو معذرة.
وقوله : ( بل تأتيهم بغتة ) أي : " تأتيهم النار بغتة " ، أي : فجأة ) فتبهتهم ) أي : تذعرهم فيستسلمون لها حائرين ، لا يدرون ما يصنعون ، ( فلا يستطيعون ردها ) أي : ليس لهم حيلة في ذلك ، ( ولا هم ينظرون ) أي : ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة .
يقول تعالى ذكره: لا تأتي هذه النار التي تلفح وجوه هؤلاء الكفار الذين وصف أمرهم في هذه السورة حين تأتيهم عن علم منهم بوقتها، ولكنها تأتيهم مفاجأة لا يشعرون بمجيئها فتبهتهم : يقول: فتغشاهم فجأة، وتلفح وجوههم معاينة كالرجل يبهت الرجل في وجهه بالشيء، حتى يبقى المبهوت كالحيران منه ( فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ) يقول: فلا يطيقون حين تبغتهم فتبهتهم دفعها عن أنفسهم ( وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) يقول: ولا هم وإن لم يطيقوا دفعها عن أنفسهم يؤخرون بالعذاب بها لتوبة يحدثونها، وإنابة ينيبون، لأنها ليست حين عمل وساعة توبة وإنابة، بل هي ساعة مجازاة وإثابة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تأتيهم ... فتبهتهم:
وقرئا:
يأتيهم ... فيبهتهم، بالياء فيهما، والضمير عائد إلى الوعد، أو الحين، وهى قراءة الأعمش.
التفسير :
ولما ذكر استهزاءهم برسوله بقولهم:{ أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ْ} سلاه بأن هذا دأب الأمم السالفة مع رسلهم فقال:{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ْ} أي:نزل بهم{ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ْ} أي:نزل بهم العذاب، وتقطعت عنهم الأسباب، فليحذر هؤلاء، أن يصيبهم ما أصاب أولئك المكذبين.
ثم ختم- سبحانه- الآيات الكريمة بتسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من هؤلاء المشركين، فقال: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ. ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
أى: ولقد استهزئ- أيها الرسول الكريم- برسل كثيرين من قبلك، فنزل بهؤلاء المشركين المستهزئين برسلهم، العذاب الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا، ويستعجلون رسلهم في نزوله.
وصدرت الآية الكريمة بلام القسم وقد، لزيادة تحقيق مضمونها وتأكيده، وتنوين الرسل:
للتفخيم والتكثير، أى: والله لقد استهزئ برسل كثيرين ذوى شأن خطير كائنين في زمان قبل زمانك.
وعبر- سبحانه- بالفعل حاق، لأن هذه المادة تستعمل في إحاطة المكروه، فلا يقال:
فلان حاق به الخير، ولأنها تدل على الشمول واللزوم.
أى: فنزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا نزولا شاملا، أحاط بهم من كل جهة إحاطة تامة.
وبذلك تكون الآيات الكريمة، قد بينت جانبا من سنن الله- تعالى- في خلقه، وحكت بعض الأفعال القبيحة التي كان المشركون يفعلونها مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهددتهم عليها تهديدا شديدا، وسلّت النبي صلّى الله عليه وسلّم عما ارتكبوه في حقه.
ثم أمر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يذكّر هؤلاء الجاحدين بنعمه- تعالى- وأن ينذرهم بأسه وعقابه إذا ما استمروا في كفرهم، فقال- عز وجل-:
يقول تعالى مسليا لرسوله [ صلوات الله وسلامه عليه ] عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) يعني : من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه ، كما قال تعالى : ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين ) [ الأنعام : 34 ] .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن يتخذك يا محمد هؤلاء القائلون لك: هل هذا إلا بشر مثلكم، أفتأتون السحر وأنتم تبصرون، إذ رأوك هُزُوا ويقولون: هذا الذي يذكر آلهتكم كفرا منهم بالله، واجتراء عليه، فلقد استهزئ برسل من رسلنا الذين أرسلناهم من قبلك إلى أممهم، يقول: فوجب ونـزل بالذين استهزءوا بهم، وسخروا منهم من أممهم ما كانوا به يستهزئون : يقول جلّ ثناؤه: حلّ بهم الذي كانوا به يستهزءون من البلاء والعذاب الذي كانت رسلهم تخوّفهم نـزوله بهم، يستهزءون: يقول جلّ ثناؤه، فلن يعدو هؤلاء المستهزءون بك من هؤلاء الكفرة أن يكونوا كأسلافهم من الأمم المكذّبة رسلها، فينـزل بهم من عذاب الله وسخطه باستهزائهم بك نظير الذي نـزل بهم.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 10 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ |
---|
الأنبياء: 41 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى - ذاكرا عجز هؤلاء، الذين اتخذوا من دونه آلهة، وأنهم محتاجون مضطرون إلى ربهم الرحمن، الذي رحمته، شملت البر والفاجر، في ليلهم ونهارهم - فقال:{ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ ْ} أي:يحرسكم ويحفظكم{ بِاللَّيْلِ ْ} إذ كنتم نائمين على فرشكم، وذهبت حواسكم{ وَالنَّهَارِ ْ} وقت انتشاركم وغفلتكم{ مِنَ الرَّحْمَنِ ْ} أي:بدله غيره، أي:هل يحفظكم أحد غيره؟ لا حافظ إلا هو.
{ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ْ} فلهذا أشركوا به، وإلا فلو أقبلوا على ذكر ربهم، وتلقوا نصائحه، لهدوا لرشدهم، ووفقوا في أمرهم.
وقوله- تعالى-: يَكْلَؤُكُمْ أى: يرعاكم ويحفظكم. يقال: فلان كلأ فلانا كلأ وكلاءة- بالكسر- إذا حرسه، واكتلأ فلان من غيره، إذا احترس منه.
والاستفهام للإنكار والتقريع.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المستهزئين بك وبما جئت به من عند ربك: قل لهم من الذي يحرسكم ويحفظكم «بالليل» وأنتم نائمون «والنهار» وأنتم متيقظون «من الرحمن» أى: من عذاب الرحمن وبأسه إذا أراد أن يهلككم بسبب عكوفكم على كفركم وشرككم.
وتقديم الليل على النهار، لما أن الدواهي فيه أكثر، والأخذ فيه أشد، واختار- سبحانه- لفظ الرحمن، للإشعار بأنهم يعيشون في خيره ورحمته. ومع ذلك لا يشكرونه- تعالى- على نعمه.
ولذا- أخبر- سبحانه- عنهم بقوله: بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أى: بل هم بعد كل هذا الإنكار عليهم، والتنبيه لهم عن ذكر ربهم وكتابه الذي أنزله لهدايتهم، معرضون شاردون، لا يحاولون الانتفاع بتوجيهاته، ولا يستمعون إلى إرشاداته.
فالجملة الكريمة تنفى عنهم الانتفاع بما يوجهه الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم من هدايات وعظات.
ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار ، وكلاءته وحراسته لهم بعينه التي لا تنام ، فقال : ( قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ) ؟ أي : بدل الرحمن بمعنى غيره كما قال الشاعر
جارية لم تلبس المرققا ولم تذق من البقول الفستقا
أي : لم تذق بدل البقول الفستق .
وقوله تعالى : ( بل هم عن ذكر ربهم معرضون ) أي : لا يعترفون بنعمه عليهم وإحسانه إليهم ، بل يعرضون عن آياته وآلائه
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد بهؤلاء المستعجليك بالعذاب، القائلين: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين من يكلؤكم أيها القوم: يقول: من يحفظكم ويحرسكم بالليل إذا نمتم، وبالنهار إذا تصرّفتم من الرحمن؟ يقول: من أمر الرحمن إن نـزل بكم، ومن عذابه إن حلّ بكم، وترك ذكر الأمر، وقيل من الرحمن اجتزاء بمعرفة السامعين لمعناه من ذكره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله ( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ) قال: يحرسكم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة ( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ) قل من يحفظكم بالليل والنهار من الرحمن، يقال منه: كلأت القوم: إذا حرستهم، أكلؤهم، كما قال ابن هَرْمة:
إنَّ سُـــلَيْمَى ( واللــهُ يَكْلَؤُهــا)
ضَنَّـتْ بِشَـيْءٍ مـا كـانَ يَرْزَؤُهـا (6)
قوله ( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) وقوله بل: تحقيق لجحد قد عرفه المخاطبون بهذا الكلام، وإن لم يكن مذكورا في هذا الموضع ظاهرا.
ومعنى الكلام: وما لهم أن لا يعلموا أنه لا كالئ لهم من أمر الله إذا هو حلّ بهم ليلا أو نهارا، بل هم عن ذكر مواعظ ربهم وحججه التي احتجّ بها عليهم معرضون لا يتدبرون ذلك فلا يعتبرون به، جهلا منهم وسفها.
---------------------------
الهوامش :
(6) البيت لإبراهيم بن هرمة ، كما قال المؤلف . وقد جاء في ( اللسان : كلأ ) غير منسوب . وفيه " بزاد " في موضع " بشيء " . قال : يقال : كلأك الله كلاءة ( بالكسر ) حفظك الله وحرسك .
وأنشد " إن سليمي ... البيت " وجملة ( والله يكلؤها ) اعتراضية للدعاء . ويرزؤها : ينقص منها ويضيرها . يريد : ضنت بشيء هين عليها لو بذلته لنا واستشهد المؤلف به على أن معنى يكلأ يحفظ ، كما قال أهل اللغة .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يكلؤكم:
وقرئ:
1- يكلوكم، بضمة خفيفة من غير همز.
2- يكلوكم، بفتح اللام وإسكان الواو، حكاها الكسائي، والفراء.
التفسير :
{ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ْ} أي:إذا أردناهم بسوء هل من آلهتهم، من يقدر على منعهم من ذلك السوء، والشر النازل بهم؟؟
{ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ْ} أي:لا يعانون على أمورهم من جهتنا، وإذا لم يعانوا من الله، فهم مخذولون في أمورهم، لا يستطيعون جلب منفعة، ولا دفع مضرة.
ثم وجه- سبحانه- إليهم سؤالا آخر فقال: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا..؟.
وأَمْ هنا هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة، فهي مشتملة على معنى الإضراب والإنكار.
والمعنى: وسلهم- أيها الرسول الكريم- مرة أخرى: ألهؤلاء الجاحدين آلهة أخرى تستطيع أن تحرسهم وترعاهم سوانا نحن؟ كلا لبس لهم ذلك.
فالجملة الكريمة إضراب عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم على جهالاتهم بسبب اعتمادهم على آلهة لا تنفع ولا تضر.
وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ نفى على أبلغ وجه لأن تكون هناك آلهة ترعاهم سوى الله- تعالى- أى: كلا.. ليس لهم آلهة تمنعهم من عذابنا إن أردنا إنزاله بهم، فإن هؤلاء الآلهة لا يستطيعون نصر أنفسهم فضلا عن نصر غيرهم، ولا هم منا يصحبون، أى: يجارون ويمنعون من نزول الضر بهم.
قال ابن جرير: «وقوله يُصْحَبُونَ بمعنى يجارون، تقول العرب: أنا لك جار وصاحب من فلان. بمعنى أجيرك وأمنعك منه. وهؤلاء إذا لم يصحبوا بالجوار، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله، مع سخط الله عليهم، فلم يصحبوا بخير ولن ينصروا .
ثم قال ( أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ) استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ ، أي : ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟ ليس الأمر كما توهموا ولا كما زعموا; ولهذا قال : ( لا يستطيعون نصر أنفسهم ) أي : هذه [ الآلهة ] التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم .
وقوله : ( ولا هم منا يصحبون ) قال العوفي ، عن ابن عباس : ( ولا هم منا يصحبون ) أي : يجارون وقال قتادة لا يصحبون [ من الله ] بخير وقال غيره : ( ولا هم منا يصحبون ) يمنعون .
يقول تعالى ذكره: الهؤلاء المستعجلي ربهم بالعذاب آلهة تمنعهم، إن نحن أحللنا بهم عذابنا، وأنـزلنا بهم بأسنا من دوننا؟ ومعناه: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم منا، ثم وصف جلّ ثناؤه الآلهة بالضعف والمهانة، وما هي به من صفتها، فقال وكيف تستطيع آلهتهم التي يدعونها من دوننا أن تمنعهم منا وهي لا تستطيع نصر أنفسها، وقوله: ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) اختلف أهل التأويل في المعني بذلك، وفي معنى يُصْحبون، فقال بعضهم: عنى بذلك الآلهة، وأنها لا تصحب من الله بخير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ) يعني الآلهة ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) يقول: لا يصحبون من الله بخير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا هم منا ينصرون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا أبو ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) قال: لا ينصرون.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله ( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ) إلى قوله: (يُصْحَبُونَ) قال: ينصرون، قال: قال مجاهد: ولا هم يُحْفظون.
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) يُجَارُون (7) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) يقول: ولا هم منا يجارون، وهو قوله وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ يعني الصاحب، وهو الإنسان يكون له خفير مما يخاف، فهو قوله يصحبون.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس، وأن (هُمْ) من قوله (ولا هُمْ) من ذكر الكفار، وأن قوله (يُصْحَبُونَ) بمعنى: يجارون يصحبون بالجوار؛ لأن العرب محكي عنها أنا لك جار من فلان وصاحب، بمعنى: أجيرك وأمنعك، وهم إذا لم يصحبوا بالجوار، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله مع سخط الله عليهم، فلم يصحبوا بخير ولم ينصروا.
---------------------------
الهوامش :
(7) لم يقدم قبل هذا القول الأخير خلاصته ، كعادته التي سار عليها ، قبل ذكر القائلين له . كان يقول : وقال بعضهم : بل معناه يجأرون .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
والذي أوجب لهم استمرارهم على كفرهم وشركهم قوله:{ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ْ} أي:أمددناهم بالأموال والبنين، وأطلنا أعمارهم، فاشتغلوا بالتمتع بها، ولهوا بها، عما له خلقوا، وطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، وعظم طغيانهم، وتغلظ كفرانهم، فلو لفتوا أنظارهم إلى من عن يمينهم، وعن يسارهم من الأرض، لم يجدوا إلا هالكا ولم يسمعوا إلا صوت ناعية، ولم يحسوا إلا بقرون متتابعة على الهلاك، وقد نصب الموت في كل طريق لاقتناص النفوس الأشراك، ولهذا قال:{ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ْ} أي:بموت أهلها وفنائهم، شيئا فشيئا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فلو رأوا هذه الحالة لم يغتروا ويستمروا على ما هم عليه.
{ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ْ} الذين بوسعهم، الخروج عن قدر الله؟ وبطاقتهم الامتناع عن الموت؟ فهل هذا وصفهم حتى يغتروا بطول البقاء؟ أم إذا جاءهم رسول ربهم لقبض أرواحهم، أذعنوا، وذلوا، ولم يظهر منهم أدنى ممانعة؟
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله عليهم لم يحسنوا شكرها، فقال- تعالى-: بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ...
أى: لا تلتفت- أيها الرسول الكريم- إلى هؤلاء المشركين الذين أعرضوا عن ذكر ربهم، والذين زعموا أن آلهتهم تضر أو تنفع، فإننا قد كلأناهم برعايتنا بالليل والنهار، ومتعناهم وآباءهم من قبلهم بالكثير من متع الحياة الدنيا، حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة، فحملهم ذلك على الطغيان والبطر والإصرار على الكفر. وسنأخذهم في الوقت الذي نريده أخذ عزيز مقتدر، فإن ما أعطيناه لهم من نعم إنما هو على سبيل الاستدراج لهم.
ثم يلفت- سبحانه- أنظارهم إلى الواقع المشاهد في هذه الحياة فيقول: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ.
وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة أقوال منها: أن المراد بنقص الأرض من أطرافها:
إهلاك المشركين السابقين الذين كذبوا رسلهم، كقوم نوح وعاد وثمود، وهم يمرون على قرى بعض هؤلاء المكذبين، ويرون آثارهم وقد دمرت ديارهم.
والمعنى: أفلا ينظر هؤلاء المشركون الذين كذبوك يا محمد، فيرون بأعينهم ما حل بأمثالهم ممن كذبوا الرسل من قبلك. وكيف أننا طوينا الأرض بهم. وجعلناهم أثرا بعد عين.
والاستفهام في قوله: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ للإنكار.
أى: لم تكن الغلبة والعاقبة في يوم من الأيام لمن كذبوا رسل الله- تعالى- وإنما الغلبة والظفر وحسن العاقبة لمن آمن بالرسل وصدقهم واتبع ما جاءوا به من عند ربهم.
وقد أشار الإمام ابن كثير إلى هذا المعنى بقوله: «أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين. ولهذا قال: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ.
يعنى: بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون .
ومنها أن المراد بنقص الأرض من أطرافها: نقص أرض الكفر ودار الحرب، وتسليط المسلمين عليها وانتزاعها من أيديهم بدليل الاستفهام الإنكارى في قوله أَفَهُمُ الْغالِبُونَ أى: لا.. ليسوا هم الذين يغلبون جندنا، وإنما جندنا هم الغالبون.
وقد صدر الآلوسى تفسيره لهذا القول فقال: «أفلا يرون أنا تأتى الأرض» أى: أرض الكفرة «ننقصها من أطرافها» بتسليط المسلمين عليها، وحوز ما يحوزونه منها، ونظمه في سلك ملكهم.. «أفهم الغالبون» على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين.
والمراد إنكار ترتيب الغالبية على ما ذكر من نقص أرض الكفرة بتسليط المؤمنين عليها، كأنه قيل: أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم، وفي التعريف تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها .
وقال صاحب الكشاف: «فإن قلت: أى فائدة في قوله نَأْتِي الْأَرْضَ؟.
قلت: فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدى المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها، ناقصة من أطرافها .
وهذان الرأيان مع وجاهتهما، إلا أن الرأى الأول الذي ذهب إليه ابن كثير أكثر شمولا، لأنه يتناول ما أصاب المكذبين للرسل السابقين من عقاب كما يشمل التهديد للمكذبين المعاصرين للعهد النبوي، بأنهم إذا استمروا في طغيانهم فسيحل بهم ما حل بمن سبقوهم.
وهناك من يرى أن المراد بنقص الأرض من أطرافها: موت العلماء، أو خرابها عند موت أهلها، أو نقص الأنفس والثمرات.. ولكن هذه الآراء ليس معها ما يرجحها.
يقول تعالى مخبرا عن المشركين : إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال ، أنهم متعوا في الحياة الدنيا ، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه ، فاعتقدوا أنهم على شيء .
ثم قال واعظا لهم : ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) اختلف المفسرون في معناه ، وقد أسلفناه في سورة " الرعد " ، وأحسن ما فسر بقوله تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ) [ الأحقاف : 27 ] .
وقال الحسن البصري : يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر .
والمعنى : أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه ، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة ، وإنجائه لعباده المؤمنين; ولهذا قال : ( أفهم الغالبون ) يعني : بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون .
يقول تعالى ذكره: ما لهؤلاء المشركين من آلهة تمنعهم من دوننا، ولا جار يجيرهم من عذابنا، إذا نحن أردنا عذابهم، فاتكلوا على ذلك، وعصوا رسلنا اتكالا منهم على ذلك، ولكنا متعناهم بهذه الحياة الدنيا وآباءهم من قبلهم حتى طال عليهم العمر، وهم على كفرهم مقيمون، لا تأتيهم منا واعظة من عذاب، ولا زاجرة من عقاب على كفرهم وخلافهم أمرنا، وعبادتهم الأوثان والأصنام، فنسوا عهدنا وجهلوا موقع نعمتنا عليهم، ولم يعرفوا موضع الشكر، وقوله ( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) يقول تعالى ذكره: أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله السائلو محمد صلى الله عليه وسلم الآيات المستعجلو بالعذاب، أنا نأتي الأرض نخرّبها من نواحيها بقهرنا أهلها، وغلبتناهم، وإجلاؤهم عنها، وقتلهم بالسيوف، فيعتبروا بذلك ويتعظوا به، ويحذروا منا أن ننـزل من بأسنا بهم نحو الذي قد أنـزلنا بمن فعلنا ذلك به من أهل الأطراف، وقد تقدم ذكر القائلين بقولنا هذا ومخالفيه بالروايات عنهم في سورة الرعد، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله ( أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ) يقول تبارك وتعالى: أفهؤلاء المشركون المستعجلو محمدا بالعذاب الغالبونا، وقد رأوا قهرنا من أحللنا بساحته بأسنا في أطراف الأرضين، ليس ذلك كذلك، بل نحن الغالبون، وإنما هذا تقريع من الله تعالى لهؤلاء المشركين به بجهلهم، يقول: أفيظنون أنهم يغلبون محمدا ويقهرونه، وقد قهر من ناوأه من أهل أطراف الأرض غيرهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ) يقول: ليسوا بغالبين، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الغالب.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنبياء: 44 | ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ |
---|
الزخرف: 29 | ﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء