ترتيب المصحف | 6 | ترتيب النزول | 55 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 23.00 |
عدد الآيات | 165 | عدد الأجزاء | 1.17 |
عدد الأحزاب | 2.35 | عدد الأرباع | 9.40 |
ترتيب الطول | 5 | تبدأ في الجزء | 7 |
تنتهي في الجزء | 8 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الثناء على الله: 2/14 | الحمد لله: 2/5 |
لَمَّا اقترحَ الكافرونَ على سبيلِ الاستهزاءِ نزولَ مَلَكٍ مع مُحَمَّدٍ ﷺ ليُصَدِّقَه، بَيَّنَ هنا أن الاستهزاءَ بالرّسلِ عادةٌ قديمةٌ معروفةٌ، ثُمَّ دعاهم للتفكرِ في مخلوقاتِ اللهِ.
لمَّا ذَكَرَ ملكَه للسماواتِ والأرضِ أمرَ نبيَّه أن يقولَ لهم على سبيلِ التَّوبيخِ: مَن هذه صفاتُه هو الذي يُتَّخذُ وليًّا وناصرًا ومُعِينًا، لا الآلهةُ التي لكُمْ؛ إذ هي لا تَنفعُ ولا تضرُّ.
التفسير :
{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} لأن الحكمة لا تقتضي سوى ذلك.{ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} أي:ولكان الأمر، مختلطا عليهم، وملبوسا وذلك بسبب ما لبسوه على أنفسهم، فإنهم بنوا أمرهم على هذه القاعدة التي فيها اللبس، وبها عدم بيان الحق. فلما جاءهم الحق، بطرقه الصحيحة، وقواعده التي هي قواعده، لم يكن ذلك هداية لهم، إذا اهتدى بذلك غيرهم، والذنب ذنبهم، حيث أغلقوا على أنفسهم باب الهدى، وفتحوا أبواب الضلال.
وأما الرد الثاني فقال فيه: وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ.
أى: لو جعلنا الرسول من الملائكة- كما اقترحوا- لكانت الحكمة تقتضي أن نجعله في صورة بشر ليتمكنوا من رؤيته ومن سماع كلامه الذي يبلغه عن الله- تعالى- وفي هذه الحالة سيقولون لهذا الملك المرسل إليهم في صورة بشر-: لست ملكا، لأنهم لا يدركون منه إلا صورته وصفاته البشرية التي تمثل بها، وحينئذ يقعون في نفس اللبس والاشتباه الذي يلبسونه على أنفسهم باستنكار جعل الرسول بشرا.
ومعنى وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ لخلطنا عليهم مثل ما يخلطون على أنفسهم بسبب استبعادهم أن يكون الرسول بشرا مثلهم.
قال الإمام القرطبي: قوله تعالى وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا لأن كل جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه، فلو جعل الله تعالى- الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته ولما أنسوا به، ولداخلهم من الرعب من كلامه والاتقاء له، ما يكفهم عن كلامه ويمنعهم عن سؤاله فلا تعم المصلحة، ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا: لست ملكا وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك، وعادوا إلى مثل حالهم».
وبهذين الجوابين الحكيمين يكون القرآن الكريم قد دحض شبهات أولئك الجاحدين، وبين أن الحكمة تقتضي أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم، قال تعالى: - وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى.
وقوله : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ) أي : ولو أنزلنا مع الرسول البشري ملكا ، أي : لو بعثنا إلى البشر رسولا ملكيا لكان على هيئة رجل لتفهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه ، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري ، كما قال تعالى : ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) [ الإسراء : 95 ] ، فمن رحمة الله تعالى بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلا منهم ، ليدعو بعضهم بعضا ، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال ، كما قال تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ) الآية [ آل عمران : 164 ] .
قال الضحاك ، عن ابن عباس في [ قوله : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ) ] الآية . يقول : لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل ; لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور ( وللبسنا عليهم ما يلبسون ) أي : ولخلطنا عليهم ما يخلطون . وقال الوالبي عنه : ولشبهنا عليهم .
القول في تأويل قوله : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلِين بي, القائلين: لولا أنـزل على محمّدٍ ملك بتصديقه- ملكًا ينـزل عليهم من السماء, يشهد بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرهم باتباعه =" لجعلناه رجلا " ، يقول: لجعلناه في صورة رجل من البشر, لأنهم لا يقدرون أن يروا الملك في صورته . يقول: وإذا كان ذلك كذلك, فسواء أنـزلت عليهم بذلك ملكًا أو بشرًا, إذ كنت إذا أنـزلت عليهم ملكًا إنما أنـزله بصورة إنسيّ, وحججي في كلتا الحالتين عليهم ثابتة: بأنك صادق، وأنّ ما جئتهم به حق.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13084 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: " ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا " ، يقول: ما آتاهم إلا في صورة رجل, لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة .
13085 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا "، في صورة رجل، في خَلْق رجل.
13086 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا " ، يقول: لو بعثنا إليهم ملكًا لجعلناه في صورة آدم. (1)
13087 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: " ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا " ، يقول: في صورة آدمي.
13088 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله .
13089 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا " قال: لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل, لم نرسله في صورة الملائكة .
* * *
القول في تأويل قوله : وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وللبسنا عليهم " : ولو أنـزلنا ملكًا من السماء مصدِّقًا لك، يا محمد, شاهدًا لك عند هؤلاء العادلين بي، الجاحدين آياتِك على حقيقة نبوّتك, فجعلناه في صورة رجل من بني آدم، إذ كانوا لا يُطيقون رؤية الملك بصورته التي خلقتُه بها= التبس عليهم أمرُه، فلم يدروا أملك هو أمْ إنسيّ! فلم يوقنوا به أنَّه ملك، ولم يصدّقوا به, وقالوا: " ليس هذا ملكًا "! وللبسنا عليهم ما يلبسونه على أنفسهم من حقيقة أمرك، وصحة برهانك وشاهدك على نبوّتك.
* * *
يقال منه: " لَبَست عليهم الأمر أَلْبِسُه لَبْسًا "، إذا خلطته عليهم =" ولبست الثوبَ ألبَسُه لُبْسًا ". و " اللَّبوس "، اسم الثياب. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (3)
13089- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " وللبسنا عليهم ما يلبسون " ، يقول: لشبَّهنا عليهم.
13090 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " وللبسنا عليهم ما يلبسون " ، يقول: ما لبَّس قوم على أنفسهم إلا لَبَّس الله عليهم. واللَّبْس إنما هو من الناس.
13091- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وللبسنا عليهم ما يلبسون " ، يقول: شبَّهنا عليهم ما يشبِّهون على أنفسهم .
* * *
وقد روي عن ابن عباس في ذلك قول آخر, وهو ما:-
13092 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " وللبسنا عليهم ما يلبسون " ، فهم أهل الكتاب، فارقوا دينهم، وكذَّبوا رسلهم, وهو تحريفُ الكلام عن مواضعه .
13093 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: " وللبسنا عليهم ما يلبسون " ، يعني: التحريفَ، هم أهل الكتاب, فرقوا كتبهم ودينَهم، وكذَّبوا رسلهم, فلبَّس الله عليهم ما لبَّسوا على أنفسهم .
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن هذه الآيات من أوّل السورة، بأن تكون في أمر المشركين من عبدة الأوثان، أشبهُ منها بأمرِ أهل الكتاب من اليهود والنصارى, بما أغنى عن إعادته. (4)
--------------------
الهوامش :
(1) في المطبوعة: "آدمي" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) انظر تفسير"اللبس" فيما سلف 1: 567 ، 568/6 : 503 - 505
= وتفسير"اللباس" فيما سلف 1: 567 ، 568/ 3 : 489 ، 490.
(3) انظر أثرًا آخر في تفسير هذه الآية فيما سلف رقم: 882 (ج 1 : 567) ، لم يذكره في الآثار المفسرة ، وهو باب من أبواب اختصاره لتفسيره.
(4) انظر ما سلف ص : 254.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
وللبسنا:
وقرئ:
1- ولبسنا، بلام واحدة، وهى قراءة ابن محيصن.
2- وللبسنا، بتشديد الباء، وهى قراءة الزهري.
التفسير :
يقول تعالى مسليا لرسوله ومصبرا، ومتهددا أعداءه ومتوعدا.{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} لما جاءوا أممهم بالبينات، كذبوهم واستهزأوا بهم وبما جاءوا به. فأهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب، ووفى لهم من العذاب أكمل نصيب.{ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} فاحذروا -أيها المكذبون- أن تستمروا على تكذيبكم، فيصيبكم ما أصابهم.
ثم أخذ القرآن في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه فقال:
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
والمعنى: لا تحزن يا محمد لما أصابك من قومك، فإن من شأن الدعاة إلى الحق المجاهدين في سبيله أن ينالهم الأذى من أعدائهم، ولقد أوذى من سبقك من الرسل الكرام، وسخر الساخرون منهم، فصبروا على ذلك، وجاءهم في النهاية نصرنا الذي وعدناهم به. أما أعداؤهم الذين استهزءوا بهم، فقد أخذناهم أخذ عزيز مقتدر فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
فالآية الكريمة تهدف إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والترويح عن نفسه، وتبشيره بحسن العاقبة وتثبيت قلبه حتى لا يتأثر أو يضعف أمام سفه المشركين وتطاولهم عليه.
والاستهزاء بالشيء: الاستهانة به، والاستهزاء بالشخص احتقاره وعدم الاهتمام بأمره.
وتنكير الرسل للتكثير والتعظيم، والفاء في قوله فَحاقَ للسببية، أى: بسبب هذا الاستهزاء برسل الله الكرام، أحاط العذاب بأولئك المستهزئين فأهلكهم.
وقال- سبحانه- فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا ولم يقل بالساخرين، للإشارة إلى أن ما أصابهم من عذاب لم يكن تجنبا عليهم، وإنما كان بسبب سخريتهم برسل الله والاستخفاف بهم لأن التعبير بالموصول يفيد أن الصلة هي علة الحكم.
وفي قوله- تعالى-: فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ مجاز علاقته السببية، لأن الذي حاق بهم هو العذاب المسبب عن الاستهزاء، ففيه إطلاق السبب وإرادة المسبب، وذلك يفيد أن العذاب ملازم لهذه السخرية لا ينفك عنها، فحيثما وجد التطاول على أولياء الله والدعاة إلى دينه، وجد معه عذاب الله وسخطه على المتطاولين والمستهزئين.
وقوله : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) هذا تسلية لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - في تكذيب من كذبه من قومه ، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة .
القول في تأويل قوله : وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، مسليًّا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبةَ ما يلقى منهم من أذىَ الاستهزاء به، والاستخفاف في ذات الله: هَوِّنْ عليك، يا محمد، ما أنت لاقٍ من هؤلاء المستهزئين بك، المستخفِّين بحقك فيّ وفي طاعتي, وامضِ لما أمرتك به من الدُّعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيِّهم، وأصَرُّوا على المقام على كفرهم, نسلك بهم سبيلَ أسلافهم من سائر الأمم من غيرهم، من تعجيل النقمة لهم، وحلول المَثُلاثِ بهم. فقد استهزأت أمم من قبلك برسلٍ أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك, وفعلوا مثل ما فعل قومُك بك =" فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون " ، يعني بقوله: " فحاق " ، فنـزل وأحاط بالذين هزئوا من رسلهم =" ما كانوا به يستهزئون " ، يقول: العذابُ الذي كانوا يهزءون به، وينكرون أن يكون واقعًا بهم على ما أنذرتهم رسلهم .
* * *
يقال منه: " حاق بهم هذا الأمر يَحِيقُ بهم حَيْقًا وحُيُوقًا وحَيَقَانًا " .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13094- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فحاق بالذين سخروا منهم " ، من الرسل =" ما كانوا به يستهزئون " ، يقول: وقع بهم العذاب الذي استهزءوا به .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 10 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ |
---|
الأنبياء: 41 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ |
---|
الرعد: 32 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فإن شككتم في ذلك، أو ارتبتم، فسيروا في الأرض، ثم انظروا، كيف كان عاقبة المكذبين، فلن تجدوا إلا قوما مهلكين، وأمما في المثلات تالفين، قد أوحشت منهم المنازل، وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل، أبادهم الملك الجبار، وكان بناؤهم عبرة لأولي الأبصار. وهذا السير المأمور به، سير القلوب والأبدان، الذي يتولد منه الاعتبار. وأما مجرد النظر من غير اعتبار، فإن ذلك لا يفيد شيئا.
ثم أمر القرآن النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بحال من سبقوهم عن طريق التطلع إلى آثارهم، والتدبر فيما أصابهم. والاتعاظ بما حل بهم فقال- تعالى-:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.
أى: قل- يا محمد- لأولئك المكذبين لك، المستهزئين بدعوتك، لا تغتروا بما أنتم فيه من قوة وجاه، فإن ذلك لا دوام له، وسيروا في فجاج الأرض متدبرين متأملين، فسترون بأعينكم آثار أقوام كانوا أشد منكم قوة وأكثر جمعا، ولكن ذلك لم يمنع وقوع العذاب بهم حين بدلوا نعمة الله كفرا، وحاربوا رسل الله والدعاة إلى دينه.
وقد ذكر القرآن الكريم في سور متعددة أن آثار أولئك الأقوام المهلكين، ما زال بعضها باقيا، وإنها لتدعو العقلاء إلى الاتعاظ والاعتبار فقال- تعالى-: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ.
وقال- تعالى- في شأن قوم لوط: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ، أَفَلا تَعْقِلُونَ
.
وقد أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطلب منهم السير في الأرض للتفكر والتدبر، لأنهم كانوا يستهزئون به صلى الله عليه وسلم فكانت المخاطبة منه لهم من قبيل النصيحة والتحذير.
وليس المراد مجرد النظر في قوله ثُمَّ انْظُرُوا، بل المراد منه التفكر والتدبر والاعتبار الذي يهدى إلى الإيمان، ويعين على اتباع الصراط المستقيم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين قوله فَانْظُروا وبين قوله ثُمَّ انْظُرُوا؟
قلت: جعل النظر مسببا عن السير في قوله فَانْظُروا فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين. وأما قوله سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبه على ذلك بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح .
وقد علق الشيخ ابن المنير على عبارة صاحب الكشاف فقال: «وأظهر من هذا التأويل أن يجعل الأمر بالسير في المكانين واحدا، ليكون ذلك سببا في النظر، فحيث دخلت الفاء فلإظهار السببية، وحيث دخلت ثم فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير وأن السير وسيلة إليه لا غير وشتان بين المقصود والوسيلة» .
والذي نرجحه أن التعبير بثم هنا المفيدة للتراخي للإشارة إلى أن السير الذي هو وسيلة للتفكر مطلوب في ذاته كما أن النظر الذي يصحبه التفكر والاعتبار مطلوب أيضا، وكأنه أمر بدهى نتيجة للسير، أما التعبير بالفاء في قوله «فانظروا» فلإبراز كون النظر مسببا عن السير، ومترتبا عليه، وكلا الأسلوبين مناسب للمقام الذي سيق من أجله، ومتناسق مع البلاغة القرآنية.
ثم ساق القرآن الكريم ألوانا من البراهين الدالة على وحدانية الله وقدرته وعلى أنه هو المهيمن على هذا الكون، فقال- تعالى-:
ثم قال : ( قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) أي : فكروا في أنفسكم ، وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم ، من العذاب والنكال ، والعقوبة في الدنيا ، مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة ، وكيف نجي رسله وعباده المؤمنون .
القول في تأويل قوله : قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " قل "، يا محمد = لهؤلاء العادلين بيَ الأوثانَ والأندادَ، المكذِّبين بك، الجاحدين حقيقة ما جئتهم به من عندي=" سيروا في الأرض " ، يقول: جولوا في بلاد المكذِّبين رسلَهم، الجاحدين آياتي مِنْ قبلهم من ضُرَبائهم وأشكالهم من الناس =" ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول: ثم انظروا كيف أعقَبَهم تكذيبهم ذلك، الهلاكَ والعطبَ وخزيَ الدنيا وعارَها, وما حَلَّ بهم من سَخَط الله عليهم، من البوار وخراب الديار وعفوِّ الآثار. فاعتبروا به, إن لم تنهكم حُلُومكم, ولم تزجركم حُجج الله عليكم, عمَّا أنتم [عليه] مقيمون من التكذيب, (5) فاحذروا مثل مصارعهم، واتقوا أن يحلّ بكم مثلُ الذي حلّ بهم.
* * *
وكان قتادة يقول في ذلك بما:-
13095- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين "، دمَّر الله عليهم وأهلكهم، ثم صيَّرهم إلى النار.
-------------------
الهوامش :
(5) الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 11 | ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ |
---|
آل عمران: 137 | ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ |
---|
النحل: 36 | ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ |
---|
الزخرف: 25 | ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم{ قُلْ} لهؤلاء المشركين بالله، مقررا لهم وملزما بالتوحيد:{ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي:مَن الخالق لذلك، المالك له، المتصرف فيه؟{ قُلْ} لهم:{ لِلَّهِ} وهم مقرون بذلك لا ينكرونه، أفلا حين اعترفوا بانفراد الله بالملك والتدبير، أن يعترفوا له بالإخلاص والتوحيد؟". وقوله{ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي:العالم العلوي والسفلي تحت ملكه وتدبيره، وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته وإحسانه، وتغمدهم برحمته وامتنانه، وكتب على نفسه كتابا أن رحمته تغلب غضبه، وأن العطاء أحب إليه من المنع، وأن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة، إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم، ودعاهم إليها، إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم، وقوله{ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} وهذا قسم منه، وهو أصدق المخبرين، وقد أقام على ذلك من الحجج والبراهين، ما يجعله حق اليقين، ولكن أبى الظالمون إلا جحودا، وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق، فأوضعوا في معاصيه، وتجرءوا على الكفر به، فخسروا دنياهم وأخراهم، ولهذا قال:{ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}
والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين- على سبيل التوبيخ والتنبيه- من الذي يملك السموات والأرض وما فيهما من إنس وجن وحيوان ونبات وغير ذلك من المخلوقات، إن الإجابة الصحيحة التي يعترفون بها ولا يستطيعون إنكارها أن جميع المخلوقات لله رب العالمين.
قال- تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فالمقصود بالاستفهام تبكيتهم على عنادهم، وتنبيههم إلى ضلالهم لعلهم يثوبون إلى رشدهم.
قال الإمام الرازي: وقوله: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ سؤال، وقوله قُلْ لِلَّهِ جواب. فقد أمره الله- تعالى- بالسؤال أولا ثم بالجواب ثانيا، وهذا إنما يحسن في الموضع الذي يكون الجواب قد بلغ في الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا يقدر على دفعه دافع، وهنا كذلك لأن القوم كانوا معترفين بأن العالم كله لله وتحت تصرفه وقهره وقدرته».
ثم قال- تعالى- كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أى: أوجب- سبحانه- على نفسه رحمته التي وسعت كل شيء والتي من مظاهرها أنه منح خيره ونعمه في الدنيا للطائعين والعصاة، وأنه سيحاسبهم يوم القيامة على أعمالهم فيجازى الذين أساءوا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وفي الصحيحين عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبى» .
وجملة، ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه، يرى بعض العلماء أنها جواب لقسم محذوف أى: والله ليجمعنكم، وجملة القسم والجواب لا محل لها من الإعراب، وإن تعلقت بما قبلها من حيث المعنى وعلى هذا الرأى يكون الكلام قد تم عند قوله- تعالى- كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.
ويرى الزجاج ومن شايعه أن جملة (ليجمعنكم) في محل نصب بدل من الرحمة، وفسر (ليجمعنكم) بمعنى أمهلكم وأمد لكم في العمر والرزق مع كفركم، فهو تفسير الرحمة، كما قال- تعالى- في السورة نفسها (كتب على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) .
والمقصود بهذه الجملة الكريمة (ليجمعنكم) بيان عدل الله بين عباده. فهو لم يجمعهم يوم القيامة لتعذيبهم جميعا، وإنما يجمعهم لإثابة المحسن ومعاقبة المسيء.
ولما كان الكافرون ينكرون حصول البعث والحساب فقد أكد الله- تعالى- حصولهما باللام وبنون التوكيد الثقيلة، وبتعدية الفعل بإلى دون في للإشارة إلى أن هذا الجمع نهايته يوم القيامة- وبأنه يوم لا ينبغي لأحد أن يرتاب فيه لوضوح أدلته.
ثم ختمت الآية الكريمة ببيان عاقبتهم السيئة فقال- تعالى- الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. أى: الذين خسروا أنفسهم بانطماس فطرتهم، وإصرارهم على العناد والجمود، لا يتسرب الإيمان إلى قلوبهم لأنها قست وأظلمت.
قال الآلوسى: (الفاء) في قوله (فهم لا يؤمنون) - للدلالة على أن عدم إيمانهم وإصرارهم على الكفر مسبب عن خسرانهم، فإن إبطال العقل والانهماك في التقليد أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان) .
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهن ، وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة ، كما ثبت في الصحيحين ، من طريق الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، - رضي الله عنه - ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش ، إن رحمتي تغلب غضبي "
وقوله : ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) هذه اللام هي الموطئة للقسم ، فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده لميقات يوم معلوم [ وهو يوم القيامة ] الذي لا ريب فيه ولا شك فيه عند عباده المؤمنين ، فأما الجاحدون المكذبون فهم في ريبهم يترددون .
وقال ابن مردويه عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عقبة ، حدثنا عباس بن محمد ، حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا محصن بن عقبة اليماني ، عن الزبير بن شبيب ، عن عثمان بن حاضر ، عن ابن عباس قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوقوف بين يدي رب العالمين ، هل فيه ماء؟ قال : " والذي نفسي بيده ، إن فيه لماء ، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ، ويبعث الله تعالى سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار ، يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " .
هذا حديث غريب وفي الترمذي : " إن لكل نبي حوضا ، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ، وأرجو أن أكون أكثرهم واردة
ولهذا قال : ( الذين خسروا أنفسهم ) [ أي يوم القيامة ] ( فهم لا يؤمنون ) أي : لا يصدقون بالمعاد ، ولا يخافون شر ذلك اليوم .
القول في تأويل قوله : قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمّد صلى الله عليه وسلم: " قل "، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم =" لمن ما في السماوات والأرض "، يقول: لمن ملك ما في السماوات والأرض؟ ثم أخبرهم أن ذلك لله الذي استعبدَ كل شيء، وقهر كل شيء بملكه وسلطانه = لا للأوثان والأنداد، ولا لما يعبدونه ويتخذونه إلهًا من الأصنام التي لا تملك لأنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضُرًّا.
وقوله: " كتب على نفسه الرحمة " ، يقول: قضى أنَّه بعباده رحيم, لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة. (6)
وهذا من الله تعالى ذكره استعطاف للمعرضين عنه إلى الإقبال إليه بالتوبة.
يقول تعالى ذكره: أن هؤلاء العادلين بي، الجاحدين نبوّتك، يا محمد, إن تابوا وأنابوا قبلت توبتهم, وإني قد قضيت في خَلْقي أنّ رحمتي وسعت كل شيء، كالذي:-
13096 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن ذكوان, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما فرغ الله من الخلق، كتب كتابًا: " إنّ رحمتي سَبَقَتْ غضبي". (7)
13097 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود, عن أبي عثمان, عن سلمان قال: إنّ الله تعالى ذكره لما خلق السماء والأرض, خلق مئة رحمةٍ, كل رحمة ملء ما بين السماء إلى الأرض. فعنده تسع وتسعون رحمةً, وقسم رحمة بين الخلائق. فبها يتعاطفون، وبها تشرب الوَحْش والطير الماءَ. فإذا كان يوم ذلك، (8) قصرها الله على المتقين، وزادهم تسعًا وتسعين. (9)
13098- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن داود, عن أبي عثمان, عن سلمان، نحوه = إلا أن ابن أبي عدي لم يذكر في حديثه: " وبها تشرب الوحش والطير الماء ". (10)
13099- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن عاصم بن سليمان, عن أبي عثمان, عن سلمان قال: نجد في التوراة عطفتين: أن الله خلق السماوات والأرض, ثم خلق مئة رحمة = أو: جعل مئة رحمة = قبل أن يخلق الخلق. ثم خلق الخلق، فوضع بينهم رحمة واحدة, وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. قال: فبها يتراحمون, وبها يتباذلون, وبها يتعاطفون, وبها يتزاورون, (11) وبها تحنُّ الناقة, وبها تثُوجُ البقرة, (12) وبها تيعر الشاة, (13) وبها تتَّابع الطير, وبها تتَّابع الحيتان في البحر. (14) فإذا كان يوم القيامة، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده. ورحمته أفضل وأوسع.
13100- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن عاصم بن سليمان, عن أبي عثمان النهدي, عن سلمان في قوله: " كتب على نفسه الرحمة " ، الآية قال: إنا نجد في التوراة عَطْفتين= ثم ذكر نحوه إلا أنه قال: (15) " وبها تَتَابع الطير, وبها تَتَابع الحيتان في البحر ". (16)
13101 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال، قال ابن طاوس, عن أبيه: إن الله تعالى ذكره لما خلق الخلق, لم يعطف شيء على شيء, حتى خلق مئة رحمة, فوضع بينهم رحمة واحدة, فعطف بعضُ الخلق على بعض.
13102- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه، بمثله .
13103 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال، وأخبرني الحكم بن أبان, عن عكرمة ، حسبته أسنده قال: إذا فرغ الله عز وجلّ من القضاء بين خلقه, أخرج كتابًا من تحت العرش فيه: " إن رحمتي سبقت غضبي, وأنا أرحم الراحمين " ، قال: فيخرج من النار مثل أهل الجنة = أو قال: " مِثلا أهل الجنة ", ولا أعلمه إلا قال: " مثلا ", وأما " مثل " فلا أشك = مكتوبًا ها هنا, وأشار الحكم إلى نحره," عتقاء الله " ، فقال رجل لعكرمة: يا أبا عبد الله, فإن الله يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [سورة المائدة: 37] ؟ قال: ويلك ! أولئك أهلها الذين هم أهلها.
13104- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحكم بن أبان, عن عكرمة ، حسبت أنه أسنده قال: إذا كان يوم القيامة، أخرج الله كتابًا من تحت العرش = ثم ذكر نحوه, غير أنه قال: فقال رجل: يا أبا عبد الله, أرأيت قوله: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ = وسائر الحديث مثل حديث ابن عبد الأعلى .
13105- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن همام بن منبه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما قضى الله الخلق، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: " إنّ رحمتي سبقت غضبي". (17)
13106 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي أيوب, عن عبد الله بن عمرو: أنه كان يقول: إن لله مئة رحمة, فأهبط رحمةً إلى أهل الدنيا، يتراحم بها الجن والإنس، وطائر السماء، وحيتان الماء، ودوابّ الأرض وهوامّها. وما بين الهواء. واختزن عنده تسعًا وتسعين رحمة, حتى إذا كان يوم القيامة، اختلج الرحمةَ التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا, (18) فحواها إلى ما عنده, فجعلها في قلوب أهل الجنة، وعلى أهل الجنة. (19)
13107 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة قال: قال عبد الله بن عمرو: إن لله مئة رحمة, أهبط منها إلى الأرض رحمة واحدة، يتراحم بها الجنّ والإنس، والطير والبهائم وهوامُّ الأرض.
13108 - حدثنا محمد بن عوف قال، أخبرنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج قال، حدثنا صفوان بن عمرو قال، حدثني أبو المخارق زهير بن سالم قال، قال عمر لكعب: ما أوَّل شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتابًا لم يكتبه بقلم ولا مداد, ولكنه كتب بأصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت (20) " أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي". (21)
* * *
القول في تأويل قوله : لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ
قال أبو جعفر: وهذه " اللام " التي في قوله: " ليجمعنكم " ، لام قسم .
* * *
ثم اختلف أهل العربية في جالبها, فكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلت " الرحمة " غاية كلام، ثم استأنفت بعدها: " ليجمعنكم ". قال: وإن شئت جعلتَه في موضع نصب = يعني: كتب ليجمعنكم = كما قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ [سورة الأنعام: 54] ، يريد: كتب أنه من عمل منكم = قال: والعرب تقول في الحروف التي يصلح معها جوابُ كلام الأيمان ب " أن " المفتوحة وب " اللام ", (22) فيقولون: " أرسلت إليه أن يقوم "," وأرسلت إليه ليقومن ". قال: وكذلك قوله: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ، [سورة يوسف: 35] . قال: وهو في القرآن كثير. ألا ترى أنك لو قلت: " بدا لهم أن يسجنوه ", لكان صوابًا؟ (23) وكان بعض نحويي البصرة يقول: نصبت " لام "" ليجمعنكم " ، لأن معنى: " كتب " [: فرضَ، وأوجب، وهو بمعنى القسم] ، (24) كأنه قال: والله ليجمعنكم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن يكون قوله: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، غايةً, وأن يكون قوله: " ليجمعنكم " ، خبرًا مبتدأ = ويكون معنى الكلام حينئذ: ليجمعنكم الله، أيها العادلون بالله، ليوم القيامة الذي لا ريب فيه، لينتقم منكم بكفركم به.
وإنما قلت: هذا القول أولى بالصواب من إعمال " كتب " في" ليجمعنكم " ، لأن قوله: " كتب " قد عمل في الرحمة, فغير جائز، وقد عمل في" الرحمة "، أن يعمل في" ليجمعنكم " ، لأنه لا يتعدَّى إلى اثنين.
* * *
فإن قال قائل: فما أنت قائل في قراءة من قرأ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ ، [سورة الأنعام: 54] بفتح " أنّ" ؟
قيل: إن ذلك إذ قرئ كذلك, فإن " أنّ" بيانٌ عن " الرحمة "، وترجمة عنها. لأن معنى الكلام: كتب على نفسه الرحمة أن يرحم [ من تاب ] من عباده بعد اقتراف السوء بجهالة ويعفو، (25) و " الرحمة "، يترجم عنها ويبيَّن معناها بصفتها. وليس من صفة الرحمة " ليجمعنكم إلى يوم القيامة " ، فيكون مبينًا به عنها. فإذ كان ذلك كذلك, فلم يبق إلا أن تنصب بنية تكرير " كتب " مرة أخرى معه, ولا ضرورة بالكلام إلى ذلك، فيوجَّه إلى ما ليس بموجود في ظاهره.
وأما تأويل قوله: " لا ريب فيه " ، فإنه لا شك فيه, (26) يقول: في أنّ الله يجمعكم إلى يوم القيامة، فيحشركم إليه جميعًا, ثم يؤتى كلَّ عامل منكم أجرَ ما عمل من حسن أو سيئ .
* * *
القول في تأويل قوله : الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " الذين خسروا أنفسهم " ، العادلين به الأوثانَ والأصنامَ. يقول تعالى ذكره: ليجمعن الله =" الذين خسروا أنفسهم ", يقول: الذين أهلكوا أنفسهم وغبنوها بادعائهم لله الندَّ والعَدِيل, فأوبقوها باستيجابهم سَخَط الله وأليم عقابه في المعاد. (27)
* * *
وأصل " الخسار "، الغُبْنُ. يقال منه ": خسر الرجل في البيع "، إذا غبن, كما قال الأعشى:
لا يَــأخُذُ الرِّشْــوَةَ فِــي حُكْمِـهِ
وَلا يُبَـــالِي خَسَـــرَ الخَاسِــر (28)
وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (29)
* * *
وموضوع " الذين " في قوله: " الذين خسروا أنفسهم " ، نصبٌ على الرد على " الكاف والميم " في قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ ، على وجه البيان عنها. وذلك أنّ الذين خسروا أنفسهم, هم الذين خوطبوا بقوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ .
* * *
وقوله: " فهم لا يؤمنون " ، يقول: " فهم "، لإهلاكهم أنفسهم وغَبْنهم إياه حظَّها =" لا يؤمنون ", أي لا يوحِّدون الله، ولا يصدِّقون بوعده ووعيده، ولا يقرُّون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
---------------------
الهوامش :
(6) انظر تفسير"كتب" فيما سلف 10: 359 ، تعليق : 1.
(7) الأثر: 13096 - إسناده صحيح. وهو حديث مشهور.
"ذكوان" ، هو"أبو صالح".
ورواه البخاري (الفتح 13: 325) من طريق أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، بغير هذا اللفظ ، مطولا.
وانظر تعليق أخي السيد أحمد على المسند رقم: 7297 ، 7491 ، 7520.
(8) في المطبوعة: "فإذا كان يوم القيامة ، قصرها" ، وأثبت ما في المخطوطة. وأما سائر المراجع فذكرت ما كان في المطبوعة. والذي في المخطوطة جائز ، فإن"ذلك" إشارة إلى معهود معروف ، وهو يوم القيامة.
(9) الأثران: 13097 ، 13098 -"داود" ، هو"داود بن أبي هند" مضى مرارًا.
و"أبو عثمان" ، هو"أبو عثمان النهدي": "عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي النهدي" ، تابعي ثقة ، أدرك الجاهلية. مترجم في التهذيب.
(10) الأثران: 13097 ، 13098 -"داود" ، هو"داود بن أبي هند" مضى مرارًا.
و"أبو عثمان" ، هو"أبو عثمان النهدي": "عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي النهدي" ، تابعي ثقة ، أدرك الجاهلية. مترجم في التهذيب.
(11) في المخطوطة ، فوق"يتزاورون" ، حرف (ط) ، دلالة على الشك أو الخطأ. ولا أدري ما أراد بذلك ، والذي في المخطوطة والمطبوعة ، مثله في الدر المنثور.
(12) في المطبوعة: "تنئج البقرة" ، وفي الدر المنثور: "تنتج البقرة" ، وهو خطأ.
والذي في المطبوعة ، صواب في المعنى. يقال: "نأج الثور ينئج" ، إذا صاح. وأما الذي في المخطوطة ، فهو صواب أيضًا ، ولذلك أثبته ، يقال: "ثاجت البقرة تثاج وتثوج ، ثوجًا وثواجًا": صوتت. قال صاحب اللسان: "وقد يهمز ، وهو أعرف. إلا أن ابن دريد قال: ترك الهمز أعلى".
(13) "يعرت الشاة تيعر يعارًا": صاحت.
(14) أنا في شك في قوله"تتابع الطير" و"تتابع الحيتان" ، ولكن هكذا هو المطبوعة والمخطوطة ، وهو معنى شبيه بالاستقامة. وانظر التعليق التالي.
(15) في المطبوعة: "إلا أنه ما قال" ، زاد"ما" ، لأنه استشكل عليه الكلام ، فإن الذي قاله في هذا الخبر ، هو الذي قاله في الخبر السالف. والظاهر والله أعلم أن الأولى كما ضبطتها هناك"تتابع" (بفتح ثم تاء مفتوحة مشددة) وأن هذه الثانية"تتابع" (بفتح التاء الثانية غير مشددة) على حذف إحدى التاءات الثلاث.
(16) الأثران: 13099 ، 13100 - خرجهما السيوطي في الدر المنثور 3: 6 ، وقال: "أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سلمان . . ." ، وساق الخبر.
(17) الأثر: 13105 - رواه أحمد في مسنده بهذا الإسناد رقم: 8112 ، ولفظه: "غلبت غضبي". وانظر تعليق أخي السيد أحمد عليه هناك. وانظر التعليق على الأثر السالف رقم: 13096.
(18) "اختلج الشيء": جذبه وانتزعه.
(19) الأثر: 13106 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وأبي الشيخ.
(20) هكذا في المطبوعة ، وفي الدر المنثور ، "يتلوها" ، وهي في المخطوطة كذلك ، إلا أنها غير منقوطة ، وأنا في ريب من أمر هذا الحرف ، أخشى أن يكون محرفًا عن شيء آخر لم أتبينه ، وإن كان المعنى مستقيما على ضعف فيه.
(21) الأثر: 13108 -"محمد بن عوف بن سفيان الطائي" ، شيخ الطبري مضى ، برقم: 5445 ، 12194.
و"أبو المغيرة" : عبد القدوس بن الحجاج الخولاني" ، مضى برقم: 10371 ، 12194.
و"صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي" ، مضى برقم: 7009 ، 12807.
و"أبو المخارق": "زهير بن سالم العنسي". ذكره ابن حبان في الثقات ، "روى له أبو داود وابن ماجه حديثًا واحدًا". وقال الدارقطني: "حمصي ، منكر الحديث" ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/390 ، وابن أبي حاتم 1/2/587 ، وميزان الاعتدال 1: 353.
وهذا الخبر ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير. وهو خبر كما ترى ، عن كعب الأحبار ، مشوب بما كان من دأبه في ذكر الإسرائليات.
(22) هكذا في المطبوعة والمخطوطة ، وهو في معاني القرآن"جواب الأيمان" ، وهو الأجود.
(23) انظر معاني القرآن للفراء 1: 328. وهذا نص كلامه.
(24) الزيادة التي بين القوسين ، استظهرتها من سياق التفسير ، ليستقيم الكلام. وهي ساقطة من المخطوطة والمطبوعة.
(25) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام ، استظهرتها من معنى الآية. وانظر ما سيأتي في تفسيرها ص: 392 ، 393.
(26) انظر تفسير"الريب" فيما سلف 8: 592 ، تعليق: 5 ، والمراجع هناك.
(27) في المطبوعة والمخطوطة "بإيجابهم سخط الله" وهو لا يستقيم صوابه ما أثبت.
(28) ديوانه: 105 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 187. وهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة"خسر الخاسر" ، ورواية ديوانه وغيره: "غَبَنَ الْخَاسِر" بتحريك الباء بالفتح. والذي نص عليه أصحاب اللغة أن"الغبن" بفتح وسكون ، في البيع ، وأن"الغبن" (بفتحتين) في الرأي ، وهو ضعفه. فكأن ما جاء في رواية ديوان الأعشى ، ضرورة ، حركت الباء وهي ساكنة إلى الفتح. وأما رواية أبي جعفر ، فهي على الصواب يقال: "خسر خسرًا (بفتح فسكون) ، وخسرًا (بفتحتين)."
وهذا البيت من قصيدته في هجاء علقمة بن علاثة ومدح عامر بن الطفيل ، ذكرت خبرها في أبيات سلفت منها 1: 474/2 : 131/5 : 477 ، 478. وقبل البيت:
حَـــكَّمْتُمُونِي، فَقَضَـــى بَيْنَكُــمْ
أَبْلَـــجُ مِثْــلُ القَمَــرِ البَــاهِرِ
(29) انظر تفسير"الخسار" فيما سلف 10: 409 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 12 | ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
الأنعام: 20 | ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
اعلم أن هذه السورة الكريمة، قد اشتملت على تقرير التوحيد، بكل دليل عقلي ونقلي، بل كادت أن تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. فهذه الآيات، ذكر الله فيها ما يتبين به الهدى، وينقمع به الشرك. فذكر أن{ لَهُ} تعالى{ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} وذلك هو المخلوقات كلها، من آدميها، وجِنِّها، وملائكتها، وحيواناتها وجماداتها، فالكل خلق مدبرون، وعبيد مسخرون لربهم العظيم، القاهر المالك، فهل يصح في عقل ونقل، أن يعبد مِن هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الإخلاص للخالق، المدبر المالك، الضار النافع؟! أم العقول السليمة، والفطر المستقيمة، تدعو إلى إخلاص العبادة، والحب، والخوف، والرجاء لله رب العالمين؟!.{ السَّمِيعُ} لجميع الأصوات، على اختلاف اللغات، بتفنن الحاجات.{ الْعَلِيمُ} بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، المطلع على الظواهر والبواطن؟!.
ثم ساق- سبحانه- ما يشهد بشمول علمه وقدرته فقال: وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
قال القرطبي: (سكن معناه هدأ واستقر، والمراد ما سكن وما تحرك، فحذف لعلم السامع، وقيل: خص الساكن بالذكر لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة، وقيل:
المعنى، ما خلق، فهو عام في جميع المخلوقات متحركها وساكنها، فإنه يجرى عليه الليل والنهار، وعلى هذا فليس المراد بالسكون ضد الحركة بل المراد الخلق وهذا أحسن ما قيل لأنه يجمع شتات الأقوال) والمعنى: ولله- سبحانه- جميع ما استقر وتحرك ووجد في كل زمان ومكان من إنسان وحيوان ونبات وغير ذلك من المخلوقات، وهو- سبحانه- السميع لكل دقيق وجليل، العليم بكل الظواهر والبواطن، والتعبير بما في قوله: وَلَهُ ما سَكَنَ للدلالة على العموم والشمول.
ثم قال تعالى ( وله ما سكن في الليل والنهار ) أي : كل دابة في السموات والأرض ، الجميع عباده وخلقه ، وتحت قهره وتصرفه وتدبيره ، ولا إله إلا هو ( وهو السميع العليم ) أي : السميع لأقوال عباده ، العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم .
القول في تأويل قوله : وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا يؤمن هؤلاء العادلون بالله الأوثانَ, فيخلصوا له التوحيد، ويُفْرِدوا له الطاعة، ويقرّوا بالألوهية، جهلا =" وله ما سكن في الليل والنهار " ، يقول: وله ملك كل شيء, لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكنٌ في الليل والنهار. فمعلوم بذلك أن معناه ما وصفنا=" وهو السميع " ، يقول: وهو السميع ما يقول هؤلاء المشركون فيه، من ادّعائهم له شريكًا, وما يقول غيرهم من خلقه (30) =" العليم " ، بما يضمرونه في أنفسهم، وما يظهرونه بجوارحهم, لا يخفى عليه شيء من ذلك, فهو يحصيه عليهم, ليوفّي كل إنسان ثوابَ ما اكتسبَ، وجزاء ما عمل .
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: " سكن " ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13109 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وله ما سكن في الليل والنهار " ، يقول: ما استقرَّ في الليل والنهار.
---------------------
الهوامش :
(30) في المطبوعة: "من خلاف ذلك" ، غير ما في المخطوطة بسوء رأيه.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 137 | ﴿فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ |
---|
الأنعام: 13 | ﴿وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ |
---|
الأنعام: 115 | ﴿وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ |
---|
الأنبياء: 4 | ﴿قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ |
---|
العنكبوت: 5 | ﴿مَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأٓتٖۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ |
---|
العنكبوت: 60 | ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قُلْ} لهؤلاء المشركين بالله:{ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} من هؤلاء المخلوقات العاجزة يتولاني، وينصرني؟!. فلا أتخذ من دونه تعالى وليا، لأنه فاطر السماوات والأرض، أي:خالقهما ومدبرهما.{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} أي:وهو الرزاق لجميع الخلق، من غير حاجة منه تعالى إليهم، فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرزاق، الغني الحميد؟"{ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} لله بالتوحيد، وانقاد له بالطاعة، لأني أولى من غيري بامتثال أوامر ربي.{ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي:ونهيت أيضا، عن أن أكون من المشركين، لا في اعتقادهم، ولا في مجالستهم، ولا في الاجتماع بهم، فهذا أفرض الفروض عليَّ، وأوجب الواجبات.
ثم أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستنكر ما عليه المشركون من كفر وإلحاد، وأن ينفى عن نفسه بشدة ما تردوا فيه من جهالة وضلالة فقال:
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ.
أى: قل لهم- يا محمد- موبخا وزاجرا، بأى عقل أبحتم لأنفسكم الإشراك بالله، واتخذتم من دونه معبودا سواه، مع أنه- سبحانه- باعترافكم هو الخالق لكم وللسموات والأرض ولكل شيء؟
وقد سلطت الهمزة على المفعول الأول لا على الفعل، للإيذان بأن المستنكر إنما هو اتخاذ غير الله وليا لا اتخاذ الولي مطلقا، ونظير هذه الآية قوله- تعالى- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.
ثم دلل- سبحانه- على أنه هو وحده المستحق للعبادة بأمرين.
أولهما: قوله- تعالى- فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
أى خالقهما ومنشئهما على غير مثال سبق، فالفطر- كما قال اللغويون- الإبداع والإيجاد من غير سبق مثال يحتذي.
وثانيهما: قوله- تعالى- وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ.
أى: أنه- سبحانه- هو الذي لا يحتاج إلى أحد وكل ما سواه محتاج إليه وهو الرزاق لغيره، والمنافع كلها من عنده.
وقرأ أبو عمرو (وهو يطعم ولا يطعم) بفتح الياء في الثاني. أى: وهو يرزق غيره ويطعمه أما هو- سبحانه- فلا يتناول طعاما ولا شرابا.
وهذه الجملة حالية مؤيدة لإنكار اتخاذ ولى سوى الله، وفيها تعريض بمن اتخذوا أولياء من دونه من البشر بأنهم محتاجون إلى الطعام، وأنه- سبحانه- هو الذي خلق لهم هذا الطعام فهم عاجزون عن البقاء بدونه.
ثم أمره- سبحانه- بأن يصرح أمامهم بأنه برىء من شركهم ومن أفعالهم القبيحة فقال- تعالى- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
أى: قل أيها الرسول الكريم بعد إيراد هذه الآيات والحج الدالة على وحدانية الله: إنى أمرت من خالقي أن أكون أول من يسلم له وجهه ويخصه بالعبادة، كما أنى نهيت عن أن أكون من المشركين الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى.
وصح عطف الجملة الثانية الإنشائية على الأولى الخبرية لأن الأولى خبرية في اللفظ ولكنها إنشائية في المعنى فكانت في قوة الجملة الطلبية والتقدير: كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين، ويجوز عطفها على جملة قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ وهي إنشائية في اللفظ والمعنى.
ثم قال لعبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، الذي بعثه بالتوحيد العظيم والشرع القويم ، وأمره أن يدعو الناس إلى صراطه المستقيم : ( قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض ) كما قال ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) [ الزمر : 64 ] ، والمعنى : لا أتخذ وليا إلا الله وحده لا شريك له ، فإنه فاطر السموات والأرض ، أي : خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق .
( وهو يطعم ولا يطعم ) أي : وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم ، كما قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ] ) [ الذاريات : 56 - 58 ] .
وقرأ بعضهم هاهنا : ( وهو يطعم ولا يطعم ) الآية أي : لا يأكل .
وفي حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فانطلقنا معه ، فلما طعم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغسل يديه قال : الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، ومن علينا فهدانا ، وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله غير مودع ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه ، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام ، وسقانا من الشراب ، وكسانا من العري ، وهدانا من الضلال ، وبصرنا من العمى ، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين "
( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) أي : من هذه الأمة
القول في تأويل قوله : قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قل "، يا محمد، لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثانَ والأصنامَ, والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك, الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان: أشيئًا غيرَ الله تعالى ذكره: " أتخذ وليًّا "، أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث، (31) كما:-
13110 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " قل أغير الله أتخذ وليًّا " ، قال: أما " الولي"، فالذي يتولَّونه ويقرّون له بالربوبية .
* * *
=" فاطر السماوات والأرض " ، يقول: أشيئًا غير الله فاطر السماوات والأرض أتخذ وليًّا؟ ف " فاطر السماوات "، من نعت " الله " وصفته، ولذلك خُفِض. (32)
ويعني بقوله: " فاطر السماوات والأرض " ، مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما، كالذي:-
13111 - حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان, عن سفيان, عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما " فاطر السماوات والأرض ", حتى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر, فقال أحدهما لصاحبه: " أنا فَطَرتها ", يقول: أنا ابتدأتها.
13112 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فاطر السماوات والأرض " ، قال: خالق السماوات والأرض.
13113 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " فاطر السماوات والأرض " ، قال: خالق السماوات والأرض.
* * *
يقال من ذلك: " فطرها الله يَفطُرُها وَيفطِرها فَطرًا وفطورًا " (33) = ومنه قوله: هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [سورة الملك: 3 ] ، يعني: شقوقًا وصدوعًا. يقال: " سيف فُطارٌ"، إذا كثر فيه التشقق, وهو عيب فيه، ومنه قول عنترة:
وَسَــيْفِي كَالْعَقِيقَــةِ فَهْـوَ كِـمْعِي,
سِـــلاحِي, لا أَفَــلَّ وَلا فُطَــارَا (34)
ومنه يقال: " فَطَر ناب الجمل "، إذا تشقق اللحم فخرج، ومنه قوله: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ [سورة الشورى: 5] ، أي: يتشققن، ويتصدعن.
* * *
وأما قوله: " وهو يطعم ولا يطعم " ، فإنه يعني : وهو يرزق خلقه ولا يرزق، كما:-
13114 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وهو يطعم ولا يطعم " ، قال: يَرْزق, ولا يُرزق.
* * *
وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: (35) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يَطْعَمُ)، أي: أنه يُطعم خلقه, ولا يأكل هو = ولا معنى لذلك، لقلة القراءة به.
* * *
القول في تأويل قوله : قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قل "، يا محمد، للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله، ويحثّونك على عبادتها: أغير الله فاطر السماوات والأرض, وهو يرزقني وغيري ولا يرزقه أحد, أتخذ وليًّا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضًا: إني أمرني ربي: " أن أكون أول من أسلم " يقول: أوّل من خضع له بالعبودية، وتذلّل لأمره ونهيه، وانقاد له من أهل دهرِي وزماني =" ولا تكوننَّ من المشركين " ، يقول: وقل: وقيل لي: لا تكونن من المشركين بالله، الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء.
= وجعل قوله: " أمرت " بدلا من: " قيل لي", لأن قوله " أمرت " معناه: " قيل لي". فكأنه قيل: قل إني قيل لي: كن أول من أسلم, ولا تكونن من المشركين= فاجتزئ بذكر " الأمر " من ذكر " القول ", إذ كان " الأمر "، معلومًا أنه " قول " .
-----------------
الهوامش :
(31) انظر تفسير"الولي" فيما سلف 10: 424 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(32) انظر معاني القرآن للفراء 1: 328 ، 329.
(33) هذه العبارة عن معنى"فطر" ، فاسدة جدًا ، ولا شك عندي في أن الكلام قد سقط منه شيء ، فتركته على حاله ، مخافة أن يكون في نص أبي جعفر شيء لم تقيده كتب اللغة. ومن شاء أن يستوفي ذلك ، فليراجع كتب اللغة.
(34) ديوانه ، في أشعار الستة الجاهلين: 384 ، وأمالي ابن الشجري 1: 19 ، واللسان (فطر) (عقق) (كمع) (فلل) ، من أبياته التي قالها وتهدد بها عمارة بن زياد العبسي ، وكان يحسد عنترة على شجاعته ، ويظهر تحقيره ، ويقول لقومه بني عبس: "إنكم قد أكثرتم من ذكره ، ولوددت أني لقيته خاليا حتى أريحكم منه ، وحتى أعلمكم أنه عبد"! فقال عنترة:
أحَـوْلِي تَنْفُــضُ اسْـتُكَ مِذْرَوَيهَـا
لِتَقْتُلَنِــي? فَهَــا أنَــا ذَا، عُمَـارَا!
مَتَـى مـا تَلْقَنِـى خِـلْوَينَ، تَرْجُـفْ
رَوَانِـــفُ ألْيَتَيْـــكَ وتُسْــتَطَارَا
وَسَــيْفِي صَــارِمٌ قَبَضَـتْ عَلَيْـهِ
أشَــاجِعُ لا تَــرَى فِيهَـا انْتِشَـارَا
وسَـــيْفِي كالعَقِيقِـــة . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و"العقيقة": شقة البرق ، وهو ما انعق منه ، أي: تشقق. و"الكمع" و"الكميع" الضجيع. و"الأفل": الذي قد أصابه الفل ، وهو الثلم في حده.
(35) في المطبوعة والمخطوطة: "أنه كان يقول ذلك" ، وهو خلط شديد ، صواب قراءته ما أثبت. وهذه القراء التالية ، ذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات: 36 ، ونسبها إلى الأعمش ، وذكرها أبو حيان في تفسيره 4: 85 ، 86 ، ونسبها أيضًا إلى مجاهد وابن جبير ، وأبي حيوة ، وعمرو بن عبيد ، وأبي عمرو ، في رواية عنه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 14 | ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
يونس: 105 | ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
القصص: 87 | ﴿وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
فاطر:
قرئ:
1- بالكسر، نعتا، وهى قراءة الجمهور.
2- بالرفع، على إضمار «هو» ، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
3- بالنصب، على المدح، وهى قراءة شاذة.
4- فطر، فعل ماض، وهى قراءة الزهري.
ولا يطعم:
قرئ:
1- بفتح الياء، وهى قراءة الأعمش، وأبى حيوة، وعمرو بن عبيد، وأبى عمرو، فى رواية عنه.
2- بضم الياء وكسر العين، ويكون الضمير عائدا على «الولي» ، وهى قراءة العماني، وابن أبى عبلة.
3- ببنائه للفاعل مع بناء الأول للمفعول، والضمير لغير الله، وقد رويت عن ابن المأمون، عن يعقوب.
التفسير :
{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فإن المعصية في الشرك توجب الخلود في النار، وسخطَ الجبار. وذلك اليوم هو اليوم الذي يُخاف عذابه، ويُحذر عقابه؛ لأنه مَن صُرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم، ومن نجا فيه فهو الفائز حقا، كما أن من لم ينج منه فهو الهالك الشقي.
ثم أمره- سبحانه- بأن يعلن أمامهم بأن خوفه من خالقه يحتم عليه أن يبتعد عن كل معصية فقال:
قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
أى: قل لهم- يا محمد- على سبيل الإنذار والتحذير من الاستمرار في الكفر إنى أخاف إن عصيت خالقي عذاب يوم عظيم الأهوال تذهل فيه كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.
وفي هذا التحذير أسمى ألوان التعبير والتصوير لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلق إلى الله سينا له العذاب إن كان- على سبيل الفرض والتقدير- قد عصى ربه في الدنيا. فكيف بأولئك الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى؟ فمن الواجب عليهم أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته وإخلاصه لربه.
وكلمة عَذابَ مفعول لأخاف، وجواب الشرط محذوف والتقدير: إن عصيت ربي استحققت العذاب العظيم.
( قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) يعني : يوم القيامة .
القول في تأويل قوله : قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين العادلين بالله، الذين يدعونك إلى عبادة أوثانهم: إنّ ربي نهاني عن عبادة شيء سواه =" وإني أخاف إن عصيت ربي", فعبدتها =" عذاب يوم عظيم ", يعني: عذاب يوم القيامة. ووصفه تعالى ب " العظم " لعظم هَوْله، وفظاعة شأنه .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 15 | ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ |
---|
الزمر: 13 | ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ |
---|
يونس: 15 | ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فإن المعصية في الشرك توجب الخلود في النار، وسخطَ الجبار. وذلك اليوم هو اليوم الذي يُخاف عذابه، ويُحذر عقابه؛ لأنه مَن صُرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم، ومن نجا فيه فهو الفائز حقا، كما أن من لم ينج منه فهو الهالك الشقي.
ثم بين- سبحانه- أن النجاة من هول هذا اليوم غنيمة ليس بعدها غنيمة فقال: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ، وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ.
أى: من يصرف عنه عذاب هذا اليوم، فإنه يكون ممن شملتهم رحمة الله ورعايته، وذلك هو الفوز الذي ليس بعده فوز.
والضمير الذي يعتبر نائب فاعل ليصرف، يعود على العذاب العظيم الذي سيحل بالمجرمين يوم القيامة.
وفي قراءة لحمزة والكسائي وأبى بكر عن عاصم (من يصرف) بفتح الياء فيكون الضمير عائدا على الله- ويكون المفعول محذوفا. والتقدير من يصرف الله عنه هذا العذاب العظيم في ذلك اليوم فقد شملته رحمة الله، وعلى كلتا القراءتين فالضمير في قوله (فقد رحمه) يعود على الله- تعالى-:هذا، وفي هذه الآيات الخمس نجد القرآن قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله قُلْ خمس مرات وهو أسلوب إنذارى تلقيني كثر استعماله في هذه السورة- كما سبق أن قلنا في التمهيد لها- لأنه يلقن النبي صلى الله عليه وسلم الحجج التي تزلزل كيان المشركين وتأتى على بنيانهم من القواعد. وفضلا عن ذلك فهو لون من التفنن في أسلوب الدعوة إلى أن يحتاج إليه المرشدون والدعاة. لأن التزام أسلوب واحد في إقامة الحجة على الخصم يفضى إلى السآمة والملل، ومن هنا فقد لون القرآن أساليبه حتى تناسب العقول على اختلاف مداركها، وصدق الله إذ يقول انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ.
ثم بين- سبحانه- أن نواصي العباد بيديه، وأنه هو المتصرف في خلقه بما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه فقال- تعالى-:
( من يصرف عنه ) يعني : العذاب ( يومئذ فقد رحمه ) يعني : فقد رحمه الله ( وذلك الفوز المبين ) كما قال : ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) [ آل عمران : 185 ] ، والفوز : هو حصول الربح ونفي الخسارة .
القول في تأويل قوله : مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)
قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ ، بضم " الياء " وفتح " الراء ", بمعنى: من يُصرف عنه العذاب يومئذ .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: (مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ) ، بفتح " الياء " وكسر " الراء ", بمعنى: من يصرف الله عنه العذاب يومئذ.
* * *
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي, قراءة من قرأه: (يَصْرِفْ عَنْهُ)، بفتح " الياء " وكسر " الراء ", لدلالة قوله: " فقد رحمه " على صحة ذلك, وأنّ القراءة فيه بتسمية فاعله. ولو كانت القراءة في قوله: " من يصرف " ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله, كان الوجه في قوله: " فقد رحمه " أن يقال : " فقد رُحِم " غير مسمى فاعله. وفي تسمية الفاعل في قوله: " فقد رحمه " ، دليل بيِّن على أن ذلك كذلك في قوله: " من يَصرف عنه ".
* * *
وإذا كان ذلك هو الوجه الأولَى بالقراءة, فتأويل الكلام: منْ يصرف عنه من خلقه يومئذ عذابه فقد رحمه =" وذلك هو الفوز المبين " ، ويعني بقوله: " وذلك " ، وصرفُ الله عنه العذاب يوم القيامة, ورحمته إياه =" الفوز " ، أي: النجاة من الهلكة، والظفر بالطلبة (36) =" المبين " ، يعني الذي بيَّن لمن رآه أنه الظفر بالحاجة وإدراك الطَّلِبة. (37)
وبنحو الذي قلنا في قوله: " من يصرف عنه يومئذ " قال أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
13115 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله " من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه " ، قال: من يصرف عنه العذاب .
------------------
الهوامش :
(36) انظر تفسير"الفوز" فيما سلف ص: 245 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(37) انظر تفسير"مبين" فيما سلف ص: 265 ، تعليق 3 ، والمراجع هناك.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 16 | ﴿مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ |
---|
الجاثية: 30 | ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
يصرف:
قرئ:
1- مبنيا للفاعل، وهى قراءة حمزة، وأبى بكر، والكسائي.
2- مبنيا للمفعول، وهى قراءة باقى السبعة.
التفسير :
ومن أدلة توحيده، أنه تعالى المنفرد بكشف الضراء، وجلب الخير والسراء. ولهذا قال:{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أو هم أو نحوه.{ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فإذا كان وحده النافع الضار، فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية.
المس: أعم من اللمس في الاستعمال. يقال: مسه السوء والكبر والعذاب والتعب. أى:
أصابه ذلك ونزل به.
«والضر: اسم للألم والحزن والخوف وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما كما أن النفع اسم للذة والسرور وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما» .
والخير: اسم لكل ما كان فيه منفعة أو مصلحة حاضرة أو مستقبله.
والمعنى: إن الناس جميعا تحت سلطان الله وقدرته، فما يصيبهم من ضر كمرض وتعب وحزن اقتضته سنة الله في هذه الحياة، فلا كاشف له إلا هو، وما يصيبهم من خير كصحة وغنى وقوة وجاه فهو- سبحانه- قادر على حفظه عليهم، وإبقائه لهم، لأنه على كل شيء قدير.
والخطاب في الآية يصح أن يكون موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتقويته في دعوته، وتثبيته أمام كيد الأعداء وأذاهم، كما يصح أن يكون لكل من هو أهل للخطاب.
قال صاحب المنار: «ومن دقائق بلاغة القرآن المعجزة، تجرى الحقائق بأوجز العبارات، وأجمعها لمحاسن الكلام مع مخالفته بعضها في بادئ الرأى لما هو الأصل في التعبير، كالمقابلة هنا بين الضر والخير، وإنما مقابل الضر النفع ومقابل الخير الشر، فنكتة المقابلة أن الضر من الله ليس شرا في الحقيقة بل هو تربية واختبار للعبد يستفيد به من هو أهل للاستفادة أخلاقا وأدبا وعلما وخبرة. وقد بدأ بذكر الضر لأن كشفه مقدم على نيل مقابله، كما أن صرف العذاب في الآخرة مقدم على النعيم» .
وقوله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ جوابه محذوف تقديره: فلا راد له غيره.
وقوله: فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تعليل لكل من الجوابين المذكورين في الشرطية الأولى والمحذوف في الثانية.
وفي معنى هذه الآية جاءت آيات أخرى منها قوله- تعالى-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» .
يقول تعالى مخبرا أنه مالك الضر والنفع ، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ) كما قال تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ) الآية [ فاطر : 2 ] وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد "
القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد, إن يصبك الله (38) =" بضر ", يقول: بشدة في دنياك، وشظَف في عيشك وضيق فيه, (39) فلن يكشف ذلك عنك إلا الله الذي أمرك أن تكون أوّل من أسلم لأمره ونهيه, وأذعن له من أهل زمانك, دون ما يدعوك العادلون به إلى عبادته من الأوثان والأصنام، ودون كل شيء سواها من خلقه =" وإن يمسسك بخير "، يقول: وإن يصبك بخير، أي: برخاء في عيش، وسعة في الرزق، وكثرة في المال، فتقرّ أنه أصابك بذلك =" فهو على كل شيء قدير " ، يقول تعالى ذكره: والله الذي أصابك بذلك، فهو على كل شيء قدير (40) هو القادر على نفعك وضرِّك, وهو على كل شيء يريده قادر, لا يعجزه شيء يريده، ولا يمتنع منه شيء طلبه, ليس كالآلهة الذليلة المَهينة التي لا تقدر على اجتلاب نفع على أنفسها ولا غيرها، ولا دفع ضر عنها ولا غيرها. يقول تعالى ذكره: فكيف تعبد من كان هكذا، أم كيف لا تخلص العبادة, وتقرُّ لمن كان بيده الضر والنفع، والثواب والعقاب، وله القدرة الكاملة، والعزة الظاهرة؟
------------
الهوامش :
(38) انظر تفسير"المس" فيما سلف 10: 482 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(39) انظر تفسير"الضر" فيما سلف 7: 157/10 : 334.
(40) انظر تفسير"قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 17 | ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ |
---|
يونس: 107 | ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فلا يتصرف منهم متصرف، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، إلا بمشيئته، وليس للملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه، بل هم مدبرون مقهورون، فإذا كان هو القاهر وغيره مقهورا، كان هو المستحق للعبادة.{ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فيما أمر به ونهى، وأثاب، وعاقب، وفيما خلق وقدر.{ الْخَبِيرُ} المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الأمور، وهذا كله من أدلة التوحيد.
ثم بين- سبحانه- كمال قدرته، وعظيم سلطانه فقال: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.
أى أنه- كما قال ابن كثير- «هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجباه. وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه الأشياء، وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه» .
ولهذا قال تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) أي : هو الذي خضعت له الرقاب ، وذلت له الجبابرة ، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره
( وهو الحكيم ) أي : في جميع ما يفعله ) الخبير ) بمواضع الأشياء ومحالها ، فلا يعطي إلا لمن يستحق ولا يمنع إلا من يستحق .
القول في تأويل قوله : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وهو "، نفسَه، يقول: والله الظاهر فوق عباده (41) = ويعني بقوله: " القاهر " ، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنما قال: " فوق عباده ", لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم. ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه .
فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عبادَه, المذلِّلهم, العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم, فهو فوقهم بقهره إياهم, وهم دونه =" وهو الحكيم " ، يقول: والله الحكيم في علِّوه على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره (42) =" الخبير "، بمصالح الأشياء ومضارِّها, الذي لا يخفي عليه عواقب الأمور وبواديها, ولا يقع في تدبيره خلل , ولا يدخل حكمه دَخَل. (43)
* * *
---------------
الهوامش :
(41) في المطبوعة: "والله القاهر" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب في التفسير.
(42) انظر تفسير"الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم).
(43) انظر تفسير (الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة (خبر).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 18 | ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ |
---|
الأنعام: 61 | ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء