210151617181920

الإحصائيات

سورة يونس
ترتيب المصحف10ترتيب النزول51
التصنيفمكيّةعدد الصفحات13.50
عدد الآيات109عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.30
ترتيب الطول10تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 4/29آلر: 1/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (15) الى الآية رقم (17) عدد الآيات (3)

بعدَ إنكارِ المُشرِكينَ للوَحيِ في أوَّلِ السورةِ يطلبُونَ هنا من النَّبي ﷺ قرآنًا غيرَ هذا القرآنِ أو تبديلَ بعضِ آياتِه لِما فيه من شتمِ أصنامِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (18) الى الآية رقم (20) عدد الآيات (3)

لَمَّا طلبَ المشركونَ من النَّبي ﷺ قرآنًا غيرَ هذا القرآنِ لأنَّه مُشتَمِلٌ على شَتمِ الأصنامِ ذكَرَ اللهُ هنا ما يدُلُّ على قُبحِ عبادةِ الأصنامِ، ثُمَّ بيانُ سنَّةِ اللهِ في اختلافِ النَّاسِ، واستمرارِ الكفارِ في طلبِ المعجزاتِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة يونس

تثبيت النبي ﷺ/ الدعوة إلى الإيمان بالله قبل فوات الأوان/ التسليم لقضاء الله وقدره وبيان حكمة الله وتدبيره

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هل تتحدث سورة يونس عن قصة يونس عليه السلام ؟:   الجواب: لا، لم تتحدث سورة يونس عن قصة يونس عليه السلام. لم تذكر قصته، بل ذكرت قومه مرة واحدة فقط (وفي آية واحدة فقط، آية من 109 آية)، وهى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ (98). فالكلام هنا عن قومه، وهو الآن ليس موجودًا معهم، لأنه تركهم وكان في بطن الحوت عند إيمانهم. ذُكِرَ يونس عليه السلام في القرآن 6 مرات: 4 بالاسم الصريح في: النساء والأنعام ويونس والصافات، وذكر بالوصف في سورتين؛ في الأنبياء: ذا النون، وفي القلم: صاحب الحوت. وذكرت قصته في: الأنبياء والصافات والقلم، وذكر الاسم فقط في: النساء والأنعام ويونس.
  • • لماذا سميت السورة باسم يونس ولم تذكر قصته هنا؟:   والجواب: أن قوم نوح هلكوا، وآل فرعون غرقوا، لكن قوم يونس نجوا، فكانت السورة رسالة للنبي ﷺ: اصبر يا محمد ﷺ على قومك، لا تستعجل كما استعجل يونس، فسوف يؤمن أهل مكة كما آمن قوم يونس (وقد وقع هذا بالفعل في فتح مكة). ولهذا نحن الآن لا نستغرب ما فعله النبي ﷺ عندما جاءه مَلَكُ الْجِبَالِ أثناء رجوعه من الطائف، وقال له: «يَا مُحَمّدُ، إنْ شِئْت أَطْبَقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ»، فكان رده ﷺ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» . ونلاحظ: أن يونس عليه السلام هو النبي الوحيد الذي آمن به قومه ولم يهلكهم العذاب. فكانت السورة بشري ضمنية لرسول الله ﷺ أنك ستكون مثل يونس في هذا الأمر، قومك سيسلمون علي يديك بإذن الله، ولن يهلكهم العذاب (وهذا ما حدث بالفعل في فتح مكة بعد ذلك).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «يونس».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله يونس بن متى عليه السلام ، أرسله الله إلى أهل نينوى من أرض الموصل.
  • • سبب التسمية ::   لما ‏تضمنته ‏من ‏العظة ‏والعبرة ‏برفع ‏العذاب ‏عن ‏قومه ‏حين ‏آمنوا ‏بعد ‏أن ‏كاد ‏يحل ‏بهم ‏البلاء ‏والعذاب، ‏وهذه ‏من ‏الخصائص ‏التي ‏خصَّ ‏الله ‏بها ‏قوم ‏يونس.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن النفع والضر بيد الله عز وجل وحده دون ما سواه: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   التسليم لقضاء الله وقدره.
  • • علمتني السورة ::   أن الله حافظ عبده، فبقي يونس في بطن الحوت دون أن يموت، وقد أعاده الله للحياة.
  • • علمتني السورة ::   ما يقدره الله حولك من أحداث وأخبار ونوازل إنما هو تذكير لك، فاحذر أن تكون عنها غافلًا: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • o عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة يونس من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة يونس تعتبر -بحسب ترتيب المصحف- أول سور المئين.
    • سورة يونس تعتبر -بحسب ترتيب المصحف- أول سورة تسمى باسم نبي، والسور التي سميت باسم نبي 6 سور، هي: يونس، وهود، وإبراهيم، ويوسف، ومحمد، ونوح عليهم السلام.
    • سورة يونس تشبه سورة الأنعام من حيث الموضوع والأسلوب، فكلتاهما تتناول حقائق العقيدة من حيث الجانب النظري، ومواجهة ومجادلة المشركين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر بالتوبة قبل فوات الأوان، قبل أن يقال لنا: (آلآن) كما قيل لفرعون.
    • أن نُسَلِّم لقضاء الله وقدره.
    • أن لا نيأس من دعوة الناس أبدًا.
    • أن نطيع الله وننفذ ما يأمرنا به مهما شعرنا باليأس والتعب، سيأتي الفرج يومًا من عنده.
    • أن نتذكر كلّما خشينا أمرًا، أو اعترانا همّ، أو أصابتنا كُربة، أن الله وحده من: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ (3).
    • أن نتذكر ضُّرًا أو مرضًا كشفه الله عنا، ثم نجتهد في حمده وشكره: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾ (12).
    • ألا نؤمل في الناس خيرًا أكثر من اللازم: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ (12)، فقد تحسن إلى إنسان فلا يكافئك على إحسانك، فلا تتعجب، فمن الناس من يكشف الله عنه الضُرَّ فيمر كأن الله لم يكشف عنه شيئًا، فإذا كان هذا تعامله مع خالقه فمن باب أولى أن يكون تعامله مع عبد مثله ومخلوق مثله أردى من ذلك وأسوأ.
    • أن نستمر في تذكر الآخرة؛ ففي هذا حماية من الوقوع في المعاصي: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (15).
    • أن نحذر من الوقوع في الشرك، ونحذر من حولنا، ونبين لهم أن من الشرك دعاء غير الله أو الاستشفاع بالأموات: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ﴾ (18).
    • أن نتقي ثلاثة أمور فإنها ترجع على صاحبها: 1- المكر: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر 43). 2- البغي: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم﴾ (23). 3- النكث: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (الفتح 10).
    • ألا نغتر بالحياة الدنيا وزينتها؛ فإنها حياة قصيرة: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ... فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ (24).
    • أن نحسن أعمالنا في الدنيا ليحسن الله إلينا يوم القيامة: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ﴾ (26). • ألا نقلق؛ فالذي يدبر الأمر هو الله، حتى المشركين يعرفون ذلك: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ... وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ (31).
    • أن نقرأ آيات التحدي، ونتفكر في عجز المشركين: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (38).
    • أن نحدد شخصًا أو مجموعة يذكروننا بالمعصية، ونحتسب الأجر في ترك صحبتهم: ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (41).
    • أن نفتدي أنفسنا اليوم من عذاب الله، ولو بقليل مال، أو يسير طعام أو شراب، أو ركعة، أو سجدة، قبل أن نتمنى أن نفتدي بالدنيا وما فيها: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ﴾ (54).
    • أن نحتاط في الفتوى، ونحذر من القول على الله بلا علم: ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (60).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فجميع أعمالنا محصاة علينا من خير وشر: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (61).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا بـ: ‏﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ (72) عند كل عمل نقوم به، لا ننتظر جزاءً إلا من الله. • ألا نترك موضع إبرة في قلوبنا فيه اعتماد على غير الله: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ (84).
    • أن نحرص على التأمين حال سماع الدعاء؛ فإن التأمين بمنْزلة الدعاء: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾ (89). • أن تكون دعوتنا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وليست بالإكراه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (99).
    • أن نخلص العبادة لله وحده لا شريك له: ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (105). • ألا نقلق، بل نطمئن ونتوكل على الله فهو المدبر: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (107).

تمرين حفظ الصفحة : 210

210

مدارسة الآية : [15] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ..

التفسير :

[15] وإذا تتلى على المشركين آيات الله التي أنزلناها إليك -أيها الرسول- واضحات، قال الذين لا يخافون الحساب، ولا يرجون الثواب، ولا يؤمنون بيوم البعث والنشور:ائت بقرآن غير هذا، أو بدِّل هذا القرآن:بأن تجعل الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والوعد وعيداً، والو

يذكر تعالى تعنت المكذبين لرسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الله القرآنية المبينة للحق، أعرضوا عنها، وطلبوا وجوه التعنت فقالوا، جراءة منهم وظلما‏:‏ ‏{‏ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ‏}‏ فقبحهم الله، ما أجرأهم على الله، وأشدهم ظلما وردا لآياته‏.‏

فإذا كان الرسول العظيم يأمره الله، أن يقول لهم‏:‏ ‏{‏قُلْ مَا يَكُونُ لِي‏}‏ أي‏:‏ ما ينبغي ولا يليق ‏{‏أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي‏}‏ فإني رسول محض، ليس لي من الأمر شيء، ‏{‏إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ‏}‏ أي‏:‏ ليس لي غير ذلك، فإني عبد مأمور، ‏{‏إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏}‏ فهذا قول خير الخلق وأدبه مع أوامر ربه ووحيه، فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين، الذين جمعوا بين الجهل والضلال، والظلم والعناد، والتعنت والتعجيز لرب العالمين، أفلا يخافون عذاب يوم عظيم‏؟‏‏"‏‏.‏

قال الآلوسى ما ملخصه: «عن مقاتل قال: إن الآية وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا..

نزلت في جماعة من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد أن نؤمن لك، فأت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى وليس فيه ما يعيبها. وإن لم ينزل الله- تعالى- عليك ذلك فقل أنت هذا من نفسك، أو بدله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة، ومكان حرام حلالا، ومكان حلال حراما، .

والمعنى: وإذا تتلى على أولئك المشركين آياتنا الواضحة المنزلة عليك- يا محمد- قالوا على سبيل العناد والحسد: ائت بقرآن آخر سوى هذا القرآن الذي تتلوه علينا، أو بدله بأن تجعل مكان الآية التي فيها سب لآلهتنا، آية أخرى فيها مدح لها.

وفي الآية الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة، إظهارا للإعراض عنهم، حتى لكأنهم غير حاضرين، وغير أهل لتوجيه الخطاب إليهم.

والمراد بالآيات: الآيات القرآنية الدالة على وحدانية الله- تعالى- وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وأضافها- سبحانه- إليه على سبيل التشريف والتعظيم، وأسند التلاوة إلى الآيات بصيغة المبنى للمفعول، للإشارة إلى أن هذه الآيات لوضوحها، ولمعرفتهم التامة لتاليها، صارت بغير حاجة إلى تعيين تاليها صلى الله عليه وسلم.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: فماذا كان غرضهم- وهم أدهى الناس وأمكرهم- في هذا الاقتراح؟

قلت: الكيد والمكر. أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وأنك قادر على مثله، فأبدل مكانه آخر، وأما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال، وأنه إذا وجد منه تبديل، فإما أن يهلكه الله فينجوا هم منه أو لا يهلكه فيسخروا منه، ويجعلوا التبديل حجة عليه، وتصحيحا لافترائه على الله» .

وقوله: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هذا القول أمر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يزهق باطلهم.

وكلمة تِلْقاءِ مصدر من اللقاء كتبيان من البيان، وكسر التاء فيهما سماعي، والقياس في هذا المصدر فتحها كالتكرار والتطواف والتجوال.

والمعنى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- على سبيل التوبيخ: لا يصح لي بحال من الأحوال، أن أبدل هذا القرآن من عند نفسي ومن جهتها وإنما أنا أبلغكم ما أنزل الله على منه، بدون زيادة أو نقصان، أو تغيير أو تبديل.

وقوله: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ تعليل لمضمون ما قبله من امتناع الإتيان بغيره أو تبديله، والاقتصار على اتباع الوحى.

أى: إنى أخاف إن عصيت ربي أية معصية، عذاب يوم عظيم الهول، وإذا كان شأنى أن أخشاه- سبحانه- من أية معصية ولو كانت صغيرة، فكيف لا أخشاه إن عصيت بتبديل كلامه استجابة لأهوائكم؟

يخبر تعالى عن تعنت الكفار من مشركي قريش الجاحدين الحق المعرضين عنه ، أنهم إذا قرأ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الله وحججه الواضحة قالوا له : ( ائت بقرآن غير هذا ) أي : رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر ، أو بدله إلى وضع آخر ، قال الله لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) أي : ليس هذا إلي ، إنما أنا عبد مأمور ، ورسول مبلغ عن الله ، ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم )

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا قرئ على هؤلاء المشركين آيات كتاب الله الذي أنـزلنَاه إليك ، يا محمد (1) ، (بينات)، واضحات ، على الحق دالاتٍ (2) ، (قال الذين لا يرجون لقاءنا)، يقول: قال الذين لا يخافون عقابنا ، ولا يوقنون بالمعاد إلينا ، ولا يصدّقون بالبعث ، (3) لك ، (ائت بقرآن غير هذا أو بدّله) ، يقول: أو غيِّره (4) ، (قل) لهم ، يا محمد ، (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) ، أي: من عندي. (5)

* * *

والتبديل الذي سألوه ، فيما ذكر، أن يحوّل آية الوعيد آية وعد ، وآية الوعد وعيدًا والحرامَ حلالا والحلال حرامًا، فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه ، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع.

* * *

وقوله: (إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) ، يقول: قل لهم: ما أتبع في كل ما آمركم به أيها القوم ، وأنهاكم عنه ، إلا ما ينـزله إليّ ربي ، ويأمرني به (6) ، ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ، يقول: إني أخشى من الله إن خالفت أمره ، وغيَّرت أحكام كتابه ، وبدّلت وَحيه، فعصيته بذلك، عذابَ يوم عظيمٍ هَوْلُه، وذلك: يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتَضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى. (7)

-----------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " تلا " فيما سلف 13 : 502 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(2) انظر تفسير " بينات " فيما سلف من فهارس اللغة ( بين ) .

(3) انظر تفسير " الرجاء " فيما سلف ص : 34 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(4) انظر تفسير " التبديل " فيما سلف 11 : 335 / 12 : 62 ، وفهارس اللغة ( بدل ) .

(5) انظر تفسير " تلقاء " فيما سلف 12 : 466 .

(6) انظر تفسير " الوحي " فيما سلف من فهارس اللغة ( وحي ) .

(7) هذا تضمين لآية سورة الحج : 2 .

التدبر :

وقفة
[15] دل قوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ أن الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله، وعدم رجائه، وأن من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به؛ لأنه حسن القصد.
وقفة
[15] ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كَاذبون في ذلك؛ فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، تابعاً لحكمته الربانية ورحمته بعباده.
وقفة
[15] ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ ما أشبه الليلة بالبارحة! ألا تذكرك هذه الآية ببعض من ينادون بتخفيف لهجة الخطاب الديني أو تجديده؟!
وقفة
[15] ﴿أَوْ بَدِّلْهُ﴾ التبديل الذي سألوه فيما ذكر: أن يحوّل آية الوعيد آية وعد، وآية الوعد وعيدًا، والحرامَ حلالا، والحلال حرامًا، فأمر الله نبيَّه ﷺ أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردُّ حكمه، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه ، وإنما هو رسول مبلِّغ ومأمور مُتَّبع.
وقفة
[15] ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ بهذا يكون الثبات، وتحصل العصمة الزلل والانحراف.
وقفة
[15] الخوف من عذاب الله حصن وأمان من الإنحرافات والزيغ والتنازلات ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
وقفة
[15] الجمع بين المعصية وقلة الخوف من الله من علامات مرض القلب ﴿إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
وقفة
[15] الاستمرار في تذكر الآخرة حماية للإنسان من الوقوع في المعاصي ﴿إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
عمل
[15] تذكر ذنبًا كبيرًا فعلته، وأكثر من الاستغفار وعمل الصالحات؛ لعل الله يغفره لك ﴿إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
تفاعل
[15] ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وإذا:
  • الواو: استئنافية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو أداة شرط غير جازمة.
  • ﴿ تتلى عليهم آياتنا بينات:
  • الجملة: في محل جر بالإضافة لوقوعها لعد الظرف \"إذا\" تتلى: فعل مضارع مبني للجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر لفظه للحاضر ومعناه للماضي. أي بمعنى وإذا قرئت و \"عليهم\" جار ومجرور متعلق بتتلى. و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى. آيات: نائب فاعل مرفوع بالضمة و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. بينات: حال منصوب بالكسرة بدلاً من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. بمعنى: واضحات.
  • ﴿ قال الذين:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها من الاعراب. قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لا يرجون لقاءنا:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها أي بمعنى: لا يتوقعون لقاءنا وهم المشركون. لا: نافية لا محمل لها. يرجون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. لقاء: مفعول به منصوب بالفتحة. و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إئتِ بقرآن غير هذا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول -. إئتِ: فعل أمر مبني على حذف آخره. الياء - حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت. بمعنى \"هات\" بقرآن: جار ومجرور متعلق بإئت. وجواب الطلب لإئتِ محذوف تقديره نتبعك. غير: صفة - نعت - لقرآن مجرور أيضاً. هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ أو يدّله:
  • أو: حرف عطف للتخيير. بدّله: فعل معطوف على \"إئت\" ويعرب إعرابه وعلامة بنائه السكون في آخره والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ قل:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت. أي فقل لهم.
  • ﴿ ما يكون لي أن أبدّله:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول - ما: نافية لا عمل لها. يكون: فعل مضارع تام مرفوع بالضمة بمعنى: ينبغي. يحل. لي: جار ومجرور متعلق بالفعل \"يكون\" أنْ: حرف مصدري ناصب. أبدّله: فعل مضارع منصوب بأنْ وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنا. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به و \"أنْ\" وما بعدها: بتأويل مصدر في محل رفع فاعل يكون. وجملة \"أبدله\" صلة \"أنْ\" المصدرية لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ من تلقاء نفسي:
  • جار ومجرور متعلق بأبدله أي من قبل. نفسي: مضاف إليه مجرور بالكسرة والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنْ أتبع:
  • إنْ: حرف نفي بمعنى \"ما\" لا عمل له. اتبع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنا.
  • ﴿ إلا ما يوحى إلي:
  • إلا: أداة حصر لا عمل لها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يوحى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو. إلي: جار ومجرور متعلق بيوحى وجملة \"يوحى\" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ إني أخاف:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم \"إن\". أخاف: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنا: وجملة \"أخاف\" في محل رفع خبر \"إنّ\".
  • ﴿ إنْ عصيت ربي:
  • الجملة اعتراضية بين الفعل ومفعوله لا محل لها. إن: أداة شرط جازمة. عصيت: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع فعل الشرط في محل جزم والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. ربي: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء. والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة أي إنْ عصيت ربي بتبديل القرآن وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. التقدير: إنْ عصيت ربي فإني أخاف عذاب يوم عظيم.
  • ﴿ عذاب يوم عظيم:
  • عذاب: مفعول به منصوب بالفتحة. يوم: مضاف إليه مجرور بالكسرة. عظيم: صفة - نعت - ليوم مجرورة مثلها بالكسرة النونة. '

المتشابهات :

يونس: 7﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
يونس: 11﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
يونس: 15﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ
الفرقان: 21﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ قالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في مُشْرِكِي مَكَّةَ.قالَ مُقاتِلٌ: وهم خَمْسَةُ نَفَرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ المَخْزُومِيُّ، والوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، ومِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي قَيْسٍ العامِرِيُّ، والعاصُ بْنُ عامِرٍ، قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: ائْتِ بِقُرْآنٍ لَيْسَ فِيهِ تَرْكُ عِبادَةِ اللّاتِ والعُزّى.وقالَ الكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ في المُسْتَهْزِئِينَ، قالُوا: يا مُحَمَّدُ، ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذا فِيهِ ما نَسْألُكَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     وبعد إنكارِ المُشرِكينَ للوَحيِ في أوَّلِ السورةِ؛ يطلبُونَ هنا من النَّبي r قرآنًا غيرَ هذا القرآنِ أو تبديلَ بعضِ آياتِه لِما فيه من شتمِ أصنامِهم، قال تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ/ ولمَّا طلبَ المشركون من النَّبي r قرآنًا غيرَ هذا القرآنِ أو تبديلَ بعضِ آياتِه؛ لقنَ اللهُ عز وجل نبيَّه r أن يرد عليهم بردين، الردُ الأولُ هو: لا يصح لي بحال من الأحوال أن أبدل هذا القرآن من عند نفسي، إنما أنا مبلغ، قال تعالى: /قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا ..

التفسير :

[16] قل لهم -أيها الرسول-:لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم، ولا أعلمكم الله به، فاعلموا أنه الحق من الله، فإنكم تعلمون أنني مكثت فيكم زمناً طويلاً من قبل أن يوحيه إليَّ ربي، ومن قبل أن أتلوه عليكم، أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر؟

فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كذبة في ذلك، فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، تابعا لحكمته الربانية، ورحمته بعباده‏.‏

‏{‏قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا‏}‏ طويلا ‏{‏مِنْ قَبْلِهِ‏}‏ أي‏:‏ قبل تلاوته، وقبل درايتكم به، وأنا ما خطر على بالي، ولا وقع في ظني‏.‏

‏{‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏ أني حيث لم أتقوله في مدة عمري، ولا صدر مني ما يدل على ذلك، فكيف أتقوله بعد ذلك، وقد لبثت فيكم عمرا طويلا تعرفون حقيقة حالي، بأني أمي لا أقرأ ولا أكتب، ولا أدرس ولا أتعلم من أحد‏؟‏‏"‏

فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن ـ مع هذا ـ أن يكون من تلقاء نفسي، أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم حميد‏؟‏

فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب، لجزمتم جزما لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد، فأنتم لا شك أنكم ظالمون‏.‏

‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ‏}‏ ‏؟‏‏!‏‏!‏

ثم لقن الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم ردا آخر عليهم، زيادة في تسفيه أفكارهم فقال- تعالى-: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ، وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ وقوله: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ بمعنى ولا أعلمكم وأخبركم به، أى:

بهذا القرآن. يقال: دريت الشيء وأدرانى الله به، أى أعلمنى وأخبرنى به.

وأدرى فعل ماض، وفاعله مستتر يعود على الله- عز وجل- والكاف والميم مفعول به.

والمعنى: قل لهم- أيضا- أيها الرسول الكريم- لو شاء الله- تعالى- أن لا أتلوا عليكم هذا القرآن لفعل، ولو شاء أن يجعلكم لا تدرون منه شيئا، لفعل- أيضا-، فإن مرد الأمور كلها إليه، ولكنه- سبحانه- شاء وأراد أن أتلوه عليكم، وأن يعلمكم به بواسطتى، فأنا رسول مبلغ ما أمرنى الله بتبليغه.

قال القرطبي: «وقرأ ابن كثير: ولأدراكم به بغير ألف بين للام والهمزة.

والمعنى: لو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم فهي لام التأكيد دخلت على ألف أفعل» .

وجاءت الآية الكريمة بدون عطف على ما قبلها، إظهارا لكمال شأن المأمور به. وإيذانا باستقلاله، فإن ما سبق كان للرد على اقتراحهم تبديل القرآن. وهذه الآية للرد على اقتراحهم الإتيان بغيره.

ومفعول المشيئة محذوف. لأن جزاء الشرط ينبئ عنه، أى: لو شاء الله عدم تلاوته ما تلوته عليكم:

وقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ تعليل للملازمة المستلزمة لكون عدم التلاوة وعدم العلم منوط بمشيئة الله- تعالى- وقوله: عُمُراً منصوب على الظرفية وهو كناية عن المدة الطويلة. أى: فأنتم تعلمون أنى قد مكثت فيما بينكم، مدة طويلة من الزمان، قبل أن أبلغكم هذا القرآن، حفظتم خلالها أحوالى، وأحطتم خبرا بأقوالى وأفعالى، وعرفتم أنى لم أقرأ عليكم من آية أو سورة مما يشهد أن هذا القرآن إنما هو من عند الله- تعالى-.

والهمزة في قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ داخلة على محذوف. وهي للاستفهام التوبيخي.

والتقدير: أجهلتم هذا الأمر الجلى الواضح، فصرتم لا تعقلون أن أمثال هذه الاقتراحات المتعنتة التي اقترحتموها لا يملك تنفيذها أحد إلا الله- تعالى-.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: «أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بما جاء في هذه الآية وتقريره: أن أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول عمره إلى ذلك الوقت، وكانوا عالمين بأحواله. وأنه ما طالع كتابا ولا تتلمذ على أستاذ ولا تعلم من أحد، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه، جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول ودقائق علم الأحكام، ولطائف علم الأخلاق، وأسرار قصص الأولين، وعجز عن معارضته العلماء والفصحاء والبلغاء، وكل من له عقل سليم فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي والإلهام من الله- تعالى- .

ثم قال محتجا عليهم في صحة ما جاءهم به : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) أي : هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته وإرادته ، والدليل على أني لست أتقوله من عندي ولا افتريته أنكم عاجزون عن معارضته ، وأنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت بينكم إلى حين بعثني الله عز وجل ، لا تنتقدون علي شيئا تغمصوني به ؛ ولهذا قال : ( فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ) أي : أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل ؛ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه ، فيما سأله من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان : فقلت : لا - وقد كان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ، ومع هذا اعترف بالحق :

والفضل ما شهدت به الأعداء

فقال له هرقل : فقد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله . !

وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة : بعث الله فينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته ، وقد كانت مدة مقامه ، عليه السلام ، بين أظهرنا قبل النبوة أربعين سنة . وعن سعيد بن المسيب : ثلاثا وأربعين سنة . والصحيح المشهور الأول .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه ، معرِّفَه الحجةَ على هؤلاء المشركين الذين قالوا له : ( ائت بقرآن غير هذا أو بدله) ، (قل) لهم ، يا محمد ، (لو شاء الله ما تلوته عليكم) ، أي: ما تلوت هذا القرآن عليكم ، أيها الناس ، بأن كان لا ينـزله عليَّ فيأمرني بتلاوته عليكم (8) ، (ولا أدراكم به) ، يقول: ولا أعلمكم به ، ( فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله) يقول: فقد مكثت فيكم أربعين سنة من قبل أن أتلوَه عليكم ، ومن قبل أن يوحيه إليّ ربي ، (أفلا تعقلون) ، أني لو كنت منتحلا ما ليس لي من القول، كنت قد انتحلته في أيّام شبابي وحَداثتي ، وقبل الوقت الذي تلوته عليكم؟ فقد كان لي اليوم ، لو لم يوح إليّ وأومر بتلاوته عليكم ، مندوحةٌ عن معاداتكم ، ومتّسَعٌ، في الحال التي كنت بها منكم قبل أن يوحى إلي وأومر بتلاوته عليكم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17581- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولا أدراكم به) ، ولا أعلمكم.

17582- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به) ، يقول: لو شاء الله لم يعلمكموه.

17583- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به) ، يقول: ما حذَّرتكم به.

17584- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ، وهو قول مشركي أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون) ، لبث أربعين سنة.

17585- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به)، ولا أعلمكم به.

17586- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، أنه كان يقرأ: (وَلا أَدْرَأْتُكُمْ بِهِ)، يقول: ما أعلمتكم به. (9)

17587- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا أدراكم به) ، يقول: ولا أشعركم الله به.

* * *

قال أبو جعفر: وهذه القراءة التي حكيت عن الحسن ، عند أهل العربية غلطٌ.

* * *

وكان الفرّاء يقول في ذلك : قد ذكر عن الحسن أنه قال: (وَلا أَدْرَأْتُكُمْ بِهِ). قال: فإن يكن فيها لغة سوى " دريت " و " أدريت "، فلعل الحسن ذهب إليها. وأما أن تصلح من " دريت " أو " أدريت " فلا لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحتا ولم تنقلبا إلى ألف ، مثل " قضيت " و " دعوت ". ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها، لأنها تضارع " درأت الحد " ، وشبهه. وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز. وسمعت امرأة من طيّ تقول: " رثَأْتُ زوجي بأبيات "، ويقولون: " لبّأتُ بالحجّ" و " حلأت السويق " ، فيغلطون، لأن " حلأت "، قد يقال في دفع العطاش، من الإبل، و " لبأت ": ذهبت به إلى " اللبأ " لِبَأ الشاء، و " رثأت زوجي"، ذهبت به إلى " رثأت اللبن " ، إذا أنت حلبت الحليب على الرائب، فتلك " الرثيثة ". (10)

* * *

وكان بعض البصريين يقول: لا وجه لقراءة الحسن هذه لأنها من " أدريت " مثل " أعطيت "، إلا أن لغةً لبني عقيل (11)

: " أعطَأتُ"، يريدون: " أعطيت "، تحوّل الياء ألفًا، قال الشاعر: (12)

لَقَــدْ آذَنَــتْ أَهْـلُ الْيَمَاَمَـةِ طَيِّـئٌ

بِحَــرْبٍ كَنَاصَـاةِ الأَغَـرِّ المُشَـهَّرِ (13)

يريد: كناصية، حكي ذلك عن المفضّل، وقال زيد الخيل:

لَعَمْـرُكَ مَـا أَخْشَـى التَّصَعْلُكَ مَا بَقَا

عَـلَى الأَرْضِ قَيْسِـيٌّ يَسُـوقُ الأَبَاعِرَا (14)

فقال " بقا "، وقال الشاعر : (15)

لَزَجَــرْتُ قَلْبًــا لا يَـرِيعُ لِزَاجِـرٍ

إِنَّ الغَــوِيَّ إِذَا نُهَــا لَــمْ يَعْتِـبِ (16)

يريد " نُهِي". قال: وهذا كله على قراءة الحسن، وهي مرغوب عنها، قال: وطيئ تصيِّر كل ياء انكسر ما قبلها ألفًا، يقولون: " هذه جاراة "، (17)

وفي " الترقوة " " ترقاة " و " العَرْقوة " " عرقاة " . قال: وقال بعض طيئ: " قد لَقَت فزارة " ، حذف الياء من " لقيت " لما لم يمكنه أن يحوّلها ألفًا ، لسكون التاء ، فيلتقي ساكنان. وقال: زعم يونس أن " نَسَا " و " رضا " لغة معروفة، قال الشاعر: (18)

وَأُبْنِيْـتُ بِـالأَعْرَاض ذَا الْبَطْـنِ خالِدًا

نَسَــا أوْ تَنَاسَــى أَنْ يَعُـدَّ المَوَالِيَـا

* * *

ورُوي عن ابن عباس في قراءة ذلك أيضًا روايةٌ أخرى، وهي ما:-

17588- حدثنا به المثنى قال ، حدثنا المعلى بن أسد قال ، حدثنا خالد بن حنظلة عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس : أنه كان يقرأ: ( قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ).

* * *

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا نستجيزُ أن نعدوها ، (19) هي القراءة التي عليها قراء الأمصار: ( قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ )، بمعنى: ولا أعلمكم به، ولا أشعركم به.

-------------------------

الهوامش :

(8) انظر تفسير " تلا " فيما سلف ص : 40 ، رقم : 1 .

(9) في المخطوطة : " ولا أدرأكم " ، وفي المطبوعة : " ولا أدراتكم " ، بغير همز ، والصواب ما أثبت ، كما نص عليه ابن خالويه في شواذ القراءات ص : 56 : " بالهز والتاء " ، ومعاني القرآن للفراء .

(10) هذا نص الفراء بتمامه في معاني القرآن 1 : 459 ، مع خلاف يسير في حروف قليلة .

(11) في المطبوعة : " لغة بني عقيل " ، والصواب ما في المخطوطة ، باللام .

(12) هو حريث بن عناب ( بالنون ) الطائي .

(13) نوادر أبي زيد : 124 ، والمعاني الكبير : 1048 ، واللسان ( نصا ) .

(14) نوادر أبي زيد : 68 ، وقبله

أُنْبِئْــتُ أَنَّ ابْنًــا لِتَيْمَــاءَ هَهَنَــا

تَغَنَّــى بِنَــا سَـكْرَانَ أَوْ مُتَسَـاكِرًا

يَحُــضُّ عَلَيْنَــا عَـامِرًا , وِإَخالُنَـا

سَــنُصْبِحُ أَلْفًـا ذَا زَوَائِـدَ , عـامِرًا

قال أو زيد : " يقول : لا أخشى ما بقي قيس يسوق إبلا ، لأني أغير عليهم " .

(15) هو لبيد .

(16) ديوانه قصيدة رقم : 61 ، والأغاني 15 : 134 ( ساسي ) ، من مرثية أخيه أربد ، وقبله :

طَــرِبَ الفُـؤَادُ وَلَيْتَـهُ لَـمْ يُطْـرَبِ

وَعَنَــاهُ ذِكْـرَى خُلَّـةٍ لـم تَصْقَـبِ

سَـفَهًا , وَلَـوْ أنّـي أطَعـتُ عَوَاذِلِي

فيمــا يُشِـرْنَ بِـهِ بِسَـفْحِ المِـذْنِبِ

لَزَجَـــــرْتُ قَلْبًـــــا . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والذي أثبته هو نص المخطوطة ، أما المطبوعة ، فإنه لم يحسن معرفة الشعر ، فكتبه هكذا : " زجرت له : و " أعتب " ، آب إلى رضى من يعاتبه .

(17) يعني في " جارية " .

(18) لم أعرف قائله ، ولم أجد البيت في مكان آخر .

(19) في المطبوعة : " لا أستجيز أن تعدوها " ، وأثبت ما في المخطوطة .

التدبر :

وقفة
[16] ﴿قُل لَّوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ﴾ إن قلت: كيف قال النبيُّ ﷺ ذلك، مع أن الله تعالى أنكر على الكفَّار احتجاجهم بمشيئته في قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾ [الأنعام: 148]، ولهذا لا ينبغي لمن فعل معصيةً، أن يحتجَّ بقوله: لو شاء الله ما فعلتُها؟! قلتُ: إنَّما قال النبيُّ ﷺ ذلك بأمر الله تعالى له فيه، بقوله: ﴿قُل لَّوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ﴾ وللعاصي أن يَحتحَّ بذلك إذا أمرَ اللَّهُ به.
وقفة
[16] ﴿قُل لَّوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ قال الزمخشري: «يعني أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله، وإحداثه أمرًا عجيبًا خارجًا عن العادات، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يستمع ولم يشهد العلماء ساعة من عمره، ولا نشأ في بلد فيها علماء، فيقرأ عليكم كتابًا فصيحًا يبهر كل كلام فصيح، ويعلو على كل منثور ومنظوم، مشحونًا بعلوم من علوم الأصول والفروع وأخبار مما كان ويكون ناطقًا بالغيوب التي لا يعلمها إلا الله، وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطلعون على أحواله، ولا يخفى عليكم شيء من أسراره، وما سمعتم منه حرفًا من ذلك، ولا عرفه به أحد من أقرب الناس منه، وألصقهم به».
وقفة
[16] لو لم ينزل علينا هذا القرآن لكنا من أجهل الناس، فلنقم بحق هذا الكتاب العظيم ﴿قُل لَّوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
وقفة
[16] ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا﴾ طويلًا تعرفون حقيقة حالي بأني أمي؛ لا أقرأ، ولا أكتب، ولا أدرس، ولا أتعلم من أحد، فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن مع هذا أن يكون من تلقاء نفسي، أم أن هذا دليل قاطع أنه تنْزيل من حكيم حميد؟! فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب لجزمتم جزمًا لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد؛ فأنتم لا شك ظالمون.
وقفة
[16] ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ﴾ الذي يتصدى لقيادة الناس لابد أن يكون مستعدًا لكشف حساب الماضي.

الإعراب :

  • ﴿ قل:
  • فعل أمر مبني علي السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت. أي قل لهم.
  • ﴿ لو شاء الله ما تلوته عليكم:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول - لو: حرف شرط غير جازم. شاء: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. ما: نافية لا عمل لها. تلوته: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. على: حرف جر وقلبت الألف لاتصالها بالضمير والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بعلى. والجار والمجرور متعلق بتلوته والميم علامة جمع الذكور. ومعمول \"شاء الله\" محذوف تقديره: غير ذلك وجملة \"ما تلوته عليكم\" جواب شرط غير جازم لا محل لها بمعنى: لو شاء الله غير ذلك لما تلوته عليكم.
  • ﴿ ولا أدراكم به:
  • الواو عاطفة لا: نافية لا عمل لها. أدرى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو. الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. به: جار ومجرور متعلق بأدراكم وهو في مقام المفعول الثاني بمعنى: ولا عرفكم به على لساني.
  • ﴿ فقد لبثت فيكم:
  • الفاء: تعليلية ويجوز أن تكون رابطة لجواب شرط محذوف بتقدير: إنْ كنتم تجهلون ذلك فقد لبثت فيكم. قد: حرف تحقيق لبثت: تعرب اعراب \"تلوت\". فيكم: جار ومجرور متعلق بلبثت. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ عمراً من قبله:
  • عمراً: مفعول فيه منصوب على الظرفية الزمانية بالفتحة. من قبله: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"عمراً\" والهاء تعود على القرآن وهو ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة أي من قبل هذا القرآن.
  • ﴿ أفلا تعقلون:
  • الألف: ألف توبيخ في لفظ استفهام. والفاء: زائدة - تزيينية - لا: نافية لا عمل لها. تعقلون: معل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وحذف المفعول به اختصاراً. أي أفلا تعقلون ذلك. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     الردُ الثاني هو: لو شاء اللهُ عز وجل أن لا أتلو عليكم هذا القرآن لفعل، ولبقيتُ على الحالة التي كنتُ عليها أول عمري، فقد مكثت بينكم زمنًا طويلًا، هو أربعون سنة، لا أطلب هذا الشأن ولا أبحث عنه، قال تعالى:
﴿ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولا أدراكم:
وقرئ:
1- ولأدراكم، بلام دخلت على فعل مثبت، معطوف على منفى، والمعنى: ولأعلمكم به من غير طريقى وعلى لسان غيرى، وهى قراءة قنبل، والبزي.
2- ولا أدرأتكم، بهمزة ساكنة، على أن أصله «أدريتكم» ، ثم قلبت الياء همزة، كما تقول فى «لبيت بالحج» : لبأت أو على أن أصله من «الدرء» وهو الدفع، وهى قراءة ابن عباس، وابن سيرين، والحسن، وأبى رجاء.
3- ولا أنذرتكم، بالنون والذال، من الإنذار، وهى قراءة شهر بن حوشب، والأعمش.
لبثت:
قرئ:
1- بإدغام التاء، وهى قراءة أبى عمرو.
2- بإظهارها، وهى قراءة باقى السبعة.
عمرا:
وقرئ:
بإسكان الميم، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [17] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى ..

التفسير :

[17] لا أحد أشد ظلماً ممن اختلق على الله الكذب أو كذَّب بآياته، إنه لا ينجح مَن كذَّب بأنبياء الله ورسلِه، ولا ينالون الفلاح.

فلو كنت متقولا لكنت أظلم الناس، وفاتني الفلاح، ولم تخف عليكم حالي، ولكني جئتكم بآيات الله، فكذبتم بها، فتعين فيكم الظلم، ولا بد أن أمركم سيضمحل، ولن تنالوا الفلاح، ما دمتم كذلك‏.‏

ودل قوله‏:‏ ‏{‏قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا‏}‏ الآية، أن الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله وعدم رجائه، وأن من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به، لأنه حسن القصد‏.‏

ثم ختم- سبحانه- الرد على هؤلاء الذين لا يرجون لقاءه، بالحكم عليهم بعدم الفلاح فقال- تعالى- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ والاستفهام في قوله: فَمَنْ أَظْلَمُ للإنكار والنفي.

أى: لا أحد أشد ظلما عند الله، وأجدر بعقابه وغضبه، ممن افترى عليه الكذب، بأن نسب إليه- سبحانه- ما هو برىء منه، أو كذب بآياته وحججه التي أنزلها لتأييد رسله.

وقوله: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ تذييل قصد به التهديد والوعيد.

أى: إن حال وشأن هؤلاء المجرمين، أنهم لا يفلحون. ولا يصلون إلى ما يبغون ويريدون.

هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات بعض الشواهد الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن ربه فقال عند تفسيره لهذه الآية: «لا أحد أشد ظلما ممن افترى على الله كذبا، وتقول على الله، وزعم أن الله أرسله ولم يكن كذلك.. ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء. فإن من قال هذه المقالة صادقا أو كاذبا. فلا بد أن الله ينصب من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس. فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى وبين نصف الليل في حندس الظلماء. فمن شيم كل منهما وأفعاله وكلامه يستدل من له بصيرة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكذب مسيلمة..» .

ثم حكى- سبحانه- أقبح رذائلهم، وهي عبادتهم لغير الله، ودعواهم أن أصنامهم ستشفع لهم فقال- تعالى-:

يقول تعالى : لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إجراما ( ممن افترى على الله كذبا ) وتقول على الله ، وزعم أن الله أرسله ، ولم يكن كذلك ، فليس أحد أكبر جرما ولا أعظم ظلما من هذا ، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء ، فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء ! فإن من قال هذه المقالة صادقا أو كاذبا ، فلا بد أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما وأظهر من الشمس ، فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب [ لعنه الله ] لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى ووقت نصف الليل في حندس الظلماء ، فمن سيما كل منهما وكلامه وفعاله يستدل من له بصيرة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكذب مسيلمة الكذاب ، وسجاح ، والأسود العنسي .

قال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس ، فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب ، فكان أول ما سمعته يقول : " يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، [ وصلوا الأرحام ] وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلون الجنة بسلام " .

ولما قدم ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه بني سعد بن بكر قال لرسول الله فيما قال له من رفع هذه السماء ؟ قال : " الله " . قال : ومن نصب هذه الجبال ؟ قال : " الله " . قال : ومن سطح هذه الأرض ؟ قال : " الله " . قال : فبالذي رفع هذه السماء ، ونصب هذه الجبال ، وسطح هذه الأرض : الله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ قال : " اللهم نعم " ثم سأله عن الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصيام ، ويحلف عند كل واحدة هذه اليمين ، ويحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : صدقت ، والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنقص .

فاكتفى هذا الرجل بمجرد هذا ، وقد أيقن بصدقه ، صلوات الله وسلامه عليه ، بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه ، كما قال حسان بن ثابت :

لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تأتيك بالخبر

وأما مسيلمة فمن شاهده من ذوي البصائر ، علم أمره لا محالة ، بأقواله الركيكة التي ليست بفصيحة ، وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة ، وقرآنه الذي يخلد به في النار يوم الحسرة والفضيحة ، وكم من فرق بين قوله تعالى : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ) [ البقرة : 255 ] . وبين علاك مسيلمة قبحه الله ولعنه : " يا ضفدع بنت الضفدعين ، نقي كما تنقين لا الماء تكدرين ، ولا الشارب تمنعين " . وقوله - قبح ولعن - : " لقد أنعم الله على الحبلى ، إذ أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى " . وقوله - خدره الله في نار جهنم ، وقد فعل - : " الفيل وما أدراك ما الفيل ؟ له زلقوم طويل " وقوله - أبعده الله من رحمته : " والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، واللاقمات لقما ، إهالة وسمنا ، إن قريشا قوم يعتدون " إلى غير ذلك من الهذيانات والخرافات التي يأنف الصبيان أن يتلفظوا بها ، إلا على وجه السخرية والاستهزاء ؛ ولهذا أرغم الله أنفه ، وشرب يوم " حديقة الموت " حتفه . ومزق شمله . ولعنه صحبه وأهله . وقدموا على الصديق تائبين ، وجاءوا في دين الله راغبين ، فسألهم الصديق خليفة الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، ورضي [ الله ] عنه - أن يقرءوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة لعنه الله ، فسألوه أن يعفيهم من ذلك ، فأبى عليهم إلا أن يقرءوا شيئا منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس ، فيعرفوا فضل ما هم عليه من الهدى والعلم . فقرءوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه ، فلما فرغوا قال لهم الصديق ، رضي الله عنه : ويحكم ! أين كان يذهب بعقولكم ؟ والله إن هذا لم يخرج من إل .

وذكروا أن وفد عمرو بن العاص على مسيلمة ، وكان صديقا له في الجاهلية ، وكان عمرو لم يسلم بعد ، فقال له مسيلمة : ويحك يا عمرو ، ماذا أنزل على صاحبكم - يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم - في هذه المدة ؟ فقال : لقد سمعت أصحابه يقرءون سورة عظيمة قصيرة فقال : وما هي ؟ فقال : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) [ سورة العصر ] ، ففكر مسيلمة ساعة ، ثم قال : وقد أنزل علي مثله . فقال : وما هو ؟ فقال : " يا وبر إنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك حقر نقر ، كيف ترى يا عمرو ؟ " فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك لتكذب " ، فإذا كان هذا من مشرك في حال شركه ، لم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه ، وحال مسيلمة - لعنه الله - وكذبه ، فكيف بأولي البصائر والنهى ، وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجى ! ولهذا قال الله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) [ الأنعام : 93 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ) [ الأنعام : 21 ] ، وكذلك من كذب بالحق الذي جاءت به الرسل ، وقامت عليه الحجج ، لا أحد أظلم منه كما جاء في الحديث : " أعتى الناس على الله رجل قتل نبيا ، أو قتله نبي " .

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء المشركين الذين نسبوك فيما جئتهم به من عند ربّك إلى الكذب: أيُّ خلق أشدُّ تعدّيًا ، (20) وأوضع لقيله في غير موضعه، (21) ممن اختلق على الله كذبًا ، وافترى عليه باطلا ، (22) (أو كذب بآياته) يعني بحججه ورسله وآيات كتابه؟ (23) يقول له جل ثناؤه: قل لهم : ليس الذي أضفتموني إليه بأعجب من كذبكم على ربكم ، وافترائكم عليه ، وتكذيبكم بآياته ، ( إنه لا يفلح المجرمون) ، يقول: إنه لا ينجح الذين اجترموا الكفر في الدنيا يوم القيامة ، إذا لقوا ربّهم، ولا ينالون الفلاح. (24)

--------------------------

الهوامش :

(20) في المطبوعة : " أي خلق أشر بعدنا " ، وهو كلام ساقط جدًا ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقولة .

(21) انظر تفسير " الظلم " فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلم ) .

(22) انظر تفسير " الافتراء " فيما سلف 13 : 135 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(23) انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيى ) .

(24) انظر تفسير " الفلاح " فيما سلف 14 : 415 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

، وتفسير " الإجرام " فيما سلف من فهارس اللغة ( جرم ) .

التدبر :

لمسة
[17] ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى﴾ الافتراء هو الكذب، والافتراء في الأصل مأخوذ من الفري وهو قطع الجلد، وافترى الجلد كأنه اشتدَّ في تقطيعه تقطيع إفساد، فأُطلق الافتراء على الكذب بغرض الإفساد، وأيُّ إفساد أعظم من إفساد شريعة الله تعالى؟!
اسقاط
[17] ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ يا رب عفوك ومغفرتك! كم من شخص تجرأ على فتوى بتحليل أو تحريم لأجل دنيا أو لخوف منها؟!
وقفة
[17] ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ عظم الافتراء على الله والكذب عليه وتحريف كلامه كما فعل اليهود بالتوراة.
وقفة
[17] ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ إذا كان الكذب على الناس قبيحًا فإنه على الله أقبح، وأكثر الناس ظلمًا هو من كذب على الله بالتقول عليه كذبًا بالتحليل والتحريم، أو نسب إليه الولد والشريك.
وقفة
[17] ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: 21]، آية الأنعام في سياق الشرك: ﴿وإنني بريء مما تشركون﴾ [الأنعام: 19]، والشرك ظلم، وآية يونس في سياق تبديل ما أنزل الله والإتيان بغيره ألا ترى: ﴿قل ما يكون لي أن أبدله﴾ [15]، وهذا إجرام.
لمسة
[17] ﴿كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟ المعرفة هى ما دلَّ على شيء معين، الكذب يقصد شيئًا معينًا مذكور في السياق، فقوله تعالى: ﴿فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [آل عمران: ٩٤]، الكلام عن الطعام، هم كذبوا على الله في هذه المسألة، والتنكير في اللغة يفيد العموم والشمول، كذب يشمل كل كذب، وليس الكذب في مسألة معينة مثل هذه الآية لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها، فالكذب عام.
تفاعل
[17] ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الحادية والعشرين من سورة الأنعام. '

المتشابهات :

الأنعام: 21﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
يونس: 17﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعد الرد على المشركين لمَّا طلبوا من النَّبي r قرآنًا غيرَ هذا القرآنِ أو تبديلَ بعضِ آياتِه، وزعموا أنَّه يأتي بهذا القُرآنِ مِن عِندِ نَفسِه؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنَّ شَرَّ أنواعِ الظُّلمِ: افتراءُ الكَذِبِ على اللهِ -وهو ما اقتَرَحوه-، والتَّكذيبُ بآياتِ الله -وهو ما فعلوه-، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا ..

التفسير :

[18] ويعبد هؤلاء المشركون من دون الله ما لا يضرهم شيئاً، ولا ينفعهم في الدنيا والآخرة، ويقولون:إنما نعبدهم ليشفعوا لنا عند الله، قل لهم -أيها الرسول-:أتخبرون الله تعالى بشيء لا يعلمه مِن أمر هؤلاء الشفعاء في السموات أو في الأرض؟ فإنه لو كان فيهما شفعاء

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ‏}‏ أي‏:‏ المشركون المكذبون لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

‏{‏مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ لا تملك لهم مثقال ذرة من النفع ولا تدفع عنهم شيئا‏.‏

‏{‏وَيَقُولُونَ‏}‏ قولا خاليا من البرهان‏:‏ ‏{‏هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ يعبدونهم ليقربوهم إلى الله، ويشفعوا لهم عنده، وهذا قول من تلقاء أنفسهم، وكلام ابتكروه هم، ولهذا قال تعالى ـ مبطلا لهذا القول ـ ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ الله تعالى هو العالم، الذي أحاط علما بجميع ما في السماوات والأرض، وقد أخبركم بأنه ليس له شريك ولا إله معه، أفأنتم ـ يا معشر المشركين ـ تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء‏؟‏ أفتخبرونه بأمر خفي عليه، وعلمتوه‏؟‏ أأنتم أعلم أم الله‏؟‏ فهل يوجد قول أبطل من هذا القول، المتضمن أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء أعلم من رب العالمين‏؟‏ فليكتف العاقل بمجرد تصور هذا القول، فإنه يجزم بفساده وبطلانه‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ أي‏:‏ تقدس وتنزه أن يكون له شريك أو نظير، بل هو الله الأحد الفرد الصمد الذي لا إله في السماوات والأرض إلا هو، وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه، فإنه باطل عقلا وشرعا وفطرة‏.‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏

وهذه الآية الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا..

عطف القصة على القصة.

والعبادة: الطاعة البالغة حد النهاية في الخضوع والتعظيم.

أى: وهؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا، ويطلبون قرآنا غير هذا القرآن أو تبديله، بلغ من جهلهم وسفههم أنهم يعبدون من دون الله أصناما لا تضرهم ولا تنفعهم، لأنها جمادات لا قدرة لها على ذلك.

والمقصود بوصفها بأنها لا تضر ولا تنفع: بطلان عبادتها، لأن من شأن المعبود أن يملك الضر والنفع، وأن يكون مثيبا على الطاعة ومعاقبا على المعصية.

وقوله: مِنْ دُونِ اللَّهِ جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل يَعْبُدُونَ أى:

يعبدونها متجاوزين الله وتاركين طاعته.

وما موصولة أو نكرة موصوفة. والمراد بها الأصنام التي عبدوها من دون الله.

قال الجمل: «ونفى الضر والنفع هنا عن الأصنام باعتبار الذات، وإثباتهما لها في سورة الحج في قوله يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ باعتبار السبب، فلا يرد كيف نفى عن الأصنام الضر والنفع، وأثبتهما لها في سورة الحج».

وقوله: وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ حكاية لأقوالهم السخيفة عند ما يدعون إلى عبادة الله وحده.

والشفعاء: جمع شفيع، وهو من يشفع لغيره في دفع ضرر أو جلب نفع.

أى: أنهم يدينون بالعبادة لأصنام لا تضرهم إن تركوا عبادتها، ولا تنفعهم إن عبدوها، فإذا ما طلب منهم أن يجعلوا عبادتهم لله وحده قالوا: إننا نعبد هذه الأصنام لتكون شفيعة لنا عند الله في دنيانا، بأن نتوسل إليه بها في إصلاح معاشنا، وفي آخرتنا إن كان هناك ثواب وعقاب يوم القيامة.

وهنا يأمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم فيقول: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ.

أى: قل يا محمد لهؤلاء الجاهلين: إن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء في هذا الكون ولا يعلم أن هناك من يشفع عنده مما تزعمون شفاعته. فهل تعلمون أنتم ما لا يعلمه، وهل تخبرونه بما لا يعلم له وجودا في السموات ولا في الأرض؟!! فالمقصود بهذه الجملة الكريمة التهكم بهم، والسخرية بعقولهم وأفكارهم، ونفى أن تكون الأوثان شفعاء عند الله بأبلغ وجه.

والعائد في قوله بِما لا يَعْلَمُ محذوف. والتقدير بما لا يعلمه.

وقوله فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ حال من العائد المحذوف، وهو مؤكد للنفي، لأن مالا يوجد فيهما فهو منتف عادة.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت كيف: أنبأوا الله بذلك؟ قلت: هو تهكم بهم، وبما ادعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأن الذي أنبأوا به باطل. فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق علمه به، كما يخبر الرجل بما لا يعلمه.

وقوله فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم».

وقوله: سُبْحانَهُ وَتَعالى عن كل شريك، وعما قاله هؤلاء الجاهلون من أن الأصنام شفعاء عنده.

وبذلك تكون الآية الكريمة قد وبخت المشركين على عبادتهم لغير الله وعلى جهالاتهم وتقولهم على الله بغير علم.

ثم بين- سبحانه- أن عبادة الناس لغيره- تعالى- إنما حدثت بعد أن اختلفوا واتبعوا الهوى. فقال:

ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله ، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئا ، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها ، ولا يكون هذا أبدا ؛ ولهذا قال تعالى : ( قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ) .

وقال ابن جرير : معناه أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض ؟ ثم نزه نفسه عن شركهم وكفرهم ، فقال : ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ويعبُد هؤلاء المشركون الذين وصفت لك ، يا محمد صفتهم ، من دون الله الذي لا يضرهم شيئًا ولا ينفعهم ، في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك هو الآلهة والأصنام التي كانوا يعبدونها ، ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ، يعني: أنهم كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها عند الله (25) قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: (قل) لهم ( أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) ، يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؟ (26) وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السماوات ولا في الأرض. وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله: قل لهم: أتخبرون الله أن ما لا يشفع في السماوات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما؟ وذلك باطلٌ لا تعلم حقيقته وصحته، بل يعلم الله أن ذلك خلاف ما تقولون ، وأنها لا تشفع لأحد ، ولا تنفع ولا تضر ، (سبحان الله عما يشركون) ، يقول: تنـزيهًا لله وعلوًّا عما يفعله هؤلاء المشركون ، (27) من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع ، وافترائهم عليه الكذب.

----------------------

الهوامش :

(25) انظر تفسير " الشفاعة " فيما سلف ص : 18 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(26) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف من فهارس اللغة ( نبأ ) .

(27) انظر تفسير " سبحان " فيما سلف ص ، 30 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

، وتفسير " تعالى " فيما سلف 13 : 317 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[18] ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾ النفع والضر بيد الله عز وجل وحده دون ما سواه.
وقفة
[18] ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾ دلالة على أن من يملك الضر والنفع فهو المعبود حقًا؛ وهذه الأصنام إن عبدوها لم تنفعهم، وإن تركوها لم تضرهم، فكيف يعبدونها؟!
وقفة
[18] ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾ إنْ قلتَ: كيف نفى عن الأصنامِ الضُّرَّ والنفع هنا، وأثبتهما لها في قوله في الحجّ: ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ [الحج: 13]؟ قلتُ: نفيُهما عنها باعتبار الذَّات، وإثباتُهما لها باعتبار السبب.
وقفة
[18] ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ﴾ وكانوا معترفين بأن آلهتهم لم تشارك الله في خلق السموات والأرض، ولا خلق شيء؛ بل كانوا يتخذونهم شفعاء ووسائط.
عمل
[18] حذر من حولك من الشرك بالله، وبين لهم أن من الشرك دعاء غير الله أو الاستشفاع بالأموات، ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[18] من نواقض الإسلام: اتخاذ وسائط بين العبد وربه، يتقرَّب إليهم بالذبائح والنذور، ويدعوهم، ويطلب منهم الشفاعة، قال الله تعالى: ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون﴾.
وقفة
[18] ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بطلان قول المشركين بأن آلهتهم تشفع لهم عند الله.
تفاعل
[18] ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[18] ﴿سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا﴾ [الإسراء: 43] وحيدة في الإسراء، جاءت منسجمة مع: ﴿قل لو كان معه آلهة كما يقولون﴾ [الإسراء: 42]، و﴿سبحانه وتعالى عما يصفون﴾ [الأنعام: 100] وحيدة في الأنعام، جاءت بعد أن نسبوا لله تعالى الولد: ﴿وخرقوا له بنين وبنات﴾ [الأنعام: 100]، و﴿سبحانه وتعالى عما يشركون﴾ أربع مرات، جاءت في نسبة الشركاء لله.

الإعراب :

  • ﴿ ويعبدون من دون الله:
  • الواو: استئنافية. يعبدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. من دون: جار ومجرور متعلق بيعبدون أو بحال مقدمة من الموصول \"ما\". الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ ما لا يضرُّهم:
  • ما: اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل نصب مفعول به أي الأوثان. لا: نافية لا عمل لها. يضرّ: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو. و\"هم\" ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ولا ينفعهم:
  • الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. ينفعهم: معطوفة على \"يضرهم\" وتعرب إعرابها والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ ويقولون:
  • الواو: عاطفة. يقولون: تعرب إعراب \"يعبدون\" بمعنى: وكانوا يقولون.
  • ﴿ هؤلاء شفعاؤنا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول -. هؤلاء: الهاء للتنبيه. أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. شفعاء: خبر \"هؤلاء\" مرفوع بالضمة. و \"نا\" ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ عند الله:
  • ظرف مكان متعلق بشفعاء منصوب على الظرفية المكانية بالفتحة وهو مضاف. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ قل:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت. أي قل لهم.
  • ﴿ أتنبئون الله:
  • الجملة في محل نصب مفعول به - مقول القول - الهمزة للتهكم بلفظ الاستفهام. تنبئون: تعرب إعراب \"يعبدون\". الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ بما لا يعلم:
  • الباء: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. لا: نافية لا عمل لها. يعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً نقديره هو. وجملة \"لا يعلم\" صلة الموصول لا محل لها أي بما لا يعلم له وجوداً. والجار والمجرور \"بما\" متعلق بتنبئون.
  • ﴿ في السماوات ولا في الأرض:
  • جار ومجرور متعلق بيعلم والواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. في الأرض: معطوفة على \"في السماوات\".
  • ﴿ سبحانه وتعالى:
  • سبحان: مفعول مطلق منصوب بالفتحة لفعل محذوف تقديره أسبح وهو مضات والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة أي أنزههُ عن مشابهة الآخرين. وتعالى: الواو حالية. تعالى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو يعود على الله عزّ وجل. وجملة \"تعالى\" في محل نصب حال.
  • ﴿ عمّا يشركون:
  • عماً: مركبة من \"عن\" حرف الجر و \"ما\" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بتعالى وقد أدغمت \"عن\" بما فحصل التشديد. يشركون: تعرب إعراب \"يعبدون\" وجملة \"يشركون\" صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف اختصاراً وهو منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: عن الشركاء الذين يشركونهم به ويجوز أن تكون \"ما\" مصدرية. و \"ما\" وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بعن. التقدير: عن إشراكهم. وجملة \"يشركون\" صلة \"ما\" المصدرية لا محل لها. '

المتشابهات :

يونس: 18﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ
الفرقان: 55﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيرًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أن المشركين طلبوا من النَّبي محمد r أن يأتي بقرآن غير هذا أو تبديله؛ لأن فيه طعنًا على آلهتهم؛ ذم اللهُ هنا عبادة الأصنام، وبَيَّنَ حقارة شأنها، إذ لا تستطيع لهم ضرًّا ولا نفعًا، فلا يليق بالعاقل أن يعبدها من دون الله، قال تعالى:
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أتنبئون:
وقرئ:
أتنبئون، بالتخفيف، من «أنبأ» .
يشركون:
1- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة العربيين، والحرميين، وعاصم.
وقرئ:
2- بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة حمزة، والكسائي

مدارسة الآية : [19] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً ..

التفسير :

[19] كان الناس على دين واحد وهو الإسلام، ثم اختلفوا بعد ذلك، فكفر بعضهم، وثبت بعضهم على الحق. ولولا كلمة سبقت من الله بإمهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم لقُضِيَ بينهم:بأن يُهْلك أهل الباطل منهم، وينجي أهل الحق.

أي‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً‏}‏ متفقين على الدين الصحيح، ولكنهم اختلفوا، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه‏.‏

‏{‏وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ بإمهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم، ‏{‏لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ‏}‏ بأن ننجي المؤمنين، ونهلك الكافرين المكذبين، وصار هذا فارقا بينهم ‏{‏فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏ ولكنه أراد امتحانهم وابتلاء بعضهم ببعض، ليتبين الصادق من الكاذب‏.‏

والمراد بالناس: الجنس البشرى كله في جملته، فإنهم كانوا أمة واحدة. ثم كثروا وتفرقوا وصاروا شعوبا وقبائل.

ويرى بعض المفسرين أن المراد بالناس هنا: العرب خاصة، فإنهم كانوا حنفاء على ملة إبراهيم، إلى أن ظهر فيهم عمرو بن لحى الذي ابتدع لهم عبادة الأصنام.

قال الآلوسى: «قوله وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا أى: وما كان الناس كافة من أول الأمر إلا متفقين على الحق والتوحيد من غير اختلاف، وروى هذا عن ابن عباس والسدى ومجاهد.. وذلك من عهد آدم- عليه السلام- إلى أن قتل قابيل هابيل.

وقيل إلى زمن إدريس- عليه السلام- وقيل إلى زمن نوح. وقيل كانوا كذلك في زمنه- عليه السلام- بعد أن لم يبق على الأرض من الكافرين ديار إلى أن ظهر بينهم الكفر.

وقيل: من لدن إبراهيم- عليه السلام- إلى أن أظهر عمرو بن لحي عبادة الأصنام، وهو المروي عن عطاء. وعليه فالمراد من الناس العرب خاصة. وهو الأنسب بإيراد الآية الكريمة إثر حكاية ما حكى عنهم من رذائل، وتنزيه ساحة الكبرياء عن ذلك» .

وقوله: فَاخْتَلَفُوا أى ما بين ضال ومهتد، فبعث الله إليهم رسله، ليبشروا المهتدين بجزيل الثواب، ولينذروا الضالين بسوء العقاب.

والفاء للتعقيب، وهي لا تنافى امتداد زمان اتفاقهم على الحق، لأن المراد بيان أن وقوع الاختلاف بينهم إنما حدث عقيب انتهاء مدة الاتفاق، لا عقيب حدوثه.

والمراد بالكلمة في قوله: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ... ما قضاه الله- تعالى- وأراده من تأخير الحكم بين المؤمنين وغيرهم إلى يوم القيامة.

أى: ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير القضاء بين الطائعين والعاصين إلى يوم القيامة، لقضى بينهم- سبحانه- في هذه الدنيا. فيما كانوا يختلفون فيه وذلك بأن يعجل للكافرين والعصاة العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، ولكنه- سبحانه- اقتضت حكمته عدم تعجيل العقوبة في الدنيا، وأن يجعل الدار الآخرة هي دار الجزاء والثواب والعقاب.

وقد تضمنت هذه الآية الكريمة الوعيد الشديد على الاختلاف المؤدى إلى التفرقة في الدين، وإلى الشقاق والنزاع، كما تضمنت تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه: فكأنه- سبحانه- يقول إن الاختلاف من طبيعة البشر، فلا تنتظر من الناس جميعا أن يكونوا مؤمنين. ثم حكى- سبحانه- لونا آخر من ألوان تعنت المشركين وجهالاتهم فقال- تعالى-:

ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس ، كائن بعد أن لم يكن ، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد ، وهو الإسلام ؛ قال ابن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلهم على الإسلام ، ثم وقع الاختلاف بين الناس ، وعبدت الأصنام والأنداد والأوثان ، فبعث الله الرسل بآياته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة ، ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) [ الأنفال : 42 ] .

وقوله : ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) أي : لولا ما تقدم من الله تعالى أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ؛ وأنه قد أجل الخلق إلى أجل معدود لقضى بينهم فيما فيه اختلفوا ، فأسعد المؤمنين ، وأعنت الكافرين .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما كان الناس إلا أهل دين واحد وملة واحدة فاختلفوا في دينهم، فافترقت بهم السبل في ذلك ، ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) ، يقول: ولولا أنه سبق من الله أنه لا يهلك قوما إلا بعد انقضاء آجالهم ، " لقضي بينهم فيما فيه يختلفون " يقول: لقضي بينهم بأن يُهلِك أهل الباطل منهم، وينجي أهل الحق . (28)

* * *

وقد بينا اختلاف المختلفين في معنى ذلك في " سورة البقرة "، وذلك في قوله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ، [سورة البقرة: 213] ، وبينا الصواب من القول فيه بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. (29)

17589- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) ، حين قتل أحدُ ابني آدم أخاه.

17590- حدثني المثنى قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه.

17591- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.

-------------------------

الهوامش :

(28) انظر تفسير " قضى " فيما سلف من فهارس اللغة ( قضى ) .

(29) انظر ما سلف 4 : 275 - 280 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[19] ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾ المراد أنها أمة واحدة في الدين الحق وهو التوحيد؛ لأنها الفطرة السليمة التي ولد الإنسان عليها قبل الانحراف.
وقفة
[19] ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ اتباع الهوى والاختلاف على الدين هو سبب الفرقة.
وقفة
[19] ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ الاختلاف سنة وسر استمرار الحياة، إذ لو كانوا على قلب رجل واحد؛ لما كان هناك حركة وتطور وتقدم وازدهار، ولما كان كافر ومؤمن، وعاقل وغير عاقل، ومجد وخامل.
عمل
[19] أرسل رسالة تبين فيها أهمية الاجتماع، ونبذ الفرقة والاختلاف ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.
وقفة
[19] ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ لولا ما سبق في حكم الله أنه لا يقضى بينهم إلا يوم القيامة؛ لقضى بينهم في الدنيا وعجل عذابهم.
لمسة
[19] قال تعالى: ﴿فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [البقرة: ١١٣]، بينما هنا في سورة يونس: ﴿فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾؛ لما يقول (كانوا) أو (كنتم) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا، لكن آية يونس هذه الآن في الدنيا.

الإعراب :

  • ﴿ وما كان الناس:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. الناس: اسم \"كان\" مرفوع بالضمة.
  • ﴿ إلاّ أمة واحدة:
  • إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. أمة: خبر \"كان\" منصوب بالفتحة. واحدة: صفة لأمة أو توكيد لها منصوبة مثلها.
  • ﴿ فاختلفوا:
  • الفاء: استئنافية. اختلفوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ ولولا كلمة:
  • الواو: استئنافية. لولا: حرف شرط غير جازم. كلمة: مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره محذوف وجوباً تقديره موجودة.
  • ﴿ سبقت من ربك:
  • سبق: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هي. وجملة \"سبقت\" في محل رفع صفة لكلمة. من ربك: جار ومجرور للتعظيم متعلق بسبقت والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ لقضي بينهم:
  • اللام: واقعة في جواب \"لولا\" قضي: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية المكانية و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. وشبه الجملة \"بينهم\" في محل رفع نائب فاعل. وجملة \"قضي بينهم\" جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ فيما فيه يختلفون:
  • تعرب إعراب \"عما يشركون\" الواردة في الآية الكريمة السابقة. فيه: جار ومجرور متعلق بيختلفون. '

المتشابهات :

يونس: 19﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
هود: 110﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
طه: 129﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى
فصلت: 45﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
الشورى: 14﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     وبعد أن ذم اللهُ عز وجل عبادة الأصنام؛ بَيَّنَ هنا أنَّ النَّاسَ كانوا أوَّلًا مُجتَمِعينَ على توحيدِ اللهِ، ثمَّ حدث الاختلاف والفرقة، فصار البعض كافرًا، وبقي البعض الآخر مؤمنًا، ثمَّ بَيَّنَ الحكمة من تأخير عقوبة المُشرِكينَ والعُصاةَ قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [20] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ..

التفسير :

[20] ويقول هؤلاء الكفرة المعاندون:هلَّا أُنزل على محمد علم ودليل، وآية حسية من ربه نعلم بها أنه على حق فيما يقول، فقل لهم -أيها الرسول-:لا يعلم الغيب أحد إلا الله، فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، فانتظروا -أيها القوم- قضاء الله بيننا وبينكم بتعجيل عقوبته ل

{‏وَيَقُولُونَ‏}‏ أي‏:‏ المكذبون المتعنتون، ‏{‏لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ‏}‏ يعنون‏:‏ آيات الاقتراح التي يعينونها كقولهم‏:‏ ‏{‏لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا‏}‏ الآيات‏.‏

وكقولهم‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا‏}‏ الآيات‏.‏

‏{‏فَقُلْ‏}‏ لهم إذا طلبوا منك آية ‏{‏إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ‏}‏ أي‏:‏ هو المحيط علما بأحوال العباد، فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم وحكمته البديعة، وليس لأحد تدبير في حكم ولا دليل، ولا غاية ولا تعليل‏.‏

‏{‏فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ‏}‏ أي‏:‏ كل ينتظر بصاحبه ما هو أهل له، فانظروا لمن تكون العاقبة‏.‏

ومرادهم بالآية التي طلبوها: آية كونية سوى القرآن الكريم، بأن تكون معه صلى الله عليه وسلم ناقة كناقة صالح- عليه السلام- أو تكون معه عصا كعصا موسى- عليه السلام- وكأنهم لا يعتبرون القرآن آية كبرى، ومعجزة عظمى على صدقه صلى الله عليه وسلم.

ومرادهم بإنزالها عليه: ظهورها على يديه صلى الله عليه وسلم حتى يروا ذلك بأعينهم.

أى: ويقول هؤلاء المشركون لنبيهم صلى الله عليه وسلم هلا أنزل الله عليك آية أخرى سوى القرآن الكريم تكون شاهدة لك بالنبوة، كأن تعيد إلى الحياة آباءنا، وكأن تحول جبال مكة إلى بساتين» .

ومطالبهم هذه إنما طلبوها على سبيل العناد والتعنت لا على سبيل الاسترشاد والثبت، قال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.. .

وقوله: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أمر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يفحمهم.

أى: قل لهم في الجواب على هذه المطالب المتعنتة: إن هذه المطالب التي طلبتموها هي من علم الغيب الذي استأثر الله به، فقد يجيبكم إليها- سبحانه- وقد لا يجيبكم، فانتظروا فيما يقضيه الله في أمر تعنتكم في مطالبكم، إنى معكم من المنتظرين لقضائه وقدره، ولما يفعله بي وبكم.

فالجملة الكريمة تهديد لهم على تعنتهم وجهلهم، وتهوينهم من شأن القرآن الكريم، مع أنه أصدق معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم وأعظمها.

ولقد حكى القرآن- في آيات أخرى كثيرة- المطالب المتعنتة التي طلبها المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم والتي تدل على عنادهم وجحودهم، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْيَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا .

كما حكى أيضا- سبحانه- أنه لو أجابهم إلى مطالبهم لما آمنوا، لأنهم معاندون جاحدون فقال- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ

.

وقال- سبحانه-: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ .

وبعد أن ساقت السورة الكريمة جانبا من أقوال الذين لا يرجون لقاء الله ومن مقترحاتهم الباطلة ومن معتقداتهم الفاسدة، أتبعت ذلك بتصوير بعض الطبائع البشرية تصويرا صادقا يكشف عن أحوال النفوس في حالتي السراء والضراء فقال- تعالى-:

أي : ويقول هؤلاء الكفرة [ الملحدون ] المكذبون المعاندون : " لولا أنزل على محمد آية من ربه " ، يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة ، أو أن يحول لهم الصفا ذهبا ، أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهارا ، ونحو ذلك مما الله عليه قادر ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله ، كما قال تعالى : ( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ) [ الفرقان : 10 ، 11 ] وقال تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) [ الإسراء : 59 ] ، يقول تعالى : إن سنتي في خلقي أني إذا آتيتهم ما سألوا ، فإن آمنوا وإلا عاجلتهم بالعقوبة . ولهذا لما خير رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، بين أن يعطى ما سألوا ، فإن أجابوا وإلا عوجلوا ، وبين أن يتركهم وينظرهم ، اختار إنظارهم ، كما حلم عنهم غير مرة ، صلوات الله عليه ؛ ولهذا قال تعالى إرشادا لنبيه إلى الجواب عما سألوا : ( فقل إنما الغيب لله ) أي : الأمر كله لله ، وهو يعلم العواقب في الأمور ، ( فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) أي : إن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله في وفيكم . هذا مع أنهم قد شاهدوا من معجزاته ، عليه السلام أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره ، فانشق باثنتين فرقة من وراء الجبل ، وفرقة من دونه . وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا وما لم يسألوا ، ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثبتا لأجابهم ، ولكن علم أنهم إنما يسألون عنادا وتعنتا ، فتركهم فيما رابهم ، وعلم أنهم لا يؤمن منهم أحد ، كما قال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] ، وقال تعالى : ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ) [ الأنعام : 111 ] ، ولما فيهم من المكابرة ، كما قال تعالى : ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) [ الحجر : 14 ، 15 ] ، وقال تعالى : ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ) [ الطور : 44 ] ، وقال تعالى : ( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) [ الأنعام : 7 ] ، فمثل هؤلاء أقل من أن يجابوا إلى ما سألوه ؛ لأنه لا فائدة في جواب هؤلاء ؛ لأنه دائر على تعنتهم وعنادهم ، لكثرة فجورهم وفسادهم ؛ ولهذا قال : ( فانتظروا إني معكم من المنتظرين )

القول في تأويل قوله : وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون: هلا أنـزل على محمد آيةٌ من ربه (30) ، يقول: عَلَمٌ ودليلٌ نعلم به أن محمدًا محق فيما يقول؟ (31) قال الله له: (فقل) يا محمد (إنما الغيب لله) ، أي : لا يُعلم أحدٌ يفعل ذلك إلا هو جل ثناؤه، لأنه لا يعلم الغيب ، وهو السرُّ والخفيّ من الأمور (32) ، إلا الله ، فانتظروا أيها القوم ، قضاءَ الله بيننا ، بتعجيل عقوبته للمبطل منا ، وإظهاره المحقَّ عليه، إني معكم ممن ينتظر ذلك. ففعل ذلك جل ثناؤه فقضى بينهم وبينه بأن قتلهم يوم بدرٍ بالسيف.

* * *

الهوامش:

(30) انظر تفسير " لولا " فيما سلف من فهارس مباحث العربية والنحو وغيرها .

(31) انظر تفسير " آية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيى ) .

(32) انظر تفسير " الغيب " فيما سلف من فهارس اللغة ( غيب ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[20] ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ من مات قلبه لن تنفعه الآيات، كان أهل مكة يقولون: «هلا أنزل عليه آية»، أي معجزة غير معجزة القرآن، فيجعل لنا الجبال ذهبًا ويكون له بيت من زخرف، ويحيي لنا من مات من آبائنا.
وقفة
[20] ﴿فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّـهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾ قل: إنما سألتموني الغيب، وإنما الغيب لله؛ لا يعلم أحد لِم لَم يفعل ذلك، ولا يعلمه إلا هو.
وقفة
[20] ﴿فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّـهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾ ولو علم الله منهم أنهم سألوا لك استرشادًا وتثبتًا لأجابهم، ولكن علم أنهم إنما يسألون عنادًا وتعنتًا؛ فتركهم فيما رابهم.

الإعراب :

  • ﴿ ويقولون:
  • الواو: عاطفة. يقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لولا أنزل عليه آية من ربه:
  • لولا: بمعنى \"هلاّ\" وهي حرف توبيخ لدخولها على فعل ماضٍ. أنزل: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. عليه: جار ومجرور متعلق بأنزل. آية: نائب فاعل مرفوع بالضمة. من ربه: جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة محذوفة من \"آية\" والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة وقد ذكر الفعل لأنه فصل عن فاعله. والجملة في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فقل:
  • الفاء زائدة. قل: فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت.
  • ﴿ إنّما الغيب لله:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول - انما: كافة ومكفوفة. الغيب: مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ فانتظروا:
  • الفاء استئنافية. انتظروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة ومفعوله محذوف أي فانتظروا نزول ما اقترحتموه.
  • ﴿ إنّي معكم:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم \"إنّ\". مع: ظرف مكان متعلق بخبر إنّ. وحذفت نون \"إنني\" تخفيفاً. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ من المنتظرين:
  • جار ومجرور وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. وشبه الجملة في محل رفع لأنه متعلق بخبر \"إنّ\" بتقدير إنّي أحد المنتظرين أو منتظر منهم. '

المتشابهات :

يونس: 20﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّـهِ
الرعد: 7﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ
الرعد: 27﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّـهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     وبعد أن طلب المشركون من النَّبي محمد r أن يأتي بقرآن غير هذا أو تبديله؛ طالبوا هنا بإنزال معجزة حسية، كنَاقة صالح، وعصا موسى عليهما السلام، قال تعالى:
﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف