205112113114115116117

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (112) الى الآية رقم (112) عدد الآيات (1)

= وبَيَّنَ هنا صفاتِهم (9 صفات).

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (113) الى الآية رقم (116) عدد الآيات (4)

لَمَّا بيَّنَ اللهُ مِن أوَّلِ السُّورةِ إلى هنا وُجوبَ البَراءةِ من الكُفَّارِ والمُنافِقينَ؛ بَيَّنَ هنا البراءةَ من أمواتِهم وتحريمَ الاستغفارِ لهم، أما إبراهيمُ عليه السلام فقد وعدَ أباه أن يستغفرَ له رجاءَ إسلامِه، فلَمَّا ماتَ على الكفرِ تبرَّأَ منه

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (117) الى الآية رقم (117) عدد الآيات (1)

توبةُ اللهِ عليه ﷺ لمَّا أَذِنَ للمنافقينَ في التَّخلُّفِ عن تَبُوك، وتوبتُه على المهاجرينَ والأنصارِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟:   1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟:   إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم ::   التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية ::   هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة ::   أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة ::   التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة ::   حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة التوبة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ».
    • وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء.
    • عن إبراهيم قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ مَرَّةً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُجَاعِلَ -أي يدفع جُعالة لمن يخرج بدلًا عنه-، فِي بَعْثٍ خَرَجَ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ فَقُلْتُ لَهُ: «مَا لَكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُجَاعِلَ؟»، قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةَ؛ فَسَمِعْتُهَا تَحُثُّ عَلَى الْجِهَادِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم».
    • تمتاز بكثرة أسمائها، فهي تأتي بعد سورة الفاتحة في كثرة الأسماء، ومعظم هذه الأسماء أطلق عليها بسبب ما فيها من دلالات وصفات تفضح المنافقين.
    • هي آخر سور السبع الطِّوَال، وهي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة».
    • أفاضت في الحديث عن المنافقين وصفاتهم إفاضة لا توجد في غيرها من سور القرآن الكريم.
    • ذكرت فيها أحداث غزوة تبوك، وهي آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب 9 هـ.
    • أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، ولذا لم تذكر فئة إلا وحثتها على التوبة: كالكفار، والمشركين والمنافقين والعصاة والمؤمنين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر إلى التوبة والرجوع إلى الله قبل أن يفاجئنا الموت، وندعو كل الناس إلى ذلك.
    • أن نتعلم سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين.
    • أن نلزم الوفاء بالعهود مع المشركين إلى مدتها إلا إذا خانوا؛ فإن خانوا فيجب إخبارهم بنقض العهد: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ...﴾ (4).
    • أن نقرأ كلام الله على من حولنا من غير المسلمين؛ رجاء هدايتهم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ (6).
    • ألا نَأْمَن غير المسلمين، ولا نُسَلِّم لهم أنفسنا مهما كانت وعودهم؛ فإنهم لا يؤمَنون: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ﴾ (8).
    • أن نحذر اتخاذ بطانة من أعداء الدين: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ (16).
    • أن نتعلم أحكام التعامل مع الكفار من أهل الذمة وغيرهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾ (28).
    • ألا نوالي الكفار؛ حتى ولو كانوا من الأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (23).
    • أن تكون محبة الله ورسوله أغلى عندنا من كلّ شيء سواها: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (24).
    • ألا نقدم على محبة الله أحدًا: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ...﴾ (24).
    • أن نستبشِر؛ سيُصبحُ الإسلام هو الدينُ الذي يُعبَدُ اللهُ به في الأرضِ لا غيره: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (33). • أن نظهر الأشهر الهجرية في تعاملاتنا قدر الاستطاعة؛ فهي المقدمة عند الله، وهي من مظاهر الدين الإسلامي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ (36).
    • أن نلقي المحاضرات، أو نرسل رسائل عن خطر التحايل على الشريعة وأهمية مراقبة الله: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ﴾ (37).
    • ألا نشعر بالضعف إلا لله، ولا نطأطئ رؤوسنا لسواه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ (40).
    • أن نتبرع بشيء من أموالنا للجهات الخيرية؛ فهذا من الجهاد بالمال: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (41).
    • أن نستفتِح العِتابَ بأجملِ الكلماتِ؛ لنستميلَ قلبَ مَن نُعاتِبُ: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (43)، تأمَّلْ: بدأَ بالعَفوِ عن الخَطأِ قبلَ أن يعاتِبَه على ارتكابِه.
    • ألا نتأثر لخذلان بعض الناس لنا؛ فقد يكون الله ثبطهم لفسادٍ عَلِمه أنه سيكون لو كانوا معكم: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ (46).
    • ألا نخاف ولا نحزن من أقدار الدنيا؛ فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (51).
    • ألا نضع زكاة أموالنا إلا في المصارف التي حددها الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (60).
    • ألا نتناول شعائر الدين وأحكامه بسخرية واستهزاء، ولو على سبيل المزاح والضحك، فالخائض فيها على خطر عظيم: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (65، 66).
    • أن نحرص على الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنْكرِ مخالفة لحالِ المنافقين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ (67).
    • أن ندرس قصص الأنبياءِ حتى نكونَ من الذين يعتبرون ويتعظون إذا تُليتْ عليهم أنباءُ الرسلِ وأممهِم: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (70).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فإن الله علام الغيوب: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (78).
    • ألا نسخر من صدقة مسلم؛ ولو قلت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (79).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الحلم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (114).

تمرين حفظ الصفحة : 205

205

مدارسة الآية : [112] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ ..

التفسير :

[112] ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة:أنهم التائبون الراجعون عما كرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه، الذين أخلصوا العبادة لله وحده وجَدُّوا في طاعته، الذين يحمدون الله على كل ما امتحنهم به من خير أو شر، الصائمون، الراكعون في صلاتهم، الساج

كأنه قيل‏:‏ من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من اللّه بدخول الجنات ونيل الكرامات‏؟‏ فقال‏:‏ هم ‏{‏التَّائِبُونَ‏}‏ أي‏:‏ الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات‏.‏

‏{‏الْعَابِدُونَ‏}‏ أي‏:‏ المتصفون بالعبودية للّه، والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت، فبذلك يكون العبد من العابدين‏.‏

‏{‏الْحَامِدُونَ‏}‏ للّه في السراء والضراء، واليسر والعسر، المعترفون بما للّه عليهم من النعم الظاهرة والباطنة، المثنون على اللّه بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار‏.‏

‏{‏السَّائِحُونَ‏}‏ فسرت السياحة بالصيام، أو السياحة في طلب العلم، وفسرت بسياحة القلب في معرفة اللّه ومحبته، والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أن المراد بالسياحة‏:‏ السفر في القربات، كالحج، والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك‏.‏

‏{‏الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ‏}‏ أي‏:‏ المكثرون من الصلاة، المشتملة على الركوع والسجود‏.‏

‏{‏الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات‏.‏

‏{‏وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ‏}‏ وهي جميع ما نهى اللّه ورسوله عنه‏.‏

‏{‏وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ‏}‏ بتعلمهم حدود ما أنزل اللّه على رسوله، وما يدخل في الأوامر والنواهي والأحكام، وما لا يدخل، الملازمون لها فعلا وتركا‏.‏

‏{‏وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ لم يذكر ما يبشرهم به، ليعم جميع ما رتب على الإيمان من ثواب الدنيا والدين والآخرة، فالبشارة متناولة لكل مؤمن‏.‏

وأما مقدارها وصفتها فإنها بحسب حال المؤمنين، وإيمانهم، قوة، وضعفا، وعملا بمقتضاه‏.‏

قال الجمل ما ملخصه: ذكر الله- تعالى- في هذه الآية تسعة أوصاف للمؤمنين، الستة الأولى منها تتعلق بمعاملة الخالق، والوصفان السابع والثامن يتعلقان بمعاملة المخلوق، والوصف التاسع يعم القبيلين.

وقوله: التَّائِبُونَ فيه وجوه من الإعراب منها: أنه مرفوع على المدح. فهو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا للمبالغة في المدح أى: المؤمنون المذكورون التائبون، ومنها أن الخبر هنا محذوف، أى: التائبون الموصوفون بهذه الأوصاف من أهل الجنة....» .

والمعنى: «التائبون» عن المعاصي وعن كل ما نهت عنه شريعة الله، «العابدون» لخالقهم عبادة خالصة لوجهه، «الحامدون» له- سبحانه- في السراء والضراء، وفي المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، «السائحون» في الأرض للتدبر والاعتبار وطاعة الله.

والعمل على مرضاته «الراكعون الساجدون» لله- تعالى- عن طريق الصلاة التي هي عماد الدين وركنه الركين «الآمرون» غيرهم «بالمعروف» أى: بكل ما حسنه الشرع «والناهون» له «عن المنكر» الذي تأباه الشرائع والعقول السليمة، «والحافظون لحدود الله» أى: لشرائعه وفرائضه وأحكامه وآدابه.. هؤلاء المتصفون بتلك الصفات الحميدة، بشرهم. يا محمد. بكل ما يسعدهم ويشرح صدورهم، فهم المؤمنون حقا، وهم الذين أعد الله- تعالى- لهم الأجر الجزيل، والرزق الكريم.

ولم يذكر- سبحانه- المبشر به في قوله: «وبشر المؤمنين» ، للإشارة إلى أنه أمر جليل لا يحيط به الوصف، ولا تحده العبارة.

ولم يذكر- سبحانه- في الآية لهذه الأوصاف متعلقا، فلم يقل «التائبون» من كذا، لفهم ذلك من المقام، لأن المقام في مدح المؤمنين الصادقين الذين أخلصوا نفوسهم لله، تعالى.

فصاروا ملتزمين طاعته في كل أقوالهم وأعمالهم.

وعبر عن كثرة صلاتهم وخشوعهم فيها بقوله. «الراكعون الساجدون» للإشارة إلى أن الصلاة كأنها صفة ثابتة من صفاتهم، وكأن الركوع والسجود طابع مميز لهم بين الناس. وإنما عطف النهى عن المنكر على الأمر بالمعروف للإيذان بأنهما فريضة واحدة لتلازمهما في الغالب، أو لما بينهما من تباين إذ الأمر بالمعروف طلب فعل، والنهى عن المنكر طلب ترك أو كف.

وكذلك جاء قوله. «والحافظون لحدود الله» بحرف العطف ومما قالوه في تعليل ذلك. أن سر العطف هنا التنبيه على أن ما قبله مفصل للفضائل وهذا مجمل لها، لأنه شامل لما قبله وغيره، ومثله يؤتى به معطوفا، نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء، فلمغايرته لما قبله بالإجمال والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه .

هذا، وما ذكرناه من أن المراد بقوله: «السائحون» أى: السائرون في الأرض للتدير والاعتبار والتفكر في خلق الله، والعمل على مرضاته.. هذا الذي ذكرناه رأى لبعض العلماء.

ومنهم من يرى أن المراد بهم الصائمون ومنهم من يرى أن المراد بهم: المجاهدون.

قال الآلوسى: وقوله: «السائحون» أى الصائمون. فقد أخرج ابن مردويه عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فأجاب بما ذكر، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين. وجاء عن عائشة: «سياحة هذه الأمة الصيام» .

وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد أن السائحين هم المهاجرون، وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة.

وعن عكرمة أنهم طلبة العلم، لأنهم يسيحون في الأرض لطلبه.

وقيل: هم المجاهدون في سبيل الله، لما أخرج الحاكم وصححه والطبراني وغيرهما، عن أبى أمامة أن رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال: إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل الله والذي نراه أقرب إلى الصواب أن المراد بالسائحين هنا: السائرون في الأرض لمقصد شريف، وغرض كريم. كتحصيل العلم، والجهاد في سبيل الله، والتدبر في ملكوته- سبحانه- والتفكر في سنته في كونه، والاعتبار بما اشتمل عليه هذا الكون من عجائب.

ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ «السائحون» معناه السائرون، لأنه مأخوذ من السيح وهو الجري على وجه الأرض، والذهاب فيها. وهذه المادة تشعر بالانتشار، يقال: ساح الماء أى جرى وانتشر.

وما دام الأمر كذلك فمن الأولى حمل اللفظ على ظاهره، مادام لم يمنع مانع من ذلك، وهنا لا مانع من حمل اللفظ على حقيقته وظاهره.

أما الأحاديث والآثار التي استشهد بها من قال بأن المراد بالسائحين الصائمون فقد ضعفها علماء الحديث.

قال صاحب المنار: وأقول: وروى ابن جرير من حديث أبى هريرة مرفوعا وموقوفا حديث: «السائحون هم الصائمون» لا يصح رفعه.. .

وفضلا عن كل هذا، فإن تفسير السائحين بأنهم السائرون في الأرض لكل مقصد شريف، وغرض كريم.. يتناول الجهاد في سبيل، كما يتناول الرحلة في طلب العلم، وغير ذلك من وجوه الخير.

وما أكثر الآيات القرآنية التي حضت على السير في الأرض، وعلى التفكر في خلق الله، ومن ذلك قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ .

وقوله تعالى. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها، أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .

قال الإمام الرازي: للسياحة أثر عظيم في تكميل النفس لأن الإنسان يلقى الأكابر من الناس، فيحتقر نفسه في مقابلتهم، وقد يصل إلى المرادات الكثيرة فينتفع بها، وقد يشاهد اختلاف أحوال الدنيا بسبب ما خلق الله. تعالى. في كل طرف من الأحوال الخاصة بهم فتقوى معرفته. وبالجملة فالسياحة لها آثار قوية في الدين .

ثم بين- سبحانه- أنه لا يصح للنبي صلى الله عليه وسلم ولا للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين مهما بلغت درجة قرابتهم، لأن رابطة العقيدة هي الوشيجة الأساسية فيما بينهم فقال- تعالى:

هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة : ( التائبون ) من الذنوب كلها ، التاركون للفواحش ، ( العابدون ) أي : القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها ، وهي الأقوال والأفعال فمن أخص الأقوال الحمد ؛ فلهذا قال : ( الحامدون ) ومن أفضل الأعمال الصيام ، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع ، وهو المراد بالسياحة هاهنا ؛ ولهذا قال : ( السائحون ) كما وصف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى : ( سائحات ) [ التحريم : 5 ] أي : صائمات ، وكذا الركوع والسجود ، وهما عبارة عن الصلاة ، ولهذا قال : ( الراكعون الساجدون ) وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه ، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه ، علما وعملا فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق ؛ ولهذا قال : ( وبشر المؤمنين ) لأن الإيمان يشمل هذا كله ، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به .

[ بيان أن المراد بالسياحة الصيام ] :

قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : ( السائحون ) الصائمون . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، والعوفي عن ابن عباس .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : كل ما ذكر الله في القرآن السياحة : هم الصائمون . وكذا قال الضحاك ، رحمه الله .

وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إبراهيم بن يزيد ، عن الوليد بن عبد الله ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : سياحة هذه الأمة الصيام .

وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك بن مزاحم ، وسفيان بن عيينة وغيرهم : أن المراد بالسائحين : الصائمون .

وقال الحسن البصري : ( السائحون ) الصائمون شهر رمضان .

وقال أبو عمرو العبدي : ( السائحون ) الذين يديمون الصيام من المؤمنين .

وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا ، وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا حكيم بن حزام ، حدثنا سليمان ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السائحون هم الصائمون "

[ ثم رواه عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن إسرائيل ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أنه قال : ( السائحون ) الصائمون ] .

وهذا الموقوف أصح .

وقال أيضا : حدثني يونس ، عن ابن وهب ، عن عمر بن الحارث ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال : " هم الصائمون " .

وهذا مرسل جيد .

فهذه أصح الأقوال وأشهرها ، وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد ، وهو ما روى أبو داود في سننه ، من حديث أبي أمامة أن رجلا قال : يا رسول الله ، ائذن لي في السياحة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .

وقال ابن المبارك ، عن ابن لهيعة : أخبرني عمارة بن غزية : أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله ، والتكبير على كل شرف " .

وعن عكرمة أنه قال : هم طلبة العلم . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المهاجرون . رواهما ابن أبي حاتم .

وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض ، والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين ، كما ثبت في صحيح البخاري ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " .

وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( والحافظون لحدود الله ) قال : القائمون بطاعة الله . وكذا قال الحسن البصري ، وعنه رواية : ( والحافظون لحدود الله ) قال : لفرائض الله ، وفي رواية : القائمون على أمر الله .

القول في تأويل قوله : التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله اشترى من المؤمنين التائبين العابدين أنفسهم وأموالهم = ولكنه رفع, إذ كان مبتدأ به بعد تمام أخرى مثلها. والعرب تفعل ذلك, وقد تقدَّم بياننا ذلك في قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [سورة البقرة: 18]، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)

* * *

ومعنى: " التائبون "، الراجعون مما كرهه الله وسخطه إلى ما يحبُّه ويرضاه، (2) كما:-

17272- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم, عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن في قول الله: (التائبون)، قال: تابوا إلى الله من الذنوب كلها. (3)

17273- حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال، حدثني أبي, عن أبي الأشهب, عن الحسن: أنه قرأ (التائبون العابدون)، قال: تابوا من الشرك، وبرئوا من النفاق.

17274- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن أبي الأشهب قال: قرأ الحسن: (التائبون العابدون)، قال: تابوا من الشرك، وبرئوا من النفاق.

17275- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء، عن الحسن قال: التائبون من الشرك.

17276- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية: (التائبون العابدون)، قال الحسن: تابوا والله من الشرك, وبرئوا من النفاق.

17277- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (التائبون)، قال: تابوا من الشرك، ثم لم ينافقوا في الإسلام.

17278- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج: (التائبون)، قال: الذين تابوا من الذنوب، ثم لم يعودوا فيها.

* * *

وأما قوله: (العابدون)، فهم الذين ذلُّوا خشيةً لله وتواضعًا له, فجدُّوا في خدمته، (4) كما:-

17279- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (العابدون)، قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.

17280- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن في قول الله (العابدون)، قال: عبدوا الله على أحايينهم كلها، في السراء والضراء.

17281- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: (العابدون)، قال: العابدون لربهم.

* * *

وأما قوله: (الحامدون)، فإنهم الذين يحمدون الله على كل ما امتحنهم به من خير وشر، (5) كما:-

17282- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (الحامدون)، قوم حمدوا الله على كل حال.

17283- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن ثعلبة قال، قال الحسن: (الحامدون)، الذين حمدوا الله على أحايينهم كلها، في السرّاء والضرّاء.

17284- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: (الحامدون)، قال: الحامدون على الإسلام.

* * *

وأما قوله: (السائحون)، فإنهم الصائمون، كما:-

17285- حدثني محمد بن عيسى الدامغاني وابن وكيع قالا حدثنا سفيان, عن عمرو, عن عبيد بن عمير =

17286- وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث, عن عمرو, عن عبيد بن عمير قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن " السائحين " فقال: هم الصائمون. (6)

17287- حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا حكيم بن حزام قال، حدثنا سليمان, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السائحون " هم الصائمون.

17288- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: (السائحون)، الصائمون. (7)

17289- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن عاصم, عن زر, عن عبد الله قال: (السائحون)، الصائمون. (8)

17290-...... قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا سفيان قال، حدثني عاصم, عن زر, عن عبد الله, بمثله.

17291- حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا شيبان, عن أبي إسحاق, عن أبي عبد الرحمن قال: السياحةُ: الصيام.

17292- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل, عن أشعث, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: (السائحون)، : الصائمون.

17293- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبيه = وإسرائيل، عن أشعث = عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: (السائحون)، الصائمون.

17294- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا إسرائيل, عن أشعث, عن سعيد بن جبير قال: (السائحون)، الصائمون.

17295- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن أشعث بن أبي الشعثاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, مثله.

17296- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن عاصم، عن زر, عن عبد الله, مثله.

17297-...... قال، حدثنا أبي, عن أبيه, عن إسحاق, عن عبد الرحمن قال: (السائحون)، هم الصائمون.

17298- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (السائحون)، قال: يعني بالسائحين، الصائمين.

17299- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: (السائحون)، هم الصائمون.

17300- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (السائحون)، الصائمون.

17301-...... قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قال: كل ما ذكر الله في القرآن ذكر السياحة، هم الصائمون. (9)

17302-...... قال، حدثنا أبي، عن المسعودي, عن أبي سنان, عن ابن أبي الهذيل, عن أبي عمرو العبدي قال: (السائحون)، الذين يُديمون الصيام من المؤمنين.

17303- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن: (السائحون)، الصائمون.

17304- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن قال: (السائحون)، الصائمون شهر رمضان.

17305- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك قال: (السائحون)، الصائمون.

17306-...... قال، حدثنا أبو أسامة, عن جويبر, عن الضحاك قال: كل شيء في القرآن (السائحون)، فإنه الصائمون.

17307- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك: (السائحون)، الصائمون.

17308- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (السائحون)، يعني الصائمين.

17309- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، ويعلى، وأبو أسامة, عن عبد الملك, عن عطاء قال: (السائحون)، الصائمون.

17310- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن عبد الملك, عن عطاء, مثله.

17311-...... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو: أنه سمع وهب بن منبه يقول: كانت السياحة في بني إسرائيل, وكان الرجل إذا ساح أربعين سنةً، رأى ما كان يرى السائحون قبله. فساح وَلَدُ بغيٍّ أربعين سنة، فلم ير شيئًا, فقال: أي ربِّ، أرأيت إن أساء أبواي وأحسنت أنا؟ قال: فَأرِي ما رَأى السائحون قبله = قال ابن عيينة: إذا ترك الطعام والشراب والنساء، فهو السائح.

17312- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة (السائحون)، قوم أخذوا من أبدانهم، صومًا لله.

17313- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إبراهيم بن يزيد, عن الوليد بن عبد الله, عن عائشة قالت: سياحةُ هذه الأمة الصيام. (10)

* * *

وقوله: (الراكعون الساجدون)، يعني المصلين، الراكعين في صلاتهم، الساجدين فيها، (11) كما:-

17314- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: (الراكعون الساجدون)، قال: الصلاة المفروضة.

* * *

وأما قوله: (الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر)، فإنه يعني أنهم يأمرون الناس بالحق في أديانهم, واتباع الرشد والهدى، والعمل (12) = وينهونهم عن المنكر، وذلك نهيهم الناسَ عن كل فعل وقول نهى الله عباده عنه. (13)

* * *

وقد روي عن الحسن في ذلك ما:-

17315- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: (الآمرون بالمعروف)، لا إله إلا الله =(والناهون عن المنكر)، عن الشرك.

17316- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن ثعلبة بن سهيل قال, قال الحسن في قوله: (الآمرون بالمعروف)، قال: أمَا إنهم لم يأمروا الناس حتى كانوا من أهلها =(والناهون عن المنكر)، قال: أمَا إنهم لم ينهوا عن المنكر حتى انتهوا عنه.

17317- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية, قال: كل ما ذكر في القرآن " الأمر بالمعروف "، و " النهي عن المنكر ", فالأمر بالمعروف، دعاءٌ من الشرك إلى الإسلام = والنهي عن المنكر، نهيٌ عن عبادة الأوثان والشياطين.

* * *

قال أبو جعفر: وقد دللنا فيما مضى قبل على صحة ما قلنا: من أن " الأمر بالمعروف " هو كل ما أمر الله به عباده أو رسوله صلى الله عليه وسلم, و " النهي عن المنكر "، هو كل ما نهى الله عنه عبادَه أو رسولُه. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن في الآية دلالة على أنها عُني بها خصوصٌ دون عموم، ولا خبر عن الرسول، ولا في فطرة عقلٍ, فالعموم بها أولى، لما قد بينا في غير موضع من كُتُبنا.

* * *

وأما قوله: (والحافظون لحدود الله)، فإنه يعني: المؤدّون فرائض الله, المنتهون إلى أمره ونهيه, الذين لا يضيعون شيئًا ألزمهم العملَ به، ولا يرتكبون شيئًا نهاهم عن ارتكابه، (14) كالذي:-

17318- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (والحافظون لحدود الله)، يعني: القائمين على طاعة الله. وهو شرطٌ اشترطه على أهل الجهاد، إذا وَفَوا الله بشرطه، وفى لهم بشرطهم. (15)

17319- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (والحافظون لحدود الله)، قال: القائمون على طاعة الله.

17320- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن في قوله: (والحافظون لحدود الله)، قال: القائمون على أمر الله.

17321- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: (والحافظون لحدود الله)، قال: لفرائض الله.

* * *

وأما قوله: (وبشر المؤمنين)، فإنه يعني: وبشّر المصدِّقين بما وعدهم الله إذا هم وفَّوا الله بعهده، أنه مُوفٍّ لهم بما وعدهم من إدخالهم الجنة، (16) كما:-

17322- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا عوف, عن الحسن: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ، حتى ختم الآية, قال الذين وفوا ببيعتهم =(التائبون العابدون الحامدون)، حتى ختم الآية, فقال: هذا عملهم وسيرهم في الرخاء, ثم لقوا العدوّ فصدَقوا ما عاهدوا الله عليه.

* * *

وقال بعضهم: معنى ذلك: وبشر من فعل هذه الأفعال = يعني قوله: (التائبون العابدون)، إلى آخر الآية = وإن لم يغزوا.

* ذكر من قال ذلك:

17323- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: (وبشر المؤمنين)، قال: الذين لم يغزوا.

---------------------------

الهوامش :

(1) انظر ما سلف 1 : 330 ، 331 .

(2) انظر تفسير " تائب " فيما سلف من فهارس اللغة ( توب ) .

(3) الأثر : 17272 - " ثعلبة بن سهيل الطهوي " ، ثقة ، مضى برقم : 12273 . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 175 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 464 .

(4) انظر تفسير " العابد " فيما سلف من فهارس اللغة ( عبد ) .

(5) انظر تفسير " الحمد " فيما سلف 1 : 135 - 141 / 11 : 249 .

(6) الأثر : 17286 - قال ابن كثير في تفسيره 4 : 249 : " هذا مرسل جيد " ، وذكره السيوطي في الدر المنثور 3 : 281 ، من طريق عبيد بن عمير ، عن أبي هريرة ، ونسبه إلى الفريابي ، ومسدد في مسنده ، وابن جرير ، والبيهقي في شعب الإيمان . بيد أن ابن جرير لم يرفعه من هذه الطريق إلى أبي هريرة كما ترى .

(7) الأثران : 17287 ، 17288 - أولهما مرفوع ، والآخر موقوف على أبي هريرة ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 281 ، ونسبه إلى ابن جرير وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وابن النجار ، مرفوعا ، وذكره السيوطي في تفسيره 4 : 248 ، وقال : " وهذا الموقوف أصح " .

(8) الأثر : 17289 - خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 34 ، 35 ، عن عبد الله بن مسعود ، ثم قال : " رواه الطبراني ، وفيه عاصم بن بهدلة . وثقه جماعة ، وضعفه آخرون ، وبقية رجاله رجال الصحيح " .

(9) في المطبوعة ، حذف " ذكر " من قوله : " ذكر السياحة " . والعبارة مضطربة بعض الاضطراب . وانظر أجود منها في رقم : 17306 .

(10) الأثر : 17313 - " إبراهيم بن يزيد الخوزي " ، متروك الحديث ، مضى برقم : 7484 ، 16259 .

و " الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث " ، ثقة ، مضى برقم : 16259 ، ولم يدرك أن يروي عن عائشة ، فهو مرسل عن عائشة .

فهذا خبر ضعيف الإسناد جدا .

(11) انظر تفسير " الركوع " ، و " السجود " فيما سلف من فهارس اللغة ( ركع ) ، ( سجد ) .

(12) انظر تفسير " المعروف " فيما سلف ص : 347 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(13) انظر تفسير " المنكر" فيما سلف ص : 347 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(14) انظر تفسير " الحفظ " فيما سلف 5 : 167 / 8 : 295 / 10 : 562 / 11 : 532 .

= وتفسير " الحدود " فيما سلف : ص : 429 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(15) في المطبوعة : " إذا وفوا الله بشرطه ، وفى لهم شرطهم " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(16) انظر تفسير " التبشير " فيما سلف ص : 174 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[112] ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾ فلا بد للتائب من العبادة والعمل للآخرة وإﻻ فالنفس همامة إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل!
وقفة
[112] ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾ فلابد للتائب من العبادة والاشتغال بالعمل للآخرة؛ وإلا فالنفس همَّامة متحركة، إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، فلا بد للتائب من أن يبدل تلك الأوقات التي مرت له في المعاصي بأوقات الطاعات، وأن يبدل تلك الخطوات بخطوات إلى الخير، ويحفظ لحظاته وخطواته، ولفظاته وخطراته.
وقفة
[112] ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ﴾ ما أسعدك إن جمعت تلك الصفات فتتوب عن ذنبك وتعبد ربك بقلب نادم منيب وتشكر نعمته أن هداك!
وقفة
[112] ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ قال قتادة: (العابدون) قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.
وقفة
[112] ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ﴾ هيا هيا، تسابقوا إلى التحلي بهذه الخصال، واحرصوا على بلوغ أوفى درجات الكمال.
وقفة
[112] ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ﴾ هل يطربك الثناء؟ ومِن مَن؟ وماذا لو كنت أنت كذلك؟
وقفة
[112] ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ... وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ التوبة الصادقة مفتاح للبشريات.
وقفة
[112] بعد تأمل معنى الأعمال الواردة في الآية ومعرفتها، اعمل ما تستطيع منها ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[112] وصف الله المؤمنين الذي اشترى أنفسهم ووعدهم بالجنة بتسع صفات ليعلمنا أن (العيش في سبيل الله) هو المقدمة لمن يصطفيهم الله للموت في سبيله ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[112] كيف ترتقي في سلم الإيمان، تأمل الصفات وتأمل ختام الآية: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[112] ﴿الْعَابِدُونَ﴾ أي: المتصفون بالعبودية لله، والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت؛ فبذلك يكون العبد من العابدين.
وقفة
[112] عظم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل أدركنا هذه الحقيقة؟! ﴿الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[112] ﴿وَالنَّاهُون عَنِ المنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنينَ﴾ إن قلتَ: لمَ عَطفَه دون ما قبله من الصِّفاتِ؟ قلتُ: لأنه وقع بعد سبع صفاتٍ، وعادةُ العربِ أن تُدخلَ الواو بعد السَّبعة.
وقفة
[112] ﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ﴾ تفكر في هذه الآية، هل أنت منهم؟ جعلنا الله وإياكم منهم.
وقفة
[112] ﴿وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ لم يذكر ما يبشرهم به ليعم جميع ما رُتِّبَ على الإيمان من ثواب الدنيا والدين والآخرة؛ فالبشارة متناولة لكل مؤمن، وأما مقدارها وصفتها فإنها بحسب حال المؤمنين وإيمانهم؛ قوةً وضعفاً، وعملاً بمقتضاه.
وقفة
[112] ﴿وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ إذا أتتك بشرى من عبد ضعيف تغمرك السعادة، فكيف إذا كان المبَشِّر من بيده خزائن السماء والأرض؟!
تفاعل
[112] ﴿وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ استبشر الآن.
وقفة
[112] قال الجمل: «ذكر الله تعالى في هذه الآية تسعة أوصاف للمؤمنين، الستة الأولى منها تتعلق بمعاملة الخالق، والوصفان السابع والثامن يتعلقان بمعاملة المخلوق، والوصف التاسع يعم القبيلين».

الإعراب :

  • ﴿ التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ:
  • التائبون: خبر لمبتدأ محذوف بتقدير «هم التائبون» مرفوع على المدح وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد والجملة الاسمية بعدها في محل جر صفات لكلمة «الْمُؤْمِنِينَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة: إنّ الله اشترى من المؤمنين. أو رفعت هذه الصفات على المدح وان كان محلها الجرّ وجوز الزجاج أن تكون «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ» مبتدأ خبره محذوف أي التائبون العابدون هم من أهل الجنة أيضا وان لم يجاهدوا. بالمعروف: جار ومجرور متعلق بالآمرون. وقيل: التائبون بدل مرفوع من الضمير في «يُقاتِلُونَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة ويجوز أن تكون «التَّائِبُونَ» مبتدأ وخبرها:العابدون وما بعدها خبرا بعد خبر. عن المنكر: جار ومجرور متعلق بالناهون. والحافظون معطوفة بالواو على «النَّاهُونَ» وتعرب اعرابها: لحدود:جار ومجرور متعلق بالحافظون. الله: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:
  • الواو: استئنافية. بشّر: فعل أمر مبني على السكون حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.المؤمنين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 223﴿وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
التوبة: 112﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
يونس: 87﴿أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
الأحزاب: 47﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلًا كَبِيرًا
الصف: 13﴿وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [112] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّه اشتَرَى من المُؤمِنينَ أنفُسَهم وأموالَهم بأنَّ لهم الجنَّةَ؛ بيَّنَ هنا صفات هؤلاء المؤمنين الذين اشتَرَى منهم أنفُسَهم وأموالَهم، فذكر 9 صفات، وهي:
﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [113] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ..

التفسير :

[113] ما كان ينبغي للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا أن يَدْعوا بالمغفرة للمشركين، ولو كانوا ذوي قرابة لهم، مِن بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان، وتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم لموتهم على الشرك، والله لا يغفر للمشركين، كما قال تعالى:

يعني‏:‏ ما يليق ولا يحسن للنبي وللمؤمنين به ‏{‏أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ‏}‏ أي‏:‏ لمن كفر به، وعبد معه غيره ‏{‏وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ فإن الاستغفار لهم في هذه الحال غلط غير مفيد، فلا يليق بالنبي والمؤمنين، لأنهم إذا ماتوا على الشرك، أو علم أنهم يموتون عليه، فقد حقت عليهم كلمة العذاب، ووجب عليهم الخلود في النار، ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين، ولا استغفار المستغفرين‏.‏

وأيضًا فإن النبي والذين آمنوا معه، عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه، ويوالوا من والاه اللّه، ويعادوا من عاداه اللّه، والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك، مناقض له

قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما بين من أول هذه السورة إلى هذا الموضوع وجوب إظهار البراءة عن الكفار والمنافقين من جميع الوجوه، بين في هذه الآية أنه تجب البراءة عن أمواتهم وإن كانوا في غاية القرب من الإنسان، كما أوجبت البراءة عن أحيائهم، والمقصود منه بيان وجوب مقاطعتهم على أقصى الغايات، والمنع من مواصلتهم بسبب من الأسباب .

والمعنى: ما كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ولا من شأن أصحابه المؤمنين، أن يدعوا الله- تعالى- بأن يغفر للمشركين في حال من الأحوال. ولو كان هؤلاء المشركون من أقرب أقربائهم «من بعد ما تبين لهم» أى: للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، أن هؤلاء المشركين من أصحاب الجحيم، بسبب موتهم على الكفر، وإصرارهم عليه، وعدم اعترافهم بدين الإسلام.

قال الآلوسى ما ملخصه: والآية على الصحيح نزلت في أبى طالب، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن المسيب بن حزن قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية فقال النبي صلى الله عليه وسلم أى عم، قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه. وأبو جهل وعبد الله بن أمية يعاودانه بتلك المقالة. فقال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ.. الآية.

ثم قال. واستبعد بعضهم ذلك، لأن موت أبى طالب كان قبل الهجرة بثلاث سنين، وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة.

وهذا الاستبعاد مستبعد، لأنه لا بأس من أن يقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لأبى طالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول هذه الآية وعليه فلا يراد من قوله «فنزلت» في الخبر أن النزول كان عقيب القول بل يراد أن ذلك سبب النزول فحسب. فتكون الفاء للسببية لا للتعقيب .

وقال القرطبي: هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم، فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين. فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز.، وقال كثير من العلماء. بأنه لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ما داما حيين، فأما من مات على الكفر فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقال : " أي عم ، قل : لا إله إلا الله . كلمة أحاج لك بها عند الله ، عز وجل " . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ [ قال : فلم يزالا يكلمانه ، حتى قال آخر شيء كلمهم به : على ملة عبد المطلب ] . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " . فنزلت : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) قال : ونزلت فيه : ( إنك لا تهدي من أحببت ) [ القصص : 56 ] أخرجاه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الخليل ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه ، وهما مشركان ، فقلت : أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان ؟ فقال : أولم يستغفر إبراهيم لأبيه ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) إلى قوله : ( فلما تبين له أنه عدو لله ) قال : " لما مات " ، فلا أدري قاله سفيان أو قاله إسرائيل ، أو هو في الحديث " لما مات " .

قلت هذا ثابت عن مجاهد أنه قال : لما مات .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ، فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم ، وقال : يا رسول الله ، ما لك ؟ قال : " إني سألت ربي ، عز وجل ، في الاستغفار لأمي ، فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، لتذكركم زيارتها خيرا ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فكلوا وأمسكوا ما شئتم ، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية ، فاشربوا في أي وعاء ولا تشربوا مسكرا " .

وروى ابن جرير ، من حديث علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رسم قبر ، فجلس إليه ، فجعل يخاطب ، ثم قام مستعبرا . فقلنا : يا رسول الله ، إنا رابنا ما صنعت . قال : " إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ، فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي " . فما رئي باكيا أكثر من يومئذ .

وقال ابن أبي حاتم ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن جريج عن أيوب بن هانئ ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر ، فاتبعناه ، فجاء حتى جلس إلى قبر منها ، فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب ، فدعاه ثم دعانا ، فقال : " ما أبكاكم ؟ " فقلنا : بكينا لبكائك . قال : " إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي " ثم أورده من وجه آخر ، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه ، وفيه : " وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي ، وأنزل علي : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تذكر الآخرة " .

حديث آخر في معناه : قال الطبراني : حدثنا محمد بن علي المروزي ، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر ، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه : أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم ، فذهب فنزل على قبر أمه ، فناجى ربه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه ، وبكى هؤلاء لبكائه ، وقالوا : ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث في أمته شيء لا تطيقه . فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم ، فقال : " ما يبكيكم ؟ " . قالوا : يا نبي الله ، بكينا لبكائك ، فقلنا : لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه ، قال : " لا وقد كان بعضه ، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة ، فأبى الله أن يأذن لي ، فرحمتها وهي أمي ، فبكيت ، ثم جاءني جبريل فقال : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) فتبرأ أنت من أمك ، كما تبرأ إبراهيم من أبيه ، فرحمتها وهي أمي ، ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعا ، فرفع عنهم اثنتين ، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين : دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض ، وألا يلبسهم شيعا ، وألا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الرجم من السماء ، والغرق من الأرض ، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج " . وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم .

وهذا حديث غريب وسياق عجيب ، وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب " السابق واللاحق " بسند مجهول ، عن عائشة في حديث فيه قصة أن الله أحيا أمه فآمنت ثم عادت . وكذلك ما رواه السهيلي في " الروض " بسند فيه جماعة مجهولون : أن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به .

وقد قال الحافظ ابن دحية : [ هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع ، قال الله تعالى : ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) [ النساء : 18 ] . وقال أبو عبد الله القرطبي : إن مقتضى هذا الحديث . . . ورد على ابن دحية ] في هذا الاستدلال بما حاصله : أن هذه حياة جديدة ، كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها فصلى علي العصر ، قال الطحاوي : وهو [ حديث ] ثابت ، يعني : حديث الشمس .

قال القرطبي : فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا ، قال : وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب ، فآمن به .

قلت : وهذا كله متوقف على صحة الحديث ، فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه ، فنهاه الله عن ذلك فقال : " فإن إبراهيم خليل الله استغفر لأبيه " ، فأنزل الله : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) الآية .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : كانوا يستغفرون لهم ، حتى نزلت هذه الآية ، فلما [ نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ] ثم أنزل الله : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ) الآية .

وقال قتادة في هذه الآية : ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا نبي الله ، إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ، ويصل الأرحام ، ويفك العاني ، ويوفي بالذمم ؛ أفلا نستغفر لهم ؟ قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بلى ، والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه " . فأنزل الله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) حتى بلغ : ( الجحيم ) ثم عذر الله تعالى إبراهيم ، فقال : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) قال : وذكر لنا أن نبي الله قال : " أوحي إلي كلمات ، فدخلن في أذني ووقرن في قلبي : أمرت ألا أستغفر لمن مات مشركا ، ومن أعطى فضل ماله فهو خير له ، ومن أمسك فهو شر له ، ولا يلوم الله على كفاف " .

وقال الثوري ، عن الشيباني ، عن سعيد بن جبير قال : مات رجل يهودي وله ابن مسلم ، فلم يخرج معه ، فذكر ذلك لابن عباس فقال : فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ، ويدعو له بالصلاح ما دام حيا ، فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) لم يدع .

[ قلت ] وهذا يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره ، عن علي بن أبي طالب قال : لما مات أبو طالب قلت : يا رسول الله ، إن عمك الشيخ الضال قد مات . قال : " اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني " . وذكر تمام الحديث .

ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرت به جنازة عمه أبي طالب قال : " وصلتك رحم يا عم " .

وقال عطاء بن أبي رباح : ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ، ولو كانت حبشية حبلى من الزنا ؛ لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا على المشركين ، يقول الله ، عز وجل : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) .

وروى ابن جرير ، عن ابن وكيع ، عن أبيه ، عن عصمة بن زامل ، عن أبيه قال : سمعت أبا هريرة يقول : رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه . قلت : ولأبيه ؟ قال : لا . قال : إن أبي مات مشركا .

وقوله : ( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) قال ابن عباس : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . وفي رواية : لما مات تبين له أنه عدو لله .

وكذا قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وغيرهم ، رحمهم الله .

وقال عبيد بن عمير ، وسعيد بن جبير : إنه يتبرأ منه [ في ] يوم القيامة حين يلقى أباه ، وعلى وجه أبيه الغبرة والقترة فيقول : يا إبراهيم ، إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك . فيقول : أي ربي ، ألم تعدني ألا تخزني يوم يبعثون ؟ فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ فيقال : انظر إلى ما وراءك ، فإذا هو بذيخ متلطخ ، أي : قد مسخ ضبعانا ، ثم يسحب بقوائمه ، ويلقى في النار .

وقوله : ( إن إبراهيم لأواه حليم ) قال سفيان الثوري وغير واحد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الأواه : الدعاء . وكذا روي من غير وجه ، عن ابن مسعود .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى : حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، حدثنا شهر بن حوشب ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس قال رجل : يا رسول الله ، ما الأواه ؟ قال : " المتضرع " ، قال : ( إن إبراهيم لأواه حليم )

ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به ، قال : المتضرع : الدعاء .

وقال الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين عن أبي العبيدين أنه سأل ابن مسعود عن الأواه ، فقال : هو الرحيم .

وبه قال مجاهد ، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ، والحسن البصري ، وقتادة : أنه الرحيم ، أي : بعباد الله .

وقال ابن المبارك ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الأواه : الموقن بلسان الحبشة . وكذا قال العوفي ، عن ابن عباس : أنه الموقن . وكذا قال مجاهد ، والضحاك . وقال علي بن أبي طلحة ، ومجاهد ، عن ابن عباس : الأواه : المؤمن - زاد علي بن أبي طلحة عنه : المؤمن التواب . وقال العوفي عنه : هو المؤمن بلسان الحبشة . وكذا قال ابن جريج : هو المؤمن بلسان الحبشة .

وقال أحمد : حدثنا موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له " ذو البجادين " : " إنه أواه " ، وذلك أنه رجل كثير الذكر لله في القرآن ويرفع صوته في الدعاء .

ورواه ابن جرير .

وقال سعيد بن جبير ، والشعبي : الأواه : المسبح . وقال ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : لا يحافظ على سبحة الضحى إلا أواه . وقال شفي بن ماتع ، عن أيوب : الأواه : الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها .

وعن مجاهد : الأواه : الحفيظ الوجل ، يذنب الذنب سرا ، ثم يتوب منه سرا .

ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم ، رحمه الله .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا المحاربي ، عن حجاج ، عن الحكم ، عن الحسن بن مسلم بن يناق : أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إنه أواه " .

وقال أيضا حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، حدثنا المنهال بن خليفة ، عن حجاج بن أرطأة ، عن عطاء ، عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا ، فقال : " رحمك الله إن كنت لأواها " ! يعني : تلاء للقرآن وقال شعبة ، عن أبي يونس الباهلي قال : سمعت رجلا بمكة - وكان أصله روميا ، وكان قاصا - يحدث عن أبي ذر قال : كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه : " أوه أوه " ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنه أواه . قال : فخرجت ذات ليلة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح .

هذا حديث غريب رواه ابن جرير ومشاه .

وروي عن كعب الأحبار أنه قال : ( إن إبراهيم لأواه ) قال : كان إذا ذكر النار قال : " أوه من النار " .

وقال ابن جريج عن ابن عباس : ( إن إبراهيم لأواه ) قال : فقيه .

قال الإمام العلم أبو جعفر بن جرير : وأولى الأقوال قول من قال : إنه الدعاء ، وهو المناسب للسياق ، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه ، وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها ؛ ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه في قوله : ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا . قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ) [ مريم : 46 ، 47 ] ، فحلم عنه مع أذاه له ، ودعا له واستغفر ؛ ولهذا قال تعالى : ( إن إبراهيم لأواه حليم )

القول في تأويل قوله : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به= " أن يستغفروا ", يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم= " أولي قربى ", ذوي قرابة لهم= " من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم "، يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان، وتبين لهم أنهم من أهل النار، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله. فإن قالوا: فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك؟ فلم يكن استغفارُ إبراهيم لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه. فلما تبين له وعلم أنه لله عدوٌّ، خلاه وتركه ، وترك الاستغفار له, وآثر الله وأمرَه عليه, فتبرأ منه حين تبين له أمره. (17)

* * *

واختلف أهل التأويل في السبب الذي نـزلت هذه الآية فيه.

فقال بعضهم: نـزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر له بعد موته, فنهاه الله عن ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

17324- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية, فقال: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله! فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك! فنـزلت: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ", ونـزلت: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، [القصص: 56].

17325- حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال، حدثني يونس, عن الزهري قال، أخبرني سعيد بن المسيب, عن أبيه, قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمةً أشهد لك بها عند الله! قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن مِلَّة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدُ له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخرَ ما كلَّمهم: " هو على ملة عبد المطلب ", وأبى أن يقول: " لا إله إلا الله ", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنْهَ عنك! فأنـزل الله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، وأنـزل الله في أبي طالب, فقال لرسول الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، الآية. (18)

-------------------------

الهوامش :

(17) انظر تفسير ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة .

(18) الأثر : 17325 - هذا حديث صحيح . رواه البخاري وصححه (الفتح 3 : 176 ، 177 ) من طريق إسحاق ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبي صالح ، عن ابن شهاب الزهري ، ورواه أيضا ( الفتح 8 : 258 ) من طريق إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، ثم رواه أيضا ( الفتح : 8 : 389 ) من طريق أبي اليمان ، عن شعيب عن الزهري .

ورواه مسلم في صحيحه 1 : 213 - 216 ، من طرق ، أولها هذه الطريق التي رواها منه أبو جعفر.

ورواه أحمد في مسنده 5 : 433 ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري .

وكلها أسانيد صحاح .

وسيأتي برقم : 17328 ، عن سعيد بن المسيب ، لم يرفعه عن أبيه ، بغير هذا اللفظ .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[113] ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ﴾ فيه تحريم الدعاء للكفار بالمغفرة أحياء وأمواتًا.
وقفة
[113] ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ هَذِهِ الآيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِقَطْعِ المُوالاةِ لِلْكَفّارِ، وتَحْرِيمِ الِاسْتِغْفارِ لَهم.
وقفة
[113] حقيقة الإيمان تقتضي تقديم المؤمن ولو كان بعيد النسب، وتأخير الكافر ولو كان قريب النسب، ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾.
وقفة
[113] ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ فإن النبي والذين آمنوا معه عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه، ويوالوا من والاه الله، ويعادوا من عاداه الله. والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار منافٍ لذلك، مناقض له.
وقفة
[113] ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟! فَقَالَ: أَوَلَيْسَ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [الترمذي 3101، وحسنه الألباني].
وقفة
[113] ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ قال القرطبي: «قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ما داما حيين، فأما من مات على الكفر فقد انقطع عنه الرجاء، فلا يُدعى له».
تفاعل
[113] ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ ما كانَ لِلنَّبِيِّ:
  • ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض تام مبني على الفتح بمعنى: صحّ. للنبي: جار ومجرور متعلق بكان.
  • ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر معطوف على اسم مجرور. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يستغفروا:فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. للمشركين: جار ومجرور متعلق بيستغفروا وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. و «أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «كانَ» وجملة «يَسْتَغْفِرُوا» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها من الإعراب أي ما صح له الاستغفار لهم.
  • ﴿ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى:
  • الواو: اعتراضية. لو: حرف تعليل لا محل لها. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. أولي: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والكلمة تكتب بواو ولا تلفظ وهي جمع بمعنى ذوي لا واحد له وقيل هي اسم جمع واحدة ذي قربى:مضاف اليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر وجملة «لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى» اعتراضية لا محل لها من الإعراب أي أولي قرباه.
  • ﴿ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيستغفروا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. تبين: فعل ماض مبني على الفتح.لهم: جار ومجرور متعلق بتبين. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام وجملة «تَبَيَّنَ لَهُمْ» مع فاعله صلة الموصول لا محل لها.ويجوز أن تكون «ما» مصدرية وهي وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «أن» أصحاب خبرها مرفوع بالضمة. الجحيم: مضاف اليه مجرور بالكسرة و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «تَبَيَّنَ». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرازِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَمِيرُويَهْ الهَرَوِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الخُزاعِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو اليَمانِ، قالَ: أخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِيهِ قالَ: لَمّا حَضَرَ أبا طالِبٍ الوَفاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وعِنْدَهُ أبُو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ، فَقالَ: ”أيْ عَمِّ، قُلْ مَعِي: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحاجُّ لَكَ بِها عِنْدَ اللَّهِ“ . فَقالَ أبُو جَهْلٍ وابْنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبا طالِبٍ، أتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزالا يُكَلِّمانِهِ حَتّى قالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهم بِهِ: عَلى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”لَأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ“ . فَنَزَلَتْ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ .رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ورَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أخْبَرَنا أبُو سَعِيدِ بْنُ أبِي عَمْرٍو النَّيْسابُورِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُؤَمَّلٍ، قالَ: أخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ البَصْرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهّابِ، قالَ: أخْبَرَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قالَ: أخْبَرَنا مُوسى بْنُ عُبَيْدَةَ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، قالَ: بَلَغَنِي أنَّهُ لَمّا اشْتَكى أبُو طالِبٍ شَكْواهُ الَّتِي قُبِضَ فِيها، قالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: يا أبا طالِبٍ، أرْسِلْ إلى ابْنِ أخِيكَ فَيُرْسِلَ إلَيْكَ مِن هَذِهِ الجَنَّةِ الَّتِي ذَكَرَها لِيَكُونَ لَكَ شِفاءً. فَخَرَجَ الرَّسُولُ حَتّى وجَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وأبا بَكْرٍ جالِسًا مَعَهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ عَمَّكَ يَقُولُ لَكَ: إنِّي كَبِيرٌ ضَعِيفٌ سَقِيمٌ، فَأرْسِلْ إلَيَّ مِن جَنَّتِكَ هَذِهِ الَّتِي تَذْكُرُ مِن طَعامِها وشَرابِها شَيْئًا حَتّى يَكُونَ لِي فِيهِ شِفاءٌ. فَقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ اللَّهَ تَعالى حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ. فَرَجَعَ إلَيْهِمُ الرَّسُولُ فَقالَ: بَلَّغْتُ مُحَمَّدًا الَّذِي أرْسَلْتُمُونِي بِهِ فَلَمْ يُحِرْ إلَيَّ شَيْئًا، وقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ. فَحَمَلُوا أنْفُسَهم عَلَيْهِ حَتّى أرْسَلَ رَسُولًا مِن عِنْدِهِ، فَوَجَدَهُ الرَّسُولُ في مَجْلِسِهِ فَقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ؛ طَعامَها وشَرابَها“ . ثُمَّ قامَ في إثْرِ الرَّسُولِ حَتّى دَخَلَ مَعَهُ بَيْتَ أبِي طالِبٍ فَوَجَدَهُ مَمْلُوءًا رِجالًا، فَقالَ: ”خَلُّوا بَيْنِي وبَيْنَ عَمِّي“ . فَقالُوا: ما نَحْنُ بِفاعِلِينَ، ما أنْتَ أحَقُّ بِهِ مِنّا، إنْ كانَتْ لَكَ قَرابَةٌ فَلَنا قَرابَةٌ مِثْلُ قَرابَتِكَ. فَجَلَسَ إلَيْهِ فَقالَ: ”يا عَمِّ، جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا، كَفَلْتَنِي صَغِيرًا وحُطْتَنِي كَبِيرًا، جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا، يا عَمِّ أعِنِّي عَلى نَفْسِكَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ أشْفَعُ لَكَ بِها عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ“ . قالَ: وما هي يا ابْنَ أخِي ؟ قالَ: ”قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ“ . فَقالَ: إنَّكَ لِي ناصِحٌ، واللَّهِ لَوْلا أنْ أُعَيَّرَ بِها فَيُقالَ: جَزِعَ عَمُّكَ مِنَ المَوْتِ لَأقْرَرْتُ بِها عَيْنَكَ. قالَ: فَصاحَ القَوْمُ: يا أبا طالِبٍ، أنْتَ رَأْسُ الحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ الأشْياخِ. فَقالَ: لا تَحَدَّثُ نِساءُ قُرَيْشٍ أنَّ عَمَّكَ جَزِعَ عِنْدَ المَوْتِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”لا أزالُ أسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي حَتّى يَرُدَّنِي“ . واسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَما ماتَ. فَقالَ المُسْلِمُونَ: ما يَمْنَعُنا أنْ نَسْتَغْفِرَ لِآبائِنا ولِذَوِي قَراباتِنا ؟ قَدِ اسْتَغْفَرَ إبْراهِيمُ لِأبِيهِ، وهَذا مُحَمَّدٌ ﷺ يَسْتَغْفِرُ لِعَمِّهِ. فاسْتَغْفَرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، حَتّى نَزَلَتْ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى﴾ .أخْبَرَنا أبُو القاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أحْمَدَ الحَرّانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأُمَوِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، قالَ: أخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أيُّوبَ بْنِ هانِئٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الأجْدَعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ في المَقابِرِ، وخَرَجْنا مَعَهُ فَأخَذْنا مَجْلِسَنا، ثُمَّ تَخَطّى القُبُورَ حَتّى انْتَهى إلى قَبْرٍ مِنها فَناجاهُ طَوِيلًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ باكِيًا، فَبَكَيْنا لِبُكاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ إنَّهُ أقْبَلَ إلَيْنا، فَتَلَقّاهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما الَّذِي أبْكاكَ فَقَدْ أبْكانا وأفْزَعَنا ؟ فَجاءَ فَجَلَسَ إلَيْنا فَقالَ: ”أفْزَعَكم بُكائِي ؟“ . فَقُلْنا: نَعَمْ. فَقالَ: ”إنَّ القَبْرَ الَّذِي رَأيْتُمُونِي أُناجِي فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وهْبٍ، وإنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في زِيارَتِها فَأذِنَ لِي فِيها، واسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في الِاسْتِغْفارِ لَها فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فِيهِ، ونَزَلَ عَلَيَّ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ - حَتّى خَتَمَ الآيَةَ - ﴿وما كانَ اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ إلّا عَن مَّوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ﴾ . فَأخَذَنِي ما يَأْخُذُ الوَلَدَ لِلْوالِدَةِ مِنَ الرِّقَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي أبْكانِي“ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [113] لما قبلها :     ولمَّا كثُرت في هذه السورة الأوامر بالبراءة من المشركين الأحياء؛ جاء الأمر هنا بالبراءة من أمواتِهم، وإن كانوا في غايةِ القُربِ مِن الإنسانِ كالأبِ والأمِّ، وتحريم الاستغفارِ لهم، قال تعالى:
﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [114] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ ..

التفسير :

[114] وما كان استغفار إبراهيم -عليه السلام- لأبيه المشرك، إلا عن موعدة وعدها إياه، وهي قوله: ﴿ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا ﴾ فلما تبيَّن لإبراهيم

ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه فإنه ‏{‏عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ‏}‏ في قوله ‏{‏سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا‏}‏ وذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه‏.‏

فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للّه، سيموت على الكفر، ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير ‏{‏تَبَرَّأَ مِنْهُ‏}‏ موافقة لربه وتأدبا معه‏.‏

‏{‏إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ‏}‏ أي‏:‏ رجَّاع إلى اللّه في جميع الأمور، كثير الذكر والدعاء، والاستغفار والإنابة إلى ربه‏.‏

‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ ذو رحمة بالخلق، وصفح عما يصدر منهم إليه، من الزلات، لا يستفزه جهل الجاهلين، ولا يقابل الجاني عليه بجرمه، فأبوه قال له‏:‏ ‏{‏لَأَرْجُمَنَّكَ‏}‏ وهو يقول له‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي‏}‏

فعليكم أن تقتدوا به، وتتبعوا ملة إبراهيم في كل شيء ‏{‏إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ‏}‏ كما نبهكم اللّه عليها وعلى غيرها

ثم بين- سبحانه- السبب الذي حمل إبراهيم على الاستغفار لأبيه، ثم على ترك هذا الاستغفار فقال: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ..

قال القرطبي: روى النسائي عن على بن أبى طالب قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان. فقلت: أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه.

فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فنزلت وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ الآية.

والمعنى: لا حجة لكم أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم، لأبيه، لأن استغفاره له إنما كان بسبب وعد صدر له بذلك. فلما أصر «آزر» أبو إبراهيم على كفره، ومات مشركا بالله،تبرأ إبراهيم منه ومن عمله.

والمراد بهذا الوعد ما جاء في القرآن من قوله له: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا .

وقوله: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ .

وقوله: «إن إبراهيم لأواه حليم» جملة مستأنفة مسوقة لبيان الداعي الذي دعا إبراهيم إلى الاستغفار لأبيه قبل التبين.

أى: إن إبراهيم لكثير التأوه والتوجع من خشية الله، وكثير الحلم والصفح عمن آذاه.

قال الآلوسى: قوله «إن إبراهيم لأواه حليم» أى لكثير التأوه، وأصل التأوه قوله آه ونحوه مما يقوله الحزين.. وهو عند جماعة كناية عن كمال الرأفة. ورقة القلب. وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهما عن عبد الله بن شداد. قال رجل: يا رسول الله ما الأواه؟

قال: «الخاشع المتضرع الكثير الدعاء» .

ويؤخذ من هاتين الآيتين، أنه لا يجوز لمسلم أن يستغفر لمشرك بعد موته على الشرك مهما بلغت درجة قرابته له.

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقال : " أي عم ، قل : لا إله إلا الله . كلمة أحاج لك بها عند الله ، عز وجل " . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ [ قال : فلم يزالا يكلمانه ، حتى قال آخر شيء كلمهم به : على ملة عبد المطلب ] . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " . فنزلت : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) قال : ونزلت فيه : ( إنك لا تهدي من أحببت ) [ القصص : 56 ] أخرجاه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الخليل ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه ، وهما مشركان ، فقلت : أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان ؟ فقال : أولم يستغفر إبراهيم لأبيه ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) إلى قوله : ( فلما تبين له أنه عدو لله ) قال : " لما مات " ، فلا أدري قاله سفيان أو قاله إسرائيل ، أو هو في الحديث " لما مات " .

قلت هذا ثابت عن مجاهد أنه قال : لما مات .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ، فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم ، وقال : يا رسول الله ، ما لك ؟ قال : " إني سألت ربي ، عز وجل ، في الاستغفار لأمي ، فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، لتذكركم زيارتها خيرا ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فكلوا وأمسكوا ما شئتم ، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية ، فاشربوا في أي وعاء ولا تشربوا مسكرا " .

وروى ابن جرير ، من حديث علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رسم قبر ، فجلس إليه ، فجعل يخاطب ، ثم قام مستعبرا . فقلنا : يا رسول الله ، إنا رابنا ما صنعت . قال : " إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ، فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي " . فما رئي باكيا أكثر من يومئذ .

وقال ابن أبي حاتم ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن جريج عن أيوب بن هانئ ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر ، فاتبعناه ، فجاء حتى جلس إلى قبر منها ، فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب ، فدعاه ثم دعانا ، فقال : " ما أبكاكم ؟ " فقلنا : بكينا لبكائك . قال : " إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي " ثم أورده من وجه آخر ، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه ، وفيه : " وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي ، وأنزل علي : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تذكر الآخرة " .

حديث آخر في معناه : قال الطبراني : حدثنا محمد بن علي المروزي ، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر ، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه : أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم ، فذهب فنزل على قبر أمه ، فناجى ربه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه ، وبكى هؤلاء لبكائه ، وقالوا : ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث في أمته شيء لا تطيقه . فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم ، فقال : " ما يبكيكم ؟ " . قالوا : يا نبي الله ، بكينا لبكائك ، فقلنا : لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه ، قال : " لا وقد كان بعضه ، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة ، فأبى الله أن يأذن لي ، فرحمتها وهي أمي ، فبكيت ، ثم جاءني جبريل فقال : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) فتبرأ أنت من أمك ، كما تبرأ إبراهيم من أبيه ، فرحمتها وهي أمي ، ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعا ، فرفع عنهم اثنتين ، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين : دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض ، وألا يلبسهم شيعا ، وألا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الرجم من السماء ، والغرق من الأرض ، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج " . وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم .

وهذا حديث غريب وسياق عجيب ، وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب " السابق واللاحق " بسند مجهول ، عن عائشة في حديث فيه قصة أن الله أحيا أمه فآمنت ثم عادت . وكذلك ما رواه السهيلي في " الروض " بسند فيه جماعة مجهولون : أن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به .

وقد قال الحافظ ابن دحية : [ هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع ، قال الله تعالى : ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) [ النساء : 18 ] . وقال أبو عبد الله القرطبي : إن مقتضى هذا الحديث . . . ورد على ابن دحية ] في هذا الاستدلال بما حاصله : أن هذه حياة جديدة ، كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها فصلى علي العصر ، قال الطحاوي : وهو [ حديث ] ثابت ، يعني : حديث الشمس .

قال القرطبي : فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا ، قال : وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب ، فآمن به .

قلت : وهذا كله متوقف على صحة الحديث ، فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه ، فنهاه الله عن ذلك فقال : " فإن إبراهيم خليل الله استغفر لأبيه " ، فأنزل الله : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) الآية .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : كانوا يستغفرون لهم ، حتى نزلت هذه الآية ، فلما [ نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ] ثم أنزل الله : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ) الآية .

وقال قتادة في هذه الآية : ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا نبي الله ، إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ، ويصل الأرحام ، ويفك العاني ، ويوفي بالذمم ؛ أفلا نستغفر لهم ؟ قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بلى ، والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه " . فأنزل الله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) حتى بلغ : ( الجحيم ) ثم عذر الله تعالى إبراهيم ، فقال : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) قال : وذكر لنا أن نبي الله قال : " أوحي إلي كلمات ، فدخلن في أذني ووقرن في قلبي : أمرت ألا أستغفر لمن مات مشركا ، ومن أعطى فضل ماله فهو خير له ، ومن أمسك فهو شر له ، ولا يلوم الله على كفاف " .

وقال الثوري ، عن الشيباني ، عن سعيد بن جبير قال : مات رجل يهودي وله ابن مسلم ، فلم يخرج معه ، فذكر ذلك لابن عباس فقال : فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ، ويدعو له بالصلاح ما دام حيا ، فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) لم يدع .

[ قلت ] وهذا يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره ، عن علي بن أبي طالب قال : لما مات أبو طالب قلت : يا رسول الله ، إن عمك الشيخ الضال قد مات . قال : " اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني " . وذكر تمام الحديث .

ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرت به جنازة عمه أبي طالب قال : " وصلتك رحم يا عم " .

وقال عطاء بن أبي رباح : ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ، ولو كانت حبشية حبلى من الزنا ؛ لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا على المشركين ، يقول الله ، عز وجل : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) .

وروى ابن جرير ، عن ابن وكيع ، عن أبيه ، عن عصمة بن زامل ، عن أبيه قال : سمعت أبا هريرة يقول : رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه . قلت : ولأبيه ؟ قال : لا . قال : إن أبي مات مشركا .

وقوله : ( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) قال ابن عباس : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . وفي رواية : لما مات تبين له أنه عدو لله .

وكذا قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وغيرهم ، رحمهم الله .

وقال عبيد بن عمير ، وسعيد بن جبير : إنه يتبرأ منه [ في ] يوم القيامة حين يلقى أباه ، وعلى وجه أبيه الغبرة والقترة فيقول : يا إبراهيم ، إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك . فيقول : أي ربي ، ألم تعدني ألا تخزني يوم يبعثون ؟ فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ فيقال : انظر إلى ما وراءك ، فإذا هو بذيخ متلطخ ، أي : قد مسخ ضبعانا ، ثم يسحب بقوائمه ، ويلقى في النار .

وقوله : ( إن إبراهيم لأواه حليم ) قال سفيان الثوري وغير واحد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الأواه : الدعاء . وكذا روي من غير وجه ، عن ابن مسعود .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى : حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، حدثنا شهر بن حوشب ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس قال رجل : يا رسول الله ، ما الأواه ؟ قال : " المتضرع " ، قال : ( إن إبراهيم لأواه حليم )

ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به ، قال : المتضرع : الدعاء .

وقال الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين عن أبي العبيدين أنه سأل ابن مسعود عن الأواه ، فقال : هو الرحيم .

وبه قال مجاهد ، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ، والحسن البصري ، وقتادة : أنه الرحيم ، أي : بعباد الله .

وقال ابن المبارك ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الأواه : الموقن بلسان الحبشة . وكذا قال العوفي ، عن ابن عباس : أنه الموقن . وكذا قال مجاهد ، والضحاك . وقال علي بن أبي طلحة ، ومجاهد ، عن ابن عباس : الأواه : المؤمن - زاد علي بن أبي طلحة عنه : المؤمن التواب . وقال العوفي عنه : هو المؤمن بلسان الحبشة . وكذا قال ابن جريج : هو المؤمن بلسان الحبشة .

وقال أحمد : حدثنا موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له " ذو البجادين " : " إنه أواه " ، وذلك أنه رجل كثير الذكر لله في القرآن ويرفع صوته في الدعاء .

ورواه ابن جرير .

وقال سعيد بن جبير ، والشعبي : الأواه : المسبح . وقال ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : لا يحافظ على سبحة الضحى إلا أواه . وقال شفي بن ماتع ، عن أيوب : الأواه : الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها .

وعن مجاهد : الأواه : الحفيظ الوجل ، يذنب الذنب سرا ، ثم يتوب منه سرا .

ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم ، رحمه الله .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا المحاربي ، عن حجاج ، عن الحكم ، عن الحسن بن مسلم بن يناق : أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إنه أواه " .

وقال أيضا حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، حدثنا المنهال بن خليفة ، عن حجاج بن أرطأة ، عن عطاء ، عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا ، فقال : " رحمك الله إن كنت لأواها " ! يعني : تلاء للقرآن وقال شعبة ، عن أبي يونس الباهلي قال : سمعت رجلا بمكة - وكان أصله روميا ، وكان قاصا - يحدث عن أبي ذر قال : كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه : " أوه أوه " ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنه أواه . قال : فخرجت ذات ليلة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح .

هذا حديث غريب رواه ابن جرير ومشاه .

وروي عن كعب الأحبار أنه قال : ( إن إبراهيم لأواه ) قال : كان إذا ذكر النار قال : " أوه من النار " .

وقال ابن جريج عن ابن عباس : ( إن إبراهيم لأواه ) قال : فقيه .

قال الإمام العلم أبو جعفر بن جرير : وأولى الأقوال قول من قال : إنه الدعاء ، وهو المناسب للسياق ، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه ، وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها ؛ ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه في قوله : ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا . قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ) [ مريم : 46 ، 47 ] ، فحلم عنه مع أذاه له ، ودعا له واستغفر ؛ ولهذا قال تعالى : ( إن إبراهيم لأواه حليم )

وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه

يقول تعالى ذكره : ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به أن يستغفروا , يقول : أن يدعوا بالمغفرة للمشركين , ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم أولي قربى , ذوي قرابة لهم . { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } يقول : من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان تبين لهم أنهم من أهل النار ; لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله. فإن قالوا : فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك , فلم يكن استغفار إبراهيم لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه { فلما تبين له } وعلم أنه لله عدو خلاه وترك الاستغفار له , وآثر الله وأمره عليه , فتبرأ منه حين تبين له أمره . واختلف أهل التأويل في السبب الذي نزلت هذه الآية فيه , فقال بعضهم : نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر له بعد موته , فنهاه الله عن ذلك. ذكر من قال ذلك : 13466 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية , فقال : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ! " فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ! " فنزلت { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } , ونزلت : { إنك لا تهدي من أحببت } . 28 56 13467 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , قال : ثنا عمي عبد الله بن وهب , قال : ثني يونس , عن الزهري , قال : أخبرني سعيد بن المسيب , عن أبيه , قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله ! " قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب , وأبى أن يقول : لا إله إلا الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ! " فأنزل الله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } وأنزل الله في أبي طالب , فقال لرسول الله : { إنك لا تهدي من أحببت } 28 56 الآية . 13468 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } قال : يقول المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا وقد استغفر إبراهيم لأبيه كافرا , فأنزل الله : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } الآية . 13469 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن عمرو بن دينار : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك , فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي " فقال أصحابه : لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه ! فأنزل الله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } إلى قوله : { تبرأ منه } . 13470 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يزيد بن هارون , عن سفيان بن عيينة , عن الزهري , عن سعيد بن المسيب قال : لما حضر أبا طالب الوفاة أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل بن هشام , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي عم إنك أعظم الناس علي حقا وأحسنهم عندي يدا , ولأنت أعظم علي حقا من والدي , فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة يوم القيامة , قل لا إله إلا الله ! " ثم ذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى , عن محمد بن ثور . وقال آخرون : بل نزلت في سبب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك أنه أراد أن يستغفر لها فمنع من ذلك . ذكر من قال ذلك : 13471 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا فضيل , عن عطية قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس , رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها , حتى نزلت : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } إلى قوله : { تبرأ منه }. 13472 - قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا قيس , عن علقمة بن مرثد , عن سليمان بن بريدة , عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى رسما - قال : وأكثر ظني أنه قال قبرا - فجلس إليه , فجعل يخاطب , ثم قام مستعبرا , فقلت : يا رسول الله , إنا رأينا ما صنعت ! قال : " إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي , واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي " فما رئي باكيا أكثر من يومئذ . 13473 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا } إلى : { أنهم أصحاب الجحيم } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه , فنهاه عن ذلك , فقال : " وإن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه " فأنزل الله : { وما كان استغفار إبراهيم } إلى : { لأواه حليم } . وقال آخرون : بل نزلت من أجل أن قوما من أهل الإيمان كانوا يستغفرون لموتاهم من المشركين , فنهوا عن ذلك . ذكر من قال ذلك : 13474 - حدثني المثنى , قال : ثني عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية , فكانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية , فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم , ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا. ثم أنزل الله : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } . الآية . 13475 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية , ذكر لنا أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا نبي الله , إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم , أفلا نستغفر لهم ؟ قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بلى والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه ! " قال : فأنزل الله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } حتى بلغ : { الرحيم } ثم عذر الله إبراهيم فقال : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } . قال : وذكر لنا أن نبي الله قال : " أوحي إلي كلمات , فدخلن في أذني ووقرن في قلبي , أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركا , ومن أعطى فضل ماله فهو خير له , ومن أمسك فهو شر له , ولا يلوم الله على كفاف " . واختلف أهل العربية في معنى قوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : ما كان لهم الاستغفار , وكذلك معنى قوله : { وما كان لنفس أن تؤمن } وما كان لنفس الإيمان { إلا بإذن الله } . 10 100 وقال بعض نحويي الكوفة : معناه : ما كان ينبغي لهم أن يستغفروا لهم . قال : وكذلك إذا جاءت " أن " مع " كان " , فكلها بتأويل " ينبغي " { ما كان لنبي أن يغل } 3 161 ما كان ينبغي له ليس هذا من أخلاقه , قال : فلذلك إذا دخلت " أن " تدل على الاستقبال , لأن " ينبغي " تطلب الاستقبال . وأما قوله : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } فإن أهل العلم اختلفوا في السبب الذي أنزل فيه , فقال بعضهم : أنزل من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يستغفرون لموتاهم المشركين ظنا منهم أن إبراهيم خليل الرحمن قد فعل ذلك حين أنزل الله قوله خبرا عن إبراهيم , قال : { سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا } وقد ذكرنا الرواية عن بعض من حضرنا ذكره , وسنذكره عمن لم نذكره . 13476 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الخليل , عن علي قال : سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان , فقلت : أيستغفر الرجل لوالديه وهما مشركان ؟ فقال : أولم يستغفر إبراهيم لأبيه ؟ قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم , فذكرت ذلك له , فأنزل الله : { وما كان استغفار إبراهيم } إلى { تبرأ منه }. 13477 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا يحيى , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الخليل , عن علي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر لأبويه وهما مشركان , حتى نزلت : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه } إلى قوله : { تبرأ منه } . وقيل : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة } , ومعناه : إلا من بعد موعدة , كما يقال : ما كان هذا الأمر إلا عن سبب كذا , بمعنى : من بعد ذلك السبب أو من أجله , فكذلك قوله : { إلا عن موعدة } : من أجل موعدة وبعدها . وقد تأول قوم قول الله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } الآية , أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم , لقوله : { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } وقالوا : ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره , وأما هو حي فلا سبيل إلى علم ذلك , فللمؤمنين أن يستغفروا لهم . ذكر من قال ذلك : 13478 - حدثنا سليمان بن عمر الرقي , ثنا عبد الله بن المبارك , عن سفيان الثوري , عن الشيباني , عن سعيد بن جبير قالا : مات رجل يهودي وله ابن مسلم , فلم يخرج معه , فذكر ذلك لابن عباس , فقال : كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حيا , فإذا مات وكله إلى شأنه ! ثم قال : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } لم يدع . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا فضيل , عن ضرار بن مرة , عن سعيد بن جبير , قال : مات رجل نصراني , فوكله ابنه إلى أهل دينه , فأتيت ابن عباس , فذكرت ذلك له فقال : ما كان عليه لو مشى معه وأجنه واستغفر له ! ثم تلا { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } الآية . وتأول آخرون الاستغفار في هذا الموضوع بمعنى الصلاة . ذكر من قال ذلك : 13479 - حدثني المثنى , قال : ثني إسحاق , قال : ثنا كثير بن هشام , عن جعفر بن برقان , قال : ثنا حبيب بن أبي مرزوق , عن عطاء بن أبي رباح , قال : ما كنت أدع الصلاة على أحد من أهل هذه القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا , لأني لم أسمع أن الله يحجب الصلاة إلا عن المشركين , يقول الله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } . وتأوله آخرون بمعنى الاستغفار الذي هو دعاء . ذكر من قال ذلك : 13480 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن عصمة بن راشد , عن أبيه قال : سمعت أبا هريرة يقول : رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه ! قلت : ولأبيه ؟ قال : لا إن أبي مات وهو مشرك. قال أبو جعفر : وقد دللنا على أن معنى الاستغفار : مسألة العبد ربه غفر الذنوب ; وإذ كان ذلك كذلك , وكانت مسألة العبد ربه ذلك قد تكون في الصلاة وفي غير الصلاة , لم يكن أحد القولين اللذين ذكرنا فاسدا , لأن الله عم بالنهي عن الاستغفار للمشرك بعدما تبين له أنه من أصحاب الجحيم , ولم يخصص من ذلك حالا أباح فيها الاستغفار له . وأما قوله : { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } فإن معناه : ما قد بينت من أنه من بعد ما يعلمون بموته كافرا أنه من أهل النار . وقيل : { أصحاب الجحيم } لأنهم سكانها وأهلها الكائنون فيها , كما يقال لسكان الدار : هؤلاء أصحاب هذه الدار , بمعنى سكانها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 13481 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرازق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , في قوله : { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } قال : تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن أبا طالب حين مات أن التوبة قد انقطعت عنه . * - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , قال : تبين له حين مات , وعلم أن التوبة قد انقطعت عنه , يعني في قوله : { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } . 13482 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك في قوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية , يقول : إذا ماتوا مشركين , يقول الله : { ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة } 5 72 الآية . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } قال بعضهم : معناه : فلما تبين له بموته مشركا بالله تبرأ منه وترك الاستغفار له . ذكر من قال ذلك : 13483 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن حبيب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات , فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن حبيب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات , فلما مات تبين له أنه عدو لله . * - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا سفيان , عن حبيب بن أبي ثابت , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات , فلما مات لم يستغفر له . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إنه عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } يعني استغفر له ما كان حيا , فلما مات أمسك عن الاستغفار له. 13484 - حدثني مطر بن محمد الضبي , قال : ثنا أبو عاصم وأبو قتيبة مسلم بن قتيبة , قالا : ثنا شعبة , عن الحكم , عن مجاهد , في قوله : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } قال : لما مات . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن الحكم , عن مجاهد , مثله . 13485 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فلما تبين له أنه عدو لله } قال : موته وهو كافر . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثني أبي , عن شعبة , عن الحكم , عن مجاهد , مثله . 13486 - قال : ثنا البراء بن عتبة , عن أبيه , عن الحكم : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } قال : حين مات ولم يؤمن . 13487 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن عمرو بن دينار : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } : موته وهو كافر. 13488 - حدثني عمرو بن عون , قال : ثنا هشيم عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } قال : لما مات. 13489 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } لما مات على شركه تبرأ منه . 13490 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه } كان إبراهيم صلوات الله عليه يرجو أن يؤمن أبوه ما دام حيا ; فلما مات على شركه تبرأ منه . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } قال : موته وهو كافر . * - حدثنا محمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن حبيب بن أبي ثابت , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات , فلما مات تبين له أنه عدو له فلم يستغفر له . 13491 - قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا أبو إسرائيل , عن علي بن بذيمة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { فلما تبين له أنه عدو لله } قال : فلما مات . وقال آخرون : معناه تبين له في الآخرة ; وذلك أن أباه يتعلق به إذا أراد أن يجوز الصراط فيمر به عليه , حتى إذا كاد أن يجاوزه حانت من إبراهيم التفاتة فإذا هو بأبيه في صورة قرد أو ضبع , فخلى عنه وتبرأ منه حينئذ . ذكر من قال ذلك : 13492 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا حفص بن غياث , قال : ثنا عبد الله بن سليمان , قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : إن إبراهيم يقول يوم القيامة : رب والدي ! رب والدي ! فإذا كان الثالثة أخذ بيده , فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرأ منه . 13493 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن عبيد بن عمير , قال : إنكم مجموعون يوم القيامة في صعيد واحد يسمعكم الداعي وينفذكم البصر , قال : فتزفر جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع لركبتيه ترعد فرائصه . قال : فحسبته يقول : نفسي نفسي ! قال : ويضرب الصراط على جسر جهنم كحد السيف , وحضر من له ; وفي جانبيه ملائكة معهم خطاطيف كشوك السعدان . قال : فيمضون كالبرق وكالريح وكالطير , وكأجاويد الركاب , وكأجاويد الرجال , والملائكة يقولون : رب سلم سلم ! فناج سالم , ومخدوش ناج , ومكدوس في النار. يقول إبراهيم لأبيه : إني آمرك في الدنيا فتعصيني ولست تاركك اليوم , فخذ بحقوي ! فيأخذ بضبعيه , فيمسخ ضبعا , فإذا رآه قد مسخ تبرأ منه . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول الله , وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين له أن أباه لله عدو يبرأ منه , وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدو وهو به مشرك , وهو حال موته على شركه .إن إبراهيم لأواه حليم

القول في تأويل قوله تعالى : { إن إبراهيم لأواه حليم } اختلف أهل التأويل في " الأواه " , فقال بعضهم : هو الدعاء . ذكر من قال ذلك : 13494 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله , قال : الأواه : الدعاء . * - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا : ثنا أبو بكر , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله , قال : الأواه : الدعاء . * - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني جرير بن حازم , عن عاصم بن بهدلة , عن زر بن حبيش , قال : سألت عبد الله عن الأواه , فقال : هو الدعاء . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن بشر , عن ابن أبي عروبة , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله مثله . * - قال : ثنا قبيصة , عن سفيان , عن عبد الكريم , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال : الأواه : الدعاء . * - قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله , مثله . * - حدثنا أحمد , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان وإسرائيل , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله مثله . 13495 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع , قالا : ثنا ابن علية , قال : ثنا داود بن أبو هند , قال : نبئت عن عبيد بن عمير , قال : الأواه : الدعاء . * - حدثني إسحاق بن شاهين , قال : ثنا داود , عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي , عن أبيه , قال : الأواه : الدعاء . وقالا آخرون : بل هو الرحيم . ذكر من قال ذلك : 13496 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن سلمة , عن مسلم البطين , عن أبي العبيدين , قال : سئل عبد الله عن الأواه , فقال : الرحيم . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثني محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن الحكم , قال : سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن أبي العبيدين رجل ضرير البصر , أنه سأل عبد الله عن الأواه فقال : الرحيم. * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا المحاربي ; وحدثنا خلاد بن أسلم قال : أخبرنا النضر بن شميل جميعا , عن المسعودي , عن سلمة بن كهيل , عن أبي العبيدين أنه سأل ابن مسعود , فقال : ما الأواه ؟ قال : الرحيم . * - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة , قال : ثنا ابن إدريس , عن الأعمش , عن الحكم , عن يحيى بن الجزار , عن أبي العبيدين , أنه جاء إلى عبد الله , وكان ضرير البصر , فقال : يا أبا عبد الرحمن , من نسأل إذا لم نسألك ؟ فكأن ابن مسعود رق له , قال : أخبرني عن الأواه , قال : الرحيم . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن سلمة بن كهيل , عن مسلم , عن البطين , عن أبي العبيدين , قال : سألت عبد الله عن الأواه , فقال : هو الرحيم . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن الأعمش , عن الحكم , عن يحيى بن الجزار , قال : جاء أبو العبيدين إلى عبد الله , فقال له ما حاجتك ؟ قال : ما الأواه ؟ قال : الرحيم . * - قال : ثنا ابن إدريس , عن الأعمش , عن الحكم , عن يحيى بن الجزار , عن أبي العبيدين رجل من بني سوأة , قال : جاء رجل إلى عبد الله فسأله عن الأواه , فقال له عبد الله : الرحيم . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا المحاربي وهانئ بن سعيد , عن حجاج , عن الحكم , عن يحيى بن الجزار , عن أبي العبيدين , عن عبد الله , قال : الأواه : الرحيم. * - حدثني يعقوب وابن وكيع , قالا : ثنا ابن علية , عن شعبة , عن الحكم , عن يحيى بن الجزار أن أبا العبيدين رجل من بين نمير - قال يعقوب : كان ضرير البصر ; وقال ابن وكيع : كان مكفوف البصر - سأل ابن مسعود فقال : ما الأواه ؟ قال : الرحيم . 13497 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أسامة , عن زكريا , عن أبي إسحاق , عن أبي ميسرة , قال : الأواه : الرحيم . * - قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي ميسرة , مثله . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي ميسرة , مثله . 13498 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن بشر , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن , قال : هو الرحيم . 13499 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : كنا نحدث أن الأواه الرحيم . * - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة : { إن إبراهيم لأواه } قال : رحيم . * - قال عبد الكريم الجزري , عن أبي عبيدة , عن ابن مسعود مثل ذلك . * - حدثنا أحمد , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن عبد الكريم , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال : الأواه : الرحيم . * - حدثنا أحمد , قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان , عن سلمة , عن مسلم البطين , عن أبي العبيدين , أنه سأل عبد الله عن الأواه , فقال الرحيم . 13500 - قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن عمرو بن شرحبيل , قال : الأواه : الرحيم . * - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا مبارك , عن الحسن , قال : الأواه : الرحيم بعباد الله . * - قال : ثنا الحسين , قال : ثنا أبو خيثمة زهير , قال : ثنا أبو إسحاق الهمداني , عن أبي ميسرة , عن عمرو بن شرحبيل , قال : الأواه : الرحيم بلحن الحبشة . وقال آخرون : بل هو الموقن . ذكر من قال ذلك : 13501 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن قابوس , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : الأواه : الموقن . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي بن آدم , عن ابن مبارك , عن خالد , عن عكرمة , عن ابن عباس قال : الأواه : الموقن بلسان الحبشة . * - قال : ثنا حميد بن عبد الرحمن , عن حسن , عن مسلم , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال : الأواه : الموقن بلسانه الحبشة . 13502 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : سمعت سفيان يقول : الأواه : الموقن . وقال بعضهم : الفقيه الموقن . 13503 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا سفيان , عن جابر , عن عطاء , قال : الأواه : الموقن بلسان الحبشة. 13504 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن إدريس , عن أبيه , عن رجل , عن عكرمة , قال : هو الموقن بلسان الحبشة . 13505 - قال : ثنا ابن نمير , عن الثوري , عن مجالد , عن أبي هاشم , عن مجاهد , قال : الأواه : الموقن. * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن مسلم , عن مجاهد , قال : الأواه : الموقن . * - قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قابوس , عن أبي ظبيان , عن ابن عباس , قال : الأواه : الموقن . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : " أواه " : موقن . 13506 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : أواه , قال : مؤتمن موقن . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { إن إبراهيم لأواه حليم } قال : الأواه : الموقن . وقال آخرون : هي كلمة بالحبشية معناها : المؤمن . ذكر من قال ذلك : 13507 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { لأواه حليم } قال : الأواه : هو المؤمن بالحبشية . * - حدثنا علي بن داود , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { إن إبراهيم لأواه } يعني : المؤمن التواب . * - حدثنا أحمد , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا حسن بن صالح , عن مسلم , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال : الأواه : المؤمن . 13508 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج : الأواه : المؤمن بالحبشية. وقال آخرون : هو المسبح الكثير الذكر لله . ذكر من قال ذلك : 13509 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحماني , قال : ثنا شريك , عن سالم , عن سعيد , قال : الأواه : المسبح . 13510 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا المحاربي , عن حجاج , عن الحكم , عن الحسن بن مسلم بن يناق , أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال : " إنه أواه " . 13511 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يزيد بن حيان , عن ابن لهيعة , عن الحارث بن يزيد , عن علي بن رباح , عن عقبة بن عامر , قال : الأواه : الكثير الذكر لله. وقال آخرون : هو الذي يكثر تلاوة القرآن . ذكر من قال ذلك : 13512 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن يمان , قال : ثنا المنهال بن خليفة , عن حجاج بن أرطأة , عن عطاء عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا , فقال : " يرحمك الله إن كنت أواها " يعني : تلاء للقرآن. وقال آخرون : هو من التأوه . ذكر من قال ذلك : 13513 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي يونس القشيري , عن قاص كان بمكة : أن رجلا كان في الطواف , فجعل يقول : أوه ! قال : فشكاه أبو ذر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " دعه إنه أواه ". 13514 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن شعبة , عن أبي يونس الباهلي , قال : سمعت رجلا بمكة كان أصله روميا يحدث عن أبي ذر , قال : كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه : أوه أوه ! فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إنه أواه ". زاد أبو كريب في حديثه , قال : فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح . 13515 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا زيد بن الحباب , عن جعفر بن سليمان , قال : ثنا عمران , عن عبيد الله بن رباح , عن كعب , قال : الأواه : إذا ذكر النار قال : أوه ! * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا عبد العزيز , عن عبد الصمد القمي , عن أبي عمران الحوفي , عن عبد الله بن رباح , عن كعب , قال : كان إذا ذكر النار قال : أواه ! . * - حدثنا الحسن , قال : أخبرنا عبد الرزاق , عن جعفر بن سليمان , قال : أخبرنا أبو عمران , قال سمعت عبد الله بن رباح الأنصاري يقول : سمعت كعبا يقول : { إن إبراهيم لأواه } قال : إذا ذكر النار قال : أوه من النار . وقال آخرون : معناه أنه فقيه . ذكر من قال ذلك : 13516 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { إن إبراهيم لأواه } قال : فقيه . وقال آخرون : هو المتضرع الخاشع . ذكر من قال ذلك : 13517 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا عبد الحميد بن بهرام , قال : ثنا شهر بن حوشب , عن عبد الله بن شداد بن الهاد , قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس , قال رجل : يا رسول الله ما الأواه ؟ قال : " المتضرع " . قال : " إن إبراهيم لأواه حليم " . * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرحمن بن مغراء , عن عبد الحميد , عن شهر , عن عبد الله بن شداد , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأواه : الخاشع المتضرع " . وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله عبد الله بن مسعود الذي رواه عنه زر أنه الدعاء . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب , لأن الله ذكر ذلك ووصف به إبراهيم خليله صلوات الله عليه بعد وصفه إياه بالدعاء والاستغفار لأبيه , فقال : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين لا أنه عدو لله تبرأ منه } وترك الدعاء والاستغفار له , ثم قال : إبراهيم لدعاء ربه شاك له حليم عمن سبه وناله بالمكروه ; وذلك أنه صلوات الله عليه وعد أباه بالاستغفار له , ودعاء الله له بالمغفرة عند وعيد أبيه إياه , وتهدده له بالشتم بعد ما رد عليه نصيحته في الله , وقوله : { أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا } فقال له صلوات الله عليه : { سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا } 19 47 : 48 فوفى لأبيه بالاستغفار له حتى تبين له أنه عدو لله , فوصفه الله بأنه دعاء لربه حليم عمن سفه عليه. وأصله من التأوه وهو التضرع والمسألة بالحزن والإشفاق , كما روى عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم , وكما روى عقبة بن عامر الخبر الذي : 13518 - حدثنيه يحيى بن عثمان بن صالح السهمي , قال : ثنا أبي , قال : ثنا ابن لهيعة , قال : ثني الحارث بن يزيد , عن علي بن رباح , عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين : " إنه أواه ! " وذلك أنه رجل كان يكثر ذكر الله بالقرآن والدعاء ويرفع صوته . ولذلك قيل للمتوجع من ألم أو مرض : لم تتأوه ؟ كما قال المثقب العبدي : إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين ومنه قول الجعدي : ضروح مروح تتبع الورق بعدما يعرسن تشكو آهة وتذمرا ولا تكاد العرب تنطق منه بفعل يفعل , وإنما تقول فيه : تفعل يتفعل , مثل تأوه يتأوه , وأوه يؤوه , كما قال الراجز : فأوه الراعي وضوضى أكلبه وقالوا أيضا : أوه منك ! ذكر الفراء أن أبا الجراح أنشده : فأوه من الذكرى إذا ما ذكرتها ومن بعد أرض بيننا وسماء قال : وربما أنشدنا " فأو من الذكرى " بغير هاء . ولو جاء فعل منه على الأصل لكان آه يئوه أوها . ولأن معنى ذلك : توجع وتحزن وتضرع , اختلف , أهل التأويل فيه الاختلاف الذي ذكرت , فقال من قال معناه الرحمة : أن ذلك كان من إبراهيم على وجه الرقة على أبيه والرحمة له ولغيره من الناس . وقال آخرون : إنما كان ذلك منه لصحة يقينه وحسن معرفته بعظمة الله وتواضعه له. وقال آخرون : كان لصحة إيمانه بربه. وقال آخرون : كان ذلك منه عند تلاوته تنزيل أحد الذي أنزل عليه . وقال آخرون : كان ذلك منه عند ذكر ربه . وكل ذلك عائد إلى ما قلت , وتقارب معنى بعض ذلك من بعض ; لأن الحزين المتضرع إلى ربه الخاشع له بقلبه , ينوبه ذلك عند مسألته ربه ودعائه إياه في حاجاته , وتعتوره هذه الخلال التي وجه المفسرون إليها تأويل قول الله : { أن إبراهيم لأواه حليم } .

التدبر :

وقفة
[114] ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ بطلان الاحتجاج على جواز الاستغفار للمشركين بفعل إبراهيم عليه السلام.
وقفة
[114] ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ قد ترى من صديقك شيئًا تُنكره؛ أحْسِن الظن، وبيّن له.
لمسة
[114] ﴿إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ ما دلالة التعبير بكلمة (موعدة)؟ موعدة أي موعد، لكن موعدة أبلغ على أوزان المرّة، يمكن أن نقول استغفار واستغفارة، نأتي بالتاء ونضعها في نهاية المصدر فتدل على المرّة، فربنا تعالى نهى الرسول والمؤمنين عن مثل هذا الموعد، هذه لا ينبغي أن تتكرر، ولا ينبغي أن يفعلها مسلم أو نبيّ، كلمة وعد لا تعني بالضرورة مرة واحدة.
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ لم يتشبه به ولم يحتفل معه بأعياده ولم يواله، ولم يحبه !
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ إبراهيم ﷺ يتبرأ من أبيه أحب الناس إليه لما علم عداوته لله؛ فما حال المتحالفين مع أعداء الله؟
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ لم يَنلْ لقب (خليل الله) عبثًا، لم يتردد في ترك محبوباته لأجل الله.
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ لا بد من التبين، ثم أن تكون البراءة على قدر حظه من عدائه لله، هذا عدل القرآن.
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ أصل عظيم في منهجية اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام: التبَيُّن أولًا ثم اتخاذ القرار.
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ الله أكبر، ترك الغالي والمحبوب لأجل ربه؛ متى نتخذهم قدوة لنا؟!
وقفة
[114] تأمل هذا الوصف البليغ في الولاء والبراء: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾، اللهم إنا نتبرأ من كل عدو لك ولدينك ولرسولك وللمؤمنين.
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ تأمل كيف اجتمعت صفة الحلم والغلظة في شخص واحد، فالحلم ليس معناه أبدًا التهاون في أمر الدين.
وقفة
[114] ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ البراءة من المفسدين المنحرفين وعموم أعداء الدين من الأهل والأقربين هي منهج الأنبياء والمرسلين.
وقفة
[114] كيف تجتمع صفة الحلم والغلظة فتكون كمالًا؟! تأمل وصف الله لإبراهيم: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ كثير التأوه حزنًا، ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: 23] للتضجر، (آه) و(أف) حرفان لكن: إحداهما رفعت صاحبها، والأخرى أسقطته؛ (انتبه حتى لحروفك).
وقفة
[114] ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ كثير (التأوه والتحسر) ﻷنه رحيم، حتى (آه) يكتبها الله إن كانت لله.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ حليم: ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات، لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه.
وقفة
[114] ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾، ﴿إن إبراهيم لحليم أواه منيب﴾ [هود: 75]، الأواه: كثير التأوه والحزن، والأصل أُه، والحليم: من يتأنى ويضبط نفسه عند العجلة، لما علم إبراهيم عليه السلام بعداوة أبيه لله تأوه وحزن، ولما علم بنزول العذاب على قوم لوط حاول رده وعدم العجلة في إيقاعه.
وقفة
[114] قوله: ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ [هود: 61]، وبعده ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: 90]؛ لموافقة الفواصل، ومثله: ﴿لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾ [هود: 75]، وهنا في التوبة: ﴿لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ للروي في السورتين.
عمل
[114] ادع الله تعالى أن يرزقك الحلم, وعوِّد نفسك عليه؛ حتى تكون متصفًا به ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَما كانَ اسْتِغْفارُ:
  • الواو: عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. كان:فعل ماض ناقص. استغفار: اسم «كانَ» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ:
  • ابراهيم: مضاف اليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على العلمية والعجمة. لأبيه: جار ومجرور متعلق باستغفار وعلامة جر الاسم الياء لأنه من الأسماء الخمسة. والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. عن موعدة: جار ومجرور متعلق بخبر «كانَ» بتقدير: برّا بوعده. أو للتعليل بمعنى: لأجل موعدة.
  • ﴿ وَعَدَها إِيَّاهُ:
  • الجملة: في محل جر صفة لموعدة. وعد: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. إيّا: ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان والهاء حرف للغائب لا محل له. وقد أضيف المصدر الى فاعله بغير ذكر المفعول فانه سبحانه لم يقل استغفار ابراهيم ربّه.
  • ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ:
  • الفاء: استئنافية. لما: اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب بمعنى «حين» تبين: فعل ماض مبني على الفتح له: جار ومجرور متعلق بتبين والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «أن». عدو: خبر «أن» مرفوع بالضمة.الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بعدو و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل. تبين.
  • ﴿ تَبَرَّأَ مِنْهُ:
  • تبرأ: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. منه: جار ومجرور متعلق بتبرأ. والجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ إِنَّ إِبْراهِيمَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ابراهيم: اسم «إِنَّ» منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف للعجمة والعلمية.
  • ﴿ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ:
  • اللام: مزحلقة. أواه: خبر «إِنَّ» مرفوع بالضمة. حليم:صفة لأواه أو خبر ثان لإنّ مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

التوبة: 114﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إبراهيم لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
هود: 75﴿ إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرازِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَمِيرُويَهْ الهَرَوِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الخُزاعِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو اليَمانِ، قالَ: أخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِيهِ قالَ: لَمّا حَضَرَ أبا طالِبٍ الوَفاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وعِنْدَهُ أبُو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ، فَقالَ: ”أيْ عَمِّ، قُلْ مَعِي: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحاجُّ لَكَ بِها عِنْدَ اللَّهِ“ . فَقالَ أبُو جَهْلٍ وابْنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبا طالِبٍ، أتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزالا يُكَلِّمانِهِ حَتّى قالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهم بِهِ: عَلى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”لَأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ“ . فَنَزَلَتْ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ .رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ورَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أخْبَرَنا أبُو سَعِيدِ بْنُ أبِي عَمْرٍو النَّيْسابُورِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُؤَمَّلٍ، قالَ: أخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ البَصْرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهّابِ، قالَ: أخْبَرَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قالَ: أخْبَرَنا مُوسى بْنُ عُبَيْدَةَ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، قالَ: بَلَغَنِي أنَّهُ لَمّا اشْتَكى أبُو طالِبٍ شَكْواهُ الَّتِي قُبِضَ فِيها، قالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: يا أبا طالِبٍ، أرْسِلْ إلى ابْنِ أخِيكَ فَيُرْسِلَ إلَيْكَ مِن هَذِهِ الجَنَّةِ الَّتِي ذَكَرَها لِيَكُونَ لَكَ شِفاءً. فَخَرَجَ الرَّسُولُ حَتّى وجَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وأبا بَكْرٍ جالِسًا مَعَهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ عَمَّكَ يَقُولُ لَكَ: إنِّي كَبِيرٌ ضَعِيفٌ سَقِيمٌ، فَأرْسِلْ إلَيَّ مِن جَنَّتِكَ هَذِهِ الَّتِي تَذْكُرُ مِن طَعامِها وشَرابِها شَيْئًا حَتّى يَكُونَ لِي فِيهِ شِفاءٌ. فَقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ اللَّهَ تَعالى حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ. فَرَجَعَ إلَيْهِمُ الرَّسُولُ فَقالَ: بَلَّغْتُ مُحَمَّدًا الَّذِي أرْسَلْتُمُونِي بِهِ فَلَمْ يُحِرْ إلَيَّ شَيْئًا، وقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ. فَحَمَلُوا أنْفُسَهم عَلَيْهِ حَتّى أرْسَلَ رَسُولًا مِن عِنْدِهِ، فَوَجَدَهُ الرَّسُولُ في مَجْلِسِهِ فَقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ؛ طَعامَها وشَرابَها“ . ثُمَّ قامَ في إثْرِ الرَّسُولِ حَتّى دَخَلَ مَعَهُ بَيْتَ أبِي طالِبٍ فَوَجَدَهُ مَمْلُوءًا رِجالًا، فَقالَ: ”خَلُّوا بَيْنِي وبَيْنَ عَمِّي“ . فَقالُوا: ما نَحْنُ بِفاعِلِينَ، ما أنْتَ أحَقُّ بِهِ مِنّا، إنْ كانَتْ لَكَ قَرابَةٌ فَلَنا قَرابَةٌ مِثْلُ قَرابَتِكَ. فَجَلَسَ إلَيْهِ فَقالَ: ”يا عَمِّ، جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا، كَفَلْتَنِي صَغِيرًا وحُطْتَنِي كَبِيرًا، جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا، يا عَمِّ أعِنِّي عَلى نَفْسِكَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ أشْفَعُ لَكَ بِها عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ“ . قالَ: وما هي يا ابْنَ أخِي ؟ قالَ: ”قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ“ . فَقالَ: إنَّكَ لِي ناصِحٌ، واللَّهِ لَوْلا أنْ أُعَيَّرَ بِها فَيُقالَ: جَزِعَ عَمُّكَ مِنَ المَوْتِ لَأقْرَرْتُ بِها عَيْنَكَ. قالَ: فَصاحَ القَوْمُ: يا أبا طالِبٍ، أنْتَ رَأْسُ الحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ الأشْياخِ. فَقالَ: لا تَحَدَّثُ نِساءُ قُرَيْشٍ أنَّ عَمَّكَ جَزِعَ عِنْدَ المَوْتِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”لا أزالُ أسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي حَتّى يَرُدَّنِي“ . واسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَما ماتَ. فَقالَ المُسْلِمُونَ: ما يَمْنَعُنا أنْ نَسْتَغْفِرَ لِآبائِنا ولِذَوِي قَراباتِنا ؟ قَدِ اسْتَغْفَرَ إبْراهِيمُ لِأبِيهِ، وهَذا مُحَمَّدٌ ﷺ يَسْتَغْفِرُ لِعَمِّهِ. فاسْتَغْفَرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، حَتّى نَزَلَتْ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى﴾ .أخْبَرَنا أبُو القاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أحْمَدَ الحَرّانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأُمَوِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، قالَ: أخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أيُّوبَ بْنِ هانِئٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الأجْدَعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ في المَقابِرِ، وخَرَجْنا مَعَهُ فَأخَذْنا مَجْلِسَنا، ثُمَّ تَخَطّى القُبُورَ حَتّى انْتَهى إلى قَبْرٍ مِنها فَناجاهُ طَوِيلًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ باكِيًا، فَبَكَيْنا لِبُكاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ إنَّهُ أقْبَلَ إلَيْنا، فَتَلَقّاهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما الَّذِي أبْكاكَ فَقَدْ أبْكانا وأفْزَعَنا ؟ فَجاءَ فَجَلَسَ إلَيْنا فَقالَ: ”أفْزَعَكم بُكائِي ؟“ . فَقُلْنا: نَعَمْ. فَقالَ: ”إنَّ القَبْرَ الَّذِي رَأيْتُمُونِي أُناجِي فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وهْبٍ، وإنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في زِيارَتِها فَأذِنَ لِي فِيها، واسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في الِاسْتِغْفارِ لَها فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فِيهِ، ونَزَلَ عَلَيَّ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ - حَتّى خَتَمَ الآيَةَ - ﴿وما كانَ اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ إلّا عَن مَّوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ﴾ . فَأخَذَنِي ما يَأْخُذُ الوَلَدَ لِلْوالِدَةِ مِنَ الرِّقَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي أبْكانِي“ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [114] لما قبلها :     وبعد تحريم الاستغفارِ للمشركين الأحياء والأموات؛ أجاب اللهُ عز وجل هنا على سؤال قد يخطر بالبال: كيف يمنع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الاستغفار لأقربائهم، وقد استغفر إبراهيم لأبيه؟ والجواب: إن إبراهيم عليه السلام كان قد وعدَ أباه أن يستغفرَ له؛ رجاءَ إسلامِه، وكان ذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه، فلما تبين لإبراهيم عليه السلام أن أباه عدو للّه، سيموت على الكفر؛ تبرَّأَ منه، وترَكَ الاستغفارَ له، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [115] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا ..

التفسير :

[115] وما كان الله ليضلَّ قوماً بعد أن مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به، وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل شيء عليم، فقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون، وبيَّن لكم ما به تنتفعون، وأقام الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته.

يعني أن اللّه تعالى إذا منَّ على قوم بالهداية، وأمرهم بسلوك الصراط المستقيم، فإنه تعالى يتمم عليهم إحسانه، ويبين لهم جميع ما يحتاجون إليه، وتدعو إليه ضرورتهم، فلا يتركهم ضالين، جاهلين بأمور دينهم، ففي هذا دليل على كمال رحمته، وأن شريعته وافية بجميع ما يحتاجه العباد، في أصول الدين وفروعه‏.‏

ويحتمل أن المراد بذلك ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ‏}‏ فإذا بين لهم ما يتقون فلم ينقادوا له، عاقبهم بالإضلال جزاء لهم على ردهم الحق المبين، والأول أولى‏.‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ فلكمال علمه وعمومه علمكم ما لم تكونوا تعلمون، وبين لكم ما به تنتفعون‏.‏

ثم بين- سبحانه- سنة من سننه العامة في خلقه، وهي تدل على سعة رحمته، ووافر عدله فقال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ...

أى: وما كان من شأن الله- تعالى- في لطفه وعدله.. أن يصف قوما بالضلال عن طريق الحق «بعد إذ هداهم» إلى الإسلام، لمجرد قول أو عمل صدر عنهم عن طريق الخطأ في الاجتهاد.

وإنما يصفهم بذلك بعد أن يبين لهم ما يجب اتقاؤه من الأقوال والأفعال، فلا يطيعون أمره، ولا يستجيبون لتوجيهه- سبحانه- قال صاحب الكشاف: يعنى- سبحانه- أن ما أمر باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيرها مما نهى عنه وبين أنه محظور، لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام، ولا يسميهم ضلالا، إلا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظره عليهم، وعلمهم أنه واجب الاتقاء والاجتناب. وأما قبل العلم والبيان فلا سبيل عليهم، كما لا يؤاخذون بشرب الخمر، ولا ببيع الصاع بصاعين قبل التحريم.

وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين قبل ورود النهى عنه. وفي هذه الآية شديدة ما ينبغي أن يغفل عنها: وهي أن المهدى للإسلام إذا أقدم على بعض محظورات الله صار داخلا في حكم الإضلال» .

وقال صاحب المنار: أخرج ابن المنذر أن عبد الله بن مسعود كان يخطب أصحابه كل عشية خميس ثم يقول: فمن استطاع منكم أن يغدو عالما أو متعلما فليفعل، ولا يغدو لسوى ذلك، فإن العالم والمتعلم شريكان في الخير. أيها الناس: إنى والله لا أخاف عليكم أن تؤخذوا بما لم يبين لكم، وقد قال- تعالى- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ. .

وقوله: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تعليل لما قبله، أى إن الله- تعالى- عليم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء من أقوال الناس وأفعالهم، وسيحاسبهم يوم القيامة على ذلك، وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل : إنه لا يضل قوما بعد بلاغ الرسالة إليهم ، حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة ، كما قال تعالى : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) الآية [ فصلت : 17 ] .

وقال مجاهد في قوله تعالى : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) قال : بيان الله ، عز وجل ، للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة ، وفي بيانه طاعته ومعصيته عامة ، فافعلوا أو ذروا .

وقال ابن جرير : يقول الله تعالى : وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله ، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا ، فأما قبل أن يبين لكم كراهيته ذلك بالنهي عنه ، ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه ، فإنه لا يحكم عليكم بالضلال ، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي ، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعا أو عاصيا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه .

القول في تأويل قوله : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما كان الله ليقضي عليكم، في استغفاركم لموتاكم المشركين، بالضلال، بعد إذ رزقكم الهداية، ووفقكم للإيمان به وبرسوله, حتى يتقدَّم إليكم بالنهي عنه، فتتركوا الانتهاء عنه. فأما قبل أن يبين لكم كراهية ذلك بالنهي عنه، ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه, فإنه لا يحكم عليكم بالضلال, لأن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهيّ, فأما من لم يؤمر ولم ينه، فغير كائنٍ مطيعًا أو عاصيًا فيما لم يؤمَرْ به ولم ينه عنه = " إن الله بكل شيء عليم " ، يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما خالط أنفسكم عند نهي الله إياكم من الاستغفار لموتاكم المشركين، من الجزع على ما سلف منكم من الاستغفار لهم قبل تقدمه إليكم بالنهي عنه، وبغير ذلك من سرائر أموركم وأمور عباده وظواهرها, فبيَّن لكم حلمه في ذلك عليكم، ليضع عنكم ثِقَل الوَجْد بذلك. (66)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:

* ذكر من قال ذلك:

17419- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون "، قال: بيانُ الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة, وفي بيانه طاعتُه ومعصيته, فافعلوا أو ذَرُوا.

17420- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون "، قال: بيانُ الله للمؤمنين: أن لا يستغفروا للمشركين خاصة, وفي بيانه طاعتُه ومعصيته عامة, فافعلوا أو ذَرُوا.

17421- ..... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, نحوه.

17422- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: " وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون "، قال: يبين الله للمؤمنين في أن لا يستغفروا للمشركين في بيانه في طاعته وفي معصيته, فافعلوا أو ذروا.

---------------------

الهوامش :

(66) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[115] ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ دليل على حجية إقرار الوحي لما فعل المسلمون في حياة النبي ﷺ دون نهي كفعل النجاشي.
وقفة
[115] ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ أن الذنوب والمعاصي هي سبب المصائب والخذلان وعدم التوفيق.
وقفة
[115] ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص، والله لا يعاقب من لم تَبْلُغْه الرسالة.
وقفة
[115] ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ كان المؤمنون قد استغفروا للمشركين قبل نزول الآية، فلما نزلت خافوا بسبب ما صدر عنهم قبل ذلك، فأزال الله خوفهم بهذه الآية.
وقفة
[115] إن شئت فتأمل قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾؛ العاقل من لا يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا زائل.

الإعراب :

  • ﴿ وَما كانَ اللَّهُ:
  • الواو عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: اسم «كانَ» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ لِيُضِلَّ قَوْماً:
  • اللام: لام الجحود- النفي- وهو حرف جر لتأكيد النفي الواقع على الفعل الناقص. يضلّ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو قوما: مفعول به منصوب بالفتحة. و «أن» المضمرة بعد اللام وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام الجحود والجار والمجرور متعلق بخبر «كانَ» المحذوف. التقدير: وما كان الله. مريدا ضلال قوم. وجملة «يضل قوما» صلة «أن» المصدرية المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ:
  • بعد: ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بيضل وهو مضاف. إذ: اسم مبني على السكون في محل جر بالاضافة وهو مضاف أيضا هدى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة «هَداهُمْ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «إِذْ».
  • ﴿ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ:
  • حتى: حرف غاية وجر. يبين: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حَتَّى» وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتّى والجار والمجرور متعلق بيضل. لهم: جار ومجرور متعلق بيبين. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام.وجملة «يُبَيِّنَ» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يتقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله:لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. بكل: جار ومجرور متعلق بعليم. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة. عليم: خبر «إِنَّ» مرفوع بالضمة والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به '

المتشابهات :

التوبة: 115﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ
البقرة: 187﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
التوبة: 43﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
فصلت: 53﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [115] لما قبلها :     وبعد أن منَعَ اللهُ عز وجل المُؤمِنينَ من أن يستَغفِروا للمُشرِكينَ، -والمُسلِمونَ قبلَ نُزولِ هذه الآيةِ كانوا يستغفِرونَ لآبائِهم وأُمَّهاتِهم وسائرِ أقرِبائِهم ممَّن مات على الكُفرِ-؛ فبَيَّنَ اللهُ هنا أنه لا يؤاخذهم بما تقدم من استغفارهم لأقاربهم المشركين؛ لأن النهي لم يكن نزل بعد، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [116] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ ..

التفسير :

[116] إن الله مالك السموات والأرض وما فيهن، لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادة والتشريع، يحيي مَن يشاء ويميت مَن يشاء، وما لكم مِن أحد غير الله يتولى أموركم، ولا نصير ينصركم على عدوكم.

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السموات وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ‏}‏ أي‏:‏ هو المالك لذلك، المدبر لعباده بالإحياء والإماتة وأنواع التدابير الإلهية، فإذا كان لا يخل بتدبيره القدري فكيف يخل بتدبيره الديني المتعلق بإلهيته، ويترك عباده سدى مهملين، أو يدعهم ضالين جاهلين، وهو أعظم توليه لعباده‏؟‏‏"‏‏.‏

فلهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ ولي يتولاكم بجلب المنافع لكم، أو ‏{‏نَصِيرٍ‏}‏ يدفع عنكم المضار‏.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات ببيان أنه- سبحانه- هو المالك لكل شيء، والخالق لكل شيء، فقال: إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ.

أى: إن الله- تعالى- هو المالك للسموات والأرض وما بينهما، ولا شريك له في خلقهما، ولا في تدبير شئونهما، وهو- سبحانه- الذي يحيى من يريد إحياءه، ويميت من يريد إماتته، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.

وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أى: وليس لكم- أيها الناس- أحد سوى الله يتولى أمركم وينصركم على أعدائكم.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين عن الاستغفار للمشركين المصرين على شركهم، كما بشرتهم بأنه- سبحانه- لا يؤاخذهم على استغفارهم لهم قبل نهيهم عن ذلك.

كما أخبرتهم بأن ملك هذا الكون إنما هو لله وحده، فعليهم أن يستجيبوا لأمره، لكي ينالوا رحمته ورضاه.

ثم ذكر- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله على عباده المؤمنين، حيث تقبل توبتهم، وتجاوز عن زلاتهم، فقال- تعالى-:

وقوله : ( إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) قال ابن جرير : هذا تحريض من الله لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر ، وأن يثقوا بنصر الله مالك السماوات والأرض ، ولم يرهبوا من أعدائه فإنه لا ولي لهم من دون الله ، ولا نصير لهم سواه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، عن حكيم بن حزام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم : " هل تسمعون ما أسمع ؟ " قالوا ما نسمع من شيء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأسمع أطيط السماء ، وما تلام أن تئط ، وما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم " .

وقال كعب الأحبار : ما من موضع خرمة إبرة من الأرض إلا وملك موكل بها ، يرفع علم ذلك إلى الله ، وإن ملائكة السماء لأكثر من عدد التراب ، وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخه مسيرة مائة عام .

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله، أيها الناس له سلطان السماوات والأرض وملكهما، وكل من دونه من الملوك فعبيده ومماليكه, بيده حياتهم وموتهم, يحيي من يشاء منهم، ويميت من يشاء منهم, فلا تجزعوا، أيها المؤمنون، من قتال من كفر بي من الملوك, ملوك الروم كانوا أو ملوك فارس والحبشة، أو غيرهم, واغزوهم وجاهدوهم في طاعتي, فإني المعزُّ من أشاء منهم ومنكم، والمذلُّ من أشاء.

وهذا حضٌّ من الله جل ثناؤه المؤمنين على قتال كلّ من كفر به من المماليك, وإغراءٌ منه لهم بحربهم.

وقوله: ( وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير ) ، يقول: وما لكم من أحد هو لكم حليفٌ من دون الله يظاهركم عليه، إن أنتم خالفتم أمرَ الله فعاقبكم على خلافكم أمرَه، يستنقذكم من عقابه =(ولا نصير)، ينصركم منه إن أراد بكم سوءًا. يقول: فبالله فثقوا, وإياه فارهبوا, وجاهدوا في سبيله من كفر به, فإنه قد اشترى منكم أنفسكم وأموالكم بأن لكم الجنة, تقاتلون في سبيله فتَقْتُلُون وتُقْتَلُون. (67)

---------------------

الهوامش :

(67) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[116] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ إن الله هو مالك الملك، وهو ولينا، ولا ولي ولا نصير لنا من دونه.
وقفة
[116] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ لما أمر الله بالبراءة من الكفار بين أنه له ملك السماوات والأرض، حتى لا يخاف المسلمون من إضرار المشركين لهم، فالله هو الولي وهو النصير.
وقفة
[116] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ انقطع المسلمون عن موالاة الكافرين فحُرموا من معونتهم ونصرتهم، فطمأنهم الله أن ذلك لا يضرهم؛ لأن بيده كل شيء ومن ذلك: نصرة عباده.
وقفة
[116] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ هذا تسهيل من الله لعباده كي يتبعوا أمره، فلما أمرهم بهذه التكاليف الشاقة أوضح سبب وجوب الانقياد له، بكونه مالك كل شيء، وكلنا عبيد له.
وقفة
[116] إن قوة العبد مهما بلغت من العظم؛ فإنها لا شيء إلا بعون الله العظيم الذي لا يعظم معه شيء ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم إنّ منصوب للتعظيم بالفتحة. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ملك: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السموات:مضاف اليه مجرور بالكسرة والأرض معطوفة بالواو على «السَّماواتِ» مجرورة مثلها. والجملة الاسمية «لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر ثان لإن. يحيي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. ويميت: معطوفة بالواو على «يُحْيِي» وتعرب اعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة الظاهرة في آخره وحذف مفعول «يُحْيِي» و «يُمِيتُ» التقدير: يحيي الموتى ويميت الأحياء أو يحيي قرنا ويميت قرنا.
  • ﴿ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ:
  • لواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. لكم:جار ومجرور والميم علامة جمع الذكور والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم.من دون: جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من «وَلِيٍّ» الله لفظ الجلالة:مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة. وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ:
  • من حرف جر زائد. ولّي: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على مبتدأ مؤخر ولا الواو عاطفة و «لا» زائد لتأكيد النفي. نصير:معطوفة على «وَلِيٍّ» وتعرب إعرابها. '

المتشابهات :

البقرة: 107﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
المائدة: 40﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
التوبة: 116﴿ إِنَّ اللَّـهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۚ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [116] لما قبلها :     وبعد النهي عن الاستغفار للمشركين، وما سبق من أوامر ونواهٍ؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا سبب وجوب الانقياد له؛ لأنه مالك كل شيء، وكلنا عبيد له، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [117] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ ..

التفسير :

[117] لقد وفَّق الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى الإنابة إليه وطاعته، وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام، وتاب على أنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة «تبوك» في حرٍّ شديد، وض

يخبر تعالى أنه من لطفه وإحسانه تَابَ عَلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏{‏وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ‏}‏ فغفر لهم الزلات، ووفر لهم الحسنات، ورقاهم إلى أعلى الدرجات، وذلك بسبب قيامهم بالأعمال الصعبة الشاقات، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ‏}‏ أي‏:‏ خرجوا معه لقتال الأعداء في وقعة ‏"‏تبوك‏"‏ وكانت في حر شديد، وضيق من الزاد والركوب، وكثرة عدو، مما يدعو إلى التخلف‏.‏

فاستعانوا اللّه تعالى، وقاموا بذلك ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ تنقلب قلوبهم، ويميلوا إلى الدعة والسكون، ولكن اللّه ثبتهم وأيدهم وقواهم‏.‏ وزَيْغُ القلب هو انحرافه عن الصراط المستقيم، فإن كان الانحراف في أصل الدين، كان كفرا، وإن كان في شرائعه، كان بحسب تلك الشريعة، التي زاغ عنها، إما قصر عن فعلها، أو فعلها على غير الوجه الشرعي‏.‏

وقوله ‏{‏ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي‏:‏ قبل توبتهم ‏{‏إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ ومن رأفته ورحمته أن مَنَّ عليهم بالتوبة، وقبلها منهم وثبتهم عليها‏.‏

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما استقصى في شرح أحوال غزوة تبوك، وبين أحوال المتخلفين عنها، وأطال القول في ذلك على الترتيب الذي لخصناه فيما سبق، عاد في هذه الآية إلى شرح ما بقي من أحكامها، ومن بقية تلك الأحكام أنه قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجرى مجرى ترك الأولى، وصدر عن المؤمنين كذلك نوع زلة، فذكر- سبحانه- أنه تفضل عليهم، وتاب عليهم، في تلك الزلات، فقال- تعالى-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ.. .

وللعلماء أقوال في المراد بالتوبة التي تابها الله على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المهاجرين والأنصار: فمنهم من يرى أن المراد بها قبول توبتهم، وغفران ذنوبهم، والتجاوز عن زلاتهم التي حدثت منهم في تلك الغزوة أو في غيرها، وإلى هذا المعنى أشار القرطبي بقوله:

قال ابن عباس: كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أنه أذن للمنافقين في القعود، بدليل قوله- سبحانه- قبل ذلك: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ...

وكانت توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه- أى: إلى التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك .

ومنهم من يرى أن المقصود بذكر التوبة هنا التنويه بفضلها، والحض على تجديدها، وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقال: «تاب الله على النبي» كقوله: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر» وكقوله: «واستغفر لذنبك» . وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار، حتى النبي والمهاجرين والأنصار، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأن صفة التوابين الأوابين صفة الأنبياء كما وصفهم بالصالحين ليظهر فضيلة الصلاح..

ومنهم من يرى أن المراد بالتوبة هنا: دوامها لا أصلها، وإلى هذا المعنى أشار بعضهم بقوله: لقد تاب الله على النبي..» أى: أدام توبته على النبي والمهاجرين والأنصار. وهذا جواب عما يقال: من أن النبي معصوم من الذنب، وأن المهاجرين والأنصار لم يفعلوا ذنبا في هذه القضية، بل اتبعوه من غير تلعثم، قلنا: المراد بالتوبة في حق الجميع دوامها لا أصلها..» .

ومنهم من يرى أن ذكر النبي هنا إنما هو من باب التشريف، والمراد قبول توبة المهاجرين والأنصار فيما صدر عن بعضهم من زلات. وقد وضح هذا المعنى الإمام الآلوسى فقال: قال أصحاب المعاني: المراد ذكر التوبة على المهاجرين والأنصار، إلا أنه جيء في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم تشريفا لهم، وتعظيما لقدرهم، وهذا كما قالوا في ذكره- تعالى- في قوله:

فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ.. الآية أى: عفا- سبحانه- عن زلات صدرت منهم يوم أحد ويوم حنين ... » .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب الآراء إلى الصواب، لأن الآية الكريمة مسوقة لبيان فضل الله- تعالى- على رسوله وعلى المؤمنين، حيث غفر لهم ما فرط منهم من هفوات وقعت في هذه الغزوة وهذه الهفوات صدرت منهم بمقتضى الطبيعة البشرية، وبمقتضى الاجتهاد في أمور لم يبين الله- تعالى- حكمه فيها، فهي لا تنقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من منزلة أصحابه الصادقين في إيمانهم.

والمعنى، لقد تقبل الله- تعالى- توبة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقبل توبة أصحابه المهاجرين والأنصار، الذين اتبعوه عن طواعية واختيار وإخلاص في ساعة العسرة. أى في وقت الشدة والضيق، وهو وقت غزوة تبوك، فالمراد بالساعة هنا مطلق الوقت.

وقد كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة، كما كان الجيش الذي اشترك فيها يسمى بجيش العسرة، وذلك لأن المؤمنين خرجوا إليها في سنة مجدبة، وحر شديد، وفقر في الزاد والماء والراحلة.

قال ابن كثير: قال مجاهد وغير واحد: نزلت هذه الآية في غزوة تبوك، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر، في سنة مجدبة، وحر شديد، وعسر في الزاد والماء.

وقال قتادة: خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر- أى شدته- على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها تعب شديد، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما .

وقال الحسن: كان العشرة منهم يعتقبون بعيرا واحدا، يركب الرجل منهم ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك، وكان النفر منهم يخرجون وليس معهم إلا التمرات اليسيرة فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها، ثم يشرب عليها جرعة من الماء..

ومضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم- رضى الله عنهم .

وقوله: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بيان لتناهى الشدة، وبلوغها الغاية القصوى.

أى: تاب- سبحانه- على الذين اتبعوا رسوله من المهاجرين والأنصار، من بعد أن أشرف فريق منهم على الميل عن التخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك، لما لابسها وصاحبها من عسر وشدة وتعب.

وفي ذكر «فريق منهم» إشارة إلى أن معظم المهاجرين والأنصار، مضوا معه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك دون أن تؤثر هذه الشدائد في قوة إيمانهم وصدق يقينهم، ومضاء عزيمتهم، وشدة إخلاصهم.

قال الآلوسى ما ملخصه: وفي «كاد» ضمير الشأن و «قلوب» فاعل «يزيغ» والجملة في موضع الخبر لكاد.. وهذا على قراءة «يزيع» بالياء، وهي قراءة حمزة، وحفص، والأعمش. وأما على قراءة «تزيغ» بالتاء، وهي قراءة الباقين. فيحتمل أن يكون «قلوب» اسم كاد «وتزيغ» خبرها، وفيه ضمير يعود على اسمها» .

وقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ تذييل مؤكد لقبول التوبة ولعظيم فضل الله عليهم. ولطفه بهم.

أى: ثم تاب عليهم- سبحانه- بعد أن كابدوا ما كابدوا من العسر والمشقة ومجاهدة النفس. إنه بهم رءوف رحيم.

قال بعضهم: فإن قلت: قد ذكر التوبة أولا ثم ذكرها ثانيا فما فائدة التكرار؟

قلت: إنه- سبحانه- ذكر التوبة أولا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم، ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى، تعظيما لشأنهم، وليعلموا أنه- تعالى- قد قبل توبتهم، وعفا عنهم، ثم أتبعه بقوله- سبحانه- إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ تأكيدا لذلك. والرأفة عبارة عن السعى في إزالة الضرر، والرحمة عبارة عن السعى في إيصال النفع، .

وقال القرطبي: قوله «ثم تاب عليهم» قيل: توبته عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ وتلك سنة الحق- سبحانه- مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ووطنوا أنفسهم على الهلاك، أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم.

قال الشاعر:

منك أرجو ولست أعرف ربا ... يرتجى منه بعض ما منك أرجو

وإذا اشتدت الشدائد في الأر ... ض على الخلق فاستغاثوا وعجوا

وابتليت العباد بالخوف والجو ... ع، وصروا على الذنوب ولجوا

لم يكن لي سواك ربي ملاذ ... فتيقنت أننى بك أنجو

وكما تقبل الله- تعالى- توبة المهاجرين والأنصار الذين اتبعوا رسولهم صلى الله عليه وسلم في ساعة العسرة.. فقد تقبل توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن الاشتراك في غزوة تبوك، فقال- تعالى-:

قال مجاهد وغير واحد : نزلت هذه الآية في غزوة تبوك ، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر في سنة مجدبة وحر شديد ، وعسر من الزاد والماء .

قال قتادة : خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر ، على ما يعلم الله من الجهد ، أصابهم فيها جهد شديد ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما ، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم ، يمصها هذا ، ثم يشرب عليها ، ثم يمصها هذا ، ثم يشرب عليها ، [ ثم يمصها هذا ، ثم يشرب عليها ] فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم .

وقال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عتبة بن أبي عتبة ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن عبد الله بن عباس ؛ أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة ، فقال عمر بن الخطاب : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش ، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع [ حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء ، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع ] حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ، ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله ، إن الله عز وجل ، قد عودك في الدعاء خيرا ، فادع لنا . قال : " تحب ذلك " . قال : نعم ! فرفع يديه فلم يرجعهما حتى مالت السماء فأظلت ثم سكبت ، فملؤوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر .

وقال ابن جرير في قوله : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) أي : من النفقة والظهر والزاد والماء ، ( من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ) أي : عن الحق ويشك في دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتاب ، بالذي نالهم من المشقة والشدة في سفره وغزوه ، ( ثم تاب عليهم ) يقول : ثم رزقهم الإنابة إلى ربهم ، والرجوع إلى الثبات على دينه ، ( إنه بهم رءوف رحيم ) .

القول في تأويل قوله : لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد رزق الله الإنابة إلى أمره وطاعته، نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم, والمهاجرين ديارَهم وعشيرتَهم إلى دار الإسلام, وأنصار رسوله في الله (68) = الذين اتبعوا رَسول الله في ساعة العسرة منهم من النفقة والظهر والزاد والماء (69) =( من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم )، يقول: من بعد ما كاد يميل قلوب بعضهم عن الحق، ويشك في دينه ويرتاب، بالذي ناله من المشقة والشدّة في سفره وغزوه (70) =(ثم تاب عليهم )، يقول: ثم رزقهم جلّ ثناؤه الإنابة والرجوع إلى الثبات على دينه، وإبصار الحق الذي كان قد كاد يلتبس عليهم =(إنه بهم رءوف رحيم) ، يقول: إن ربكم بالذين خالط قلوبَهم ذلك لما نالهم في سفرهم من الشدة والمشقة رءوف بهم =(رحيم) ، أن يهلكهم, فينـزع منهم الإيمان بعد ما قد أبلَوْا في الله ما أبلوا مع رسوله، وصبروا عليه من البأساء والضراء. (71)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17423- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( في ساعة العسرة) ، في غزوة تبوك.

17424- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن عبد الله بن محمد بن عقيل: ( في ساعة العسرة ) ، قال: خرجوا في غزوةٍ، (72) الرجلان والثلاثة على بعير. وخرجوا في حرٍّ شديد, وأصابهم يومئذ عطش شديد, فجعلوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها، ويشربون ماءه, (73) وكان ذلك عسرة من الماء، وعسرة من الظهر، وعسرة من النفقة. (74)

17425- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: ( ساعة العسرة ) ، قال: غزوة تبوك, قال: " العسرة "، أصابهم جَهْدٌ شديد، حتى إن الرجلين ليشقَّان التمرة بينهما، وأنهم ليمصُّون التمرة الواحدة، ويشربون عليها الماء.

17426- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) ، قال: غزوة تبوك.

17427-...... قال، حدثنا زكريا بن عدي, عن ابن مبارك, عن معمر, عن عبد الله بن محمد بن عقيل, عن جابر: ( الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) ، قال: عسرة الظهر, وعسرة الزاد, وعسرة الماء. (75)

17428- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) ، الآية, الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قِبَل الشأم في لهَبَانِ الحرّ على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهدٌ شديد, حتى لقد ذُكر لنا أن الرجلين كانا يشقّان التمرة بينهما, وكان النفر يتناولون التمرة بينهم، يمصُّها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصُّها هذا ثم يشرب عليها, فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوهم.

17429- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث, عن سعيد بن أبي هلال, عن عتبة بن أبي عتبة, عن نافع بن جبير بن مطعم, عن عبد الله بن عباس: أنه قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه في شأن العسرة, فقال عمر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد, فنـزلنا منـزلا أصابنا فيه عطش, حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع, حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمسُ الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع, حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فَرْثه فيشربه، (76) ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيرًا, فادع لنا! قال: تحب ذلك؟ قال: نعم! فرفع يديه، فلم يَرْجِعهما حتى قالت السماء, فأظلّت، ثم سكبت, (77) فملئوا ما معهم, ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها، (78) جاوزت العسكر. (79)

17430- حدثني إسحاق بن زيادة العطار قال، حدثنا يعقوب بن محمد قال، حدثنا عبد الله بن وهب قال، حدثنا عمرو بن الحارث, عن سعيد بن أبي هلال, عن نافع بن جبير, عن ابن عباس قال: قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه: حدِّثنا عن شأن جيش العسرة! فقال عمر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نحوه. (80)

------------------------

الهوامش:

(68) انظر تفسير " المهاجر " فيما سلف ص : 434 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(69) انظر تفسير " العسرة " فيما سلف 6 : 28 ، 29 .

(70) انظر تفسير " الزيغ " فيما سلف 6 : 183 ، 184 .

= وتفسير " فريق " فيما سلف 12 : 388 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(71) انظر تفسير " رؤوف " و " رحيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( رأف ) ، (رحم ) .

(72) في المطبوعة : " في غزوة تبوك " ، زاد من عنده ، وليست في المخطوطة ، وهي بلا شك غزوة تبوك .

(73) في المطبوعة : " ماءها " ، والذي في المخطوطة صواب أيضا .

(74) الأثر : 17424 - " عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي " ، منكر الحديث ليس بمتقن ، لا يحتجون بحديثه من جهة حفظه . مضى برقم : 487 ، وانظر الخبر رقم : 17427 .

(75) الأثر : 17427 - " زكريا بن عدي بن زريق التميمي " ، ثقة ، مضى برقم : 1566 ، 15446 ، 16945 . وكان في المطبوعة : " زكريا بن علي " ، والصواب ما في المخطوطة ، ولكن لم يحسن قراءته .

" عبد الله بن محمد بن عقيل " ، سلف برقم : 17424 .

(76) " الفرث " ، سرجين الكرش ما دام في الكرش .

(77) " قالت السماء " ، أي : أقبلت بالسحاب ، وكان في المطبوعة : "مالت " وأثبت ما في المخطوطة . وهو مطابق لما في مجمع الزوائد ، وفي ابن كثير ، وغيره " سالت " وليست بشيء . وهذا تعبير عزيز جيد .

وقوله : " فأظلت " ، أي : جاء السحاب بالظل ، وفي ابن كثير وغيره " فأهطلت " ، وليست بشيء . وفي مجمع الزوائد : " فأطلت " ، وكأنه تصحيف .

(78) في المطبوعة : " ثم رجعنا ننظر فلم نجدها ، جاوزت العسكر " ، غير ما كان في المخطوطة ، وهو صواب مطابق لما في المراجع . وقوله : " ذهبنا ننظر " ، العرب تضع " ذهب " في الكلام ظرفا للفعل ، انظر ما سلف 11 : 128 ، تعليق : 1 ، ثم ص : 250 ، في كلام أبي جعفر ، والتعليق : 1 ، ثم رقم : 16206 .

(79) الأثر : 17429 - " عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري " . ثقة متقن ، مضى مرارا ، آخرها رقم : 13570 ، 16732 .

و " سعيد بن أبي هلال الليثي المصري " ، ثقة ، مضى مرارا ، آخرها رقم : 13570 .

و " عتبة بن أبي عتبة " . هو " عتبة بن مسلم التيمي " ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 374 .

و " نافع بن جبير بن مطعم " . تابعي ثقة ، أحد الأئمة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 82 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 451 .

ورجال إسناد هذا الخبر ثقات .

وهذا الخبر خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 6 : 194 ، 195 ، وقال : " رواه البزار ، والطبراني في الأوسط ، ورجال البزار ثقات " . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 286 ، ونسبه إلى ابن جرير ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي في الدلائل .

وهو في دلائل النبوة لأبي نعيم ص : 190 في باب " ذكر ما كان في غزوة تبوك " . ، بهذا الإسناد .

وذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 257 ، 258 ، والبغوي بهامشه .

(80) الأثر : 17430 - " إسحاق بن زياد العطار " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 14146 ، ولم نجد له ذكرا ، وقد مضى هناك : " إسحاق بن زياد العطار النصري " بغير تاء في " زياد " في المطبوعة والمخطوطة . وغير ممكن فصل القول في ذلك ، ما لم نجد له ترجمة تهدي إلى الصواب .

التدبر :

اسقاط
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ﴾ هنا التوبة على من؟! هل تعلم أن نبينا ﷺ كان عمره عند هذه التوبة ٦١ سنة؟! فلنجدد توبتنا دائمًا.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ﴾ تأمل: ذكر الله توبة من لم يذنب -النبي ﷺ- كي لا يستوحش من أذنب.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ﴾ ساروا إلى عدو هائل في مكان بعيد في شدة الحر؛ فكان ثوابهم التوبة، التوبة منحة كبرى.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ﴾ ذلك الرَّكبُ الإيمانيُّ الفريدُ تابوا إلى الله ، فعَلامَ تظنُّ أنَّ حديثَ التوبة لا يعنيك ؟!
وقفة
[117] قال ابن القيم: «التوبة نهاية كل عارف، وغاية كل سالك، وكما أنها بداية فهي نهاية، والحاجة إليها في النهاية أشد من الحاجة إليها في البداية، بل هي في النهاية في محل الضرورة، لذا كان ﷺ في آخر حياته أشد ما كان استغفارًا وأكثره، وأنزل الله بعد غزوة تبوك وهي آخر الغزوات التي غزاها ﷺ بنفسه: ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ﴾».
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ اجتمع عليهم عسرة الظهر، وعسرة الزاد، وعسرة الماء.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ التوبة أول مقامات السالكين وآخرها، وللتوبة على الأنبياء معنى ينكسر له القلب ويتواضع له الإنسان مهما بلغت أعماله، فالصالحون يستشعرون حاجتهم وفقرهم لتوبه الله لهم لعجز عن عباده الله حق عبادته، وعن شكره حق شكره.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ قال ابن القيم: «وتوبة العبد إلى الله محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها، وتوبة منه بعدها، فإنه تاب عليه أولًا إذنًا وتوفيقًا وإلهامًا، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيًا قبولًا وإثابةً».
وقفة
[117] طاعة الله تعالى في المكاره الشاقة على النفس من أسباب توبة الله تعالى على العبد ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾.
عمل
[117] اجمع آيات الولاء والبراء، ثم اطلع على تفسيرها، وارجع لأهل العلم المعتبرين، وتفقه منهم في هذا الباب ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ ... ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ تكرر ذكر التوبة؛ ففي الأولى بدأهم ﷻ وتاب عليهم ووفقهم للتوبة، والثانية تاب عليهم بقبول توبتهم.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ ... ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ تحتاج لأن يتوب عليك أولًا لتتوب، فالتوبة ليست مجرد قرار شجاع، هي قبل ذلك هداية ورحمة وتوفيق من الرحمن.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ فإن قيل: كيف أعاد ذكر التوبة: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ وقد قال في أول الآية: ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ﴾؟ قيل: ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب، وهو محض الفضل من الله تعالى، فلما ذكر الذنب أعاد ذكر التوبة، والمراد منه قبولها.
وقفة
[117] ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ بيان فضل أصحاب النبي ﷺ على سائر الناس.
وقفة
[117] ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ العسرة ساعة من نهار، فلا تتضجّر من الأقدار!
وقفة
[117] ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ حتى الابتلاءات الكبرى ليست سوى ساعة، فما أسرع ما تمضي!
وقفة
[117] ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ ما أجمل التعبير القرآني !جعل العسر ساعة واحدة عابرة سريعة الانقضاء ومحصورة لا تفترش الحياة كلها .
عمل
[117] ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ الألم مهما كان فهو ساعة ولن يدوم؛ تفاءل.
لمسة
[117] ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ سماها (ساعة) تهوينًا لأوقات الكروب وتشجيعًا على مواقعة المكاره، فإن أمدها يسير وأجرها عظيم.
وقفة
[117] ﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ صحابة مجاهدون بمعية النبي وتكاد قلوبهم أن تزيغ، وهنا عاكف على كتب الضلال وواثق من قلبه، ومطمئن على إيمانه! على أي أساس هذا الإحساس؟!
وقفة
[117] ﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ قد تزيغ القلوب بعد شوط طويل من الأعمال الجبارة والعبادات الكبيرة، فيا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
عمل
[117] ﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ لا تركنن إلى إيمانك، ولا تغرنك بعض أعمالك، إنما الثبات من الله وحده ولو بلغت ما بلغت ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].
عمل
[117] ﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ قل الآن: «اللهم يا مثبت القلوب والأبصار، ثبت قلوبنا على دينك».
وقفة
[117] ﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ المواقف محك لقوة الإيمان، وتقوية الإيمان في الرخاء عدة في الفتن، وتوبة الله وعصمته ورأفته أعظم ما يتعلق به قلب المؤمن، لعلمه أنه لا ينجي سوى رحمة الله وتوفيقه.
تفاعل
[117] ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يتوب عليك.
وقفة
[117] ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ اســم الله (الـرؤوف): الرأفة أعلى معنى من معانى الرحمة.

الإعراب :

  • ﴿ لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ:
  • اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق.تاب: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. على النبي: جار ومجرور متعلق بتاب.
  • ﴿ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ:
  • الاسمان معطوفان بواوي العطف على النبي مجروران علامة جر الأول الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. وعلامة جر الثاني الكسرة.
  • ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة للمهاجرين والأنصار. اتبعوه: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ:
  • جار ومجرور متعلق باتبعوه. العسرة:مضاف اليه مجرور بالكسرة. من بعد: جار ومجرور متعلق بآتبعوه.
  • ﴿ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ:
  • ما: مصدرية. كاد: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمه ضمير الشأن في محل رفع. يزيغ: فعل مضارع مرفوع بالضمة. قلوب: فاعل مرفوع بالضمة. والجملة الفعلية «يَزِيغُ قُلُوبُ» في محل نصب خبر «كادَ» و «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة.وجملة «كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ» صلة «ما» المصدرية لا محل لها. وقد ذكّر الفعل «يَزِيغُ» على تأويل قلوب فريق منهم. المراد: المتخلفون أي بتقدير: ما كاد يزيغ المتخلفون منهم: أو لأن تأنيث «قُلُوبُ» غير حقيقي.
  • ﴿ فَرِيقٍ مِنْهُمْ:
  • مضاف اليه مجرور بالكسرة. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «فَرِيقٍ» و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن.
  • ﴿ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ:
  • ثم حرف عطف. تاب: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عليهم: جار ومجرور متعلق بتاب
  • ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء:ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». بهم: جار ومجرور متعلق برءوف و «هم» في محل جر بالباء. رءوف: خبر «إن» مرفوع بالضمة.رحيم: صفة- نعت- لرءوف أو خبر ثان لإنّ مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

التوبة: 100﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
التوبة: 117﴿لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [117] لما قبلها :     وبعد ذم المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وقصَّة مسجدِ الضِّرارِ، وذم المشركين وتحريم الاستغفارِ لهم؛ انتقل الحديث هنا إلى مدح النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، الذين خرجوا إلى الجهاد في وقت الشدة (غزوة تبوك)، ثم أخبرَ اللهُ عز وجل أنه عفا عما بدر من بعضهم، قال تعالى:
﴿ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يزيغ:
قرئ:
1- بالياء المفتوحة، وهى قراءة حمزة، وحفص.
2- بالتاء المفتوحة، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بالتاء المضمومة، وهى قراءة الأعمش، والجحدري.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف