19441424344454647

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (41) الى الآية رقم (41) عدد الآيات (1)

= ثمَّ الأمر بالنَّفيرِ معَهُ ﷺ في جميعِ الأحوالِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (42) الى الآية رقم (45) عدد الآيات (4)

توبيخُ المنافقينَ المتخلفينَ عن تَبُوك الذينَ استأذنُوه ﷺ في التخلّفِ مُظهِرينَ أنَّهم ذوو أعذارٍ ولم يكونُوا كذلك، وعتابُ النَّبي ﷺ لمَّا أَذِنَ لهم، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ هذا الاستِئذانَ ليس من شأنِ المؤمنينَ.

فيديو المقطع


المقطع الثالث

من الآية رقم (46) الى الآية رقم (47) عدد الآيات (2)

لمَّا بَيَّنَ أنَّ تخَلُّفَهم كانَ بغيرِ عذرٍ، ذكرَ هنا الدليلَ وهو تركُهم الاستعدادَ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّه كَرِهَ خروجَهم فثَقُلَ عليهم الخروجُ، وبيانُ خطرِ خروجِهم للقتالِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟:   1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟:   إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم ::   التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية ::   هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة ::   أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة ::   التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة ::   حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة التوبة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ».
    • وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء.
    • عن إبراهيم قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ مَرَّةً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُجَاعِلَ -أي يدفع جُعالة لمن يخرج بدلًا عنه-، فِي بَعْثٍ خَرَجَ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ فَقُلْتُ لَهُ: «مَا لَكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُجَاعِلَ؟»، قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةَ؛ فَسَمِعْتُهَا تَحُثُّ عَلَى الْجِهَادِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم».
    • تمتاز بكثرة أسمائها، فهي تأتي بعد سورة الفاتحة في كثرة الأسماء، ومعظم هذه الأسماء أطلق عليها بسبب ما فيها من دلالات وصفات تفضح المنافقين.
    • هي آخر سور السبع الطِّوَال، وهي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة».
    • أفاضت في الحديث عن المنافقين وصفاتهم إفاضة لا توجد في غيرها من سور القرآن الكريم.
    • ذكرت فيها أحداث غزوة تبوك، وهي آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب 9 هـ.
    • أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، ولذا لم تذكر فئة إلا وحثتها على التوبة: كالكفار، والمشركين والمنافقين والعصاة والمؤمنين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر إلى التوبة والرجوع إلى الله قبل أن يفاجئنا الموت، وندعو كل الناس إلى ذلك.
    • أن نتعلم سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين.
    • أن نلزم الوفاء بالعهود مع المشركين إلى مدتها إلا إذا خانوا؛ فإن خانوا فيجب إخبارهم بنقض العهد: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ...﴾ (4).
    • أن نقرأ كلام الله على من حولنا من غير المسلمين؛ رجاء هدايتهم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ (6).
    • ألا نَأْمَن غير المسلمين، ولا نُسَلِّم لهم أنفسنا مهما كانت وعودهم؛ فإنهم لا يؤمَنون: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ﴾ (8).
    • أن نحذر اتخاذ بطانة من أعداء الدين: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ (16).
    • أن نتعلم أحكام التعامل مع الكفار من أهل الذمة وغيرهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾ (28).
    • ألا نوالي الكفار؛ حتى ولو كانوا من الأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (23).
    • أن تكون محبة الله ورسوله أغلى عندنا من كلّ شيء سواها: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (24).
    • ألا نقدم على محبة الله أحدًا: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ...﴾ (24).
    • أن نستبشِر؛ سيُصبحُ الإسلام هو الدينُ الذي يُعبَدُ اللهُ به في الأرضِ لا غيره: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (33). • أن نظهر الأشهر الهجرية في تعاملاتنا قدر الاستطاعة؛ فهي المقدمة عند الله، وهي من مظاهر الدين الإسلامي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ (36).
    • أن نلقي المحاضرات، أو نرسل رسائل عن خطر التحايل على الشريعة وأهمية مراقبة الله: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ﴾ (37).
    • ألا نشعر بالضعف إلا لله، ولا نطأطئ رؤوسنا لسواه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ (40).
    • أن نتبرع بشيء من أموالنا للجهات الخيرية؛ فهذا من الجهاد بالمال: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (41).
    • أن نستفتِح العِتابَ بأجملِ الكلماتِ؛ لنستميلَ قلبَ مَن نُعاتِبُ: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (43)، تأمَّلْ: بدأَ بالعَفوِ عن الخَطأِ قبلَ أن يعاتِبَه على ارتكابِه.
    • ألا نتأثر لخذلان بعض الناس لنا؛ فقد يكون الله ثبطهم لفسادٍ عَلِمه أنه سيكون لو كانوا معكم: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ (46).
    • ألا نخاف ولا نحزن من أقدار الدنيا؛ فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (51).
    • ألا نضع زكاة أموالنا إلا في المصارف التي حددها الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (60).
    • ألا نتناول شعائر الدين وأحكامه بسخرية واستهزاء، ولو على سبيل المزاح والضحك، فالخائض فيها على خطر عظيم: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (65، 66).
    • أن نحرص على الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنْكرِ مخالفة لحالِ المنافقين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ (67).
    • أن ندرس قصص الأنبياءِ حتى نكونَ من الذين يعتبرون ويتعظون إذا تُليتْ عليهم أنباءُ الرسلِ وأممهِم: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (70).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فإن الله علام الغيوب: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (78).
    • ألا نسخر من صدقة مسلم؛ ولو قلت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (79).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الحلم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (114).

تمرين حفظ الصفحة : 194

194

مدارسة الآية : [41] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ ..

التفسير :

[41] اخرجوا -أيها المؤمنون- للجهاد في سبيل الله شباباً وشيوخاً في العسر واليسر، على أي حال كنتم، وأنفقوا أموالكم في سبيل الله، وقاتلوا بأيديكم لإعلاء كلمة الله، ذلك الخروج والبذل خير لكم في حالكم ومآلكم من التثاقل والإمساك والتخلف، إن كنتم من أهل العلم بف

يقول تعالى لعباده المؤمنين ـ مهيجا لهم على النفير في سبيله فقال‏:‏ ‏{‏انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا‏}‏ أي‏:‏ في العسر واليسر، والمنشط والمكره، والحر والبرد، وفي جميع الأحوال‏.‏

‏{‏وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ ابذلوا جهدكم في ذلك، واستفرغوا وسعكم في المال والنفس، وفي هذا دليل على أنه ـ كما يجب الجهاد في النفس ـ يجب الجهاد في المال، حيث اقتضت الحاجة ودعت لذلك‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أي‏:‏ الجهاد في النفس والمال، خير لكم من التقاعد عن ذلك، لأن فيه رضا اللّه تعالى، والفوز بالدرجات العاليات عنده، والنصر لدين اللّه، والدخول في جملة جنده وحزبه‏.‏

وبعد هذا التذكير للمؤمنين بما كان منه- سبحانه- من تأييد لرسوله عند هجرته، أمرهم- جل شأنه- بالنفير في كل حال فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: اعلم أنه- تعالى- لما توعد من لا ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرب له من الأمثال ما وصفنا، اتبعه بهذا الأمر الجازم فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا.

والمراد: انفروا سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد فيها، أو على الصفة التي يثقل. وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة.

منها: خِفافاً في النفور لنشاطكم له، وثِقالًا عنه لمشقته عليكم.

ومنها: خِفافاً لقلة عيالكم، وثِقالًا لكثرتها.

ومنها: خِفافاً من السلاح، وثِقالًا منه.

والصحيح ما ذكرنا، إذ الكل داخل فيه، لأن الوصف المذكور وصف كلى يدخل فيه كل هذه الجزئيات» .

والمعنى: انْفِرُوا- أيها المؤمنون- خِفافاً وَثِقالًا أى: في حال سهولة النفر عليكم، وفي حال صعوبته ومشقته.

وَجاهِدُوا أعداءكم ببذل أموالكم. وببذل أنفسكم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى: في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن استطاع منكم الجهاد بالمال والنفس وجب عليه الجهاد بهما. ومن قدر على أحدهما دون الآخر، وجب عليه ما كان في قدرته منهما.

قال القرطبي روى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.

وهذا وصف لأكمل ما يكون الجهاد وأنفعه عند الله- تعالى- فقد حض- سبحانه- على كمال الأوصاف.

وقدم الأموال في الذكر، إذ هي أول مصرف وقت التجهيز، فرتب الأمر كما هو في نفسه .

واسم الإشارة في قوله: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعود إلى المذكور من الأمرين السابقين وهما: النفور والجهاد.

أى: ذلكم الذي أمرتم به من النفور والجهاد في سبيل الله، خير لكم في دنياكم وفي آخرتكم من التثاقل عنهما، إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بين لكم خالقكم ومربيكم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولقد أدرك المؤمنون الصادقون هذا الخير فامتثلوا أمر ربهم، ونفروا للجهاد في سبيله خفاقا وثقالا، بدون تباطؤ أو تقاعس.

وقد ساق المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية كثيرا من الأمثلة التي تدل على محبة السلف الصالح للجهاد في سبيل الله، ومن ذلك.

ما جاء عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة، فأتى على هذه الآية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فقال: أى بنى، جهزوني جهزوني. فقال بنوه. يرحمك الله!! لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبى بكر حتى مات. ومع عمر حتى مات. فنحن نغزو عنك.

فقال: لا، جهزوني. فغزوا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها، ولم يتغير- رضى الله عنه.

وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنك عليل، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع .

وأخرج ابن جرير عن حيان بن زيد الشرعبى قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، وكان واليا على حمص، فلقيت شيخا كبيرا هرما، على راحلته فيمن نفر، فأقبلت عليه فقلت:

يا عماه لقد أعذر الله إليك.

قال: فرفع حاجبيه فقال. يا ابن أخى، استنفرنا الله خفافا وثقالا، من يحبه الله يبتليه، ثم يعيده فيبقيه، وإنما يبتلى الله من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إلا الله .

وعن أبى راشد الحبرانى قال. وافيت المقداد بن الأسود، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلّم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وهو يريد الغزو- وقد تقدمت به السن- فقلت له: لقد أعذر الله إليك.

فقال: أبت علينا سورة البعوث ذلك. يعنى هذه الآية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا .

هذا، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية تجعل الجهاد على الجميع حتى المريض والزمن والفقير.. وليس الأمر كذلك، فما معنى هذا الأمر؟.

قلت. من العلماء من حمله على الوجوب ثم إنه نسخ بقوله- تعالى- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى. .

ومنهم من حمل هذا الأمر على الندب.

والصحيح أنها منسوخة، لأن الجهاد من فروض الكفاية، ويدل عليه أن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خلف في المدينة في تلك الغزوة النساء وبعض الرجال، فدل ذلك على أن الجهاد من فروض الكفايات، وأنه ليس على الأعيان .

ويرى بعض العلماء أن الآية ليست منسوخة، فقد قال الإمام القرطبي- ما ملخصه- واختلف في هذه الآية، فقيل إنها منسوخة بقوله- تعالى- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى.

والصحيح أنها ليست بمنسوخة.

روى ابن عباس عن أبى طلحة في قوله- تعالى-: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قال:

شبانا وكهولا. ما سمع الله عذر أحد. فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات.

ثم قال- بعد أن ساق نماذج متعددة لمن خرجوا للجهاد خفافا وثقالا- فلهذا وما كان مثله مما روى عن الصحابة والتابعين قلنا. إن النسخ لا يصح.

فقد تكون هناك حالة يجب فيها نفير الكل، وذلك إذا تعين الجهاد لغلبة العدو على قطر من الأقطار الإسلامية، أو بحلوله في العقر. ففي هذه الحالة يجب على جميع أهل الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا شبابا وشيوخا، كل على قدر طاقته. ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج.

فإن عجز أهل تلك البلدة عن صد عدوهم كان على من قاربهم أن يخرجوا معهم لصد العدو، وكذلك الشأن بالنسبة لكل من علم بضعفهم عن عدوهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم.

حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها، سقط الفرض عن الآخرين.

ثم قال- رحمه الله-: ومن الجهاد أيضا ما هو نافلة، وهو إخراج الإمام طائفة.. لإظهار القوة، وإعزاز دين الله.

ثم قال: وقال ابن العربي، ولقد نزل بنا العدو- قصمه الله. سنة سبع وعشرين وخمسمائة: فجاس ديارنا، وأسر خيرتنا، وتوسط بلادنا.. فقلت للوالي والمولى عليه: عدو الله قد حصل في الشرك والشبكة، فلتكن عندكم بركة، ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المعينة عليكم حركة، فليخرج إليه جميع الناس.. فيحاط به فيهلك.

فغلبت الذنوب، ورجفت القلوب بالمعاصي، وصار كل أحد من الناس ثعلبا يأوى إلى وجاره ، وإن رأى المكيدة بجاره.

فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

والذي نراه. أن ما ذهب إليه الإمام القرطبي، من أن الآية الكريمة ليست منسوخة، أولى بالاتباع.

لأن الجهاد قد يكون فرض كفاية في بعض الحالات، وقد يكون فرض عين في حالات أخرى والآية الكريمة التي معنا تدعو المؤمنين إلى النفير العام في تلك الحالات الأخرى التي يكون الجهاد فيها فرض عين وبذلك يمكن الجمع بين الآيات التي تدعو إلى النفير العام.

والآيات التي تعفى بعض الناس من مشاقه ومتاعبه.

ومن كل ما تقدم يتبين لنا أن هذه الآيات الأربع قد عاتبت المؤمنين الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك عتابا شديدا وأنذرتهم بالعذاب الأليم إن لم ينفروا.. وذكرتهم بما كان من نصر الله لنبيه حين أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين.. وأمرتهم بالنفور إلى الجهاد خفافا وثقالا.

وبمجاهدة المشركين بأموالهم وأنفسهم، فذلك هو الخير لهم في عاجلتهم وآجلتهم.

ثم أخذت السورة الكريمة في بيان قبائح المنافقين، ومعاذيرهم الواهية، ومسالكهم الخبيثة. وأيمانهم الفاجرة.. فقال- تعالى-:

قال سفيان الثوري ، عن أبيه ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح : هذه الآية : ( انفروا خفافا وثقالا ) أول ما نزل من سورة " براءة " .

وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا ، فيقول : إني لا آثم ، فأنزل الله : ( انفروا خفافا وثقالا ) الآية .

أمر الله تعالى بالنفير العام مع الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - عام غزوة تبوك ، لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب ، وحتم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره والعسر واليسر ، فقال : ( انفروا خفافا وثقالا )

وقال علي بن زيد ، عن أنس ، عن أبي طلحة : كهولا وشبابا ما أسمع الله عذر أحدا ، ثم خرج إلى الشام ، فقاتل حتى قتل .

وفي رواية : قرأ أبو طلحة سورة براءة ، فأتى على هذه الآية : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) فقال : أرى ربنا يستنفرنا شيوخا وشبابا جهزوني يا بني . فقال بنوه : يرحمك الله ، قد غزوت مع رسول الله حتى مات ، ومع أبي بكر حتى مات ، ومع عمر حتى مات ، فنحن نغزو عنك . فأبى ، فركب البحر فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام ، فلم يتغير ، فدفنوه بها .

وهكذا روي عن ابن عباس ، وعكرمة وأبي صالح ، والحسن البصري ، وشمر بن عطية ، ومقاتل بن حيان ، والشعبي وزيد بن أسلم : أنهم قالوا في تفسير هذه الآية : ( انفروا خفافا وثقالا ) قالوا : كهولا وشبابا ، وكذا قال عكرمة والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد .

وقال مجاهد : شبابا وشيوخا ، وأغنياء ومساكين . وكذا قال أبو صالح ، وغيره .

وقال الحكم بن عتيبة : مشاغيل وغير مشاغيل .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا ) يقول : انفروا نشاطا وغير نشاط . وكذا قال قتادة .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( انفروا خفافا وثقالا ) قالوا : فإن فينا الثقيل ، وذا الحاجة ، والضيعة والشغل ، والمتيسر به أمر ، فأنزل الله وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم .

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضا : في العسر واليسر . وهذا كله من مقتضيات العموم في الآية ، وهذا اختيار ابن جرير .

وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي : إذا كان النفير إلى دروب الروم نفر الناس إليها خفافا وركبانا ، وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافا وثقالا وركبانا ومشاة . وهذا تفصيل في المسألة .

وقد روي عن ابن عباس ، ومحمد بن كعب ، وعطاء الخراساني وغيرهم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله .

وقال السدي : قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) يقول : غنيا وفقيرا ، وقويا وضعيفا فجاءه رجل يومئذ ، زعموا أنه المقداد ، وكان عظيما سمينا ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فأبى ، فنزلت يومئذ ( انفروا خفافا وثقالا ) فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله ، فقال : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ) [ التوبة : 91 ] .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب ، عن محمد قال : شهد أبو أيوب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرا ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا وهو في آخرين إلا عاما واحدا قال : وكان أبو أيوب يقول : قال الله : ( انفروا خفافا وثقالا ) فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا .

وقال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمر السكوني ، حدثنا بقية ، حدثنا حريز ، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ، حدثني أبو راشد الحبراني قال : وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وقد فضل عنها من عظمه ، يريد الغزو ، فقلت له : لقد أعذر الله إليك فقال : أتت علينا سورة " البحوث " ( انفروا خفافا وثقالا )

وبه قال ابن جرير : حدثني حيان بن زيد الشرعبي قال : نفرنا مع صفوان بن عمرو - وكان واليا على حمص - قبل الأفسوس ، إلى الجراجمة فلقيت شيخا كبيرا هما ، وقد سقط حاجباه على عينيه ، من أهل دمشق ، على راحلته ، فيمن أغار . فأقبلت إليه فقلت : يا عم ، لقد أعذر الله إليك . قال : فرفع حاجبيه فقال : يا ابن أخي ، استنفرنا الله خفافا وثقالا إنه من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده الله فيبقيه وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ، ولم يعبد إلا الله ، عز وجل .

ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله ، وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله ، فقال : ( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) أي : هذا خير لكم في الدنيا والآخرة ، ولأنكم تغرمون في النفقة قليلا فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا ، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرده إلى منزله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة .

ولهذا قال تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) [ البقرة : 216 ] .

ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد :

حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ؛ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : أسلم . قال : أجدني كارها . قال : أسلم وإن كنت كارها .

القول في تأويل قوله : انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا

قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في معنى " الخفة " و " الثقل "، اللذين أمر الله من كان به أحدهما بالنفر معه.

فقال بعضهم: معنى " الخفة "، التي عناها الله في هذا الموضع، الشباب = ومعنى " الثقل "، الشيخوخة.

* ذكر من قال ذلك:

16734- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن رجل, عن الحسن في قوله: (انفروا خفافًا وثقالا)، قال: شيبًا وشبّانًا.

16735- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص, عن عمرو, عن الحسن قال: شيوخًا وشبانًا.

16736-...... قال، حدثنا ابن عيينة, عن علي بن زيد, عن أنس, عن أبي طلحة: (انفروا خفافا وثقالا)، قال: كهولا وشبانًا, ما أسمع الله عَذَر واحدًا!! (1) فخرج إلى الشأم، فجاهد حتى مات. (2)

16737- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن المغيرة بن النعمان قال: كان رجل من النَّخع، وكان شيخًا بادنًا, فأراد الغزوَ، فمنعه سعد بن أبي وقاص فقال: إن الله يقول: (انفروا خفافًا وثقالا)، فأذن له سعد, فقتل الشيخ, فسأل عنه بعدُ عُمَرُ, فقال: ما فعل الشيخ الذي كأنّه من بني هاشم؟ (3) فقالوا: قتل يا أمير المؤمنين! (4)

16738- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون, عن إسماعيل, عن أبي صالح قال: الشابُّ والشيخ.

16739-...... قال، حدثنا أبو أسامة, عن مالك بن مغول, عن إسماعيل, عن عكرمة, قال: الشاب والشيخ.

16740-...... قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك: كهولا وشبَّانًا.

16741-...... قال، حدثنا حبويه أبو يزيد, عن يعقوب القمي, عن جعفر بن حميد, عن بشر بن عطية: كهولا وشبانًا (5)

16742- حدثنا الوليد قال، حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم, عن بكير بن معروف, عن مقاتل بن حيان, في قوله: (انفروا خفافًا وثقالا)، قال: شبانًا وكهولا.

16743- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (انفروا خفافًا وثقالا)، قال: شبابًا وشيوخًا, وأغنياء ومساكين.

16744- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال، قال الحسن: شيوخًا وشبّانًا.

16745- حدثني سعيد بن عمرو قال، حدثنا بقية قال، حدثنا حَرِيز قال، حدثني حبان بن زيد الشرعبيّ قال: نفرنا مع صَفْوان بن عمرو، وكان واليًا على حمص قِبَلَ الأفْسوس، إلى الجَرَاجمة, (6) فلقيت شيخًا كبيرًا هِمًّا, (7) قد سقط حاجباه على عينيه، من أهل دمشق، على راحلته، فيمن أغار. (8) فأقبلت عليه فقلت: يا عمِّ، لقد أعذر الله إليك! قال: فرفع حاجبيه، فقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافًا وثقالا من يحبَّه الله يبتَليه، ثم يعيده فيبْتليه, (9) إنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله. (10)

16746- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسماعيل, عن أبي صالح: (انفروا خفافًا وثقالا)، قال: كل شيخ وشابّ.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: مشاغيل وغير مشاغيل.

* ذكر من قال ذلك:

16747- حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن الحكم في قوله: (انفروا خفافًا وثقالا)، قال: مشاغيل وغير مشاغيل.

* * *

وقال آخرون: معناه: انفروا أغنياء وفقراء.

* ذكر من قال ذلك:

16748- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عمن ذكره, عن أبي صالح: (انفروا خفافًا وثقالا)، قال: أغنياء وفقراء.

* * *

وقال آخرون: معناه: نِشاطًا وغير نِشاط.

* ذكر من قال ذلك:

16749- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (انفروا خفافًا وثقالا)، يقول: انفروا نِشاطًا وغير نِشاط.

* * *

16750- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر عن قتادة: (خفافًا وثقالا)، قال: نِشاطًا وغير نِشاط.

* * *

وقال آخرون: معناه: ركبانًا ومشاةَ.

* ذكر من قال ذلك:

16751- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: إذا كان النَّفْر إلى دروب الشأم، نفر الناس إليها " خفافًا "، ركبانًا. وإذا كان النَّفْر إلى هذه السواحل، نفروا إليها " خفافًا وثقالا "، ركبانًا ومشاة.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ذا ضَيْعَة, وغير ذي ضَيْعة.

* ذكر من قال ذلك:

16752- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (انفروا خفافًا وثقالا)، قال: " الثقيل "، الذي له الضيعة, فهو ثقيل يكره أن يُضيع ضَيْعته ويخرج = و " الخفيف " الذي لا ضيعة له، فقال الله: (انفروا خفافًا وثقالا).

16753- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر, عن أبيه قال: زعم حضرميّ أنه ذُكر له أن ناسًا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرًا فيقول: إن أجتنبْه إباءً، فإني آثم! (11) فأنـزل الله: (انفروا خفافًا وثقالا).

16754- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب, عن محمد قال: شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا, ثم لم يتخلف عن غَزاة للمسلمين إلا وهو في أخرى، (12) إلا عامًا واحدًا. وكان أبو أيوب يقول: (انفروا خفافًا وثقالا)، فلا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلا. (13)

16755- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثنا حَرِيز بن عثمان, عن راشد بن سعد, عمن رأى المقداد بن الأسود فارسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تابوتٍ من توابيت الصَّيارفة بحمص, وقد فَضَل عنها من عِظَمِه, فقلت له: لقد أعذر الله إليك ! فقال: أبتْ علينا " سورة البعوث "، (14) (انفروا خفافًا وثقالا). (15)

16756- حدثنا سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا حريز قال، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة قال، حدثني أبو راشد الحبراني قال: وافيت المقداد بن الأسود فارسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص, قد فَضَل عنها من عِظَمه, (16) يريد الغزو, فقلت له: لقد أعذر الله إليك ! فقال: أبَتْ علينا " سورة البُحُوث ": (17) (انفروا خفافًا وثقالا). (18)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنَّفر لجهاد أعدائه في سبيله، خفافًا وثقالا. وقد يدخل في " الخفاف " كل من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك، وصحة جسمه وشبابه, ومن كان ذا يُسْرٍ بمالٍ وفراغ من الاشتغال، (19) وقادرًا على الظهر والركاب.

ويدخل في " الثقال "، كل من كان بخلاف ذلك، من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه, ومن مُعسِرٍ من المال، ومشتغل بضيعة ومعاش, ومن كان لا ظهرَ له ولا ركاب, والشيخ وذو السِّن والعِيَال.

فإذ كان قد يدخل في " الخفاف " و " الثقال " من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا، ولم يكن الله جل ثناؤه خصَّ من ذلك صنفًا دون صنف في الكتاب, ولا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا نَصَب على خصوصه دليلا وجب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافًا وثقالا مع رسوله صلى الله عليه وسلم، على كل حال من أحوال الخفّة والثقل.

* * *

16757- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن سعيد بن مسروق, عن مسلم بن صبيح قال: أول ما نـزل من " براءة ": (انفروا خفافًا وثقالا).

16758- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبيه, عن أبي الضحى, مثله.

16759- حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قال: إن أول ما نـزل من " براءة ": لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ، قال: يعرِّفهم نصره, ويوطِّنهم لغزوة تَبُوك.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا)، أيها المؤمنون، الكفارَ =(بأموالكم), فأنفقوها في مجاهدتهم على دين الله الذي شرعه لكم, حتى ينقادوا لكم فيدخلوا فيه طوعًا أو كرهًا, أو يعطوكم الجزية عن يدٍ صَغَارًا، إن كانوا أهل كتابٍ, أو تقتلوهم (20) =(وأنفسكم)، يقول: وبأنفسكم، فقاتلوهم بأيديكم، يخزهم الله وينصركم عليهم =(ذلكم خير لكم)، يقول: هذا الذي آمركم به من النفر في سبيل الله تعالى خفافًا وثقالا وجهادِ أعدائه بأموالكم وأنفسكم، خيرٌ لكم من التثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم، والخلودِ إليها، والرضا بالقليل من متاع الحياة الدنيا عِوضًا من الآخرة = إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بُيِّن لكم من فضل الجهاد في سبيل الله على القعود عنه.

--------------------

الهوامش :

(1) في المطبوعة: "عذر أحدًا"، وأثبت ما في المخطوطة.

(2) الأثر: 16736 - " علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة"، مضى مرارًا، وثقة.

أخي السيد أحمد فيما سلف رقم : 4897 ، وقد تكلم فيه أحمد وغيره قال: "ضعيف الحديث". و "أنس" هو "أنس بن مالك" خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و "أبو طلحة"، هو "زيد بن سهل الأنصاري"، صاحب رسول الله ، شهد العقبة ، وبدرا ، المشاهد كلها.

وهذا الخبر، رواه ابن سعد في الطبقات 3 2 66 من طريق عفان بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت، وعلي بن يزيد، عن أنس، مطولا ، بغير هذا اللفظ . ورواه الحاكم في المستدرك 3 : 353 ، من هذه الطريق نفسها وقال : " هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه " .

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 246 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي عمر العدني في مسنده ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.

وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 312 ، بغير هذا اللفظ ، وقال : " رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح" .

(3) في المطبوعة: "كان من بني هاشم" ، وهو خطأ لا شك فيه، فإن الرجل "من النخع"، كما ذكر قبل، والصواب ما في المخطوطة.

(4) الأثر : 16737 - "المغيرة بن النعمان النخعي"، ثقة، مضى برقم: 13622.

(5) الأثر : 16741 - " حبويه ، أبو يزيد " ، هو " إسحاق بن إسماعيل الرازي " ، مضى مرارًا ، منها رقم : 15993 ، وكتب في المطبوعة: "حيوة"، وغير ما في المخطوطة، وهو خطأ محض.

وأما "جعفر بن حميد"، فلم أجد له ذكرًا في شيء من مراجعي، والذي يروي عنه يعقوب بن عبد الله القمي، هو: " جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي القمي"، والذي نقله ابن حجر في التهذيب في ترجمته عن أبي نعيم أن اسم "أبي المغيرة" هو: "دينار" لا "حميد".

وأما " بشر بن عطية " ، فلم أجد من يسمى بهذا إلا "بشر بن عطية" ، رجل روى عنه مكحول، يقال هو صحابي، ويقال هو: "بشر بن عصمة المزني" ، انظر لسان الميزان 2 : 26 ، 27 ، في الترجمتين ، والإصابة في ترجمة الاسمين. وهذا كله مضطرب.

(6) "الأفسوس"، بلد بثغور طرسوس، و "طرسوس" مدينة بثغور الشأم بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم.

و " الجراجمة " ، نبط الشأم ، ويقال : هم قوم من العجم بالجزيرة .

وكان في المخطوطة : " قبل الأفسون إلى الحراصه" ، والصواب في المطبوعة وهو مطابق لما في تفسير ابن كثير 4 : 176 ، نقلا عن هذا الموضع من الطبري .

(7) " الهم " ( بكسر الهاء ) : الشيخ الكبير الفاني البالي.

(8) في المخطوطة : "أعات" ، والصواب ما في المطبوعة ، وهو موافق لما في ابن كثير .

(9) في المطبوعة: " من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده فيبقيه " ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو الصواب وحده.

(10) الأثر : 16745 - "بقية" هو "بقية بن الوليد"، سلف مرارًا كثيرة.

و " حريز" هو " حريز بن عثمان بن جبر الرحبي " ، ثقة مأمون ، ثبت في الحديث ، وإنما وضع منه من وضع ، لأنه كان ينال من علي رضي الله عنه ، ثم ترك ذلك . و " حريز " ( بفتح الحاء ، وكسر الراء ) . وقال أبو داود : " شيوخ حريز ، كلهم ثقات " . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 1 96 ، وابن أبي حاتم 1 2 289 .

وكان في المطبوعة : " جرير " ، وهو في المخطوطة غير منقوط .

و " حبان بن زيد الشرعبي ( بكسر الحاء من : حبان ) ، أبو خداش الحمصي ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وسلف قبل أن أبا داود ، وثق جميع شيوخ حريز بن عثمان . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 1 78 ، وابن أبي حاتم 1 2 269 .

و " صفوان بن عمرو " ، كأنه هو " صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي " ، ثقة . والذي حملني على هذا الظن ، أني رأيت في ترجمته في التهذيب عن أبي اليمان ، عن صفوان : " أدركت من خلافة عبد الملك ، وخرجنا في بعث سنة 94 " ، ولكني لم أجد ذكرًا لولايته على حمص.

وقد سلف " صفوان بن عمرو السكسكي " مرارًا ، منها رقم : 7009 ، 12807 ، 13108 .

(11) في المطبوعة مكان : " إن أحتنبه إباء ، فإني آثم " ما نصه : " فيقول : إني أحسبه قال : أنا لا آثم " ، وهو مضطرب جدًا ، وفي تفسير ابن كثير 4 : 174 ، 175 ، اختصر الكلام وكتب : " فيقول : إني لا آثم " ، وفي الدر المنثور 3 : 246 ، مثله مختصرًا .

وأما المخطوطة فكان رسمها هكذا: "فيقول : إن أحسبه أبًا قال آثم" ، فآثرت قراءتها كما أثبتها ، ومعناه : إن أجتنب النفر إباء للغزو ، فإني آثم، ولكن علتي أو كبرى عذر يدفع عنى إثم التخلف . هذا ما رجحته ، والله أعلم .

(12) في المطبوعة: "إلا وهو في أخرى " ، وفي المخطوطة : "في آخرين"، وحذف هذه العبارة ابن كثير في تفسيره ، والسيوطي في الدر المنثور . وهي صحيحة المعنى ، رواها ابن سعد " في أخرى " كما في المطبوعة : ورواها الحاكم : " إلا هو فيها " .

(13) الأثر : 16754 - رواه ابن سعد في الطبقات 3 2 49 من طريق إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ، وهو " ابن عطية " ، مطولا مفصلا .

ورواه الحاكم في المستدرك 3 : 458 ، من هذه الطريق نفسها ، مطولا .

(14) هكذا جاء هنا في المخطوطة : " البعوث " ، وأنا في شك منه شديد ، لأني لم أجد من سمى " سورة التوبة " ، " سورة البعوث " ، بل أجمعوا على تسميتها " سورة البحوث " ، كما سأفسره بعد ص : 265 ، تعليق : 6 . ثم انظر آخر التعليق على الخبر رقم : 16756 .

(15) الأثر : 16755 . " حريز بن عثمان بن جبر الرحبي " ، مضى آنفا برقم 16745 . وكان في المطبوعة : " جرير " ، وهو خطأ ، وفي المخطوطة غير منقوط .

و " راشد بن سعد المقرائي الحبراني الحمصي " ، ثقة ، لا بأس به إذا لم يحدث عنه متروك ، وشيوخ " حريز بن عثمان " ثقات جميعًا ، كما أسلفت في رقم : 16745 ، و " حريز " ثقة في نفسه . وهذا الخبر سيأتي بعد هذا ، ليس فيه مجهول.

(16) في المطبوعة : " فضل عنه " ، وأثبت ما في المخطوطة ، لأنه صواب محض ، فالتابوت ، يذكر ، وقد يؤنث .

(17) في المطبوعة: " البعوث " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الموافق لرواية هذا الأثر في المراجع التي سأذكرها . و " البحوث " : منهم من يقولها بضم الباء ، جمع " بحث " ، سميت بذلك لأنها بحثت عن المنافقين وأسرارهم ، أي : استثارتها وفتشت عنها .

وقد قال ابن الأثير إنه رأى في "الفائق" للزمخشري "البحوث" بفتح الباء ، ومطبوعة الفائق ، لا ضبط فيها . ثم قال ابن الأثير : " فإن صحت ، فهي فعول ، من أبنية المبالغة ، أما الزمخشري فقال : " سورة البحوث : هي سورة التوبة ، لما فيها من البحث عن المنافقين وكشف أسرارهم ، وتسمى المبعثرة " .

وهذا كله يؤيد ما ذهبت إليه في ص ، 265 ، التعليق رقم : 3 .

(18) الأثر : 16756 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم : 16755 .

" سعيد بن عمرو السكوني"، شيخ الطبري، ثقة ، مضى برقم : 5563 ، 6521 ، وغيرهما .

و " بقية بن الوليد " ، مضى توثيقه ، ومن تكلم فيه قريبًا رقم : 16745 .

و " حريز " هو " حريز بن عثمان " ، سلف في الأثر السالف ، ومراجعه هناك ، وكان في المطبوعة هنا " جرير " أيضًا ، والمخطوطة غير منقوطة .

و " عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي " ، أبو سلمة الحمصي ، ثقة ، لأن أبا داود قال : و "أبو راشد الحبراني الحميري الحمصي" ، تابعي ثقة. لم يرو عنه غير "حريز". مترجم في التهذيب ، والكنى للبخاري : 30 .

وهذا الخبر رواه ابن سعد في الطبقات 3 1 115 ، من طريق يزيد بن هارون ، عن حريز بن عثمان (وفي الطبقات : جرير ، وهو خطأ كما بينت) .

ورواه الحاكم في المستدرك من طريق : بقية بن الوليد ، عن حريز بن عثمان ( وفيه: جرير ، وهو خطأ ) .

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 30 ، وقال : " رواه الطبراني ، وفيه بقية بن الوليد ، وفيه ضعف ، وقد وثق . وبقية رجاله ثقات " .

قلت : قد تبين من التخريج أنه رواه عن " حريز"، " يزيد بن هارون " ، وهو ثقة روى له الجماعة ، كما سلف مرارًا .

هذا ، وقد جاء في مجمع الزوائد "سورة البعوث"، وانظر ما كتبته آنفا في ص : 265 ، تعليق : 3 ، و ص : 265 ، تعليق : 6 .

(19) في المطبوعة: "ذا تيسر" ، والذي في المخطوطة محض الصواب .

(20) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف ص : 173، تعليق: 5 ، والمراجع هناك .

= وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ).

التدبر :

وقفة
[41] ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ لما كانت البعوث إلى الشام قرأ أبو طلحة رضي الله عنه سورة براءة حتى أتي على هذه الآية، فقال: «أرى ربنا استنفرنا شیوخًا وشبابًا، جهزوني يا بني!»، فقال بنوه: «قد غزوت مع رسول الله حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، يرحمك الله، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك»، فقال: «ما سمع الله عذر أحد»، ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قتل.
وقفة
[41] ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ كان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يقرأ هذه الآية، ويقول: «فلا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلًا»، ولم يتخلف عن غزاة المسلمين إلا عامًا واحدًا.
وقفة
[41] ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ قال القرطبي: «وفيه عشرة أقوال: الأول: سرایا متفرقين، الثاني: نشاطًا وغير نشاط، الثالث: الخفيف: الغني، والثقيل: الفقير، الرابع: الخفيف: الشاب، والثقيل الشيخ، الخامس: مشاغيل وغير مشاغيل، السادس: الثقيل: الذي له عيال، والخفيف: الذي لا عيال له، السابع: الثقيل: الذي له ضيعة يكره أن يدعها، والخفيف: الذي لا ضيعة له، الثامن: الخفاف: الرجال، والثقال: الفرسان، التاسع: الخفاف: الذين يسبقون إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش، والثقال: الجيش بأسره، العاشر: الخفيف: الشجاع، والثقيل: الجبان، والصحيح في معنى الآية أن الناس أمروا جملة، أي: انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت».
وقفة
[41] النفير نوعان: النفير للجهاد ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا﴾، والنفير للعلم ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [122].
وقفة
[41] من الجهاد: الجهاد بالمال ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾.
عمل
[41] تبرع بشيء من مالك للجهات الخيرية؛ فهو من الجهاد بالمال ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[41] ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ أكمل الجهاد ما بذل صاحبه ماله ونفسه في سبيل الله، وبدأ بالمال لأن كلمة الجهاد تنصرف عند أكثر الناس إلى الجهاد بالنفس، فيغفل كثير من الناس عن جهاد المال.
وقفة
[41] الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾، فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة.
وقفة
[41] ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: هذا خير لكم في الدنيا والآخرة؛ لأنكم تغرمون في النفقة قليلًا؛ فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة.
وقفة
[41] ﴿ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ حتى الأمور المتعلقة بك لن تعلم أفضليتها وخيريتها إلا بالوحي، فكيف بأمور تتعلق بالدين وتمس كافة الأمة؟!

الإعراب :

  • ﴿ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا:
  • انفروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأنّ مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. خفافا: حال منصوب بالفتحة. وثقالا: معطوفة بالواو:على «خِفافاً».
  • ﴿ وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ:
  • وجاهدوا: معطوفة بالواو على «انْفِرُوا» وتعرب إعرابها. بأموال: جار ومجرور متعلق بجاهدوا والكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • وأنفسكم: معطوفة بالواو: على «أموالكم» وتعرب إعرابها. في سبيل: جار ومجرور متعلق بجاهدوا. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة أي في سبيل دين الله بحذف المضاف اليه الأول.
  • ﴿ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد. الكاف حرف خطاب والميم للدلالة على الجمع. خير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. لكم: جار ومجرور متعلق بخير والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
  • إن: حرف شرط جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. والفعل «كان» فعل الشرط في محل جزم. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «تَعْلَمُونَ» في محل نصب خبر «كان» وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه التقدير: إن كنتم تعلمون فذلكم خير لكم. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿انفِرُوا خِفافًا وثِقالًا﴾ نَزَلَتْ في الَّذِينَ اعْتَذَرُوا بِالضَّيْعَةِ والشُّغْلِ وانْتِشارِ الأمْرِ، فَأبى اللَّهُ تَعالى أنْ يَعْذِرَهم دُونَ أنْ يَنْفِرُوا عَلى ما كانَ مِنهم. أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عُمَرَ بْنُ مَطَرٍ، قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: أخْبَرَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُدْعانَ - وهو عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعانَ - عَنْ أنَسٍ قالَ: قَرَأ أبُو طَلْحَةَ: ﴿انفِرُوا خِفافًا وثِقالًا﴾ . فَقالَ: ما أسْمَعُ اللَّهَ عَذَرَ أحَدًا. فَخَرَجَ مُجاهِدًا إلى الشّامِ حَتّى ماتَ. وقالَ السُّدِّيُّ: جاءَ المِقْدادُ بْنُ الأسْوَدِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - وكانَ عَظِيمًا سَمِينًا - فَشَكا إلَيْهِ وسَألَهُ أنْ يَأْذَنَ لَهُ، فَنَزَلَ فِيهِ: ﴿انفِرُوا خِفافًا وثِقالًا﴾ . فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ اشْتَدَّ شَأْنُها عَلى النّاسِ، فَنَسَخَها اللَّهُ تَعالى وأنْزَلَ: ﴿لَّيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ ولا عَلى المَرْضى﴾ [التوبة: ٩١] . ثُمَّ نَزَلَ في المُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنَ المُنافِقِينَ.'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     وبعد عتاب من تثاقل عن النفير إلى تبوك، ثم التهديد بالعذاب الأليم، ثم التذكير بما كان عند الهجرة؛ أمر اللهُ عز وجل هنا بالنَّفيرِ معَهُ r في جميعِ الأحوالِ، قال تعالى:
﴿ انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [42] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا ..

التفسير :

[42] وبَّخ الله - جلَّ جلاله - جماعة من المنافقين استأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التخلف عن غزوة «تبوك»، مبيناً أنه لو كان خروجهم إلى غنيمة قريبة سهلة المنال، وسفرٍ لا مشقة فيه لاتَّبعوك، ولكن لما دُعوا إلى قتال الروم في أطراف بلاد «الشام» في و

لو كان خروجهم لطلب العرض القريب، أي‏:‏ منفعة دنيوية سهلة التناول ‏{‏و‏}‏ كان السفر ‏{‏سَفَرًا قَاصِدًا‏}‏ أي‏:‏ قريبا سهلا‏.‏ ‏{‏لَاتَّبَعُوكَ‏}‏ لعدم المشقة الكثيرة، ‏{‏وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ‏}‏ أي‏:‏ طالت عليهم المسافة، وصعب عليهم السفر، فلذلك تثاقلوا عنك، وليس هذا من أمارات العبودية، بل العبد حقيقة هو المتعبد لربه في كل حال، القائم بالعبادة السهلة والشاقة، فهذا العبد للّه على كل حال‏.‏

‏{‏وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ سيحلفون أن تخلفهم عن الخروج أن لهم أعذرا وأنهم لا يستطيعون ذلك‏.‏

‏{‏يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ بالقعود والكذب والإخبار بغير الواقع، ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏‏.‏

وهذا العتاب إنما هو للمنافقين، الذين تخلفوا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ‏{‏غزوة تبوك‏}‏ وأبدوا من الأعذار الكاذبة ما أبدوا، فعفا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنهم بمجرد اعتذارهم، من غير أن يمتحنهم، فيتبين له الصادق من الكاذب، ولهذا عاتبه اللّه على هذه المسارعة إلى عذرهم

قال الفخر الرازي هذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك. والعرض.

ما يعرض للإنسان من منافع الدنيا وشهواتها.

والسفر القاصد: هو السفر القريب السهل الذي لا يصاحبه ما يؤدى إلى التعب الشديد. من القصد بمعنى التوسط والاعتدال في الشيء.

والشقة: المسافة التي لا تقطع إلا بعد تكبد المشقة والتعب، فهي مأخوذة من المشقة وشدة العناء.

قال القرطبي: حكى أبو عبيدة وغيره أن الشقة: السفر إلى أرض بعيدة. يقال: منه شقة شاقة. والمراد بذلك كله غزوة تبوك..» .

والمعنى: لو كان الذي دعوتهم إليه يا محمد، متاعا من متع الحياة الدنيا، وسفرا سهلا قريبا، لاتبعوك فيما دعوتهم إليه، لأنه يوافق أهواءهم، ويشبع رغباتهم، ولكنهم حين عرفوا أن ما دعوتهم إليه هو الجهاد في سبيل الله وما يصحبه من أسفار شاقة. وتضحيات جسيمة.. تعلّلوا لك بالمعاذير الكاذبة، وتخلفوا عن الخروج معك، جبنا منهم، وحبا للراحة والسلام.

وشبيه بهذه الآية من حيث المعنى، قول الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن المتخلفين عن صلاة الجماعة «لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء» .

أى: لو يعلم أحد هؤلاء المتخلفين عن صلاة العشاء في جماعة، أنه يجد عند حضور صلاتها في جماعة شيئا من اللحم لحضرها.

ثم حكى- سبحانه- ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من الجهاد فقال:

وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ.

أى. وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله- كذبا وزورا- قائلين. لو استطعنا أيها المؤمنون أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا: فاننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين، فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف!! وأتى- سبحانه- بالسين في قوله: وَسَيَحْلِفُونَ لأنه من قبيل الإخبار بالغيب. فقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه صلى الله عليه وسلم من تبوك. وحلفهم هذا كان بعد رجوعه منها.

قال الفخر الرازي: قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم أنهم سيحلفون، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل، والأمر لما وقع كما أخبر كان هذا إخبارا عن الغيب فكان معجزا، .

والمراد بالاستطاعة في قوله: «لو استطعنا» : وجود وسائل للجهاد معهم، من زاد وعدة وقوة في البدن، وغير ذلك مما يستلزمه الجهاد في سبيل الله.

وقوله: لَخَرَجْنا مَعَكُمْ ساد مسد جوابي القسم والشرط.

ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم بسبب كذبهم ونفاقهم فقال: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:

أى. أن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد يهلكون أنفسهم بسبب حلفهم الكاذب، وجرأتهم على الله. تعالى. في اختلاق المعاذير الباطلة، مع أنه. سبحانه. يعلم إنهم لكاذبون في أيمانهم، وفيما انتحلوه من أعذار.

قال ابن جرير قوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في قولهم: لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، لأنهم كانوا للخروج مطيقين، بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الأموال، مما يحتاج إليه الغازي في غزوة، وصحة الأبدان، وقوة الأجسام .

هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية، أن الأيمان الكاذبة تؤدى إلى الخسران والهلاك: وفي الحديث الشريف: «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع؟؟؟» .

ثم عاتب الله: تعالى. نبيه صلى الله عليه وسلم عتابا رقيقا لأنه أذن للمنافقين بالتخلف عن الجهاد حين طلبوا منه ذلك، دون أن يتبين أحوالهم فقال. تعالى.

يقول تعالى موبخا للذين تخلفوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وقعدوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما استأذنوه في ذلك ، مظهرين أنهم ذوو أعذار ، ولم يكونوا كذلك ، فقال : ( لو كان عرضا قريبا ) قال ابن عباس : غنيمة قريبة ، ( وسفرا قاصدا ) أي : قريبا أيضا ، ( لاتبعوك ) أي : لكانوا جاءوا معك لذلك ، ( ولكن بعدت عليهم الشقة ) أي : المسافة إلى الشام ، ( وسيحلفون بالله ) أي : لكم إذا رجعتم إليهم ( لو استطعنا لخرجنا معكم ) أي : لو لم تكن لنا أعذار لخرجنا معكم ، قال الله تعالى : ( يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون )

القول في تأويل قوله : لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه للنبي صلى الله عليه وسلم, وكانت جماعة من أصحابه قد استأذنوه في التخلُّف عنه حين خرج إلى تبوك، فأذن لهم: لو كان ما تدعو إليه المتخلفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك إلى مغزاك الذي استنفرتهم إليه =(عرضا قريبا)، يقول: غنيمة حاضرة (21) =(وسفرًا قاصدًا)، يقول: وموضعًا قريبًا سهلا =(لاتبعوك)، ونفروا معك إليهما، ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد, وكلفتهم سفرًا شاقًّا عليهم, لأنك استنهضتهم في وقت الحرّ، وزمان القَيْظ وحين الحاجة إلى الكِنِّ =(وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم)، يقول تعالى ذكره: وسيحلف لك، يا محمد، هؤلاء المستأذنوك في ترك الخروج معك، اعتذارًا منهم إليك بالباطل, لتقبل منهم عذرهم, وتأذن لهم في التخلُّف عنك، بالله كاذبين = " لو استطعنا لخرجنا معكم "، يقول: لو أطقنا الخروجَ معكم بوجود السَّعة والمراكب والظهور وما لا بُدَّ للمسافر والغازي منه, وصحة البدن والقوى, لخرجنا معكم إلى عدوّكم =(يهلكون أنفسهم)،

يقول: يوجبون لأنفسهم، بحلفهم بالله كاذبين، الهلاك والعطب, (22) لأنهم يورثونها سَخَط الله، ويكسبونها أليم عقابه =(والله يعلم إنهم لكاذبون)، في حلفهم بالله: (لو استطعنا لخرجنا معكم)، لأنهم كانوا للخروج مطيقين، بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الأموال، مما يحتاج إليه الغازي في غزوه، والمسافر في سفره، وصحة الأبدان وقوَى الأجسام.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16760- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (لو كان عرضًا قريبًا)، إلى قوله (لكاذبون)، إنهم يستطيعون الخروج, ولكن كان تَبْطِئَةً من عند أنفسهم والشيطان، وزَهَادة في الخير.

16761- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (لو كان عرضًا قريبًا)، قال: هي غزوة تبوك.

16762- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (والله يعلم إنهم لكاذبون)، أي: إنهم يستطيعون. (23)

------------------------

الهوامش :

(21) انظر تفسير " العرض " فيما سلف ص : 59، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(22) انظر تفسير " الهلاك " فيما سلف 13 : 150. تعليق : 2 ، والمراجع هناك.

(23) الأثر: 16762 - سيرة ابن هشام 4 : 194، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16699.

التدبر :

وقفة
[42] ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ﴾ المنافق قصير النفس، والصدق لا يختبر إلا في الأعمال طويلة المدى.
وقفة
[42] ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ﴾ هذا الدين متين، لا يحمله إلا عالي الهمة، وصادق العزم، ولا مكان فيه لأصحاب العجز والكسل، وعشاق النوم وسافلي الهمم.
وقفة
[42] ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ﴾ حدیث یشبه هذه الآية: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا» يَعْنِى صَلاَةَ الْعِشَاءِ. [مسلم 651]، وهذا توبيخ لمن زهد في صلاة الجماعة، ولو وجد في صلاة الجماعة شيئًا من الدنيا ولو كان حقيرًا لحضرها.
وقفة
[42] ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ﴾ لدى المنافق طاقة تؤهله للأعمال القصيرة، ولكنها تنضب كلما كان العمل طويل المدى.
عمل
[42] ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ﴾ لا تغتر بوجود منافقين في المشاريع الدينية ذات النفس القصير، إنما يحسنون بذلك صورتهم القاتمة.
تفاعل
[42] استعذ بالله من العجز والكسل؛ فإنهما يحرمان الإنسان من العبادة ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾.
عمل
[42] ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ لا تغتر بمن يطوف في الحَرم؛ حتى تراه يدافع عن الحُرم.
وقفة
[42] ﴿وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ كلما كثرت العقبات في طريق الطاعة؛ خرج المؤمنون من الجهة الأخرى أكثر نقاء.
وقفة
[42] ﴿وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ الشقة لم تبعد على أبي بكر وعمر، ولكنها بعدت على هؤلاء: النفاق يمزق الذات ويشتت الأمكنة.
وقفة
[42] ﴿وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ أخي المعلم: قد تحتاج لفقرات صعبة نسبيًّا في اختباراتك، تميز بها مستوى طلابك.
وقفة
[42] ﴿وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ بالإخلاص الحقيقي لله تتقد الهمّة، وتهون الصعاب، وتخف المشاق، وتلين الصلاب؛ وبقدر ضعفه وقلته تتثاقل الخطى، وتذبل العزيمة، وتضعف النفس.
وقفة
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ﴾ يستخدم المنافق عبارات المطوع عند الضرورة.
وقفة
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ﴾ يكثر المنافق إذا كان الذي أمامه محتسبًا قوي القلب من: جزاك الله خيرًا، بارك الله فيك، إنا نحبك يا شيخ.
وقفة
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ﴾ كأن كثرة إيراد حلف المنافقين في القرآن مقصودها صرف المؤمن عن تصديق الكلام إلى تأمل الأفعال.
وقفة
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ﴾ كثرةُ الحَلِف أمارةُ نفاق.
وقفة
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ معجزة، أخبر الله أنهم سيحلفون، وهو إخبار عن غيب يقع مستقبلًا، وقد وقع كما أخبر الله، فكان هذا معجزة، ودليلًا على نبوة النبيﷺ ، فقد جاؤوا وحلفوا له كما أخبر الله أنه سيكون.
وقفة
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ في هذه الآية دلالة مهمة على أن تعمد اليمين الكاذبة يفضي بصاحبها إلى الهلاك.
عمل
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ لا تهلك نفسك بايجاد الأعذار الواهية.
وقفة
[42] ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ ... يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ وجوب الجهاد بالنفس والمال كلما دعت الحاجة، الأيمان الكاذبة توجب الهلاك.
وقفة
[42] ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ قيلت هذه في نفس الغزو التي قيل فيها عن قوم: ﴿تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾ [التوبة: 92] المخذول لا تُعجزه الأعذار.
وقفة
[42] ﴿يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ هلاكك ليس في أن تجاهد؛ بل في ألا تجاهد، ليس في أن تموت في سبيل الله، بل في أن تحيا في سبيل الشيطان.
وقفة
[42] ﴿يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ هلاكنا ليس بالجهاد، بل في ترك الجهاد، وليس بأن نموت في سبيل الله، بل بأن نحيا في خدمة الدنيا.
وقفة
[42] ﴿يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ فيها دلالة أن تعمد اليمين الفاجرة يفضي إلى الهلاك.
لمسة
[42] ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ مفعول الفعل علِم مفتوح الهمزة مثل: ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ﴾ [الحاقة: 49]، لكن ورد هنا مكسور الهمزة؛ لأنها متبوعة باللام المزحلقة، أي لام الابتداء، ومثاله: (علمت أن زيدًا ناجح)، (علمت إن زيدًا لناجح).
وقفة
[42] رسالة للمنافقين: كم هو قبيح أن يعلم الله بأنكم كاذبون! ﴿والله يعلم إنهم لكاذبون﴾.
وقفة
[42] لم يستخدم الفعل (عرف) في القرآن مع الله سبحانه، بل (علم) نحو: ﴿والله يعلم إنهم لكاذبون﴾؛ لأن المعرفة تكون بعد جهل، وهذا ممتنع في حق الله.

الإعراب :

  • ﴿ لَوْ كانَ عَرَضاً:
  • لو: حرف شرط غير جازم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. بمعنى: لو كان ما تدعوهم إليه أو لو كان ما يدعون إليه. عرضا: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة المنونة.
  • ﴿ قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً:
  • قريبا: صفة- نعت- لعرضا منصوبة مثلها بالفتحة. وسفرا قاصدا معطوفة بالواو على «عَرَضاً قَرِيباً» وتعربان مثلها.
  • ﴿ لَاتَّبَعُوكَ:
  • اللام: واقعة في جواب «لَوْ» والجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها من الاعراب. اتبعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ:
  • الواو: زائدة. لكن: حرف استدراك مهمل لأنه مخفف لا عمل له. بعدت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. عليهم: جار ومجرور متعلق ببعدت والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للاشباع و «الشُّقَّةُ» فاعل مرفوع بالضمة بمعنى: المسافة.
  • ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ:
  • الواو: حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال بمعنى: وسيجيئونك يحلفون لك قائلين. السين: حرف استقبال- تسويف- يحلفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الباء حرف جر. الله لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم بالباء وعلامة الجر الكسرة و «بِاللَّهِ» متعلق بسيحلفون أو هو من جملة كلامهم والقول مراد في الوجهين: أي سيحلفون بالله يقولوا.
  • ﴿ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول- لو حرف شرط غير جازم. استطعنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل ومعمول الفعل محذوف تقديره: لو استطعنا الخروج لخرجنا:اللام واقعة في جواب «لَوْ» والقسم و «خرجنا» تعرب إعراب «اسْتَطَعْنا» وجملة «لَخَرَجْنا» سّدت مسدّ جوابي القسم و «لَوْ» جميعا. مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بخرجوا.والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور. وكسروا و «لَوْ» لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ:
  • يهلكون: تعرب إعراب «يحلفون» وهي بدل منها. أي حال بمعنى «مهلكين» ويجوز أن تكون حالا من قوله «لَخَرَجْنا» وجيء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم. أنفس: مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ:
  • لواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو أي سبحانه. والجملة الفعلية «يَعْلَمُ» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «إنّ». لكاذبون: اللام:مزحلقة للتوكيد. كاذبون: خبر «إنّ» مرفوع بالواو: لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. و «إنّ مع اسمها وخبرها» بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي يعلم. '

المتشابهات :

التوبة: 42﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
التوبة: 107﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
الحشر: 11﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
المنافقون: 1﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَوْ كانَ عَرَضًا قَرِيبًا﴾، وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مّا زادُوكم إلّا خَبالًا﴾ [التوبة: ٤٧] قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَوْ كانَ عَرَضًا قَرِيبًا﴾، وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مّا زادُوكم إلّا خَبالًا﴾ [التوبة: ٤٧] وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا خَرَجَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلى ثَنِيَّةِ الوَداعِ، وضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ عَلى ذِي جُدَّةٍ أسْفَلَ مِن ثَنِيَّةِ الوَداعِ، ولَمْ يَكُنْ بِأقَلِّ العَسْكَرَيْنِ، فَلَمّا سارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِيمَن تَخَلَّفَ مِنَ المُنافِقِينَ وأهْلِ الرِّيَبِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى يُعَزِّي نَبِيَّهُ ﷺ: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مّا زادُوكم إلّا خَبالًا﴾ [التوبة: ٤٧] . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     وبعد عتاب من تثاقل عن النفير إلى تبوك؛ وَبَّخَ اللهُ عز وجل هنا المنافقينَ المتخلفينَ عن تَبُوك، وذكرَ فضائحَهم وقبائحَهم: 1- الفرار من الجهاد، والتعلل بالأعذار الواهية، والتستر بالأيمان الكاذبة، قال تعالى:
﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لو استطعنا:
وقرئ:
1- بضم الواو، فرارا من ثقل الكسرة، وهى قراءة الأعمش، وزيد بن على.
2- بفتحها، وهى قراءة الحسن.

مدارسة الآية : [43] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ ..

التفسير :

[43] عفا الله عنك -أيها النبي- عمَّا وقع منك مِن تَرْك الأَولى والأكمل، وهو إذنك للمنافقين في القعود عن الجهاد، لأي سبب أَذِنْتَ لهؤلاء بالتخلف عن الغزوة، حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟

يقول تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏{‏عَفَا اللَّهُ عَنْكَ‏}‏ أي‏:‏ سامحك وغفر لك ما أجريت‏.‏

‏{‏لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ‏}‏ في التخلف ‏{‏حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ‏}‏ بأن تمتحنهم، ليتبين لك الصادق من الكاذب، فتعذر من يستحق العذر ممن لا يستحق ذلك‏.‏

قال ابن كثير. قال مجاهد. نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أذن لكم فاقعدوا. وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.

والعفو: يطلق على التجاوز عن الذنب أو التقصير، كما يطلق على ترك المؤاخذة على عدم فعل الأولى والأفضل، وهو المراد هنا.

والمعنى: عفا الله عنك يا محمد، وتجاوز عن مؤاخذتك فيما فعلته مع هؤلاء المنافقين من سماحك لهم بالتخلف عن الجهاد معك في غزوة تبوك، حين اعتذروا إليك بالأعذار الكاذبة، وكان الأولى بك أن تتريث وتتأنى في السماح لهم بالتخلف، حتى يتبين لك الذين صدقوا في اعتذارهم من الذين كذبوا فيه، فقد كانوا- إلا قليلا منهم- كاذبين في معاذيرهم، وكانوا مصرين على القعود عن الجهاد حتى ولو لم تأذن لهم به.

وقدم سبحانه. العفو على العتاب. وهو قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ- للإشارة إلى المكانة السامية التي له صلى الله عليه وسلم عند ربه.

قال بعض العلماء: هل سمعتم بعتاب أحسن من هذا؟ لقد خاطبه سبحانه بالعفو قبل أن يذكر المعفو عنه.

وقال العلامة أبو السعود ما ملخصه: وعبر- سبحانه- عن الفريق الأول بالموصول الذي صلته فعل دال على الحدوث، وعن الفريق الثاني باسم الفاعل المفيد للدوام، للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث في أمر خاص غير مصحح لنظمهم في سلك الصادقين، وبأن ما صدر من الآخرين، وإن كان كذبا حادثا متعلقا بأمر خاص لكنه أمر جار على عادتهم المستمرة، ناشئ عن رسوخهم في الكذب.

وعبر عن ظهور الصدق بالتبين، وعما يتعلق بالكذب بالعلم، لما هو المشهور من أن مدلول الخبر هو الصدق، والكذب احتمال عقلي، فظهور صدق الخبر إنما هو تبين ذلك المدلول، وانقطاع احتمال نقيضه بعد ما كان محتملا له احتمالا عقليا. وأما كذبه فأمر حادث لا دلالة للخبر عليه في الجملة حتى يكون ظهوره تبينا له، بل نقيض لمدلوله. فما يتعلق به يكون علما مستأنفا.. .

هذا، ومن الأمور التي تكلم عنها العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية ما يأتى:

1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بمقتضى اجتهاده في بعض الوقائع. وقد بسط القول في هذه المسألة صاحب المنار فقال ما ملخصه:

وقد كان الإذن المعاتب عليه اجتهادا منه صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه من الوحى، وهو جائز وواقع من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وليسوا بمعصومين من الخطأ فيه، وإنما العصمة المتفق عليها خاصة بتبليغ الوحى ببيانه والعمل به، فيستحيل على الرسول أن يكذب أو أن يخطئ فيما يبلغه عن ربه أو يخالفه بالعمل.

ويؤيده حديث طلحة في تأبير النخل إذ رآهم صلى الله عليه وسلم يلقحونها فقال: «ما أظن يغنى ذلك شيئا» فأخذوا بذلك فتركوه ظنا منهم أن قوله هذا من أمر الدين، فنفضت النخل وسقط ثمرها. فأخبر بذلك فقال: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإنى ظننت ظنا فلا تؤاخذونى بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فانى لن أكذب على الله عز وجل» .

وقد صرح علماء الأصول بجواز الخطأ في الاجتهاد على الأنبياء. عليهم الصلاة والسلام قالوا: ولكن لا يقرهم الله على ذلك، بل يبين لهم الصواب فيه..» .

2- أن من الواجب على المسلم التريث في الحكم على الأمور.

قال الفخر الرازي: دلت الآية على وجوب الاحتراز عن العجلة، ووجوب التثبت والتأنى، وترك الاغترار بظواهر الأمور، والمبالغة في التفحص، حتى يمكنه أن يعامل كل فريق بما يستحقه من التقريب أو الإبعاد .

3- أن المتتبع لآراء العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية يرى لهم ثلاثة أقوال:

أما القول الأول فهو لجمهور العلماء: وملخصه: أن المراد بالعفو في قوله سبحانه: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ عدم مؤاخذته: صلى الله عليه وسلم في تركه الأولى والأفضل، لأنه كان من الأفضل له ألا يأذن للمنافقين في التخلف عن الجهاد حتى يتبين أمرهم.

وهذا القول هو الذي نختاره ونرجحه، لأنه هو المناسب لسياق الآية ولما ورد في سبب نزولها: وأما القول الثاني فهو لصاحب الكشاف: وملخصه: أن العفو هنا كناية عن الجناية، فقد قال: قوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ كناية عن الجناية لأن العفو مرادف لها، ومعناه. أخطأت وبئس ما فعلت، وقوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بيان لما كنى عنه بالعفو .

ولم يرتض كثير من العلماء ما ذهب إليه صاحب الكشاف من أن العفو هنا كناية عن الجناية، ووصفوا ما ذهب إليه بالخطإ وإساءة الأدب.

قال أبو السعود: ولقد أخطأ وأساء الأدب وبئسما فعل فيما قال وكتب من زعم أن الكلام كناية عن الجناية، وأن معناه أخطأت، وبئس ما فعلت.

هب أنه كناية، أليس إيثارها على التصريح بالجناية للتلطيف في الخطاب والتخفيف في العقاب؟: .

وقال الشيخ أحمد بن المنير: ليس له- أى الزمخشري: - أن يفسر هذه الآية بهذا التفسير، وهو بين أحد أمرين: إما أن لا يكون هو المراد وإما أن يكون هو المراد، ولكن قد أحل الله نبيه الكريم عن مخاطبته بصريح العتب، وخصوصا في حق المصطفى- عليه الصلاة والسلام- فالزمخشرى على كلا التقديرين ذهل عما يجب في حقه صلى الله عليه وسلم.

ولقد أحسن من قال في هذه الآية: إن من لطف الله- تعالى- بنبيه، أن بدأه بالعفو قبل العتب، ولو قال له ابتداء «لم أذنت لهم» لتفطر قلبه- عليه الصلاة والسلام. فمثل هذا الأدب يجب احتذاؤه في حق سيد البشر- عليه الصلاة والسلام .

وأما القول الثالث فهو للإمام الفخرى الرازي، ولمن حذا حذوه كالقرطبى وغيره، وملخص هذا القول أنه يجوز أن يكون المراد بالعفو هنا: المبالغة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، أو أن قوله- سبحانه-: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ افتتاح كلام.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: لا نسلم أن قوله- تعالى- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يوجب الذنب، ولم لا يجوز أن يقال: إن ذلك يدل على مبالغة الله، تعالى في تعظيمه وتوقيره، كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظما عنده، عفا الله عنك ما صنعت في أمرى.. فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا مزيد التبجيل والتعظيم.

ويؤيد ذلك قول على بن الجهم يخاطب المتوكل وقد أمر بنفيه:

عفا الله عنك ألا حرمة ... تعوذ بعفوك أن أبعدا

ألم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدى

أقلنى أقالك من لم يزل ... يقيك، ويصرف عنك الردى

وقال القرطبي: قوله: - تعالى- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ قيل: هو افتتاح كلام كما تقول: أصلحك الله وأعزك ورحمك كان كذا وكذا.. .

والذي نراه أن القول الأول هو الراجح لما سبق أن بيناه.

ثم بين- سبحانه- الصفات التي يتميز بها المؤمنون الصادقون، عن غيرهم من ضعاف الإيمان، فقال- تعالى-:

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو حصين بن [ يحيى بن ] سليمان الرازي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن مسعر عن عون قال : هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا ؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) وكذا قال مورق العجلي وغيره .

وقال قتادة : عاتبه كما تسمعون ، ثم أنزل التي في سورة النور ، فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء : ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ) [ النور : 62 ] وكذا روي عن عطاء الخراساني .

وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في أناس قالوا : استأذنوا رسول الله ، فإن أذن لكم فاقعدوا ، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا .

ولهذا قال تعالى : ( حتى يتبين لك الذين صدقوا ) أي : في إبداء الأعذار ، ( وتعلم الكاذبين )

القول في تأويل قوله : عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)

قال أبو جعفر: وهذا عتاب من الله تعالى ذكره، عاتبَ به نبيَّه صلى الله عليه وسلم في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه، حين شخص إلى تبوك لغزو الروم، من المنافقين.

يقول جل ثناؤه: (عفا الله عنك)، يا محمد، ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذين استأذنوك في ترك الخروج معك, وفي التخلف عنك، من قبل أن تعلم صدقه من كذبه (24)

=(لم أذنت لهم)، لأي شيء أذنت لهم؟ = (حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين)، يقول: ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك إذ قالوا لك: (لو استطعنا لخرجنا معك), حتى تعرف مَن له العذر منهم في تخلفه، ومن لا عذر له منهم, فيكون إذنك لمن أذنتَ له منهم على علم منك بعذره, وتعلمَ مَنِ الكاذبُ منهم المتخلفُ نفاقًا وشكًّا في دين الله.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16763- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (عفا الله عنك لم أذنت لهم)، قال: ناسٌ قالوا: استأذِنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.

16764- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا)، الآية, عاتبه كما تسمعون, ثم أنـزل الله التي في " سورة النور ", فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء, فقال: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ، [سورة النور: 62]، فجعله الله رخصةً في ذلك من ذلك.

16765- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عمرو بن ميمون الأودي قال: اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشيء: إذنه للمنافقين, وأخذه من الأسارى, فأنـزل الله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم)، الآية.

16766- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، قرأت على سعيد بن أبي عروبة, قال: هكذا سمعته من قتادة, قوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم)، الآية, ثم أنـزل الله بعد ذلك في " سورة النور ": فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ، الآية.

16767- حدثنا صالح بن مسمار قال، حدثنا النضر بن شميل قال، أخبرنا موسى بن سَرْوان, قال: سألت مورِّقًا عن قوله: (عفا الله عنك)، قال: عاتبه ربه. (25)

------------------

الهوامش :

(24) انظر تفسير " العفو " فيما سلف من فهارس اللغة (عفا).

(25) الأثر : 16767 - "صالح بن مسمار المروزي السلمي"، شيخ الطبري، مضى برقم: 224.

و "النضر بن شميل المازني" الإمام النحوي، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 11512 .

و " موسى بن سروان العجلي " ، ويقال : " ثروان " و " فروان " مضى برقم : 11411 ، وكان في المطبوعة هنا " موسى بن مروان " ، وهو خطأ ، وأثبت ما في المخطوطة .

و " مورق " ، هو " مورق بن مشمرج العجلي " ، ثقة عابد من العباد الخشن . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 2 51 ، وابن أبي حاتم 4 1 403 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ﴾ أصل العفو في اللغة المسح، عفت الريح الأثر أي مسحته، عفا عن فلان أي مسح ذنبه كأنه لم يذنب وكأنه ما عاد له ذنب.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ﴾ لا تُسقط من أثبتت سنوات جهاده بياض سيرته ونقاء سريرته لأجل خطأ، لا تجعله خائنًا لأجل فتوى.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ﴾ المراد بالعفو ليس عن الذنب، فهو المعصوم، ولكن عدم مؤاخذته الأولى والأفضل، والأفضل كان ألا يأذن للمنافقين بالتخلف عن الجهاد.
تفاعل
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ﴾ ادعُ الله الآن أن يعفوَ عنك.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ استدل بها من قال بجواز الاجتهاد له ﷺ؛ لأنه لو أذن لهم عن وحي لم يعاتب.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذه؟ قال سفيان بن عيينة: «انظروا إلى هذا اللطف: بدأ بالعفو قبل أن يعيره بالذنب».
عمل
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ تأمَّلْ: بدأَ بالعَفوِ عن الخَطأِ قبلَ أن يعاتِبَه على ارتكابِه، فما أجملَ أن تستفتِحَ العِتابَ بأجملِ الكلماتِ، لتستميلَ قلبَ مَن تُعاتِبُ!
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ ما أجمل عتاب الأحبة المبدوء بالعفو قبل العتاب.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ سبق عفوه عتابه! هكذا يكون عتاب الأحبة.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ منهج قرآني نتعلم منه تقديم العفو على المعاتبة.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ قَدَّمَ العفو؛ لأن المقام في واقعة لوم على فعله ﷺ، فناسب ذكر العفو تطييبًا لخاطر نبينا ﷺ.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ ما سبقت المغفرة العتاب إلا لمكانة المعاتَب، فما أعظم رب تسبق رحمته عذابه!
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ الإذن للمتخلفين والمتأخرين يفتح باب الضعف، ويوهن عزائم الصادقين، ويؤدي إلى مفاسد كثيرة، ومن هنا يتأكد على القادة وأهل الإدارة أن يتعاملوا مع المتخلفين كثيري الاعتذار بحزم، وألا يأذنوا إلا لمن ثبت صدقه وتحقق سبب تأخره.
وقفة
[43] حدثني عن العتاب بما شئت، من شعر الشعراء ونثر الأدباء، فـوالله لن تجد أجمل وألطف من قول الله لخليله محمد: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾.
وقفة
[43] قال مخاطبًا نبيه: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾، هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذه؟ ابتدأ بـ(العفو) قبل (العتاب).
وقفة
[43] يرقى العتاب برقي قائله، فلا تكن فظًا بذيئًا في عتابك واتخذ من منهج القرآن دليلًا: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾، ما أحسنها من معاتبة بدأ بالعفو قبلها.
وقفة
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ لا يعاتبك من لا يتابعك، شرف المتابعة أعلى من المعاتبة.
عمل
[43] قبل العتاب: قدِّم لكلامك بعبارات لطيفة تستميل بها قلب من سَتُعاتِب! تأمل قول الله تعالى لنبيه: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾.
عمل
[43] ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ عَوِّد نفسك أن تدعو قبل أن تعاتب.
وقفة
[43] العتاب الخفيف مقبول وسائغ، وأجمل منه تقديم الدعاء قبل العتاب ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾.
وقفة
[43] من لطائف الآيات التي فيها عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أنك لا تجد آية عتاب ونحوها، إلا وجدت تصريحًا بالعفو والمغفرة والرحمة، ففي التوبة: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾، وفي الأنفال -بعد آية الأسرى-: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنفال: 69].
عمل
[43] إذا أردت أن ترى عِظَمَ محبة الله ﷻ لنبينا محمد ﷺ فاقرأ هذه الآية: ﴿وَلَسَوْفَ يعطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: 5]، وكيف لا يعطيه حتى يرضيه وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! كيف لا؟! وهو الذي أخبره بالعفو عنه قبل أن يخبره بالذنب، وقال: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾.
وقفة
[43] مشروعية العتاب للمحب ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾.
وقفة
[43] كثرة الاعتذارات في المسؤوليات الواجبة تفقد الإنسان مصداقيته ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾.
عمل
[43] ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ احذر أن تعطيهم المظلة التي تسترهم، دعهم يمشون تحت شمس الحقائق؛ ليعرفهم الناس.
لمسة
[43] ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ هذا نوع من العتاب المحبب الرقيق على لغة العرب الذي سبقته كلمة العفو، وهو نوع من التعليم من الله عز وجل لرسوله ﷺ.
وقفة
[43] ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ﴾ وجوب الاحتراز من العجلة، ووجوب التثبت والتأني، وترك الاغترار بظواهر الأمور، والمبالغة في التفحص والتريث.
وقفة
[43] ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ المنافق ذو نفس ديني قصير، قُصارى جهده حضور حفل تخريج دفعة، أو التقاط صورة مع عالم.
لمسة
[43] ﴿حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ لماذا قال الله: ﴿يَتَبَيَّنَ لَكَ﴾ مع ﴿الَّذِينَ صَدَقُواْ﴾، بينما قال: ﴿وَتَعْلَمَ﴾ مع ﴿الْكَاذِبِينَ﴾؟ (يَتَبَيَّنَ) فيه معنى الانكشاف والظهور والوضوح فاستعمله مع الصدق الذي يكون واضحًا عادةً لا لبس فيه ولا غموض، وقال: (الَّذِينَ صَدَقُواْ)، ما قال (الصادقين)؛ لأن هؤلاء ليسوا صادقين حتى لو صدقوا في هذه الجزئية فهم كاذبون في غيرها، فما أراد أن يعطيهم صفة الصدق الملازمة؛ لأن وصف الصادقين وصف عالٍ، فكلمة الصادقين صفة لازمة للفاعل وهم منافقون، لو انتظرت قليلًا كان سيتضح لك الذي يعتذر بصدق، (وَتَعْلَمَ) الكذب يحتاج إلى تدقيق وتبصر وأناة وبحث وتثبت ينسجم معه العلم، (وَتَعْلَمَ) لأن الكذب ليس منكشفًا كالصدق، (الْكَاذِبِينَ) أراد أن يبين أن الكذب متلبس بهؤلاء الذين كذبوا، وأنهم لم يكذبوا في هذه القضية فقط، ولو قيل في غير القرآن (وتعلم الذين كذبوا) كأنهم كذبوا هنا وقد لا تكون هذه صفة ملازمة لهم، لكن لما قال: (وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) رسّخ الصفة لهم.

الإعراب :

  • ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ:
  • عفا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر.الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. عنك: جار ومجرور متعلق بعفا وضمير المخاطب يعود على الرسول محمد (ص).
  • ﴿ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ:
  • بمعنى: مالك أذنت لهم في التخلف عن الخروج معك.لم: اللام: حرف جر. و «ما» اسم استفهام مبني على السكون في محل جر باللام. وسقطت ألف «ما» لأنها جرت بحرف جر. أذن: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل والجار والمجرور «لَهُمْ» متعلق بأذن و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام.
  • ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ:
  • أي هلّا توقفت حتى يتضح. حتى: حرف غاية وجر بمعنى «إلى أن» يتبين: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حَتَّى» وعلامة نصبه الفتحة. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتى وجملة «يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا» صلة «أن» المضمرة لا محل لها والجار والمجرور «حتى تبين» متعلق بأذنت.
  • ﴿ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا:
  • جار ومجرور متعلق بيتبين. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل «يَتَبَيَّنَ». صدقوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «صَدَقُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ وَتَعْلَمَ الْكاذِبِين:َ
  • وتعلم: معطوفة بالواو على «يَتَبَيَّنَ» وتعرب إعرابها والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الكاذبين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

التوبة: 115﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ
البقرة: 187﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
التوبة: 43﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
فصلت: 53﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     وبعد توبيخ المنافقينَ المتخلفينَ عن تَبُوك؛ جاء هنا عتابُ النَّبي r عتابًا رقيقًا؛ لأنه أَذِنَ للمنافقين بالتخلف عن الجهاد حين طلبوا منه ذلك، دون أن يتبين أحوالهم، قال تعالى:
﴿ عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [44] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ..

التفسير :

[44] ليس من شأن المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر أن يستأذنوك -أيها النبي- في التخلف عن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وإنما هذا من شأن المنافقين. والله عليم بمن خافه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه.

ثم أخبر أن المؤمنين باللّه واليوم الآخر، لا يستأذنون في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم، لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان، يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث،

فضلا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ‏}‏ فيجازيهم على ما قاموا به من تقواه، ومن علمه بالمتقين، أنه أخبر، أن من علاماتهم، أنهم لا يستأذنون في ترك الجهاد‏.‏

أى: ليس من شأن المؤمنين الصادقين أن يستأذنوك- يا محمد- في أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سبيل إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه.. وإنما الذي من شأنهم وعادتهم- كما أثبته واقعهم وتاريخهم- أن ينفروا خفافا وثقالا عند ما يدعو الداعي إلى الجهاد، دون أن ينتظروا إذنا من أحد.

فهم لقوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم، يسارعون إلى الجهاد بقلوب مشتاقة إليه، وبنفوس تتمنى الموت عن طريقه.

وهم في ذلك ممتثلون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة- أى صيحة- وفزعا طار على متنه يبتغى القتل أو الموت في مظانه».

وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ تحريض لهم على الاتصاف بهذه الصفة الكريمة، وهي صفة التقوى.

والمراد بالعلم هنا لازمه، وهو مجازاتهم بالثواب الجزيل على تقواهم.

أى: والله- تعالى- عليم بهؤلاء الذين ملأت خشيته قلوبهم. وسيثيبهم على ذلك ثوابا يرضيهم.

هذا، وقد استنبط العلماء من هذه الآية أنه ينبغي على المؤمن أن يقوم بأداء الأعمال الحسنة، والأفعال الجميلة بدون تردد أو استئذان.

قال صاحب الانتصاف عند تفسيره لهذه الآية: وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقا، فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدى له معروفا، ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه طعاما فإن الاستئذان في أمثال هذه المواطن أمارة التكلف والتكره. وصلوات الله وسلامه على خليله إبراهيم، فقد بلغ من كرمه وأدبه مع ضيوفه أنه كان لا يتعاطى شيئا من أسباب التهيؤ للضيافة بمرأى منهم، فلذلك مدحه الله- تعالى-: بهذه الخلة الجميلة، فقال:

فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ.. أى: ذهب على خفاء منهم، كيلا يشعروا به..

وقال صاحب المنار: وقد استنبط من الآية أنه لا ينبغي الاستئذان في أداء شيء من الواجبات، ولا في الفضائل والفواضل من العادات، كقرى الضيف، وإغاثة الملهوف، وسائر عمل المعروف.

ويعجبني قول بعض العلماء ما معناه: من قال لك أتأكل؟ هل آتيك بكذا من الفاكهة مثلا؟ فقل له: لا فإنه لو أراد أن يكرمك لما استأذنك .

يقول تعالى : هلا تركتهم لما استأذنوك ، فلم تأذن لأحد منهم في القعود ، لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب ، فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو [ وإن لم تأذن لهم فيه . ولهذا أخبر تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو ] أحد يؤمن بالله ورسوله ، فقال : ( لا يستأذنك ) أي : في القعود عن الغزو ( الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) ؛ لأن أولئك يرون الجهاد قربة ، ولما ندبهم إليه بادروا وامتثلوا .

القول في تأويل قوله : لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)

قال أبو جعفر: وهذا إعلامٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم سِيمَا المنافقين: أن من علاماتهم التي يُعرفون بها تخلُّفهم عن الجهاد في سبيل الله، باستئذانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركهم الخروجَ معه إذا استنفروا بالمعاذير الكاذبة.

يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، لا تأذننَّ في التخلُّف عنك إذا خرجت لغزو عدوّك، لمن استأذنك في التخلف من غير عذر, فإنه لا يستأذنك في ذلك إلا منافق لا يؤمن بالله واليوم الآخر. فأمَّا الذي يصدّق بالله، ويقرُّ بوحدانيته وبالبعث والدار الآخرة والثواب والعقاب, فإنه لا يستأذنك في ترك الغزو وجهاد أعداء الله بماله ونفسه (26) =(والله عليم بالمتقين)، يقول: والله ذو علم بمن خافه، فاتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، والمسارعة إلى طاعته في غزو عدوّه وجهادهم بماله ونفسه, وغير ذلك من أمره ونهيه. (27)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16768- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله)، فهذا تعييرٌ للمنافقين حين استأذنوا في القُعود عن الجهاد من غير عُذْر, وعَذَر الله المؤمنين, فقال: لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ، [سورة النور: 62].

------------------

الهوامش :

(26) انظر تفسير "جاهد" فيما سلف ص : 270 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(27) انظر تفسير " التقوى " فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[44] ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾ كثرة الاعتذارات عن أعمال الخير مؤشر على ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر.
وقفة
[44] ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾ أخبر أن المؤمنين بالله واليوم الآخر لا يستأذنون في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم؛ لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث، فضلًا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر.
وقفة
[44] ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾ إذا انتفى أن يستأذنوا في أن يجاهدوا ثبت أنهم يجاهدون دون استئذان، وهذا من لطائف بلاغة هذة الآية.
وقفة
[44] ﴿وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ لا تظن أنك بقبول اعتذارك قد أخذت صكًّا بالبراءة، فإن الله مطلع على أسرار المعتذرين، ويعلم الصادق من الكاذب.

الإعراب :

  • ﴿ لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يستأذن: فعل مضارع مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ يُؤْمِنُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بيؤمنون. واليوم: الواو عاطفة. اليوم: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة. الآخر: صفة- نعت- لليوم مجرورة مثلها وعلامة الجر الكسرة الظاهرة في آخره.
  • ﴿ أَنْ يُجاهِدُوا:
  • أن حرف نصب ومصدرية. يجاهدوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و «أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر بتقدير: في أن يجاهدوا- أي في الجهاد- والجار والمجرور متعلق بيستأذنك. أو يكون المصدر متعلقا بمفعول له. أي كراهة أن يجاهدوا وجملة «يُجاهِدُوا» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ:
  • بأموال: جار ومجرور و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وانفسهم: معطوفة بالواو على «أموالهم» وتعرب إعرابها. والجار والمجرور متعلق بيجاهدوا.
  • ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. عليم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. أيضا. بالمتقين:جار ومجرور متعلق بعليم وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

التوبة: 44﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
التوبة: 81﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     وبعد عتاب النَّبي r لمَّا أَذِنَ للمنافقين؛ بَيَّنَ هذا أنَّ الاستِئذانَ ليس من شأنِ المؤمنينَ؛ لأن معهم من الرغبة في الخير ما يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث، فضلًا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر، قال تعالى:
﴿ لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [45] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ..

التفسير :

[45] إنما يطلب الإذنَ للتخلف عن الجهاد الذين لا يصدِّقون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يعملون صالحاً، وشكَّتْ قلوبهم في صحة ما جئت به -أيها النبي- من الإسلام وشرائعه، فهم في شكهم يتحيَّرون.

‏{‏إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ ليس لهم إيمان تام، ولا يقين صادق، فلذلك قلَّتْ رغبتهم في الخير، وجبنوا عن القتال، واحتاجوا أن يستأذنوا في ترك القتال‏.‏ ‏{‏فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا يزالون في الشك والحيرة‏

ثم بين سبحانه- الصفات التي يعرف بها المنافقون، بعد بيانه للصفات التي يعرف بها المؤمنون الصادقون فقال: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ ...

أى: إنما يستأذنك- يا محمد- في القعود عن الجهاد أولئك الذين من صفاتهم أنهم لا يؤمنون بالله إيمانا كاملا، ولا يؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب إيمانا يقينيا.

قال الآلوسى: وتخصيص الإيمان بهما- أى بالله واليوم الآخر- في الموضعين للإيذان بأن الباعث على الجهاد والمانع عنه الإيمان بهما وعدم الإيمان بهما، فمن آمن بهما قاتل في سبيل دينه، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر من النعيم المقيم، ومن لم يؤمن كان بمعزل عن ذلك. على أن الإيمان بهما مستلزم للإيمان بسائر ما يجب الإيمان به».

وقوله: وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ صفة ثالثة من صفاتهم الذميمة.

أى: أنهم بجانب عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، رسخ الريب في قلوبهم فصاروا يشكون في صحة ما جئت به- أيها الرسول الكريم-، ويقفون من تعاليمك وتوجيهاتك، موقف المكذب المرتاب لا موقف المصدق المذعن.

وأضاف الشك والارتياب إلى القلوب، لأنها محل المعرفة والإيمان. وأوثرت صيغة الماضي- ارتابت، للدلالة على تحقق الريب وتوبيخهم. وأصل معنى التردد: الذهاب والمجيء. والمراد به هنا التحير على سبيل المجاز، لأن المتحير لا يستقر في مكان، ولا يثبت على حال.

أى: فهم في شكهم الذي حل بهم يتحيرون، فنراهم كما وصفهم- سبحانه- في آية أخرى. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ.. .

أى: متحيرين بين الكفر وبين الإيمان.

وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا السمات التي بها يتميز المؤمنون الصادقون عن- غيرهم من الذين قالوا آمنا وما هم بمؤمنين.

ثم حكى- سبحانه- بعض المسالك الخبيثة التي كان يتبعها هؤلاء المنافقون لمحاربة الدعوة الإسلامية، وكيف أنه- سبحانه- أحبط مكرهم فقال- تعالى-:

( والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك ) أي : في القعود ممن لا عذر له ( الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ) أي : لا يرجون ثواب الله في الدار الآخرة على أعمالهم ، ( وارتابت قلوبهم ) أي : شكت في صحة ما جئتهم به ، ( فهم في ريبهم يترددون ) أي : يتحيرون ، يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى ، وليست لهم قدم ثابتة في شيء ، فهم قوم حيارى هلكى ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا .

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: إنما يستأذنك، يا محمد، في التخلف خِلافكَ, وترك الجهاد معك، من غير عذر بيِّنٍ، الذين لا يصدّقون بالله, ولا يقرّون بتوحيده =(وارتابت قلوبهم)، يقول: وشكت قلوبهم في حقيقة وحدانية الله, وفي ثواب أهل طاعته, وعقابه أهل معاصيه (28) =(فهم في ريبهم يترددون)، يقول: في شكهم متحيِّرون, وفي ظلمة الحيرة متردِّدون, لا يعرفون حقًّا من باطل, فيعملون على بصيرة. وهذه صفة المنافقين.

وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الآيتين منسوختان بالآية التي ذكرت في " سورة النور ".

* ذكر من قال ذلك:

16769- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح, عن الحسين, عن يزيد, عن عكرمة والحسن البصري قالا قوله: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ، إلى قوله: (فهم في ريبهم يترددون)، نسختهما الآية التي في " النور ": إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ، إلى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، [سورة النور: 62].

* * *

وقد بيَّنَّا " الناسخ والمنسوخ " بما أغنى عن إعادته ههنا. (29)

--------------------------

الهوامش :

(28) انظر تفسير "الارتياب" و "الريب" فيما سلف 11 : 172، تعليق : 3 ، والمراجع هناك = ثم 11 : 280 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(29) انظر مقالته في " الناسخ والمنسوخ " فيما سلف ص 42 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك . وانظر الفهارس العامة ، وفهارس النحو والعربية وغيرهما .

التدبر :

وقفة
[45] ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ حتى تعلم بشاعة النفاق، تأمَّل في ملامح المنسحبين في اللحظات الأخيرة.
وقفة
[45] ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ المنافقون دائمًا يعتذرون عن مواطن الخير ويستأذنون، فلا تتشبه بالمنافقين فتهون.
وقفة
[45] ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ تخصيص الإيمان بالله واليوم الآخر؛ للإيذان بأن الباعث على الجهاد الإيمان بهما، والمانع عنه عدم الإيمان بهما، فمن آمن بهما قاتل في سبيل دينه، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر من النعيم المقيم، ومن لم يؤمن كان بمعزل عن ذلك.
وقفة
[45] ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ الاستئذان علامة ضعف يقين، وقلة الثقة في ثواب رب العالمين.
وقفة
[45] ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ عبارةٌ عن التحيُّر؛ لأن التردد دَيْدَن المتحير، كما أن الثبات والاستقرار ديدن المستبصر.
لمسة
[45] ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ قال: (فِي رَيْبِهِمْ)، وليس (على ريبهم)، مثل: ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِم﴾ [البقرة: 5]،﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل: 79]، لأن القرآن يستعمل (على) مع أفعال الهداية للدلالة على الاستعلاء والتمكن، أما أفعال الضلال فيستعمل معها (في) يعني ساقط في الضلال، مثل: ﴿فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [سبأ: 24]، ﴿فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ [المؤمنون: 54]، ﴿فِي رَيْبِهِمْ﴾ [التوبة: 45]، والذي في لُجّة لا يتمكن من نفسه ليس كالمستعلي على الشيء الذي يُبصر ويتمكن.
وقفة
[45] ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ كبرت شكوكهم وتعاظمت حتى لم تعد داخل قلوبهم؛ بل باتوا هم داخلها.
وقفة
[45] ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ ما أقسى الحيرة وما أشد وقعها على النفس، مرة ذات اليمين ومرة غيرها! نسأل الله أن يجعلنا من أهل اليقين.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ:
  • إنّما: كافة ومكفوفة. يستأذنك: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيؤمنون والواو: عاطفة: اليوم: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة. الآخر: صفة- نعت- لليوم مجرورة بالكسرة.
  • ﴿ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ:
  • الواو: عاطفة بمعنى: والذين ارتابت قلوبهم.ارتابت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. قلوب: فاعل مرفوع بالضمة. و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر الاضافة.
  • ﴿ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ:
  • الفاء: استئنافية. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. في ريب: جار ومجرور و «هم»:ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر الاضافة والجار والمجرور متعلق بحال تقديره: مرتابين. يترددون: تعرب اعراب «يُؤْمِنُونَ» والجملة الفعلية «يَتَرَدَّدُونَ» في محل رفع خبر «هم». '

المتشابهات :

التوبة: 44﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
التوبة: 45﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     ولمَّا بيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّ الاستِئذانَ لا يَصدُرُ إلَّا عند عدَمِ الإيمانِ به واليَومِ الآخِرِ؛ بَيَّنَ هنا أنَّ عدَمَ الإيمانِ ناتج من الشَّكِّ به، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [46] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ ..

التفسير :

[46] ولو أراد المنافقون الخروج معك -أيها النبي- إلى الجهاد لتأهَّبوا له بالزاد والراحلة، ولكن الله كره خروجهم فثَقَّلَ عليهم الخروج؛ قضاء وقدراً، وإن كان أمرهم به شرعاً، وقيل لهم:تخلفوا مع القاعدين من المرضى والضعفاء والنساء والصبيان.

يقول تعالى مبينا أن المتخلفين من المنافقين قد ظهر منهم من القرائن ما يبين أنهم ما قصدوا الخروج للجهاد بالكلية، وأن أعذارهم التي اعتذروها باطلة، فإن العذر هو المانع الذي يمنع إذا بذل العبد وسعه، وسعى في أسباب الخروج، ثم منعه مانع شرعي، فهذا الذي يعذر‏.‏

‏{‏و‏}‏ أما هؤلاء المنافقون فـ ‏{‏لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً‏}‏ أي‏:‏ لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب، ولكن لما لم يعدوا له عدة، علم أنهم ما أرادوا الخروج‏.‏

‏{‏وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ‏}‏ معكم في الخروج للغزو ‏{‏فَثَبَّطَهُمْ‏}‏ قدرا وقضاء، وإن كان قد أمرهم وحثهم على الخروج، وجعلهم مقتدرين عليه، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم، بل خذلهم وثبطهم ‏{‏وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ‏}‏ من النساء والمعذورين‏.‏

وقوله: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ.. كلام مستأنف لبيان المزيد من رذائل المنافقين. أو معطوف على قوله- سبحانه- قبل ذلك لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ.

وقوله: انْبِعاثَهُمْ أى: نهوضهم وانطلاقهم للخروج بنشاط وهمة. من البعث وهو إثارة الإنسان أو الحيوان وتوجيهه إلى الشيء بقوة وخفة.

تقول: بعثت البعير فانبعث إذا أثرته للقيام والسير بسرعة.

وقوله: «فثبطهم» أى: فمنعهم وحبسهم، من التثبيط «وهو رد الإنسان عن الفعل الذي هم به عن طريق تعويقه عنه ومنعه منه.

يقال: ثبطه تثبيطا، أى: قعد به عن الأمر الذي يريده ومنعه منه بالتخذيل ونحوه.

والمعنى: ولو أراد هؤلاء المنافقون الخروج معك- يا محمد- إلى تبوك لأعدوا لهذا الخروج عدته اللازمة له من الزاد والراحلة، وغير ذلك من الأشياء التي لا يستغنى عنها المجاهد في سفره الطويل، والتي كانت في مقدورهم وطاقتهم.

وقوله. وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ استدراك على ما تقدم.

أى: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته، ولكنهم لم يريدوا ذلك، لأن الله- تعالى- كره خروجهم معك، فحبسهم عنه، لما يعلمه- سبحانه- من نفاقهم وقبح نواياهم، وإشاعتهم للسوء في صفوف المؤمنين.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت. كيف موقع حرف الاستدراك؟ قلت: لما كان قوله وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ معطيا معنى نفى خروجهم واستعدادهم للغزو، قيل: وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ، كأنه قيل: ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم، كما تقول.

ما أحسن إلى زيد ولكن أساء إلى، .

وقال الجمل. وهاهنا يتوجه سؤال، وهو أن خروج المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة، فإن كان فيه مصلحة فلم قال: وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وإن كان فيه مفسدة فلماذا عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم في إذنه لهم في القعود؟

والجواب عن هذا السؤال: أن خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه مفسدة عظيمة: بدليل أنه- سبحانه- أخبر بتلك المفسدة بقوله لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا.

بقي أن يقال. فلم عاتب الله نبيه بقوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فنقول: إنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم قبل إتمام الفحص، وإكمال التدبير والتأمل في حالهم، فلهذا السبب قال- تعالى- لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ وقيل إنما عاتبه لأجل أنه أذن لهم قبل أن يوحى إليه في أمرهم بالقعود .

وقوله. وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ تذييل المقصود منه ذمهم ووصفهم بالجبن الخالع، والهمة الساقطة، لأنهم بقعودهم هذا سيكونون مع النساء والصبيان والمرضى والمستضعفين الذين لا قدرة لهم على خوض المعارك والحروب.

قال الآلوسى. وقوله: وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ: تمثيل لخلق الله داعية القعود فيهم، وإلقائه كراهة الخروج في قلوبهم بالأمر بالقعود أو تمثيل لوسوسة الشيطان بذلك فليس هناك قول حقيقة. ويجوز أن يكون حكاية قول بعضهم لبعض أو حكاية لإذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في القعود، فيكون القول على حقيقته.

هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية. أن الفعل يحسن بالنية ويقبح بها.

أيضا.، وإن استويا في الصورة، لأن النفير واجب مع نية النصر. وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح، وذلك لأنه. تعالى. أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل من إرادة المكر بالمسلمين.

ومنها: أن للإمام أن يمنع من يتهم بمضرة المسلمين من الخروج للجهاد حماية لهم من شروره ومفاسده.

ومنها: أن إعداد العدة للجهاد أمر واجب، وقد قال- تعالى- في آية أخرى:

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ.

يقول تعالى : ( ولو أرادوا الخروج ) أي : معك إلى الغزو ( لأعدوا له عدة ) أي : لكانوا تأهبوا له ، ( ولكن كره الله انبعاثهم ) أي : أبغض أن يخرجوا معك قدرا ، ( فثبطهم ) أي : أخرهم ، ( وقيل اقعدوا مع القاعدين ) أي : قدرا .

القول في تأويل قوله : وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو أراد هؤلاء المستأذنوك، يا محمد، في ترك الخروج معك لجهاد عدوّك، الخروجَ معك =(لأعدوا له عدة)، يقول: لأعدوا للخروج عدة, ولتأهّبوا للسفر والعدوِّ أهْبَتهما (30) =(ولكن كره الله انبعاثهم)، يعني: خروجهم لذلك (31) (فثبطهم)، يقول: فثقَّل عليهم الخروجَ حتى استخفُّوا القعودَ في منازلهم خِلافك, واستثقلوا السفر والخروج معك, فتركوا لذلك الخروج =(وقيل اقعدوا مع القاعدين)، يعني: اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون، ومع النساء والصبيان, واتركوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدين في سبيل الله. (32)

* * *

وكان تثبيط الله إياهم عن الخروج مع رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به, لعلمه بنفاقهم وغشهم للإسلام وأهله, وأنهم لو خرجوا معهم ضرُّوهم ولم ينفعوا. وذكر أن الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود كانوا: " عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول ", و " الجد بن قيس ", ومن كانا على مثل الذي كانا عليه. كذلك:-

16770- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: كان الذين استأذنوه فيما بلغني، من ذوي الشرف، منهم: عبد الله بن أبيّ ابن سلول, والجدّ بن قيس, وكانوا أشرافًا في قومهم, فثبطهم الله، لعلمه بهم، أن يخرجوا معهم، (33) فيفسدوا عليه جنده. (34)

-------------------

الهوامش :

(30) انظر تفسير " أعد " ، فيما سلف ص : 31 .

(31) انظر تفسير "الكره" فيما سلف 8 : 104 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك. - وتفسير "البعث" فيما سلف 11: 407 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.

(32) انظر تفسير " القعود " فيما سلف 9 : 85 .

(33) في المطبوعة والمخطوطة : "يخرجوا معهم" وفي سيرة ابن هشام: "معه".

(34) الأثر : 16770 - سيرة ابن هشام 4 : 194 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16762 . وكان في المخطوطة: "فيفسدوا عليه حسه" غير منقوطة، فاسدة الكتابة. والذي في المطبوعة مطابق لما في سيرة ابن هشام، وهو الصواب.

التدبر :

وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ﴾ لن تظهر الأعمال في أنحاء الدروب؛ ما لم تبذر الإرادات في أعماق القلوب.
وقفة
[46] إرادة الخير لا تكفي حتى يدل عليها الاستعداد بالعمل ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ﴾.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ من علامات التوفيق وأمارات السابقين: الاستعداد للطاعة قبل دخول وقتها.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ تشكو عدم القيام لصلاة الفجر، وأنت كل يوم تنام متأخرًا، ولا تضبط منبهك ليوقظك!
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ ويحك! من عزم على شيء من الخير، فعلامة صدقه أن يبذل له أسبابه.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ من دلائلِ الإيمانِ الاستعدادُ للطّاعةِ قبل وقتِ الطّاعةِ.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ إذا جاء ذو الحجة قال: «ليس معي شيء», ولو كان صادق العزم على الحج, لادخر من كماليته في الأشهر الماضية.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ لن أحدّثك عن أعذاري الواهية في إخفاقاتي عن تحقيق مشاريعي، سأحدّثك عن ضعف إرادة قلبي فقط.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ آية تفضح النفوس وما فيها، ما استيقظ لصلاة الفجر، ولو (أراد) لاستيقظ، الأخذ بالأسباب دليل على صدق الإرادة.
وقفة
[46] من عزم على فعل خير لا بد أن يبذل سببه ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾.
وقفة
[46] صدق التأهب للقاء هو مفتاح جميع الأعمال الصالحة والأحوال الإيمانية ومقامات السالكين إلى الله ومنازل السائرين إليه ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾.
وقفة
[46] الإرادة الصادقة يتبعها سلوك واضح ومن عزم على فعل الخير فلابد أن يبذل سببه ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ أعد العدة؛ لتربح تجارتك.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ قبل الموسم تاجر الدنيا: يتفقد بضائعه ومستودعه، وتاجر الآخرة: يتفقد قلبه ويستعد بخطة أعمال ليربح الإستثمار، ويتهيأ لذلك.
وقفة
[46] مع إقبال رمضان؛ حريٌّ بالعبد أن يتدبر هذه الآية: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾، ومِنْ أعظم العُدَد التي يستقبل بها هذا الشهر: تصفية قلبك من الذنوب -وهذا حق الله- ومن الضغائن التي بينك وبين العباد، وإلا فيخشى أن يصاب العبد بنهاية الآية: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ﴾، ولا يظلم ربك أحدًا.
وقفة
[46] ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ أي: لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبة السفر؛ فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف.
عمل
[46] إذا حبست عن طاعة، فكن على وجل من أن تكون ممن خذلهم الله، وثبطهم عن الطاعة كما ثبط المنافقين عن الخروج للجهاد، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾.
لمسة
[46] ﴿لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ عدة نكرة في سياق الإثبات فتفيد الإطلاق، أي أي عدة، الذي لا يبذل أقل أنواع الاستعداد دنيء الهمة؛ ليس في قلبه أدنى درجات الإرادة.
وقفة
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ إذا أعاقتك الصوارف عن زيارة بيت الله؛ فَخَفْ أن يكون الله قد كره لقاءك فثبطك!
وقفة
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ كثرة التكاسل عن الطاعات علامة مخيفة، توحي بأن العبد مطرود من رحاب الله، وعليه أن يعود فورًا.
وقفة
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ حين تتخلَّف عن مجالس الذكر ومساعي الخير وسُبل البر؛ احذر أن تكون مِمَّن كره الله انبعاثهم.
وقفة
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ لسوء طويتهم ونفاقهم وارتياب قلوبهم واضراب يقينهم؛ استحقوا أن يسقط الله هممهم ويصرف شرهم.
وقفة
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ كثرة التكاسل عن الطاعات يوحي بأمرٍ مخيف، يوحي بأن العبد مطرود، ولابد من العودة فورًا.
عمل
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ إذا أبعدتكَ الشواغلُ عن تأديةِ طاعةٍ؛ فاحذرْ أن يكون اللهُ قد كرهَ رؤيتَك وأنت تؤدّيْها فأبعدَكَ بالشّواغِل.
عمل
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ إذا أشغلتك التوافه عن قراءة القرآن فاحذر أن يكون الله كره سماع صوتك وأنت تقرأ كتابه فأشغلك بالتوافه.
عمل
[46] ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ إذا عاقتك الصوارف عن المُكث في بيت الله؛ فاحذر أن يكون سبحانه قد كره بقاءك في بيته فأعاقك بالصوارف.
عمل
[46] لا تتأثروا لخذلان بعض الناس لكم، فقد يكون الله ثبطهم لفسادٍ عَلِمه أنه سيكون لو كانوا معكم، فكرِهَ معيتهم لكم ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾.
وقفة
[46] الكسل عن الطاعات من علامات النفاق ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾، ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ [النساء: 142].
وقفة
[46] إذا كره الله قُرْبك أَقْفَل عليك كل سبل الطاعة، حتى لسانك قد ينسيه ذكره، اللهم لا تحرمنا بسوء أعمالنا ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾.
وقفة
[46] ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ الله انْبِعَاثَهمْ فَثَبطهُمْ وَقِيلَ اقْعدوا مَع القَاعِدِينَ﴾ إن قلتَ: كيف أمرهم بالقعود عن الجهاد، مع أنه ذمهم عليه؟ قلت: إنما أمرهم بذلك أمر توبيخ، كقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: 40]، بقرينة قوله: ﴿مَع القَاعِدِينَ﴾ أي من النّساء، والصِّبيان، والزمنَى، الذين شأنُهم القعودُ في البيوت، أو الآمِر لهم إنما هو الشيطان بالوسوسة، أو بعضهم بعضًا.
وقفة
[46] من علامات عدم توفيق الله للإنسان: أن يُزهِّده في الحق ويُثقِّله عليه حتى يتكاسل عنه ﴿ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين﴾.
عمل
[46] ضع اليوم خطة، وجهِّز استعدادت لفعل الخير، واجعله يشغل حيزًا من تفكيرك، وأن لا يحرمك منه بسبب ذنوبك ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾.
عمل
[46] لا تجزع من الألم، ولا تخف من المعاناة، فربما كانت قوة لك ومتاعًا إلى حين، فإنك إن تعش مشبوب الفؤاد، محروق الجوى، ملذوع النفس، أرق وأصفى من أن تعيش بارد المشاعر، فاتر الهمة، خامد النفس، وتأمل: ﴿ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين﴾.
عمل
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ أسقط هذه الآية على صلاة الفجر، وعالج بها کسلك وتسويفك!
وقفة
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ هناك وهن يضرب ساقيه فلا يستطيع النهوض للخير، وألم يدهم أصابعه عن كتابة الحق، وكسل يشل تفكيره عن تأمل آية.
وقفة
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ إذا كره الله الطاعة منك خلق العقبات بينك وبينها، فاحذر.
وقفة
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ تلك الحكمة التي تمنعك من الاحتساب ولو بكلمة، قد تكون كرهًا من الله لكلماتك الباردة.
وقفة
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ ليس لثقل النوم في صلاة الفجر أمرٌ ولا نهي، هو حب يسكن القلب، فيذهب نوم الرأس!
عمل
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ لا تتحسر على قوم تخلفوا عن نصرة الحق، لا خير في قوم كره الله نصرتهم.
عمل
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ إذا رأيت نفسك متكاسلًا عن الطاعة، فاحذر أن يكون الله قد كره طاعتك.
وقفة
[46] ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ إذا ثقلت همّتك عن القيام بعبادة أو عمل صالح أو طاعة؛ فراجع نفسك، وتفقد قلبك، واستغفر الله، فربما تكون ممن كره الله انبعاثهم فثبّطهم.
وقفة
[46] حب الطاعة نعمة لا يُوفق الله إليها إلا من يحبه ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 7]، ومن كرهه صرفه عنها ﴿كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم- حرف امتناع لامتناع-. أرادوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الخروج: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً:
  • اللام: واقعة في جواب «لَوْ» أعدّوا: تعرب إعراب «أَرادُوا». له: جار ومجرور متعلق بأعدّوا. عدة: مفعول به منصوب بالفتحة والجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ:
  • الواو: زائدة. لكن: حرف استدراك لا عمل له لأنه مخفف- مهمل-. كره: فعل ماض مبني على الفتح. الله:فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. انبعاث: مفعول به منصوب بالفتحة.و«هم»: ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَثَبَّطَهُمْ:
  • الفاء: سببية. ثبط: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل:ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَقِيلَ اقْعُدُوا:
  • الواو: استئنافية. قيل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. اقعدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «اقْعُدُوا» في محل رفع نائب فاعل لقيل.
  • ﴿ مَعَ الْقاعِدِينَ:
  • ظرف مكان يدل على المصاحبة والاجتماع متعلق «باقعدوا» في محل نصب على الظرفية المكانية وهو مضاف. القاعدين: مضاف اليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

التوبة: 46﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
التوبة: 83﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَـ اقْعُدُوا مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل أنَّ تخَلُّفَ المنافقين كانَ بغيرِ عذرٍ، ذكرَ هنا الدليلَ، وهو تركُهم الاستعدادَ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّه كَرِهَ خروجَهم فثَقُلَ عليهم الخروجُ، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عدة:
وقرئ:
1- بضم العين من غير تاء، وهى قراءة محمد بن عبد الملك بن مروان، وابنه.
والفراء يقول: تسقط التاء للإضافة، وجعل من ذلك: وإقام الصلاة أي: وإقامة الصلاة.
2- بكسر العين وهاء إضمار، وهى قراءة زر بن حبيش، وأبان عن عاصم.
3- عدة، بكسر العين وبالتاء، دون إضافة.

مدارسة الآية : [47] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ ..

التفسير :

[47] لو خرج المنافقون معكم -أيها المؤمنون- للجهاد لنشروا الاضطراب في الصفوف والشر والفساد، ولأسرعوا السير بينكم بالنميمة والبغضاء، يريدون فتنتكم بتثبيطكم عن الجهاد في سبيل الله، وفيكم -أيها المؤمنون- عيون لهم يسمعون أخباركم، وينقلونها إليهم. والله عليم به

ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال ‏{‏لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا‏}‏ أي‏:‏ نقصا‏.‏

‏{‏وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين، ‏{‏يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ‏}‏ أي‏:‏ هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم‏.‏

‏{‏وَفِيكُمْ‏}‏ أناس ضعفاء العقول ‏{‏سَمَّاعُونَ لَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا هم حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم‏.‏ فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم، فللّه أتم الحكمة حيث ثبطهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم، ولطفا من أن يداخلهم ما لا ينفعهم، بل يضرهم‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏}‏ فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم‏.‏

ثم بين- سبحانه- المفاسد المترتبة على خروج المنافقين في جيش المؤمنين فقال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، وأصل الخبال. الاضطراب والمرض الذي يؤثر في العقل كالجنون ونحوه. أو هو الاضطراب في الرأى.

أى: لو خرج هؤلاء المنافقون معكم أيها المؤمنون إلى تبوك ما زادوكم شيئا من الأشياء إلا اضطرابا في الرأى وفسادا في العمل، وضعفا في القتال، لأن هذا هو شأن النفوس المريضة التي تكره لكم الخير، وتحب لكم الشر.

قال الآلوسى. والاستثناء مفرغ متصل، والمستثنى منه محذوف، ولا يستلزم أن يكون لهم خبال حتى لو خرجوا زادوه لأن الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء.

وقال أبو حيان: إنه كان في تلك الغزوة منافقون لهم خبال فلو خرج هؤلاء أيضا واجتمعوا بهم زاد الخبال، فلا فساد في ذلك الاستلزام لو ترتب .

وقوله: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ معطوف على قوله: «ما زادوكم» . والإيضاع. كما يقول القرطبي. سرعة السير قال الراجز.

يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع

يقال: وضع البعير. إذا أسرع في السير، وأوضعته. حملته على العدو.

والخلل الفرجة بين الشيئين. والجمع الخلال، أى: الفرج التي تكون بين الصفوف وهو هنا ظرف مكان بمعنى بين، ومفعول الإيضاع محذوف، أى. ولأسرعوا بينكم ركائبهم بالوشايات والنمائم والإفساد.

ففي الكلام استعارة تبعية، حيث شبه سرعة إفسادهم لذات البين بسرعة سير الراكب، ثم استعير لها الإيضاع وهو الإبل وأصل الكلام ولأوضعوا ركائبهم، ثم حذفت الركائب.

وجملة يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ في محل نصب على الحال من فاعل (أوضعوا) .

أى: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا شرا وفسادا، ولأسرعوا بينكم بالإشاعات الكاذبة، والأقوال الخبيثة، حال كونهم باغين وطالبين لكم الافتتان في دينكم، والتشكيك في صحة عقائدكم، والتثبيط عن القتال، والتخويف من قوة أعدائكم، ونشر الفرقة في صفوفكم.

فالمراد بالفتنة هنا: كل ما يؤدى إلى ضعف المسلمين في دينهم أو في دنياهم.

وقوله: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ بيان لأحوال المؤمنين في ذلك الوقت.

أى. وفيكم. في ذلك الوقت. يا معشر المؤمنين، أناس كثير والسماع لهؤلاء المنافقين، سريعو الطاعة لما يلقون إليهم من أباطيل.

قال ابن كثير. قوله: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أى: مطيعون لهم، ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدى إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير.

وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير، (وفيكم سماعون لهم) أى: عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم.

وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عام في جمع الأحوال.

والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق. وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.

وقال محمد بن إسحاق: كان الذين استأذنوا، فيما بلغني، من ذوى الشرف، منهم عبد الله بن أبى بن سلول، والجد بن قيس، وكانوا أشرافا في قومهم، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده. وكان في جنده قوم أهل محبة لهم، وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فقال: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ.

وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ تذييل المقصود منه وعيد هؤلاء المنافقين وتهديدهم بسبب ما قدمت أيديهم من مفاسد.

أى: والله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أحوال هؤلاء الظالمين، وسيعاقبهم بالعقاب المناسب لجرائمهم ورذائلهم.

وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد وضحت أن هناك ثلاث مفاسد كانت ستترتب على خروج هؤلاء المنافقين مع المؤمنين إلى تبوك.

أما المفسدة الأولى: فهي زيادة الاضطراب والفوضى في صفوف المجاهدين.

وأما المفسدة الثانية: فهي الإسراع بينهم بالوشايات والنمائم والإشاعات الكاذبة.

وأما المفسدة الثالثة: فهي الحرص على تفريق كلمتهم، وتشكيكهم في عقيدتهم.

وهذه المفاسد الثلاث ما وجدت في جيش إلا وأدت إلى انهزامه وفشله.

ومن هنا كان تثبيط الله- تعالى- لهؤلاء المنافقين، نعمة كبرى للمؤمنين.

ومن هنا- أيضا- كانت الكثرة العددية في الجيوش لا تؤتى ثمارها المرجوة منها، إلا إذا كانت متحدة في عقيدتها، وأهدافها، واتجاهاتها.. أما إذا كانت هذه الكثرة مشتملة على عدد كبير من ضعاف الإيمان، فإنها في هذه الحالة يكون ضررها أكبر من نفعها.

ثم بين [ الله تعالى ] وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) أي : لأنهم جبناء مخذولون ، ( ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ) أي : ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة ، ( وفيكم سماعون لهم ) أي : مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم ، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم ، فيؤدي هذا إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير .

وقال مجاهد ، وزيد بن أسلم ، وابن جرير : ( وفيكم سماعون لهم ) أي : عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم .

وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ، بل هذا عام في جميع الأحوال ، والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق ، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين .

وقال محمد بن إسحاق : كان - فيما بلغني - من استأذن من ذوي الشرف منهم : عبد الله بن أبي ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله - لعلمه بهم - أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده ، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم ، فقال : ( وفيكم سماعون لهم ) .

ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال : ( والله عليم بالظالمين ) فأخبر بأنه [ يعلم ] ما كان ، وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؛ ولهذا قال تعالى : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا ، كما قال تعالى : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 28 ] وقال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) [ الأنفال : 23 ] وقال تعالى : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ) [ النساء : 66 - 68 ] والآيات في هذا كثيرة .

القول في تأويل قوله : لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لو خرج، أيها المؤمنون، فيكم هؤلاء المنافقون =(ما زادوكم إلا خبالا)، يقول: لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فسادًا وضرًّا، ولذلك ثبَّطتُهم عن الخروج معكم.

* * *

وقد بينا معنى " الخبال "، بشواهده فيما مضى قبل. (35)

* * *

(ولأوضعوا خلالكم)، يقول: ولأسرعوا بركائبهم السَّير بينكم.

* * *

وأصله من " إيضاع الخيل والركاب ", وهو الإسراع بها في السير, يقال للناقة إذا أسرعت السير: " وضعت الناقة تَضَع وَضعًا ومَوْضوعًا ", و " أوضعها صاحبها "، إذا جدّ بها وأسرع، " يوضعها إيضاعًا "، ومنه قول الراجز: (36)

يَـــا لَيْتَنِـــي فِيهَـــا جَــذَعْ

أَخُــــبُّ فِيهَــــا وَأَضَـــعْ (37)

* * *

وأما أصل " الخلال "، فهو من " الخَلَل "، وهي الفُرَج تكون بين القوم، في الصفوف وغيرها. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ لا يَتَخَلَّلكُمْ [الشَّيَاطين، كأنها] أَوْلادُ الحذَفِ". (38)

* * *

وأما قوله: (يبغونكم الفتنة)، فإن معنى: " يبغونكم الفتنة "، يطلبون لكم ما تفتنون به، عن مخرجكم في مغزاكم, بتثبيطهم إياكم عنه. (39)

* * *

يقال منه: " بغيتُه الشر ", و " بغيتُه الخير " " أبغيه بُغاء "، إذا التمسته له, بمعنى: " بغيت له ", وكذلك " عكمتك " و " حلبتك ", بمعنى: " حلبت لك "، و " عكمت لك ", (40) وإذا أرادوا: أعنتك على التماسه وطلبه, قالوا: " أبْغَيتُك كذا "، و " أحلبتك "، و " أعكمتك "، أي: أعنتك عليه. (41)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16771- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (ولأوضعوا خلالكم)، بينكم =(يبغونكم الفتنة)، بذلك.

16772- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (ولأوضعوا خلالكم)، يقول: [ولأوضعوا بينكم]، خلالكم، بالفتنة. (42)

16773- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة)، يبطئونكم قال: رفاعة بن التابوت, وعبد الله بن أبيّ ابن سلول, وأوس بن قيظيّ.

16774- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (ولأوضعوا خلالكم)، قال: لأسرعوا الأزقة (43) =(خلالكم يبغونكم الفتنة)، يبطِّئونكم = عبد الله بن نبتل, ورفاعة بن تابوت, وعبد الله بن أبي ابن سلول.

16775-...... قال حدثنا الحسين قال، حدثني أبو سفيان, عن معمر, عن قتادة: (ولأوضعوا خلالكم)، قال: لأسرعوا خلالكم يبغونكم الفتنة بذلك.

16776- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا)، قال: هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك. يسلِّي الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فقال: وما يُحزنكم؟(لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا)، ! يقولون: " قد جُمع لكم، وفُعِل وفُعِل, يخذِّلونكم " =(ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة)، الكفر.

* * *

وأما قوله: (وفيكم سَمَّاعون لهم)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.

فقال بعضهم: معنى ذلك: وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يؤدُّونه إليهم، عيون لهم عليكم.

* ذكر من قال ذلك:

16777- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وفيكم سماعون لهم)، يحدِّثون أحاديثكم, عيونٌ غير منافقين.

16778- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (وفيكم سماعون لهم)، قال: محدِّثون، عيون، غير المنافقين. (44)

16779- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وفيكم سماعون لهم)، يسمعون ما يؤدُّونه لعدوِّكم.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفيكم من يسمع كلامهم ويُطيع لهم.

* ذكر من قال ذلك:

16780- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وفيكم سماعون لهم)، وفيكم من يسمع كلامهم.

16781- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: كان الذين استأذنوا، فيما بلغني من ذوي الشرف، منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، والجدُّ بن قيس, وكانوا أشرافًا في قومهم, فثبطهم الله، لعلمه بهم: أن يخرجوا معهم، فيفسدوا عليه جُنده. وكان في جنده قوم أهلُ محبةٍ لهم وطاعةٍ فيما يدعونهم إليه، لشرفهم فيهم, فقال: (وفيكم سمَّاعون لهم). (45)

قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل: وفيكم أهلُ سمع وطاعة منكم، لو صحبوكم أفسدوهم عليكم، بتثبيطهم إياهم عن السير معكم.

وأما على التأويل الأول, فإن معناه: وفيكم منهم سمَّاعون يسمعون حديثكم لهم, فيبلغونهم ويؤدونه إليهم، عيون لهم عليكم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين عندي في ذلك بالصواب، تأويلُ من قال: معناه: " وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يبلغونه عنكم، عيون لهم ", لأن الأغلب من كلام العرب في قولهم: " سمَّاع ", وصف من وصف به أنه سماع للكلام, كما قال الله جل ثناؤه في غير موضع من كتابه: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [سورة المائدة: 41]، واصفًا بذلك قومًا بسماع الكذب من الحديث. وأما إذا وصفوا الرجل بسماع كلام الرجل وأمره ونهيه وقبوله منه وانتهائه إليه فإنما تصفه بأنه: " له سامع ومطيع ", ولا تكاد تقول: = " هو له سماع مطيع ". (46)

* * *

وأما قوله: (والله عليم بالظالمين)، فإن معناه: والله ذو علم بمن يوجّه أفعاله إلى غير وجوهها، ويضعها في غير مواضعها, ومن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعذر، ومن يستأذنه شكًّا في الإسلام ونفاقًا, ومن يسمع حديث المؤمنين ليخبر به المنافقين، ومن يسمعه ليسرَّ بما سُرَّ به المؤمنون، (47) ويساء بما ساءهم, لا يخفى عليه شيء من سرائر خلقه وعلانيتهم. (48)

* * *

وقد بينا معنى " الظلم " في غير موضع من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (49)

------------------------

الهوامش:

(35) انظر تفسير "الخبال" فيما سلف 7 : 139، 140.

(36) هو دريد بن الصمة.

(37) سيرة ابن هشام 4 : 82 ، واللسان (وضع)، وغيرهما، وهذا رجز قاله دريد في يوم غزوة حنين، وكان خرج مع هوزان، عليهم مالك بن عوف النصري ، ودريد بن الصمة يومئذ شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخًا مجربًا . وكان مالك بن عوف كره أن يكون لدريد بن الصمة رأي في حربهم هذه أو ذكر ، فقال دريد: "هذا يوم لم أشهده ولم يفتني".

يَـــا لَيْتنِـــي فِيهـــا جَــذَعْ

أَخُــــبُّ فيهــــا وأَضَـــعْ

أَقُــــودُ وَطْفَــــاء الـــزَّمَعْ

كَأَنَّهَــــا شَــــاةٌ صَــــدَعْ

"الجذع"، الصغير الشاب. و "الخبب"، ضرب من السير كالوضع . ثم وصف فرسه فيما تمنى. "وطفاء"، طويلة الشعر، و "الزمعة" الهنة الزائدة الناتئة فوق ظلف الشاة. و "الشاة" هنا: الوعل وهو شاة الجبل. و "صدع" الفتى القوي من الأوعال.

(38) لم يذكر إسناده، وهو حديث مشهور، رواه أبو داود في سننه 1 : 252 ، رقم : 667، بغير هذا اللفظ، والنسائي في السنن 2 : 92 . والذي وضعته بين القوسين فيما رواه صاحب اللسان ، لأنه في السنن : " كأنها الحذف " ، وفي اللسان أيضًا " كأنها بنات حذف " . أما المطبوعة فقد ضم الكلام بعضه إلى بعض، مع أنه كان في المخطوطة ، بياض بين "لا يتخللكم" ، وبين "أولاد الحذف" ، وفي الهامش حرف ( ط ) دلالة على الخطأ .

و " الحذف " ضأن سود جرد صغار ، ليس لها آذان ولا أذناب ، يجاء بها إلى الحجاز من جرش اليمن ، واحدتها " حذفة " (بفتحتين)، شبه الشياطين بها .

(39) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف ص : 86 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(40) "عكمه" و "عكم له" ، هو أن يسوي له الأعدال على الدابة ويشدها.

(41) انظر تفسير "بغى" فيما سلف 13 : 84 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

ثم انظر مثل هذا التفصيل فيما سلف 7 : 53 .

(42) في المطبوعة والمخطوطة: "ولأضعوا أسلحتهم خلالكم بالفتنة" ، وهو لا يفيد معنى، وظني أن "أسلحتهم" هي "بينكم" وهو تفسير "خلالكم" كما مر في أثر قتادة السالف، ولكنه أخر اللفظ الذي فسره وهو "خلالكم".

(43) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "الأزقة"، وهو جمع "زقاق" "بضم الزاي"، وهو الطريق الضيق، دون السكة، وجعل "الأزقة" مفعولا لقوله: "أسرعوا"، غريب، وأخشى أن يكون في الكلام خلل أو تصحيف.

(44) في المطبوعة : "غير منافقين"، وأثبت ما في المخطوطة.

(45) الأثر : 16781 - صدر هذا الخبر مضى برقم : 16770 ، وساقه هنا فيما بعد ، وهو في سيرة ابن هشام 4 : 194 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16762.

(46) انظر تفسير " سماع " فيما سلف 10 : 309.

(47) في المطبوعة: "بما سر المؤمنين"، وفي المخطوطة: "بما سر المؤمنون" ، وصوابها ما أثبت.

(48) انظر تفسير "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).

(49) انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلم ).

التدبر :

وقفة
[47] ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم﴾ من عناية الله بالمؤمنين تثبيطه المنافقين ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين، رحمة بالمؤمنين ولطفًا من أن يداخلهم من لا ينفعهم بل يضرهم.
لمسة
[47] ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم﴾ لم يقل (معكم)، وإنما قال: (فيكم)؛ وكأنهم إذا خرجوا تخللت دسائسهم ومؤامرتهم بين المؤمنين، ففرقت لُحمتهم.
وقفة
[47] ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ قعود البعض رحمة.
وقفة
[47] ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ البعد عن مصادر الطاقة السلبية بكل أنواعها ودرجاتها.
وقفة
[47] أضر شيء بالجهاد المتحد تخلل صفوفه بمرجفين ومخذلين؛ لذا نص الفقهاء على ردهم ومنعهم من الغنائم عقوبة لهم ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾.
وقفة
[47] ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ أي مجتمع مليء بالاضطرابات والتنافسات والمهاترات فابحث فيه عن منافق.
وقفة
[47] ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ فإن قلتَ: إذا علم اللهُ أن المنافقين، لو خرجوا مع المؤمنين للجهاد ما زادوهم إلَّا خبالًا أي فسادًا، ولأوضعوا خلالهم أي لأسرعوا في السَّعي بينهم بالنميمة، فكيف أمرهم بالخروج مع المؤمنين؟ قلتُ: أمرهم بالخروج لِإلزامهم الحجَّة، ولإِظهار نفاقهم.
وقفة
[47] ﴿لَوْ خَرَجُوا﴾ يعني: المنافقين، ﴿فِيكُم﴾ أي: معكم، ﴿مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ أي: فسادًا وشرًا، ومعنى الفساد: إيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمور، ﴿وَلَأَوْضَعُوا﴾ أي: أسرعوا، ﴿خِلَالَكُمْ﴾ أي: وسطكم؛ بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة، ونقل الحديث من البعض إلى البعض.
عمل
[47] ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ لا تحزن عن تخلي البعض عنك، فوجودهم قد يكون بلاء.
وقفة
[47] ﴿مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ أي أن قدرًا من الخبال والضعف موجود في الصف الإسلامي، وهو قدر بشري مغفور بإذن الله، ولكنه يزيد بهم.
وقفة
[47] ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ لا يسعى أحد بكلمة يفرق فيها بين المؤمنين؛ إلا لمرض في قلبه.
وقفة
[47] ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ كلما تعرضت الأمة لأحداث جسام نشط المنافقون للتفريق بين المؤمنين، واستدعاء التاريخ لإيغار صدورهم.
وقفة
[47] ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ الركض اللاهث لتفجير جسور التواصل، وتلغيم القلوب.
وقفة
[47] من عادة المنافقين: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ إنه الركض اللاهث لتفجير جسور التواصل، وتلغيم القلوب.
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ إذا كان حال بعض المنافقين اختلط على بعض الصحابة، فلا تغتر بتزكية عالم ما لمنافق ظهر نفاقه لك بأدلة كالشمس.
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ هم مؤمنون يصغون لأقوال المنافقين، أو مجموعة من المنافقين بين المؤمنين يسمعون لأصحابهم المنافقين ويؤيدون أقوالهم، إن مجرد سماعك للإشاعة هو جزء من خطة المنافق.
عمل
[47] تأمل قول الله عن المنافقين: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾.
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ هم مؤمنون يصغون لأقوال المنافقين، أو هم زمرة من المنافقين بين المؤمنين يسمعون لأصحابهم ويؤيدون أقوالهم، مجرد السماع دعم.
عمل
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ لا تكن أنت الحلقة الأضعف في وجه مؤامرات أحفاد ابن سلول.
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ هذا دين إنصاف: فلن تغدو منافقًا بمجرد سماعك للمنافق، ولكنك على خطر عظيم.
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ قد يصلي في المسجد مع الجماعة، ويكون ممن يصومون ويتصدقون؛ ولكنه مغتر بالمنافقين سمَّاع لهم، تنطلي عليه حيلهم، والله المستعان.
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ رغم نزول القرآن الكريم في فضح طوائف المنافقين، إلا أن بعض الناس لا يزال يستمع ويقتنع بما يقوله خصمه وعدوه.
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ لا ينبغي لعاقل أن يسمع قول قائل أو يستنصحه في أمره حتى يتبين من حاله؛ كي لا يؤدي ذلك إلى وقوع شرٍّ عظيم، وفساد كبير.
وقفة
[47] في الحياة مهما بلغت في عقلك وسعة ادراكك؛ لن ترى الصورة كاملة ما دمت تسمع من طرف واحد ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾.
لمسة
[47] (سمّاع) لم يستعملها القرآن إلا في الذمّ: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾، ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [المائدة: 41]، و(سميع) استعملها تعالى لنفسه: ﴿وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 224]، وفي الثناء على الإنسان: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: 2].
وقفة
[47] ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ أخبر أن في المؤمنين من يستجيب للمنافقين، ويقبل منهم، فإذا كان هذا في عهد النبي ﷺ كان استجابة بعض المؤمنين لبعض المنافقين فيما بعده أولى.

الإعراب :

  • ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ:
  • لو: حرف شرط غير جازم. خرجوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. فيكم: جار ومجرور متعلق بخرجوا والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ ما زادُوكُمْ:
  • الجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها. ما: نافية لا عمل لها: زادوا: تعرب إعراب «خَرَجُوا» الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم وعلامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِلَّا خَبالًا:
  • إلّا: أداة استثناء: خبالا: مستثنى بالّا منصوب بالفتحة. وهو استثناء متصل بتقدير ما زادوكم شيئا إلّا خبالا لأن الخبال بعض أعمّ العام لأن المستثنى فيه هذا القول الكريم غير مذكور وفي حالة عدم ذكره وقع الاستثناء من أعم العام.
  • ﴿ وَلَأَوْضَعُوا:
  • معطوفة بالواو: على «ما زادُوكُمْ» لأن الأصل «لما زادوكم» فسقطت اللام الواقعة في جواب «لَوْ» وثبتت في» لَأَوْضَعُوا» و «أوضعوا» بمعنى: أسرعوا» تعرب إعراب «زادوا».
  • ﴿ خِلالَكُمْ:
  • بمعنى: فلسعوا بينكم بالنميمة أو الهزيمة. خلال: ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بأوضعوا وهو مضاف. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ:
  • بمعنى يطلبون لكم أي يحاولون أن يفتنوكم. يبغون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. الفتنة: مفعول به منصوب بالفتحة
  • ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ:
  • الواو: حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. فيكم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. سماعون: مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. وجملة «يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ» في محل نصب حال. لهم جار ومجرور متعلق بسماعون و «هم»: ضمير الغائبين في محل جر باللام.
  • ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. عليم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بالظالمين. جار ومجرور متعلق بعليم وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عن عن التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

الأنعام: 58﴿قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۗ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ
البقرة: 95﴿وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
البقرة: 246﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
التوبة: 47﴿يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
الجمعة: 7﴿وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل أنَّه كرِه خروجَ المنافقين، وثبَّطهم؛ بَيَّنَ هنا المفاسد الحاصلة من خروجهم في جيش المؤمنين (2- إشاعة الفتنة في صفوف الجيش الإسلامى متى وجدوا فيه)، قال تعالى:
﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ما زادوكم:
وقرئ:
ما زادكم أي: ما زادكم خروجهم، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
ولأوضعوا:
وقرئ:
1- ولأوفضوا أي: أسرعوا، وهى قراءة مجاهد، ومحمد بن زيد.
2- ولا رفضوا، بالراء، من: رفض، إذا أسرع، وهى قراءة ابن الزبير.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف