204107108109110111

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (107) الى الآية رقم (110) عدد الآيات (4)

العودةُ لبيانِ قبائحِ المنافقينَ وقصَّةِ مسجدِ الضِّرارِ الذي بناه المنافقونَ قبلَ تَبُوك ليكونَ وكرًا للتآمُرِ على الإسلامِ والمسلمينَ، فجاءتْ الآياتُ تفضَحُهم وتُبيِّنُ فضْلَ مسجدِ قُباءِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (111) الى الآية رقم (111) عدد الآيات (1)

بعد أن بَيَّنَ اللهُ فضائحَ المنافقينَ وقبائِحَهم وتخلفَهم عن غزوةِ تَبُوك، ذكرَ هنا جهادَ المؤمنينَ، وأنَّه تعالى اشتَرَى منهم أنفُسَهم وأموالَهم بأنَّ لهم الجنَّةَ، =

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟:   1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟:   إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم ::   التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية ::   هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة ::   أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة ::   التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة ::   حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة التوبة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ».
    • وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء.
    • عن إبراهيم قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ مَرَّةً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُجَاعِلَ -أي يدفع جُعالة لمن يخرج بدلًا عنه-، فِي بَعْثٍ خَرَجَ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ فَقُلْتُ لَهُ: «مَا لَكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُجَاعِلَ؟»، قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةَ؛ فَسَمِعْتُهَا تَحُثُّ عَلَى الْجِهَادِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم».
    • تمتاز بكثرة أسمائها، فهي تأتي بعد سورة الفاتحة في كثرة الأسماء، ومعظم هذه الأسماء أطلق عليها بسبب ما فيها من دلالات وصفات تفضح المنافقين.
    • هي آخر سور السبع الطِّوَال، وهي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة».
    • أفاضت في الحديث عن المنافقين وصفاتهم إفاضة لا توجد في غيرها من سور القرآن الكريم.
    • ذكرت فيها أحداث غزوة تبوك، وهي آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب 9 هـ.
    • أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، ولذا لم تذكر فئة إلا وحثتها على التوبة: كالكفار، والمشركين والمنافقين والعصاة والمؤمنين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر إلى التوبة والرجوع إلى الله قبل أن يفاجئنا الموت، وندعو كل الناس إلى ذلك.
    • أن نتعلم سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين.
    • أن نلزم الوفاء بالعهود مع المشركين إلى مدتها إلا إذا خانوا؛ فإن خانوا فيجب إخبارهم بنقض العهد: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ...﴾ (4).
    • أن نقرأ كلام الله على من حولنا من غير المسلمين؛ رجاء هدايتهم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ (6).
    • ألا نَأْمَن غير المسلمين، ولا نُسَلِّم لهم أنفسنا مهما كانت وعودهم؛ فإنهم لا يؤمَنون: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ﴾ (8).
    • أن نحذر اتخاذ بطانة من أعداء الدين: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ (16).
    • أن نتعلم أحكام التعامل مع الكفار من أهل الذمة وغيرهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾ (28).
    • ألا نوالي الكفار؛ حتى ولو كانوا من الأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (23).
    • أن تكون محبة الله ورسوله أغلى عندنا من كلّ شيء سواها: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (24).
    • ألا نقدم على محبة الله أحدًا: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ...﴾ (24).
    • أن نستبشِر؛ سيُصبحُ الإسلام هو الدينُ الذي يُعبَدُ اللهُ به في الأرضِ لا غيره: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (33). • أن نظهر الأشهر الهجرية في تعاملاتنا قدر الاستطاعة؛ فهي المقدمة عند الله، وهي من مظاهر الدين الإسلامي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ (36).
    • أن نلقي المحاضرات، أو نرسل رسائل عن خطر التحايل على الشريعة وأهمية مراقبة الله: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ﴾ (37).
    • ألا نشعر بالضعف إلا لله، ولا نطأطئ رؤوسنا لسواه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ (40).
    • أن نتبرع بشيء من أموالنا للجهات الخيرية؛ فهذا من الجهاد بالمال: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (41).
    • أن نستفتِح العِتابَ بأجملِ الكلماتِ؛ لنستميلَ قلبَ مَن نُعاتِبُ: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (43)، تأمَّلْ: بدأَ بالعَفوِ عن الخَطأِ قبلَ أن يعاتِبَه على ارتكابِه.
    • ألا نتأثر لخذلان بعض الناس لنا؛ فقد يكون الله ثبطهم لفسادٍ عَلِمه أنه سيكون لو كانوا معكم: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ (46).
    • ألا نخاف ولا نحزن من أقدار الدنيا؛ فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (51).
    • ألا نضع زكاة أموالنا إلا في المصارف التي حددها الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (60).
    • ألا نتناول شعائر الدين وأحكامه بسخرية واستهزاء، ولو على سبيل المزاح والضحك، فالخائض فيها على خطر عظيم: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (65، 66).
    • أن نحرص على الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنْكرِ مخالفة لحالِ المنافقين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ (67).
    • أن ندرس قصص الأنبياءِ حتى نكونَ من الذين يعتبرون ويتعظون إذا تُليتْ عليهم أنباءُ الرسلِ وأممهِم: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (70).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فإن الله علام الغيوب: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (78).
    • ألا نسخر من صدقة مسلم؛ ولو قلت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (79).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الحلم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (114).

تمرين حفظ الصفحة : 204

204

مدارسة الآية : [107] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا ..

التفسير :

[107] والمنافقون الذين بنوا مسجداً؛ مضارَّة للمؤمنين وكفراً بالله وتفريقاً بين المؤمنين؛ ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد «قباء» الذي يصلي فيه المسلمون، فيختلفَ المسلمون ويتفرقوا بسبب ذلك، وانتظاراً لمن حارب الله ورسوله من قبل -وهو أبو عامر الراهب الفاسق- ليكون

كان أناس من المنافقين من أهل قباء اتخذوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، يريدون به المضارة والمشاقة بين المؤمنين، ويعدونه لمن يرجونه من المحاربين للّه ورسوله، يكون لهم حصنا عند الاحتياج إليه، فبين تعالى خزيهم، وأظهر سرهم فقال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا‏}‏ أي‏:‏ مضارة للمؤمنين ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه ‏{‏وَكُفْرًا‏}‏ أي‏:‏ قصدهم فيه الكفر، إذا قصد غيرهم الإيمان‏.‏

‏{‏وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ ليتشعبوا ويتفرقوا ويختلفوا، ‏{‏وَإِرْصَادًا‏}‏ أي‏:‏ إعدادا ‏{‏لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ إعانة للمحاربين للّه ورسوله، الذين تقدم حرابهم واشتدت عداوتهم، وذلك كأبي عامر الراهب، الذي كان من أهل المدينة، فلما قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهاجر إلى المدينة، كفر به، وكان متعبدا في الجاهلية، فذهب إلى المشركين يستعين بهم على حرب رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

فلما لم يدرك مطلوبه عندهم ذهب إلى قيصر بزعمه أنه ينصره، فهلك اللعين في الطريق، وكان على وعد وممالأة، هو والمنافقون‏.‏ فكان مما أعدوا له مسجد الضرار، فنزل الوحي بذلك، فبعث إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من يهدمه ويحرقه، فهدم وحرق، وصار بعد ذلك مزبلة‏.‏

قال تعالى بعدما بين من مقاصدهم الفاسدة في ذلك المسجد ‏{‏وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا‏}‏ في بنائنا إياه ‏{‏إِلَّا الْحُسْنَى‏}‏ أي‏:‏ الإحسان إلى الضعيف، والعاجز والضرير‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏ فشهادة اللّه عليهم أصدق من حلفهم‏.‏

قال الإمام ابن كثير: سبب نزول هذه الآيات الكريمات، أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، وكان فيه عبادة في الجاهلية، وله شرف في الخزرج كبير، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة، واجتمع المسلمون عليه وصار للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم الله يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز العداوة، وظاهر بها، وخرج فارا إلى كفار مكة ليمالئهم على حرب المسلمين فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام «أحد» فكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم الله- تعالى- وكانت العاقبة للمتقين.

وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين، فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيب في ذلك اليوم، فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى والسفلى وشج رأسه. وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار، فخاطبهم، واستمالهم إلى نصره وموافقته. فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله لك عينا يا فاسق يا عدو الله، ونالوا منه وسبوه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره- إلى مكة- وقرأ عليه القرآن، فأبى أن يسلم وتمرد. فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيدا طريدا فنالته هذه الدعوة.

وذلك أنه لما فرغ الناس من «أحد» ورأى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم، فوعده ومناه، وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم، أنه سيقدم بجيش ليقاتل به النبي صلى الله عليه وسلم ويغلبه، ويرده عما هو فيه. وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه، ويكون مرصدا له إذا قدم عليه بعد ذلك.

فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وجاءوا فسألوه أن يأتى إليهم فيصلى في مسجدهم، ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم، وأهل العلة في الليلة الشاتية!! فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: «إنا على سفر ولكنا إذا رجعنا- إن شاء الله- أتيناكم فصلينا لكم فيه» .

فلما قفل راجعا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر، والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم. مسجد قباء. الذي أسس من أول يوم على التقوى فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسجد الضرار من هدمه قبل مقدمه إلى المدينة وقوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ منصوب على الذم.

أى: وأذم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا.. أو معطوف على ما سبق من أحوال المنافقين، والتقدير: ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا.

وقوله «ضرارا» مفعول لأجله أى: اتخذوا هذا المسجد لا من أجل العبادة والطاعة لله تعالى. وإنما اتخذوه من أجل الإضرار بالمؤمنين. وإيقاع الأذى بهم.

وقوله «وكفرا» معطوف على «ضرارا» وهو علة ثانية لاتخاذ هذا المسجد.

أى: اتخذوه للإضرار بالمؤمنين، وللازدياد من الكفر الذي يضمرونه ومن الغل الذي يخفونه.

وقوله: وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ علة ثالثة.

أى: واتخذوه أيضا للتفريق بين جماعة المؤمنين الذين كانوا يصلون في مسجد واحد هو مسجد قباء، فأراد هؤلاء المنافقون من بناء مسجد الضرار إلى جوار مسجد قباء، أن يفرقوا وحدة المؤمنين، بأن يجعلوهم يصلون في أماكن متفرقة. حسدا لهم على نعمة الإخاء والتآلف والاتحاد التي غرسها الإسلام في قلوب أتباعه.

وقوله: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ علة رابعة لاتخاذ هذا المسجد.

أى: واتخذوه ليكون مكانا يرقبون فيه قدوم «من حارب الله ورسوله» وهو أبو عامر الراهب، الذي أعلن عداوته لدعوة الإسلام «من قبل» بناء مسجد الضرار.

فقد سبق أن ذكرنا في أسباب نزول هذه الآيات، أن أبا عامر هذا، كتب إلى جماعة من قومه. وهو عند هرقل. يعدهم ويمنيهم، ويطلب منهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه فشرعوا في بناء هذا المسجد.

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة، قد ذكرت أربعة من الأغراض الخبيثة التي حملت المنافقين على بناء هذا المسجد، وهي: مضارة المؤمنين، وتقوية الكفر، وتفريق كلمة أهل الحق وجعله معقلا لالتقاء المحاربين لله ولرسوله.

وقد خيب الله تعالى مسعاهم وأبطل كيدهم، بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بهدمه وإزالته.

وقوله: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى ذم لهم على أيمانهم الفاجرة، وأقوالهم الكاذبة.

أى: أن هؤلاء المنافقين قد بنوا مسجد الضرار لتلك المقاصد الخبيثة. ومع ذلك فهم يقسمون بأغلظ الأيمان بأنهم ما أرادوا ببنائه إلا الخصلة الحسنى التي عبروا عنها قبل ذلك.

كذبا. بقولهم: «إننا بنيناه للضعفاء، وأهل العلة في الليلة الشاتية» .

وقوله: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ زيادة في مذمتهم وتحقيرهم.

أى: والله- تعالى- يعلم ويشهد أن هؤلاء المنافقين لكاذبون في أيمانهم بأنهم ما أرادوا من بناء مسجدهم إلا الحسنى، فإنهم في الحقيقة لم يريدوا ذلك، وإنما أرادوا تلك الأغراض القبيحة السابقة، وهي مضارة المؤمنين، وتفريق كلمتهم.

سبب نزول هذه الآيات الكريمات : أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له : " أبو عامر الراهب " ، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب ، وكان فيه عبادة في الجاهلية ، وله شرف في الخزرج كبير . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة ، واجتمع المسلمون عليه ، وصارت للإسلام كلمة عالية ، وأظهرهم الله يوم بدر ، شرق اللعين أبو عامر بريقه ، وبارز بالعداوة ، وظاهر بها ، وخرج فارا إلى كفار مكة من مشركي قريش فألبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب ، وقدموا عام أحد ، فكان من أمر المسلمين ما كان ، وامتحنهم الله ، وكانت العاقبة للمتقين .

وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ، فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب ذلك اليوم ، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى ، وشج رأسه ، صلوات الله وسلامه عليه .

وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار ، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته ، فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق يا عدو الله ، ونالوا منه وسبوه . فرجع وهو يقول : والله لقد أصاب قومي بعدي شر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره ، وقرأ عليه من القرآن ، فأبى أن يسلم وتمرد ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيدا طريدا ، فنالته هذه الدعوة .

وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ، ورأى أمر الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه في ارتفاع وظهور ، ذهب إلىهرقل ، ملك الروم ، يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم ، فوعده ومناه ، وأقام عنده ، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه ، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك ، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ، فبنوه وأحكموه ، وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ، ليحتجوا بصلاته ، عليه السلام ، فيه على تقريره وإثباته ، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : " إنا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " .

فلما قفل ، عليه السلام راجعا إلى المدينة من تبوك ، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم ، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضرار ، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء ، الذي أسس من أول يوم على التقوى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا [ وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ] ) وهم أناس من الأنصار ، ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر ، ابنوا مسجدا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح ، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآتي بجند من الروم وأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا ، فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة . فأنزل الله ، عز وجل : ( لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ) إلى ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) .

وكذا روي عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وقتادة وغير واحد من العلماء .

وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم ، قالوا : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني : من تبوك - حتى نزل بذي أوان - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار - وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة ، والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه . فقال : " إني على جناح سفر وحال شغل - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه " . فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ، ومعن بن عدي - أو : أخاه عامر بن عدي - أخا بلعجلان فقال : " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدماه وحرقاه " . فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل ، فأشعل فيه نارا ، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه . ونزل فيهم من القرآن ما نزل : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ) إلى آخر القصة . وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا خذام بن خالد ، من بني عبيد بن زيد ، أحد بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو إلى بني أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير ، من [ بني ] ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأذعر ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف ، وجارية بن عامر ، وابناه : مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ونبتل [ بن ] الحارث ، وهم من بني ضبيعة ، وبحزج وهو من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة ، [ ووديعة بن ثابت ، وهو إلى بني أمية ] رهط أبي لبابة بن عبد المنذر .

وقوله : ( وليحلفن ) أي : الذين بنوه ( إن أردنا إلا الحسنى ) أي : ما أردناه ببنيانه إلا خيرا ورفقا بالناس ، قال الله تعالى : ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) أي : فيما قصدوا وفيما نووا ، وإنما بنوه ضرارا لمسجد قباء ، وكفرا بالله ، وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ، وهو أبو عامر الفاسق ، الذي يقال له : " الراهب " لعنه الله .

القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين ابتنوا مسجدًا ضرارًا, وهم، فيما ذكر، اثنا عشر نفسًا من الأنصار.

* ذكر من قال ذلك:

17186- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن الزهريّ، ويزيد بن رومان, وعبد الله بن أبي بكر, وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قالوا: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم = يعني: من تبوك = حتى نـزل بذي أوان = بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار. وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهّز إلى تبوك, فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلّة والحاجة والليلة المطِيرة والليلة الشاتية, وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه ! فقال: إني على جناح سفر وحال شُغْلٍ = أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم = ولو قَدْ قَدمنا أتيناكم إن شاء الله، فصلَّينا لكم فيه. فلما نـزل بذي أوان، أتاه خبرُ المسجد, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدُّخْشُم، أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي = أو أخاه: عاصم بن عدي = أخا بني العجلان فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرّقاه ! فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف, وهم رهط مالك بن الدخشم, فقال مالك لمعن: أنْظِرني حتى أخرج إليك بنارٍ من أهلي ! فدخل [إلى] أهله، فأخذ سَعفًا من النخل, فأشعل فيه نارًا, ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله, فحرّقاه وهدماه, وتفرقوا عنه. ونـزل فيهم من القرآن ما نـزل: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا)، إلى آخر القصة. وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا خِذَام بن خالد، من بني عبيد بن زيد، (1) أحد بني عمرو بن عوف، ومن داره أخرج مسجد الشقاق = وثعلبة بن حاطب، من بني عبيد، وهو إلى بني أمية بن زيد = ومعتب بن قشير، من بني ضبيعة بن زيد = وأبو حبيبة بن الأزعر، من بني ضبيعة بن زيد = وعباد بن حنيف، أخو سهل بن حنيف، من بني عمرو بن عوف = وجارية بن عامر، وابناه: مجمع بن جارية, وزيد بن جارية, ونبتل بن الحارث، وهم من بني ضبيعة = وبَحْزَج، (2) وهو إلى بني ضبيعة = وبجاد بن عثمان، وهو من بني ضبيعة = ووديعة بن ثابت، وهو إلى بني أمية، رهط أبي لبابة بن عبد المنذر. (3)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: والذين ابتنوا مسجدًا ضرارًا لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفرًا بالله لمحادّتهم بذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويفرِّقوا به المؤمنين، ليصلي فيه بعضهم دون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبعضهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا =(وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل)، يقول: وإعدادًا له, لأبي عامر الكافر الذي خالف الله ورسوله, وكفر بهما، وقاتل رسول الله =(من قبل)، يعني من قبل بنائهم ذلك المسجد. وذلك أن أبا عامر هو الذي كان حزَّب الأحزاب = يعني: حزّب الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم = فلما خذله الله, لحق بالروم يطلب النَّصْر من ملكهم على نبي الله, وكتب إلى أهل مسجد الضِّرار (4) يأمرهم ببناء المسجد الذي كانوا بنوه، فيما ذكر عنه، ليصلي فيه، فيما يزعم، إذا رجع إليهم. ففعلوا ذلك. وهذا معنى قول الله جل ثناؤه: (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل).

=(وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى)، يقول جل ثناؤه: وليحلفن بانوه: " إن أردنا إلا الحسنى "، ببنائناه، إلا الرفق بالمسلمين، والمنفعة والتوسعة على أهل الضعف والعلة ومن عجز عن المصير إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه، (5) وتلك هي الفعلة الحسنة =(والله يشهد إنهم لكاذبون)، في حلفهم ذلك, وقيلهم: " ما بنيناه إلا ونحن نريد الحسنى!"، ولكنهم بنوه يريدون ببنائه السُّوآى، ضرارًا لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفرًا بالله، وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لأبي عامر الفاسق.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17187- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن ابن عباس قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا)، وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدًا, فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم, واستعدُّوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح, فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، فأخرج محمدًا وأصحابه ! فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا, فنحبُّ أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة! فأنـزل الله فيه: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، إلى قوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .

17188- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين)، قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قُباء, خرج رجالٌ من الأنصار، منهم: بحزج، (6) جدُّ عبد الله بن حنيف, (7) ووديعة بن حزام, ومجمع بن جارية الأنصاري, فبَنوا مسجد النفاق, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبحزج (8) ويلك! ما أردت إلى ما أرى! فقال: يا رسول الله, والله ما أردت إلا الحسنى ! وهو كاذب، فصدَّقه رسول الله وأراد أن يعذِره, فأنـزل الله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله)، يعني رجلا منهم يقال له " أبو عامر " كان محاربًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان قد انطلق إلى هرقل, فكانوا يرصدون [إذا قدم] أبو عامر أن يصلي فيه, (9) وكان قد خرج من المدينة محاربًا لله ولرسوله =(وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون).

17189- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل)، قال: أبو عامر الراهب، انطلق إلى قيصر, فقالوا: " إذا جاء يصلي فيه "، كانوا يرون أنه سيظهر على محمد صلى الله عليه وسلم.

17190- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا )، قال المنافقون =(لمن حارب الله ورسوله)، لأبي عامر الراهب.

17191- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

17192-...... قال، حدثنا أبو إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين)، قال: نـزلت في المنافقين = وقوله: (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل)، قال: هو أبو عامر الراهب.

17193- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.

17194- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن سعيد بن جبير: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا)، قال: هم بنو غنم بن عوف.

17195- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن أيوب, عن سعيد بن جبير: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا)، قال: هم حيّ يقال لهم: " بنو غنم ".

17196- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن أيوب، عن سعيد بن جبير في قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا)، قال: هم حي يقال لهم: " بنو غنم " = قال أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة قالت: (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله)، أبو عامر الراهب انطلق إلى الشأم, فقال الذين بنوا مسجد الضرار: إنما بنيناه ليصلي فيه أبو عامر.

17197- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا)، الآية, عمد ناسٌ من أهل النفاق, فابتنوا مسجدًا بقباء، ليضاهوا به مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم بعثوا إلى رسول الله ليصلِّي فيه. ذكر لنا أنه دعا بقميصه ليأتيهم، حتى أطلعه الله على ذلك = وأما قوله: (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله)، فإنه كان رجلا يقال له: " أبو عامر ", فرّ من المسلمين فلحق بالمشركين، فقتلوه بإسلامه. (10) قال: إذا جاء صلى فيه, فأنـزل الله: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ، الآية.

17198- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا)، هم ناس من المنافقين، بنوا مسجدًا بقباء يُضارُّون به نبيّ الله والمسلمين =(وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله)، كانوا يقولون: إذا رجع أبو عامر من عند قيصر من الروم صلى فيه! وكانوا يقولون: إذا قدم ظهر على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.

17199- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل)، قال: مسجد قباء, كانوا يصلون فيه كلهم. وكان رجل من رؤساء المنافقين يقال له: " أبو عامر "، أبو: " حنظلة غسيل الملائكة "، و " صيفي", [واحق]. (11) وكان هؤلاء الثلاثة من خيار المسلمين، فخرج أبو عامر هاربًا هو وابن عبد ياليل، من ثقيف، (12) وعلقمة بن علاثة، من قيس، من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقوا بصاحب الروم. فأما علقمة وابن عبد ياليل، (13) فرجعا فبايعا النبي صلى الله عليه وسلم وأسلما. وأما أبو عامر، فتنصر وأقام. قال: وبنى ناسٌ من المنافقين مسجد الضرار لأبي عامر, قالوا: " حتى يأتي أبو عامر يصلي فيه "، وتفريقًا بين المؤمنين، يفرقون به جماعتهم، (14) لأنهم كانوا يصلون جميعًا في مسجد قباء. وجاءوا يخدعون النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ربما جاء السيلُ، فيقطع بيننا وبين الوادي، (15) ويحول بيننا وبين القوم، ونصلي في مسجدنا، (16) فإذا ذهب السيل صلينا معهم ! قال: وبنوه على النفاق. قال: وانهار مسجدهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وألقى الناس عليه التِّبن والقُمامة، (17) فأنـزل الله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين)، لئلا يصلي في مسجد قباء جميعُ المؤمنين =(وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل)، أبي عامر =(وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون).

17200- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون, عن أبي جعفر, عن ليث: أن شقيقًا لم يدرك الصلاة في مسجد بني عامر, فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلُّوا بعدُ ! فقال: لا أحب أن أصلي فيه، فإنه بُني على ضرار, وكل مسجد بُنِيَ ضرارًا أو رياءً أو سمعة، فإن أصله ينتهي إلى المسجد الذي بني على ضرار.

--------------------

الهوامش :

(1) في المطبوعة والمخطوطة : " خذام بن خالد بن عبيد " ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام .

(2) في المطبوعة : " وبخدج " ، والصواب ما في المخطوطة وسيرة ابن هشام .

(3) الأثر : 17186 - سيرة ابن هشام 4 : 173 ، 174 .

(4) انظر تفسير " الضرار " فيما سلف 5 : 7 ، 8 ، 46 ، 53 / 6 : 85 - 91 .

(5) في المطبوعة : " ومن عجز عن المسير " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .

(6) في المطبوعة : " بخدج " ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام 4 : 174 ، كما سلف في رقم : 17186 . ورأيت بعد في المحبر : 47 : " بخدج " ولم أتمكن من تصحيحه . ثم انظر جمهرة الأنساب لابن حزم : 316 في نسب " سهل بن حنيف " ، و " عثمان بن حنيف " ، و " عباد بن حنيف " . وانظر التعليق التالي .

(7) ما أدري قوله : " جد عبد الله بن حنيف " ، ولست أدري أهو من كلام ابن عباس أو من كلام غيره ، وإن كنت أرجح أنه من كلام غيره ، لأني لم أجد في الصحابة ولا التابعين " عبد الله بن حنيف " ، وجده " بحزج " . والمذكور في المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار : " عباد بن حنيف " ، أخو " سهل بن حنيف " . فأخشى أن يكون سقط من الخبر شيء ، فاختلط الكلام . وفي نسب " سهل بن حنيف " " عمرو ، وهو بحزج ، بن حنش بن عوف بن عمرو " ( انظر ابن سعد 3 / 2 / 39 ، ثم : 5 : 59 ) ، وجمهرة الأنساب لابن حزم : 316 ، ولكن هذا قديم جدا في الجاهلية ، وهو بلا شك غير " بحزج " ، الذي كان من أمره ما كان في مسجد الضرار .

فهذا الذي هنا يحتاج إلى فضل تحقيق ، لم أتمكن من بلوغه .

(8) في المطبوعة : " لبخدج " ، وانظر التعليقات السالفة .

(9) في المطبوعة ، ساق الكلام سياقا واحدا هكذا: " وكانوا يرصدون أبو عامر أن يصلي فيه " ، وفي المخطوطة: "وكانوا يرصدون أبو عامر أن يصلي فيه"، وبين الكلامين بياض ، وفي الهامش حرف ( ط ) دلالة على الخطأ ، وأثبت ما بين القوسين من الدر المنثور 1 : 276 ، وروى الخبر من طريق ابن مردويه ، وابن أبي حاتم . وهذا الذي أثبته يطابق في معناه ما سيأتي في الآثار التالية .

(10) قوله : " فقتلوه بإسلامه " ، كلام صحيح ، وإن ظن بعضهم أنه لا يستقيم ، وذلك أن أبا عامر الراهب ، لما خرج إلى الروم مات هناك سنة تسع أو عشر . ( الإصابة في ترجمة ولده : حنظلة غسيل الملائكة بن أبي عامر ) . فكأنه يقال أيضا أن الروم قتلته بإسلامه ، كما جاء في هذا الخبر . وأما قوله بعد : " قال : إذا جاء صلى فيه " ، فهو من كلام قتادة . وانظر الأخبار التالية ، فإنه يقال إنه تنصر .

(11) في المطبوعة : " وأخيه " ، والذي في المخطوطة كما أثبته غير مقروء قراءة ترتضي . وممكن أن تكون " وأخوه " ، ولكنه عندئذ خطأ ، صوابه أن يكون و " أخيه " ، كما أثبته ناشر المطبوعة .

بيد أن السياق يدل على أن ما بين القوسين اسم ثالث ، وهو اسم أخي حنظلة ، وصيفي ، ولم استطع أن أجد خبر ذلك .

وأما " صيفي " ، فقد ذكره ابن حجر في الإصابة في ترجمة " صيفي " ، وأنه كان ممن شهد أحدا ، ونسب ذلك إلى ابن سعد والطبراني ، ولم أجده في المطبوع من طبقات ابن سعد .

(12) الذي جاء في المخطوطة والمطبوعة : " ابن بالين " ، وإن كان في المخطوطة غير منقوط .

وهو خطأ لا شك فيه عندي ، وأن صوابه : " وابن عبد ياليل " كما أثبته . فإن ابن عبد البر في الاستيعاب : 105 ، في ترجمة " حنظلة الغسيل " ، ذكر أن أبا عمر الفاسق لما فتحت مكة ، لحق بهرقل هاربا إلى الروم ، فمات كافرا عند هرقل ، وكان معه هناك " كنانة بن عبد ياليل " و " علقمة بن علاثة " ، فاختصما في ميراثه إلى هرقل ، فدفعه إلى كنانة بن عبد ياليل ، وقال لعلقمة : هما من أهل المدر ، وأنت من أهل الوبر .

و " كنانة بن عبد ياليل الثقفي " ، ترجم له ابن حجر في القسم الرابع ، وذكره ابن سلام الجمحي ، في طبقات فحول الشعراء ص : 217 ، في شعراء الطائف ، ولم يورد له خبرا بعد ذكره .

(13) في المطبوعة والمخطوطة : " وابن بالين " ، وفي المخطوطة غير منقوطة . انظر التعليق السالف .

(14) في المطبوعة : " بين جماعتهم " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(15) في المطبوعة : " يقطع " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(16) في المطبوعة : " فنصلي " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(17) في المطبوعة : " النتن والقامة " والصواب ما في المخطوطة . و " التبن " عصيفة الزرع ، فهو الذي يلقى . وأما " النتن " فالرائحة الكريهة ، فكأنه ظن أن " النتن " مجاز لمعنى " الأقذار " ، لنتن رائحتها ! وهو باطل .

التدبر :

عمل
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ حتى المسجد قد يتخذ لغير الله؛ فلا تغتر.
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ حدث في العهد النبوي أشد الأشكال التي يظهر أنه لا يمكن أن يدخلها النفاق؛ لنقيس عليها ما دونها.
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ اتخذ النفاق في العهد النبوي أشكالًا لا يتصور أن يتسلل إليها النفاق وهي بناء المسجد، فكيف بعهدنا اليوم ؟! الحذر أولى.
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا﴾ النوايا الخبيثة والمقاصد السيئة لا يحبها الله؛ ولو كانت على شكل أفعال صالحة.
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا في زمن النبي والآن؛ كل منبر إعلامي فيه نفاق وتفريق بين الناس هو بديل لمسجد ضرار.
عمل
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لا تنخدع بالمنافق؛ ولو بنى مسجدًا .
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فدخل في معنى ذلك من بنى أبنية يضاهي بها مساجد المسلمين لغير العبادات المشروعة من المشاهد وغيرها؛ لا سيما إذا كان فيها من الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين والإرصاد لأهل النفاق والبدع المحادين لله ورسوله ما يقوى بها شبهها بمسجد الضرار.
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: يفرقون به جماعتهم ليتخلف أقوام عن النبي ﷺ، وهذا يدلك على أن المقصد الأكبر والغرض الأظهر من وضع الجماعة: تأليف القلوب والكلمة على الطاعة.
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ في هذه الآية دليل على أن العمل -وإن كان فاضلًا- تغيره النية، فينقلب منهيًا عنه، كما قلبت نية أصحاب مسجد الضرار عملهم إلى ما ترى.
وقفة
[107] تغطية المشاريع التغريبية بغطاء شرعي (حسب الضوابط الشرعية) أسلوب قديم كشفه القرآن في قصة مسجد ضرار ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[107] قد يستعمل المنافقون الدين لا حبًّا له؛ بل ليهدموه من داخله ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ﴾.
وقفة
[107] الشعارات البراقة للمنافقين، والتظاهر بعمل الخير لا تخدع من يتدبر القرآن الكريم ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾.
عمل
[107] اكتب رسالة موثقة تفضح فيها أحد مشاريع أهل النفاق ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾.
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ من أعظم خصال النفاق العلميِّ؛ أن يعملَ الإنسانُ عملًا، ويُظهِرُ أنَّه قصد الخيرَ، وإنما عمِلَه ليتوصَّل به إلى غرضٍ سيئ!
وقفة
[107] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ النية الصالحة لا تصلح العمل الخبيث، والنية الخبيثة تفسد العمل الصالح، ركنان لا يتخلفان.
وقفة
[107] ﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين فإنها من المعاصي التي يتعين تركها وإزالتها، كما أن كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم يتعين اتباعها والأمر بها والحث عليها.
وقفة
[107] أهون شيء عند المنافق: الدين، لذا لا تعجب إن باعه بأرخص الأثمان ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ﴾.
وقفة
[107] لم تزلِ الأيمانُ الكاذبةُ حصنًا لأهل النفاق: ﴿وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى﴾، ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [المجادلة: 14]، ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ﴾ [56]، ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المجادلة: 16].
وقفة
[107] شعار المنافقين في كل زمان: ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
وقفة
[107] لا يغرنك معسول كلامهم إن لم تر حسن فعالهم ﴿وَلَيَحلِفُنَّ إِن أَرَدنا إِلَّا الحُسنى وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكاذِبونَ﴾.
وقفة
[107] فهم أرادوا الكذب على الله، ولكن صدَّقوا أنفسهم بما كذَّبوا به، فحقيقة الكذب ما صدَّقه المكذوب عليه وأضرَّه، ومن أسوء أنواع الكذب: أن يصدِّقَ الإنسان كذِبَ نفسه، ويجر الضرر على ذاته؛ ولذا جاء في سياق التعجب من سوء حالهم، أما الله سبحانه فلن يضرَّه ذلك شيئًا؛ لأنه يعلم كذبهم: ﴿وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
وقفة
[107، 108] حتى البقاع الطاهرة يلوثها شؤم النفاق: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ خبره محذوف معطوف على «آخَرُونَ مُرْجَوْنَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة أي وهناك الذين. اتخذوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. مسجدا: مفعول به منصوب بالفتحة وجملة «اتَّخَذُوا مَسْجِداً» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً:
  • ضرارا: مفعول به ثان لاتخذوا منصوب بالفتحة ويجوز ان تكون حالا أو مفعولا مطلقا بمعنى: مضارة لاخوانهم. وكفرا وتفريقا: معطوفتان بواوي العطف على «ضِراراً» وتعربان مثلها
  • ﴿ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بتفريقا. المؤمنين مضاف اليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ:
  • وإرصادا: معطوفة بالواو على «ضِراراً» وتعرب إعرابها. اللام: حرف جرّ بمعنى لأجل من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة وقد حذف الاسم المجرور المضاف المقدر أجل. حارب: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «حارَبَ» صلة الموصول لا محل لها. والجار والمجرور «لأجل» متعلق بارصادا.
  • ﴿ اللَّهَ وَرَسُولَهُ:
  • لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.ورسوله: الواو عاطفة. رسول: معطوف على لفظ الجلالة منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ:
  • من حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق باتخذوا. بمعنى: اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف.
  • ﴿ وَلَيَحْلِفُنَّ:
  • الواو عاطفة. اللام لام التأكيد. يحلفنّ: فعل مضارع مبني على حذف النون لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع فاعل ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها.
  • ﴿ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا:
  • إن: نافية غير عاملة بمعنى «ما». أردنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. إلّا: أداة حصر لا عمل لها. أي ما أردنا ببناء هذا المسجد والجملة جواب القسم لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ الْحُسْنى:
  • صفة نائبة عن المفعول به. بتقدير الفعلة الحسنى: منصوبة بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر وهي مؤنث الأحسن.
  • ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ:
  • واو استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يشهد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود اليه سبحانه. وجملة «يَشْهَدُ» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» اللام لام التوكيد-المزحلقة. كاذبون: خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. و «إن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر بمعنى: والله يشهد- أي يطّلع- على كذبهم. والجار والمجرور متعلق بيشهد. '

المتشابهات :

التوبة: 42﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
التوبة: 107﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
الحشر: 11﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
المنافقون: 1﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اتَّخَذُوا مَسْجِدَ قُباءٍ، وبَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ يَأْتِيَهم، فَأتاهم فَصَلّى فِيهِ، فَحَسَدَهم إخَوَتُهم بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، وقالُوا: نَبْنِي مَسْجِدًا ونُرْسِلُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَما صَلّى في مَسْجِدِ إخْوانِنا، ولْيُصَلِّ فِيهِ أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ إذا قَدِمَ مِنَ الشّامِ، وكانَ أبُو عامِرٍ قَدْ تَرَهَّبَ في الجاهِلِيَّةِ وتَنَصَّرَ ولَبِسَ المُسُوحَ، وأنْكَرَ دِينَ الحَنِيفِيَّةِ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ وعاداهُ، وسَمّاهُ النَّبِيُّ ﷺ أبا عامِرٍ الفاسِقَ، وخَرَجَ إلى الشّامِ، وأرْسَلَ إلى المُنافِقِينَ أنْ أعِدُّوا واسْتَعِدُّوا بِما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وسِلاحٍ، وابْنُوا لِي مَسْجِدًا، فَإنِّي ذاهِبٌ إلى قَيْصَرَ فَآتِي بِجُنْدِ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ. فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا إلى جَنْبِ مَسْجِدِ قُباءٍ، وكانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: خِذامُ بْنُ خالِدٍ - ومِن دارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشِّقاقِ - وثَعْلَبَةُ بْنُ حاطِبٍ، ومُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وأبُو حَبِيبَةَ بْنُ الأزْعَرِ، وعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، وجارِيَةُ بْنُ عامِرٍ، وابْناهُ مُجَمِّعٌ وزَيْدٌ، ونَبْتَلُ بْنُ الحارِثِ، وبَحْزَجٌ، وبِجادُ بْنُ عُثْمانَ، ووَدِيعَةُ بْنُ ثابِتٍ. فَلَمّا فَرَغُوا مِنهُ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنّا قَدْ بَنَيْنا مَسْجِدًا لِذِي العِلَّةِ والحاجَةِ، واللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ واللَّيْلَةِ الشّاتِيَةِ، وإنّا نُحِبُّ أنْ تَأْتِيَنا فَتُصَلِّيَ لَنا فِيهِ. فَدَعا بِقَمِيصِهِ لِيَلْبَسَهُ فَيَأْتِيَهم، فَنَزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وأخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ خَبَرَ مَسْجِدِ الضِّرارِ وما هَمُّوا بِهِ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مالِكَ بْنَ الدَّخْشَمِ، ومَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ، وعامِرَ بْنَ السَّكَنِ، ووَحْشِيًّا قاتِلَ حَمْزَةَ، وقالَ لَهم: ”انْطَلِقُوا إلى هَذا المَسْجِدِ الظّالِمِ أهْلُهُ فاهْدِمُوهُ وأحْرِقُوهُ“ . فَخَرَجُوا، وانْطَلَقَ مالِكٌ وأخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأشْعَلَ فِيهِ نارًا، ثُمَّ دَخَلُوا المَسْجِدَ وفِيهِ أهْلُهُ، فَحَرَّقُوهُ وهَدَمُوهُ، وتَفَرَّقَ عَنْهُ أهْلُهُ. وأمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أنْ يُتَّخَذَ ذَلِكَ كُناسَةً تُلْقى فِيها الجِيَفُ والنَّتْنُ والقُمامَةُ. وماتَ أبُو عامِرٍ بِالشّامِ وحِيدًا غَرِيبًا. أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى، قالَ: أخْبَرَنا أبُو العَبّاسِ بْنُ إسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِيكالَ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ مُوسى الأهْوازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِيّا، قالَ: حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ الزِّبْرِقانِ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، عَنْ أبِيها قالَ: إنَّ المُنافِقِينَ عَرَضُوا المَسْجِدَ يَبْنُونَهُ لِيُضاهُونَ بِهِ مَسْجِدَ قُباءٍ، وهو قَرِيبٌ مِنهُ، لِأبِي عامِرٍ الرّاهِبِ، يَرْصُدُونَهُ إذا قَدِمَ لِيَكُونَ إمامَهم فِيهِ، فَلَمّا فَرَغُوا مِن بِنائِهِ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنّا بَنَيْنا مَسْجِدًا فَصَلِّ فِيهِ حَتّى نَتَّخِذَهُ مُصَلًّى. فَأخَذَ ثَوْبَهُ لِيَقُومَ مَعَهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا﴾ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [107] لما قبلها :     16- اتخاذ مسجد الضِّرارِ لتفريق كلمة المسلمين، بناه المنافقونَ قبلَ تَبُوك؛ ليكونَ وكرًا للتآمُرِ على الإسلامِ والمسلمينَ، فجاءتْ الآياتُ تفضَحُهم، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الذين:
1- بواو، وهى قراءة جمهور القراء.
وقرئ:
2- الذين، بغير واو، وهى قراءة نافع، وأبى جعفر، وشيبة، وابن عامر.

مدارسة الآية : [108] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ ..

التفسير :

[108] لا تقم -أيها النبي- للصلاة في ذلك المسجد أبداً؛ فإن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم -وهو مسجد «قباء»- أولى أن تقوم فيه للصلاة، ففي هذا المسجد رجال يحبون أن يتطهروا بالماء من النجاسات والأقذار، كما يتطهرون بالتورع والاستغفار من الذنوب والمع

‏{‏لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا‏}‏ أي‏:‏ لا تصل في ذلك المسجد الذي بني ضرارا أبدا‏.‏ فاللّه يغنيك عنه، ولست بمضطر إليه‏.‏

‏{‏لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ‏}‏ ظهر فيه الإسلام في ‏"‏قباء‏"‏ وهو مسجد ‏"‏قباء‏"‏ أسس على إخلاص الدين للّه، وإقامة ذكره وشعائر دينه، وكان قديما في هذا عريقا فيه، فهذا المسجد الفاضل ‏{‏أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ‏}‏ وتتعبد، وتذكر اللّه تعالى فهو فاضل، وأهله فضلاء، ولهذا مدحهم اللّه بقوله‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏ من الذنوب، ويتطهروا من الأوساخ، والنجاسات والأحداث‏.‏

ومن المعلوم أن من أحب شيئا لا بد أن يسعى له ويجتهد فيما يحب، فلا بد أنهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والأوساخ والأحداث، ولهذا كانوا ممن سبق إسلامه، وكانوا مقيمين للصلاة، محافظين على الجهاد، مع رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإقامة شرائع الدين، وممن كانوا يتحرزون من مخالفة اللّه ورسوله‏.‏

وسألهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد ما نزلت هذه الآية في مدحهم عن طهارتهم، فأخبروه أنهم يتبعون الحجارة الماء، فحمدهم على صنيعهم‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏ الطهارة المعنوية، كالتنزه من الشرك والأخلاق الرذيلة، والطهارة الحسية كإزالة الأنجاس ورفع الأحداث‏

ثم نهى الله- تعالى- رسوله والمؤمنين عن الصلاة في هذا المسجد نهيا مؤكدا فقال- سبحانه-: لا تَقُمْ فِيهِ، أَبَداً.

أى: لا تصل. أيها الرسول الكريم. في هذا المسجد في أى وقت من الأوقات لأنه لمن يبن لعبادة الله، وإنما بنى للشقاق والنفاق.

قال القرطبي: قوله- تعالى- لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً يعنى مسجد الضرار. لا تقم فيه للصلاة، وقد يعبر عن الصلاة بالقيام. يقال: فلان يقوم الليل أى: يصلى، ومنه الحديث الصحيح: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» .

وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية كان لا يمر بالطريق التي فيها هذا المسجد، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار ... » .

وقوله: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ جملة مسوقة لمدح مسجد قباء وتشريفه.

أى: لمسجد بنى أساسه، ووضعت قواعده على تقوى الله وإخلاص العبادة له منذ أول يوم بدئ في بنائه. أحق أن تقوم للصلاة فيه من غيره.

قال الآلوسى ما ملخصه: واللام في قوله «لمسجد» إما للابتداء أو للقسم، أى: والله لمسجد، وعلى التقديرين فمسجد مبتدأ، والجملة بعده صفته، وقوله «أحق أن تقوم فيه» خبر المبتدأ: «وأحق» أفعل تفضيل، والمفضل عليه كل مسجد. أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير، أو على زعمهم، وقيل إنه بمعنى حقيق، أى: ذلك المسجد بأن تصلى فيه..» .

وقوله: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ جملة مسوقة لتكريم رواد هذا المسجد ومديحهم.

أى: في هذا المسجد رجال أتقياء الظاهر والباطن، إذ هم يحبون الطهارة من كل رجس حسى ومعنوي، ومن كان كذلك أحبه الله ورضى عنه.

وقوله : ( لا تقم فيه أبدا ) نهي من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، والأمة تبع له في ذلك ، عن أن يقوم فيه ، أي : يصلي فيه أبدا .

ثم حثه على الصلاة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى ، وهي طاعة الله ، وطاعة رسوله ، وجمعا لكلمة المؤمنين ومعقلا وموئلا للإسلام وأهله ؛ ولهذا قال تعالى : ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء ؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة في مسجد قباء كعمرة " . وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء راكبا وماشيا وفي الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو بن عوف ، كان جبريل هو الذي عين له جهة القبلة فالله أعلم .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن يونس بن الحارث ، عن إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نزلت هذه الآية في أهل قباء : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) قال : كانوا يستنجون بالماء ، فنزلت فيهم الآية .

ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث يونس بن الحارث ، وهو ضعيف ، وقال الترمذي : غريب من هذا الوجه .

وقال الطبراني : حدثنا الحسن بن علي المعمري ، حدثنا محمد بن حميد الرازي ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال : " ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ؟ " . فقال : يا رسول الله ، ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه - أو قال : مقعدته - فقال النبي صلى الله عليه وسلم . " هو هذا " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا أبو أويس ، حدثنا شرحبيل ، عن عويم بن ساعدة الأنصاري : أنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء ، فقال : " إن الله تعالى قد أحسن [ عليكم الثناء ] في الطهور في قصة مسجدكم ، فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ " فقالوا : والله - يا رسول الله - ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود ، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ، فغسلنا كما غسلوا .

ورواه ابن خزيمة في صحيحه .

وقال هشيم ، عن عبد الحميد المدني ، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة . " ما هذا الذي أثنى الله عليكم : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) قالوا : يا رسول الله ، إنا نغسل الأدبار بالماء .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، عن شرحبيل بن سعد قال : سمعت خزيمة بن ثابت يقول : نزلت هذه الآية : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) قال : كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط .

حديث آخر : قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا مالك - يعني : ابن مغول - سمعت سيارا أبا الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني : قباء ، فقال : " إن الله ، عز وجل ، قد أثنى عليكم في الطهور خيرا ، أفلا تخبروني ؟ " . يعني : قوله تعالى : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) فقالوا : يا رسول الله ، إنا نجده مكتوبا علينا في التوراة : الاستنجاء بالماء .

وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير . وقاله عطية العوفي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والشعبي ، والحسن البصري ، ونقله البغوي عن سعيد بن جبير ، وقتادة .

وقد ورد في الحديث الصحيح : أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو في جوف المدينة ، هو المسجد الذي أسس على التقوى . وهذا صحيح . ولا منافاة بين الآية وبين هذا ؛ لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى ؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده :

حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي ، عن عمران بن أبي أنس ، عن سهل بن سعد ، عن أبي بن كعب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا " . تفرد به أحمد .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا ربيعة بن عثمان التيمي ، عن عمران بن أبي أنس ، عن سهل بن سعد الساعدي قال : اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : هو مسجد قباء .

فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه ، فقال : " هو مسجدي هذا " تفرد به أحمد أيضا .

حديث آخر : قال أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ليث ، عن عمران بن أبي أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد قباء ، وقال الآخر : هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هو مسجدي هذا " تفرد به أحمد .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا ليث ، حدثني عمران بن أبي أنس ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبيه أنه قال : تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، فقال رجل : هو مسجد قباء ، وقال الآخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو مسجدي " .

وكذا رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة ، عن الليث وصححه الترمذي ، ورواه مسلم كما سيأتي .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يحيى ، عن أنيس بن أبي يحيى ، حدثني أبي قال : سمعت أبا سعيد الخدري قال : اختلف رجلان : رجل من بني خدرة ، ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال الخدري : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العمري : هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك ، فقال : " هو هذا المسجد " لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " في ذاك [ خير كثير ] يعني : مسجد قباء .

طريق أخرى : قال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد - حدثنا حميد الخراط المدني ، سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي سعيد فقلت : كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال أبي : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في بيت لبعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله ، أين المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال : فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ، ثم قال : " هو مسجدكم هذا " . ثم قال : [ فقلت له : هكذا ] سمعت أباك يذكره ؟ .

رواه مسلم منفردا به عن محمد بن حاتم ، عن يحيى بن سعيد ، به ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن حميد الخراط ، به .

وقد قال بأنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف والخلف ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وزيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب . واختاره ابن جرير .

وقوله : ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له ، وعلى استحباب الصلاة مع جماعة الصالحين ، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء ، والتنزه عن ملابسة القاذورات .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، سمعت شبيبا أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح فقرأ بهم الروم فأوهم ، فلما انصرف قال : " إنه يلبس علينا القرآن ، إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء " .

ثم رواه من طريقين آخرين ، عن عبد الملك بن عمير ، عن شبيب أبي روح من ذي الكلاع : أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ، ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها .

وقال أبو العالية في قوله تعالى : ( والله يحب المطهرين ) إن الطهور بالماء لحسن ، ولكنهم المطهرون من الذنوب .

وقال الأعمش : التوبة من الذنب ، والتطهير من الشرك .

وقد ورد في الحديث المروي من طرق ، في السنن وغيرها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء : " قد أثنى الله عليكم في الطهور ، فماذا تصنعون ؟ " فقالوا : نستنجي بالماء .

وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال : وجدته في كتاب أبي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء . ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نتبع الحجارة الماء .

ثم قال : تفرد به محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، ولم يرو عنه سوى ابنه .

قلت : وإنما ذكرته بهذا اللفظ لأنه مشهور بين الفقهاء ولم يعرفه كثير من المحدثين المتأخرين ، أو كلهم ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله : لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تقم، يا محمد، في المسجد الذي بناه هؤلاء المنافقون، ضرارًا وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله. ثم أقسم جل ثناؤه فقال: (لمسجد أسِّس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم)، أنت =(فيه).

* * *

يعني بقوله: (أسس على التقوى)، ابتدئ أساسه وأصله على تقوى الله وطاعته =(من أول يوم)، ابتدئ في بنائه =(أحق أن تقوم فيه)، يقول: أولى أن تقوم فيه مصلِّيًا.

* * *

وقيل: معنى قوله: (من أول يوم)، مبدأ أول يوم كما تقول العرب: " لم أره من يوم كذا ", بمعنى: مبدؤه = و " من أول يوم "، يراد به: من أول الأيام, كقول القائل: " لقيت كلَّ رجل ", بمعنى كل الرجال.

* * *

واختلف أهل التأويل في المسجد الذي عناه بقوله: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم).

فقال بعضهم: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه منبره وقبره اليوم.

* * *

* ذكر من قال ذلك:

17201- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن إبراهيم بن طهمان, عن عثمان بن عبيد الله قال: أرسلني محمد بن أبي هريرة إلى ابن عمر، أسأله عن المسجد الذي أسس على التقوى، أيّ مسجد هو؟ مسجد المدينة, أو مسجد قباء؟ قال: لا مسجد المدينة. (18)

17202-...... قال، حدثنا القاسم بن عمرو العنقزي, عن الدراوردي, عن عثمان بن عبيد الله, عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد قالوا: المسجد الذي أسس على التقوى، مسجد الرسول. (19)

17203-...... قال، حدثنا أبي, عن ربيعة بن عثمان, عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: سألت ابن عمر عن المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: هو مسجد الرسول. (20)

17204-...... قال، حدثنا ابن عيينة, عن أبي الزناد, عن خارجة بن زيد, عن زيد قال: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

17205-...... قال، حدثنا أبي, عن عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان, عن أبيه, عن خارجة بن زيد, عن زيد قال: هو مسجد الرسول.

17206- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا حميد الخراط المدني قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد فقلت: كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى؟ فقال لي: [قال أبي] (21) أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه في بيت بعض نسائه, فقلت: يا رسول الله, أيُّ مسجدٍ الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفًّا من حصباء فضرب به الأرض, ثم قال: هو مسجدكم هذا! = [فقلت]: (22) هكذا سمعت أباك يذكره. (23)

17207- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أسامة بن زيد, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, عن أبيه قال: المسجد الذي أسس على التقوى، هو مسجدُ النبيِّ الأعظمُ.

17208- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود, عن سعيد بن المسيب قال: إن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم, هو مسجد المدينة الأكبر.

17209- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن داود قال، قال سعيد بن المسيب, فذكر مثله = إلا أنه قال: الأعظم.

17210- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان, عن ابن حرملة, عن سعيد بن المسيب قال: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

17211- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن أبي الزناد, عن خارجة بن زيد = قال: أحسبه عن أبيه = قال: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أسس على التقوى.

* * *

وقال آخرون: بل عني بذلك مسجد قُباء.

* ذكر من قال ذلك:

17212- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم)، يعني مسجد قُباء.

17213- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, نحوه.

17214- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم)، هو مسجد قباء.

17215- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن صالح بن حيان, عن ابن بريدة قال: مسجد قُباء، الذي أسس على التقوى, بناه نبي الله صلى الله عليه وسلم. (24)

17216- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: المسجد الذي أسس على التقوى، مسجد قباء.

17217- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة بن الزبير: الذين بُني فيهم المسجدُ الذي أسس على التقوى, بنو عمرو بن عوف.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، لصحة الخبَر بذلك عن رسول الله. (25)

* ذكر الرواية بذلك.

17218- حدثنا أبو كريب وابن وكيع = قال أبو كريب: حدثنا وكيع = وقال ابن وكيع: حدثنا أبي = عن ربيعة بن عثمان التيمي, عن عمران بن أبي أنس، رجل من الأنصار, عن سهل بن سعد قال، اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى, فقال أحدهما: هو مسجد النبيّ! وقال الآخر: هو مسجد قباء! فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه, فقال: هو مسجدي هذا = اللفظ لحديث أبي كريب, وحديث سفيان نحوه. (26)

17219- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم, عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمران بن أبي أنس, عن سهل بن سعد, عن أبيّ بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: مسجدي هذا. (27)

17220- حدثني يونس قال، أخبرني ابن وهب قال، حدثني الليث, عن عمران بن أبي أنس, عن ابن أبي سعيد, عن أبيه, قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم, فقال رجل: هو مسجد قباء! وقال آخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله: هو مسجدي هذا. (28)

17221- حدثني بحر بن نصر الخولاني قال، قرئ على شعيب بن الليث, عن أبيه, عن عمران بن أبي أنس, عن سعيد بن أبي سعيد الخدري قال: تمارى رجلان, فذكر مثله. (29)

17222- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني سَحْبَل بن محمد بن أبي يحيى قال، سمعت عمي أنيس بن أبي يحيى يحدث, عن أبيه, عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسجد الذي أسس على التقوى، مسجدي هذا, وفي كلٍّ خيرٌ. (30)

17223- حدثني المثنى قال، حدثني الحماني قال، حدثنا عبد العزيز, عن أنيس, عن أبيه, عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. (31)

17224- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا صفوان بن عيسى قال، أخبرنا أنيس بن أبي يحيى, عن أبيه, عن أبي سعيد: أن رجلا من بني خُدْرة ورجلا من بني عمرو بن عوف، امتريا في المسجد الذي أسس على التقوى, فقال الخدريُّ: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال العوفي: هو مسجد قباء. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم وسألاه فقال: هو مسجدي هذا, وفي كلٍّ خيرٌ. (32)

* * *

القول في تأويل قوله : فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: في حاضري المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، رجال يحبُّون أن ينظفوا مقاعدَهم بالماء إذا أتوا الغائط، والله يحبّ المتطهّرين بالماء.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17225- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا همام بن يحيى, عن قتادة, عن شهر بن حوشب قال: لما نـزل: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الطُّهور الذي أثنى الله عليكم؟ قالوا: يا رسول الله، نغسل أثر الغائط. (33)

17226- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قُباء: " إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطُّهور, فما تصنعون؟ " قالوا: إنا نغسل عنَّا أثر الغائط والبوْل.

17227- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: لما نـزلت: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، ما هذا الطُّهور الذي أثنى الله عليكم فيه؟ قالوا: إنا نَسْتطيب بالماء إذا جئنا من الغائط.

17228- حدثني جابر بن الكردي قال، حدثنا محمد سابق قال، حدثنا مالك بن مغول, عن سيَّارٍ أبي الحكم, عن شهر بن حوشب, عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: قام علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبروني, فإن الله قد أثنى عليكم بالطُّهور خيرًا؟ فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد عندنا مكتوبًا في التوراة، الاستنجاءُ بالماء. (34)

17229- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا [يحيى بن رافع], عن مالك بن مغول قال، سمعت سيارًا أبا الحكم غير مرة, يحدث، عن شهر بن حوشب, عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قُباء قال: إن الله قد أثنى عليكم بالطهور خيرا = يعني قوله: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)، قالوا: إنا نجده مكتوبًا عندنا في التوراة، الاستنجاءُ بالماء. (35)

17230- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا [يحيى بن رافع]، قال، حدثنا مالك بن مغول, عن سيار, عن شهر بن حوشب، عن محمد بن عبد الله بن سلام = قال يحيى: ولا أعلمه إلا عن أبيه = قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرًا! قالوا: إنا نجده مكتوبًا علينا في التوراة، الاستنجاءُ بالماء. وفيه نـزلت: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا). (36)

17231- حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا إسماعيل بن صبيح اليشكري قال، حدثنا أبو أويس المدني, عن شرحبيل بن سعد, عن عويم بن ساعدة، وكان من أهل بدر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: إني أسمع الله قد أثنى عليكم الثَّناء في الطهور, (37) فما هذا الطهور؟ قالوا: يا رسول الله، ما نعلم شيئًا، إلا أن جيرانًا لنا من اليهود رأيناهم يغسلون أدبارهم من الغائط, فغسلنا كما غسلوا. (38)

17232- حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا محمد بن سعيد قال، حدثنا إبراهيم بن محمد, عن شرحبيل بن سعد قال: سمعت خزيمة بن ثابت يقول: نـزلت هذه الآية: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين)، قال: كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط.

17233- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبي ليلى, عن عامر قال: كان ناس من أهل قُباء يستنجون بالماء, فنـزلت: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين).

17234- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا شبابة بن سوار, عن شعبة, عن مسلم القُرِّيّ قال: قلت لابن عباس: أصبُّ على رأسي؟ = وهو محرم = قال: ألم تسمع الله يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ؟ (39)

17235- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص, عن داود، وابن أبي ليلى, عن الشعبي, قال، لما نـزلت: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: ما هذا الذي أثنى الله عليكم؟ قالوا: ما منَّا من أحدٍ إلا وهو يستنجي من الخلاء.

17236- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن عبد الحميد المدني, عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة: ما هذا الذي أثنى الله عليكم: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) ؟ قال: نوشك أن نغسل الأدبار بالماء! (40)

17237- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر, عن حصين, عن موسى بن أبي كثير قال: بدء حديث هذه الآية في رجال من الأنصار من أهل قباء: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين)، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: نستنجي بالماء. (41)

17238- حدثني المثنى قال، حدثنا أصبغ بن الفرج قال، أخبرني ابن وهب قال، أخبرني يونس, عن أبي الزناد قال: أخبرني عروة بن الزبير, عن عويم بن ساعدة، من بني عمرو بن عوف, ومعن بن عدي، من بني العجلان, وأبي الدحداح = فأما عويم بن ساعدة، فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنِ الذين قال الله فيهم: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجال، منهم عويم بن ساعدة = لم يبلغنا أنه سمّى منهم رجلا غير عويم. (42)

17239- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن هشام بن حسان قال، حدثنا الحسن قال: لما نـزلت هذه الآية: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذي ذكركم الله به في أمر الطهور, فأثنى به عليكم؟ قالوا: نغسل أثر الغائِطِ والبول.

17240- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن مالك بن مغول قال، سمعت سيارًا أبا الحكم يحدّث، عن شهر بن حوشب, عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة = أو قال: قدم علينا رسول الله = فقال: إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرًا أفلا تخبروني؟ " قالوا: يا رسول الله, إنا نجد علينا مكتوبًا في التوراة، الاستنجاءُ بالماء = قال مالك: يعني قوله: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا). (43)

17241- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية قال: لما نـزلت هذه الآية: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما طهوركم هذا الذي ذكرَ الله؟ قالوا: يا رسول الله، كنا نستنجي بالماء في الجاهلية, فلما جاء الإسلام لم ندعْه. قال: فلا تدَعوه.

17242- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان في مسجد قُباء رجال من الأنصار يوضِّئون سَفِلَتهم بالماء، (44) يدخلون النخل والماء يجري فيتوضئون، فأثنى الله بذلك عليهم فقال: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)، الآية.

17243- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء قال: أحدث قوم الوضوء بالماء من أهل قباء, فنـزلت فيهم: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين).

* * *

وقيل: (والله يحب المطهرين)، وإنما هو: " المتطهِّرين ", ولكن أدغمت التاء في الطاء, فجعلت طاء مشددة، لقرب مخرج إحداهما من الأخرى. (45)

----------------------

الهوامش :

(18) الأثر : 17201 - " إبراهيم بن طهمان الخراساني " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 3762 ، 3727 ، 4931 .

و " عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع " ، مولى سعيد بن العاص . رأى أبا هريرة ، وأبا قتادة ، وابن عمر ، وأبا أسيد ، يضفرون لحاهم . مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 156 . وسيأتي في الأثرين التاليين رقم : 17202 ، 17203 .

وأما قوله : " أرسلني محمد بن أبي هريرة " ، فإني أرتاب فيه كل الارتياب ، وأرجح أنه : " محرر بن أبي هريرة " ، ولم أجد لأبي هريرة ولد يقال له " محمد " ، بل ولده هم " المحرر بن هريرة " ، و " وعبد الرحمن بن أبي هريرة " ، و " بلال بن أبي هريرة " . ومضى " المحرر بن أبي هريرة " برقم : 2863 ، 16368 - 16370 .

(19) الأثر : 17202 - " القاسم بن عمرو بن محمد العنقزي " ، مولى قريش ، سمع أباه . مترجم في الكبير 4 / 1 / 172 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 115 ، ولم يذكرا فيه جرحا .

" الدراوردي " ، هو " عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 10676 ، 15714 .

و " عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع " ، مضى في الأثر السالف .

(20) الأثر : 17203 - " ربيعة بن عثمان بن ربيعة التيمي " ، ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 264 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 476 .

و " عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع " ، مضى في الأثرين السالفين .

(21) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها ، استظهرتها من لفظ حديث مسلم . ولو قلت " قال قال أبي " ، لكان مطابقا لما في المسند .

(22) في المخطوطة : " ثم هكذا سمعت أباك يذكر " ، وفي المطبوعة حذف " ثم " وجعل " يذكر " ، " يذكره " . فزدت ما بين القوسين إتماما للسياق . ونص روايته مسلم : " قالت فقلت : أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره " .

(23) الأثر : 17206 - رواه مسلم في صحيحه 9 : 168 ، 169 من هذه الطريق نفسها ، مع اختلاف يسير في بعض لفظه .

ورواه أحمد في مسنده 3 : 24 ، من هذه الطريق ، نفسها مع خلاف في بعض لفظه .

(24) الأثر : 17215 - " صالح بن حيان القرشي " ، ضعيف الحديث ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 276 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 398 ، وميزان الاعتدال 1 : 455 .

" ابن بريدة " ، هو " عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي " ، ثقة ، مضى برقم : 12523 .

(25) يعني الخبر الذي رواه أحمد ومسلم وأبو جعفر آنفا برقم : 17206 ، وما سيأتي من الأخبار .

(26) الأثر : 17218 - " ربيعة بن عثمان التيمي " ، ثقة ، مضى برقم : 17203 .

و " عمران بن أبي أنس العامري المصري " ثقة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 2 294 .

وأما قول أبي جعفر " رجل من الأنصار " ، فظني أن ذلك لأنه يقال إنه مولى " أبي خراش السلمي ، أو الأسلمي " ، قال ابن سعد : " كانوا يزعمون أنهم من بني عامر بن لؤى ، والناس يقولون إنهم موالي ، ثم انتموا بعد ذلك إلى اليمن " .

ولم أجدهم ذكروا له سماعا من سهل بن سعد الأنصاري ، وهو خليق أن يروى عنه ، لأن سهل بن سعد مات سنة 88 ، وعمران مات سنة 117 .

و " سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري " ، له ولأبيه صحبة ، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أبي بن كعب ، وعاصم بن عدي ، وعمرو بن عبسة ، ومروان بن الحكم ، وهو دونه .

وهذا الخبر تفرد به أحمد من هذه الطريق نفسها ، في مسنده 5 : 331 ، ثم رواه في ص : 335 ، من طريق عبد الله بن عامر ، عن عمران بن أبي أنس ، عن سهل بن سعد ، وانظر الخبر التالي .

وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 34 ، وقال : " رواه أحمد والطبراني باختصار ، ورجالهما رجال الصحيح " .

(27) الأثر : 17219 - " عبد الله بن عامر الأسلمي " ، ضعيف ، ذاهب الحديث ، مضى برقم : 15586 .

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5 : 117 ، من طريق أبي نعيم ، عن عبد الله بن عامر الأسلمي ، ومن طريق عبد الله بن الحارث الأسلمي ، عن عبد الله بن عامر .

وهذا إسناد ضعيف ، لضعف " عبد الله بن عامر الأسلمي " .

(28) الأثر : 17220 - هذا حديث صحيح ، رواه الترمذي في كتاب التفسير ، ورواه أحمد في مسنده 3 : 8 ، 89 ، وقال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح . وقد روى هذا عن أبي سعيد من غير هذا الوجه ، رواه أنيس بن أبي يحيى ، عن أبيه ، عن أبي سعيد " ، وهو ما سيرويه ، أبو جعفر من رقم : 17222 - 17224 .

(29) الأثر : 17221 - " بحر بن نصر بن سابق الخولاني " ، شيخ أبي جعفر ، مضى برقم : 10588 ، 10647 .

وهذا الخبر ، ذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 243 ، من مسند أحمد قال : " حدثنا موسى بن داود قال ، حدثنا ليث ، عن عمران بن أبي أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد قال : تمارى رجلان " . ولم أستطع أن أستخرجه من المسند في ساعتي هذه ، وقال ابن كثير : " تفرد به أحمد " .

(30) الأثر : 17222 - " سحبل بن محمد بن أبي يحيى سمعان الأسلمي " ، هو " عبد الله بن محمد بن أبي يحيى " ، وقد ينسب إلى جده . ثقة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 156 .

وفي بعض الكتب غير مضبوط " سحيل " بالياء ، وضبطه في التقريب بفتح السين المهملة ، وسكون الحاء ، بعدها موحدة . وكان في المطبوعة : " سجل " ، والصواب ما في المخطوطة .

و " أنيس بن أبي يحيى سمعان الأسلمي " ، ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 43 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 334 .

وأبوه " سمعان " ، " أبو يحيى ، الأسلمي " ، تابعي ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 205 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 316 .

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3 : 23 من طريق : يحيى ، عن أنيس بن أبي يحيى ، بنحوه .

ثم رواه أيضا 3 : 91 من طريق صفوان ، عن أنيس ، بنحوه ( رواه أبو جعفر برقم : 17224 ) .

وإسناده صحيح . وسيأتي من طرق أخرى بعده .

(31) الأثر : 17223 - مكرر الذي قبله .

(32) الأثر : 17224 - رواه أحمد في مسنده ، كما أشرت إليه في التعليق على رقم : 17222 .

و " صفوان بن عيسى الزهري " ، من شيوخ أحمد ، ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 310 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 425 .

(33) الأثر : 17225 - حديث شهر بن حوشب المرسل ، سيأتي ذكره في التعليق على رقم : 17228 ، بعده .

(34) الأثر : 17228 - حديث شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، سيأتي من طرق ، هذا ثم : 17229 - 17231 ، 17240 .

" جابر بن الكردي بن جابر الواسطي "، شيخ الطبري، ثقة مضى برقم: 7216.

و"محمد بن سابق التميمي"، ثقة ، قيل إنه ليس ممن يوصف بالضبط في الحديث . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 111 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 283 ، ولم يذكرا فيه جرحا .

و " مالك بن مغول بن عاصم البجلي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 5431 ، 10872 ، 14268 .

و " سيار ، أبو الحكم العنزي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 39 .

و " شهر بن حوشب الأشعري " ، ثقة ، مضى برقم : 1489 ، 5244 ، 6650 - 6652 ، وبعدها كثير .

و " محمد بن عبد الله بن سلام بن الحارث الخزرجي الإسرائيبلي " ، له رؤية ورواية محفوظة . مترجم في تعجيل المنفعة : 366 ، 367 ، والكبير 1 / 1 / 18 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 297 ، والاستيعاب : 234 ، 235 ، وأسد الغابة 4 : 324 ، والإصابة ، في ترجمته .

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 6 : 6 ، من طريق " يحيى بن آدم ، حدثنا مالك - يعني ابن مغول - قال سمعت سيارا أبا الحكم غير مرة يحدث عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال : لما قدم رسول الله . . . " .

ورواه البخاري في التاريخ الكبير 1 / 1 / 18 من طريق محمد بن يوسف ، عن مالك بن مغول ، بنحوه ، ثم قال : " وقال إسحاق ، عن جرير ، عن ليث ، عن رجل من الأنصار من أهل قباء : لما نزلت ، بهذا " . فبين الاختلاف فيه على شهر بن حوشب ، وأنه أبهم الرجل من الأنصار .

وأشار إليه الحافظ ابن عبد البر في ترجمته وقال : " حديثه مخرج في التفسير ، ويختلف في إسناد حديثه هذا ، ومنهم من يجعله مرسلا " ، والمرسل هو رواية الطبري السالفة رقم : 17225 ، وقال ابن حجر في الإصابة : " قال ابن منده : رواه داود بن أبي هند ، عن شهر مرسلا ، لم يذكر محمد ولا أباه " .

ورواه ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمته .

وسيأتي في رقم : 17230 ، قول يحيى بن آدم " ولا أعلم إلا عن أبيه " . فانظر التعليق على الأثر هناك .

(35) الأثر : 17229 - " يحيى بن رافع " ، هكذا جاء في الموضعين في مطبوعة الطبري ومخطوطته ، ولا أدري كيف وقع هذا ، فليس في هذه الطبقة من الرواة من أعرفه يقال له " يحيى بن رافع " ، وأما "يحيى بن رافع الثقفي" ، فهذا قديم جدا سمع عثمان وأبا هريرة ، ومضى برقم : 5777 ، ولكنه لما وقع هكذا في الموضعين أثبته على حاله .

أما الذي لا أكاد أشك فيه ، فالصواب أنه " يحيى بن آدم " ، كما جاء في مسند أحمد ، وكما ذكره الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة ، والإصابة ، وذكر أيضا رواية أبي هشام الرفاعي عن يحيى بن آدم ، كما سترى بعد ، من طريق البغوي .

وهذا الخبر ، رواه ابن حجر في الإصابة ، وقال : " أخرجه أحمد ، والبخاري في تاريخه ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وابن قانع ، والبغوي " . وانظر التعليق على رقم : 17228 ، وعلى رقم : 17230 .

(36) الأثر : 17230 - هكذا " يحيى بن رافع " ، والصواب المرجح " يحيى بن آدم " كما سلف في التعليق الماضي .

ومن هذا الطريق ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة وتعجيل المنفعة ، وفيه زيادة " ولا أعلمه إلا عن أبيه " ، ونسبه إلى البغوي في الصحابة ، ثم أعقبه بقوله : " قال قال أبو هشام ( يعني الرفاعي ) ، وكتبته من أصل كتاب يحيى بن آدم ، ليس فيه عن أبيه " ثم قال : " وقال البغوي : حدث به الفريابي ، عن مالك بن مغول ، عن سيار ، عن شهر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يذكر أباه " .

ثم قال : " روى سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول ، فزاد فيه : عن أبيه . وقال أبو زرعة الرازي : الصحيح عندنا عن محمد ، ليس فيه : عن أبيه " .

وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 1 : 212 ، 213 على محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، ثم قال : " رواه الطبراني في الكبير ، وفيه شهر بن حوشب ، وقد اختلفوا فيه . ولكنه وثقه أحمد وابن معين ، وأبو زرعة ، ويعقوب بن أبي شيبة " ثم خرجه عن محمد بن عبد الله بن سلام ، ثم قال : " رواه أحمد عن محمد بن عبد الله بن سلام ، ولم يقل : عن أبيه ، كما قال الطبراني . وفيه شهر أيضا " .

فهذا الذي ذكرته دال ، أولا ، على أن صواب الاسم " يحيى بن آدم " ، لا " يحيى بن رافع " كما وقع في المخطوطة والمطبوعة . ودال أيضا على الاختلاف في هذا الخبر اختلافا يوجب النظر .

ثم بقي شيء آخر ، لم أجد من ذكره في الكلام على هذا الخبر ، أرجو أن أكون أصبت في ذكره وبيانه .

وذلك أن الثناء من الله على رجال يحبون أن يتطهروا ، كانوا يلزمون المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، وهو مسجد قباء بلا شك . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سأل هؤلاء عن ثناء الله عليهم . وهؤلاء الرجال هم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، ومنزلهم بقباء . وهم قوم عرب على دينهم في الجاهلية ، لم يذكر أحد أنهم كانوا يهودا .

وخبر شهر بن حوشب هذا ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، ذكر فيه ثناء الله على هؤلاء الرجال ، وأن جوابهم كان : " إنا نجد عندنا مكتوبا في التوراة ، الاستنجاء بالماء " ، فظاهر هذا الخبر يدل على أن دينهم كان اليهودية . وذلك ما لم أجد قائلا قال به .

و " محمد بن عبد الله بن سلام " ، وأبوه " عبد الله بن سلام بن الحارث " ، من بني قينقاع ، من اليهود ، من ذرية يوسف النبي عليه السلام ، وكان عبد الله بن سلام حليف القواقل من الخزرج ، وهم بنو عمرو بن عوف بن الخزرج ، وليسوا من " بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس " في شيء ، ومنازل هؤلاء غير منازل هؤلاء. وفي إسلام عبد الله بن سلام (سيرة ابن هشام 2 : 163) ، أنه قال، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرته : " فلما نزل بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه ، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها " ، فعبد الله بن سلام ، وولده لم يكن منهم أحد بقباء .

فقوله في الخبر رقم : 17228 " قام علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا أخبروني . . . " ، إلى آخر الخبر ، مشكل جدا ، لأن الخبر خبر محمد بن عبد الله بن سلام ، والضمير فيه راجع إليه وإلى قومه أو حلفائه بني عمرو بن عوف بن الخزرج ، وهذا لا يصح البتة ، بدليل قوله في الذي يليه : أن ذلك كان " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قباء " .

وهذا الذي ذكرت اضطراب شديد في صلب الخبر ، لا يرفعه شيء . ومهما يكن من أمر إسناده ، واختلاف المختلفين فيه على شهر بن حوشب ، فإن علته في سياقه ، أشد من علته في إسناده عندي . والله أعلم من أين أتى هذا الاضطراب ؟ والذي لا شك فيه : أنه بعيد جدا أن يكون هذا الجواب من كلام بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، وأنه أشبه بأن يكون كلام أحد من حلفائهم اليهود .

وأوضح منه ما جاء في خبر عويم بن ساعدة ( رقم : 17231 ) ، وهو : " ما نعلم شيئا ، إلا أن جيرانا لنا من اليهود ، رأيناهم يغسلون أدبارهم من الغائط ، فغسلنا كما غسلوا " . فهذا أبين ، وأقرب إلى سياق ما سئلوا عنه ، وأدنى إلى رفع الاضطراب . والله تعالى أعلم .

(37) في المسند : " قد أحسن عليكم الثناء " ، ولو قرئ ما في المخطوطة : " قد أسنى " بمعنى : رفع ، لكان حسنا .

(38) الأثر : 17231 - " عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى بن هلال الأسدي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 11125 .

و " إسماعيل بن صبيح اليشكري " ، ثقة ، مضى برقم : 2996 ، 8640 ، 11158 .

و " أبو أويس المدني " ، هو " عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك الصبحي " ، صدوق ، ليس بحجة ، مضى برقم : 8640 .

و " شرحبيل بن سعد الخطمي " ، قال أخي السيد أحمد فيما سلف رقم : 8396 : " الحق أنه ثقة ، إلا أنه اختلط في آخر عمره ، إذ جاوز المئة . وقد فصلنا القول فيه في شرح المسند : 2104 . وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما ، والكلام في تضعيفه شديد ، وذكر الحافظ ابن حجر في التهذيب ، روايته عن عويم بن ساعدة فقال : " وفي سماعه من عويم بن ساعدة نظر ، لأن عويما مات في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقال : في خلافة عمر رضي الله عنه ".

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3 : 422 من طريق حسين بن محمد ، عن أبي أويس ، بنحوه .

وذكره ابن كثير في تفسير 4 : 41 ، ثم قال : " ورواه ابن خزيمة في صحيحه " . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 1 : 212 ، وقال : " رواه أحمد ، والطبراني في الثلاثة . وفيه شرحبيل بن سعد ، ضعفه مالك ، وابن معين ، وأبو زرعة ، وثقه ابن حبان " .

(39) الأثر : 17234 - " مسلم القري " بضم القاف وتشديد الراء ، نسبة إلى بني قرة ، من عبد القيس وهو مولاهم = هو : " مسلم بن مخراق العبدي الفريابي " ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 271 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 194 .

(40) الأثر : 17236 - " عبد الحميد المدني " . ظني أنه " عبد الحميد بن سليمان الخزاعي ، أبو عمر المدني الضرير " ، روى عن أبي حازم ، وأبي الزناد ، وروى عنه هشيم ، وهو من أقرانه ، ضعيف الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 14 .

و " إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري " ، ظني أيضا أنه " إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية الأنصاري المدني " ، روى عن الزهري وغيره ، وهو ضعيف أيضا ، كثير الوهم . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 271 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 84 .

وفي تفسير ابن كثير 4 : 241 " عن إبراهيم بن المعلى الأنصاري " ، ولم أجد له ذكرا في كتب الرجال .

(41) الأثر : 17237 - " عبد الرحمن بن سعد " ، هو " عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي " ، مضى برقم : 10666 ، 10855 ، 17011 .

و " أبو جعفر " هو " أبو جعفر الرازي " ، مضى مرارا كثيرة.

و " حصين " هو " حصين بن عبد الرحمن السلمي " ، مضى مرارا آخرها : 16671 .

و " موسى بن أبي كثير الأنصاري " ، ثقة ، في الحديث : مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 293 ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 7 .

(42) الأثر : 17238 - " أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع الأموي " ، الفقيه المصري ، ثقة كان وراق ابن وهب ، وكان من أجل أصحابه ، وكان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك، مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 37 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 321 .

وهذا الخبر جزء من حديث السقيفة ( الفتح 12 : 133 ) ، وعلق عليه الحافظ ابن حجر هناك ، وذكر طرقه . وذكره في الإصابة في ترجمة " عويم بن ساعدة " ، وذكر هذه الزيادة عن الإسماعيلي قال : " وزاد الإسماعيلي في روايته قال الزهري ، فأخبرني عروة بن الزبير أن الرجلين اللذين لقياهما ، هما : عويم بن ساعدة ، ومعن بن عدي ، فأما عويم ، فهو الذي بلغنا . . . " ، بنحوه .

وخبر السقيفة ، رواه البخاري ( الفتح 12 : 128 - 139 ) من طريق عبد العزيز بن عبد الله ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس .

ورواه أحمد في مسنده رقم : 391 ، من طريق مالك بن أنس ، عن ابن شهاب الزهري . ( وفي المسند : " عويمر بن ساعدة " ، وهو خطأ ، صوابه : عويم بن ساعدة ) .

ورواه ابن سعد الطبقات 3 / 2 / 31 ، مختصرا ، وفيه نحو خبر لفظ أبي جعفر ، من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري ، عن أبيه ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، وفيه " قال ابن شهاب : وأخبرني عروة بن الزبير أن الرجلين اللذين لقومهما ، عويم بن ساعدة ، ومعن بن عدي . فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا . . . " ، بنحوه .

(43) الأثر : 17240 - هذا مكرر الآثار السالفة من رقم : 17225 ، ثم رقم : 17228 - 17230 ، فانظر التعليق عليها هناك .

(44) قوله : " يوضئون سفلتهم " يعني ، يغسلون أدبارهم . و " السفلة " بمعنى المقعدة والدبر ، لم تذكر في كتب اللغة ، والمذكور بهذا المعنى " السافلة " . وضبطتها " بفتح السين وكسر الفاء " قياسا على قولهم : " سفلة البعير " ، وهي قوائمه ، لأنها أسفل .

(45) انظر تفسير " المطهر " فيما سلف 4 : 384 .

التدبر :

وقفة
[108] يستفاد من الآية صحة ما اتفق عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين مع عمر رضي الله تعالى عنه حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم على أن يكون من عام الهجرة؛ لأنه الوقت الذي أعزَّ اللهُ فيه الإسلام، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل, وفهمنا الآن بنقلهم أن قوله تعالى: (من أول يوم) أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي نؤرخ به الآن.
وقفة
[108] ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ كما تعتني بالعبادة؛ فاعتن بالمكان الذي تؤدي فيه العبادة.
وقفة
[108] ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ نهاه الله عن القيام في مسجد تدنس بأنفاس المنافقين وهو مسجد! فكيف بقناة زندقة وصحيفة رذيلة؟!
وقفة
[108] ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ ما بني على باطل وأقيم للصد عن دين الله يجب هدمه، ومحو أثره.
وقفة
[108] ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ للمعصية أثر وشؤم حتى على المكان.
عمل
[108] ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ احذر أن يتخذك المنافقون دليلًا يرجعون إليه، أو كهفًا يختبئون فيه، أو جدارًا يحتمون به، أو جسرًا يعبرون عليه.
عمل
[108] لا تكن عونًا لمن يريد تمزيق شمل الأمة، أو إفساد جيلها، أو تغريب نسائها، وتذكر قول الله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾.
وقفة
[108] رياء المرائين صير مسجد الضرار مزبلة وخربة: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾، وإخلاص المخلصين رفع قدر التَّفِث: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ, لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ» [الترمذي 3854، وصححه الألباني].
وقفة
[108] النوايا الصادقة أصحابُها مخلدون ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ﴾.
عمل
[108] ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ أَسّس يومك من أوله على التقوى، واجعل صلاة الفجر هي اللبنة الأولى.
وقفة
[108] ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾ تأمل: أول يوم ؛ الأولية المرضية من معايير الأفضلية.
عمل
[108] ساعد اليوم إحدى المؤسسات المعروف أصحابها بالخير والصلاح ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾.
وقفة
[108] دين الله لا يقبل المداهنة لبشر على حساب الحق البيّن ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾.
وقفة
[108] المعصية تؤثر في البقاع؛ كما أثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار، ونهي عن القيام فيه، وكذلك الطاعة تؤثر في الأماكن كما أثرت في مسجد قباء، حتى قال الله فيه: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾؛ ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره، حتى كان النبي ﷺ يزور قباء كل سبت يصلي فيه، وحث على الصلاة فيه.
وقفة
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ أولئك المتعلقة قلوبهم بالمساجد؛ هم أطهر الخلق حقيقة ومعنى.
عمل
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ إذا أردت أن تزكي وتطهر قلبك، اجلس في المسـجد واذكـر ربك.
وقفة
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ معنى العبودية كله في الحب، لا تتوضأ فحسب بل أحب الوضوء.
وقفة
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ شهد الله بالرجولة لأهل المساجد، ﴿يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال﴾؛ فيا باغي الرجولة الزم مصانعها .
وقفة
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ أثنى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على من أحب الطهارة وآثر النظافة، وهي مروءة آدمية، ووظيفة شرعية.
وقفة
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ أحبهم الله فحبب إليهم ما يحب، ثم أحبهم لذلك الحب.
وقفة
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ هؤلاء أهل المساجد: رجولة وطهارة ومحبة من الله؛ فيا لخسارة تارك الصلاة!
عمل
[108] ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ إذا أردت أن تطهر قلبك، فأكثر الجلوس في المسجد.
عمل
[108] حاول أن تكون على طهارة طوال اليوم إن استطعت ذلك بلا مشقة ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
وقفة
[108] هل تريد أن تطهر قلبك؛ عليك بالمسجد، تأمل: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
وقفة
[108] الإسلام دين الطهارة، وهي عبادة يحبها الله تعالى، وقد أثنى على أهل قباء بقوله: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
وقفة
[108] ﴿يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ وصف مرتادي مساجد التقوى بالطهارة بعكس مرتادي مساجد الضرار، الوضوء هو الفرق بين المؤمن والمنافق.
وقفة
[108] ﴿يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ أن تعمل المأمور منزلة، وأن تحب المأمور مع عملك له منزلة.
وقفة
[108] من صفات المؤمنين: محبتهم للطهارة والتقرب إلى الله بالوضوء ﴿يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾.
وقفة
[108] ﴿يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ هل تحب أن تكون دائمًا متطهرًا؛ لتكون الطهارة خلقًا لك، فتقتدي بنبيك ﷺ وتحظى بمحبة ربك ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
وقفة
[108] ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ الوضوء عبادة لا تتجاوز دقيقة، بها ينزل حب من السماء.
اسقاط
[108] ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ كُنْ طاهرًا متوضئًا في كل حين؛ تَظْفر بـ (حُبِّ اللهِ) ربِّ العالمين.
وقفة
[108] الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر عبادة يتقرّب بها المسلم إلى ربِّه، يستبيح بها الصلاة، وهي نصف الإيمان فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ» [مسلم: 223]، وهي سبب لمحبّة اللهِ لك، قال سبحانه: ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
وقفة
[108] الوضوء طهارة بدنية حسية، وقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله» بعد الوضوء طهارة قلبية معنوية ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
تفاعل
[108] ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً:
  • لا: ناهية جازمة. تقم: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. فيه: جار ومجرور متعلق بتقم. أبدا: ظرف زمان للتاكيد في المستقبل يدل على الاستمرار منصوب على الظرفية الزمانية وعلامة نصبه الفتحة المنونة لانقطاعه عن الاضافة.
  • ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى:
  • اللام لام الابتداء لا عمل لها معناها التوكيد. مسجد: مبتدأ مرفوع بالضمة. أسسّ: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.على التقوى: جار ومجرور متعلق بأسس وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر وجملة «أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى» في محل رفع صفة لمسجد.
  • ﴿ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ:
  • جار ومجرور متعلق بأسس. يوم: مضاف اليه مجرور بالكسرة. أحق: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعل» صيغة تفضيل. ومن: لابتداء الغاية وبمعنى:منذ أو يوم.
  • ﴿ أَنْ تَقُومَ فِيهِ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. تقوم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. فيه: جار ومجرور متعلق بتقوم و «أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف مقدّر بتقدير أحق بالإقامة فيه. وجملة «تَقُومَ فِيهِ» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا:
  • لجملة: في محل رفع صفة ثانية.لمسجد. فيه: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. رجال: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. يحبون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يُحِبُّونَ وما بعدها» في محل رفع صفة لرجال أن: حرف مصدري ناصب. يتطهروا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و«أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به ليحبّون.
  • ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على لفظ الجلالة: المطهرين: أي المتطهرين أدغمت التاء في الطاء: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته وجملة «يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ» في محل رفع خبر المبتدأ. '

المتشابهات :

آل عمران: 134﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
آل عمران: 146﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
آل عمران: 148﴿فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
المائدة: 93﴿إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
التوبة: 108﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اتَّخَذُوا مَسْجِدَ قُباءٍ، وبَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ يَأْتِيَهم، فَأتاهم فَصَلّى فِيهِ، فَحَسَدَهم إخَوَتُهم بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، وقالُوا: نَبْنِي مَسْجِدًا ونُرْسِلُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَما صَلّى في مَسْجِدِ إخْوانِنا، ولْيُصَلِّ فِيهِ أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ إذا قَدِمَ مِنَ الشّامِ، وكانَ أبُو عامِرٍ قَدْ تَرَهَّبَ في الجاهِلِيَّةِ وتَنَصَّرَ ولَبِسَ المُسُوحَ، وأنْكَرَ دِينَ الحَنِيفِيَّةِ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ وعاداهُ، وسَمّاهُ النَّبِيُّ ﷺ أبا عامِرٍ الفاسِقَ، وخَرَجَ إلى الشّامِ، وأرْسَلَ إلى المُنافِقِينَ أنْ أعِدُّوا واسْتَعِدُّوا بِما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وسِلاحٍ، وابْنُوا لِي مَسْجِدًا، فَإنِّي ذاهِبٌ إلى قَيْصَرَ فَآتِي بِجُنْدِ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ. فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا إلى جَنْبِ مَسْجِدِ قُباءٍ، وكانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: خِذامُ بْنُ خالِدٍ - ومِن دارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشِّقاقِ - وثَعْلَبَةُ بْنُ حاطِبٍ، ومُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وأبُو حَبِيبَةَ بْنُ الأزْعَرِ، وعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، وجارِيَةُ بْنُ عامِرٍ، وابْناهُ مُجَمِّعٌ وزَيْدٌ، ونَبْتَلُ بْنُ الحارِثِ، وبَحْزَجٌ، وبِجادُ بْنُ عُثْمانَ، ووَدِيعَةُ بْنُ ثابِتٍ. فَلَمّا فَرَغُوا مِنهُ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنّا قَدْ بَنَيْنا مَسْجِدًا لِذِي العِلَّةِ والحاجَةِ، واللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ واللَّيْلَةِ الشّاتِيَةِ، وإنّا نُحِبُّ أنْ تَأْتِيَنا فَتُصَلِّيَ لَنا فِيهِ. فَدَعا بِقَمِيصِهِ لِيَلْبَسَهُ فَيَأْتِيَهم، فَنَزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وأخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ خَبَرَ مَسْجِدِ الضِّرارِ وما هَمُّوا بِهِ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مالِكَ بْنَ الدَّخْشَمِ، ومَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ، وعامِرَ بْنَ السَّكَنِ، ووَحْشِيًّا قاتِلَ حَمْزَةَ، وقالَ لَهم: ”انْطَلِقُوا إلى هَذا المَسْجِدِ الظّالِمِ أهْلُهُ فاهْدِمُوهُ وأحْرِقُوهُ“ . فَخَرَجُوا، وانْطَلَقَ مالِكٌ وأخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأشْعَلَ فِيهِ نارًا، ثُمَّ دَخَلُوا المَسْجِدَ وفِيهِ أهْلُهُ، فَحَرَّقُوهُ وهَدَمُوهُ، وتَفَرَّقَ عَنْهُ أهْلُهُ. وأمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أنْ يُتَّخَذَ ذَلِكَ كُناسَةً تُلْقى فِيها الجِيَفُ والنَّتْنُ والقُمامَةُ. وماتَ أبُو عامِرٍ بِالشّامِ وحِيدًا غَرِيبًا. أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى، قالَ: أخْبَرَنا أبُو العَبّاسِ بْنُ إسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِيكالَ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ مُوسى الأهْوازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِيّا، قالَ: حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ الزِّبْرِقانِ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، عَنْ أبِيها قالَ: إنَّ المُنافِقِينَ عَرَضُوا المَسْجِدَ يَبْنُونَهُ لِيُضاهُونَ بِهِ مَسْجِدَ قُباءٍ، وهو قَرِيبٌ مِنهُ، لِأبِي عامِرٍ الرّاهِبِ، يَرْصُدُونَهُ إذا قَدِمَ لِيَكُونَ إمامَهم فِيهِ، فَلَمّا فَرَغُوا مِن بِنائِهِ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنّا بَنَيْنا مَسْجِدًا فَصَلِّ فِيهِ حَتّى نَتَّخِذَهُ مُصَلًّى. فَأخَذَ ثَوْبَهُ لِيَقُومَ مَعَهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا﴾ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [108] لما قبلها :     وبعد ذم مسجد الضِّرارِ؛ نهى اللهُ عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه، ثم بَيَّنَ فضل مسجدِ قُباءِ، قال تعالى:
﴿ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فيه فيه:
وقرئا:
بكسر الهاء فى الأولى وضعها فى الثانية، وهى قراءة عبد الله بن يزيد.
يتطهروا:
وقرئ:
يطهروا، بالإدغام، وهى قراءة ابن مصرف، والأعمش.
المتطهرين:
وقرئ:
المطهرين، وهى قراءة ابن أبى طالب.

مدارسة الآية : [109] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى ..

التفسير :

[109] لا يستوي مَن أسَّس بنيانه على تقوى الله وطاعته ومرضاته، ومَن أسَّس بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط، فبنى مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المسلمين، فأدَّى به ذلك إلى السقوط في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين المتجاوزين حدوده.

ثم فاضل بين المساجد بحسب مقاصد أهلها وموافقتها لرضاه فقال‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ على نية صالحة وإخلاص ‏{‏وَرِضْوَانٌ‏}‏ بأن كان موافقا لأمره، فجمع في عمله بين الإخلاص والمتابعة، ‏{‏خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا‏}‏ أي‏:‏ على طرف ‏{‏جُرُفٍ هَارٍ‏}‏ أي‏:‏ بال، قد تداعى للانهدام، ‏{‏فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ لما فيه مصالح دينهم ودنياهم‏.‏

ثم بين- سبحانه- أنه لا يستوي من أسس بنيانه على الحق، ومن أسس بنيانه على الباطل فقال: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ، أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ...

قال صاحب الكشاف: قرئ أسّس بنيانه، وأسّس بنيانه على البناء للفاعل والمفعول.

والشفا: الحرف والشفير. وحرف الوادي: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول، فيبقى واهيا، والهار وهو المتصدع الذي أوشك على التهدم- وهار صفة لجرف، أى جرف موصوف بأنه هائر أى متساقط.

والمعنى: أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة، وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه «خير أم من» أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلها بقاء، وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل «شفا جرف هار» في قلة الثبات والاستمساك. وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى، لأنه جعل مجازا عما ينافي التقوى.

فإن قلت: فما معنى قوله: «فانهار به في نار جهنم» .

قلت: لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل، قيل: فانهار به في نار جهنم، على معنى:

فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف، وليتصور أن المبطل كأنه أسس بنيانه على شفا جرف من أودية جهنم. فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها، ولا ترى أبلغ من هذا الكلام، ولا أدل منه على حقيقة الباطل وكنه أمره» .

وقال صاحب المنار ما ملخصه: والمراد بالمثل هنا بيان ثبات الحق الذي هو دين الإسلام وقوته، ودوامه، وسعادة أهله به، وذكره بأثره وثمرته في عمل أهله وجماعها التقوى، وبيان ضعف الباطل واضمحلاله وقرب زواله، وخيبة صاحبه، وسرعة انقطاع آماله.

وقد ذكر في وصف بنيان الفريق الأول وهم المؤمنون المشبه دون المشبه به لأنه هو المقصود بالذات وذكر من وصف الفريق الثاني- وهم المنافقون- الهيئة المشبه بها دون المشبه، لأنه ذكر قبل ذلك مقاصدهم الخبيثة من بناء مسجد الضرار. وهذا من دقائق إيجاز القرآن» .

وقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أى مضت سنة الله- تعالى- في خلقه أنه- سبحانه- لا يهدى إلى طريق الخير أولئك الذين استحبوا العمى على الهدى وظلموا أنفسهم بوضعهم الأمور في غير مواضعها.

يقول تعالى : لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى الله ورضوان ، ومن بنى مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ، فإنما بنى هؤلاء بنيانهم ( على شفا جرف هار ) أي : طرف حفيرة مثاله ( في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي : لا يصلح عمل المفسدين .

قال جابر بن عبد الله : رأيت المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن جريج ذكر لنا أن رجالا حفروا فوجدوا الدخان يخرج منه . وكذا قال قتادة .

وقال خلف بن ياسين الكوفي : رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله تعالى في القرآن ، وفيه جحر يخرج منه الدخان ، وهو اليوم مزبلة . رواه ابن جرير رحمه الله .

وقوله : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) أي : شكا ونفاقا بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع ، أورثهم نفاقا في قلوبهم ، كما أشرب عابدو العجل حبه .

القول في تأويل قوله : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: (أفمن أسس بنيانه).

فقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة: (أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ)، على وجه ما لم يسمَّ فاعله في الحرفين كليهما.

* * *

وقرأت ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: " أَفَمَنْ أُسِّس بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أُسِّس بُنْيَانَهُ " ، على وصف " من " بأنه الفاعل الذي أسس بنيانه. (46)

* * *

قال أبو جعفر: وهما قراءتان متفقتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. غير أن قراءته بتوجيه الفعل إلى " من "، إذ كان هو المؤسس، (47) أعجبُ إليّ.

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: أيُّ هؤلاء الذين بنوا المساجد خير، أيها الناس، عندكم: الذين ابتدءوا بناء مسجدهم على اتقاء الله، بطاعتهم في بنائه، وأداء فرائضه ورضًى من الله لبنائهم ما بنوه من ذلك، وفعلهم ما فعلوه = خيرٌ, أم الذين ابتدءوا بناءَ مسجدهم على شفا جُرفٍ هارٍ؟

يعني بقوله: (على شفا جرف)، على حرف جُرُف. (48)

* * *

و " الجرف "، من الركايا، ما لم يُبْنَ له جُولٌ (49)

* * *

(هار)، يعني متهوِّر. وإنما هو " هائر "، ولكنه قلب, فأخرت ياؤها فقيل: " هارٍ"، كما قيل: " هو شاكي السلاح "، (50) و " شائك ", وأصله من " هار يهور فهو هائر "، وقيل: " هو من هارَ يهار "، إذا انهدم. ومن جعله من هذه اللغة قال: " هِرْت يا جرف "، ومن جعله " من هار يهور "، قال: " هُرْت يا جرف ".

* * *

قال أبو جعفر: وإنما هذا مَثَلٌ. يقول تعالى ذكره: أيّ هذين الفريقين خير؟ وأيّ هذين البناءين أثبت؟ أمَن ابتدأ أساس بنائه على طاعة الله، وعلمٍ منه بأن بناءه لله طاعة، والله به راضٍ, أم من ابتدأه بنفاق وضلال، وعلى غير بصيرة منه بصواب فعله من خطئه, فهو لا يدري متى يتبين له خطأ فعله وعظيم ذنبه، فيهدمه, كما يأتي البناءُ على جرف ركيَّةٍ لا حابس لماء السيول عنها ولغيره من المياه، ثَرِيّةِ التراب متناثرة، (51) لا تُلْبِثه السيول أن تهدمه وتنثره؟

= يقول الله جل ثناؤه: (فانهار به في نار جهنم)، يعني فانتثر الجرف الهاري ببنائه في نار جهنم. كما:-

17244- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (فانهار به)، يعني قواعده =(في نار جهنم). (52)

17245- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فانهار به)، يقول: فخرَّ به.

17246- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله)، إلى قوله: (فانهار به في نار جهنم)، قال: والله ما تناهَى أنْ وقع في النار. ذكر لنا أنه تحفَّرت بقعة منها، (53) فرُؤي منها الدخان.

17247- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: بنو عمرو بن عوف. استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بنيانه, فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فصلوا فيه الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد. قال: وانهار يوم الاثنين. قال: وكان قد استنظرهم ثلاثًا، السبت والأحد والاثنين =(فانهار به في نار جهنم), مسجد المنافقين، انهار فلم يتناهَ دون أن وقع في النار = قال ابن جريج: ذكر لنا أن رجالا حفروا فيه, فأبصروا الدخان يخرج منه.

17248- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا عبد العزيز بن المختار, عن عبد الله الداناج, عن طلق بن حبيب, عن جابر قوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ، قال: رأيت المسجد الذي بني ضرارًا يخرج منه الدخان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. (54)

17249- حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال، حدثنا أبو سلمة قال، حدثنا عبد العزيز بن المختار, عن عبد الله الداناج قال، حدثني طلق العنـزي, عن جابر بن عبد الله قال: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار. (55)

17250- حدثني سلام بن سالم الخزاعي قال، حدثنا خلف بن ياسين الكوفي قال: حججت مع أبي في ذلك الزمان = يعني: زمان بني أمية = فمررنا بالمدينة, فرأيت مسجد القبلتين = يعني مسجد الرسول = وفيه قبلة بيت المقدس، فلما كان زمان أبي جعفر, قالوا: يدخل الجاهل فلا يعرف القبلة! فهذا البناءُ الذي ترون، جرى على يَدِ عبد الصمد بن علي. ورأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله في القرآن, وفيه حجر يخرج منه الدخان, وهو اليوم مَزْبَلة. (56)

* * *

قوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين)، يقول: والله لا يوفق للرشاد في أفعاله، من كان بانيًا بناءه في غير حقه وموضعه, ومن كان منافقًا مخالفًا بفعله أمرَ الله وأمرَ رسوله.

-----------------------

الهوامش :

(46) في المطبوعة : " على وصف من بناء الفاعل " ، وهو خلط في الكلام ، صوابه ما في المخطوطة ، وهو ما أثبته .

(47) في المطبوعة : " إذا كان من المؤسس" وأثبت ما في المخطوطة ، وهو محض صواب .

(48) انظر تفسير " الشفا " فيما سلف 7 : 85 ، 86 .

(49) في المطبوعة : " من الركي " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 269 ، وهذا نص كلامه .

و " الركايا " جمع " ركية " ، وتجمع أيضا على " ركي " ، بحذف التاء ، وهي البئر . و " الجول " ( بضم الجيم ) ، هو جانب البئر والقبر إلى أعلاها من أسفلها .

وهذا التفسير الذي ذكره أبو عبيدة ، لم أجده في تفسير الكلمة في كتب اللغة ، ولكنه جائز صحيح المعنى ، إن صحت روايته .

(50) في المطبوعة : " شاك السلاح " ، والصواب ما في المخطوطة بالياء في آخره .

(51) في المطبوعة : " ترى به التراب متناثرا " ، غير ما في المخطوطة ، إذ كانت غير منقوطة ، ويقال : " أرض ثرية " ، إذا كانت ذات ثرى وندى . و " ثريت الأرض فهي ثرية " ، إذا نديت ولانت بعد الجدوبة واليبس .

(52) في المطبوعة ، أسقط " يعني " .

(53) في المطبوعة : " أنه حفرت بقعة منه " ، وأثبت ما في المخطوطة . وقوله " تحفرت " أي : صارت فيها حفرة ، وكأنه غيرها لأنها لم تذكر في كتب اللغة ، ولكنها قياس عربي عريق .

وقوله " منها " أي : من أرض مسجد الضرار .

(54) الأثر : 17248 - " عبد العزيز بن المختار الأنصاري ، الدباغ " ، ثقة ، روى له الجماعة . مضى برقم : 1685 .

و " عبد الله الداناج " ، هو " عبد الله بن فيروز " و " دانا " بالفارسية ، العالم . ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 136 .

و " طلق بن حبيب العنزي " ، ثقة ، سمع جابرا . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 360 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 490 .

وهذا خبر صحيح الإسناد ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 279 ، وقال : " أخرجه مسدد في مسنده ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه " . وسيأتي بإسناد آخر في الذي يليه .

(55) الأثر : 17249 - هو مكرر لأثر السالف .

" محمد بن مرزوق " ، هو " محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي " . شيخ الطبري ، مضى برقم 28 : 8224 .

و " أبو سلمة " ، هو : " موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي " ، ثقة . مضى برقم : 15202 .

(56) الأثر: 17250 - "سلام بن سالم الخزاعي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 252 ، 6529 .

و " خلف بن ياسين الكوفي " ، مضى برقم : 252 ، ورواية " سلام بن سالم الخراعي " عنه . وذكر أخي السيد أحمد هناك أنه قد يكون " خلف بن ياسين بن معاذ الزيات " ، وهو كذاب . والظاهر أنه هو هو ، لأن خلفا يروي في هذا الخبر عن أبيه ، وأبوه " ياسين بن معاذ الزيات " ، وهو أيضا ضعيف متروك الحديث ، وكان من كبار فقهاء الكوفة ، روى عن الزهري ، ومكحول ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو مترجم في لسان الميزان 6 : 238 ، والكبير 4 / 2 / 429 ، وقال : " يتكلمون فيه ، منكر الحديث " ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 312 ، وذكر أنه قد روى عنه ابنه خلف، ولكنه لم يترجم " خلف بن ياسين بن معاذ " . وهذا الخبر الشاهد بأن " ياسين " أبا "خلف"، كان على عهد بني أمية، ورواية خلف ابنه عنه، وشيوخ "ياسين" الذين روى عنهم ، كل ذلك دال على صواب ما ذهب إليه أخي ، من أن " خلف بن ياسين الكوفي " ، هو " خلف بن ياسين بن معاذ الزيات " .

التدبر :

وقفة
[109] ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ كلما قوي أساس التريبة اعتلى بناء الروح.
وقفة
[109] ﴿أَفَمَن أَسَّس بُنيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللَّهِ﴾ ألا كل بيت أسس على التقوى عامر، وكل بذرة كانت لله مبارَكَة ثمارها، وكل نية كانت لله مُوفَّق دَرْبُها.
وقفة
[109] من مقومات القوة الماديّة القوة القلبية (التقوى) ﴿أَفَمَن أَسَّس بُنيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضوان خير﴾.
وقفة
[109] ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾ لا يستوي من عمل عملًا قصد به وجه الله؛ فهذا العمل هو الَّذي سيبقى ويسعد به صاحبه، مع من قصد بعمله نصرة الكفر ومحاربة المسلمين؛ وهذا العمل هو الَّذي سيفنى ويشقى به صاحبه
وقفة
[109] انكشاف مآرب أهل الباطل، وظهورهم على حقيقتهم؛ يتيح لأهل الحق بناء مشاريعهم على أرض صلبة، وأسس متينة، لا على أوهام وجُرُفٍ هار، تدبر: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾.
وقفة
[109] ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ صاحب الباطل سرعان ما تزل قدمه نحو النار؛ لأنه ينجرف إلى سلسلة سيئات لا ينفك منها حتى تدخله فيها، وعلى رأس أهل الباطل: المنافقون.
وقفة
[109] من أراد علو بنيانه، فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه، وشدة الاعتناء به؛ فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه، فالموفق همته تصحيح الأساس وإحكامه، والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانه أن يسقط: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾.
عمل
[109] ادع الله تعالى أن تكون أعمالك مبنية على تقوى الله تعالى، وطلب رضوانه والإخلاص له ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾.
وقفة
[109] ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ وتأسيس البناء على التقوى والرضوان هو: بحسن النية فيه، وقصد وجه الله، وإظهار شرعه، والتأسيس على شفا جرف هار هو: بفساد النية، وقصد الرياء، والتفريق بين المؤمنين، فذلك على وجه الاستعارة والتشبيه البديع.
وقفة
[109] أي مشروع وفكرة وبنيان يؤسَّس على رضا الله وفي سبيله فسيرتقي به صاحبه في سلم الرضوان والأجر والتوفيق ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
تفاعل
[109] ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[109] ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ قلما تاب ظالم، وقلما رد المظالم، والسبب أن الله عاقبه على ظلمه بحرمانه من الهداية.
وقفة
[109] الضلال والخيبة وعدم الهداية مصير كل ظالم: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ [نوح: 24]، ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: 111].

الإعراب :

  • ﴿ أَفَمَنْ:
  • الهمزة: حرف استفهام لا محل لها. الفاء زائدة «تزيينيه» من: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ أَسَّسَ بُنْيانَهُ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. أسس: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بنيانه: مفعول به منصوب بالفتحة. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ:
  • جار ومجرور متعلق بأسس. تقوى:اسم مجرور بعلى وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر ولم تنون الكلمة- كونها نكرة- لأنها اسم رباعي مؤنث شأنها في ذلك شأن ..ذكرى .. نجوى. من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بتقوى.ورضوان: معطوفة بالواو على «تَقْوى» مجرور بالكسرة الظاهرة بتقدير:ورضوان منه.
  • ﴿ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا:
  • خير: خبر «مِنَ» مرفوع بالضمة وأصل الكلمة» أخير» حذفت الهمزة لأنها من دونها أفصح. أم: حرف عطف وهي متصلة لأنها سبقت بهمزة استفهام. الجملة بعد «أَمْ» معطوفة على «من أسس بنيانه على تقوى» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ جُرُفٍ هارٍ:
  • جرف: مضاف اليه مجرور بالكسرة. هار: صفة- نعت- لجرف مجرورة مثلها بالاضافة وأصلها: هور أي هائر.
  • ﴿ فَانْهارَ بِهِ:
  • الفاء: سببية. انهار: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. به: جار ومجرور متعلق بانهار.
  • ﴿ فِي نارِ جَهَنَّمَ:
  • جار ومجرور متعلق بانهار. جهنم: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للمعرفة والتأنيث.
  • ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة:مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود الى الله سبحانه. القوم: مفعول به منصوب بالفتحة. الظالمين:صفة- نعت- للقوم منصوبة بالياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته والجملة الفعلية «لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» في محل رفع خبر المبتدأ. '

المتشابهات :

البقرة: 258﴿فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
آل عمران: 86﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
التوبة: 19﴿لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
التوبة: 109﴿خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الصف: 7﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الجمعة: 5﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [109] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل مسجدَ الضرار ومسجدَ قُباءِ؛ بَيَّنَ هنا الفَرقَ بين المَسجِدَينِ في مقاصِدِ أهلهما، قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أسس ... أسس:
قرئا:
1- بالبناء للمفعول، وهى قراءة نافع، وابن عامر.
2- بالبناء للفاعل، وهى قراءة باقى السبعة.
3- الأولى على البناء للمفعول، والثانية على البناء للفاعل، وهى قراءة عمارة بن عائذ.
4- أسس، وهى قراءة نصر بن على.
5- أساس، جمع أس، ورويت عن نصر بن على أيضا، وأبى حيوة، ونصر بن عاصم.
6- أسس، بهمزة مفتوحة وسين مضمومة، ورويت عن نصر بن عاصم أيضا.
7- إساس، بالكسر.
8- أساس، بالفتح.
9- أس، بضم الهمزة وتشديد السين.
جرف:
قرئ:
1- بإسكان الراء، وهى قراءة جماعة، منهم: حمزة، وابن عامر، وأبو بكر.
2- بضمها، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [110] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ ..

التفسير :

[110] لا يزال بنيان المنافقين الذي بنوه مضارَّة لمسجد «قباء» شكّاً ونفاقاً ماكثاً في قلوبهم، إلى أن تتقطع قلوبهم بقتلهم أو موتهم، أو بندمهم غاية الندم، وتوبتهم إلى ربهم، وخوفهم منه غاية الخوف. والله عليم بما عليه هؤلاء المنافقون من الشك وما قصدوا في بنائه

‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ شكا، وريبا ماكثا في قلوبهم، ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏ بأن يندموا غاية الندم ويتوبوا إلى ربهم، ويخافوه غاية الخوف، فبذلك يعفو اللّه عنهم، وإلا فبنيانهم لا يزيدهم إلا ريبا إلى ريبهم، ونفاقا إلى نفاقهم‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ‏}‏ بجميع الأشياء، ظاهرها، وباطنها، خفيها وجليها، وبما أسره العباد، وأعلنوه‏.‏

‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ لا يفعل ولا يخلق ولا يأمر ولا ينهى إلا ما اقتضته الحكمة وأمر به فللّه الحمد ‏.‏

وفي هذه الآيات فوائد عدة‏:‏

منها‏:‏ أن اتخاذ المسجد الذي يقصد به الضرار لمسجد آخر بقربه، أنه محرم، وأنه يجب هدم مسجد الضرار، الذي اطلع على مقصود أصحابه‏.‏

ومنها‏:‏ أن العمل وإن كان فاضلا تغيره النية، فينقلب منهيا عنه، كما قلبت نية أصحاب مسجد الضرار عملهم إلى ما ترى‏.‏

ومنها‏:‏ أن كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين، فإنها من المعاصي التي يتعين تركها وإزالتها‏.‏

كما أن كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم، يتعين اتباعها والأمر بها والحث عليها، لأن اللّه علل اتخاذهم لمسجد الضرار بهذا المقصد الموجب للنهي عنه، كما يوجب ذلك الكفر والمحاربة للّه ورسوله‏.‏

ومنها‏:‏ النهي عن الصلاة في أماكن المعصية، والبعد عنها، وعن قربها‏.‏

ومنها‏:‏ أن المعصية تؤثر في البقاع، كما أثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار، ونهي عن القيام فيه، وكذلك الطاعة تؤثر في الأماكن كما أثرت في مسجد ‏"‏ قباء‏"‏ حتى قال اللّه فيه‏:‏

‏{‏لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ‏}‏ ‏.‏

ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره، حتى كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزور قباء كل سبت يصلي فيه، وحث على الصلاة فيه‏.‏

ومنها‏:‏ أنه يستفاد من هذه التعاليل المذكورة في الآية، أربع قواعد مهمة، وهي‏:‏

كل عمل فيه مضارة لمسلم، أو فيه معصية للّه، فإن المعاصي من فروع الكفر، أو فيه تفريق بين المؤمنين، أو فيه معاونة لمن عادى اللّه ورسوله، فإنه محرم ممنوع منه، وعكسه بعكسه‏.‏

ومنها‏:‏ أن الأعمال الحسية الناشئة عن معصية الله لا تزال مبعدة لفاعلها عن الله بمنزلة الإصرار على المعصية حتى يزيلها ويتوب منها توبة تامة بحيث يتقطع قلبه من الندم والحسرات‏.‏

ومنها‏:‏ أنه إذا كان مسجد قباء مسجدا أسس على التقوى، فمسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أسسه بيده المباركة وعمل فيه واختاره اللّه له من باب أولى وأحرى‏.‏

ومنها‏:‏ أن العمل المبني على الإخلاص والمتابعة، هو العمل المؤسس على التقوى، الموصل لعامله إلى جنات النعيم‏.‏

والعمل المبني على سوء القصد وعلى البدع والضلال، هو العمل المؤسس على شفا جرف هار، فانهار به في نار جهنم، واللّه لا يهدي القوم الظالمين‏.‏

ثم بين- سبحانه- الآثار التي ترتبت على هدم مسجد الضرار، في نفوس هؤلاء المنافقين الأشرار فقال- تعالى- لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

الريبة: اسم من الريب بمعنى الشك والقلق والحيرة، وتقطع- بفتح التاء- أصلها تتقطع فحذفت إحدى التاءين، من التقطع بمعنى التمزق. وقرأ بعضهم. «تقطع» - بضم التاء- من التقطيع بمعنى التفريق والتمزيق.

والاستثناء مفرغ من أعم الأوقات والأحوال، والمستثنى منه محذوف، والتقدير: لا يزال ما بناه هؤلاء المنافقون موضع ريبة وقلق في نفوسهم في كل وقت وحال إلا في وقت واحد وهو وقت أن تتمزق قلوبهم بالموت والهلاك أى: أنهم لا يزالون في قلق وحيرة ما داموا أحياء، أما بعد موتهم فستتكشف لهم الحقائق، ويجدون مصيرهم الأليم.

والسبب في أن هذا البناء كان مثار ريبتهم وقلقهم حتى بعد هدمه، أنهم بنوه بنية سيئة، ولتلك المقاصد الأربعة الخبيثة التي بينتها الآية الأولى ... فكانوا يخشون أن يطلع الله نبيهم على مقاصدهم الذميمة، فهذه الخشية أورثتهم القلق والريبة، فلما أطلع الله- تعالى- نبيه على أغراضهم، وتم هدم مسجد الضرار، وانهار الجرف المتداعي المتساقط، استمر قلقهم وريبهم لأنهم لا يدرون بعد ذلك ماذا سيفعل المؤمنون بهم.

وهكذا شأن الماكرين في كل زمان ومكان، إنهم يعيشون طول حياتهم في فزع وقلق وخوف من أن ينكشف مكرهم، ويظهر خداعهم.

وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تذييل قصد به تهديدهم وزجرهم.

أى: والله- تعالى- عليم بكل شيء في هذا الكون، وبكل ما يقوله ويفعله هؤلاء المنافقون سرا وجهرا: حكيم في كل تصرفاته وأفعاله وفي صنعه بهم، وسيجازيهم يوم القيام بما يستحقونه من عقاب.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:

1- وجوب بناء المساجد على تقوى من الله ورضوان، لأنها إذا بنيت على هذا الأساس، كانت محل القبول والثواب من الله، أما إذا بنيت لأى مقصد يتنافى مع آداب الإسلام وأحكامه وتشريعاته، فإنها تكون بعيدة عن رضا الله- تعالى- وقبوله.

قال بعض العلماء، دلت الآيات على أن كل مسجد بنى على ما بنى عليه مسجد الضرار، أنه لا حكم له ولا حركة، ولا يصح الوقف عليه. وقد حرق الراضي بالله- الخليفة العباسي- كثيرا من مساجد الباطنية والمشبهة والمجبرة .

وقال الزمخشري: قيل كل مسجد بنى مباهاة أو رياء وسمعة، أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله، أو بمال غير طيب، فهو لاحق بمسجد الضرار.

وعن عطاء: لما فتح الله. تعالى. الأمصار على عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- أمر المسلمين أن يبنوا المساجد، وألا يتخذوا في مدينة مسجدين، يضار أحدهما صاحبه .

2- أن مسجد قباء هو المقصود بقوله- تعالى-: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ... وذلك لأن سياق الآيات في الحديث عنه، وفي بيان أحقية الصلاة فيه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوره راكبا وماشيا ويصلى فيه ركعتين.

ولا منافاة بين كون مسجد قباء هو المقصود هنا، وبين الأحاديث التي وردت في أن المسجد الذي أسس من أول يوم على تقوى من الله ورضوان، هو المسجد النبوي، لأن كليهما قد أسس على ذلك.

قال الإمام ابن كثير: وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف منهم ابن عباس، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وقتادة.

وقد ورد في الحديث الصحيح أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في جوف المدينة هو المسجد الذي أسس على التقوى، وهذا صحيح.

ولا منافاة بين الآية وبين هذا، أنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى» .

3- أن المحافظة على الطهارة من الصفات التي يحبها الله- تعالى- فقد قال- تعالى-: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث منها: ما جاء عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن مساعدة فقال له: «ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به» ؟.

فقال: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه.

فقال صلى الله عليه وسلم: «هو هذا»

4- كذلك يؤخذ من الآيات الكريمة، استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له، وعلى استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحة، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء، والتنزه عن ملابسة القاذورات .

وبعد أن بين- سبحانه- أنواع المتخلفين عن غزوة تبوك، أتبع ذلك بالترغيب في الجهاد وفي بيان فضله فقال- تعالى-:

وقوله : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) أي : بموتهم . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، والسدي ، وحبيب بن أبي ثابت ، والضحاك ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد من علماء السلف .

( والله عليم ) أي : بأعمال خلقه ، ( حكيم ) في مجازاتهم عنها ، من خير وشر .

القول في تأويل قوله : لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا يزال بنيان هؤلاء الذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا =(ريبة)، يقول: لا يزال مسجدهم الذي بنوه =(ريبة في قلوبهم), يعني: شكًّا ونفاقًا في قلوبهم, يحسبون أنهم كانوا في بنائه مُحْسنين (57) =(إلا أن تقطع قلوبهم)، يعني: إلا أن تتصدع قلوبهم فيموتوا =(والله عليم)، بما عليه هؤلاء المنافقون الذين بنوا مسجد الضرار، من شكهم في دينهم، وما قصدوا في بنائهموه وأرادوه، وما إليه صائرٌ أمرهم في الآخرة، وفي الحياة ما عاشوا, وبغير ذلك من أمرهم وأمر غيرهم =(حكيم)، في تدبيره إياهم، وتدبير جميع خلقه. (58)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17251- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم)، يعني شكًّا =(إلا أن تقطع قلوبهم)، يعني الموت.

17252- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (ريبة في قلوبهم)، قال: شكًّا في قلوبهم =(إلا أن تقطع قلوبهم)، إلا أن يموتوا.

17253- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم)، يقول: حتى يموتوا.

17254- حدثني مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد في قوله: (إلا أن تقطع قلوبهم)، قال: إلا أن يموتوا. (59)

17255- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إلا أن تقطع قلوبهم)، قال: يموتوا.

17256- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إلا أن تقطع قلوبهم)، قال: يموتوا.

17257- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

17258-...... قال، حدثنا سويد قال، حدثنا ابن المبارك, عن معمر, عن قتادة والحسن: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم)، قالا شكًّا في قلوبهم.

17259- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الرازي قال، حدثنا أبو سنان, عن حبيب: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم)، قال: غيظًا في قلوبهم.

17260-...... قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إلا أن تقطع قلوبهم)، قال: يموتوا.

17261-...... قال، حدثنا إسحاق الرازي, عن أبي سنان, عن حبيب: (إلا أن تقطع قلوبهم)، : إلا أن يموتوا.

17262-...... قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن السدي: (ريبة في قلوبهم)، قال: كفر. قلت: أكفر مجمّع بن جارية؟ قال: لا ولكنها حَزَازة.

17263- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن السدي: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم)، قال: حزازة في قلوبهم.

17264- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم)، لا يزال ريبة في قلوبهم راضين بما صنعوا, كما حُبِّب العجل في قلوب أصحاب موسى. وقرأ: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ، [سورة البقرة: 93] قال: حبَّه =(إلا أن تقطع قلوبهم)، قال: لا يزال ذلك في قلوبهم حتى يموتوا = يعني المنافقين.

17265- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس, عن السدي, عن إبراهيم: (ريبة في قلوبهم)، قال شكًّا. قال قلت: يا أبا عمران، تقول هذا وقد قرأت القرآن؟ قال: إنما هي حَزَازة.

* * *

واختلفت القرأة في قراءة قوله: (إلا أن تقطع قلوبهم).

فقرأ ذلك بعض قرأة الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة: (إِلا أَنْ تُقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ)، بضم التاء من " تقطع ", على أنه لم يسمَّ فاعله, وبمعنى: إلا أن يُقَطِّع الله قلوبهم.

* * *

وقرأ ذلك بعض قرأة المدينة والكوفة: ( إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ )، بفتح التاء من " تقطع "، على أن الفعل للقلوب. بمعنى: إلا أن تتقطّع قلوبهم, ثم حذفت إحدى التاءين.

* * *

وذكر أن الحسن كان يقرأ: " إِلَى أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ " ، بمعنى: حتى تتقطع قلوبهم. (60)

* * *

وذكر أنها في قراءة عبد الله: (وَلَوْ قُطِّعَتْ قُلُوبُهُمْ)، وعلى الاعتبار بذلك قرأ من قرأ ذلك: (إلا أَنْ تُقَطَّع)، بضم التاء.

* * *

قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أن الفتح في التاء والضم متقاربا المعنى, لأن القلوب لا تتقطع إذا تقطعت، إلا بتقطيع الله إياها, ولا يقطعها الله إلا وهي متقطعة. وهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرأة, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في قراءته.

وأما قراءة ذلك: (إلَى أَنْ تَقَطَّعَ), فقراءةٌ لمصاحف المسلمين مخالفةٌ, ولا أرى القراءة بخلاف ما في مصاحفهم جائزةً.

-------------------------

الهوامش :

(57) انظر تفسير " الريبة " فيما سلف ص : 275 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(58) انظر تفسير " عليم " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ) ، ( حكم ) .

(59) الأثر : 17254 - " مطر بن محمد الضبي " ، انظر ما سلف رقم : 12198 ، 14610 .

(60) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 452 .

التدبر :

وقفة
[110] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ لا تزال مشاريع الشبهات تطيح بهم كل مرة وتعيدهم للريب والشكوك.
وقفة
[110] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ ابتلوا بالشك والنفاق ببنائهم الضرار وهو مسجد، فكيف بقلوب من أعانوا على بناء معابد الوثنية.
وقفة
[110] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ بنوا مسجد الضرار، فما زال شكهم بل تزايد نفاقهم حتى بعد هدم مسجدهم، فبعض معاصيك تنال من إيمانك، وتزيد من أسباب نفاقك.
وقفة
[110] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ جعل نفس البنيان ريبة لكونه سببًا لحصول الريبة، فلما أمر النبي ﷺ بتخريب ما بنوا ازداد بغضهم له، وارتيابهم في نبوته، فارتفع إيمانهم، وازداد نفاقهم.
وقفة
[110] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ لا نجاة للمنافق مما انحدر إليه إلا أن يتوب توبة صادقة، يتقطع منها قلبه ندمًا وأسفًا.
وقفة
[110] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ قد تحرق الكتب وتلقى الحسابات وتمسح التغاريد، وتبقى الريبة في القلوب.
وقفة
[110] لفظ الضرار يعم كل ما أسس نصرة لباطل وقهرًا لحق، وهو شوكة في حلق من أسسه حتى الموت ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
وقفة
[110] ثمة علاقة وثيقة بين المشاريع التخريبية وبين قلوب أصحابها، تأمل: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾.
وقفة
[110] من علامات التوبة الصحيحة: ﴿إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾، فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفًا؛ تقطع في الآخرة إذا حُقَّت الحقائق، فلا بد من تقطِّع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة، قطع قلبك أيها التائب.
لمسة
[110] ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ ما الفرق بين (عليمٌ حكيمٌ) و(حكيمٌ عليمٌ)؟ إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم، هنا السياق في العلم فقدّم العلم، وإذا كان الأمر في التشريع أو الجزاء يقدم الحكمة، الجزاء حكمة، يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة: ﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨]، هذا جزاء، ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٣٩]، هذا تشريع من الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى.

الإعراب :

  • ﴿ لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يزال: فعل مضارع ناقص مرفوع بالضمة. بنيان: اسمه مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة للبنيان. بنوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «بَنَوْا» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به والتقدير: بنوه. ريبة: خبر «لا يَزالُ» منصوب بالفتحة. بمعنى: شكا ونفاقا
  • ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا:
  • إلّا جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رِيبَةً» و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. إلّا: أداة استثناء.
  • ﴿ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. تقطع: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. قلوب: نائب فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة وجملة «تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها. ويجوز أن تكون «إِلَّا» وما تلاها بمعنى حين تقطع قلوبهم تقطيعا ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان.
  • ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
  • الواو: استئنافية. والله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. عليم حكيم: خبرا المبتدأ مرفوعان بالضمة '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [110] لما قبلها :     وبعد ذم مسجد الضِّرارِ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا خطورة مسجد الضِّرارِ، قال تعالى:
﴿ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تقطع:
قرئ:
1- بفتح التاء، وهى قراءة ابن عامر، وحمزة، وحفص.
2- بضمها، مضارع «قطع» ، مبنيا للمفعول، وهى قراءة باقى السبعة.
3- يقطع، بالتخفيف.
4- يقطع، وهى قراءة الحسن، ومجاهد، وقتادة، ويعقوب.
5- تقطع، بضم التاء وفتح القاف وكسر الطاء المشددة، ونصب «قلوبهم» ، وهى قراءة أبى حيوة.
6- قطعت، وهى قراءة طلحة، والخطاب للرسول ﷺ، ولكل مخاطب.

مدارسة الآية : [111] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ..

التفسير :

[111] إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم في مقابل ذلك الجنة، وما أعدَّ الله فيها من النعيم، لبذلهم نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه لإعلاء كلمته وإظهار دينه، فيَقْتلون ويُقتَلون، وعداً عليه حقّاً في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، والإنجيل المنز

يخبر تعالى خبرا صدقا، ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة، ومعاوضة جسيمة، وهو أنه ‏{‏اشْتَرَى‏}‏ بنفسه الكريمة ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ‏}‏ فهي المثمن والسلعة المبيعة‏.‏

‏{‏بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ‏}‏ التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين من أنواع اللذات والأفراح، والمسرات، والحور الحسان، والمنازل الأنيقات‏.‏

وصفة العقد والمبايعة، بأن يبذلوا للّه نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه، لإعلاء كلمته وإظهار دينه فـ ‏{‏يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ‏}‏ فهذا العقد والمبايعة، قد صدرت من اللّه مؤكدة بأنواع التأكيدات‏.‏

‏{‏وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ‏}‏ التي هي أشرف الكتب التي طرقت العالم، وأعلاها، وأكملها، وجاء بها أكمل الرسل أولو العزم، وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق‏.‏

‏{‏وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا‏}‏ أيها المؤمنون القائمون بما وعدكم اللّه، ‏{‏بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ لتفرحوا بذلك، وليبشر بعضكم بعضًا، ويحث بعضكم بعضًا‏.‏

‏{‏وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ الذي لا فوز أكبر منه، ولا أجل، لأنه يتضمن السعادة الأبدية، والنعيم المقيم، والرضا من اللّه الذي هو أكبر من نعيم الجنات، وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو‏؟‏ وهو اللّه جل جلاله، وإلى العوض، وهو أكبر الأعواض وأجلها، جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها، وهو النفس، والمال، الذي هو أحب الأشياء للإنسان‏.‏

وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع، وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب رقم، وهي كتب اللّه الكبار المنزلة على أفضل الخلق‏.‏

قال الفخر الرازي: اعلم أن الله- تعالى- لما شرع في شرح فضائح المنافقين وقبائحهم لسبب تخلفهم عن غزوة تبوك، فلما تمم ذلك الشرح والبيان وذكر أقسامهم وفرع كل قسم ما كان لائقا به، عاد إلى بيان فضيلة الجهاد وحقيقته فقال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... الآية .

وقال القرطبي: نزلت هذه الآية في البيعة الثانية، وهي بيعة العقبة الكبرى وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين، وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة، فقال عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا: فإذا فعلنا فما لنا؟ قال:

«لكم الجنة» قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل فنزلت هذه الآية .

ثم هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.

وقوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ تمثيل للثواب الذي منحه الله- تعالى- للمجاهدين في سبيله.

فقد صور- سبحانه- جهاد المؤمنين، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه، وإثابته- سبحانه- لهم على ذلك بالجنة، صور كل ذلك بالبيع والشراء.

أى: أن الله- تعالى- وهو المالك لكل شيء، قد اشترى من المجاهدين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله، وأعطاهم في مقابل ذلك الجنة.

قال أبو السعود: الآية الكريمة ترغيب للمؤمنين في الجهاد ... وقد بولغ في ذلك على وجه لا مزيد عليه، حيث عبّر عن قبول الله- تعالى- من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله- تعالى- وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية. ثم جعل المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد: أنفس المؤمنين وأموالهم، والثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة: الجنة.

ولم يجعل الأمر على العكس بأن يقال: إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصد في العقد هو الجنة، وما بذله المؤمنون في مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها، إيذانا بتعليق كمال العناية بهم وبأموالهم.

ثم إنه لم يقل «بالجنة» بل قال: «بأن لهم الجنة» مبالغة في تقرر وصول الثمن إليهم «واختصاصه بهم» فكأنه قيل: بالجنة الثابتة لهم، المختصة بهم .

وقوله: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ جملة مستأنفة جيء بها لبيان الوسيلة التي توصلهم إلى الجنة وهي القتال في سبيل الله.

أى: أنهم يقاتلون في سبيل الله، فمنهم من يقتل أعداء الله، ومنهم من يقتل على أيدى هؤلاء الأعداء، وكلا الفريقين القاتل والمقتول جزاؤه الجنة.

وقرأ حمزة والكسائي «فيقتلون ويقتلون» بتقديم الفعل المبنى للمفعول على الفعل المبنى للفاعل.

وهذه القراءة فيها إشارة إلى أن حرص هؤلاء المؤمنين الصادقين على الاستشهاد أشد من حرصهم على النجاة من القتل لأن هذا الاستشهاد يوصلهم إلى جنة عرضها السموات والأرض، وإلى الحياة الباقية الدائمة..

وقوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ تأكيد للثمن الذي وعدهم الله به.

أى: أن هذه الجنة التي هي جزاء المجاهدين، قد جعلها- سبحانه- تفضلا منه وكرما،حقا لهم عليه، وأثبت لهم ذلك في الكتب السماوية التي أنزلها على رسله.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: «وعدا عليه» مصدر مؤكد لمضمون الجملة وقوله «حقا» نعت له، وقوله «عليه» في موضع الحال من قوله «حقا» لتقدمه عليه، وقوله:

«في التوراة والإنجيل والقرآن» متعلق بمحذوف وقع نعتا لقوله «وعدا» أيضا.

أى: وعدا مثبتا في التوراة والإنجيل كما هو مثبت في القرآن، فالمراد إلحاق مالا يعرف بما يعرف. إذ من المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن. ثم إن ما في الكتابين إما أن يكون أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بذلك، أو أن من جاهد بنفسه وماله. من حقه ذلك، وفي كلا الأمرين ثبوت موافق لما في القرآن ... » .

وقوله: وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ جملة معترضة مسوقة لتأكيد مضمون ما قبلها من حقية الوعد وتقريره: والاستفهام للنفي.

أى: لا أحد أوفى بعهده من الله- تعالى- لأنه إذا كان خلف الوعد لا يكاد يصدر من كرام الخلق مع إمكان صدوره منهم، فكيف يكون الحال من جانب الخالق- عز وجل- المنزه عن كل نقص، المتصف بكل كمال.

وقوله: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ تحريض على القتال، وإعلام لهم بأنهم رابحون في هذه الصفقة.

والاستبشار: الشعور بفرح البشرى، شعورا تنبسط له أسارير الوجه.

أى: إذا كان الأمر كذلك فافرحوا ببيعكم الذي بايعتم به غاية الفرح، وارضوا به نهاية الرضى، فإن ذلك البيع هو الفوز العظيم الذي لا فوز أعظم منه.

قال بعض العلماء: ولا ترى ترغيبا في الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عقده رب العزة، وثمنه مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضا لإعلاء كلمته، ونصر دينه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية، وناهيك به من صك. وجعل وعده حقا، ولا أحد أوفى من وعده فنسيئته أقوى من نقد غيره، وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم.

وهو استعارة تمثيلية، حيث صور جهاد المؤمنين، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله لهم على ذلك الجنة، بالبيع والشراء وأتى بقوله: «يقاتلون» .. بيانا لمكان التسليم وهو المعركة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم «الجنة تحت ظلال السيوف» ، ثم أمضاه بقوله «وذلك هو الفوز العظيم»

ويروى عن الحسن البصري أنه قرأ هذه الآية فقال: انظروا إلى كرم الله. تعالى. أنفس هو خالقها، وأموال هو رازقها، ثم يكافئنا عليها متى بذلناها في سبيله بالجنة.

ثم وصف الله- تعالى- هؤلاء المؤمنين الصادقين بجملة من الأوصاف الكريمة، فقال:

خبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة ، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه ، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له ؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة : بايعهم والله فأغلى ثمنهم .

وقال شمر بن عطية : ما من مسلم إلا ولله ، عز وجل ، في عنقه بيعة ، وفى بها أو مات عليها ، ثم تلا هذه الآية .

ولهذا يقال : من حمل في سبيل الله بايع الله ، أي : قبل هذا العقد ووفى به .

وقال محمد بن كعب القرظي وغيره : قال عبد الله بن رواحة ، رضي الله عنه ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ليلة العقبة - : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ! فقال : " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : " الجنة " . قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل ، فنزلت : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) الآية .

وقوله : ( يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) أي : سواء قتلوا أو قتلوا ، أو اجتمع لهم هذا وهذا ، فقد وجبت لهم الجنة ؛ ولهذا جاء في الصحيحين : " وتكفل الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي ، وتصديق برسلي ، بأن توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه ، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " .

وقوله : ( وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) تأكيد لهذا الوعد ، وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة ، وأنزله على رسله في كتبه الكبار ، وهي التوراة المنزلة على موسى ، والإنجيل المنزل على عيسى ، والقرآن المنزل على محمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

وقوله : ( ومن أوفى بعهده من الله ) [ أي : ولا واحد أعظم وفاء بما عاهد عليه من الله ] فإنه لا يخلف الميعاد ، وهذا كقوله تعالى : ( ومن أصدق من الله حديثا ) [ النساء : 87 ] ( ومن أصدق من الله قيلا ) [ النساء : 122 ] ؛ ولهذا قال : ( فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) أي : فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد ، بالفوز العظيم ، والنعيم المقيم .

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله ابتاعَ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة =(وعدًا عليه حقًّا) = يقول: وعدهم الجنة جل ثناؤه, وعدًا عليه حقًّا أن يوفِّي لهم به، في كتبه المنـزلة: التوراة والإنجيل والقرآن, إذا هم وَفَوا بما عاهدوا الله، فقاتلوا في سبيله ونصرةِ دينه أعداءَه، فقَتَلوا وقُتِلوا =(ومن أوفى بعهده من الله)، يقول جل ثناؤه: ومن أحسن وفاءً بما ضمن وشرط من الله =(فاستبشروا)، يقول ذلك للمؤمنين: فاستبشروا، أيها المؤمنون، الذين صَدَقوا الله فيما عاهدوا، ببيعكم أنفسكم وأموالكم بالذي بعتموها من ربكم به, فإن ذلك هو الفوز العظيم، (61) كما:-

17266- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية قال: ما من مسلم إلا ولله في عنقه بَيْعة، وَفى بها أو مات عليها، في قول الله: (إن الله اشترى من المؤمنين)، إلى قوله: (وذلك هو الفوز العظيم)، ثم حَلاهم فقال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ، إلى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .

17267- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم)، يعني بالجنة.

17268-...... قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن محمد بن يسار, عن قتادة: أنه تلا هذه الآية: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)، قال: ثامَنَهُم الله، فأغلى لهم الثمن. (62)

17269- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: أنه تلا هذه الآية: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم)، قال: بايعهم فأغلى لهم الثمن.

17270- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترط لربِّك ولنفسك ما شئت ! قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا, وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسَكم وأموالكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك، فماذا لنا؟ قال: الجنة! قالوا: ربح البيعُ، لا نُقيل ولا نستقيل ! (63) فنـزلت: (إن الله اشترى من المؤمنين)، الآية.

17271-...... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبيد بن طفيل العبسي قال، سمعت الضحاك بن مزاحم, وسأله رجل عن قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم)، الآية, قال الرجل: ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل؟ قال: ويلك! أين الشرط؟ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ . (64)

------------------------

الهوامش:

(61) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة .

(62) " ثامنت الرجل في المبيع " ، إذا قاولته في ثمنه وفاوضته ، وساومته على بيعه واشترائه .

(63) " أقاله البيع يقيله إقالة " ، و " تقايلا البيعان " ، إذا فسخا البيع ، وعاد المبيع إلى مالكه ، والثمن إلى المشتري ، إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما . وتكون " الإقالة " في البيعة والعهد . و " استقاله " طلب إليه أن يقيله .

(64) الأثر : 17271 - " عبيد بن طفيل العبسي " ، هو " الغطفاني " ، " أبو سيدان " ، و " عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان " ، ولكنه في كتب الرجال " الغطفاني " . وقد مضى برقم : 2547 .

التدبر :

وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ميادين الجهاد سوق يباع فيها ويشترى ثم ينفض السوق برابح فيه ولو بالكلمة على تفاوت في الدرجات أو خسارة ولو بكلمة.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ما أعظمها من صفقة! المشتري فيها هو الله العظيم، ذو الفضل العظيم.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ﴾ قد بعت نفسك يا صديقي، ليس من المعقول أن تظل معترضًا على من اشتراها كل مرة عما يفعل بها.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ خلق نفوسهم، ووهب لهم الأموال، ثم اشتراها منهم بأغلى الأثمان، ما أكرم الله!
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ العاقل لا يرى لنفسه ثمنًا دون الجنة!
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ هذا من فضله وكرمه وإحسانه فإنه قبل العوض عما يملكه.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ يا صاحب المال: الوعد من الله والثمن جنة الله؛ فابذل بسخاء وأبشر بالوفاء.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ ماذا تساوي نفوسنا المعيبة -وإن طهرت- حتى يشتريها الله منا بهذا الثمن؛ لذا قال الحسن البصري: «بايعهم والله فأغلى ثمنهم».
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ قال محمد بن الحنفية يحثك على تزكية النفس بالعمل الصالح: «إن الله عز وجل جعل الجنة ثمنًا لأنفسكم؛ فلا تبيعوها بغيرها».
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ أنت لا تملك نفسك ولا يحق لك التصرف فيها دون إذن مالكها، فإنما يتصرف في ما اشتراه منك وبعته له، وأعطاك في المقابل الجنة، أرجعت في بيعتك؟! أم أنك لم تبع وزهدت في الجنة من الأساس؟ وإذا بعت أيحسن لمن باع شيئًا أن يغضب على المشتري إذا تصرف فيه حسب ما يراه؟ وماذا لنا فينا حتى نتكلم؟!
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ كيف بعت النفس الثمينة بشهوة تنقضي في لحظة؟! وبلذة لا تبقى سوى ساعة؟! وَهَبْهَا بقيت أيامًا أو أعوامًا فماذا تساوي بجوار لذة الخلد؟! وبعتها لمن؟! لأعدى أعدائك: شيطانك!
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ حُكي عن مالك بن دينار أنه مر بقصر يبنى، فسأل العمال عن أجرتهم، فأجاب كل واحد منهم بأجرته، ولم يجبه واحد، فقال: ما أجرتك؟ فقال: لا أجر لي؛ لأني عبد صاحب القصر، فقال مالك: إلهي، ما أسخاك! الخلق كلهم عبيدك، كلفتهم العمل ووعدتهم الأجر.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ البائع لا يستحق الثمن إذا امتنع عن تسليم ما باع، فكذلك لا يستحق عبدٌ الجنة إلا بعد تسليم النفس والمال.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ العاقل لا يرى لنفسه ثمنًا دون الجنة.
وقفة
[111] باع المغبونون منازلهم من الجنة بأبخس الحظ وأنقص الثمن، وباع الموفقون نفوسهم وأموالهم من الله وجعلوها ثمنًا للجنة؛ فربحت تجارتهم، ونالوا الفوز العظيم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾.
وقفة
[111] تقديم الأموال على الأنفس في الجهاد وقع في جميع القرآن الكريم إلا في موضع واحد وهو قوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ لأنها هي المشتراة في الحقيقة، وهي مورد العقد وهي السلعة التي استلمها ربها وطلب شراءها لنفسه، وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنته، فكانت هي المقصود بعقد الشراء، والأموال تبع لها، فإذا ملكها مشتريها ملك مالها، فإن العبد وما يملكه لسيده ليس له فيه شيء، فالمالك الحق إذا ملك النفس ملك أموالها ومتعلقاتها، فحسن تقديم النفس على المال في هذه الآية حسنًا لا مزيد عليه.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة فانظر إلى المشتري من هو؟! وهو الله جل جلاله، وإلى العِوَض؛ وهو أكبر الأعواض وأجلها: جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها؛ وهو النفس والمال الذي هو أحب الأشياء للإنسان، وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع؛ وهو أشرف الرسل. وبأيِّ كتاب رُقِّمَ؟! وهي كتب الله الكبار المنَزلة على أفضل الخلق، محبة الله ثابتة للمتطهرين من الأنجاس البدنية والروحية.
وقفة
[111] ﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ عقد عظيم يرسخ للمؤمن تطلعه نحو الآخرة، وأن حياته ونفسه وماله لله، عسى أن ينال رضاه، ويدخل جنته، وهذا شعور عظيم يربطه بالملأ الأعلى، يجعله يستبشر بالتوفيق لطاعة الله ومرضاته، وتصبح الدنيا بحلوها ومرها رخصية، ومرحلة عابرة، وهذا ما لايفقهه المنافقون.
تفاعل
[111] ﴿بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ سَل الله الجنة الآن.
وقفة
[111] ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ مشروعية الجهاد والحض عليه كانت في الأديان التي قبل الإسلام أيضًا.
وقفة
[111] ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ﴾ قال الزمخشري: «لأن إخلاف الميعاد قبيح، لا يقدم عليه الكرام من الخلق مع جوازه عليهم لحاجتهم، فكيف بالغني الذي لا يجوز عليه قبيح قط؟».
وقفة
[111] ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ﴾ يا حسرةً تجرّها في قلبك حين تسيء الظنّ به، وتظنّ ألَّا مخرج من كربك، وتغفل عن كل ألطاف الله عليك فيما مضى!
وقفة
[111] يومًا ما سيَموت الموت، ونحيا في الجنة مُخَلَّدِين؛ عش على هذا الأمل إن شئت أن تعيش ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة:اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. اشترى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الله سبحانه. والجملة الفعلية «اشْتَرى» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق باشترى.وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. أنفس: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وأموالهم: معطوفة بالواو على «أَنْفُسَهُمْ» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ:
  • الباء: زائدة. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.لهم: اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام وحرك الميم بالضم للاشباع والجار والمجرور متعلق بخبر «أن» المقدم.الجنة: اسم «أن» مؤخر منصوب بالفتحة والجملة بمعنى في مقابل الجنة.
  • ﴿ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • يقاتلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يُقاتِلُونَ» فيها معنى الأمر. في سبيل: جار ومجرور متعلق بيقاتلون. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ:
  • الفاء عاطفة للتسبيب. يقتلون: تعرب اعراب «يُقاتِلُونَ» وحذف مفعولها اختصارا لأنه معلوم. ويقتلون: الواو عاطفة.يقتلون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا:
  • الكلمتان- مصدران مؤكدان- مفعولان مطلقان منصوبان بالفتحة. عليه: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من كلمة «وَعْداً».
  • ﴿ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «حَقًّا» والانجيل والقرآن: معطوفان بواوي العطف على «التَّوْراةِ» مجروران مثلها وعلامة جرهما الكسرة.
  • ﴿ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أوفى: خبر «مِنَ» مرفوع بالضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. بعهده: جار ومجرور متعلق بأوفى.والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بأوفى.
  • ﴿ فَاسْتَبْشِرُوا:
  • الفاء: استئنافية. استبشروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة.
  • ﴿ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ:
  • جار ومجرور متعلق باستبشروا والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للاشباع. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة للبيع. بايعتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. به: جار ومجرور متعلق ببايعتم. وجملة «بايَعْتُمْ بِهِ» صلة الموصول لا محل لها
  • ﴿ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:
  • الواو: استئنافية. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. هو: ضمير رفع مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ ثان. الفوز خبر «هُوَ» مرفوع بالضمة. العظيم: صفة- نعت- للفوز مرفوعة مثلها بالضمة. والجملة الاسمية «هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» في محل رفع خبر المبتدأ «ذلِكَ». '

المتشابهات :

النساء: 76﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ
التوبة: 111﴿إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا
المزمل: 20﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنفُسَهم وأمْوالَهُم﴾ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: لَمّا بايَعَتِ الأنْصارُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ العَقَبَةِ بِمَكَّةَ، وهم سَبْعُونَ نَفْسًا، قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ ولِنَفْسِكَ ما شِئْتَ. فَقالَ: ”أشْتَرِطُ لِرَبِّي أنْ تَعْبُدُوهُ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وأشْتَرِطُ لِنَفْسِي أنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنهُ أنْفُسَكم“ . قالُوا: فَإذا فَعَلْنا ذَلِكَ فَماذا لَنا ؟ قالَ: ”الجَنَّةُ“ . قالُوا: رَبِحَ البَيْعُ، لا نُقِيلُ ولا نَسْتَقِيلُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [111] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل فضائحَ المنافقينَ وتخلفَهم عن غزوةِ تَبُوك، ذكرَ هنا جهادَ المؤمنينَ، وأنَّه تعالى اشتَرَى منهم أنفُسَهم وأموالَهم بأنَّ لهم الجنَّةَ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فيقتلون ويقتلون:
قرئا:
1- الأول على البناء للفاعل، والثاني على البناء للمفعول، وهى قراءة الحسن، وقتادة، وأبى رجاء، والعربيين، والحرميين، وعاصم.
2- الأول على البناء للمفعول والثاني على البناء للفاعل، وهى قراءة النخعي، وابن وثاب، وطلحة، والأهمش، والأخوين.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف