43257258259

الإحصائيات

سورة البقرة
ترتيب المصحف2ترتيب النزول87
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات48.00
عدد الآيات286عدد الأجزاء2.40
عدد الأحزاب4.80عدد الأرباع19.25
ترتيب الطول1تبدأ في الجزء1
تنتهي في الجزء3عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 1/29آلم: 1/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (257) الى الآية رقم (258) عدد الآيات (2)

ثُمَّ بَيَّنَ هنا أنَّ اللهَ وليُّ الذينَ آمنُوا، وأنَّ الطَّاغوتَ وليُّ الكافرين، ثُمَّ أعقبَه بذكرِ محاورةٍ بينَ نُموذجٍ للإيمانِ (إبراهيمُ عليه السلام ) ونموذجٍ للطُّغيانِ (النُّمْرُودُ).

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (259) الى الآية رقم (259) عدد الآيات (1)

بعدَ أن قصَّ اللهُ قصَّةَ إبراهيمَ عليه السلام ، عطفَ عليها هذه القصَّةَ التي تُثبتُ قدرةَ اللهِ على كلِّ شيءٍ ومن ذلك إحياءُ الموتى: قصَّةُ مَنْ أماتَه اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ أحيَاه (المشهورُ في كتبِ التفسيرِ أنَّه عُزَيْرٌ)، =

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة البقرة

استخلاف الإنسان في الأرض/ العبادة/ الإسلام لله تعالى

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • فلماذا سميت السورة بالبقرة؟:   قد يتساءل البعض لماذا سميت هذه السورة بسورة البقرة؟ قد يجيب البعض بأنها سميت كذلك لأنّ قصة البقرة جاءت في هذه السورة. فنقول: إنَّ هذه السورة قد جاء بها قصص كثيرة، فلماذا سميت السورة باسم هذه القصة دون غيرها؟ العناوين دلالة الاهتمام، فهذه إشارة إلى أهمية هذه القصة، أو أن أهم موضوع في السورة هو قصة البقرة.
  • • ليست مجرد قصة::   لم تكن قصة (بقرة بني إسرائيل) مجرد قصة من قصص بني إسرائيل، ولكنها تجسيد لحال بني إسرائيل مع أوامر الله، تلكأ في تنفيذ أوامر الله، تعنت، وتشدد، وتحايل، ومماطلة، وجدال، وجحود، وعناد. وهذا في غاية المناسبة لسورة البقرة التي تضمنت تربية المؤمنين على الاستجابة ﻷوامر الله، فقد تضمنت الكثير من التشريعات والأحكام، فكأن الاسم شعار للمؤمنين ليحذروا من التشبه بأصحاب البقرة، لكي يتذكر المسلم المسؤول عن الأرض هذه الأخطاء ويتجنبها. ولهذا خُتمت السورة بقوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (285).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة البقرة»، وتسمى مع سورة آل عمران بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم ::   البقرة: حيوان معروف، لحمه يؤكل ولبنه يشرب، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية ::   سميت سورة البقرة؛ لأنها انفردت بذكر قصة البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها، ولم ترد أي إشارة إلى هذه القصة في أي سورة غيرها، وتسمى مع سورة آل عمران بـ«الزَّهراوَين»؛ لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   وتسمى أيضًا «سَنام القرآن» وسنام كل شيء أعلاه، فسميت بذلك تعظيمًا لشأنها، و«فُسطاط القرآن» والفسطاط هو المدينة الجامعة، لما جمع فيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   وجوب الاستجابة لأوامر لله، والاستسلام الكامل لأحكامه، والانقياد والإذعان لها.
  • • علمتني السورة ::   أن هذا الكتاب العزيز لا شك فيه بأي وجه من الوجوه، لا شك في نزوله، ولا في أخباره، ولا أحكامه، ولاهدايته: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾
  • • علمتني السورة ::   تكريم الله للإنسان بسجود الملائكة له، وتعليمه أسماء جميع الأشياء، وإسكانه الجنة، واستخلافه في الأرض: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من لا يعرف من القرآن إلا تلاوته دون فهم يشابه طائفة من اليهود لم يعلموا من التوراة إلا التلاوة: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ، الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا». ففي حرَّ يوم القيامة الشديد، عندما تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، تأتي سورة البقرة لتظلل على صاحبها.تأمل كيف أنّ سورتي البقرة وآل عمران تحاجان -أي تدافعان- عن صاحبهما.
    • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لاَ يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ».
    • عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:« يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ:" اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعَلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ». زَادَ أَحْمَد: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيِدَهِ! إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَينِ، تُقَدِّس الْمَلِكَ عَنْدِ سَاقِ الْعَرشِ».
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِي فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَة لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ».
    • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنهُ مَلَكٌ»، فَقَالَ: «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ»، فَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيْتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ».
    • عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ».
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة البقرة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي أطول سورة في القرآن الكريم على الإطلاق
    • أول سورة نزلت في المدينة.
    • أول سورة مدنية بحسب ترتيب المصحف.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالحروف المقطعة من أصل 29 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالحروف المقطعة ﴿الم﴾ من أصل 6 سور افتتحت بذلك.
    • هي السورة الوحيدة التي ذكرت قصة البقرة، ولم يذكر لفظ (البقرة) مفردًا بغير هذه السورة.
    • تحتوي على أعظم آية (آية الكرسي)، وأطول آية (آية الدين).
    • تحتوي على آخر آية نزلت -على الراجح- وهي: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (281).
    • كثرة أحكامها، قال ابن العربي: سمعت بعض أشياخي يقول: «فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر».
    • السور الكريمة المسماة بأسماء الحيوانات 7 سور، وهي: «البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل».
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نستقبل أوامر الله بـ "سمعنا وأطعنا"، وأن نحذر من: "سمعنا وعصينا".
    • أن نرتبط بكتاب الله علمًا وتدبرًا وعملًا؛ لنصل إلى الهداية ونبتعد عن طريق الغواية: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (2).
    • أن نتحلى بصفات المتقين، ومنها: الإيمان بالغيب، إقامة الصلاة، الإنفاق، الإيمان بما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وبما أنزل على الأنبياء من قبله، الإيمان باليوم الِآخر: ﴿... هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ...﴾ (2-5).
    • أن نحذر من صفات المنافقين، ومنها: لا يعترفون بأخطائهم، يصرون على الذنوب، يمثلون أمام الناس أنهم مصلحون وهم المفسدون، يخادعون أنفسهم (8-20).
    • أن نبتعد عن الكبر؛ فالكبر هو معصية إبليس: ﴿... فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ ...﴾ (34).
    • أن نمتثل أوامر الله تعالى ونحذر من وساوس الشيطان: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ ... فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ...﴾ (35، 36).
    • أن نحذر الذنوب، فبذنبٍ واحد خرج أبونا من الجنة: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ (36).
    • أن نسارع بالتوبة كما فعل أبونا آدم عليه السلام (37).
    • أن نتجنب الأخطاء التي وقعت من بني إسرائيل، ولا نفعل مثل ما فعلوا (40-123).
    • أن نذكِّر الناس ونرشدهم إلى الخير؛ ولا ننسى أنفسنا من ذلك: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ (44). • أن نختار كلماتنا بعناية شديدة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (83).
    • أن نسارع بالاستجابة لأوامر الله كما فعل إبراهيم عليه السلام : ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (131)، وأن نحذر عناد بني إسرائيل وجدالهم.
    • أن نكثر من ذكر الله تعالى وشكره حتى نكون من الذاكرين: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ (152).
    • أن نقول: «إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» عند المصيبة: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (156).
    • أن نكثر التأمل والتفكر في خلق الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (164).
    • أن نأتي كل أمر من أمورنا من الطريق السهل القريب: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ (189).
    • أن نبادر في قضاء فريضة الحج، ونحرص على عدم الرفث والفسوق والجدال: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ...﴾ (197).
    • أن نحذر من خطوات الشيطان ووساوسه: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (208).
    • أن نحسن الظن بالله وبما قدَّره لنا في حياتنا، حتى لو أننا كرهناه فهو بالتأكيد خير لنا، فكل أقداره عز وجل خير: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ...﴾ (216).
    • أن نبتعد عن الخمر والميسر: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ ...﴾ (219).
    • أن نحافظ على الصلاة تحت أي ظرف: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ (238).
    • ألا نَمُن على أحد أنفقنا عليه، ولا نؤذيه، ولا ننتظر الأجر إلا من الله: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ...﴾ (262).
    • أن نحذر الربا، ونبتعد عنه: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا ...﴾ (275-279).
    • أن نصبر على المعسر الذي لم يستطع القضاء، أو نسقط عنه الدين كله أو بعضه: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (280).
    • أن نقول لكل ما جاء به الرسول عن ربنا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ (285)، ‏بلا جدال، ولا نقاش، ولا تكاسل.

تمرين حفظ الصفحة : 43

43

مدارسة الآية : [257] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم ..

التفسير :

[257] الله يتولى المؤمنين بنصره وتوفيقه وحفظه، يخرجهم من ظلمات الكفر، إلى نور الإيمان. والذين كفروا أنصارهم وأولياؤهم الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله، يُخرجونهم من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر، أولئك أصحاب النار الملازمون لها، هم فيها باقون بقا

ثم ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك فقال:{ الله ولي الذين آمنوا} وهذا يشمل ولايتهم لربهم، بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به أحدا، قد اتخذوه حبيبا ووليا، ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه، فتولاهم بلطفه ومنَّ عليهم بإحسانه، فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور{ والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} فتولوا الشيطان وحزبه، واتخذوه من دون الله وليا ووالوه وتركوا ولاية ربهم وسيدهم، فسلطهم عليهم عقوبة لهم فكانوا يؤزونهم إلى المعاصي أزا، ويزعجونهم إلى الشر إزعاجا، فيخرجونهم من نور الإيمان والعلم والطاعة إلى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي، فكان جزاؤهم على ذلك أن حرموا الخيرات، وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات، وكانوا من حزب الشيطان وأولياءه في دار الحسرة، فلهذا قال تعالى:{ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}

الولي: الناصر والمعين والحليف. مأخوذ من الولاية بمعنى النصرة والمعنى: الله الذي بيده ملكوت كل شيء وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا أى معينهم وناصرهم ومتولى أمورهم، فهو- سبحانه- الذي يخرجهم من ظلمات الكفر، ومن ضلالات الشرك والفسوق والعصيان إلى نور الحق والهداية والتحرر من الأوهام. أما الذين كفروا فأولياؤهم ونصراؤهم الطاغوت الذي يتمثل في الشياطين والأصنام والأوهام الموروثة والكبرياء والمضلين، وهؤلاء يخرجونهم بسبب انطماس بصيرتهم وانتكاسهم في المعاصي من نور الإيمان والهداية إلى ظلمات الكفر والضلالة. أولئك الموصوفون بتلك الصفات القبيحة أصحاب النار هم فيها خالدون خلودا مؤبدا.

وأفرد- سبحانه- النور وجمع الظلمات، لأن الحق واحد أما الظلمات فقد تعددت فنونها وألوانها وأسبابها. وفي تقديم الَّذِينَ كَفَرُوا في قوله:

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ إشارة إلى أنهم هم الذين ارتضوا أن يكون الطغيان مسيطرا على قلوبهم لأن كفرهم بالله- تعالى- هو الذي جعل الشيطان ينفذ إلى أقطار نفوسهم بسهولة ويسر.

وقوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا مبتدأ وأَوْلِياؤُهُمُ مبتدأ ثان، والطَّاغُوتُ خبره والجملة خبر المبتدأ الأول.

ولم يقل- سبحانه- والطاغوت ولى الذين كفروا للاحتراز عن وضع اسم الطاغوت في مقابل لفظ الجلالة.

فإن قيل: وهل كان الكافرون في نور ثم أخرجوا منه؟ فالجواب أن المراد يخرجونهم من النور الفطري الذي جعل عليه الناس كافة أو من نور الحجج الواضحات التي من شأنها أن تحمل كل عاقل على الدخول في الإسلام. وقيل المراد بهؤلاء المخرجين من النور إلى الظلمات أولئك الذين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قبل بعثته ثم كفروا به بعدها والإشارة في قوله: أُولئِكَ تعود إلى الذين كفروا. وفي التعبير «بأصحاب النار» إشعار بأنهم ملازمون لها كما يلازم المالك ما يملكه والرفيق رفيقه. وقوله هُمْ فِيها خالِدُونَ تأكيد لبقائهم فيها واختصاصهم بها.

وبذلك تكون الآية الكريمة قد ساقت أحسن البشارات للمؤمنين، وأشد العقوبات.

للكافرين الذين استحبوا العمى على الهدى.

ثم ساق القرآن بعد ذلك بعض الأمثلة للمؤمنين المهتدين وللضالين المغرورين.

فقال- تعالى-:

يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير ، وأن الكافرين إنما وليهم الشياطين تزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات ، ويخرجونهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )

ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات ; لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة كما قال : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) [ الأنعام : 153 ] وقال تعالى : ( وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] وقال تعالى : ( عن اليمين والشمائل ) [ النحل : 48 ] إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق ، وانتشار الباطل وتفرده وتشعبه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن ميسرة حدثنا عبد العزيز بن أبي عثمان عن موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد قال : يبعث أهل الأهواء أو قال : يبعث أهل الفتن ، فمن كان هواه الإيمان كانت فتنته بيضاء مضيئة ، ومن كان هواه الكفر كانت فتنته سوداء مظلمة ، ثم قرأ هذه الآية : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )

القول في تأويل قوله : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " الله ولي الذين آمنوا "، نصيرهم وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه= (1) " يخرجهم من الظلمات " يعني بذلك: (2) .

يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وإنما عنى ب " الظلمات " في هذا الموضع، الكفر. وإنما جعل " الظلمات " للكفر مثلا لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان والعلم بصحته وصحة أسبابه. فأخبر تعالى ذكره عباده أنه ولي المؤمنين، ومبصرهم حقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه، وهاديهم، فموفقهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك، بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر [عن ] أبصار القلوب. (3) .

ثم أخبر تعالى ذكره عن أهل الكفر به، فقال: " والذين كفروا "، يعني الجاحدين وحدانيته=" أولياؤهم "، يعني نصراؤهم وظهراؤهم الذين يتولونهم=" الطاغوت "، يعني الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله=" يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يعني ب " النور " الإيمان، على نحو ما بينا=" إلى الظلمات "، ويعني ب " الظلمات " ظلمات الكفر وشكوكه، الحائلة دون أبصار القلوب ورؤية ضياء الإيمان وحقائق أدلته وسبله.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:

* ذكر من قال ذلك:

5856 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، يقول: من الضلالة إلى الهدى=" والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت "، الشيطان: =" يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يقول: من الهدى إلى الضلالة.

5857 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان=" والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يخرجونهم من الإيمان إلى الكفر. (4) .

5858 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله تعالى ذكره: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، يقول: من الكفر إلى الإيمان=" والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يقول: من الإيمان إلى الكفر.

&; 5-426 &;

5859- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد أو مقسم في قول الله: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، قال: كان قوم آمنوا بعيسى، وقوم كفروا به، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به الذين كفروا بعيسى، وكفر به الذين آمنوا بعيسى= أي: يخرج الذين كفروا بعيسى إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم= (5) " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت "، آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم= قال: " يخرجونهم من النور إلى الظلمات ". (6) .

5860 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت منصورا، عن رجل، عن عبدة بن أبي لبابة قال في هذه الآية: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، إلى أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، قال: هم الذين كانوا آمنوا بعيسى ابن مريم، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به، وأنـزلت فيهم هذه الآية. (7) .

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد وعبدة بن أبي لبابة &; 5-427 &; يدل على أن الآية معناها الخصوص، وأنها -إذ كان الأمر كما وصفنا- نـزلت فيمن كفر من النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وفيمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من عبدة الأوثان الذين لم يكونوا مقرين بنبوة عيسى، وسائر الملل التي كان أهلها يكذِّب بعيسى.

* * *

فإن قال قائل: أو كانت النصارى على حق قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فكذَّبوا به؟

قيل: من كان منهم على ملة عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فكان على حق، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء: 136].

* * *

فإن قال قائل: فهل يحتمل أن يكون قوله: " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، أن يكون معنيا به غير الذين ذكر مجاهد وعبدة: (8) أنهم عنوا به من المؤمنين بعيسى، أو غير أهل الردة والإسلام؟ (9) .

قيل: نعم يحتمل أن يكون معنى ذلك: والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يحولون بينهم وبين الإيمان، ويضلونهم فيكفرون، فيكون تضليلهم إياهم حتى يكفروا إخراجا منهم لهم من الإيمان، يعني صدهم إياهم عنه، وحرمانهم إياهم خيره، وإن لم يكونوا كانوا فيه قبل، كقول الرجل: " أخرجني والدي من ميراثه "، إذا ملك ذلك في حياته غيره، فحرمه منه حظَّه= (10) ولم يملك ذلك القائل هذا &; 5-428 &; الميراث قط فيخرج منه، ولكنه لما حرمه، وحيل بينه وبين ما كان يكون له لو لم يحرمه، قيل: " أخرجه منه "، وكقول القائل: " أخبرني فلان من كتيبته "، يعني لم يجعلني من أهلها، ولم يكن فيها قط قبل ذلك. فكذلك قوله: " يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، محتمل أن يكون إخراجهم إياهم من الإيمان إلى الكفر على هذا المعنى، (11) وإن كان الذي قاله مجاهد وغيره أشبه بتأويل الآية. (12) .

* * *

فإن قال لنا قائل: وكيف قال: " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور "، فجمع خبر " الطاغوت " بقوله: " يخرجونهم "، و " الطاغوت " واحد؟

قيل: إن " الطاغوت " اسم لجماع وواحد، وقد يجمع " طواغيت ". وإذا جعل واحده وجمعه بلفظ واحد، كان نظير قولهم: " رجل عدل، وقوم عدل " و " رجل فطر وقوم فطر "، (13) وما أشبه ذلك من الأسماء التي تأتي موحدا في اللفظ واحدها وجمعها، (14) وكما قال العباس بن مرداس:

فَقُلْنَـــا أَسْــلِمُوا إِنَّــا أَخُــوكُمْ

فَقَـدْ بَـرِئَتْ مِـنَ الإِحَـنِ الصُّـدُورُ (15)

* * *

&; 5-429 &;

القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: هؤلاء الذين كفروا=" أصحاب النار "، أهل النار الذين يخلدون فيها- يعني في نار جهنم- دون غيرهم من أهل الإيمان، إلى غير غاية ولا نهاية أبدا. (16) .

---------------

الهوامش :

(1) انظر تفسيره"الولى" فيما سلف 2 : 488 ، 489 / ثم : 563 ، 564 .

(2) انظر القول في"الظلمات" فيما سلف 1 : 338 .

(3) الزيادة بين القوسين ، لا غنى عنها ، وليست في المطبوعة ولا المخطوطة .

(4) في المخطوطة : "من الظلمات إلى الكفر" ، وهو خطأ بين جدا .

(5) في المطبوعة : "أي : يخرج الذين آمنوا إلى الإيمان بمحمد..." ، وهو لايستقيم ، وفي المخطوطة : "فلما بعث الله محمدا آمن به الذين كفروا بعيسى ، وكفر به الذين آمنوا بعيسى إلى الإيمان بمحمد..." سقط من الناسخ لعجلته : "أي يخرج الذين كفروا بعيسى" ، وهو ما أثبته استظهارا من سياق الكلام ، ومن الأثر بالتالي ، على خطئه فيه ، ومن الدر المنثور 1 : 230 ، وانظر التعليق على الأثر التالي .

(6) الأثر : 5859 ، -"عبدة بن أبي لبابة الأسدي" روي عن ابن عمر وزر بن حبيش وأبي وائل ومجاهد وغيرها من ثقات أهل الكوفة . مترجم في التهذيب ، وكان في المطبوعة والمخطوطة في هذا الموضع"عبدالله بن أبي لبابة"" ، وهو خطأ ، وسيأتي فيهما على الصواب في الأثر التالي .

(7) في المطبوعة والمخطوطة : "فلما جاءهم محمد صلى الله عليه آمنوا به" . والصواب ما أثبت ، أخطأ في نسخه وعجل . وانظر الدر المنثور 1 : 230 ، ففيه الصواب ، وهو الذي يدل عليه سياق الطبري فيما سيأتي أيضًا .

(8) في المطبوعة : "مجاهد وغيره" . وهي في المخطوطة : "عنده" غير منقوطة وإنما عنى عبدة ابن أبي لبابة ، كما في الآثار السالفة ، وما بعدها .

(9) في المخطوطة والمطبوعة : "الردة والإسلام" وهو هنا عطف لا يستقيم ، فإنه إنما عنى المرتدة عن الإسلام .

(10) في المطبوعة : "فحرمه منه خطيئة" ، وهو كلام خلو من المعنى . وفي المخطوطة : "فحرمه منه حطه" غير منقوطة ، وكلها فاسدة . أن المعنى : إذا ملك الميراث غير أبيه ، فحرمه حظه من ميراث أبيه . والحظ : النصيب .

(11) في المطبوعة : "يحتمل" بالياء في أوله ، وأثبت ما في المخطوطة .

(12) في المطبوعة والمخطوطة معا : "مجاهد وغيره" ، وهو خطأ ، وانظر التعليق السالف : ص : 427 تعليق : 1 .

(13) أي رجل مفطر ، وقوم مفطرون .

(14) في المطبوعة : "التي تأتي موحدة في اللفظ..." ، وفي المخطوطة : "التي يأتي موحد في اللفظ"والصواب ما أثبت .

(15) سيرة ابن هشام 4 : 95 واللسان (أخو) ومجاز القرآن 1 : 79 ، من قصيدة له طويلة في يوم حنين ، وفي هزيمة هوازن : ويذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت ، وبعد البيت: كــأن القــوم - إذ جــاؤوا إلينـا

مـن البغضـاء بعـد السـلم - عـور

وهو يخاطب هوازن بن منصور بن عكرمة ، إخوة سليم بن منصور ، وهم قوم العباس بن مرداس السلمي . وهذا البيت يجعلونه شاهدا على جمع"أخ" بالواو والنون كقول عقيل بن علقة المري: وكــان بنــو فــزارة شـر عـم

وكــنت لهـم كشـر بنـي الأخينـا

فقوله : "أخوكم" ، أي : إخوتكم . فهذا وجه آخر غير الذي استشهد له بهذا البيت والشاهد على قوله الطبري ما جاء في الأثر : "أنتم الوالد ونحن الولد" . والإحن جمع إحنة : وهي الحقد الغالب .

(16) انظر تفسير"أصحاب النار""وخالدون" فيما سلف 2 : 286 ، 287/ 4 : 317 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ناصرهم ومعينهم، وقيل: «محبهم»، وقيل: «متولي أمورهم لا يكلهم إلى غيره»، وقال الحسن: «ولي هدايتهم».
عمل
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ حدد ثلاثة من الأعمال التي يحبها الله، واعمل بها، ثم قل: «اللهم تولني فيمن توليت».
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ من كان الله وليَّه فلن يَضل أبدًا, ولن يقهر بإذن الله.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ما من مرتبة على وجه الأرض أعظم من أن تكون وليًّا لله؛ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: 62].
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ومتى تولاك فهل يضيِّعك؟! حاشاه سبحانه.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ على قدر إيمانك تكون ولاية الله لك.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يتولاهم بالمحبة والمعية والنصرة والتأييد والتوفيق، فتفتح لهم مغاليق القلوب، وتيسر لهم أصعب الأسباب.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولايَتُكَ تكفينا.
اسقاط
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيُّ خوف يعتريك، أي حزن يحتويك ووليُّك الله؟! وإذا العِنايةُ لاحظتكَ عُيونها ... نمّ فالحوادث كُلهن أمَانُ
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ موالاة رحمة وإحسان وجبر.
اسقاط
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيها المكروب، أيها المحزون: كيف حالك حينما يتولاك الله؟!
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ اســم الله (الــولى): الذي يتولى أمور الخلق، وأهل الإيمان.
تفاعل
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ادعُ الله الآن أن تكون منهم.
لمسة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ وحد الله تعالى لفظ النور، وجمع الظلمات؛ لأن الحق واحد، والكفر أجناس كثيرة، وكلها باطلة.
لمسة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سُمي الكفر ظلمة لالتباس طريقه، وسُمي الإسلام نورًا لوضوح طريقه.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ من أعظم نعم الله على أوليائه أنهم يرون بنور الله.
لمسة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سمى الله الوحي نورًا لما يحصل به من الهدى، كما سماه روحًا لما يحصل به من حياة القلوب.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ من أعظم ما يميز أهل الإيمان أنهم على هدى وبصيرة من الله تعالى في كل شؤونهم الدينية والدنيوية، بخلاف أهل الكفر.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ ولاية الله تعالى تنال بالإيمان والتقوى.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ هنيئًا لك بالولاية، وهنيئًا لك بالنور، قدرك عند الله عال؛ فلا تبخسه بما لا يليق بالإيمان.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ كل لحظة تمر على المؤمن يولد في قلبه نور جديد، ويخرج إلى فجر جديد.
لمسة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ عبَّر فيها بالمضارع لا بالماضي مع أن الِإخراج قد وُجد؛ لمناسبة التعبير به قبله في قوله: ﴿فمنْ يكفُرْ بالطَّاغُوتِ وُيؤْمِنْ باللَّهِ﴾ [256]؛ ولأنَّ المضارع يدلُّ على الاستمرار، فيدلُّ هنا على استمرار ما ضمنه الِإخراج من الله تعالى، في الزمن المستقبل في حقِّ من ذُكر.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾كيف يَخرجُ الكفَّارُ من النور، مع أنهم لم يكونوا في نورٍ؟ لمقابلة ما ذُكر قبله في المؤمنين، ولأن الكفار هنا هم (اليهود) وقد كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم لما يجدونه من نعته في كتبهم، فلما بُعث كفروا به.
وقفة
[257] أحد الإخوة البريطانيين -حديث عهد بإسلام- سألوه عن أثر الإسلام عليه؟ فأجاب: كنت أعيش في ظلام كما قال الله: ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، ثم أشار إلى عينيه كحال من غطي على بصره.
وقفة
[257] ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ... وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ...﴾ الإيمان والعمل الصالح يحققان لك ولاية الله سبحانه، والفسق والغفلة عن ذكر الله تجلبان ولاية الشيطان والعياذ بالله.
تفاعل
[257] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[257] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَٰتِ﴾ من والى الطاغوت تخبط في ظلمات الضلالة، وإن ادَّعى النور وتسمَّى به.
لمسة
[257] ﴿الطَّاغُوتُ﴾ الطاغوت تستعمل للمفرد والجمع، والمذكر والمؤنث، فنقول هذا طاغوت، وهذه طاغوت، بحسب السياق الذي وردت فيه.
وقفة
[257] ﴿يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَٰتِ﴾ الحق واحد، والكفر أجناس كثيرة، وكلها باطلة.
وقفة
[257] ﴿يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَٰتِ﴾ فلهذا الله يقود المؤمنين إلى جانب النور، والكفار يقودهم الطاغوت إلى جانب الظلام.
تفاعل
[257] ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ:
  • الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. وليّ: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر مضاف اليه و «وَلِيُّ» فعيل بمعنى فاعل من «وليه» أي قام بأمره.
  • ﴿ آمَنُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة بين الاسماء والأفعال وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:
  • يخرجهم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة «يُخْرِجُهُمْ» في محل نصب حال والجار والمجرور «مِنَ الظُّلُماتِ» متعلق بيخرج أي من ظلمات الضلال الى النور. جار ومجرور متعلق بيخرج أي نور الايمان والحق.
  • ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. كفروا: تعرب اعراب «آمَنُوا».
  • ﴿ أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ:
  • أولياء: مبتدأ ثان مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. الطاغوت: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالضمة والجملة الاسمية «أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ» في محل رفع خبر المبتدأ الأول «الَّذِينَ».
  • ﴿ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ:
  • يخرجون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة و «هم» ضمير الغائبين: في محل نصب مفعول به. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وأريد بالطاغوت الجمع وجملة «يُخْرِجُونَهُمْ» في محل نصب حال ومن النور الى الظلمات سبق إعرابها
  • ﴿ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ:
  • : أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف: حرف خطاب. أصحاب: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. النار: مضاف اليه مجرور بالكسرة ويجوز ان تكون «أَصْحابُ» خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم. والجملة الاسمية في محل رفع خبر أولئك.
  • ﴿ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
  • هم: ضمير الغائبين منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. فيها: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ «هُمْ». خالدون: خبر «هُمْ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد والجملة في محل نصب حال أو بدل من الجملة قبلها. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [257] لما قبلها :     وبعد أن مدحَ اللهُ عز وجل الذين كفروا بالطَّاغوت وآمَنوا بالله؛ بَيَّنَ هنا أنهم قد تَولَّوُا اللهَ فصار وَلِيَّهم، فبذلك يَستمرُّ تَمسُّكهم بالعُروة الوُثقى، وبعكسهم الذين اختاروا الكُفْرَ على الإسلام، قال تعالى:
﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [258] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ ..

التفسير :

[258] هل رأيت -أيها الرسول- أعجب مِن حال هذا الذي جادل إبراهيم عليه السلام في توحيد الله تعالى وربوبيته؛ لأن الله أعطاه المُلْك فتجبَّر وسأل إبراهيمَ:مَن ربُّك؟ فقال عليه السلام:ربي الذي يحيي الخلائق فتحيا، ويَسْلُبها الحياة فتموت، فهو المتفرد بالإحياء

يقول تعالى:{ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} أي:إلى جرائته وتجاهله وعناده ومحاجته فيما لا يقبل التشكيك، وما حمله على ذلك إلا{ أن آتاه الله الملك} فطغى وبغى ورأى نفسه مترئسا على رعيته، فحمله ذلك على أن حاج إبراهيم في ربوبية الله فزعم أنه يفعل كما يفعل الله، فقال إبراهيم{ ربي الذي يحيي ويميت} أي:هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة، فقال ذلك المحاج:{ أنا أحيي وأميت} ولم يقل أنا الذي أحيي وأميت، لأنه لم يدع الاستقلال بالتصرف، وإنما زعم أنه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه، فزعم أنه يقتل شخصا فيكون قد أماته، ويستبقي شخصا فيكون قد أحياه، فلما رآه إبراهيم يغالط في مجادلته ويتكلم بشيء لا يصلح أن يكون شبهة فضلا عن كونه حجة، اطرد معه في الدليل فقال إبراهيم:{ فإن الله يأتي بالشمس من المشرق} أي:عيانا يقر به كل أحد حتى ذلك الكافر{ فأت بها من المغرب} وهذا إلزام له بطرد دليله إن كان صادقا في دعواه، فلما قال له أمرا لا قوة له في شبهة تشوش دليله، ولا قادحا يقدح في سبيله{ بهت الذي كفر} أي:تحير فلم يرجع إليه جوابا وانقطعت حجته وسقطت شبهته، وهذه حالة المبطل المعاند الذي يريد أن يقاوم الحق ويغالبه، فإنه مغلوب مقهور، فلذلك قال تعالى:{ والله لا يهدي القوم الظالمين} بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك، وإلا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم إليه ويسر لهم أسباب الوصول إليه، ففي هذه الآية برهان قاطع على تفرد الرب بالخلق والتدبير، ويلزم من ذلك أن يفرد بالعبادة والإنابة والتوكل عليه في جميع الأحوال، قال ابن القيم رحمه الله:وفي هذه المناظرة نكتة لطيفة جدا، وهي أن شرك العالم إنما هو مستند إلى عبادة الكواكب والقبور، ثم صورت الأصنام على صورها، فتضمن الدليلان اللذان استدل بهما إبراهيم إبطال إلهية تلك جملة بأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ولا يصلح الحي الذي يموت للإلهية لا في حال حياته ولا بعد موته، فإن له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه إحياء وإماتة، ومن كان كذلك فكيف يكون إلها حتى يتخذ الصنم على صورته، ويعبد من دونه، وكذلك الكواكب أظهرها وأكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة، لا تصرف لها بنفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته، فهي مربوبة مسخرة مدبرة، لا إله يعبد من دون الله. "من مفتاح دار السعادة

حَاجَّ أى جادل وخاصم والمحاجة: المخاصمة والمغالبة بالقول يقال حاججته فحججته أى خاصمته بالقول فتغلبت عليه وتستعمل المحاجة كثيرا في المخاصمة بالباطل ومن ذلك قوله- تعالى-: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ.. وقوله- تعالى-:

وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ.

والمعنى: لقد علمت أيها العاقل صفة ذلك الكافر المغرور الذي جادل إبراهيم- عليه السلام- في شأن خالقه عز وجل- ومن لم يعلم قصته فها نحن أولاء نخبره بها عن طريق هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والاستفهام للتعجب من شأن هذا الكافر وما صار إليه أمر غروره وبطره والمراد به- كما قال ابن كثير- نمرود بن كنعان بن كوس بن سام ابن نوح ملك بابل، وكان معاصرا لسيدنا إبراهيم- عليه السلام- وأطلق القرآن على ما دار بين هذا الملك المغرور وبين سيدنا إبراهيم أنها محاجة مع أنها مجادلة بالباطل من هذا الملك، أطلق ذلك من باب المماثلة اللفظية أو هي محاجة في نظره السقيم ورأيه الباطل.

والضمير في قوله: فِي رَبِّهِ يعود إلى إبراهيم- عليه السلام- وقيل يعود إلى نمرود لأنه هو المتحدث عنه فالضمير يعود إليه والإضافة- على الرأى الأول- للتشريف، وللإيذان من أول الأمر بأن الله- تعالى- مؤيد وناصر لعبده إبراهيم. وقوله: أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ بيان لسبب إقدام هذا الملك على ما أقدم عليه من ضلال وطغيان. أى سبب هذه المحاجة لأنه أعطاه الله- تعالى- الملك فبطر وتكبر ولم يشكره- سبحانه- على هذه النعمة، بل استعملها في غير ما خلقت له فقوله: أَنْ آتاهُ مفعول لأجله، والكلام على تقدير حذف لام الجر، وهو مطرد الحذف مع أن وأن.

وقوله: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ حكاية لما قاله إبراهيم عليه السلام لذلك الملك في مقام التدليل على وحدانية الله وأنه- سبحانه- هو المستحق للعبادة أى قال له: ربي وحده هو الذي ينشئ الحياة ويوجدها، ويميت الأرواح ويفقدها حياتها، ولا يوجد أحد سواه يستطيع أن يفعل ذلك.

وقول إبراهيم- كما حكاه القرآن-: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ مفيد للقصر عن طريق تعريف المبتدأ وهو رَبِّيَ والخبر هو الموصول وصلته.

وعبر بالمضارع في قوله: يُحْيِي وَيُمِيتُ لإفادة معنى التجدد والحدوث الذي يرى ويحس بين وقت وآخر.

أى ربي هو الذي يحيى الناس ويميتهم كما ترى ذلك مشاهدا في كثير من الأوقات، فمن الواجب عليك أن تخصه بالعبادة والخضوع وأن تقلع عما أنت فيه من كفر وطغيان وضلال.

وقوله: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ ظرف لقوله: حَاجَّ أو بدل اشتمال منه، وفي هذا القول الذي حكاه القرآن عن إبراهيم- عليه السلام- أوضح حجة وأقواها على وحدانية الله واستحقاقه للعبادة، لأن كل عاقل يدرك أن الحق هو الذي يملك الإحياء والإماتة ويملك بعث الناس يوم القيامة ليحاسبهم على أعمالهم وهو أمر ينكره ذلك الملك الكافر.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: والظاهر أن قول إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ جواب لسؤال سابق غير مذكور. وذلك لأنه من المعلوم أن الأنبياء بعثوا للدعوة إلى الله، ومتى ادعى الرسول الرسالة فإن المنكر يطالبه بإثبات أن للعالم إلها. فالظاهر هنا أن إبراهيم ادعى الرسالة فقال له نمرود: من ربك؟ فقال إبراهيم: ربي الذي يحيى ويميت، إلا أن تلك المقدمة حذفت لأن الواقعة تدل عليها، ودليل إبراهيم في غاية الصحة لأن الخلق عاجزون عن الإحياء والإماتة وقدم ذكر الحياة على الموت هنا. لأن من شأن الدليل أن يكون في غاية الوضوح والقوة، ولا شك أن عجائب الخلقة حال الحياة أكثر، واطلاع الإنسان عليها أتم فلا جرم وجب تقديم الحياة هاهنا في الذكر».

ثم حكى القرآن جواب نمرود على إبراهيم فقال: قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أى قال ذلك الطاغية: إذا كنت يا إبراهيم تدعى أن ربك وحده الذي يحيى ويميت فأنا أعارضك في ذلك لأنى أنا- أيضا أحيى وأميت وما دام الأمر كذلك فأنا مستحق للربوبية. قالوا: ويقصد بقوله هذا أنه يستطيع أن يعفو عمن حكم بقتله، ويقتل من شاء أن يقتله.

ولقد كان في استطاعة إبراهيم- عليه السلام- أن يبطل قوله، بأن يبين له بأن ما يدعيه ليس من الأحياء والإماتة المقصودين بالاحتجاج، لأن ما قصده إبراهيم هو إنشاء الحياة وإنشاء الموت، كان في استطاعة الخليل- عليه السلام- أن يفعل ذلك، ولكنه آثر ترك فتح باب الجدال والمحاورة، وأتاه بحجة هي غاية في الإفحام فقال له- كما حكى القرآن: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ.

أى قال إبراهيم لخصمه المغرور: لقد زعمت أنك تملك الإحياء والإماتة كما يملك الله- تعالى- ذلك، ومن شأن هذا الزعم أن يجعلك مشاركا لله- تعالى- في قدرته فإن كان ذلك صحيحا فأنت ترى وغيرك يرى أن الله- تعالى- يأتى بالشمس من جهة المشرق عند شروقها فأنت بها أنت من جهة المغرب في هذا الوقت فماذا كانت نتيجة هذه الحجة الدامغة التي قذفها إبراهيم- عليه السلام- في وجه خصمه؟ كانت نتيجتها- كما حكى القرآن- فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أى: غلب وقهر، وتحير وانقطع عن حجاجه، واضطرب ولم يستطع أن يتكلم، لأنه فوجئ بما لا يملك دفعه. وفَبُهِتَ فعل ماض جاء على صورة الفعل المبنى للمجهول- كزهى وزكم- والمعنى فيه على البناء للفاعل. وقوله: الَّذِي كَفَرَ هو فاعله. والبهت:

الانقطاع والحيرة، وقرئ بوزن- علم ونصر وكرم.

والفاء في قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ.. إلخ فصيحة لأنها أفصحت عن جواب لشرط مقدر أى إن كنت كما تزعم أنك تحيى وتميت وأن قدرتك كقدرة الله فإن الله- تعالى- يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب.

وعبر عن هذا المبهوت بقوله: الَّذِي كَفَرَ للإشعار بأن سبب حيرته واضطرابه هو كفره وعناده.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أى لا يهديهم إلى طريق الحق. ولا يلهمهم حجة ولا برهانا. بسبب ظلمهم وطغيانهم وإيثارهم طريق الشيطان على طريق الرحمن.

وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد حكت للناس لونا من ألوان رعاية الله لأوليائه وخذلانه لأعدائه لكي يكون في ذلك عبرة وعظة لقوم يعقلون.

ثم ساقت السورة الكريمة قصتين تدلان أبلغ دلالة على قدرة الله- تعالى- وعلى صحة البعث والنشور استمع إلى القرآن وهو يحكى هاتين القصتين بأسلوبه البليغ فيقول:

هذا الذي حاج إبراهيم في ربه وهو ملك بابل : نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح . ويقال : نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح والأول قول مجاهد وغيره .

قال مجاهد : وملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : سليمان بن داود وذو القرنين . والكافران : نمرود [ بن كنعان ] وبختنصر . فالله أعلم .

ومعنى قوله : ( ألم تر ) أي : بقلبك يا محمد ( إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) أي : [ في ] وجود ربه . وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إله غيره كما قال بعده فرعون لملئه : ( ما علمت لكم من إله غيري ) [ القصص : 38 ] وما حمله على هذا الطغيان والكفر الغليظ والمعاندة الشديدة إلا تجبره ، وطول مدته في الملك ; وذلك أنه يقال : إنه مكث أربعمائة سنة في ملكه ; ولهذا قال : ( أن آتاه الله الملك ) وكأنه طلب من إبراهيم دليلا على وجود الرب الذي يدعو إليه فقال إبراهيم : ( ربي الذي يحيي ويميت ) أي : الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها ، وعدمها بعد وجودها . وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة ; لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له . فعند ذلك قال المحاج وهو النمروذ : ( أنا أحيي وأميت )

قال قتادة ومحمد بن إسحاق والسدي وغير واحد : وذلك أني أوتى بالرجلين قد استحقا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل ، وبالعفو عن الآخر فلا يقتل . فذلك معنى الإحياء والإماتة .

والظاهر والله أعلم أنه ما أراد هذا ; لأنه ليس جوابا لما قال إبراهيم ولا في معناه ; لأنه غير مانع لوجود الصانع . وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عنادا ومكابرة ويوهم أنه الفاعل لذلك وأنه هو الذي يحيي ويميت ، كما اقتدى به فرعون في قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ولهذا قال له إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة : ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ) أي : إذا كنت كما تدعي من أنك [ أنت الذي ] تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته ، فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق ، فإن كنت إلها كما ادعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب . فلما علم عجزه وانقطاعه ، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بهت أي : أخرس فلا يتكلم ، وقامت عليه الحجة . قال الله تعالى ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي : لا يلهمهم حجة ولا برهانا بل حجتهم داحضة عند ربهم ، وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .

وهذا التنزيل على هذا المعنى أحسن مما ذكره كثير من المنطقيين : أن عدول إبراهيم عن المقام الأول إلى المقام الثاني انتقال من دليل إلى أوضح منه ، ومنهم من قد يطلق عبارة ردية . وليس كما قالوه بل المقام الأول يكون كالمقدمة للثاني ويبين بطلان ما ادعاه نمروذ في الأول والثاني ، ولله الحمد والمنة .

وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمروذ بعد خروج إبراهيم من النار ولم يكن اجتمع بالملك إلا في ذلك اليوم فجرت بينهما هذه المناظرة .

وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم : أن النمروذ كان عنده طعام وكان الناس يغدون إليه للميرة فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة فكان بينهما هذه المناظرة ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس بل خرج وليس معه شيء من الطعام ، فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه وقال : أشغل أهلي عني إذا قدمت عليهم ، فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام . فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاما طيبا فعملت منه طعاما . فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال : أنى لكم هذا ؟ قالت : من الذي جئت به . فعرف أنه رزق رزقهموه الله عز وجل . قال زيد بن أسلم : وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكا يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ثم دعاه الثانية فأبى ثم الثالثة فأبى وقال : اجمع جموعك وأجمع جموعي . فجمع النمروذ جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس ، وأرسل الله عليهم بابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية ، ودخلت واحدة منها في منخري الملك فمكثت في منخريه أربعمائة سنة ، عذبه الله بها فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله بها .

القول في تأويل قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " ألم تر، يا محمد، بقلبك (17) .

=" الذي حاج إبراهيم "، يعني الذي خاصم (18) &; 5-430 &; " إبراهيم "، يعني: إبراهيم نبي الله صلى الله عليه وسلم =" في ربه أن آتاه الله الملك "، يعني بذلك: حاجه فخاصمه في ربه، لأن الله آتاه الملك.

* * *

وهذا تعجيب من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، من الذي حاج إبراهيم في ربه. ولذلك أدخلت " إلى " في قوله: " ألم تر إلى الذي حاج "، وكذلك تفعل العرب إذا أرادت التعجيب من رجل في بعض ما أنكرت من فعله، قالوا: " ما ترى إلى هذا "؟! والمعنى: هل رأيت مثل هذا، أو كهذا؟! (19) .

* * *

وقيل: إن " الذي حاج إبراهيم في ربه " جبار كان ببابل يقال له: نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح = وقيل: إنه نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.

* ذكر من قال ذلك:

5861 - حدثني محمد بن عمرو، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك "، قال: هو نمرود بن كنعان.

5862 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

5863 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.

5864 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن مجاهد، مثله. (20) .

&; 5-431 &;

5865 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه "، قال: كنا نحدث أنه ملك يقال له نمروذ، (21) وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.

5866 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: هو اسمه نمروذ، وهو أول ملك تجبر في الأرض، حاج إبراهيم في ربه.

5867 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك "، قال: ذكر لنا أن الذي حاج إبراهيم في ربه كان ملكا يقال له نمروذ، وهو أول جبار تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.

5868 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: هو نمروذ بن كنعان.

5869 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هو نمروذ.

5870 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، مثله.

5871 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني زيد بن أسلم، بمثله.

5872 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: هو نمرود= قال ابن جريج: هو نمرود، ويقال إنه أول ملك في الأرض.

* * *

القول في تأويل قوله : إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ألم تر، يا محمد، إلى الذي حاج إبراهيم في ربه حين قال له إبراهيم: " ربي الذي يحيي ويميت "، يعني بذلك: ربي الذي بيده الحياة والموت، يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء. قال: أنا أفعل ذلك، فأحيي وأميت، أستحيي من أردت قتله فلا أقتله، فيكون ذلك مني إحياء له= وذلك عند العرب يسمى " إحياء "، كما قال تعالى ذكره: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة: 32]= وأقتل آخر، فيكون ذلك مني إماتة له. قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: فإن الله الذي هو ربي يأتي بالشمس من مشرقها، فأت بها- إن كنت صادقا أنك إله- من مغربها! قال الله تعالى ذكره: " فبهت الذي كفر "، يعني انقطع وبطلت حجته.

* * *

يقال منه: " بهت يبهت بهتا ". وقد حكي عن بعض العرب أنها تقول بهذا المعنى: " بهت ". ويقال: " بهت الرجل "= إذا افتريت عليه كذبا=" بهتا وبهتانا وبهاتة ". (22) .

* * *

وقد روي عن بعض القرأة أنه قرأ: " فبهت الذي كفر "، بمعنى: فبهت إبراهيم الذي كفر.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5873 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت، قال أنا أحيي وأميت "، وذكر لنا أنه دعا برجلين ففتل أحدهما واستحي الآخر، فقال: أنا أحيي هذا‍! أنا أستحيي من شئت، وأقتل من شئت! قال إبراهيم عند ذلك: " فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ"،" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".

5874 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: " أنا أحيي وأميت "، أقتل من شئت، وأستحيي من شئت، أدعه حيا فلا أقتله. وقال: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم.

5875 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم: أول جبار كان في الأرض نمروذ، (23) . فكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار، فإذا مر به ناس قال: من ربكم؟ قالوا: أنت! حتى مر إبراهيم، قال: من ربك؟ قال: الذي يحيي ويميت؟ قال: أنا أحيي وأميت! قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب! فبهت الذي كفر. قال: فرده بغير طعام. قال: فرجع إبراهيم على أهله، (24) .

فمر على كثيب أعفر، (25) فقال: ألا آخذ من هذا، فآتي به &; 5-434 &; أهلي، (26) فتطيب أنفسهم حين أدل عليهم! فأخذ منه فأتى أهله. قال: فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه، ففتحته، فإذا هي بأجود طعام رآه أحد (27) ، فصنعت له منه، فقربته إليه، وكان عَهِد أهلَه ليس عندهم طعام، (28) فقال: من أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئت به! فعلم أن الله رزقه، فحمد الله. ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأتركك على ملكك! قال: وهل رب غيري؟! فجاءه الثانية، فقال له ذلك، فأبى عليه. ثم أتاه الثالثة فأبى عليه، فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام! فجمع الجبار جموعه، فأمر الله الملك، ففتح عليه بابا من البعوض، فطلعت الشمس، فلم يروها من كثرتها، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم، وشربت دماءهم، فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء. فبعث الله عليه بعوضة، فدخلت في منخره، فمكث أربعمئة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه. وكان جبارا أربعمئة عام، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه، وأماته الله. (29) وهو الذي بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد، وهو الذي قال الله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ (30) [النحل: 26].

5876 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ، قال: هو نمروذ كان بالموصل والناس يأتونه، فإذا دخلوا عليه، قال: من ربكم؟ فيقولون: أنت! &; 5-435 &; فيقول: أميروهم. (31) فلما دخل إبراهيم، ومعه بعير خرج يمتار به لولده، قال: فعرضهم كلهم، فيقول: من ربكم؟ فيقولون: أنت! فيقول: أميروهم! (32) حتى عرض إبراهيم مرتين، فقال: من ربك!؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت! قال: أنا أحيي وأميت، إن شئت قتلتك فأمتك، وإن شئت استحييتك. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب!!" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". قال: أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئا! فخرج القوم كلهم قد امتاروا، وجوالقا إبراهيم يصطفقان، (33) حتى إذا نظر إلى سواد جبال أهله، قال: ليحزني صبيتي إسماعيل وإسحاق! (34) لو أني ملأت هذين الجوالقين من هذه البطحاء، فذهبت بهما، قرت عينا صبيي، حتى إذا كان الليل أهرقته! قال: فملأهما، ثم خيطهما، ثم جاء بهما. فترامى عليهما الصبيان فرحا، وألقى رأسه في حجر سارة ساعة، ثم قالت: ما يجلسني! قد جاء إبراهيم تعبا لغبا، (35) لو قمت فصنعت له طعاما إلى أن يقوم! قال: فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها، وانسلت قليلا قليلا لئلا توقظه. قال: فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتقتها، فإذا حواري من النقي لم يروا مثله عند أحد قط، (36) فأخذت منه فعجنته وخبزته، (37) فلما أتت توقظ إبراهيم جاءته حتى وضعته بين يديه، فقال: أي شيء هذا &; 5-436 &; يا سارة؟ قالت: من جوالقك، لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير‍ قال: فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله، فعرف من أين ذاك.

5877 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: لما قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت‍ قال هو -يعني نمروذ: فأنا أحيي وأميت‍ فدعا برجلين، فاستحي أحدهما، وقتل الآخر، قال: أنا أحيي وأميت ،‍= قال: أي أستحيي من شئت= فقال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب‍" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".

5878 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: لما خرج إبراهيم من النار، أدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه، وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت‍ قال نمروذ: أنا أحيي وأميت‍‍! أنا أدخل أربعة نفر بيتا، فلا يطعمون ولا يسقون، حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا، وتركت اثنين فماتا. فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك، قال له إبراهيم: فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب! فبهت الذي كفر، وقال: إن هذا إنسان مجنون! فأخرجوه، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها، وأن النار لم تأكله! وخشي أن يفتضح في قومه = أعني نمروذ = وهو قول الله تعالى ذكره: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام: 83]، فكان يزعم أنه رب= وأمر بإبراهيم فأخرج.

5879 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: قال: أنا أحيي وأميت، أحيي فلا أقتل، وأميت من قتلت= قال ابن جريج، كان أتى &; 5-437 &; برجلين، فقتل أحدهما، وترك الآخر، فقال: أنا أحيي وأميت، قال: أقتل فأميت من قتلت، وأحيي= قال: استحيي= فلا أقتل.

5880 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: ذكر لنا والله أعلم: أن نمروذ قال لإبراهيم فيما يقول: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته، (38) وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره، ما هو؟ قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت. قال نمرود: فأنا أحيي وأميت! فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي، فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفو عن الآخر فأتركه وأكون قد أحييته! فقال له إبراهيم عند ذلك: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، أعرف أنه كما تقول! فبهت عند ذلك نمروذ، ولم يرجع إليه شيئا، وعرف أنه لا يطيق ذلك. يقول تعالى ذكره: " فبهت الذي كفر "، يعني وقعت عليه الحجة= يعني نمروذ.

* * *

قال أبو جعفر: وقوله: " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، يقول: والله لا يهدي أهل الكفر إلى حجة يدحضون بها حجة أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة، لأن أهل الباطل حججهم داحضة.

* * *

وقد بينا أن معنى " الظلم " وضع الشيء في غير موضعه، (39) والكافر وضع جحوده ما جحد في غير موضعه، فهو بذلك من فعله ظالم لنفسه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق.

5881 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق: " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، أي: لا يهديهم في الحجة عند الخصومة، لما هم عليه من الضلالة.

-----------------

الهوامش :

(17) انظر تفسير"الرؤية"فيما سلف 3 : 75 -79 /3 : 160 / وهذا الجزء : 266 ، 291 .

(18) انظر معنى"حاج" فيما سلف 3 : 121 -200 .

(19) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 170 .

(20) الأثر : 5864 -"النضر بن عربي الباهلي" مضت ترجمته في : 1307 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة : "بن عدي" ، وهو خطأ .

(21) في المطبوعة والمخطوطة : "كنا نتحدث" ، وما أثبت هو الصواب .

(22) "بهاتة" ، مصدر لم أجده في كتب اللغة ، وهو صحيح في القياس .

(23) في التاريخ : "نمرود" بالدال المهملة ، وفي المخطوطة كذلك ، إلا أنها لا تعجم المعجم .

وكلاهما جائز ، بالدال المهملة والذال المعجمة .

(24) في المخطوطة والمطبوعة : "على أهله" ، والجيد ما في تاريخ الطبري ، وهو ما أثبت .

(25) في المطبوعة : "على كثيب من رمل أعفر" بهذه الزيادة ، وليست في المخطوطة ولا في التاريخ والأعفر : الرمل الأحمر ، أو تخالطه الحمرة .

(26) في التاريخ : "هلاّ" (بفتح الهاء وتشديد اللام) وهما سواء ، "ألاّ" أيضًا مشددة اللام .

(27) في المطبوعة : "فإذا هى بأجود طعام رأته" ، والذي أثبت نص المخطوطة والتاريخ ، فليت شعرى لم غيره المغيرون في الطبع ! ! .

(28) الأثر : 5875 -في المطبوعة : "وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام" ، وأثبت ما في المخطوطة . والتاريخ ، وعجب لهؤلاء المبدلين ، استدلوا الركيك الموضوع ، بالجزء المرفوع! ! والأثر في التاريخ الطبري 1 : 148 .

(29) في المطبوعة : "ثم أماته الله" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .

(30) في المخطوطة : "فأتي الله بنيانه من القواعد" ، ثم أراد أن يصححها ، فكررها كما هى ، ولم يضرب على الأولى .

(31) في المطبوعة : "ميروهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما صواب . ماره يميره ، وأماره : إذا أتاهم بالميرة (وهى الطعام المجلوب) ، ومار القوم وأمارهم أيضًا : إذا أعطاهم الميرة .

(32) في المطبوعة : "ميروهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما صواب . ماره يميره ، وأماره : إذا أتاهم بالميرة (وهى الطعام المجلوب) ، ومار القوم وأمارهم أيضًا : إذا أعطاهم الميرة .

(33) الجُوالق (يضم الجيم ، وكسر اللام أو فتحها) ، وجمعه جوالق وجوالقات ، وهو وعاء من الأوعية ، نسميه ونحرفه اليوم"شوال" . واصطفق الشيء : اضطرب ، يعنى من فراغهما .

(34) في المطبوعة : "ليحزنني" ، والصواب ما في المخطوطة .

(35) لغب : قد أعيى أشد الإعياء . من اللغوب . وأكثر ما يقولون : لاغب ، أما"لغب" ، فهو قليل في كلامهم ، وهو هنا اتباع .

(36) الحواري (بضم الخاء وتشديد الواو ، والراء مفتوحة) : وهو لباب الدقيق الأبيض وأخلصه وأجوده . والنقى : وهو البر إذا جرى فيه الدقيق .

(37) في المطبوعة : "فطحنته وعجنته" ، وفي المخطوطة"فعجنته وعجنته" . واستظهرت أن تكون كما أثبتها .

(38) في المطبوعة : "الذي تعبده وتدعو إلى عبادته" ، وفي المخطوطة"الذي تعبدونه وتدعو ..." صواب قراءتها ما أثبت .

(39) انظر تفسير"الظلم" فيما سلف 1 : 523 ، 524 / 2 : 369 ، 519 ، ثم أخيرا ما سلف قريبا : 384 .

التدبر :

لمسة
[258] حين يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ بمعنى ألم تعلم علم اليقين، فكأنك رأيت ما يخبرك به، وعليك أن تأخذه على أنه مصدق كأنك رأيته بعينك، فالعين هي حاسة من حواسك، والحاسة قد تخدع، ولكن ربك لا يخدع.
وقفة
[258] استعمال حرف ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى﴾ ليدل على أنه أمر بلغ من العجب غاية بعيدة، والحق سبحانه وتعالى لم يقل لنا من هو ذلك الإنسان الذي حاج إبراهيم لأنه لا يعنينا التشخيص.
لمسة
[258] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ الحق سبحانه وتعالى لم يقل لنا من هو ذلك الإنسان الذي حاج إبراهيم؛ لأنه لا يعنينا التشخيص.
وقفة
[258] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ هذه الآية أصل في علم الجدل والمناظرة.
وقفة
[258] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ إن المحاجة لإبطال الباطل ولإحقاق الحق من مقامات الرسل.
وقفة
[258] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ الآية دليل على مشروعية مناظرة أهل الباطل لبيان الحق، وكشف ضلالهم عن الهدى.
وقفة
[258] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ﴾ الثروة تضخ فيك سموم الاستعلاء.
تفاعل
[258] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ﴾ استخرج ثلاثة آداب للحوار والمناظرة من قصة إبراهيم u.
وقفة
[258] إن النعم قد تكون سببًا للطغيان؛ لأن الإنسان إذا دام في نعمة، وفي رغد، وفي عيش هنيء فإنه ربما يطغى، وينسى الله عز وجل، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ﴾، فهذا الرجل ما طغى وأنكر الخالق إلا لأن الله آتاه الملك؛ ولهذا أحيانًا تكون الأمراض نعمة من الله على العبد؛ والفقر والمصائب تكون نعمة على العبد.
وقفة
[258] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ النعم الدنيوية إذا لم يصاحبها إيمان بالله فهي وبال على صاحبها، وزيادة في سيئاته.
وقفة
[258] ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ﴾ من أعظم أسباب الطغيان: الغرور بالقوة والسلطان، حتى يعمى المرء عن حقيقة حاله.
وقفة
[258] ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أي: هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة؛ لكونهما أعظم أنواع التدابير.
وقفة
[258] ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ فساد التصور يقود للكفر, فلنصحح تصورنا قبل أحكامنا.
وقفة
[258] ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ قال عكرمة: «يقول: أنا أقتل من شئت، وأترك من شئت».
تفاعل
[258] ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ قل: «اللهم يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني».
وقفة
[258] ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ آيات الله ساطعة بينة, لكن انطماس بصائر البعض واعتياد رؤية المعجزات ألهى الناس عنها.
وقفة
[258] ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ متى كنت على الحق وأردت حقًا؛ فسيوفقك الله إلى الحق.
وقفة
[258] ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ الله سبحانه أظهر من أن تستدل عليه بغوامض الأدلة. فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَهُ ... أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ ... وَتَسكينَةٍ أَبَدًا شاهِدُ
وقفة
[258] ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ لأنه ضربه (الضربة القاضية).
وقفة
[258] ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ الباطل ضحلٌ وضعيف، لا يصمد أمام حجة الحق، فليعرف أهل الحق مواضع قوتهم، وعلو حجتهم.
تفاعل
[258] ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[258] من أخذ بالعدل كان حريًّا بالهداية؛ لمفهوم المخالفة في قوله تعالى: ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾؛ فإذا كان الظالم لا يهديه الله، فصاحب العدل حري بأن يهديه الله؛ فإن الإنسان الذي يريد الحق ويتبع الحق -والحق هو العدل- غالبًا يُهدى، ويوفق للهداية.
وقفة
[258] الضلال والخيبة وعدم الهداية مصير كل ظالم ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ [نوح: 24]، ﴿وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: 111].

الإعراب :

  • ﴿ أَلَمْ تَرَ:
  • ألف استفهام في معنى التقرير والتعجب ويجوز ان يخاطب به من لم يسمع ولم ير لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في التعجب. لم: حرف جزم ونفي وقلب. تر: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف آخره حرف العلة. والفاعل: ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت
  • ﴿ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ:
  • جار ومجرور متعلق بترى. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بإلى. حاج: فعل ماض مبني على الفتح بمعنى «جادل» والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. ابراهيم: مفعول به منصوب بالفتحة. وهو ممنوع من الصرف.
  • ﴿ فِي رَبِّهِ أَنْ:
  • جار ومجرور متعلق بحاج. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. أن: حرف مصدري
  • ﴿ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ:
  • آتاه: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة. الملك: مفعول به ثان منصوب بالفتحة و «أَنْ» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جرّ بحرف جرّ مقدر بمعنى لأن. التقدير: لايتائه الملك والجار والمجرور متعلق بحاج أو بمفعول لإجله «له» وجملة «آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها أي أن إيتاء الملك أبطره فحاجّ لذلك. أو حاجّ وقت أن آتاه الله الملك. ويجوز إعراب المصدر «إتيان» في محل نصب مفعولا لأجله أو ظرفا في محل نصب بتقدير: إيتاء الملك حمله على وضع كفر النعمة فيه مكان شكرها.
  • ﴿ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ:
  • إذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بدل من تأويل المصدر أي «وقت اتيانه الملك» أو متعلق بحاجّ. قال: فعل ماض مبني على الفتح. ابراهيم: فاعل مرفوع بالضمة وجملة «قالَ إِبْراهِيمُ» في محل جّر بالاضافة لوقوعها بعد «إِذْ» الظرفية.
  • ﴿ رَبِّيَ الَّذِي:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. والجملة الاسمية في محل رفع خبر «رَبِّيَ».
  • ﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «يُحْيِي» صلة الموصول لا محل لها وحذف المفعول اختصارا. أي يحيي الأموات. الواو: عاطفة. يميت: معطوفة على «يُحْيِي» وتعرب إعرابها بمعنى ويميت الأحياء أو بمعنى يحيي بعضا أو قرنا ويميت بعضا. والجملة الاسمية في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو أنا. ضمير منفصل «ضمير المتكلم» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أحيي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا وجملة «أُحْيِي» في محل رفع خبر المبتدأ «أَنَا» الواو: عاطفة أميت معطوفة على «أُحْيِي» وتعرب إعرابها وجملة «أَنَا» وما بعدها: في محل نصب مفعول به «مقول القول» وحذف المفعول اختصارا أي أحيي الأموات وأميت الاحياء.
  • ﴿ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ:
  • قال ابراهيم: سبق إعرابها. فإن الفاء: زائدة إنّ: حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل ولفظ الجلالة «اللَّهُ»: اسم «أَنْ» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ يَأْتِي بِالشَّمْسِ:
  • تعرب إعراب «يُحْيِي» وجملة «يَأْتِي» في محل رفع خبر «أَنْ» بالشمس: جار ومجرور متعلق بيأتي وجملة «فَإِنَّ اللَّهَ وما تلاها» في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها:
  • أي من الشرق: جار ومجرور متعلق بيأتي. الفاء: استئنافية. إئت: فعل أمر مبني على حذف آخره. حرف العلة. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. بها: جار ومجرور متعلق «بإئت».
  • ﴿ مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ:
  • جار ومجرور متعلق بإئت. فبهت: الفاء استئنافية. للتسبيب. بهت: فعل ماض ملازم للبناء للمجهول سماعا مبني على الفتح وهو. أفصح من بهت: المبني للمعلوم قياسا.
  • ﴿ الَّذِي كَفَرَ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. كفر: فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. وجملة «كَفَرَ» صلة الموصول.
  • ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل وفاعله: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «لا يَهْدِي» في محل رفع خبر.
  • ﴿ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
  • القوم: مفعول به منصوب بالفتحة. الظالمين: صفة للقوم منصوبة بالياء لأن الاسم جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 258﴿إِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
يونس: 56﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
الأعراف: 158﴿ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ
الدخان: 8﴿ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
المؤمنون: 80﴿وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
غافر: 68﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [258] لما قبلها :     وبعد بيان أن اللهَ عز وجل ولي الذين آمنوا، وأن الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا محاورة بينَ نُموذجٍ للإيمانِ (إبراهيمُ عليه السلام) ونموذجٍ للطُّغيانِ (النُّمْرُودُ)، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

القراءات :

أنا أحيي:
قرئ:
1- بإثبات ألف «أنا» ، مادام بعدها همزة مفتوحة أو مضمومة: وهى قراءة نافع، وهى لغة بنى تميم، لأنه من إجراء الوصل مجرى الوقف، وهو ضعيف لا يحسن الأخذ به فى القرآن، وأبو نشيط لا يثبتها إلا مع الهمزة المكسورة.
2- بحذف الألف، وهى قراءة الباقين، وقد أجمعوا على إثباتها فى الوقف.
فبهت:
قرئ:
1- مبنيا لما لم يسم فاعله، والفاعل المحذوف «إبراهيم» ، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتح الباء والهاء، أي: فبهت ابراهيم الذي كفر، وهى قراءة ابن السميفع.
3- بفتح الباء وضم الهاء، وهى قراءة أبى حيوة.
4- بفتح الباء وكسر الهاء، وهى محكية عن الأخفش.

مدارسة الآية : [259] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ..

التفسير :

[259] أو هل رأيت -أيها الرسول- مِثْلَ الذي مرَّ على قرية قد تهدَّمت دورها، وخَوَتْ على عروشها، فقال:كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام، ثم ردَّ إليه روحه، وقال له:كم قَدْر الزمان الذي لبثْتَ ميتاً؟ قال:بقيت يوماً أو بعض يوم، فأخبر

وهذا أيضا دليل آخر على توحد الله بالخلق والتدبير والإماتة والإحياء، فقال:( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) أي:قد باد أهلها وفني سكانها وسقطت حيطانها على عروشها، فلم يبق بها أنيس بل بقيت موحشة من أهلها مقفرة، فوقف عليها ذلك الرجل متعجبا و ( قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) استبعادا لذلك وجهلا بقدرة الله تعالى، فلما أراد الله به خيرا أراه آية في نفسه وفي حماره، وكان معه طعام وشراب، ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ) استقصارا لتلك المدة التي مات فيها لكونه قد زالت معرفته وحواسه وكان عهد حاله قبل موته، فقيل له ( بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) أي:لم يتغير بل بقي على حاله على تطاول السنين واختلاف الأوقات عليه، ففيه أكبر دليل على قدرته حيث أبقاه وحفظه عن التغير والفساد، مع أن الطعام والشراب من أسرع الأشياء فسادا ( وانظر إلى حمارك ) وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده وانتثرت عظامه، وتفرقت أوصاله ( ولنجعلك آية للناس ) على قدرة الله وبعثه الأموات من قبورهم، لتكون أنموذجا محسوسا مشاهدا بالأبصار، فيعلموا بذلك صحة ما أخبرت به الرسل ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) أي:ندخل بعضها في بعض، ونركب بعضها ببعض ( ثم نكسوها لحما ) فنظر إليها عيانا كما وصفها الله تعالى، ( فلما تبين له ) ذلك وعلم قدرة الله تعالى ( قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) والظاهر من سياق الآية أن هذا رجل منكر للبعث أراد الله به خيرا، وأن يجعله آية ودليلا للناس لثلاثة أوجه أحدها قوله ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) ولو كان نبيا أو عبدا صالحا لم يقل ذلك، والثاني:أن الله أراه آية في طعامه وشرابه وحماره ونفسه ليراه بعينه فيقر بما أنكره، ولم يذكر في الآية أن القرية المذكورة عمرت وعادت إلى حالتها، ولا في السياق ما يدل على ذلك، ولا في ذلك كثير فائدة، ما الفائدة الدالة على إحياء الله للموتى في قرية خربت ثم رجع إليها أهلها أو غيرهم فعمروها؟! وإنما الدليل الحقيقي في إحيائه وإحياء حماره وإبقاء طعامه وشرابه بحاله، والثالث في قوله:( فلما تبين له ) أي:تبين له أمر كان يجهله ويخفى عليه، فعلم بذلك صحة ما ذكرناه، والله أعلم.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ معطوف على سابقه- وهو قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ والكاف اسمية بمعنى مثل معمولة لأرأيت محذوفا. أى أو أرأيت مثل الذي مر على قرية.. وحذف لدلالة أَلَمْ تَرَ عليه. وقيل: إن الكاف زائدة والتقدير: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم أو الذي مر على قرية.. وقيل: إن العطف هنا محمول على المعنى كأنه قيل: أرأيت شيئا عجيبا- كالذي حاج إبراهيم في ربه، أو كالذي مر على قرية» .

والذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ قيل هو عزيز بن شرخيا، وقيل حزقيال بن بوزى وقيل غير ذلك، والقرية قيل المراد بها بيت المقدس وكان قد خربها «بختنصر» البابلي.. والقرآن الكريم لم يهتم بتحديد الأشخاص والأماكن لأنه يقصد العبرة وبيان الحال والشأن. وجملة وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها في موضع الحال من الضمير المستتر في مَرَّ والواو رابطة بين الجملة الحالية وبين صاحبها والإتيان بها واجب لخلو الجملة من ضمير يعود على صاحبها وقيل هي حال من قرية، وسوغ إتيان الحال منها مع كونها نكرة وقوعها بعد الاستفهام المقدر وهو أرأيت ومعنى وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أن جدرانها ساقطة على سقوفها، أى أن الخراب قد عمها والدمار قد نزل بها، فأصبحت خالية من أهلها وفارغة ممن كان يعمرها وأصل الخواء الخلو. يقال خوت الدار وخربت تخوى خواء إذا سقطت وخلت.

والعروش جمع عرش وهو سقف البيت ويسمى العريش، وكل شيء يهيأ ليظل أو يكنّ فهو عريش وعرش.

وقوله- تعالى-: قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها حكاية لما قاله ذلك الذي مر على تلك القرية ورأى فيها ما رأى من مظاهر الخراب والدمار والمعنى: أو أرأيت مثل الذي مر على قرية وهي ساقطة حيطانها على سقوفها، وفارغة ممن كان يسكنها، فهاله أمرها، وراعه شأنها، وقال على سبيل التعجب كيف يحيى الله هذه القرية بعد موتها، بأن يعيد إليها العمران بعد الخراب، ويجعلها عامرة بسكانها الذين خلت منهم. فقوله: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ بمعنى كيف فتكون منصوبة على الحالية من اسم الإشارة ويجوز أن تكون أَنَّى هنا بمعنى متى أى: متى يحيى الله هذه القرية بعد موتها فتكون منصوبة على الظرفية.

وقال القرطبي: قوله: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها معناه من أى طريق وبأى سبب، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان، كما يقال الآن في المدن الخربة يبعد أن تعمر وتسكن أى: أنى تعمر هذه بعد خرابها. فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته»

وقوله هذا إنما هو تساؤل عن كيفية الإعادة لا عن أصل الإعادة لأنه كان مؤمنا بالبعث والنشور، إلا أنه لما رأى حال القرية على تلك الصورة من الخراب تعجب من قدرة الله على إحيائها، وتشوق إلى عمارتها واعترف بالعجز عن معرفة طريق الإحياء. فماذا كانت نتيجة هذا التساؤل؟ كانت نتيجته كما حكاها القرآن: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.

أى: بعد أن قال هذا الذي مر على تلك القرية الخاوية على عروشها ما قال، ألبثه الله- تعالى- في الموت مائة عام ثُمَّ بَعَثَهُ أى أحياه ببعث روحه إلى بدنه قالَ كَمْ لَبِثْتَ أى كم مدة من الزمان لبثتها على هذه الحال؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.

وقال- سبحانه-: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ولم يقل ثم أحياه، للدلالة على أنه عاد كهيئته يوم مات عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال وكان ذلك بعد عمارة القرية وللإشهار بسرعته وسهولة تأتيه على الباري- سبحانه-.

قال ابن كثير: كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيى بدنه فلما استقل سويا قال الله له بواسطة الملك كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر النهار فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ .

وقوله: قالَ كَمْ لَبِثْتَ استئناف مبنى على سؤال كأنه قيل: فماذا قال له بعد بعثه؟

فقيل: قال كم لبثت ليظهر له العجز عن الإحاطة بشئون الله- تعالى- على أتم وجه وتنحسم مادة استبعاده بالمرة.

وكم منصوبة على الظرفية ومميزها محذوف والتقدير كم يوما أو وقتا والناصب لها قوله:

لَبِثْتَ.

وفي هذه الجملة الكريمة بيان للناس بأن الموت يشبه النوم، وأن البعث يشبه اليقظة بعده وأنه لا شيء محال على الله- تعالى- فهو القائل: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.

وفي الحديث الشريف: والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا، وإنها لجنة أبدا، أو لنار أبدا» .

وقوله- تعالى-: قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ معطوف على مقدر، أى: ليس الأمر كما قلت إنك لبثت يوما أو بعض يوم بل إنك لبثت مائة عام ثم أرشده- سبحانه- إلى التأمل في أمور فيها أبلغ دلالة على قدرة الله تعالى وعلى صحة البعث فقال- سبحانه-: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ، وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً.

قوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ أى لم يتغير بمرور السنين الطويلة ولم تذهب طراوته فكأنه لم تمر عليه السنون ولفظ يتسنه: مشتق من السنة، والهاء فيه أصلية إذا قدر لام سنة هاء، وأصلها سنهة لتصغيرها على سنيهة وجمعها على سنهات كسجدة وسجدات، ولقولهم: سانهته إذا عاملته سنة فسنة، وتسنه عند القوم إذا أقام فيهم سنة. أو الهاء للوقف نحو كتابيه وجزمه بحذف حرف العلة إذا قدر لام سنه واوا، وأصلها سنوه لتصغيرها على سنية وجمعها على سنوات.

وقوله: نُنْشِزُها أى نرفعها. يقال: أنشز الشيء إذا رفعه من مكانه. وأصله من النشز- بفتحتين وبالسكون- وهو المكان المرتفع. وقرئ ننشرها- بضم النون والراء- أى نحييها من أنشر الله الموتى أى أحياهم. والمعنى: قال الله- تعالى- لهذا الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها إنك لم تلبث يوما أو بعض يوم في الموت كما تظن بل لبثت مائة عام فإن كنت في شك من ذلك فانظر إلى طعامك وشرابك لتشاهد أمرا آخر من دلائل قدرتنا فإن هذا الطعام والشراب كما ترى لم يتغير بمرور السنين وكر الأعوام بل بقي على حالته. وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه، وتفرقت أوصاله مما يشهد بأنه قد مرت عليه السنوات الطويلة.

وقوله: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ معطوف على محذوف متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق، والتقدير: فعلنا ما فعلنا لترى وتشاهد بنفسك مظاهر قدرة الله، ولنجعلك آية معجزة ودليلا على صحة البعث وقوله: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً أى انظر وتأمل في هذه العظام كيف نركب بعضها في بعض بعد أن نوجدها.

وقيل المعنى: وانظر إلى العظام أى عظام حمارك التي تفرقت وتناثرت لتشاهد كيف نرفعها من الأرض فنردها إلى أماكنها في جسده.

قال ابن كثير: قال السدى وغيره: تفرقت عظام حماره يمينا وشمالا حوله فنظر إليها وهي تلوح من بياضها، فبعث الله ريحا فجمعتها من كل موضع، ثم ركب كل عظم في موضعه، وذلك كله بمرأى من العزير» .

وجاء الضمير في قوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ بالإفراد مع أن المتقدم طعام وشراب، لأنهما متلازمان بمعنى أن أحدهما لا يكتفى به عن الآخر فصارا بمنزلة شيء واحد، فكأنه قال: انظر إلى غذائك.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى:

فلما تبين له بالأدلة الناصعة، وبالمشاهدة الحسية قدرة الله- تعالى- على الإحياء والإماتة، وعلى البعث والنشور قال أعلم أى أستيقن وأومن وأعتقد أن الله- تعالى- على كل شيء قدير، وأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء. والفاء في قوله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ... عاطفة على مقدر يستدعيه المقام فكأنه قيل: رفع الله العظام من أماكنها وأكساها لحما فلما تبين له ذلك، وتيقنه قال أعلم أن الله على كل شيء قدير. وفاعل تَبَيَّنَ مضمر يفسره سياق الكلام والتقدير: فلما تبين له كيفية الإحياء أو فلما تبين له ما أشكل عليه من أمر إحياء الموتى قال أعلم أن الله على كل شيء قدير.

تلك هي القصة الأولى التي ساقها الله- تعالى كدليل على قدرته وعلى صحة البعث والنشور. أما القصة الثانية التي تؤكد هذا المعنى فقد حكاها القرآن في قوله:

تقدم قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه [ أن آتاه الله الملك ] ) وهو في قوة قوله : هل رأيت مثل الذي حاج إبراهيم في ربه ؟ ولهذا عطف عليه بقوله : ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) اختلفوا في هذا المار من هو ؟ فروى ابن أبي حاتم عن عصام بن رواد عن آدم بن أبي إياس عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب أنه قال : هو عزير .

ورواه ابن جرير عن ناجية نفسه . وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بريدة وهذا القول هو المشهور .

وقال وهب بن منبه وعبد الله بن عبيد بن عمير : هو أرميا بن حلقيا . قال محمد بن إسحاق ; عمن لا يتهم عن وهب بن منبه أنه قال : وهو اسم الخضر عليه السلام .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي قال : سمعت سليمان بن محمد اليساري الجاري من أهل الجار ، ابن عم مطر فقال : سمعت رجلا من أهل الشام يقول : إن الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه اسمه : حزقيل بن بورا .

وقال مجاهد بن جبر : هو رجل من بني إسرائيل .

[ وذكر غير واحد أنه مات وهو ابن أربعين سنة ; فبعثه الله وهو كذلك ، وكان له ابن فبلغ من السن مائة وعشرين سنة ، وبلغ ابن ابنه تسعين وكان الجد شابا وابنه وابن ابنه شيخان كبيران قد بلغا الهرم ، وأنشدني به بعض الشعراء :

واسود رأس شاب من قبل ابنه ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر يرى أنه شيخا يدب على عصا

ولحيته سوداء والرأس أشعر وما لابنه حبل ولا فضل قوة

يقوم كما يمشي الصغير فيعثر وعمر ابنه أربعون أمرها

ولابن ابنه في الناس تسعين غبر

]

وأما القرية : فالمشهور أنها بيت المقدس مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها . ( وهي خاوية ) أي : ليس فيها أحد من قولهم : خوت الدار تخوي خواء وخويا .

وقوله : ( على عروشها ) أي : ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها ، فوقف متفكرا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة وقال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) وذلك لما رأى من دثورها وشدة خرابها وبعدها عن العود إلى ما كانت عليه . قال الله تعالى : ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) قال : وعمرت البلدة بعد مضي سبعين سنة من موته وتكامل ساكنوها وتراجعت بنو إسرائيل إليها . فلما بعثه الله عز وجل بعد موته كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيي بدنه ؟ فلما استقل سويا قال الله له أي بواسطة الملك : ( كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ) قالوا : وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر نهار ، فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال : ( أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) وذلك : أنه كان معه فيما ذكر عنب وتين وعصير فوجده كما فقده لم يتغير منه شيء ، لا العصير استحال ولا التين حمض ولا أنتن ولا العنب تعفن ( وانظر إلى حمارك ) أي : كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر ( ولنجعلك آية للناس ) أي : دليلا على المعاد ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) أي : نرفعها فتركب بعضها على بعض .

وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث نافع بن أبي نعيم عن إسماعيل بن أبي حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : ( كيف ننشزها ) بالزاي ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وقرئ : ( ننشرها ) أي : نحييها قاله مجاهد ( ثم نكسوها لحما ) .

وقال السدي وغيره : تفرقت عظام حماره حوله يمينا ويسارا فنظر إليها وهي تلوح من بياضها فبعث الله ريحا فجمعتها من كل موضع من تلك المحلة ، ثم ركب كل عظم في موضعه حتى صار حمارا قائما من عظام لا لحم عليها ثم كساها الله لحما وعصبا وعروقا وجلدا ، وبعث الله ملكا فنفخ في منخري الحمار فنهق ، كله بإذن الله عز وجل وذلك كله بمرأى من العزير ، فعند ذلك لما تبين له هذا كله ( قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) أي : أنا عالم بهذا وقد رأيته عيانا فأنا أعلم أهل زماني بذلك ، وقرأ آخرون : " قال اعلم " على أنه أمر له بالعلم .

أو كالذي مر على قرية

القول في تأويل قوله تعالى : { أو كالذي مر على قرية } يعني تعالى ذكره بقوله : { أو كالذي مر على قريه } نظير الذي عنى بقوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } من تعجيب محمد صلى الله عليه وسلم منه . وقوله : { أو كالذي مر على قريه } عطف على قوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } . وإنما عطف قوله : { أو كالذي } على قوله : { إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } وإن اختلف لفظاهما , لتشابه جنسهما , لأن قوله , { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } بمعنى : هل رأيت يا محمد كالذي حاج إبراهيم في ربه , ثم عطف عليه بقوله : { أو كالذي مر على قريه } لأن من شأن العرب العطف بالكلام على معنى نظير له قد تقدمه وإن خالف لفظه لفظه . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن " الكاف " في قوله , { أو كالذي مر على قريه } زائدة , وأن المعنى : ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم جميعا , أو الذي مر على قرية . وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . واختلف أهل التأويل في الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها , فقال بعضهم : هو عزير . ذكر من قال ذلك : 4591 - حدثنا محمد بن بشار , قال , ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن ناجية بن كعب . { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها } قال : عزير . 4592 - حدثنا ابن حميد . قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا أبو خزيمة , قال : سمعت سليمان بن بريدة في قوله : { أو كالذي مر على قريه } قال : هو عزير . 4593 - حدثنا بشر , قال , ثنا يزيد . قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { أو كالذي مر على قريه خاوية على عروشها } قال , ذكر لنا أنه عزير . 4594 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتاده مثله . 4595 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه قوله : { أو كالذي مر على قريه } قال : قال الربيع : ذكر لنا والله أعلم أن الذي أتى على القرية هو عزير . 4596 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج , عن عكرمة : { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } قال : عزير . 4597 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط عن السدي : { أو كالذي مر على قرية } قال : عزير . 4598 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها } إنه هو عزير . 4599 - حدثني يونس , قال : قال لنا سلم الخواص : كان ابن عباس يقول : هو عزير . وقال آخرون : هو إرميا بن حلقيا وزعم محمد بن إسحاق أن إرميا هو الخضر . 4600 - حدثنا بذلك ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , قال : اسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل , إرميا بن حلقيا , وكان من سبط هارون بن عمران . ذكر من قال ذلك : 4601 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : ثنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب , وقف في ناحية الجبل , فقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } . 4602 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه , قال : هو إرميا . * - حدثني محمد بن عسكر , قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : سمعت عبد الصمد بن معقل , عن وهب بن منبه , مثله . 4603 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى بن ميمون , عن قيس بن سعد , عن عبد الله بن عبيد بن عمير في قول الله : { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } قال : كان نبيا وكان اسمه إرميا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن قيس بن سعد , عن عبد الله بن عبيد , مثله . 4604 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني بكر بن مضر قال : يقولون والله أعلم : إنه إرميا . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره عجب نبيه صلى الله عليه وسلم ممن قال إذ رأى قرية خاوية على عروشها : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } مع علمه أنه ابتدأ خلقها من غير شيء , فلم يقنعه علمه بقدرته على ابتدائها , حتى قال : أنى يحييها الله بعد موتها ! ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قبله البيان على اسم قائل ذلك , وجائز أن يكون ذلك عزيرا , وجائز أن يكون إرميا , ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه , إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك . وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله على إحيائه خلقه بعد مماتهم , وإعادتهم بعد فنائهم , وأنه الذي بيده الحياة والموت من قريش , ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب , وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل بإطلاعه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على ما يزيل شكهم في نبوته , ويقطع عذرهم في رسالته , إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه من الأنباء التي لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم وقومه , ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب , ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم وقومه منهم , بل كان أميا وقومه أميون , فكان معلوما بذلك عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله إليه . ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر ويزيل الشك , ولكن القصد كان إلى ذم قيله , فأبان تعالى ذكره ذلك لخلقه . واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } فقال بعضهم : هي بيت المقدس . ذكر من قال ذلك : 4605 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر ومحمد بن عبد الملك , قالا : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال : لما رأى إرميا هدم بيت المقدس كالجبل العظيم , قال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } . 4606 - ثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال : هي بيت المقدس . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني ابن إسحاق عمن لا يتهم أنه سمع وهب بن منبه يقول ذلك . 4607 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا أنه بيت المقدس , أتى عزير بعدما خربه بختنصر البابلي . 4608 - حدثنا عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } أنه مر على الأرض المقدسة . 4609 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة في قوله : { أو كالذي مر على قرية } قال : القرية : بيت المقدس , مر بها عزير بعد إذ خربها بختنصر . 4610 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { أو كالذي مر على قريه } قال : القرية بيت المقدس , مر عليها عزير وقد خربها بختنصر . وقال آخرون : بل هي القرية التي كان الله أهلك فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت , فقال لهم الله موتوا . ذكر من قال ذلك : 4611 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف } قال : قرية كان نزل بها الطاعون , ثم اقتص قصتهم التي ذكرناها في موضعها عنه , إلى أن بلغ فقال لهم الله موتوا في المكان الذي ذهبوا يبتغون فيه الحياة , فماتوا ثم أحياهم الله { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } . 2 243 قال : ومر بها رجل وهي عظام تلوح , فوقف ينظر , فقال { أنى يحيي هذه الله بعد موتها , فأماته الله مائة عام ثم بعثه } إلى قوله { لم يتسنه } . والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } سواء لا يختلفان .وهي خاوية على عروشها

القول في تأويل قوله تعالى : { وهي خاوية على عروشها } . يعني تعالى ذكره بقوله : { وهي خاويه } وهي خالية من أهلها وسكانها , يقال من ذلك : خوت الدار تخوي خواء وخويا , وقد يقال للقرية : خويت , والأول أعرب وأفصح . وأما في المرأة إذا كانت نفساء فإنه يقال : خويت تخوى خوى منقوصا , وقد يقال فيها : خوت تخوي , كما يقال في الدار , وكذلك خوي الجوف يخوى خواء شديدا , ولو قيل في الجوف ما قيل في الدار وفي الدار ما قيل في الجوف كان صوابا , غير أن الفصيح ما ذكرت . وأما العروش : فإنها الأبنية والبيوت , واحدها عرش , وجمع قليله أعرش , وكل بناء فإنه عرش , ويقال : عرش فلان دارا يعرش ويعرش , وعرش تعريشا , ومنه قول الله تعالى ذكره : { وما كانوا يعرشون } 7 137 يعني يبنون , ومنه قيل عريش مكه , يعني به : خيامها وأبنيتها . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك . 4612 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال , قال ابن جريج , قال ابن عباس : خاوية : خراب . قال ابن جريج : بلغنا أن عزيرا خرج فوقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر , فوقف فقال : أبعد ما كان لك من القدس والمقاتلة والمال ما كان ! فحزن . 4613 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وهي خاوية على عروشها } قال : هي خراب . 4614 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : مر عليها عزير وقد خربها بختنصر . 4615 - حدثت عن موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وهي خاوية على عروشها } يقول : ساقطة على سقفها .قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام

القول في تأويل قوله تعالى : { قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } ومعنى ذلك فيما ذكرت : أن قائله لما مر ببيت المقدس , أو بالموضع الذي ذكر الله أنه مر به خرابا بعدما عهده عامرا , قال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها لا } ؟ فقال بعضهم : كان قيله ما قال من ذلك شكا في قدرة الله على إحيائه . فأراه الله قدرته على ذلك بضربه المثل له في نفسه , ثم أراه الموضع الذي أنكر قدرته على عمارته وإحيائه , أحيا ما رآه قبل خرابه , وأعمر ما كان قبل خرابه . وذلك أن قائل ذلك كان فيما ذكر لنا عهده عامرا بأهله وسكانه , ثم رآه خاويا على عروشه , قد باد أهله وشتتهم القتل والسباء , فلم يبق منهم بذلك المكان أحد , وخربت منازلهم ودورهم , فلم يبق إلا الأثر . فلما رآه كذلك بعد الحال التي عهده عليها , قال : على أي وجه يحيي هذه الله بعد خرابها فيعمرها ! استنكارا فيما قاله بعض أهل التأويل . فأراه كيفية إحيائه ذلك بما ضربه له في نفسه . وفيما كان من شرابه وطعامه , ثم عرفه قدرته على ذلك وعلى غيره بإظهاره إحياء ما كان عجيبا عنده في قدرة الله إحياؤه لرأي عينه حتى أبصره ببصره , فلما رأى ذلك قال : { أعلم أن الله على كل شيء قدير } . وكان سبب قيله ذلك كالذي : 4616 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه اليماني أنه كان يقول : قال الله لإرميا حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل : يا إرميا من قبل أن أخلقك اخترتك , ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك , ومن قبل أن أخرجك من بطنها طهرتك , ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك , ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك , ولأمر عظيم اجتبيتك , فبعث الله تعالى ذكره إرميا إلى ملك بني إسرائيل يسدده ويرشده , ويأتيه بالبر من الله فيما بينه وبينه ; قال : ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل , وركبوا المعاصي , واستحلوا المحارم , ونسوا ما كان الله صنع بهم , وما نجاهم من عدوهم سنحاريب , فأوحى الله إلى إرميا : أن ائت قومك من بني إسرائيل , فاقصص عليهم ما آمرك به , وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم , ثم ذكر ما أرسل الله به إرميا إلى قومه من بني إسرائيل , قال : ثم أوحى الله إلى إرميا : إني مهلك بني إسرائيل بيافث , ويافث أهل بابل , وهم من ولد يافث بن نوح ; فلما سمع إرميا وحي ربه , صاح وبكى وشق ثيابه , ونبذ الرماد على رأسه , فقال : ملعون يوم ولدت فيه , ويوم لقيت التوراة , ومن شر أيامي يوم ولدت فيه , فما أبقيت آخر الأنبياء إلا لما هو شر علي , لو أراد بي خيرا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل , فمن أجلي تصيبهم الشقوة والهلاك ; فلما سمع الله تضرع الخضر وبكاءه وكيف يقول : ناداه : إرميا أشق عليك ما أوحيت إليك ؟ قال : نعم يا رب أهلكني في بني إسرائيل ما لا أسر به , فقال الله : وعزتي العزيزة لا أهلك بيت المقدس وبني إسرائيل حتى يكون الأمر من قبلك في ذلك , ففرح عند ذلك إرميا لما قال له ربه , وطابت نفسه , وقال : لا والذي بعث موسى وأنبياءه بالحق , لا آمر ربي بهلاك بني إسرائيل أبدا , ثم أتى ملك بني إسرائيل , وأخبره بما أوحى الله إليه , ففرح واستبشر , وقال : إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة قدمناها لأنفسنا , وإن عفا عنا فبقدرته ; ثم إنهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية , وتمادوا في الشر , وذلك حين اقترب هلاكهم , فقل الوحي , حتى لم يكونوا يتذكرون الآخرة , وأمسك عنهم حين ألهتهم الدنيا وشأنها , فقال ملكهم : يا بني إسرائيل انتهوا عما أنتم عليه قبل أن يمسكم بأس من الله , وقبل أن يبعث عليكم ملوك لا رحمة لهم بكم , فإن ربكم قريب التوبة , مبسوط اليدين بالخير , رحيم من تاب إليه , فأبوا عليه أن ينزعوا عن شيء مما هم عليه , وإن الله ألقى في قلب بختنصر بن نعون بن زادان أن يسير إلى بيت المقدس , ثم يفعل فيه ما كان جده سنحاريب أراد أن يفعله , فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس ; فلما فصل سائرا أتى ملك بني إسرائيل الخبر أن بختنصر أقبل هو وجنوده يريدكم , فأرسل الملك إلى إرميا , فجاءه فقال : يا إرميا أين ما زعمت لنا أن ربنا أوحى إليك أن لا يهلك أهل بيت المقدس حتى يكون منك الأمر في ذلك , فقال إرميا للملك : إن ربي لا يخلف الميعاد , وأنا به واثق ; فلما اقترب الأجل , ودنا انقطاع ملكهم , وعزم الله على هلاكهم , بعث الله ملكا من عنده , فقال له : اذهب إلى إرميا فاستفته , وأمره بالذي يستفتيه فيه , فأقبل الملك إلى إرميا , وقد تمثل له رجلا من بني إسرائيل , فقال له إرميا : من أنت ؟ قال : رجل من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري , فأذن له , فقال الملك : يا نبي الله أتيتك أستفتيك في أهل رحمي , وصلت أرحامهم بما أمرني الله به , لم آت إليهم إلا حسنا , ولم آلهم كرامة , فلا تزيدهم كرامتي إياهم إلا إسخاطا لي , فأفتني فيهم يا نبي الله , فقال له : أحسن فيما بينك وبين الله , وصل ما أمرك الله به أن تصل , وأبشر بخير , فانصرف عنه الملك ; فمكث أياما ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل الذي جاءه , فقعد بين يديه , فقال له إرميا : من أنت ؟ قال : أنا الرجل الذي أتيتك في شأن أهلي , فقال له نبي الله , أوما طهرت لك أخلاقهم بعد , ولم تر منهم الذي تحب , فقال : يا نبي الله , والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى أهل رحمه إلا وقد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى أهلك فأحسن إليهم , أسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلح ذات بينكم , وأن يجمعكم على مرضاته , ويجنبكم سخطه , فقال الملك من عنده , فلبث أياما , وقد نزل بختنصر بجنوده حول بيت المقدس أكثر من الجراد , ففزع بنو إسرائيل فزعا شديدا , وشق ذلك على ملك بني إسرائيل , فدعا إرميا , فقال : يا نبي الله , أين ما وعدك الله , إني بربي واثق , ثم إن الملك أقبل إلى إرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده , فقعد بين يديه , فقال له إرميا : من أنت ؟ قال : أنا الذي كنت استفتيتك في شأن أهلي مرتين , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أولم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه ؟ فقال الملك : يا نبي الله كل شيء كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه , وأعلم أنما قصدهم في ذلك سخطي , فلما أتيتهم اليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله , ولا يحبه الله , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على أي عمل رأيتهم ؟ قال : يا نبي الله رأيتهم على عمل عظيم من سخط الله , ولو كانوا على مثل ما كانوا عليه قبل اليوم لم يشتد عليهم غضبي , وصبرت لهم ورجوتهم , ولكن غضبت اليوم لله ولك , فأتيتك لأخبرك خبرهم , وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق إلا ما دعوت عليهم ربك أن يهلكهم , فقال إرميا : يا مالك السموات والأرض , إن كانوا على حق وصواب فأبقهم , وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه , فأهلكهم ; فلما خرجت الكلمة من في إرميا أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس , فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها ; فلما رأى ذلك إرميا صاح وشق ثيابه , ونبذ الرماد على رأسه , فقال يا ملك السماء , ويا أرحم الراحمين أين ميعادك الذي وعدتني ؟ فنودي إرميا إنه لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك التي أفتيت بها رسولنا , فاستيقن النبي صلى الله عليه وسلم أنها فتياه التي أفتى بها ثلاث مرات , وأنه رسول ربه , فطار إرميا حتى خالط الوحوش , ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس , فوطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم , وخرب بيت المقدس , ثم أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه في بيت المقدس , فقذفوا فيه التراب حتى ملئوه , ثم انصرف راجعا إلى أرض بابل , واحتمل معه سبايا بني إسرائيل , وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم , فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل , فاختار منهم تسعين ألف صبي ; فلما خرجت غنائم جنده , وأراد أن يقسمهم فيهم , قالت له الملوك الذين كانوا معه : أيها الملك , لك غنائمنا كلها , واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل , ففعل , فأصاب كل واحد منهم أربعة غلمة , وكان من أولئك الغلمان : دانيال , وعزاريا , ومسايل , وحنانيا . وجعلهم بختنصر ثلاث فرق : فثلثا أقر بالشام , وثلثا سبى , وثلثا قتل , وذهب بأسبية بيت المقدس حتى أقدمها بابل وبالصبيان التسعين الألف حتى أقدمهم بابل , فكانت هذه الواقعة الأولى التي ذكر الله تعالى ذكره نبي الله بأحداثهم وظلمهم , فلما ولى بختنصر عنه راجعا إلى بابل بمن معه من سبايا بني إسرائيل , أقبل إرميا على حمار له معه عصير من عنب في زكرة وسلة تين , حتى أتى إيليا , فلما وقف عليها , ورأى ما بها من الخراب دخله شك , فقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } وحماره وعصيره وسلة تينه عنده حيث أماته الله , ومات حماره معه , فأعمى الله عنه العيون , فلم يره أحد , ثم بعثه الله تعالى , فقال له : { كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول : لم يتغير { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } فنظر إلى حماره يتصل بعضه إلى بعض , وقد مات معه بالعروق والعصب , ثم كيف كسي ذلك منه اللحم , حتى استوى , ثم جرى فيه الروح , فقام ينهق , ونظر إلى عصيره وتينه , فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير . فلما عاين من قدرة الله ما عاين قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير , ثم عمر الله إرميا بعد ذلك , فهو الذي يرى بفلوات الأرض والبلدان . 4617 - حدثني محمد بن عسكر وابن زنجويه , قالا : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول : أوحى الله إلى إرميا وهو بأرض مصر أن الحق بأرض إيليا , فإن هذه ليست لك بأرض مقام , فركب حماره , حتى إذا كان ببعض الطريق , ومعه سلة من عنب وتين , وكان معه سقاء حديد , فملأه ماء , فلما بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى والمساجد , ونظر إلى خراب لا يوصف , ورأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم , قال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } وسار حتى تبوأ منها منزلا , فربط حماره بحبل جديد . وعلق سقاءه , وألقى الله عليه السبات ; فلما نام نزع الله روحه مائة عام ; فلما مرت من المائة سبعون عاما , أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس عظيم يقال له يوسك , فقال : إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها , حتى تعود أعمر ما كانت , فقال الملك : أنظرني ثلاثه أيام حتى أتأهب لهذا العمل ولما يصلحه من أداء العمل , فأنظره ثلاثة أيام , فانتدب ثلاثمائة قهرمان , ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل , وما يصلحه من أداة العمل , فسار إليها قهارمته , ومعهم ثلاثمائة ألف عامل ; فلما وقعوا في العمل رد الله روح الحياة في عين إرميا , وأخر جسده ميتا , فنظر إلى إيليا وما حولها من القرى والمساجد والأنهار والحروث تعمل وتعمر وتجدد , حتى صارت كما كانت . وبعد ثلاثين سنة تمام المائه , رد إليه الروح , فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه , ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب , ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة , وقد أتى على ذلك ريح مائة عام وبرد مائة عام وحر مائة عام , لم تتغير ولم تنتقض شيئا , وقد نحل جسم إرميا من البلى , فأنبت الله له لحما جديدا , ونشز عظامه وهو ينظر , فقال له الله : { انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } . 4618 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب , وقف في ناحية الجبل , فقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته يعمرونها ثلاثين سنة تمام المائة ; فلما ذهبت المائة رد الله روحه وقد عمرت على حالها الأولى , فجعل ينظر إلى العظام كيف تلتام بعضها إلى بعض , ثم نظر إلى العظام كيف تكسى عصبا ولحما . { فلما تبين } له ذلك { قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } فقال الله تعالى ذكره : { انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } قال : فكان طعامه تينا في مكتل , وقلة فيها ماء . 4619 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها } وذلك أن عزيرا مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين ; فلما مر بالقرية فرآها , وقف عليها وقلب يده وقال : كيف يحيي هذه الله بعد موتها ؟ ليس تكذيبا منه وشكا . فأماته الله وأمات حماره , فهلكا ومر عليهما مائة سنة . ثم إن الله أحيا عزيرا فقال له : كم لبثت ؟ قال له : لبثت يوما أو بعض . قيل له : بل لبثت مائة عام , فانظر إلى طعامك من التين والعنب , وشرابك من العصير { لم يتسنه } . الآية .ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام

القول في تأويل قوله تعالى : { ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل مائة عام } . يعني تعالى ذكره بقوله : { ثم بعثه } ثم أثاره حيا من بعد مماته . وقد دللنا على معنى البعث فيما مضى قبل . وأما معنى قوله : { كم لبثت } فإن كم استفهام في كلام العرب عن مبلغ العدد , وهو في هذا الموضع نصب ب " لبثت " , وتأويله : قال الله له : كم قدر الزمان الذي لبثت ميتا قبل . أن أبعثك من مماتك حيا ؟ قال المبعوث بعد مماته : لبثت ميتا إلى أن بعثتني حيا يوما واحدا أو بعض يوم . وذكر أن المبعوث هو إرميا أو عزير , أو من كان ممن أخبر الله عنه هذا الخبر . وإنما قال : { لبثت يوما أو بعض يوم } لأن الله تعالى ذكره كان قبض روحه أول النهار , ثم رد روحه آخر النهار بعد المائة عام فقيل له : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما ; وهو يرى أن الشمس قد غربت فكان ذلك عنده يوما لأنه ذكر أنه قبض روحه أول النهار وسئل عن مقدار لبثه ميتا آخر النهار وهو يرى أن الشمس قد غربت , فقال : لبثت يوما , ثم رأى بقية من الشمس قد بقيت لم تغرب , فقال : أو بعض يوم , بمعنى : بل بعض يوم , كما قال تعالى ذكره : { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } 37 147 بمعنى : بل يزيدون . فكان قوله : { أو بعض يوم } رجوعا منه عن قوله : { لبثت يوما } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4620 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم } قال : ذكر لنا أنه مات ضحى , ثم بعثه قبل غيبوبة الشمس , فقال : لبثت يوما . ثم التفت فرأى بقية من الشمس , فقال : أو بعض يوم . فقال : بل لبثت مائة عام . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } قال : مر على قرية فتعجب , فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! فأماته الله أول النهار , فلبث مائة عام , ثم بعثه في آخر النهار , فقال : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم , قال : بل لبثت مائة عام . 4621 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : قال الربيع : أماته الله مائة عام , ثم بعثه , قال : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة عام . 4622 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال , ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : لما وقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر , قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! كيف يعيدها كما كانت ؟ فأماته الله . قال : وذكر لنا أنه مات ضحى , وبعث قبل غروب الشمس بعد مائة عام , فقال : كم لبثت ؟ قال : يوما . فلما رأى الشمس , قال : أو بعض يوم .فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه

القول في تأويل قوله تعالى : { فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } . يعني تعالى ذكره بقوله : { فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } لم تغيره السنون التي أتت عليه . وكان طعامه فيما ذكر بعضهم سلة تين وعنب وشرابه قلة ماء . وقال بعضهم : بل كان طعامه سلة عنب وسلة تين وشرابه زق من عصير . وقال آخرون : بل كان طعامه سلة تين , وشرابه دن خمر أو زكرة خمر . وقد ذكرنا فيما مضى قول بعضهم في ذلك ونذكر ما فيه فيما يستقبل إن شاء الله . وأما قوله { لم يتسنه } ففيه وجهان من القراءة : أحدهما : " لم يتسن " بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف . ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه زائدة صلة كقوله : { فبهداهم اقتده } 6 90 وجعل فعلت منه : تسنيت تسنيا , واعتل في ذلك بأن السنة تجمع سنوات , فيكون تفعلت على نهجه . ومن قال في السنه سنينة فجائز على ذلك وإن كان قليلا أن يكون تسننت تفعلت , أبدلت النون ياء لما كثرت النونات كما قالوا : تظنيت وأصله الظن ; وقد قال قوم . هو مأخوذ من قوله : { من حمإ مسنون } 15 26 وهو المتغير . وذلك أيضا إذا كان كذلك , فهو أيضا مما بدلت نونه ياء , وهو قراءة عامة قراء الكوفة . والآخر منهما : إثبات الهاء في الوصل والوقف , ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه لام الفعل ويحملها مجزومة بلم , ويحصل فعلت منه تسنهت , ويفعل : أتسنه تسنها , وقال في تصغير السنه : سنيهة , ومنه : أسنهت عند القوم , وتسنهت عندهم : إذا أقمت سنة , هذه قراءة عامة قراء أهل المدينة والحجاز . والصواب من القراءة عندي في ذلك , إثبات الهاء في الوصل والوقف , لأنها مثبتة في مصحف المسلمين , ولإثباتها وجه صحيح في كلتا الحالتين في ذلك . ومعنى قوله : { لم يتسنه } لم يأت عليه السنون فيتغير , على لغة من قال : أسنهت عندكم أسنه : إذا أقام سنة , وكما قال الشاعر : وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح فجعل الهاء في السنة أصلا , وهي اللغة الفصحى , وغير جائز حذف حرف من كتاب الله في حال وقف أو وصل لإثباته وجه معروف في كلامها . فإن اعتل معتل بأن المصحف قد ألحقت فيه حروف هن زوائد على نية الوقف , والوجه في الأصل عند القراءة حذفهن , وذلك كقوله : { فبهداهم اقتده } 6 90 وقوله : { يا ليتني لم أوت كتابيه } 69 25 فإن ذلك هو مما لم يكن فيه شك أنه من الزوائد , وأنه ألحق على نية الوقف . فأما ما كان محتملا أن يكون أصلا للحرف غير زائد فغير جائز , وهو في مصحف المسلمين مثبت صرفه إلى أنه من الزوائد والصلات . على أن ذلك وإن كان زائدا فيما لا شك أنه من الزوائد , فإن العرب قد تصل الكلام بزائد , فتنطق به على نحو منطقها به في حال القطع , فيكون وصلها إياه وقطعها سواء . وذلك من فعلها دلالة على صحة قراءة من قرأ جميع ذلك بإثبات الهاء في الوصل والوقف , غير أن ذلك وإن كان كذلك فلقوله : { لم يتسنه } حكم مفارق حكم ما كان هاؤه زائدا لا شك في زيادته فيه . ومما يدل على صحة ما قلنا , من أن الهاء في يتسنه من لغة من قال : " قد أسنهت " و " المسانهة " , ما : 4623 - حدثت به عن القاسم بن سلام , قال : ثنا ابن مهدي , عن أبي الجراح , عن سليمان بن عمير , قال : ثني هانئ مولى عثمان , قال : كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت , فقال زيد : سله عن قوله : لم يتسن , أو لم يتسنه ؟ فقال عثمان : اجعلوا فيها هاء . 4624 - حدثت عن القاسم , وحدثنا محمد بن محمد العطار , عن القاسم , وحدثنا أحمد والعطار جميعا , عن القاسم , قال : ثنا ابن مهدي , عن ابن المبارك , قال : ثني أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانئ البربري , قال : كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف , فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها : " لم يتسن " و " فأمهل الكافرين " و " لا تبديل للخلق " . قال : فدعا بالدواة , فمحا إحدى اللامين وكتب : { لا تبديل لخلق الله } 30 30 ومحا " فأمهل " وكتب : { فمهل الكافرين } 86 17 وكتب : " لم يتسنه " ألحق فيها الهاء . ولو كان ذلك من " يتسنى " أو " يتسنن " لما ألحق فيه أبي هاء لا موضع لها فيه , ولا أمر عثمان بإلحاقها فيها . وقد روي عن زيد بن ثابت في ذلك نحو الذي روي فيه عن أبي بن كعب . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله { لم يتسنه } فقال بعضهم بمثل الذي قلنا فيه من أن معناه لم يتغير . ذكر من قال ذلك : 4625 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة بن المفضل , عن محمد بن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه : { لم يتسنه } لم يتغير . 4626 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { لم يتسنه } لم يتغير . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , مثله . 4627 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول : فانظر إلى طعامك من التين والعنب , وشرابك من العصير لم يتسنه , يقول : لم يتغير فيحمض التين والعنب , ولم يختمر العصير هما حلوان كما هما . وذلك أنه مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين , فأماته الله , وأمات حماره , ومر عليهما مائة سنة . 4628 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول : لم يتغير , وقد أتى عليه مائة عام . * - حدثني المثنى , قال : أخبرنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , بنحوه . 4629 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : { لم يتسنه } لم يتغير . 4630 - حدثنا سفيان , قال : ثنا أبي , عن النضر , عن عكرمة : { لم يتسنه } لم يتغير . 4631 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { لم يتسنه } لم يتغير في مائة سنة . 4632 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني بكر بن مضر , قال : يزعمون في بعض الكتب أن إرميا كان بإيليا حين خربها بختنصر , فخرج منها إلى مصر فكان بها , فأوحى الله إليه أن اخرج منها إلى بيت المقدس . فأتاها فإذا هي خربة , فنظر إليها فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! فأماته الله مائة عام ثم بعثه , فإذا حماره حي قائم على رباطه , وإذا طعامه سل عنب وسل تين لم يتغير عن حاله . قال يونس : قال لنا سلم الخواص : كان طعامه وشرابه سل عنب وسل تين وزق عصير . وقال آخرون : معنى ذلك : لم ينتن . ذكر من قال ذلك : 4633 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله : { لم يتسنه } لم ينتن . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4634 - حدثني القاسم , قال : ثنا الحسن , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال مجاهد قوله : { إلى طعامك } قال : سل تين , { وشرابك } دن خمر , { لم يتسنه } يقول : لم ينتن . وأحسب أن مجاهدا والربيع ومن قال في ذلك بقولهما رأوا أن قوله : { لم يتسنه } من قول الله تعالى ذكره : { من حمإ مسنون } 15 26 بمعنى المتغير الريح بالنتن من قول القائل : تسنن . وقد بينت الدلالة فيما مضى على أن ذلك ليس كذلك . فإن ظن ظان أنه من الآسن من قول القائل : أسن هذا الماء يأسن أسنا , كما قال الله تعالى ذكره : { فيها أنهار من ماء غير آسن } 47 15 فإنه ذلك لو كان كذلك لكان الكلام : فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتأسن , ولم يكن يتسنه . فإنه منه , غير أنه ترك همزة , قيل : فإنه وإن ترك همزه فغير جائز تشديد نونه , لأن النون غير مشددة , وهي في يتسنه مشددة , ولو نطق من يتأسن بترك الهمزة لقيل يتسن بتخفيف نونه بغير هاء تلحق فيه , ففي ذلك بيان واضح أنه غير جائز أن يكون من الأسن .وانظر إلى حمارك

القول في تأويل قوله تعالى : { وانظر إلى حمارك } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وانظر إلى حمارك } فقال بعضهم : معنى ذلك : وانظر إلى إحيائي حمارك , وإلى عظامه كيف أنشزها ثم أكسوها لحما . ثم اختلف متأولو ذلك في هذا التأويل , فقال بعضهم : قال الله تعالى ذكره ذلك له بعد أن أحياه خلقا سويا , ثم أراد أن يحيي حماره ; تعريفا منه تعالى ذكره له كيفية إحيائه القرية التي رآها خاوية على عروشها , فقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } مستنكرا إحياء الله إياها . ذكر من قال ذلك : 4635 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه , قال : بعثه الله فقال : { كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم } إلى قوله : { ثم نكسوها لحما } قال : فنظر إلى حماره يتصل بعض إلى بعض , وقد كان مات معه بالعروق والعصب , ثم كسا ذلك منه اللحم حتى استوى ثم جرى فيه الروح , فقام ينهق . ونظر إلى عصيره وتينه , فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير . فلما عاين من قدرة الله ما عاين , قال : { أعلم أن الله على كل شيء قدير } . 4636 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ثم إن الله أحيا عزيرا , فقال : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة عام , فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه , وانظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه , وانظر إلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما . فبعث الله ريحا , فجاءت بعظام الحمار من كل سهل وجبل ذهبت به الطير والسباع , فاجتمعت , فركب بعضها في بعض وهو ينظر , فصار حمارا من عظام ليس له لحم ولا دم . ثم إن الله كسا العظام لحما ودما , فقام حمارا من لحم ودم وليس فيه روح . ثم أقبل ملك يمشي حتى أخذ بمنخر الحمار , فنفخ فيه فنهق الحمار , فقال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . فتأويل الكلام على ما تأوله قائل هذا القول : وانظر إلى إحيائنا حمارك , وإلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما , ولنجعلك آية للناس . فيكون في قوله : { وانظر إلى حمارك } متروك من الكلام , استغني بدلالة ظاهره عليه من ذكره , وتكون الألف واللام في قوله : { وانظر إلى العظام } بدلا من الهاء المرادة في المعنى , لأن معناه : وانظر إلى عظامه : يعني إلى عظام الحمار . وقال آخرون منهم : بل قال الله تعالى ذكره ذلك له بعد أن نفخ فيه الروح في عينه , قالوا : وهي أول عضو من أعضائه نفخ الله فيه الروح , وذلك بعد أن سواه خلقا سويا , وقبل أن يحيي حماره . ذكر من قال ذلك : 4637 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : كان هذا رجلا من بني إسرائيل نفخ الروح في عينيه , فنظر إلى خلقه كله حين يحييه الله , وإلى حماره حين يحييه الله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله . 4638 - حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : بدأ بعينيه فنفخ فيهما الروح , ثم بعظامه فأنشزها , ثم وصل بعضها إلى بعض , ثم كساها العصب , ثم العروق , ثم اللحم . ثم نظر إلى حماره , فإذا حماره قد بلي وابيضت عظامه في المكان الذي ربطه فيه , فنودي : يا عظام اجتمعي , فإن الله منزل عليك روحا ! فسعى كل عظم إلى صاحبه , فوصل العظام , ثم العصب , ثم العروق . ثم اللحم , ثم الجلد , ثم الشعر , وكان حماره جذعا , فأحياه الله كبيرا قد تشنن , فلم يبق منه إلا الجلد من طول الزمن , وكان طعامه سل عنب وشرابه دن خمر . قال ابن جريج عن مجاهد : نفخ الروح في عينيه , ثم نظر بهما إلى خلقه كله حين نشره الله , وإلى حماره حين يحييه الله . وقال آخرون : بل جعل الله الروح في رأسه وبصره وجسده ميتا , فرأى حماره قائما كهيئته يوم ربطه وطعامه وشرابه كهيئته يوم حل البقعة , ثم قال الله له : انظر إلى عظام نفسك كيف ننشزها . ذكر من قال ذلك : 4639 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر , قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول : رد الله روح الحياة في عين إرميا وآخر جسده ميت , فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه , ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه , لم يطعم ولم يشرب , ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة . 4640 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } فنظر إلى حماره قائما قد مكث مائة عام , وإلى طعامه لم يتغير قد أتى عليه مائة عام , { وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } فكان أول شيء أحيا الله منه رأسه , فجعل ينظر إلى سائر خلقه يخلق . * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } فنظر إلى حماره قائما , وإلى طعامه وشرابه لم يتغير , فكان أول شيء خلق منه رأسه , فجعل ينظر إلى كل شيء منه يوصل بعضه إلى بعض . فلما تبين له , قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4641 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا أنه أول ما خلق الله منه رأسه , ثم ركبت فيه عيناه , ثم قيل له : انظر ! فجعل ينظر , فجعلت عظامه تواصل بعضها إلى بعض , وبعين نبي الله عليه السلام كان ذلك . فقال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4642 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك } وكان حماره عنده كما هو , { ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها } . قال الربيع : ذكر لنا والله أعلم أنه أول ما خلق منه عيناه , ثم قيل انظر , فجعل ينظر إلى العظام يتواصل بعضها إلى بعض وذلك بعينيه . فقيل : أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4643 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا ابن زيد قال قوله : { وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك } واقفا عليك منذ مائة سنة , { ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام } يقول : وانظر إلى عظامك كيف نحييها حين سألتنا كيف نحيي هذه الأرض بعد موتها . قال : فجعل الله الروح في بصره وفي لسانه , ثم قال : ادع الآن بلسانك الذي جعل الله فيه الروح , وانظر ببصرك ! قال : فكان ينظر إلى الجمجمة , قال : فنادى : ليلحق كل عظم بأ

التدبر :

وقفة
[259] في الآية إشارة أن الله بيده أن يغير نواميس الكون ومراكز الاستشعار عند الإنسان, ويقلبها كيف يشاء, فجعل عشرات السنوات هنا كأنها ساعات, وبيده أن يجعل اللحظات العابرة كأنها أعوام.
وقفة
[259] ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ خاض تجربة الموت وعاد يعيش مؤمنًا من جديد، حتى ذكريات موته لم تمنعه من الإيمان والحياة.
وقفة
[259] ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ طوي الوحي مائة عام في جملة واحدة، هكذا يقص العظيم سبحانه القصص، مائة عام كأنها لحظة واحدة.
وقفة
[259] ﴿فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ النظر هنا يفيد الاعتبار, وحرف (إِلَىٰ) أفاد التنبيه علي إمعان النظر, ليشعر الناظر بهذه الأمور الدقيقة التي لا تظهر إلا بالتأمل وتكرار النظر.
وقفة
[259] ﴿وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ عظم قدرة الله تعالى؛ فلا يُعْجِزُهُ شيء، ومن ذلك إحياء الموتى.
وقفة
[259] ﴿نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ النشوز: هو الارتفاع، أي كيف نرفعها من الأرض ونردها إلى مكانها من الجسد، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا﴾ [النساء: 128]، أي ارتفاعًا معنويًا، والمقصود به تسلطًا وظلمًا، ومنه أيضًا: ﴿وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا﴾ [المجادلة: 11]، أي ارتفعوا من الأرض وقوموا من المجلس.
وقفة
[259] ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ قال الطاهر بن عاشور: «قد جمع الله له أنواع الإحياء؛ إذ أحيا جسده بنفخ الروح عن غير إعادة, وأحيا طعامه بحفظه من التغير, وأحيا حماره بالإعادة, فكان آية عظيمة للناس الموقنين بذلك».
وقفة
[259] ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ مائة عام ليتعلم درسًا واحدًا في أصول العقيدة؛ الدروس الغالية التي تستحق الزمن.

الإعراب :

  • ﴿ أَوْ كَالَّذِي:
  • أو: بمعنى «بل». الكاف: اسم للتشبيه بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به لفعل محذوف مقدّر أي: أرأيت مثل الذي مّر فحذف لدلالة «أَلَمْ تَرَ» عليه. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة
  • ﴿ مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لهل. مرّ: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. على قرية: جار ومجرور متعلق بمرّ.
  • ﴿ وَهِيَ خاوِيَةٌ:
  • الواو: حالية. هي: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. خاوية: خبر مرفوع بالضمة والجملة في محل نصب حال
  • ﴿ عَلى عُرُوشِها قالَ:
  • جار ومجرور متعلق بخاوية «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. قال: تعرب اعراب «مَرَّ».
  • ﴿ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها:
  • أنى وما بعدها: في محل نصب مفعول به مقول القول- وجملة «يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ» في محل جر بالاضافة و «أَنَّى» اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف مكان بمعنى كيف. يحيي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. هذه: اسم اشارة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به مقدم وقد حذف المشار اليه اختصارا لأن ما قبله يدل عليه: أي كيف يحيي هذه القرية وقد تقدم المفعول على الفاعل. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بعد موتها: ظرف زمان متعلق بيحيي منصوب بالفتحة وهو. مضاف موتها: مضاف اليه مجرور بالكسرة و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَأَماتَهُ اللَّهُ:
  • الفاء: عاطفة. أماته: فعل ماض مبني على الفتح والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة
  • ﴿ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ:
  • مائة: تمييز منصوب بالفتحة ويجوز اعرابها ظرفا عام مضاف اليه مجرور بالكسرة ثم حرف عطف و «بَعَثَهُ» معطوفة على «أماته» وتعرب اعرابها والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.
  • ﴿ قالَ كَمْ لَبِثْتَ:
  • تعرب اعراب «مَرَّ» كم: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم وتمييزه محذوف يفسره الجواب. لبثت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل وجملة «كَمْ لَبِثْتَ» في محل نصب مفعول به- مقول القول- بمعنى: كم مكثت وأنت ميت؟ .
  • ﴿ قالَ لَبِثْتُ:
  • قال: تعرب اعراب «مَرَّ» لبثت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل
  • ﴿ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة المنونة لأنه نكرة ويجوز اعرابه: ظرفا للزمان متعلقا بلبثت في محل نصب. أو: حرف عطف يفيد الظن أو الإبهام. بعض: معطوف على «يَوْماً» وتعرب اعرابه يوم: مضاف اليه مجرور بالكسرة. وجملة «لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ:
  • قال: تعرب اعراب «مَرَّ» بل: حرف استئناف. لبثت مائة عام: تعرب اعراب: لبثت بعض يوم.
  • ﴿ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ:
  • الفاء: استئنافية. انظر: فعل أمر مبني على السكون. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت و «إِلى طَعامِكَ» جار ومجرور متعلق بأنظر. والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ:
  • الواو: عاطفة. شرابك: معطوفة. على «طَعامِكَ» وتعرب اعرابها. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يتسنه: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: السكون والهاء للسكت لتتبين لها حركة ما قبلها وقيل: الأصل يتسنن فقلبت النون حرف علة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. ومعناه لم تغيره السنون.
  • ﴿ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ:
  • معطوفة بالواو: على «انظر الى طعامك» وتعرب اعرابها بمعنى كيف صار هيكلا.
  • ﴿ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ:
  • الواو استئنافية. اللام: لام التعليل وهي حرف جر. نجعلك: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول. آية: مفعول به ثان منصوب بالفتحة المنونة لأنه نكرة. للناس: جار ومجرور متعلق بنجعل أو بصفة محذوفة من «آيَةً» «وأن» المضمرة وما بعدها بتأويل- مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأنظر.
  • ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ:
  • لواو: عاطفة: انظر: أعربت. الى العظام: جار ومجرور متعلق بانظر. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال.
  • ﴿ نُنْشِزُها:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. و «ها» ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً:
  • ثم: حرف عطف. نكسوها: تعرب اعراب «نُنْشِزُها». لحما: تمييز منصوب بالفتح المنون لأنه نكرة.
  • ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ:
  • الفاء: استئنافية. لّما: بمعنى «حين» اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. تبين: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل محذوف تقديره: تبين ما أشكل عليه. له: جار ومجرور متعلق بتبين.
  • ﴿ قالَ أَعْلَمُ:
  • تعرب اعراب «مَرَّ» وجملة «قالَ» جواب شرط غير جازم لا محل لها. وجملة «تبين له ما اشكل» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «لما» الظرفية. أعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. وجملة: «أَعْلَمُ وما بعدها» في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
  • أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «أَنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. على كل: جار ومجرور متعلق بقدير. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة المنونة لأنه نكرة. قدير: خبر «أَنَّ» مرفوع بالضمة و «أَنَّ اللَّهَ وما تلاها» بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «أَعْلَمُ». '

المتشابهات :

البقرة: 259﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ
الكهف: 19﴿قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ
المؤمنون: 113﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [259] لما قبلها :     وبعدَ أن بَيَّنَ إبراهيم عليه السلام للنُّمْرُود أن ربه هو الذي يحيي ويميت؛ جاءت هنا هذه القصَّةَ التي تُثبتُ قدرةَ اللهِ على إحياءُ الموتى: قصَّةُ مَنْ أماتَه اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ أحيَاه (المشهورُ في كتبِ التفسيرِ أنَّه عُزَيْرٌ)، قال تعالى:
﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

القراءات :

أو:
قرئت:
1- ساكنة الواو، على معنى التفضيل أو التخيير، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتح الواو، على أنها حرف عطف دخلت عليها ألف التقرير والتقدير، وهى قراءة أبى سفيان ابن حسين.
لم يتسنه:
قرئ:
1- بحذف الهاء فى الوصل، على أنها هاء السكت، وهى قراءة حمزة، والكسائي.
2- بإثبات الهاء فى الوصل والوقف، وهى قراءة الباقين.
3- بإدغام التاء فى السين، وهى قراءة أبى.
4- لمائة سنة، مكان «لم يتسنه» ، وهى قراءة طلحة بن مصرف.
5- وهذا شرابك لم يتسنه، وهى قراءة عبد الله.
ننشزها:
قرئ:
1- ننشزها، بضم النون والراء المهملة، وهى قراءة الحرميين.
2- ننشزها، بفتح النون والراء المهملة، من: أنشر، وهى قراءة ابن عباس، والحسن، وأبى حيوة، وأبان عن عاصم.
3- ننشزها، بضم النون والزاى المعجمة، وهى قراءة باقى السبعة.
4- ننشزها، بفتح النون وضم الشين والزاى المعجمتين، وهى قراءة النخعي.
5- ننشيها، بالياء، أي نخلقها، وهى قراءة أبى.
تبين:
قرئ:
1- تبين، مبنيا للفاعل، وهى قراءة الجمهور.
2- تبين، مبنيا للمفعول الذي لم يسم فاعله، وهى قراءة ابن عباس.
3- بين، بغير تاء، مبنيا لما لم يسم فاعله، وهى قراءة ابن السميفع.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف