170156157158159

الإحصائيات

سورة الأعراف
ترتيب المصحف7ترتيب النزول39
التصنيفمكيّةعدد الصفحات26.00
عدد الآيات206عدد الأجزاء1.25
عدد الأحزاب2.50عدد الأرباع10.00
ترتيب الطول4تبدأ في الجزء8
تنتهي في الجزء9عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 3/29آلمص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (156) الى الآية رقم (157) عدد الآيات (2)

تكملةُ دعاءِ موسى عليه السلام لقومِه، ولمَّا ذكرَ اللهُ قصَّةَ موسى عليه السلام معَ قومِه ناسَبَ أن يذكرَ هنا أنَّ على أهلِ الكتابِ متابعةَ مُحَمَّدٍ ﷺ الذي يجدُونَ اسمَه وصفتَه في التوراةِ والإنجيلِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (158) الى الآية رقم (159) عدد الآيات (2)

لمَّا ذَكَرَ اللهُ ما ينبغي نحوَ النَّبي محمدٍ ﷺ من المتابعةِ، أمرَه هنا أن يبينَ أن رسالتَه إلى النَّاسِ أجمعينَ، ثُمَّ ذكرَ أنَّ مِن قَومِ موسى عليه السلام مَن وُفِّقَ للهدايةِ واتبعَ الحقَّ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأعراف

الصراع بين الحق والباطل/ احسم موقفك ولا تكن سلبيًّا

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • بدأت السورة ::   بالصراع بين آدم وإبليس، وأتبعته بالحوار بين أهل الجنة وأهل النار. وكأنها تنادينا: هذه هي بداية الصراع، أو أول صراع: (آدم وإبليس)، وهذه هي النتيجة: (فريق في الجنة وفريق في النار).
  • • ثم عرضت السورة ::   الصراع في تاريخ البشرية بين كل نبي وقومه، ويظهر أن نهاية الصراع دائمًا هي هلاك الظالمين بسبب فسادهم، ونجاة المؤمنين بسبب إيمانهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأعراف».
  • • معنى الاسم ::   الأعراف: جمع عُرْفٍ، وعُرْف الجبل ونحوه: أعلاه، ويطلق على السور ونحوه، وقيل لعرف الديك: عُرف، لارتفاعه على ما سواه من جسده، والأعراف: هو ‏السور ‏الذي ‏بين ‏الجنة ‏والنار يحول بين أهليهما. وأهل الأعراف: من تساوت حسناتهم وسيئاتهم يوم القيامة، إذ يوقفون على أعالي سور بين الجنة والنار، ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته.
  • • سبب التسمية ::   لورود لفظ "‏الأعراف" ‏فيها، ولم يذكر في غيرها من السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة الميقات»، و«سورة الميثاق»، «أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ» (الطُّولَيَيْن: الأنعام والأعراف، فهما أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الصراع دائم ومستمر بين الحق والباطل، من بداية خلق آدم إلى نهاية الخلق، مرورًا بنوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وفي قصص هؤلاء الأنبياء ظهر لنا كيف أن الله ينجي أولياءه ويهلك أعداءه.
  • • علمتني السورة ::   وجوب اتباع الوحي، وحرمة اتباع ما يدعو إليه أصحاب الأهواء والمبتدعة: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الوزن يوم القيامة لأعمال العباد يكون بالعدل والقسط: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب اجتباه ربه وهداه‏، ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، فإنه لن يزداد من اللّه إلا بعدًا‏.
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: «مَا لِى أَرَاكَ تَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ السُّوَرِ؟ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِأَطْوَلِ الطُّولَيَيْنِ»، قُلْتُ (القائل ابن أَبِي مُلَيْكَة): «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ؟»، قَالَ: «الأَعْرَافُ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ الأَعْرَافِ فِى صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، فَرَّقَهَا فِى رَكْعَتَيْنِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الأعراف من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أطول سورة مكية (وكما سبق فهي أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ (الأنعام والأعراف)، فهما أطول السور المكية).
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء: آدم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى.
    • بها أول سجدة تلاوة -بحسب ترتيب المصحف-، ويبلغ عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم 15 سجدة.
    • اشتملت على 4 نداءات متتالية لبني آدم من أصل 5 نداءات ذُكرت في القرآن الكريم، وهذه النداءات الأربعة ذُكرت في الآيات (26، 27، 31، 35)، وكلها بعد سرد قصة آدم في بداية السورة، والنداء الخامس ذُكِرَ في الآية (60) من سورة يس.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبذل قصارى جهدنا في دعوة النَّاس إلى الله كما فعل الأنبياء الكرام.
    • أن نحسم موقفنا من الصراع بين الحق والباطل، فأصحاب الأعراف كانوا يعرفون الحق والباطل لكنهم لم يحسموا أمرهم فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم.
    • ألا يكون طموحنا أدني المنازل في الجنان؛ حتى لا نكن ممن سيقفون على الأعراف ينتظرون وغيرهم سبق وفاز، ولا نرضى في العبادة أدناها.
    • ألا نتحرج في تبليغ هذا الدين وأداء فرائضه فهو الدين الحق: ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (2).
    • ألا نتكبر على عباد الله؛ فالكبر سبب معصية إبليس: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (12).
    • أن نلبس الحسن من الثياب إذا ذهبنا إلى المساجد، ولا نسرف في الأكل والشرب: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (31).
    • أن نجتنب هذه الأمور التي حرمها الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (33).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا ومن حولنا بأهمية سلامة القلب، وأنه من صفات أهل الجنة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ (43).
    • ألا نغتر بالحياة الدنيا؛ فهي دار لهو ولعب: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ...﴾ (51).
    • أن نُذَكِّر بعض البائعين -بأسلوب طيب- بأهمية العدل في الميزان: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نجمع في الدنيا بين الخوف والرجاء: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (99).
    • أن نحافظ على الصلاة مع الجماعة؛ فهي من العهد الذي بينك وبين الله: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ (102).
    • أن نضمّ أسماء أحبابِنا في الدُّعاء: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي﴾ (151).
    • أن نتذكر سنة كنا غافلين عنها من سنن النبي ﷺ، ونطبقها: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ (157).
    • ألا نتهاون في الأخذِ بنصيحةِ من يعظنا ويذكِّرنا بالله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ (165).
    • أن نطلب دومًا الثبات على الصراط المستقيم، ونتعوذ من نزغات الشياطين والكفر بعد الإيمان: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ...﴾ (175).
    • أن نسأل الله تعالى صلاح قلوبنا، وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا في طاعته: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ (179).
    • أن نحذر من مكر الله فيما أنعم به علينا: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (182).
    • أن نتيقن ويستقر في قلوبنا أنه لن ينفعنا أو يضرنا أحد إلا بإذن الله: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ...﴾ (188).
    • أن نقابل وسوسة الشيطان بالاستعاذة بالله منه: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ...﴾ (200).
    • أن نستمع وننصت أثناء قراءة القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (204).
    • أن نداوم على أذكار الصباح والمساء، ونُذَكِّر بهـا غيرنا: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ ... وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ (205).

تمرين حفظ الصفحة : 170

170

مدارسة الآية : [156] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا ..

التفسير :

[156] واجعلنا ممن كتبتَ له الصالحات من الأعمال في الدنيا وفي الآخرة، إنا رجعنا تائبين إليك، قال الله تعالى لموسى:عذابي أصيب به مَن أشاء مِن خلقي، كما أصبتُ هؤلاء الذين أصبتهم من قومك، ورحمتي وسعت خلقي كلَّهم، فسأكتبها للذين يخافون الله، ويخشون عقابه، فيؤ

وقال موسى في تمام دعائه وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً من علم نافع، ورزق واسع، وعمل صالح. وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً:وهي ما أعد اللّه لأوليائه الصالحين من الثواب. إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ أي:رجعنا مقرين بتقصيرنا، منيبين في جميع أمورنا. قَالَ اللّه تعالى عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ممن كان شقيا، متعرضا لأسبابه، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ من العالم العلوي والسفلي، البر والفاجر، المؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة اللّه، وغمره فضله وإحسانه، ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة، ليست لكل أحد، ولهذا قال عنها:فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ المعاصي، صغارها وكبارها. وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الواجبة مستحقيها وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ومن تمام الإيمان بآيات اللّه معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أصول الدين وفروعه.

ثم أضاف موسى إلى هذه الدعوات الطيبات دعوات أخرى فقال- كما حكى القرآن عنه- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ أى: وأثبت لنا في هذه الدنيا ما يحسن من نعمة وطاعة وعافية وتوفيق، وأثبتت لنا في الآخرة- أيضا- ما يحسن من مغفرة ورحمة وجنة عرضها السموات والأرض.

وقوله إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ استئناف مسوق لتعليل الدعاء فإن التوبة الصادقة تجعل الدعاء جديرا بالإجابة، أى: لأنا تبنا إليك من المعاصي التي جئناك للاعتذار منها. فاكتب لنا الحسنات في الدارين، ولا تحرمنا من عطائك الجزيل.

وهدنا: بمعنى تبنا. يقال: هاد يهود إذا رجع وتاب.

وصدرت الجملة الكريمة ب «إن» المفيدة للتحقيق لإظهار كمال النشاط والرغبة في مضمونها. وقوله: قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الجواب، كأنه قيل: فماذا قال الله- تعالى- عند دعاء موسى، فكان الجواب: قال عذابي ... إلخ.

ثم قال الله- تعالى- لموسى ردا على دعائه: يا موسى إن عذابي الذي تخشى أن يصيب قومك أصيب به من أشاء تعذيبه من العصاة، فلا يتعين ان يكون قومك محلا له بعد توبتهم، فقد اقتضت حكمتى ان أجازي الذين أساءوا بما عملوا وأجازي الذين أحسنوا بالحسنى.

وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فلا تضيق عن قومك، ولا عن غيرهم من خلقي ممن هم أهل لها.

وقد استفاضت الآيات والأحاديث التي تصرح بأن رحمة الله- تعالى- قد وسعت كل شيء ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: إن لله عز وجل مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة.

ثم بين- سبحانه- من هم أهل لرحمته فقال: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ.

أى: فسأكتب رحمتي للذين يصونون أنفسهم عن كل ما يغضب الله ويؤدون الزكاة المفروضة عليهم في أموالهم.

وتخصيص إيتاء الزكاة بالذكر مع اقتضاء التقوى له للتعريض بقوم موسى. لأن إيتاءها كان شاقا على نفوسهم لحرصهم الشديد على المال.

ولعل الصلاة لم تذكر مع أنها مقدمة على سائر العبادات. اكتفاء عنها بالاتقاء الذي هو عبارة عن فعل الواجبات بأسرها. وترك المنهيات عن آخرها.

وسأكتبها كذلك للذين هم بآياتنا يؤمنون إيمانا تاما خالصا لا رياء فيه. ولا نقص معه.

ثم أضاف- سبحانه- صفات أخرى لمن هم أهل لرحمته ورضوانه.

وهذه الصفات تنطبق كل الانطباق على محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أمر بنو إسرائيل وغيرهم باتباعه فقال تعالى:

( واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) هناك الفصل الأول من الدعاء دفع المحذور ، وهذا لتحصيل المقصود ( واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) أي : أوجب لنا وأثبت لنا فيهما حسنة ، وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة . [ الآية : 201 ]

( إنا هدنا إليك ) أي : تبنا ورجعنا وأنبنا إليك . قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك ، وإبراهيم التيمي ، والسدي ، وقتادة ، وغير واحد . وهو كذلك لغة .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن شريك ، عن جابر ، عن عبد الله بن نجي عن علي رضي الله عنه قال : إنما سميت اليهود لأنهم قالوا : ( إنا هدنا إليك )

جابر - هو ابن يزيد الجعفي - ضعيف .

قال تعالى مجيبا لموسى في قوله : ( إن هي إلا فتنتك [ تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ] ) الآية : ( عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ) أي : أفعل ما أشاء ، وأحكم ما أريد ، ولي الحكمة والعدل في كل ذلك ، سبحانه لا إله إلا هو .

وقوله تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) آية عظيمة الشمول والعموم ، كقوله إخبارا عن حملة العرش ومن حوله أنهم يقولون : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) [ غافر : 7 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا الجريري ، عن أبي عبد الله الجشمي ، حدثنا جندب - هو ابن عبد الله البجلي ، رضي الله عنه - قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها ، ثم ركبها ، ثم نادى : اللهم ، ارحمني ومحمدا ، ولا تشرك في رحمتنا أحدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتقولون هذا أضل أم بعيره ؟ ألم تسمعوا ما قال ؟ " قالوا : بلى . قال : " لقد حظرت رحمة واسعة ; إن الله ، عز وجل ، خلق مائة رحمة ، فأنزل رحمة واحدة يتعاطف بها الخلق ; جنها وإنسها وبهائمها ، وأخر عنده تسعا وتسعين رحمة ، أتقولون هو أضل أم بعيره ؟ " .

رواه أبو داود عن علي بن نصر ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، به

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان ، عن أبي عثمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله عز وجل ، مائة رحمة ، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة " .

تفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من حديث سليمان - هو ابن طرخان - وداود بن أبي هند كلاهما ، عن أبي عثمان - واسمه عبد الرحمن بن مل - عن سلمان هو الفارسي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لله مائة رحمة ، عنده تسعة وتسعون ، وجعل عندكم واحدة تتراحمون بها بين الجن والإنس وبين الخلق ، فإذا كان يوم القيامة ضمها إليه " . تفرد به أحمد من هذا الوجه

وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله مائة رحمة ، فقسم منها جزءا واحدا بين الخلق ، فيه يتراحم الناس والوحش والطير " .

ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش ، به

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته . والذي نفسي بيده ، ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه . والذي نفسي بيده ، ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه " .

هذا حديث غريب جدا ، " وسعد " هذا لا أعرفه

وقوله : ( فسأكتبها للذين يتقون ) الآية ، يعني : فسأوجب حصول رحمتي منة مني وإحسانا إليهم ، كما قال تعالى : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [ الأنعام : 54 ]

وقوله : ( للذين يتقون ) أي : سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يتقون ، أي : الشرك والعظائم من الذنوب .

( ويؤتون الزكاة ) قيل : زكاة النفوس . وقيل : [ زكاة ] الأموال . ويحتمل أن تكون عامة لهما ; فإن الآية مكية ( والذين هم بآياتنا يؤمنون ) أي : يصدقون .

القول في تأويل قوله : وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: مخبرًا عن دعاء نبيه موسى عليه السلام أنه قال فيه: " واكتب لنا "، أي: اجعلنا ممن كتَبت له= " في هذه الدنيا حسنَةً"، وهي الصالحات من الأعمال (1) = " وفي الآخرة "، ممن كتبتَ له المغفرة لذنوبه، كما : -

15176- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: " واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة "، قال: مغفرة.

* * *

وقوله: " إنا هُدنا إليك "، يقول: إنا تبنا إليك. (2)

* * *

وبنحو ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

15177- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، وابن فضيل، وعمران بن عيينة, عن عطاء, عن سعيد بن جبير= وقال عمران: عن ابن عباس = " إنا هدنا إليك " قال: تبنا إليك.

15178- قال حدثنا زيد بن حباب, عن حماد بن سلمة, عن عطاء, عن سعيد بن جبير، قال: تبنا إليك.

15179- .... قال، حدثنا جابر بن نوح, عن أبي روق، عن الضحاك, عن ابن عباس قال: تبنا إليك.

15180- .... قال، حدثنا عبد الله بن بكر, عن حاتم بن أبي صغيرة, عن سماك: أن ابن عباس قال في هذه الآية: " إنا هدنا إليك "، قال: تبنا إليك. (3)

15181- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير= قال: أحسبه عن ابن عباس: " إنا هدنا إليك "، قال: تبنا إليك.

15182- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " إنا هدنا إليك "، يقول تبنا إليك.

15183- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن سعيد بن جبير في قوله: " إنا هدنا إليك "، قال: تبنا إليك.

15184- .... قال، حدثنا عبد الرحمن، ووكيع بن الجراح قالا حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني, عن سعيد بن جبير، بمثله.

15185- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن ابن الأصبهاني, عن سعيد بن جبير, مثله.

15186- .... قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم قال: تبنا إليك.

15187- .... قال، حدثنا محمد بن يزيد، عن العوام عن إبراهيم التيمي قال: تبنا إليك.

15187م- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن العوام, عن إبراهيم التيمي، مثله.

15188- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " إنا هدنا إليك "، أي: إنا تبنا إليك.

15189- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: " هدنا إليك "، قال: تبنا.

15190- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " إنا هدنا إليك "، يقول: تبنا إليك.

15191- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " إنا هدنا إليك "، يقول: تبنا إليك.

15192- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

15193- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية، قال: " هدنا إليك "، قال: تبنا إليك.

15194- ... قال، حدثنا أبي, عن أبي حجير, عن الضحاك، قال: تبنا إليك. (4)

15195- .... قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك قال: تبنا إليك.

15196- وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول, فذكر مثله.

15197- ... قال، حدثنا أبي، وعبيد الله, عن شريك, عن جابر, عن مجاهد قال: تبنا إليك.

15198- ... قال، حدثنا حبويه أبو يزيد, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, مثله. (5)

15199- ... قال، حدثنا أبي, عن شريك, عن جابر, عن عبد الله بن يحيى, عن علي عليه السلام قال: إنما سميت " اليهود "، لأنهم قالوا: " هدنا إليك ". (6)

15200- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " إنا هدنا إليك "، يعني: تبنا إليك.

15201- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو قال، سمعت رجلا يسأل سعيدًا: " إنا هدنا إليك "، قال: إنا هدنا إليك.

* * *

وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (7)

* * *

القول في تأويل قوله : قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الله لموسى: هذا الذي أصبتُ به قومك من الرجفة، عذابي أصيب به من أشاء من خلقي, كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به من قومك (8) = " ورحمتي وسعت كل شيء "، يقول: ورحمتي عمَّت خلقي كلهم. (9)

* * *

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: مخرجه عامٌّ، ومعناه خاص, والمراد به: ورحمتي وَسِعت المؤمنين بي من أمة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم. واستشهد بالذي بعده من الكلام, وهو قوله: " فسأكتبها للذين يتقون "، الآية.

* ذكر من قال ذلك:

15202- حدثني المثني قال، حدثنا أبو سلمة المنقري قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أنه قرأ: " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ". قال: جعلها الله لهذه الأمة. (10)

15203- حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، قال سفيان قال، أبو بكر الهذلي: فلما نـزلت: " ورحمتي وسعت كل شيء "، قال إبليس: أنا من " الشيء "! فنـزعها الله من إبليس، قال: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ، فقال اليهود: نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا! فنـزعها الله من اليهود فقال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ، قال: نـزعها الله عن إبليس، وعن اليهود، وجعلها لهذه الأمة. (11)

15204- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: لما نـزلت: " ورحمتي وسعت كل شيء "، قال إبليس: أنا من " كل شيء!". قال الله: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ، الآية. فقالت اليهود: ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنـزل الله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ، قال: نـزعها الله عن إبليس، وعن اليهود, وجعلها لأمة محمدٍ: سأكتبها للذين يتّقون من قومك.

15205- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء "، فقال إبليس: أنا من ذلك " الشيء "! فأنـزل الله: " فسأكتبها للذين يتقون " معاصي الله= " والذين هم بآياتنا يؤمنون "، فتمنتها اليهود والنصارى، فأنـزل الله شرطًا وَثيقًا بَيِّنًا, فقال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ، فهو نبيّكم، كان أميًّا لا يكتُب صلى الله عليه وسلم.

15206- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا خالد الحذاء, عن أنيس بن أبي العريان, عن ابن عباس في قوله: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ، قال: فلم يعطها, فقال: " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " إلى قوله: الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ . (12)

15207- حدثني ابن وكيعٍ قال، حدثنا ابن علية، وعبد الأعلى, عن خالد, عن أنيس أبي العُريان= قال عبد الأعلى، عن أنيس أبي العُرْيان= وقال: قال ابن عباس: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ، قال: فلم يعطها موسى، قال: " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها "، إلى آخر الآية.

15208- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قال: كان الله كتب في الألواح ذكر محمد وذكرَ أمته، وما ذَخَر لهم عنده، وما يسَّر عليهم في دينهم، وما وَسَّع عليهم فيما أحلّ لهم, فقال: " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " = يعني: الشركَ= الآية.

* * *

وقال آخرون: بل ذلك على العموم في الدنيا، وعلى الخصوص في الآخرة.

* ذكر من قال ذلك:

15209- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن وقتادة في قوله: " ورحمتي وسعت كل شيء "، قالا وسعت في الدنيا البَرَّ والفاجر, وهي يوم القيامة للذين اتَّقوا خاصَّةً.

* * *

وقال آخرون: هي على العموم, وهي التوبة.

* ذكر من قال ذلك:

15210- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ، قال: سأل موسى هذا, فقال الله: " عذابي أصيب به من أشاء "= العذاب الذي ذَكر= " ورحمتي"، التوبةُ =(وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون)، قال: فرحمته التوبةُ التي سأل موسى عليه السلام، كتبها الله لنا.

* * *

وأما قوله: " فسأكتبها للذين يتقون "، فإنه يقول: فسأكتب رحمتي التي وسعت كل شيء= ومعنى " أكتب " في هذا الموضع: أكتب في اللوح الذي كُتِب فيه التوراة " للذين يتقون "، (13) يقول: للقوم الذين يخافون الله ويخشون عقابه على الكفر به والمعصية له في أمره ونهيه, فيؤدُّون فرائضه, ويجتنبون معاصيه. (14) وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنّهم يتقونه. فقال بعضهم: هو الشرك.

* ذكر من قال ذلك:

15211- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " فسأكتبها للذين يتقون "، يعني الشرك.

* * *

وقال آخرون: بل هو المعاصي كلها.

* ذكر من قال ذلك:

15212- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة " فسأكتبها للذين يتقون "، معاصي الله.

* * *

وأما " الزكاة وإيتاؤها "، فقد بيَّنا صفتها فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (15)

* * *

وقد ذكر عن ابن عباس في هذا الموضع أنه قال في ذلك ما: -

15213- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " ويؤتون الزكاة "، قال: يطيعون الله ورسولَه.

* * *

فكأنّ ابن عباس تأوَّل ذلك بمعنى أنه العمل بما يزكِّي النفسَ ويطهِّرها من صالحات الأعمال.

* * *

وأما قوله: " والذين هم بآياتنا يؤمنون "، فإنه يقول: وللقوم الذين هم بأعلامنا وأدلتنا يصدِّقون ويقرُّون. (16)

----------------

الهوامش :

(1) (3) انظر تفسير (( الحسنة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( حسن ) .

(2) (4) انظر تفسير (( هاد )) فيما سلف 12 : 198 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(3) (1) الأثر : 15180 - (( عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي )) ، ثقة ، من شيوخ أحمد ، مضى برقم : 8284 ، 10885 ، 11232 . و(( حاتم بن أبي صغيرة )) ، هو (( حاتم بن مسلم )) (( أبو يونس )) القشيري ، وقيل : الباهلي ، و(( أبو صغيرة)) ، هو أبو أمه ، ثقة . روى له الجماعة . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 71 ، وابن أبي حاتم 1/2/257 . وكان في المخطوطة والمطبوعة : (( حاتم بن أبي مغيرة )) ، بالميم في أوله ، وهو خطأ محض .

(4) (1) الأثر : 15194 - (( أبو حجير )) الذي يروى عن الضحاك ، ويروى عنه وكيع ، قال أحمد ابن حنبل : (( ما حدثني عنه إلا وكيع )) ، مترجم في لسان الميزان 6 : 363 . ولم أجد له ترجمة في غيره من كتب الرجال .

(5) (2) الأثر : 15198 - (( حبويه )) ، (( أبو يزيد )) ، مضى قريباً برقم 15172 .

(6) (3) الأثر : 15199- (( جابر بن عبد الله بن يحيى )) ، هكذا هو في المخطوطة ، وفي المطبوعة (( جابر ، عن عبد الله بن يحيى )) ، ولم أجد لشيء من ذلك ذكراً في الكتب . وهو محرف بلا شك عن شيء آخر . وانظر ما سلف رقم 1094 ، عن ابن جريج . بمعنى هذا الخبر .

(7) (4) انظر تفسير (( هاد )) فيما سلف ص : 152 ، تعليق . 4 ، والمراجع هناك .

(8) (1) انظر تفسير (( الإصابة ))فيما سلف من فهارس اللغة ( صوب ) .

(9) (2) انظر تفسير (( وسع )) فيما سلف 12 : 562 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك .

(10) (3) الأثر : 15202 - (( أبو سلمة المنقري )) ، هو (( أبو سلمة التبوذكي )) : (( موسى بن إسماعيل المنقري )) ، مولاهم ، روى عنه البخاري ، وأبو داود ، وروى له الباقون من أصحاب الكتب الستة بالواسطة . ثقة إمام . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/280 ، وابن أبي حاتم 4/1/136 .

(11) (1) الأثر : 15203 - لا(( عبد الكريم )) ، هو (( عبد الكريم بن الهيثم بن زياد القطان )) ، شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم : 892 . و(( إبراهيم بن بشار الرمادى )) ، ثقة . مضى برقم 892 ، 6321 . و (( سفيان )) هو : ابن عيينة . و (( أبو بكر الهذلى )) ضعيف مضى مرارًا ، آخرها رقم 14690 .

(12) (1) الأثران 15206 ، 15207 - (( أنيس أبو العريان المجاشعى )) ، بغير ( ابن ) بينهما ، مترجم في الكبير 1 / 2 / 44 ، وابن أبي حاتم 1/1/333 ، ولم يشر واحد منها إلى انه : (( أنيس ابن أبي العريان )) . وفي المخطوطة في الخبر الأول : (( أنيس بن أبي العريان )) بإثبات ( ابن ) ، وفي الخبر الثاني في الموضعين كليهما (( أنيس بن العريان )) بغير ( ابن ) كما أثبتها ، وأما في المطبوعة ، فإنه جعله في المواضع كلها (( أنيس ابن أبي العريان )) ، وهو تصرف معيب لا شك في ذلك . والظاهر أنه اختلف على ابن علية رواية اسمه ، رواه مرة (( أنيس بن أبي العريان )) ، ثم رواه أخرى (( أنيس أبي العريان )) ، كما في الأثر الثاني منهما ، وذكر الطبري قول عبد الأعلى ، ليؤيد به هذه الرواية عن ابن علية . فإن صح هذا الاختلاف على ابن عيينة ، وإلا فإنه ينبغي أن يكون أحد أمرين:

إما أن يكون صواب الخبر الأول: (( أنيس أبي العريان )) .

والثاني (( أنيس أبي العريان )) في الأولى ، وعن عبد الأعلى (( أنيس ابن أبي العريان )) . أو : أن يكون الأول عن ابن عيينة : (( أنيس بن أبي العريان )) ، والثاني أيضاً : (( أنيس ابن أبي العريان )) ، وعن عبد الأعلى : (( أنيس بن أبي العريان )) . والله أعلم بالصواب في كل ذلك ، ولا مرجح عندي ..

(13) (1) في المطبوعة والمخطوطة : (( الذين يتقون )) بغير لام ، والصواب ما أثبت .

(14) (2) انظر تفسير (( التقوى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( وقى ) .

(15) (1) انظر تفسير (( إيتاء الزكاة )) فيما سلف 1 : 573 ، 574 ، وما بعده في فهارس اللغة ( زكا ) و( أتى) .

(16) (2) انظر تفسير (( الآيات )) و (( والإيمان )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي) و ( أمن) .

التدبر :

وقفة
[156] ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ﴾ الدعاء قد يكون مُجْملًا وقد يكون مُفَصَّلًا حسب الأحوال، وموسى في هذا المقام أجْمَلَ في دعائه.
وقفة
[156] أخرج الطبراني وذكره ابن كثير عن علي رضي الله عنه أنه قال: «إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا: ﴿إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ﴾».
تفاعل
[156] ﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ عمَّت كل شيء؛ قال الحسن وقتادة: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ من استعظم ذنبه، فقد استصغر رحمة ربه.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ قال الثوري: «ما أحب أن يجعل حسابي إلى أبوي؛ لأني أعلم أن الله تعالى أرحم بي منهما».
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ هكذا مطلقًا، ودون استثناء، كل شيء مرحوم! وأنت من الأشياء!
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ هذه سنة الرحمة حين يكون وجعك أو خوفك أو عدوك أخطر، يكون ما أعطاك ربك من الرحمة أعظم لتسعها.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ لا قنوط! قال ابن عباس: يقول الله عز وجل: «أنا أهل أن أُتَّقَى، فإن عُصيت فأنا أهل لأن أَغْفِر».
تفاعل
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ قل الآن: «اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء يا أرحم الراحمين» .
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ وهل تظنه استثناك منها، ليركبك الهمّ ويضنيك اليأس! حاشاهُ سبحانه، فإياك أن تقنط.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ الحرمان هو أن تُحرم هذه الرحمة وقد وسعت الخلائق أجمع.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ رحمة الله وسعت كل شيء، ولكن رحمة الله عباده ذات مراتب متفاوتة، تتفاوت بحسب الإيمان والعمل الصالح.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ محروم من تتنزل عليه الرحمات ولم يشعر ولم يشكر !
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ مهما كان ذنبك عظيمًا؛ فإن رحمة الله أوسع منه!
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ تَسَعُ أحلامك، وآمالك، وحزنك، وآلامك، تَسَعُ كل حديث تركته في صدرك، رحمة الله أوسع مما تظن.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ حينما تتأمل هذه الآية بقلبك؛ لن تقنط من سعة رحمة ربك.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أيُّ قُنوطٍ سَيمحو أملًا غمرَ جَنَاني بعدَ قراءتي هذهِ الكلمَات!
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ قرأها عمر بن عبد العزيز فقال: وأنا شيء؛ فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ من وسعت رحمته كل شيء؛ فلن يرد سائلًا، ولن يخيب داعيًا، ولن يعاقب مستغفرًا تائبًا.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ هنا برْد الرضا .
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ رحمة الله أوسع من كلّ الذنوب، والمحروم من ينتظر أسباب الرحمة وهو يُقيم على أسباب العذاب.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ وسعت كل لحظة ألم، وكل خاطرة حزن، وسعت أدق أدق تفاصيل همك وغمك.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ يكتبها الله تعالى للذين: يتقون، يؤتون الزكاة، يؤمنون بآيات الله، يتّبعون الرسول النبي، هل أنت منهم؟
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ اســم الله (الـواسـع): واسع العلم، والرحمة، والملك، والرزق، والمغفرة، وكمال الصفات.
تفاعل
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ قل: «يا ربّ رحمتك وسعت كلّ شيء، وإني صغير أمام عظمتك، فلتسعني رحمتك».
وقفة
[156] تخيل أن أمك هي من تحاسبك يوم القيامة! فالله سبحانه أرحم بك من أمك! هو من خلق رحمتها لك ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
وقفة
[156] مهـما كان حزنك تذكر أنك تعبد ربًّا قال في كتابه: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
عمل
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ فى الأزمات احذر! لحظات الضعف الذى يحاول الشيطان إقناعك فيها أنك لست جزءًا من ذلك (الشئ).
تفاعل
[156] قمة الراحة: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، قل: «اللهم حصن قلوبنا من هموم الدُنيا وأوجاعها، وافتح علينا أبواب الفرح والتوفيق من حيث لا نحتسب».
عمل
[156] لا تسْتكثِر ذنوبَك أمام رحمةِ اللهِ ولا تقْنَطْ، ألستَ شيئًا من مخلوقاته وهو القائلُ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
وقفة
[156] ذُكِر عند سماك بن الفضل رحمه الله أيُّ شيء أعظم؟ فذكروا السماوات والأرض -وهو ساكت- فقالوا: ما تقول يا أبا الفضل؟ فقال: ما من شيء أعظم من رحمته! قال الله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، اللهم اشملنا برحمتك الواسعة.
وقفة
[156] الرحمن الرحيم تعالى وتقدس لما وسع علمه كل شيء ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأنعام: 80]، وسعت رحمته كل شيء ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، رحماك يارب.
وقفة
[156] ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الفرقان: 59]، يقرن الله تعالى استواءه على العرش باسم (الرحمن) كثيرًا؛ لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات؛ فلذلك وسعت رحمته كل شيء.
لمسة
[156] قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: 7] وقال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ والكافر شىء ولا يدخلها؟ الجواب: المراد بعموم (كل شيء) الخصوص وهم المؤمنون كقوله: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: 25]، أو أن المراد: رحمته في الدنيا؛ فإنها عامة.
لمسة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ عبّر سبحانه عن الرحمة بالكتابة فقال: (فَسَأَكْتُبُهَا)، ولم يقل: فسأعطيها؛ لأن الكتابة قيد للعطاء المحقق حصوله المتجدد مرة بعد مرة، فالذي يريد تحقيق عطاء يتجدد في المستقبل يكتب به في صحيفة ليصونه عن النكران ويصونه من النقصان والرجوع، وتسمى الكتابة عهدًا، والله لا يخلف عهده سبحانه وتعالى، ولو كان العطاء لمرة واحدة لم يحتج للكتابة كقوله: ﴿إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا﴾ [البقرة: ۲٨۲].
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أرق الناس قلبًا أوفرهم نصيبًا من أثر رحمة الله التي أودع جزءًا منها في قلوب الخلائق.
وقفة
[156] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ القبول أقلق قلوب العابدين؛ لأن الله خص به المتقين، ورحمة الله العامة وسعت خلقه أجمعين، لكنه جل جلاله كتب رحمته الخاصة لعباده المتقين.
وقفة
[156] ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: يؤمنون بجميع الكتب والأنبياء، وليس ذلك لغير هذه الأمّة.
وقفة
[156] تقوى الله، وأداء الزكاة والصدقات سبب لحصول الرحمة ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾.
وقفة
[156] ﴿وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ ومن تمام الإيمان بآيات الله: معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، ومن ذلك: اتباع النبي ﷺ ظاهرًا وباطنًا، في أصول الدين وفروعه.
وقفة
[156، 157] قال ابن عباس: لما نزلت ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فأنزل الله ﴿فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة﴾، فقالت اليهود والنصارى: ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنزل الله: ﴿الذين يتبعون الرسول النبي الأمي﴾، فنزعها عن إبليس وعن اليهود والنصارى، وجعلها لأمة محمد ﷺ.
وقفة
[156، 157] شرط على من كان في عهد موسى أن رحمته عمَّت مِن قومه مَن ءامن بنبوة نبي الله محمد ﷺ الذي سيأتي في الأمم القادمة بهذا الوصف المذكور عندهم، فما بالنا بمدعي اليهودية لم يؤمن بنبوة نبي الله محمد وقد سبق على نبوته أكثر من أربعة عشر قرنًا؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَاكْتُبْ لَنا:
  • الواو: عاطفة. اكتب: فعل دعاء بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أي آتنا. لنا: جار ومجرور متعلق بأكتب.
  • ﴿ فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً:
  • جار ومجرور متعلقة باكتب. هذه: اسم اشارة مبني على الكسر في محل جر بفي. الدنيا: بدل من اسم الاشارة مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. حسنة مفعول به منصوب بالفتحة أي معيشة حسنة. وكلمة «حَسَنَةً» من الصفات التي تجري مجرى الاسماء.
  • ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ:
  • الواو: عاطفة. في الآخرة: جار ومجرور معطوف على «فِي هذِهِ الدُّنْيا» والمفعول محذوف تقديره: الجنة.
  • ﴿ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسمها. هدنا: أي تبنا اليك ورجعنا إليك: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. إليك: جار ومجرور متعلق بهدنا.وجملة «هُدْنا إِلَيْكَ» في محل رفع خبر «ان» و «هُدْنا» يحتمل أن يكون بمعنى «فعلنا» من هاده يهيده. يقال: هاد فلان يهود هودا بمعنى «رجع» ومنه سمي اليهود واسم الفاعل «هائد» جمعه «هود».
  • ﴿ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. عذابي مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أصيب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. به: جار ومجرور متعلق بأصيب. والجملة الفعلية «أُصِيبُ» في محل رفع خبر «عَذابِي» بمعنى: عذابي من حاله وصفته أني أصيب به من أشاء: أي من وجب علّي في الحكمة تعذيبه.
  • ﴿ مَنْ أَشاءُ:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.أشاء: تعرب إعراب «أُصِيبُ» وجملة «أَشاءُ» صلة الموصول.
  • ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ:
  • ورحمتي: معطوفة بالواو على «عَذابِي» وتعرب إعرابها. وسعت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي كل:مفعول به منصوب بالفتحة. شيء: مضاف إليه مجرور بالكسرة أي: أحاطت بكل شيء. وجملة «وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» في محل رفع خبر «رَحْمَتِي» بمعنى: من حال رحمتي وصفتها أنها واسعة تبلغ كل شيء.
  • ﴿ فَسَأَكْتُبُها:
  • الفاء: استئنافية. السين: حرف استقبال- تسويف- للقريب.اكتب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ:
  • جار ومجرور متعلق باكتبها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام. يتقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَتَّقُونَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ:
  • معطوفة بالواو على «يَتَّقُونَ» وتعرب إعرابها. الزكاة:مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا:
  • والذين: معطوفة بالواو على «الذين» الأولى وتعرب مثلها. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ والجملة الاسمية «هم يؤمنون» صلة الموصول لا محل لها. بآيات: جار ومجرور متعلق بيؤمنون و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يُؤْمِنُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يُؤْمِنُونَ» في محل رفع خبر «هُمْ». '

المتشابهات :

الأنعام: 32﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الأعراف: 156﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
الأعراف: 169﴿وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [156] لما قبلها :     وبعد أن دعا موسى عليه السلام في الآية السابقة؛ أضاف هنا دعوات أخرى، فقال: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ/ ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّ رحمتَه وسعت كل شيء؛ ذكر هنا من هم أهل لرحمته، فقال تعالى: /فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

هدنا:
وقرئ:
بكسر الهاء، من هاد يهيد، إذا حرك، وهى قراءة زيد، بن على، وأبى وجزة.
أشاء:
وقرئ:
أساء، من الإساءة، وهى قراءة زيد بن على، والحسن، وطاووس، وعمرو بن فائد.

مدارسة الآية : [157] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ..

التفسير :

[157] هذه الرحمة سأكتبها للذين يخافون الله ويجتنبون معاصيه، ويتبعون الرسول النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي يجدون صفته وأمره مكتوبَيْن عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالتوحيد والطاعة وكل ما عرف حُسْنه، وينهاهم عن ا

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ احتراز عن سائر الأنبياء، فإن المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم. والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الإيمان، وأن المؤمنين به المتبعين، هم أهل الرحمة المطلقة، التي كتبها اللّه لهم، ووصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية، التي لا تقرأ ولا تكتب، وليس عندها قبل القرآن كتاب. الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ باسمه وصفته، التي من أعظمها وأجلها، ما يدعو إليه، وينهى عنه. وأنه يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه. وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو:كل ما عرف قبحه في العقول والفطر. فيأمرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق، والعفاف، والبر، والنصيحة، وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك باللّه، وقتل النفوس بغير حق، والزنا، وشرب ما يسكر العقل، والظلم لسائر الخلق، والكذب، والفجور، ونحو ذلك. فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ من المطاعم والمشارب، والمناكح. وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال. وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ أي:ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر، لا إصر فيه، ولا أغلال، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ أي:عظموه وبجلوه وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنـزلَ مَعَهُ وهو القرآن، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات، ويقتدى به إذا تعارضت المقالات، أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الظافرون بخير الدنيا والآخرة، والناجون من شرهما، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح. وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي، ويعزره، وينصره، ولم يتبع النور الذي أنـزل معه، فأولئك هم الخاسرون.

قوله- تعالى- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ في محل جر على أنه نعت لقوله:

لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أو بدل منه. أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى: هم الذين يتبعون ... إلخ.

وقد وصف الله- تعالى- رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بأوصاف كريمة تدعو العاقل المنصف إلى اتباعه والإيمان به.

الوصف الأول: أنه رسول الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.

الوصف الثاني: أنه نبي أوحى الله إليه بشريعة عامة كاملة باقية إلى يوم الدين.

الوصف الثالث: أنه أمى ما قرأ ولا كتب ولا جلس إلى معلم ولا أخذ علمه عن أحد ولكن الله- تعالى- أوحى إليه بالقرآن الكريم عن طريق جبريل- عليه السلام-، وأفاض عليه من لدنه علوما نافعة ومبادئ توضح ما أنزله عليه من القرآن الكريم، فسبق بذلك الفلاسفة والمشرعين والمؤرخين وأرباب العلوم الكونية والطبيعية، فأميته مع هذه العلوم التي يصلح عليها أمر الدنيا والآخرة، أوضح دليل على أن ما يقوله إنما هو بوحي من الله إليه.

قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا .

وقال- سبحانه- وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ .

الصفة الرابعة: أشار إليها بقوله الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ أى هذا الرسول النبي الأمى من صفاته أن أهل الكتاب يجدون اسمه ونعته مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ووجود اسمه ونعته في كتبهم من أكبر الدواعي إلى الإيمان به وتصديقه واتباعه ولقد كان اليهود يبشرون ببعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل زمانه ويقرءون في كتبهم ما يدل على ذلك، فلما بعث الله- تعالى- نبيه بالهدى ودين الحق آمن منهم الذين فتحوا قلوبهم للحق، وخافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى، وأما الذين استنكفوا واستكبروا، وحسدوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم على ما آتاه الله من فضله فقد أخذوا يحذفون من كتبهم ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها، «أو يؤولونه تأويلا فاسدا أو يكتمونه عن عامتهم.

ورغم حرصهم على حذف ما جاء عن الرسول في كتبهم أو تأويلهم السقيم له، أو كتمانه عن الأميين منهم. أبى الله- تعالى- إلا أن يتم نوره، إذ بقي في التوراة والإنجيل ما بشر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وصرح بنعوته وصفاته، بل وباسمه صريحا.

وقد تحدث العلماء الإثبات عن بشارات الأنبياء بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وجمعوا عشرات النصوص التي ذكرت نعوته وصفاته، وها نحن نذكر طرفا مما قاله العلماء في هذا الشأن.

قال الإمام الماوردي في (أعلام النبوة) : (وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء، بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم مما هو حجة على أممهم، ومعجزة تدل على صدقه عند غيرهم، بما أطلعه الله- تعالى- على غيبه، ليكون عونا للرسل، وحثا على القبول، فمنهم من عينه باسمه، ومنهم من ذكره بصفته ومنهم من عزاه إلى قومه، ومنهم من أضافه إلى بلده، ومنهم من خصه بأفعاله، ومنهم من ميزه بظهوره وانتشاره، وقد حقق الله- تعالى- هذه الصفات جميعها فيه، حتى صار جليا بعد الاحتمال، ويقينا بعد الارتياب) .

وجاء في (منية الأذكياء في قصص الأنبياء) : (إن نبينا- عليه الصلاة والسلام- قد بشر به الأنبياء السابقون، وشهدوا بصدق نبوته، ووصفوه وصفا رفع كل احتمال، حيث صرحوا باسمه وبلده وجنسه وحليته وأطواره وسمته، ومع أن أهل الكتاب حذفوا اسمه من نسخهم الأخيرة إلا أن ذلك لم يجدهم نفعا، لبقاء الصفات التي اتفق عليها المؤرخون من كل جنس وملة وهي أظهر دلالة من الاسم على المسمى، إذ قد يشترك اثنان في اسم، ويمتنع اشتراك اثنين في جميع الأوصاف. لكن من أمد غير بعيد قد شرعوا في تحريف بعض الصفات ليبعد صدقها على النبي صلّى الله عليه وسلّم فترى كل نسخة متأخرة تختلف عما قبلها في بعض المواضع اختلافا لا يخفى على اللبيب أمره، ولا ما قصد به. ولم يفدهم ذلك غير تقوية الشبهة عليهم. لانتشار النسخ بالطبع وتيسير المقابلة بينها» .

وقال المرحوم الشيخ (رحمة الله الهندي) في كتابه (إظهار الحق) (إن الأخبار الواقعة في حق محمد صلّى الله عليه وسلّم توجد كثيرة إلى الآن- أيضا- مع وقوع التحريفات في هذه الكتب. ومن عرف أولا طريق أخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر. ثم نظر ثانيا بنظر الإنصاف إلى هذه الاخبارات وقابلها بالأخبارات التي نقلها الانجيليون في حق عيسى- عليه السلام- جزم بأن الاخبارات المحمدية في غاية القوة) «3» .

وقد جمع صاحب كتاب (إظهار الحق) وغيره من العلماء والمؤرخين كثيرا من البشائر التي وردت في التوراة والإنجيل خاصة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ومبينة نعوته وصفاته.

ومن أجمع ما جاء في التوراة خاصا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما- قال: (قرأت في التوراة صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم (محمد رسول الله: عبدى ورسولي، سميته المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله) .

كذلك مما يشهد بوجود النبي صلّى الله عليه وسلّم في التوراة، ما أخرجه الإمام أحمد عن أبى صخر العقيلي قال: (حدثني رجل من الأعراب فقال: جلبت حلوبة . إلى المدينة في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبى بكر وعمر يمشيان، فتبعتهم حتى إذا أتوا على رجل من اليهود وقد نشر التوراة يقرؤها يعزى بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي) فقال برأسه هكذا، أى: لا، فقال ابنه: أى والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أقيموا اليهودي عن أخيكم» ثم تولى كفنه والصلاة عليه.

هذا، ومن أراد مزيد معرفة بتلك المسألة فليراجع ما كتبه العلماء في ذلك .

ثم وصف الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بصفة خامسة فقال تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ أى هذا الرسول النبي الأمى الذي يجده أهل الكتاب مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل من صفاته كذلك أنه يأمرهم بالمعروف الذي يتناول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كما يتناول مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وغير ذلك من الأمور التي جاء بها الشرع الحنيف. وارتاحت لها العقول السليمة، والقلوب الطاهرة وينهاهم عن المنكر الذي يتناول الكفر والمعاصي ومساوئ الأخلاق.

ثم وصف الله- تعالى- رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بصفة سادسة فقال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ أى: يحل لهم ما حرمه الله عليهم من الطيبات كالشحوم وغيرها بسبب ظلمهم وفسوقهم عقوبة لهم، ويحل لهم كذلك ما كانوا قد حرموه على أنفسهم دون أن يأذن به الله كلحوم الإبل وألبانها، ويحرم عليهم ما هو خبيث كالدم ولحم الميتة والخنزير في المأكولات، وكأخذ الربا وأكل أموال الناس بالباطل في المعاملات وفي ذلك سعادتهم وفلاحهم.

ثم وصف الله تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بصفة سابعة فقال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ.

الإصر: الثقل الذي يأصر صاحبه. أى بحبسه عن الحركة لثقله، ويطلق على العهد كما في قوله تعالى: قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أى عهدي.

قال القرطبي: «وقد جمعت هذه الآية المعنيين، فإن بنى إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، كغسل البول، وتحليل الغنائم، ومجالسة الحائض، ومؤاكلتها ومضاجعتها. فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه. وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها وإذا حاضت المرأة لم يقربوها. إلى غير ذلك مما ثبت في الصحيح وغيره» .

والأغلال: جمع غل. وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد. والتعبير بوضع الإصر والأغلال عنهم استعارة لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة والتكاليف الشديدة كاشتراط قتل النفس لصحة التوبة. فقد شبه- سبحانه- ما أخذ به بنو إسرائيل من الشدة في العبادات والمعاملات والمأكولات جزاء ظلمهم بحال من يحمل أثقالا يئن من حملها وهو فوق ذلك مقيد بالسلاسل والأغلال في عنقه ويديه ورجليه.

والمعنى: إن من صفات هذا الرسول النبي الأمى أنه جاءهم ليرفع عنهم ما ثقل عليهم من تكاليف كلفهم الله بها بسبب ظلمهم. لأنه- عليه الصلاة والسلام جاء بالتبشير والتخفيف.

وبعث بالحنيفية السمحة. ومن وصاياه صلّى الله عليه وسلّم: «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا» .

قال الإمام ابن كثير: «وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم. فوسع الله على هذه الأمة أمورها. وسهلها لهم. ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به أنفسهم ما لم تقل أو تعمل» . وقال: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولهذا قال: أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.

وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه: قد فعلت قد فعلت» .

إذا، فمن الواجب على بنى إسرائيل أن يتبعوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم الذي هذه صفاته، والذي في اتباعه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، ولهذا ختم الله- تعالى- الآية الكريمة ببيان حالة المصدقين لنبيه فقال تعالى:

فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

أى: فالذين آمنوا بهذا الرسول النبي الأمى من بنى إسرائيل وغيرهم وعزروه، بأن منعوه وحموه من كل من يعاديه، مع التعظيم والتوقير له ونصروه بكل وسائل النصر وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وهو القرآن والوحى الذي جاء به ودعا إليه الناس، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أى الفائزون الظافرون برحمة الله ورضوانه.

وبذلك تكون الآية الكريمة قد وصفت النبي صلّى الله عليه وسلّم بأحسن الصفات وأكرم المناقب، وأقامت الحجة على أهل الكتاب بما يجدونه في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم بأنه ما جاء إلا لهدايتهم وسعادتهم، وأنهم إن آمنوا به وصدقوه، كانوا من الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.

الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم كما قال الإمام أحمد :

حدثنا إسماعيل ، عن الجريري ، عن أبي صخر العقيلي ، حدثني رجل من الأعراب ، قال : جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغت من بيعتي قلت : لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه ، قال : فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون ، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها ، يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنشدك بالذي أنزل التوراة ، هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي ؟ " فقال برأسه هكذا ، أي : لا . فقال ابنه ، إي : والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله فقال : " أقيموا اليهودي عن أخيكم " . ثم ولي كفنه والصلاة عليه

هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح ، عن أنس .

وقال الحاكم صاحب المستدرك : أخبرنا أبو محمد - عبد الله بن إسحاق البغوي ، حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن شرحبيل بن مسلم ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن هشام بن العاص الأموي قال : بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام ، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة - يعني غوطة دمشق - فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني ، فدخلنا عليه ، فإذا هو على سرير له ، فأرسل إلينا برسوله نكلمه ، فقلنا : والله لا نكلم رسولا إنما بعثنا إلى الملك ، فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك ، قال : فأذن لنا فقال : تكلموا فكلمه هشام بن العاص ، ودعاه إلى الإسلام ، فإذا عليه ثياب سواد فقال له هشام : وما هذه التي عليك ؟ فقال : لبستها وحلفت ألا أنزعها حتى أخرجكم من الشام . قلنا : ومجلسك هذا ، والله لنأخذنه منك ، ولنأخذن ملك الملك الأعظم ، إن شاء الله ، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم . قال : لستم بهم ، بل هم قوم يصومون بالنهار ، ويقومون بالليل ، فكيف صومكم ؟ فأخبرناه ، فملئ وجهه سوادا فقال : قوموا . وبعث معنا رسولا إلى الملك ، فخرجنا ، حتى إذا كنا قريبا من المدينة ، قال لنا الذي معنا : إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك ، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال ؟ قلنا : والله لا ندخل إلا عليها ، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك . فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا ، حتى انتهينا إلى غرفة فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا ، فقلنا : لا إله إلا الله ، والله أكبر فالله يعلم لقد تنفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح ، فأرسل إلينا : ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم . وأرسل إلينا : أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له ، وعنده بطارقته من الروم ، وكل شيء في مجلسه أحمر ، وما حوله حمرة ، وعليه ثياب من الحمرة ، فدنونا منه فضحك ، فقال : ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم ؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية ، كثير الكلام ، فقلنا : إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك ، وتحيتك التي تحيي بها لا تحل لنا أن نحييك بها . قال : كيف تحيتكم فيما بينكم ؟ قلنا : السلام عليك . قال : وكيف تحيون ملككم ؟ قلنا : بها . قال : وكيف يرد عليكم ؟ قلنا : بها . قال : فما أعظم كلامكم ؟ قلنا : لا إله إلا الله ، والله أكبر فلما تكلمنا بها والله يعلم - لقد تنفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها ، قال : فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنفضت الغرفة ، كلما قلتموها في بيوتكم تنفضت عليكم غرفكم ؟ قلنا : لا ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك . قال : لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم . وإني خرجت من نصف ملكي . قلنا : لم ؟ قال : لأنه كان أيسر لشأنها ، وأجدر ألا تكون من أمر النبوة ، وأنها تكون من حيل الناس . ثم سألنا عما أراد فأخبرناه . ثم قال : كيف صلاتكم وصومكم ؟ فأخبرناه ، فقال : قوموا فقمنا . فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير ، فأقمنا ثلاثا .

فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه ، فاستعاد قولنا ، فأعدناه . ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة ، فيها بيوت صغار عليها أبواب ، ففتح بيتا وقفلا فاستخرج حريرة سوداء ، فنشرها ، فإذا فيها صورة حمراء ، وإذا فيها رجل ضخم العينين . عظيم الأليتين ، لم أر مثل طول عنقه ، وإذا ليست له لحية ، وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله . قال : أتعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا آدم ، عليه السلام ، وإذا هو أكثر الناس شعرا .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة سوداء ، وإذا فيها صورة بيضاء ، وإذا له شعر كشعر القطط ، أحمر العينين ، ضخم الهامة ، حسن اللحية ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا نوح ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة سوداء ، وإذا فيها رجل شديد البياض ، حسن العينين ، صلت الجبين ، طويل الخد ، أبيض اللحية كأنه يبتسم ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا إبراهيم ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر فإذا فيه صورة بيضاء ، وإذا - والله - رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون هذا ؟ قلنا : نعم ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وبكينا . قال : والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس ، وقال : والله إنه لهو ؟ قلنا : نعم ، إنه لهو ، كأنك تنظر إليه ، فأمسك ساعة ينظر إليها ، ثم قال : أما إنه كان آخر البيوت ، ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة سوداء ، فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط ، غائر العينين ، حديد النظر ، عابس متراكب الأسنان ، مقلص الشفة كأنه غضبان ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا موسى عليه السلام . وإلى جانبه صورة تشبهه ، إلا أنه مدهان الرأس ، عريض الجبين ، في عينيه قبل ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا هارون بن عمران ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة ، كأنه غضبان ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا لوط ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة ، أقنى ، خفيف العارضين ، حسن الوجه فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال هذا إسحاق ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق ، إلا أنه على شفته خال ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . [ قال ] هذا يعقوب ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة سوداء ، فيها صورة رجل أبيض ، حسن الوجه ، أقنى الأنف ، حسن القامة ، يعلو وجهه نور ، يعرف في وجهه الخشوع ، يضرب إلى الحمرة ، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا إسماعيل جد نبيكم ، عليهما السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة بيضاء ، فيها صورة كأنها آدم ، عليه السلام ، كأن وجهه الشمس ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا يوسف ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين ، أخفش العينين ضخم البطن ، ربعة متقلد سيفا ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا داود ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة بيضاء ، فيها صورة رجل ضخم الأليتين ، طويل الرجلين ، راكب فرسا ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا سليمان بن داود ، عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة سوداء ، فيها صورة بيضاء ، وإذا شاب شديد سواد اللحية ، كثير الشعر ، حسن العينين ، حسن الوجه ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا عيسى ابن مريم ، عليه السلام .

قلنا : من أين لك هذه الصور ؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء ، عليهم السلام ، لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله . فقال : إن آدم ، عليه السلام ، سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده ، فأنزل عليه صورهم ، فكان في خزانة آدم ، عليه السلام ، عند مغرب الشمس ، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال . ثم قال : أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي ، وإن كنت عبدا لأشركم ملكة ، حتى أموت . ثم أجازنا فأحسن جائزتنا ، وسرحنا ، فلما أتينا أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، فحدثناه بما أرانا ، وبما قال لنا ، وما أجازنا ، قال : فبكى أبو بكر وقال : مسكين ! لو أراد الله به خيرا لفعل . ثم قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم .

هكذا أورده الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي ، رحمه الله ، في كتاب " دلائل النبوة " ، عن الحاكم إجازة ، فذكره وإسناده لا بأس به .

وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟ قال : أجل والله ، إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن : " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ويفتح به قلوبا غلفا ، وآذانا صما ، وأعينا عميا " قال عطاء : ثم لقيت كعبا فسألته عن ذلك ، فما اختلف حرفا ، إلا أن كعبا قال بلغته ، قال : " قلوبا غلوفيا وآذانا صموميا وأعينا عموميا " .

وقد رواه البخاري في صحيحه ، عن محمد بن سنان ، عن فليح ، عن هلال بن علي - فذكر بإسناده نحوه وزاد بعد قوله : " ليس بفظ ولا غليظ " : " ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح " .

ويقع في كلام كثير من السلف إطلاق " التوراة " على كتب أهل الكتاب . وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا محمد بن إدريس وراق الحميدي حدثنا محمد بن عمر بن إبراهيم - من ولد جبير بن مطعم - قال : حدثتني أم عثمان بنت سعيد - وهي جدتي - عن أبيها سعيد بن محمد بن جبير ، عن أبيه محمد بن جبير ، عن أبيه جبير بن مطعم ، قال : خرجت تاجرا إلى الشام ، فلما كنت بأدنى الشام ، لقيني رجل من أهل الكتاب ، فقال : هل عندكم رجل نبيا ؟ قلت : نعم . قال : هل تعرف صورته إذا رأيتها ؟ قلت : نعم . فأدخلني بيتا فيه صور ، فلم أر صورة النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجل منهم علينا ، فقال : فيم أنتم ؟ فأخبرناه ، فذهب بنا إلى منزله ، فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا رجل آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت : من هذا الرجل القابض على عقبه ؟ قال : إنه لم يكن نبي إلا كان بعده نبي إلا هذا النبي ، فإنه لا نبي بعده ، وهذا الخليفة بعده ، وإذا صفة أبي بكر ، رضي الله عنه

وقال أبو داود : حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن إياس الجريري أخبرهم ، عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب قال : بعثني عمر إلى الأسقف ، فدعوته ، فقال له عمر : هل تجدني في الكتاب ؟ قال : نعم . قال : كيف تجدني ؟ قال : أجدك قرنا . قال : فرفع عمر الدرة وقال قرن مه ؟ قال : قرن حديد ، أمير شديد . قال : فكيف تجد الذي بعدي ؟ قال : أجد خليفة صالحا ، غير أنه يؤثر قرابته قال عمر : يرحم الله عثمان ، ثلاثا . قال : كيف تجد الذي بعده ؟ قال : أجد صدأ حديد . قال : فوضع عمر يده على رأسه وقال : يا دفراه ، يا دفراه ! قال : يا أمير المؤمنين ، إنه خليفة صالح ، ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول ، والدم مهراق

وقوله تعالى ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ) هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة ، وهكذا كان حاله ، عليه الصلاة والسلام ، لا يأمر إلا بخير ، ولا ينهى إلا عن شر ، كما قال عبد الله بن مسعود : إذا سمعت الله يقول : ( يا أيها الذين آمنوا ) فأرعها سمعك ، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه . ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله تعالى به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة من سواه ، كما أرسل به جميع الرسل قبله ، كما قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر - هو العقدي عبد الملك بن عمرو - حدثنا سليمان - هو ابن بلال - عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن سعيد ، عن أبي حميد وأبي أسيد ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ، وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب ، فأنا أولاكم به . وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم ، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم بعيد ، فأنا أبعدكم منه "

هذا [ حديث ] جيد الإسناد ، لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب [ الستة ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ، فظنوا به الذي هو أهدى ، والذي هو أهنا ، [ والذي هو أنجى ] والذي هو أتقى

ثم رواه عن يحيى بن سعيد ، عن مسعر ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ، فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه

وقوله : ( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) أي : يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر ، والسوائب ، والوصائل ، والحام ، ونحو ذلك ، مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ، ويحرم عليهم الخبائث .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : كلحم الخنزير والربا ، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى .

وقال بعض العلماء : كل ما أحل الله تعالى ، فهو طيب نافع في البدن والدين ، وكل ما حرمه ، فهو خبيث ضار في البدن والدين .

وقد تمسك بهذه الآية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين ، وأجيب عن ذلك بما لا يتسع هذا الموضع له .

وكذا احتج بها من ذهب من العلماء إلى أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها ، إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها ، وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته . وفيه كلام طويل أيضا .

وقوله : ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) أي : إنه جاء بالتيسير والسماحة ، كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بعثت بالحنيفية السمحة " . وقال لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري ، لما بعثهما إلى اليمن : " بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " . وقال صاحبه أبو برزة الأسلمي : إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره .

وقد كانت الأمم الذين كانوا قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم ، فوسع الله على هذه الأمة أمورها ، وسهلها لهم ; ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم تقل أو تعمل " وقال : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ; ولهذا قد أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) [ البقرة : 286 ] وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه : قد فعلت ، قد فعلت

وقوله : ( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه ) أي : عظموه ووقروه ، ( واتبعوا النور الذي أنزل معه ) أي : القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا إلى الناس ، ( أولئك هم المفلحون ) أي : في الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ

قال أبو جعفر: وهذا القول إبانةٌ من الله جل ثناؤه عن أنّ الذين وَعَد موسى نبيَّه عليه السلام أن يكتب لهم الرحمة التي وصفَها جل ثناؤه بقوله: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم, لأنه لا يعلم لله رسولٌ وُصف بهذه الصفة = أعني " الأمي" = غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وبذلك جاءت الروايات عن أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

15214- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

15215- .... قال، حدثنا زيد بن حباب, عن حماد بن سلمة, عن عطاء, عن ابن عباس قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

15216- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا يحيى بن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد في قوله: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فقال موسى عليه السلام: ليتني خلقت في أمّة محمدٍ!.

15217- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: الذين يتّبعون محمدًا صلى الله عليه وسلم.

15218- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن شهر بن حوشب, عن نوف الحميري قال: لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه، قال الله لموسى: أجعل لكم الأرض مسجدًا وطهورًا, وأجعل السكينة معكم في بيوتكم, وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظَهْر قلوبكم, (17) يقرؤها الرجل منكم والمرأةُ، والحرُّ والعبدُ، والصغير والكبير. فقال موسى لقومه: إن الله قد يجعل لكم الأرض طهورًا ومسجدًا. قالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس! قال: ويجعل السكينة معكم في بيوتكم. قالوا: لا نريد إلا أن تكون كما كانت، في التابوت! قال: ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم, (18) ويقرؤها الرجل منكم والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير. قالوا: لا نريد أن نقرأها إلا نظرًا! فقال الله: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ إلى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . (19)

15219- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن يحيى بن أبي كثير, عن نوف البكالي قال: لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل، كلّمه الله فقال: إني قد بسطت لهم الأرض طهورًا ومساجدَ يصلُّون فيها حيث أدركتهم الصلاة، إلا عند مرحاضٍ أو قبر أو حمّام, وجعلت السكينة في قلوبهم, وجعلتهم يقرأون التوراةَ عن ظهر ألسنتهم. قال: فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل, فقالوا: لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا, فاجعلها لنا في تابوت, ولا نقرأ التوراة إلا نظرًا, ولا نصلي إلا في الكنيسة! فقال الله: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، حتى بلغ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قال: فقال موسى عليه السلام: يا ربّ، اجعلني نبيَّهم! قال: نبيُّهم منهم! قال: رب اجعلني منهم! قال: لن تدركهم! قال: يا ربّ، أتيتك بوفد بني إسرائيل, فجعلت وِفَادَتنا لغيرنا! فأنـزل الله: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [سورة الأعراف: 159]. = قال نوف البكالي: فاحمدوا الله الذي حَفظ غيبتكم, وأخذ لكم بسهمكم, وجعل وفادة بني إسرائيل لكم.

15220- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي, عن يحيى بن أبي كثير, عن نوف البكالي بنحوه= إلا أنه قال: فإني أنـزل عليكم التوراة تقرأونها عن ظهر ألسنتكم, رجالكم ونساؤُكم وصبيانكم. قالوا: لا نُصلّي إلا في كنيسة, ثم ذكر سائر الحديث نحوه.

15221- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبير: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (20)

15222- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

15223- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: لما قيل: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ، تمنّتها اليهود والنصارى, فأنـزل الله شرطًا بيّنًا وثيقًا فقال: " الذين يتبعون الرَّسول النبيّ الأمي"، وهو نبيكم صلى الله عليه وسلم، كان أمِّيًّا لا يكتبُ. (21)

* * *

وقد بينا معنى " الأمي" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (22)

* * *

وأما قوله: " الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل "، فإن " الهاء " في قوله: " يجدونه "، عائدة على " الرسول ", وهو محمّد صلى الله عليه وسلم، كالذي: -

15224- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي, قوله: " الذين يتبعون الرسول النبي الأميّ"، هذا محمّد صلى الله عليه وسلم.

15225- حدثني ابن المثني قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا فليح، عن هلال بن علي, عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو, فقلت: أخبرني عن صفة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة كصفتِه في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا، وحِرْزًا للأمِّيين, أنت عبدي ورسولي, سميتك المتوكّل, (23) ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأسواق, ولا يجزي بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويصفح، ولن نقبضه حتى نقيم به الملةَ العوجاء, بأن يقولوا: " لا إله إلا الله "، فنفتح به قلوبًا غُلْفًا، وآذانًا صُمًّا, وأعينًا عُمْيًا= قال عطاء: ثم لقيتُ كعبًا فسألته عن ذلك, فما اختلفا حرفًا, إلا أن كعبًا قال بلغته: قلوبًا غُلُوفيا، وآذانًا صمومِيَا, وأعينًا عُمْوميا. (24)

15226- حدثني أبو كريب قال، حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا فليح بن سليمان, عن هلال بن علي قال، حدثني عطاء قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص, فذكر نحوه= إلا أنه قال في كلام كعب: أعينًا عمومَا, وآذانًا صموما, وقلوبًا غُلُوفَا.

15227- ... قال، حدثنا موسى قال، حدثنا عبد العزيز بن سلمة, عن هلال بن علي, عن عطاء بن يسار, عن عبد الله بنحوه= وليس فيه كلام كعب.

15228- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال الله: " الذي يجدونه مكتوبًا عندهم "، يقول: يجدون نعتَه وأمرَه ونبوّته مكتوبًا عندهم.

* * *

القول في تأويل قوله : يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يأمر هذا النبيُّ الأميُّ أتباعَه بالمعروف= وهو الإيمان بالله ولزوم طاعته فيما أمر ونهى, فذلك " المعروف " الذي يأمرهم به (25) = " وينهاهم عن المنكر " وهو الشرك بالله, والانتهاء عمّا نهاهم الله عنه. (26) وقوله: " ويحل لهم الطيبات "، وذلك ما كانت الجاهلية تحرِّمه من البحائر والسَّوائب والوصائل والحوامي (27) = " ويحرم عليهم الخَبَائث "، وذلك لحم الخنـزير والرِّبا وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله، (28) كما:-

15229- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " ويحرم عليهم الخبائث "، وهو لحم الخنـزير والربا, وما كانوا يستحلونه من المحرَّمات من المآكلِ التي حرمها الله.

* * *

وأما قوله: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.

فقال بعضهم: يعني بـ" الإصر "، العهدَ والميثاقَ الذي كان أخذه على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة.

* ذكر من قال ذلك:

15230- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جابر بن نوح, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: عهدهم.

15231- ... قال حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك، قال: عهدهم.

15232- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن علي قال، أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله.

15233- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن مبارك, عن الحسن: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: العهود التي أعطوها من أنفسهم.

15234- .... قال، حدثنا ابن نمير, عن موسى بن قيس, عن مجاهد: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: عهدهم. (29)

15235- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، يقول: يضع عنهم عهودهم ومواثيقَهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل.

15236- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرّم عليهم. يقول: يضع ذلك عنهم.

* * *

وقال بعضهم: عني بذلك أنه يضع عمن اتّبع نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، التشديدَ الذي كان على بني إسرائيل في دينهم.

* ذكر من قال ذلك:

15237- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بإقالةٍ منه وتجاوزٍ عنه.

15238- حدثني المثني قال حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: البولَ ونحوه، مما غُلِّظ على بني إسرائيل.

15239- .... قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: شدّة العمل.

15240- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " قال: من اتبع محمدًا ودينه من أهل الكتاب, وُضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم.

15241- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل, عن أشعث, عن ابن سيرين قال: قال أبو هريرة لابن عباس: ما علينا في الدين من حَرَج أن نـزني ونسرق؟ قال: بلى! ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وُضِع عنكم.

15242- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: إصرهم الذي جعله عليهم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إنّ " الإصر " هو العهد= وقد بينا ذلك بشواهده في موضعٍ غير هذا بما فيه الكفاية (30) = وأن معنى الكلام: ويضع النبيُّ الأميُّ العهدَ الذي كان الله أخذ على بني إسرائيل، من إقامة التوراة والعملِ بما فيها من الأعمال الشديدة، كقطع الجلد من البول, وتحريم الغنائم, ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضةً, فنسخها حُكْم القرآن.

* * *

وأما " الأغلال التي كانت عليهم ", فكان ابن زيد يقول بما: -

15243- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عنه في قوله: " والأغلال التي كانت عليهم "، قال: " الأغلال "، وقرأ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [سورة المائدة: 64]. قال: تلك الأغلال. قال: ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالنبيّ فيضع ذلك عنهم.

* * *

القول في تأويل قوله : فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فالذين صدَّقوا بالنبي الأمي, وأقرُّوا بنبوّته (31) = " وعزَّروه "، يقول: وَقَّروه وعظموه وحَمَوه من الناس، (32) كما: -

15244- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " وعزروه "، يقول: حموه وقَّروه.

15245- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني موسى بن قيس, عن مجاهد: " وعزروه ونصروه " : " عزَّروه "، سدَّدوا أمره, وأعانوا رَسُوله= " ونَصَرُوه ".

* * *

وقوله: " نصروه "، يقول: وأعانوه على أعداء الله وأعدائه، بجهادهم ونصب الحرب لهم = " واتبعوا النور الذي أنـزل معه "، يعني القرآن والإسلام (33) = " أولئك هم المفلحون "، يقول: الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جل ثناؤه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هم المنجحون المدرِكون ما طلبُوا ورجَوْا بفعلهم ذلك. (34)

15246- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: فما نقموا= يعني اليهود= إلا أن حسدوا نبيَّ الله, فقال الله: " الذين آمنوا به وعزّروه ونصروه "، فأما نصره وتعزيره فقد سبقتم به, ولكن خياركم من آمن بالله واتَّبع النور الذي أنـزل معه.

* * *

يريد قتادة بقوله " فما نَقَموا إلا أن حسدوا نبي الله "، أن اليهودَ كان محمَّد صلى الله عليه وسلم بما جاء به من عند الله رحمةً عليهم لو اتبعوه, لأنه جاء بوضع الإصر والأغلال عنهم, فحملهم الحسد على الكفر به، وترك قبول التخفيف، لغلبة خِذْلانِ الله عليهم.

-----------------

الهوامش :

(17) (1) في المطبوعة : (( عن ظهور قلوبكم )) ، بجمع (( ظهور )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .

(18) (2) في المطبوعة : (( عن ظهور )) ، وتنظر التعليق السالف .

(19) الأثر: 15218 "نوف الحميري" هو نوف البكالي المذكور في الأثريين التاليين: 515219 ، 15220 ، وهو "نوف بن فضالة الحميري البكالي الشامي" مضى برقم : 3965 ، 9446 ، 9456 .

(20) (1) الأثر : 15221 - (( إسحق بن إسماعيل )) هو (( حبويه )) ، (( أبو يزيد الرازي )) ، الذي مضى قريباً برقم : 15198 ، وصرح هنا أول مرة باسمه .

(21) (2) الأثر : 15223 - انظر الأثر السالف رقم : 15205

(22) (3) انظر تفسير (( الأمي )) فيما سلف 2 : 257 - 259 / 3 : 442 / 6 : 281 ، 282 ، 522/ ثم انظر رقم : 5827 ، 1774 ، 6775 .

(23) (1) في المطبوعة : (( سميتك )) ، وأثبت ما في المخطوطة .

(24) (2) الأثر : 15225 - (( عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدي )) ، ثقة ، من شيوخ أحمد ، روى له الجماعة ، سلف برقم : 5458 . و (( فليح )) ، هو (( فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزامي )) ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 5090 . و (( هلال بن على بن أسامة المدني )) ، وينسب إلى جده فيقال : (( هلال بن أسامة )) ، ثقة ، مضى برقم : 1495. وانظر الآثار التالية .

(25) (1) انظر تفسير (( المعروف )) فيما سلف 9 : 201 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(26) (2) انظر تفسير (( المنكر )) فيما سلف 10 : 496 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(27) (3) انظر تفسير (( الطيبات )) فيما سلف 11 : 96 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(28) (4) انظر تفسير (( الخبائث )) فيما سلف 11 : 96 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(29) (1) الأثر : 15234 - (( موسى بن قيس الحضرمى )) ، مضى برقم : 6513 .

(30) (1) انظر تفسير (( الإصر )) فيما سلف 6 : 135 - 138 ، 560 .

(31) (2) انظر تفسير (( الإيمان )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أمن ) .

(32) (3) انظر تفسير (( التعزير )) فيما سلف 10 : 119 - 121 .

(33) (1) انظر تفسير (( النور )) فيما سلف 11 : 526 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(34) (2) انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف : 12 : 505 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ تَذكَّر سُنَّة كنت غافلًا عنها من سنن النبي ﷺ، وطبقها.
وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ فإن أميته لم تكن من جهة فقد العلم والقراءة عن ظهر قلب؛ فإنه إمام الأئمة في هذا، وإنما كان من جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوبًا.
وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ ما نُصر الرسول بأعظم مِن اتباع سنته والتخلق بأخلاقه.
وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ أعظم احتفاء واحتفال بالنبي ﷺ هو اتباعك لسنته والتخلق بأخلاقه.
وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ هذا وصف للرسول ﷺ بأنه كان أميًّا، وقال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ [العلق: 1، 2]، فالذي يقرأ لا يكون أميًّا، فكيف يا ترى نوفق بين الآية الأولى والآية الثانية؟ وهل كان الرسول ﷺ أميًّا؟ الجواب: الأمي هو: الذي لا يكتب ولا يقرأ الكتابة، والنبي ﷺ أمي بهذا الاعتبار، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: 48]، أما قوله: ﴿اقْرَأْ﴾ [العلق: 1]؛ فالمراد به إلقاء القرآن إليه بواسطة جبريل، وحفظه له من غير كتابة، فلا تَعارُض بين أميته ﷺ وقراءته القرآن بالتلقي.
وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيل﴾ اقرأ كتابًا، أو مقالًا تتعرف فيه على شمائل النبي ﷺ وصفاته.
وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيل﴾ تضمَّنت التوراة والإنجيل أدلة ظاهرة على بعثة النبي محمد ﷺ وعلى صدقه.
وقفة
[157] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ... يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ أبرز صفة لنبينا ولأمته من بعده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقفة
[157] أول صفات النبي ﷺ في الكتب السابقة: الحسبة ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ... يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾؛ لذا كرهوه وكرهه المنافقون.
لمسة
[157] ﴿الأُمِّيَّ﴾ أراد الله إتمام الإعجاز العلمي والعقلي الذي أيّد به نبيه فجعل الأمية وصفًا ذاتيًا له، لتكون بذلك آية على أن ما حصل له إنما هو من فُيوضات إلهية، وبذلك كانت الأمية وصف كمال وزيادة تشريف لشخص نبيّه الكريم عليه الصلاة والسلام مع أنها في غيره وصف نقصان.
وقفة
[157] ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ﴾ من أجمع ما جاء في التوراة خاصًا بالنبي ﷺ ما جاء عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. [البخاري 2125].
وقفة
[157] ﴿يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ أبرز صفات نبينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما نصيب ورثته من هذه التركة؟!
وقفة
[157] ﴿يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ المحبة اقتداء لا ادعاء! أثبت صدق اتباعك لنبيك، بأن تقتفي أثره في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
عمل
[157] اعملْ اليومَ بهذه الآية: ﴿يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ﴾ ولو على صديقِك أو أحدٍ من أهلِك.
وقفة
[157] ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ كل ما نفع الخلق هو طيب أحله الله، وكل ما ضرهم فهو خبيث حرمه الله، لأن الله أرحم بالعباد وأعلم بنفعهم وضرهم من أنفسهم.
وقفة
[157] ما أحله الله لك فهو الطيب المناسب لك، وما حرمه عليك ففيه المفاسد العاجلة والآجلة ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾.
وقفة
[157] ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ استدلت دار الإفتاء المصرية بهذه الآية على تحريم التدخين، وجاء في فتواها: «فالطيبات هي كل ما عاد على الإنسان بالنفع الحسي أو المعنوي أو لم يضره، والخبائث كل ما ضر الإنسان حسيًا أو معنويًا، وقد ثبت طبيًا أن التدخين بكل أنواعه مضر بصحة وبدن الإنسان، فيكون محرمًا».
وقفة
[157] ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ رأيت أحد المدخنين عندما أراد الدخول للمسجد وضع علبة الدخان داخل حذائه، فماذا يعني هذا؟ الخبيث ترفضه الفطر السليمة.
وقفة
[157] ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ كانت في شرائع الأمم التي قبلنا ضيق، فوسع الله على هذه الأمة أمورها، ومن ذلك: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ» [مسلم 127]، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». [ابن ماجه 2043، وصححه الألباني]، وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا» [مسلم 1732].
وقفة
[157] ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ تقول عائشة رضي الله عنها: كان الحبشة يلعبون بحِراب لهم، فكنت أنظر من بين أذني رسول الله وعاتقه، وقال يومئذ: «لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ» [أحمد 25962، وحسنه الأرناؤوط].
وقفة
[157] ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ الإصر: الثقل، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهدٌ أن يقوموا بأعمال ثقال؛ فوضع عنهم بمحمد ﷺ ذلك العهد، وثقل تلك الأعمال؛ كغسل البول، وتحليل الغنائم، ومجالسة الحائض، ومؤاكلتها.
وقفة
[157] ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ﴾ أي: بمحمد ﷺ، ﴿وَعَزَّرُوهُ﴾: وقَّروه، ﴿وَنَصَرُوهُ﴾: على الأعداء، ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ﴾: يعني: القرآن، ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وقفة
[157] تدبر القرآن واتباعه هما فرق ما بين أوَّل الأمة وآخرها وإنه لفرق هائل؛ فعدم التدبر أفقدنا العلم، وعدم الاتباع أفقدنا العمل، وإننا لا ننتعش من هذه الكبوة إلا بالرجوع إلى فهم القرآن واتباعه، ولا نفلح حتى نؤمن ونعمل الصالحات: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وقفة
[157] ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ﴾ أي اتبعوا القرآن الذي أُنزل معه، أي مع النبي ﷺ، فإن قلت: القرآنُ لم ينزل مع النبي، بل عليه، وإنما نزل مع جبريل! قلتُ: (معه) بمعنى مقارنًا لزمنه، أو بمعنى عليه، أو هو متعلقٌ باتَّبعوا أي اتبعوا القرآن كما اتَّبعه هو، مصاحبينَ له في اتباعه.
وقفة
[157] القرآن أعظم تنوير للعقول؛ لأنه كلام خالق العقل، والخالق أعلم بما خلق: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ [النساء: 174]، ﴿جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ﴾ [المائدة: 15]، ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ﴾.
تفاعل
[157] ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من المفلحين.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بدل من «الَّذِينَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة. يتبعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الرسول:مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة «يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ:
  • النبي: عطف بيان من الرسول منصوب مثله بالفتحة.الأمي: صفة- نعت- للنبي منصوبة مثله بالفتحة.
  • ﴿ الَّذِي يَجِدُونَهُ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ثانية للنّبي. يجدون: تعرب إعراب يتبعون والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. أي يجد نعته اولئك الذين يتبعونه
  • ﴿ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ:
  • مكتوبا: مفعول به ثان للفعل «يجد» ويجوز أن تكون حالا بمعنى يجدونه موصوفا. عندهم: عند: ظرف مكان متعلق بالفعل «يجد» منصوب على الظرفية المكانية بالفتحة أو يتعلق بمكتوبا و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. في التوراة: جار ومجرور متعلق بمكتوبا. والأنجيل معطوف بالواو على «التَّوْراةِ» ويعرب مثلها.
  • ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ:
  • الجملة في محل نصب حال. ويجوز أن تكون في محل رفع خبرا اذا جوز إعراب «الَّذِينَ» مبتدأ لا بدلا. يأمر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به: بالمعروف: جار ومجرور متعلق بيأمرهم.
  • ﴿ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ:
  • الواو عاطفة. ينهى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.و«هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. عن المنكر: جار ومجرور متعلق بينهاهم.
  • ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ:
  • الواو عاطفة. يحل: تعرب إعراب «يأمر». لهم:جار ومجرور متعلق بيحل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام وحركت الميم بالضمة للاشباع. الطيبات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. بمعنى: الطيبات التي حرمت عليهم بسبب عنادهم.
  • ﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ:
  • معطوفة بالواو على «يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ» وتعرب اعرابها وعلامة نصب «الْخَبائِثَ» الفتحة الظاهرة.
  • ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ:
  • الواو عاطفة. يضع عنهم إصر: تعرب إعراب «يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ». و «هم» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ:
  • والأغلال: معطوفة بالواو على «إصر» وتعرب إعرابها. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة للأغلال. كانت: فعل ماض ناقص مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها واسم «كان» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي.عليهم: تعرب اعراب «لَهُمُ» وعليهم: جار ومجرور متعلق بخبر «كان» وجملة «كانَتْ عَلَيْهِمْ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ:
  • الفاء: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. به: جار ومجرور متعلق بامنوا والجملة صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا:
  • الجمل: معطوفات بواوات العطف على «آمَنُوا» وتعرب اعرابها والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ:
  • النور: مفعول به منصوب بالفتحة. الذي:اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة- نعت- للنور. أنزل:فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة في محل نصب حال بتقدير: أنزل كائنا معه. وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. وجملة «أُنْزِلَ مَعَهُ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
  • الجملة: في محل رفع خبر المبتدأ «الذين». أولاء:اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. هم:ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ثان وحركت الميم بالضم للاشباع. المفلحون: خبر «هُمُ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. والجملة الاسمية «هُمُ الْمُفْلِحُونَ» في محل رفع خبر «أُولئِكَ» ويجوز إعراب «هُمُ» ضمير فصل- عماد- و «الْمُفْلِحُونَ» خبر «أُولئِكَ». '

المتشابهات :

الأعراف: 157﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ
التوبة: 111﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [157] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّ مِن صِفةِ مَنْ تُكتَبُ له الرَّحمةُ في الدُّنيا والآخرةِ: التَّقْوى، وإيتاءَ الزَّكاةِ، والإيمانَ بالآياتِ؛ ضَمَّ إلى ذلك أنْ يكونَ مِن صِفتِه اتِّباعُ النَّبيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يَجِدونه مكتوبًا عِندهم في التَّوراةِ والإنجيلِ، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إصرهم:
وقرئ:
1- آصارهم، جمع إصر، وهى قراءة ابن عامر.
2- أصرهم، بفتح الهمزة وبضمها.
عزروه:
وقرئ:
1- بالتخفيف، وهى قراءة الجحدري، وقتادة وسليمان التيمي، وعيسى.
2- وعززوه، بزايين، وهى قراءة جعفر بن محمد.

مدارسة الآية : [158] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي ..

التفسير :

[158] قل -أيها الرسول- للناس كلهم:إني رسول الله إليكم جميعاً لا إلى بعضكم دون بعض، الذي له ملك السموات والأرض وما فيهما، لا ينبغي أن تكون الألوهية والعبادة إلا له جل ثناؤه، القادر على إيجاد الخلق وإفنائه وبعثه، فصدِّقوا بالله وأقرُّوا بوحدانيته، وصدِّقوا

ولما دعا أهل التوراة من بني إسرائيل، إلى اتباعه، وكان ربما توهم متوهم، أن الحكم مقصور عليهم، أتى بما يدل على العموم فقال:قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا أي:عربيكم، وعجميكم، أهل الكتاب منكم، وغيرهم. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يتصرف فيهما بأحكامه الكونية والتدابير السلطانية، وبأحكامه الشرعية الدينية التي من جملتها:أن أرسل إليكم رسولا عظيما يدعوكم إلى اللّه وإلى دار كرامته، ويحذركم من كل ما يباعدكم منه، ومن دار كرامته. لا إِلَهَ إِلا هُوَ أي:لا معبود بحق، إلا اللّه وحده لا شريك له، ولا تعرف عبادته إلا من طريق رسله، يُحْيِي وَيُمِيتُ أي:من جملة تدابيره:الإحياء والإماتة، التي لا يشاركه فيها أحد، الذي جعل الموت جسرا ومعبرا يعبر منه إلى دار البقاء، التي من آمن بها صدق الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قطعا. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ إيمانا في القلب، متضمنا لأعمال القلوب والجوارح. الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ أي:آمنوا بهذا الرسول المستقيم في عقائده وأعماله، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ في مصالحكم الدينية والدنيوية، فإنكم إذا لم تتبعوه ضللتم ضلالا بعيدا.

ثم أمر الله رسوله أن يبين للناس أنه مرسل إلى الناس كافة، فقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً أى: قل يا محمد لكافة البشر من عرب وعجم، إنى رسول الله إليكم جميعا، لا فرق بين نصراني أو يهودي، وإنما رسالتي إلى الناس عامة، وقد جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ما يؤيد عموم رسالته.

أما في القرآن الكريم، فمن ذلك قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

وقال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً.

وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.

أى وأنذر من بلغه القرآن ممن سيوجد إلى يوم القيامة من سائر الأمم وفي ذلك دلالة على عموم رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى أن أحكام القرآن تعم الثقلين إلى يوم الدين.

وأما في السنة فمن ذلك ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» .

وفي صحيح مسلم عن أبى موسى الأشعرى- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» .

قال الإمام ابن كثير: والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه رسول إلى الناس كلهم هـ.

ثم وصف الله تعالى ذاته بما هو أهل له من صفات القدرة والوحدانية فقال تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ أى: قل- يا محمد- للناس إنى رسول إليكم من الله الذي له التصرف في السموات والأرض، والذي لا معبود بحق سواه والذي بيده الأحياء والإماتة، ومن كان هذا شأنه فمن الواجب أن يطاع أمره، وأن يترك ما نهى عنه، وأن يصدق رسوله. ثم بنى- سبحانه- على هذه النعوت الجليلة التي وصف بها نفسه الدعوة إلى الإيمان فقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أى: فآمنوا أيها الناس جمعا بالله الواحد الأحد وآمنوا- أيضا برسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم النبي الأمى الذي يؤمن بالله، وبما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه واسلكوا سبيله، واقتفوا آثاره، في كل ما يأمر به أو ينهى عنه رجاء أن تهتدوا إلى الصراط المستقيم.

وفي وصفه صلّى الله عليه وسلّم بالأمية مرة ثانية، إشارة إلى كمال علمه، لأنه مع عدم مطالعته للكتاب، أو مصاحبته لمعلم. فتح الله له أبواب العلم، وعلمه ما لم يكن يعلم من سائر العلوم التي تعلمها الناس عنه، وصاروا بها أئمة العلماء وقادة المفكرين، فأكرم بها من أمية تضاءل بجانبها علم العلماء في كل زمان ومكان.

وبذلك تكون الآيتان الكريمتان قد وصفتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأشرف الصفات وأقامتا أوضح الحجج وأقواها على صدقه في نبوته، ودعتا اليهود بل الناس جميعا إلى الإيمان به لأنه قد بشرت به الكتب السماوية السابقة ولأنه صلّى الله عليه وسلّم ما جاءهم إلا بالخير، وما نهاهم إلا عن الشر. ولأن شريعته تمتاز باليسر والسماحة، ولأن أنصاره وأتباعه هم المفلحون، ولأن رسالته عامة للجن والانس، ومن كانت هذه صفاته، وتلك شريعته، جدير أن يتبع، وقمين أن يصدق ويطاع، وما يعرض عن دعوته إلا من طغى وآثر الحياة الدنيا.

ثم بين القرآن الكريم أن قوم موسى لم يكونوا جميعا ضالين. وإنما كان فيهم الأخيار وفيهم الأشرار فقال- تعالى-:

يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ) قل ) يا محمد : ( يا أيها الناس ) وهذا خطاب للأحمر والأسود ، والعربي والعجمي ، ( إني رسول الله إليكم جميعا ) أي : جميعكم ، وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين ، وأنه مبعوث إلى الناس كافة ، كما قال تعالى : ( قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] وقال تعالى : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] وقال تعالى : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) [ آل عمران : 20 ] والآيات في هذا كثيرة ، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر ، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه ، صلوات الله وسلامه عليه ، رسول الله إلى الناس كلهم .

قال البخاري ، رحمه الله ، في تفسير هذه الآية : حدثنا عبد الله ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وموسى بن هارون قالا حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر حدثني بسر بن عبيد الله ، حدثني أبو إدريس الخولاني قال : سمعت أبا الدرداء ، رضي الله عنه ، يقول : كانت بين أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، محاورة ، فأغضب أبو بكر عمر ، فانصرف عمر عنه مغضبا ، فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال أبو الدرداء : ونحن عنده - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما صاحبكم هذا فقد غامر " - أي : غاضب وحاقد - قال : وندم عمر على ما كان منه ، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر - قال أبو الدرداء : وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول : والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ إني قلت : يأيها الناس ، إني رسول الله إليكم جميعا ، فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدقت " . انفرد به البخاري

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس [ رضي الله عنه ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي - ولا أقوله فخرا : بعثت إلى الناس كافة : الأحمر والأسود ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي ، فهي لمن لا يشرك بالله شيئا " إسناده جيد ، ولم يخرجوه .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا بكر بن مضر ، عن أبي الهاد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك ، قام من الليل يصلي ، فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه ، حتى إذا صلى انصرف إليهم فقال لهم : " لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي ، أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه ، ونصرت على العدو بالرعب ، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملئ مني رعبا ، وأحلت لي الغنائم آكلها وكان من قبلي يعظمون أكلها ، كانوا يحرقونها ، وجعلت لي الأرض مساجد وطهورا ، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت ، وكان من قبلي يعظمون ذلك ، إنما كانوا يصلون في بيعهم وكنائسهم ، والخامسة هي ما هي ، قيل لي : سل ; فإن كل نبي قد سأل . فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة ، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله " إسناد جيد قوي أيضا ولم يخرجوه .

وقال أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ، فلم يؤمن بي ، لم يدخل الجنة "

وهذا الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي رجل من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار "

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس - وهو سليم بن جبير - عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي أو نصراني ، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار " . تفرد به أحمد

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ، ونصرت بالرعب شهرا وأعطيت الشفاعة - وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة ، وإني قد اختبأت شفاعتي ، ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا "

وهذا أيضا إسناد صحيح ، ولم أرهم خرجوه ، والله أعلم ، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين أيضا ، من حديث جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة "

وقوله : ( الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت ) صفة الله تعالى ، في قوله : رسول الله أي : الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه ، الذي بيده الملك والإحياء والإماتة ، وله الحكم .

وقوله : ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي ) أخبرهم أنه رسول الله إليهم ، ثم أمرهم باتباعه والإيمان به ، ( النبي الأمي ) أي : الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة ، فإنه منعوت بذلك في كتبهم ; ولهذا قال : ( النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ) أي : يصدق قوله عمله ، وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه ) واتبعوه ) أي : اسلكوا طريقه واقتفوا أثره ، ( لعلكم تهتدون ) أي : إلى الصراط المستقيم .

القول في تأويل قوله : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: " قل "، يا محمد للناس كلهم= " إنّي رسول الله إليكم جميعًا "، لا إلى بعضكم دون بعض, كما كان من قبلي من الرُّسل, مرسلا إلى بعض الناس دون بعض. فمن كان منهم أرسل كذلك, فإن رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعض، ولكنها إلى جميعكم.

وقوله: " الذي"، من نعت اسم " الله " وإنما معنى الكلام: قل: يا أيها الناس إني رسول الله، الذي له ملك السموات والأرض، إليكم.

ويعني جل ثناؤه بقوله: " الذي له ملك السموات والأرض "، الذي له سلطان السَّموات والأرض وما فيهما, وتدبير ذلك وتصريفه (35) = " لا إله إلا هو "، يقول: لا ينبغي أن تكون الألوهة والعِبادة إلا له جل ثناؤه، دون سائر الأشياء غيره من الأنداد والأوثان, إلا لمن له سلطان كل شيء، والقادر على إنشاء خلق كل ما شاء وإحيائه، وإفنائه إذا شاء إماتته = " فآمنوا بالله ورسوله "، يقول جل ثناؤه: قل لهم: فصدِّقوا بآيات الله الذي هذه صفته, وأقِرُّوا بوحدانيته, وأنه الذي له الألوهة والعبادة, وصدقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه مبعوث إلى خلقه، داع إلى توحيده وطاعته.

* * *

القول في تأويل قوله : النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)

قال أبو جعفر: أما قوله: " النبي الأمي"، فإنه من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقد بينت معنى " النبي" فيما مضى بما أغنى عن إعادته= ومعنى قوله: " الأمي". (36)

* * *

= " الذي يؤمن بالله "، يقول: الذي يصدق بالله وكلماته.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " وكلماته ". (37)

فقال بعضهم: معناه: وآياته.

* ذكر من قال ذلك:

15247- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: " الذي يؤمن بالله وكلماته "، يقول: آياته.

* * *

وقال آخرون: بل عنى بذلك عيسى ابن مريم عليه السلام.

* ذكر من قال ذلك:

15248- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " الذي يؤمن بالله وكلماته "، قال: عيسى ابن مريم.

15149- وحدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " الذي يؤمن بالله وكلماته "، فهو عيسى ابن مريم.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أنَّ الله تعالى ذكره أمرَ عباده أن يصدِّقوا بنبوِّة النبيّ الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، ولم يخصص الخبرَ جل ثناؤه عن إيمانه من " كلمات الله " ببعض دون بعضٍ, بل أخبرهم عن جميع " الكلمات ", فالحق في ذلك أن يعمَّ القول, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمن بكلمات الله كلِّها، على ما جاء به ظاهرُ كتابِ الله.

* * *

وأما قوله: " واتبعوه لعلكم تهتدون "، فاهتدوا به أيها الناس, واعملوا بما أمركم أن تعملوا به من طاعة الله= " لعلكم تهتدون "، يقول: لكي تهتدوا فترشدوا وتصيبوا الحقّ في اتّباعكم إيّاه.

----------------------

الهوامش :

(35) (1) انظر تفسير (( الملك )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ملك ) .

(36) (1) انظر تفسير (( النبي )) فيما سلف 2 : 140 - 142 / 6 : 284 ، 380 ، وغيرها من المواضع . = وتفسير (( الأمي )) ، فيما سلف قريباً ص : 163 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(37) (2) انظر تفسير (( الكلمة )) فيما سلف من الفهارس اللغة ( كلم ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[158] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» [مسلم 153].
وقفة
[158] طالما أن المخاطبين هم بنو إسرائيل وهم أهل توحيد فلِمَ يورد القرآن هذه الصفات الثلاث لله عز وجل وهم يقرون بها؟ الجواب: لتذكير اليهود ووعظهم حيث جحدوا بنبوة محمد ﷺ، وزعموا أن لا رسول بعد موسى، واستعظموا دعوة محمد، وكانوا يعتقدون أن موسى لا يشبهه رسول، فذكرهم الله بأنه هو وحده مالك السموات والأرض، وهو واهب الفضائل، فلا يستعظم أن يرسل رسولًا ثم يرسل آخر فالمُلك بيده، وفي ذكر الإحياء والإماتة تذكير لهم بأن الله يحيي شريعة ويحيي أخرى.
وقفة
[158] ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ تعلم من نبيك أن تجهر بدعوتك، وأن تفخر بين الناس بهدايتك، وإياك وأن وتخجل من إعلان استقامتك.
وقفة
[158] ﴿فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ﴾ قال الإمام الرازي: «أجلُّ معجزات النبي محمد وأشرفها أنه كان رجلًا أميًا لم يتعلم من أستاذ، ولم يطالع كتابًا ولم يتفق له مجالسة أحد من العلماء؛ لأنه ما كانت مكة بلدة العلماء، وما غاب رسول الله عن مكة غيبة طويلة يمكن أن يقال إن في مدة تلك الغيبة تعلم العلوم الكثيرة، ثم إنه مع ذلك فتح الله عليه باب العلم والتحقيق وأظهر عليه هذا القرآن المشتمل على علوم الأولين والآخرين فكان ظهور هذه العلوم العظيمة عليه مع أنه كان رجلاً أميًّا لم يَلْق أستاذًا ولم يطالع كتابًا من أعظم المعجزات.
عمل
[158] ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ من أرادَ الهدايةَ لزمَه اتباع النَّبي ﷺ.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ:
  • قل: فعل أمر مبني على السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. يا: أداة نداء. أي: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الناس: بدل من «أي» مرفوع مثله على اللفظ بالضمة الظاهرة على آخره.
  • ﴿ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول- إنّ:حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». رسول: خبرها مرفوع بالضمة. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة الظاهرة على آخره.
  • ﴿ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الرسول والكاف:ضمير متصل في محل جر بحرف الجر والميم علامة جمع الذكور. جميعا:حال منصوب بالفتحة من إليكم.
  • ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة- نعت- للفظ الجلالة وقد أحيل بين الصفة والموصوف بقوله «إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» ويجوز أن تكون «الَّذِي» منصوبة بفعل مضمر أي «أعني» وهو النصب على المدح. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.ملك: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السموات: مضاف إليه مجرور بالكسرة. والأرض: معطوف بالواو على «السَّماواتِ» مجرورة مثلها بالاضافة. والجملة الاسمية «لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ:
  • الجملة: لا محل لها من الإعراب لأنها بدل من صلة الموصول «لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ». لا: نافية للجنس تعمل عمل «إن». إله:اسمها مبني للتعظيم على الفتح في محل نصب إلا: أداة حصر أو استثناء.هو: المستثنى في موضع رفع بدلا من وضع «لا إِلهَ» لأنّ وضع «لا» وما عملت فيه الرفع على الابتداء ولو كان المستثنى نصبا لكان الا إياه وخبر «لا» النافية للجنس محذوف تقديره هو.
  • ﴿ يُحيِي وَيُمِيتُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يُحيِي» في محل رفع خبر «هُوَ».ويميت: معطوفة بالواو على «يُحيِي» وتعرب إعرابها والجملة الاسمية «هو يحيي ويميت» لا محل لها لأنها صلة الموصول أو بدل من صلة الموصول التي هي «لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وحذف مفعولا الفعلين اختصارا أي يحيي الموتى ويميت الأحياء.
  • ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ:
  • الفاء: استئنافية. آمنوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالله: جار ومجرور متعلق بآمنوا. ورسوله معطوف بالواو على «لفظ الجلالة» مجرور بحرف الجر والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ:
  • النبي: عطف بيان من «الرسول» مجرور وعلامة الجر الكسرة الأميّ: صفة للنبي مجرورة أيضا.
  • ﴿ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ثانية للنبي الأمي. يؤمن: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالله وكلماته: تعرب إعراب «بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» وجملة «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ:
  • واتّبعوا: معطوفة بالواو على «آمنوا» وتعرب إعرابها. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. لعلّ:حرف مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. تهتدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «تَهْتَدُونَ» في محل رفع خبر «لعل». '

المتشابهات :

الأعراف: 158﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
الفرقان: 2﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا
الزخرف: 85﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
البروج: 9﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [158] لما قبلها :     لمَّا ذَكَرَ اللهُ عز وجل ما ينبغي نحوَ النَّبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم من المتابعةِ، أمرَه هنا أن يبينَ للناس أنه مرسل إلى الناس أجمعينَ، قال تعالى:
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [159] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ ..

التفسير :

[159] ومِن بني إسرائيل من قوم موسى جماعة يستقيمون على الحق، يهدون الناس به، ويعدلون به في الحكم في قضاياهم.

وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ أي:جماعة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ أي:يهدون به الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم، ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم، بقضاياهم، كما قال تعالى:وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه الصلاة والسلام، وأن اللّه تعالى جعل منهم هداة يهدون بأمره. وكأن الإتيان بهذه الآية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل، المنافية للكمال المناقضة للهداية، فربما توهم متوهم أن هذا يعم جميعهم، فذكر تعالى أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية.

أى: ومن قوم موسى جماعة عظيمة يهدون الناس بالحق الذي جاءهم به من عند الله، وبالحق- أيضا- يسيرون في أحكامهم فلا يجورون، ولا يرتشون، وإنما يعدلون في كل شئونهم.

والمراد بهم أناس كانوا على خير وصلاح في عهد موسى- عليه السلام، مخالفين لأولئك السفهاء من قومه.

وقيل المراد بهم من آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم عند بعثته.

وهذا لون من ألوان عدالة القرآن في أحكامه، وإنصافه لمن يستحق الإنصاف من الناس.

إنه لا يسوق أحكامه معممة بحيث يندرج تحتها الصالح والطالح بدون تمييز، كلا وإنما القرآن يسوق أحكامه بإنصاف واحتراس، فهو يحكم للصالحين بما يستحقون، وتلك هي العدالة التي ما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى السير على طريقها، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-:

لَيْسُوا سَواءً. مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.

وقوله: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا.

وقوله بِالْحَقِّ الباء للملابسة، وهي مع مدخولها في محل الحال من الواو في يهدون. أى:

يهدون الناس حال كونهم ملتبسين بالحق.

ثم ذكر القرآن بعض النعم التي أنعم الله بها على بنى إسرائيل، وكيف وقفوا من هذه النعم موقف الجاحد الكنود فقال- تعالى:

يقول تعالى مخبرا عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به ، كما قال تعالى : ( من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) [ آل عمران : 113 ] ، وقال تعالى : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ) [ آل عمران : 199 ] ، وقال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا [ ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ] ) [ القصص : 52 - 54 ] ، وقال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) الآية [ البقرة : 121 ] ، وقال تعالى : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) [ الإسراء : 107 - 109 ]

وقد ذكر ابن جرير في تفسيرها خبرا عجيبا ، فقال : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قوله : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) قال : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم ، وكفروا - وكانوا اثني عشر سبطا - تبرأ سبط منهم مما صنعوا ، واعتذروا ، وسألوا الله ، عز وجل ، أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا في الأرض ، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا . قال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله : ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) [ الإسراء : 104 ] و " وعد الآخرة " : عيسى ابن مريم - قال ابن جريج : قال ابن عباس : ساروا في السرب سنة ونصفا .

وقال ابن عيينة ، عن صدقة أبي الهذيل ، عن السدي : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) قال : قوم بينكم وبينهم نهر من شهد

القول في تأويل قوله : وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " ومن قوم موسى "، يعني بني إسرائيل= " أمة "، يقول: جماعة (38) = " يهدون بالحق "، يقول: يهتدون بالحق، أي يستقيمون عليه ويعملون (39) " وبه يعدلون "، أي: وبالحق يعطُون ويأخذون, ويُنصفون من أنفسهم فلا يجورون. (40)

* * *

وقد قال في صفة هذه الأمة التي ذكرها الله في الآية، جماعةٌ أقوالا نحن ذاكرو ما حضَرنا منها.

15250- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن صدقة أبي الهذيل, عن السدي: " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون "، قال: قوم بينكم وبينهم نهر من شُهْدِ. (41)

15251- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون "، قال: بلغني أن بني إسرائيل لمّا قتلوا أنبياءَهم، كفروا. وكانوا اثني عشر سبطًا, تبرّأ سبطٌ منهم مما صنعوا, واعتذروا, وسألوا الله أن يفرِّق بينهم وبينهم, ففتح الله لهم نَفَقًا في الأرض, فساروا فيه حتى خرجُوا من وراء الصين, فهم هنالك، حُنَفاء مسلمُون يستقبلون قبلتنا= قال ابن جريج: قال ابن عباس: فذلك قوله: وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا [سورة الإسراء: 104]. و وَعْدُ الآخِرَةِ ، عيسى ابن مريم، يخرجون معه= قال ابن جريج: قال ابن عباس: ساروا في السَّرَب سنة ونصفًا. (42)

--------------------

الهوامش :

(38) (1) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف 12 : 415 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(39) (2) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .

(40) (3) انظر تفسير (( العدل )) فيما سلف 6 : 51 ، وفهارس اللغة ( عدل ) .

(41) (1) الأثر : : 15250 - (( صدقة أبي الهذيل )) ، ترجم له البخاري في الكبير 2/2/295 ، ولم يزد على أن قال : (( عن السدي ، روى عنه ابن عيينة )) ، ولم يذكر فيه جرحاً . وذكره في التهذيب وقال : (( صدقة أبو الهذيل ، تقدم ذكره في ترجمة : صدقة بن أبي عمران )) ، ولكن سقط من نسخة التهذيب ترجمة (( صدقة بن أبي عمران )) ، فلم يرد له ذكر في الكتاب . وأما ابن أبي حاتم ، فلم يذكره في كتابه ، لا في ترجمة خاصة ، ولا في ترجمة (( صدقة بن أبي عمران )) ، ولكن كلام ابن حجر في التهذيب قد يوهم أنهما شخص واحد ، ولكن الراجح أنهما رجلان ، لأن البخاري ترجم له ، ففرق بينهما . وقوله (( نهر من شهد )) يعنى : نهراً من عسل من أنهار الجنة التي قال الله تعالى في سورة محمد : 15 { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى } وبهذا اللفظ ( شهد ) ، ذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 573 . وفي الدر المنثور 1 : 136 : (( وبينهم نهر من سهل - يعني من رمل - يجري )) ، ثم جاء الألوسى في تفسير الآية ( 9 : 75 ) فنقل ذلك هكذا : (( وبينهم نهر من رمل يجري )) ثم قال : (( وضعف هذه الحكاية ابن الخازن ، وأنا لا أراها شيئا ، ولا أظنك تجد لها سنداً يعول عليه ولو ابتغيت نفقاً في الأرض أو سلماً إلى السماء )) . ونقل الألوسى نقل من المعنى الذي ذكره السيوطي (( سهل )) - يعني من رمل )) ، وهو فاسد جداً والصواب أن (( سهل )) ، محرف عن (( شهد )) ، وهو الصواب إن شاء الله . هذا تحرير نص الخبر وتأويله ، وأما صحته أو ضعفه فهما بمعزل من تصحيح نصه ، ومثل هذا الخبر والذي يليه ، لا يؤخذ به إلا بحجة قاطعة يجب التسليم لها . ولا حجة في رواية موقوفة على السدي .

(42) (1) الأثر : 15251 - هذا الخبر ، لم يروه أبو جعفر في تفسير آية سورة الإسراء ، وهذا ضرب من اختصاره لتفسيره ، وربما دل ذلك على ضعف الخبر عنده ، لأنه لو صح عنه لذكره في تفسير قوله تعالى : (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَة)) ، أنه عيسى ابن مريم عليه السلام .

التدبر :

وقفة
[159] وكأن الإتيان بهذه الآية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم؛ فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملةً من معايب بني إسرائيل المنافية للكمال، المناقضة للهداية، فرُبَّمَا توهم متوهم أن هذا يعم جميعَهم، فذكر تعالى أن منهم طائفةً مستقيمة، هاديةً مَهْدِيَّةً.
وقفة
[159] ﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ﴾ جاءت (قوم موسى) ثلاث مرات في القرآن، كلها تدل على النسب، وجاءت (أصحاب موسى) مرة واحدة في القرآن، وذلك لما صاحب بنو إسرائيل موسى عليه السلام ليلة الخروج من مصر: ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ﴾ [الشعراء: 61].
وقفة
[159] ﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ من إنصاف القرآن أن استثنى بعض اليهود الذين كانوا في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام، وأسلموا مثل عبد الله بن سَلاَم، فإن قيل: كانوا قليلين في العدد، ولفظ أمة يقتضي الكثرة، فالجواب: قد أطلق الله على إبراهيم لقب أمة: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل: 120].

الإعراب :

  • ﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسى:
  • الواو: استئنافية. من قوم: جار ومجرور. موسى:مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على العجمة والعلمية. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ:
  • أمة: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. يهدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَهْدُونَ» في محل رفع صفة لأمة. بالحق: جار ومجرور متعلق بصفة مصدر محذوف تقديره: هداية ملتبسة بالحق.
  • ﴿ وَبِهِ يَعْدِلُونَ:
  • وبه: معطوفة بالواو على «بِالْحَقِّ». يعدلون: تعرب إعراب «يَهْدُونَ» أي وبالحق بمعنى: يعدلون بينهم في الحكم. '

المتشابهات :

الأعراف: 159﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
الأعراف: 181﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [159] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل ما ذكرَ عن بني إسرائيل من عبادة العجل؛ ذكرَ هنا أنَّ مِنهم مَن وُفِّقَ للهدايةِ واتبعَ الحقَّ، قال تعالى:
﴿ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف