ترتيب المصحف | 4 | ترتيب النزول | 92 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 29.50 |
عدد الآيات | 176 | عدد الأجزاء | 1.50 |
عدد الأحزاب | 3.00 | عدد الأرباع | 12.00 |
ترتيب الطول | 2 | تبدأ في الجزء | 4 |
تنتهي في الجزء | 6 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 1/10 | يا أيها النَّاس: 1/2 |
بعدَ وصفِ مكرِ اليهودِ لمَّا قالُوا إنَّ المشركينَ أهدى طريقًا من المؤمنينَ، وصَفَهم هنا بالبخلِ والحسدِ.
لمَّا ذكرَ انقسامَ أهلِ الكتابِ إلى فريقينِ: كافرٍ ومؤمنٍ، قارنَ هنا بينَ عذابِ الكافرِ ونعيمِ المؤمنِ.
بعدَ ذكرِ تحريفِ اليهودِ لكتبِهم وكذِبِهم وهذا خيانةٌ لأمانةِ الدِّينِ، أمرَ هنا بأداءِ الأمانةِ الحسيّةِ، وبعدَ أمرِ الولاةِ أن يحكمُوا بالعدلِ أمرَ الرَّعيةَ بطاعتِهم.
التفسير :
وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أن أخلاقهم الرذيلة وطبعهم الخبيث، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله، أو حكم بغير شرع الله. فدخل في ذلك السحر والكهانة، وعباده غير الله، وطاعة الشيطان، كل هذا من الجبت والطاغوت، وكذلك حَمَلهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله -عبدة الأصنام- على طريق المؤمنين فقال:{ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي:لأجلهم تملقا لهم ومداهنة، وبغضا للإيمان:{ هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} أي:طريقا. فما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم"كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟"هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء، أو يدخل عقلَ أحد من الجهلاء، فهل يُفَضَّل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان، واستقام على تحريم الطيبات، وإباحة الخبائث، وإحلال كثير من المحرمات، وإقامة الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين، والكفر بالله ورسله وكتبه، على دين قام على عبادة الرحمن، والإخلاص لله في السر والإعلان، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق، حتى البهائم، وإقامة العدل والقسط بين الناس، وتحريم كل خبيث وظلم، والصدق في جميع الأقوال والأعمال، فهل هذا إلا من الهذيان، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق، وهذا هو الواقع
ثم بين- سبحانه- مصيرهم السيئ بسبب انحرافهم عن الحق فقال- تعالى- أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ.
أى: أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان، فأيدوا المشركين بالقول والعمل وسجدوا لأصنامهم، وزكوا أفعالهم ... أولئك الذين هذه صفاتهم لَعَنَهُمُ اللَّهُ أى: أبعدهم عن رحمته وطردهم وأخزاهم بسبب كذبهم في حقدهم وإيثارهم عبادة الشيطان على طاعة الرحمن.
وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أى ومن يلعنه الله ويبعده عن رحمته فلن تجد له ناصرا ينصره، أو شفيعا يشفع له.
واسم الإشارة أُولئِكَ مبتدأ. والموصول وصلته خبر. والجملة مستأنفة لبيان حالهم.
وإظهار سوء مآلهم.
والإتيان باسم الإشارة هنا في نهاية البلاغة، لأن من بلغ وصف حاله هذا المبلغ صار جديرا بأن يشار إليه بكل ازدراء واحتقار.
وفي قوله وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً بيان لحرمانهم ثمرة استنصارهم بمشركي قريش، وإيماء إلى وعد المؤمنين بأنهم المنصورون، لأنهم هم المقربون عند الله، ومن يقربه الله فلن تجد له خاذلا.
هذا، وتحالف أولئك اليهود مع المشركين، وتفضيلهم إياهم على المؤمنين- كما حكته الآية الكريمة- قد شهد بقبحه واحد من اليهود هو الدكتور إسرائيل ولفنسون. فقد قال في كتابه «تاريخ اليهود في جزيرة العرب» معلقا على هذه القصة:
وكان من واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا في هذا الخطأ الفاحش، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإسلامى ولو أدى بهم الأمر إلى عدم إجابة مطلبهم، لأن بنى إسرائيل الذين كانوا لمدة قرون حاملى راية التوحيد في العالم بين الأمم الوثنية باسم الآباء الأقدمين، والذين نكبوا بنكبات لا تحصى من تقتيل واضطهاد بسبب إيمانهم بإله واحد في عصور شتى من الأدوار التاريخية ... كان من واجبهم أن يضحوا بحياتهم وكل عزيز عليهم في سبيل أن يخذلوا المشركين، هذا فضلا عن أنهم بالتجائهم إلى عبدة الأوثان، إنما كانوا يحاربون أنفسهم، ويناقضون تعاليم التوراة التي توصيهم بالنفور من عبدة الأصنام، والوقوف منهم موقف الخصومة .
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " أولئك "، هؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم أوتوا نصيبًا من الكتاب وهم يؤمنون بالجبت والطاغوت، هم " الذين لعنهم الله "، يقول: أخزاهم الله فأبعدهم من رحمته، بإيمانهم بالجبت والطاغوت، وكفرهم بالله ورسوله عنادًا منهم لله ولرسوله، وبقولهم للذين كفروا: هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا =" ومن يلعن الله "، يقول: ومن يخزه الله فيبعده من رحمته =" فلن تجد له نصيرًا "، يقول: فلن تجد له، يا محمد، ناصرًا ينصره من عقوبة الله ولعنته التي تحلّ به، فيدفع ذلك عنه، كما:-
9795 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن &; 8-472 &; قتادة قال: قال كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ما قالا = يعني من قولهما: هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا = وهما يعلمان أنهما كاذبان، فأنـزل الله: " أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا ". (1)
------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف: 439 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك = وتفسير"النصير" فيما سلف: 430 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 52 | ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ |
---|
النساء: 88 | ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ |
---|
النساء: 143 | ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} أي:فيفضِّلون من شاءوا على من شاءوا بمجرد أهوائهم، فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة، فلو كانوا كذلك لشحوا وبخلوا أشد البخل، ولهذا قال:{ فَإِذًا} أي:لو كان لهم نصيب من الملك{ لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} أي:شيئًا ولا قليلا. وهذا وصف لهم بشدة البخل على تقدير وجود ملكهم المشارك لملك الله. وأخرج هذا مخرج الاستفهام المتقرر إنكاره عند كل أحد.
ثم انتقل- سبحانه- من توبيخهم على تزكيتهم لأنفسهم بالباطل وعلى تفضيلهم عبادة
الأوثان على عبادة الرحمن. إلى توبيخهم على البخل والأثرة فقال- تعالى-: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً.
وأَمْ هنا منقطعة بمعنى بل فهي للإضراب والانتقال، والهمزة للاستفهام الإنكارى أى:
لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، وإبطال زعمهم من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان. والفاء في قوله فَإِذاً للسببية الجزائية لشرط محذوف.
والنقير: النكتة التي تكون في ظهر النواة ويضرب به المثل في القلة والحقارة.
والمعنى: إن هؤلاء اليهود ليس لهم نصيب من الملك ألبتة. لأنهم لا يستحقونه، ولأنهم لو أوتوا نصيبا منه على سبيل الفرض فإنهم لشدة حرصهم وبخلهم وأثرتهم لا يعطون أحدا غيرهم منه أقل القليل. وقد كنى عن أقل القليل هذا بالنقير.
فأنت ترى أن الآية الكريمة ترد على ما يزعمه اليهود من أن الملك لهم، وأنهم لا يليق بهم أن يتبعوا غيرهم، وتصفهم بأنهم أبخل الناس وأبعدهم عن العدل والقسط ومن كانت هذه صفاته، فقد اقتضت حكمة الله أن يحرمه نعمة الملك والسلطان.
يقول تعالى : ( أم لهم نصيب من الملك ) ؟ ! وهذا استفهام إنكار ، أي : ليس لهم نصيب من الملك ثم وصفهم بالبخل فقال : ( فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) أي : لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحدا من الناس - ولا سيما محمدا صلى الله عليه وسلم - شيئا ، ولا ما يملأ " النقير " ، وهو النقطة التي في النواة ، في قول ابن عباس والأكثرين .
وهذه الآية كقوله تعالى ( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ) [ الإسراء : 100 ] أي : خوف أن يذهب ما بأيديكم ، مع أنه لا يتصور نفاده ، وإنما هو من بخلكم وشحكم ; ولهذا قال : ( وكان الإنسان قتورا ) [ الإسراء : 100 ] أي : بخيلا .
القول في تأويل قوله : أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " أم لهم نصيب من الملك "، أم لهم حظ من الملك، يقول: ليس لهم حظ من الملك، (2) كما:-
9796 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أم لهم نصيب من الملك "، يقول: لو كان لهم نصيب من الملك، إذًا لم يؤتوا محمدًا نقيرًا.
9797 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: قال الله: " أم لهم نصيب من الملك "، قال: فليس لهم نصيب من الملك، [لم يؤتوا الناس نقيرًا] =" فإذا لا يؤتون الناس نقيرًا "، (3) ولو كان لهم نصيب وحظ من الملك، لم يكونوا إذًا يعطون الناس نقيرًا، من بُخْلهم.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى: " النقير ".
فقال بعضهم: هو النقطة التي في ظهر النواة.
*ذكر من قال ذلك:
9798 - حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " نقيرًا "، يقول: النقطة التي في ظهر النواة.
9799 - حدثني سليمان بن عبد الجبار قال، حدثنا محمد بن الصلت قال، حدثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: النقير الذي في ظهر النواة. (4)
9800 - حدثني جعفر بن محمد الكوفي المروزي قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: النقير وَسط النواة. (5)
9801 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا "،" النقير " نقيرُ النواة: وَسطها.
9802 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا "، يقول: لو كان لهم نصيب من الملك، إذًا لم يؤتوا محمدًا نقيرًا = و " النقير "، النكتة التي في وَسَط النواة.
9803 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني طلحة بن عمرو: أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول: النقير الذي في ظَهر النواة.
9804 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: " النقير "، النقرة التي تكون في ظهر النواة.
9805 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك قال: " النقير "، الذي في ظهر النواة.
* * *
وقال آخرون: " النقير "، الحبة التي تكون في وَسَط النواة.
*ذكر من قال ذلك:
9806 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " نقيرًا "، قال: " النقير "، حبة النواة التي في وَسَطها.
9807 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا "، قال: النقير، حبة النواة التي في وسطها.
9808 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان بن سعيد، عن منصور، عن مجاهد قال: " النقير "، في النوى.
9809 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدًا يقول: " النقير "، نقير النواة الذي في وسطها.
9810 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: " النقير "، نقير النواة الذي يكون في وَسط النواة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: نَقْرُ الرجل الشيء بَطَرف أصابعه.
*ذكر من قال ذلك:
9811 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن يزيد بن درهم أبي العلاء قال، سمعت أبا العالية: ووضع ابن عباس طرف الإبهام على ظهر السبابة، ثم رفعهما وقال: هذا النقير. (6)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال، إن الله وصف هؤلاء الفرْقة من أهل الكتاب بالبخل باليسير من الشيء الذي لا خطر له، ولو كانوا ملوكًا وأهلَ قدرة على الأشياء الجليلة الأقدار. فإذْ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بمعنى " النقير "، أن يكون أصغرَ ما يكون من النُّقر. وإذا كان ذلك أولى به، فالنقرة التي في ظهر النواة من صغار النُّقر، وقد يدخل في ذلك كل ما شَاكلها من النُّقر. ورفع قوله: " لا يؤتون الناس "، ولم ينصبْ بـ " إذَنْ"، ومن حكمها أن تنصب الأفعال المستقبلة إذا ابتدئ الكلام بها، لأن معها " فاء ". ومن حكمها إذا دخل فيها بعضُ حروف العطف، أن توجه إلى الابتداء بها مرة، وإلى النقل عنها إلى غيرها أخرى. وهذا الموضع مما أريد بـ " الفاء " فيه، النقل عن " إذَنْ" إلى ما بعدها، وأن يكون معنى الكلام: أم لهم نصيب، فلا يؤتون الناس نقيرًا إذَنْ. (7)
-----------------
الهوامش :
(2) انظر تفسير"النصيب" فيما سلف: 460 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(3) في المطبوعة حذف جملة"لم يؤتوا الناس نقيرًا" كلها ، وهي في الحقيقة جملة قلقة ، فأثبتها كما هي بين قوسين.
(4) الأثر: 9799 - انظر التعليق على الأثر رقم: 9745.
(5) الأثر: 9800 -"جعفر بن محمد الكوفي المروزي" ، لم أعرف من هو ، ولكني رأيت أبا جعفر روى عنه في التاريخ 5: 18 ، دون ذكر"المروزي" ، و"جعفر بن محمد" كثير ، ولكن لم أجد هذه النسب التي ذكرها الطبري. و"عبيد الله" لم أعرفه.
(6) الأثر: 9811 -"يزيد بن درهم ، أبي العلاء" مضى برقم: 9747 في مثل هذا الإسناد ، وقد علقت عليه هناك. وكان في المطبوعة هنا أيضًا"زيد بن درهم" ، وقد بينت خطأ ذلك هناك. أما المخطوطة هنا ، فكان فيها: "عن ابن در بن درهم" سيئة الكتابة ، متصلة الراءين ، غير منقوطة.
(7) القول في"إذن" استوفاه الفراء في معاني القرآن 1: 273 ، 274.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 53 | ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾ |
---|
النساء: 124 | ﴿فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي:هل الحامل لهم على قولهم كونهم شركاءَ لله فيفضلون من شاءوا؟ أم الحامل لهم على ذلك الحسدُ للرسول وللمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله؟ وذلك ليس ببدع ولا غريب على فضل الله.{ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته من النبوة والكتاب والملك الذي أعطاه من أعطاه من أنبيائه كـ "داود"و "سليمان". فإنعامه لم يزل مستمرًا على عباده المؤمنين. فكيف ينكرون إنعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأجلهم وأعظمهم معرفة بالله وأخشاهم له؟"
ثم انتقل- سبحانه- من تبكيتهم على البخل وغيره مما سبق إلى تقريعهم على رذيلة الحسد التي استولت عليهم فأضلتهم وجعلتهم يتألمون لما يصيب الناس من خير ويتمنون زواله فقال- تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
وأَمْ هنا منقطعة أيضا كسابقتها، والاستفهام المقدر بعدها لإنكار الواقع وهو حسدهم لغيرهم.
والمراد من الناس: النبي صلى الله عليه وسلم أو هو والمؤمنون معه. وقيل المقصود من الناس: العرب عامة.
قال الفخر الرازي: والمراد من الناس- عند الأكثرين- أنه محمد صلى الله عليه وسلم. وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لأنه اجتمع عنده من خصال الخير ما لا يحصل إلا متفرقا في الجمع العظيم أو المراد بهم: الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين لأن لفظ الناس جمع فحمله على الجمع أولى من حمله على المفرد. وحسن لفظ إطلاق الناس عليهم لأنهم القائمون بالعبودية الحق لله- تعالى- فكأنهم كل الناس ... » .
والمراد بالفضل في قوله عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ النبوة والهدى والإيمان.
والمعنى: إن هؤلاء اليهود ليسوا بخلاء فقط بل إن فيهم من الصفات ما هو أقبح من البخل وهو الحسد، فقد حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله منحه النبوة وهو رجل عربي ليس منهم، وحسدوا أتباعه لأنهم آمنوا به وصدقوه والتفوا من حوله يؤازرونه ويفتدونه بأرواحهم وأموالهم.
وقوله فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً توبيخ لهم على حسدهم، وإلزام لهم بما هو مسلم عندهم.
والمعنى: إنكم بحسدكم للنبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله، تكونون قد ضللتم وسرتم في طريق الشيطان، لأنكم لو كنتم عقلاء لما فعلتم ذلك، إذ أنتم تعلمون علم اليقين أن الله- تعالى- قد أعطى آلَ إِبْراهِيمَ أى: قرابته القريبة من ذريته كإسماعيل- وهو جد العرب- وإسحاق ويعقوب وغيرهم.. أعطاهم الْكِتابَ أى: جنس الكتب السماوية فيشمل ذلك التوراة والإنجيل والزبور وغيرها. وأعطاهم الْحِكْمَةَ أى العلم النافع مع العمل به.
وأعطاهم مُلْكاً عَظِيماً أى سلطانا واسعا وبسطة في الأرض.
ومع ذلك فأنتم لم تحسدوا هؤلاء على ما أعطاهم الله من كتاب وحكمة وملك عظيم، فلماذا تحسدون محمدا صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله مع أنه من نسل إبراهيم- عليه السلام-؟.
فالجملة الكريمة توبيخ لهم على أنانيتهم وحسدهم، وإلزام لهم بما يعرفونه من واقع كتبهم، وكشف للناس عن أن أحقادهم مرجعها إلى انطماس بصيرتهم، وخبث نفوسهم.
ثم قال : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) يعني بذلك : حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له ; لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل .
قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن السدي ، عن عطاء ، عن ابن عباس قوله : ( أم يحسدون الناس ) [ على ما آتاهم الله من فضله ] ) الآية ، قال ابن عباس : نحن الناس دون الناس ، قال الله تعالى : ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) أي : فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل - الذين هم من ذرية إبراهيم - النبوة ، وأنزلنا عليهم الكتب ، وحكموا فيهم بالسنن - وهي الحكمة - وجعلنا فيهم الملوك
القول في تأويل قوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " أم يحسدون الناس "، أم يحسد هؤلاء الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من اليهود، كما:-
9812 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " أم يحسدون الناس "، قال: يهود.
9813 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9814 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة مثله.
* * *
وأما قوله: " الناس "، فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عَنَى الله به.
فقال بعضهم: عنى الله بذلك محمدًا صلى الله عليه وسلم خاصةً.
*ذكر من قال ذلك:
9815 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال، أخبرنا هشيم، عن خالد، عن عكرمة في قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، قال: " الناس " في هذا الموضع، النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصةً.
9816 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
9817 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس مثله.
9818 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، قال: " الناس "، محمدًا صلى الله عليه وسلم.
9819 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول، فذكر نحوه.
* * *
وقال آخرون: بل عنى الله به العرب.
*ذكر من قال ذلك:
9820 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، أولئك اليهود، حسدوا هذا الحيَّ من العرب على ما آتاهم الله من فضله.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إنّ الله عاتب اليهودَ الذين وصف صفتهم في هذه الآيات، فقال لهم في قيلهم للمشركين من عبدة الأوثان إنهم أهدى من محمد وأصحابه سبيلا على علم منهم بأنهم في قيلهم ما قالوا من ذلك كذَبة = : أتحسدون محمدًا وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله. (8)
* * *
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ما قبل قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، مضى بذّم القائلين من اليهود للذين كفروا: " هؤلاء أهدىَ من الذين آمنوا سبيلا "، فإلحاق قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، بذمهم على ذلك، وتقريظ الذين آمنوا الذين قيل فيهم ما قيل = أشبهُ وأولى، ما لم تأت دلالة على انصراف معناه عن معنى ذلك.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل " الفضل " الذي أخبر الله أنه آتى الذين ذكرهم في قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ". (9) فقال بعضهم: ذلك " الفضل " هو النبوّة.
*ذكر من قال ذلك:
9821 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، حسدوا هذا الحيَّ من العرب على ما آتاهم الله من فضله. بعث الله منهم نبيًا، فحسدوهم على ذلك.
9822 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " على ما آتاهم الله من فضله "، قال: النبوة.
وقال آخرون: بل ذلك " الفضل " الذي ذكر الله أنه آتاهموه، هو إباحته ما أباح لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من النساء، ينكح منهن ما شاء بغير عدد. قالوا: وإنما يعني: بـ " الناس "، محمدًا صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرتُ قبل.
*ذكر من قال ذلك:
9823 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " الآية، وذلك أن أهل الكتاب قالوا: " زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع، وله تسع نسوة، ليس همه إلا النكاح! فأيّ ملك أفضَلُ من هذا "! فقال الله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ".
9824 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، يعني: محمدًا، أن ينكح ما شَاء من النساء.
9825 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، وذلك أن اليهود قالوا: " ما شأن محمد أُعطي النبوّة كما يزعم، وهو جائع عارٍ، وليس له هم إلا نكاحُ النساء؟" فحسدوه على تزويج الأزواج، وأحل الله لمحمد أن ينكح منهن ما شاء أن ينكح. (10)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، قولُ قتادة وابن جريج الذي ذكرناه قبل: أن معنى " الفضل " في هذا الموضع: النبوّة التي فضل الله بها محمدًا، وشرّف بها العرب، إذ آتاها رجلا منهم دون غيرهم = لما ذكرنا من أن دلالة ظاهر هذه الآية، تدلّ على أنها تقريظٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رحمة الله عليهم، (11) على ما قد بينا قبل. وليس النكاح وتزويجُ النساء = وإن كان من فضْل الله جل ثناؤهُ الذي آتاه عباده = بتقريظ لهم ومدح.
* * *
القول في تأويل قوله : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أم يحسد هؤلاء اليهود = الذين وصف صفتهم في هذه الآيات = الناسَ على ما آتاهم الله من فضله، من أجل أنهم ليسوا منهم؟ فكيف لا يحسدون آل إبراهيم، فقد آتيناهم الكتاب = ويعني بقوله: " فقد آتينا آل إبراهيم "، فقد أعطينا آل إبراهيم، يعني: أهله وأتباعه على دينه (12) " الكتاب "، يعني كتاب الله الذي أوحاه إليهم، وذلك كصحف إبراهيم وموسى والزّبور، وسائر ما آتاهم من الكتب.
* * *
= وأما " الحكمة "، فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابًا مقروءًا (13) " وآتيناهم ملكًا عظيمًا ".
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى " الملك العظيم " الذي عناه الله في هذه الآية. (14)
فقال بعضهم: هو النبوّة.
*ذكر من قال ذلك:
9826 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ، قال: يهود =" على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب "، وليسوا منهم =" والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، قال: النبوّة.
9827 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله = إلا أنه قال: " ملكًا "، النبوّة.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك تحليلُ النساء. قالوا: وإنما عنى الله بذلك: أم يحسدون محمدًا على ما أحلّ الله له من النساء، فقد أحل الله مثل الذي أحله له منهن، لداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء، فكيف لم يحسدوهم على ذلك، وحسدوا محمدًا عليه السلام؟
*ذكر من قال ذلك:
9828 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فقد آتينا آل إبراهيم "، سليمان وداود =" الحكمة "، يعني: النبوة =" وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، في النساء، فما باله حَلّ لأولئك وهم أنبياء: أن ينكح داود تسعًا وتسعين امرأة، وينكح سليمان مئة، ولا يحل لمحمد أن ينكح كما نكحوا؟
* * *
وقال آخرون: بل معنى قوله: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، الذي آتى سليمان بن داود.
*ذكر من قال ذلك:
9829 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا ". يعني ملكَ سليمان.
* * *
وقال آخرون: بل كانوا أُيِّدوا بالملائكة.
*ذكر من قال ذلك:
9830 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن همام بن الحارث: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، قال: أُيِّدوا بالملائكة والجنود.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية = وهي قوله: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا " = القولُ الذي رُوي عن ابن عباس أنه قال: " يعني ملك سليمان ". لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، دون الذي قال إنه ملك النبوّة، ودون قول من قال: إنه تحليلُ النساء والملك عليهن. (15) لأن كلام الله الذي خوطب به العرب، غيرُ جائز توجيهه إلا إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه، إلا أن تأتي دلالةٌ أو تقوم حُجة على أن ذلك بخلاف ذلك، يجبُ التسليم لها.
------------------
الهوامش :
(8) في المطبوعة: "أم يحسدون" ، والصواب من المخطوطة.
(9) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف في فهارس اللغة.
(10) الأثر: 9825 - في المخطوطة والمطبوعة: "حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت الضحاك يقول" ، أسقط من الإسناد ما أثبته. وهو إسناد دائر في التفسير ، أقربه رقم: 9819.
وقد أسلفت أن مقالة اليهود هذه ، قد تلقفها من بعدهم أهل الضغن على محمد رسول الله ، ولا يزالون يبثونها في كتبهم ، وقد تعلق بها أشياعهم من أهل الضلالة المتعبدين لسادتهم من المستشرقين في زماننا هذا.
(11) في المطبوعة: "رضي الله عنهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وقد فعلت ذلك مرارًا دون أن أنبه عليه في بعض المواضع.
(12) انظر تفسير"آل" فيما سلف 2: 37 / 3: 222 ، تعليق: 1 / 6: 326.
(13) انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف 7: 369 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(14) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 1: 148 - 150 / 2: 488 / 5: 312 ، 314 ، 371 / 6: 299 ، 300.
(15) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 1: 148 - 150 / 2: 488 / 5: 312 ، 314 ، 371 / 6: 299 ، 300.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 54 | ﴿أَمۡ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ |
---|
آل عمران: 170 | ﴿فَرِحِينَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ﴾ |
---|
آل عمران: 180 | ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم﴾ |
---|
النساء: 37 | ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ} أي:بمحمد صلى الله عليه وسلم فنال بذلك السعادة الدنيوية والفلاح الأخروي.{ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} عنادًا وبغيًا وحسدًا فحصل لهم من شقاء الدنيا ومصائبها ما هو بعض آثار معاصيهم{ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} تسعر على من كفر بالله، وجحد نبوة أنبيائه من اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفرة.
ثم بين- سبحانه- عاقبة كل من المحسن والمسيء فقال: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً.
أى: فمن جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن وصدق بما أعطاه الله لآل إبراهيم من كتاب وحكمه، ومنهم من كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه. فالضمير في بِهِ وعَنْهُ يعود إلى ما أوتى آل إبراهيم.
ويرى بعضهم أن الضمير يعود إلى إبراهيم- عليه السلام. فيكون المعنى:
فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من أعرض عنه ولم يتبع تعاليمه.
وفي هذه الآية الكريمة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لقيه من اليهود من أذى.
فكأنه- سبحانه- يقول له: إن هؤلاء الحاسدين لك قد اختلفوا على من هم منهم، وأنت يا محمد لست منهم، فكيف تنتظر منهم أن يسالموك أو يتبعوك؟
وقوله وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً بيان لما أعده- سبحانه- للكافرين من عذاب.
أى: وكفى بجهنم نارا مسعرة أى: موقدة إيقادا شديدا يعذبون بها على كفرهم وعنادهم وصدودهم عن الحق. يقال: سعر النار- كمنع- وسعرها وأسعرها أى: أوقدها.
وكفى فعل ماض. وقوله بِجَهَنَّمَ فاعله على زيادة الباء فيه. وقوله سَعِيراً تمييز أو حال.
وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة من قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ إلى قوله: وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً قد وبخت اليهود على بيعهم دينهم بدنياهم، وتحريفهم الكلم عن مواضعه واستهزائهم بدعوة الحق، وتزكيتهم لأنفسهم بالباطل، وافترائهم على الله الكذب، وتفضيلهم عبادة الأوثان على عبادة الله، وعلى بخلهم وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله.
وقد توعدتهم على هذه الصفات الذميمة، والمسالك الخبيثة بأشد أنواع العذاب، وحذرت المؤمنين من شرورهم ومفاسدهم.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك سوء عاقبة كل كافر، وحسن عاقبة كل مؤمن، فقال:
ومع هذا ( فمنهم من آمن به ) أي : بهذا الإيتاء وهذا الإنعام ( ومنهم من صد عنه ) أي : كفر به وأعرض عنه ، وسعى في صد الناس عنه ، وهو منهم ومن جنسهم ، أي من بني إسرائيل ، فقد اختلفوا عليهم ، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل ؟ .
وقال مجاهد : ( فمنهم من آمن به ) أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم ( ومنهم من صد عنه ) فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك ، وأبعد عما جئتهم به من الهدى ، والحق المبين .
ولهذا قال متوعدا لهم : ( وكفى بجهنم سعيرا ) أي : وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله .
القول في تأويل قوله عز وجل : فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فمن الذين أوتوا الكتاب = من يهود بني إسرائيل، الذين قال لهم جل ثناؤه: آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا =" مَنْ آمن به "، يقول: من صدَّق بما أنـزلنا على محمد صلى الله عليه وسلم مصدّقًا لما معهم =" ومنهم من صدّ عنه "، ومنهم من أعرَض عن التصديق به، (16) كما:-
9831 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فمنهم من آمن به "، قال: بما أنـزل على محمد من يهود =" ومنهم من صدّ عنه ".
9832 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية دلالة على أن الذين صدّوا عما أنـزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، من يهود بني إسرائيل الذين كانوا حوالَيْ مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما رَفعَ عنهم وعيدَ الله الذي توعِّدهم به في قوله: آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا في الدنيا، (17) وأخرت عقوبتهم إلى يوم القيامة، لإيمان من آمن منهم، وأن الوعيدَ لهم من الله بتعجيل العقوبة في الدنيا، إنما كان على مقام جميعهم على الكفر بما أنـزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فلما آمن بَعضُهم، خرجوا من الوعيد الذي توعَّده في عاجل الدنيا، وأخرت عقوبةُ المقيمين على التكذيب إلى الآخرة، فقال لهم: كفاكم بجهنم سعيرًا. (18)
* * *
ويعني بقوله: " وكفى بجهنم سعيرًا "، وحسبكم، أيها المكذبون بما أنـزلت على محمد نبيي ورسولي =" بجهنم سعيرًا "، يعني: بنار جهنم، تُسعَر عليكم = أي: تُوقدُ عليكم.
* * *
= وقيل: " سعيرًا "، أصله " مسعورًا "، من " سُعِرت تُسعَر فهي مسعورة "، كما قال الله: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [سورة التكوير: 12]، ولكنها صرفت إلى " فعيل "، كما قيل: " كف خضيب "، و " لحية دهين "، بمعنى: مخضوبة ومدهونة - و " السعير "، الوقود. (19)
--------------
الهوامش :
(16) انظر تفسير"الصد" فيما سلف 4: 300 / 7: 53.
(17) هي الآية السالفة من"سورة النساء" رقم: 47.
(18) انظر ما سلف ص: 445س : 4 وما بعده.
(19) انظر تفسير"السعير" فيما سلف: 30.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 55 | ﴿ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ |
---|
البقرة: 253 | ﴿وَلَـٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
صد:
قرئ:
1- برفع الصاد، مبنيا للمفعول، وهى قراءة ابن مسعود، وابن عباس، وابن جبير، وعكرمة، وابن يعمر، والجحدري.
2- بكسر الصاد، مبنيا للمفعول، والمضاعف المدغم الثلاثي إذا بنى للمفعول يجوز فيه ما جاز فى «باع» إذا بنى للمفعول، وهى قراءة أبى، وأبى الجوزاء، وأبى رجاء، والحوفى.
التفسير :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} أي:عظيمة الوقود شديدة الحرارة{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} أي:احترقت{ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} أي:ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ. وكما تكرر منهم الكفر والعناد وصار وصفا لهم وسجية؛ كرر عليهم العذاب جزاء وِفاقا، ولهذا قال:{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} أي:له العزة العظيمة والحكمة في خلقه وأمره، وثوابه وعقابه.
والمراد بالذين كفروا هنا: كل كافر سواء أكان من بنى إسرائيل أم من غيرهم.
وقوله: نُصْلِيهِمْ من الإصلاء وهو إيقاد النار. والمراد هنا إدخالهم فيها وقوله:
نَضِجَتْ من النضج وهو بلوغ نهاية الشيء. يقال: نضج الثمر واللحم ينضج نضجا إذا أدرك وبلغ نهايته. والمراد هنا: احتراق الجلود احتراقا تاما.
والمعنى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا الدالة على أن الله وحده هو المستحق للعبادة والخضوع سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً أى: سوف ندخلهم نارا هائلة عظيمة وسوف هنا- كما قال سيبويه- للتهديد وتأكيد العذاب المقبل ولو مع التراخي وتراخى العذاب مع تأكيده يجعل النفس في فزع دائم، وخوف مستمر حتى يقع.
وقوله كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها بيان لشدة العذاب ودوامه أى: كلما احترقت جلودهم وتلاشت أعطيناهم بدل الجلود المحترقة جلودا غير محترقة مغايرة للمحترقة.
فالتبديل على هذا تبديل حقيقى مادى. بمعنى أن يخلق الله- تعالى- مكان الجلود المحترقة جلودا أخرى جديدة مغايرة للمحترقة.
ويرى بعضهم أن الجملة الكريمة كناية عن دوام العذاب لهم. وقد ذكر هذا الرأى الفخر الرازي فقال: ويمكن أن يقال: هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع. كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام: كلما انتهى فقد ابتدأ. وكلما وصل إلى آخره فقد ابتدأ من أوله. فكذا قوله كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها.
يعنى: كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك، أعطيناهم قوة جديدة من الحياة.
فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه) .
والذي نراه أن حمل التبديل على حقيقته أولى، لأنه ليس لنا أن نعدل في كلام الله عن الحقيقة إلى المجاز، إلا عند الضرورة. وهنا لا ضرورة لذلك، لأن تبديل الجلود داخل تحت قدرة الله- تعالى- ولأن هذا المعنى الذي ذكره الإمام الرازي يتأتى مع حمل اللفظ على حقيقته إذ كلمة «كل» تدل على دوام العذاب وعدم انقطاعه، ولأن كثيرا من السلف قد فسروا الآية على الوجه الأول، فقد روى عن ابن عمر أنه قال: تلا رجل عند عمر هذه الآية قال: فقال عمر: أعدها على. فأعادها. فقال معاذ بن جبل: عندي تفسيرها: تبدل جلودهم في كل ساعة مائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله لِيَذُوقُوا الْعَذابَ جملة تعليلية لقوله بَدَّلْناهُمْ أى بدلناهم جلودا غيرها ليقاسوا شدة العذاب، وليحسوا به في كل مرة كما يحس الذائق للشيء الذي يذوقه.
وقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً تذييل قصد به تأكيد التهديد والوعيد الذي اشتملت عليه الآية الكريمة.
أى: أن الله- تعالى كان وما زال عزيزا لا يغلبه غالب، ولا يمنع عقابه مانع (حكيما) في تدبيره وتقديره وتعذيب من يعذبه وإثابة من يثيبه.
يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله ، فقال : ( إن الذين كفروا بآياتنا [ سوف نصليهم نارا ] ) الآية ، أي ندخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم ، وأجزائهم . ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم ، فقال : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) قال [ الأعمش ، عن ابن عمر ] إذا أحرقت جلودهم بدلوا جلودا بيضا أمثال القراطيس . رواه ابن أبي حاتم .
وقال يحيى بن يزيد الحضرمي إنه بلغه في قول الله : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) قال : يجعل للكافر مائة جلد ، بين كل جلدين لون من العذاب . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن ، عن الحسن قوله : ( كلما نضجت جلودهم [ بدلناهم جلودا غيرها ] ) الآية . قال : تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة . قال حسين : وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن : كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم : عودوا فعادوا .
وقال أيضا : ذكر عن هشام بن عمار : حدثنا سعيد بن يحيى - يعني سعدان - حدثنا نافع ، مولى يوسف السلمي البصري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قرأ رجل عند عمر هذه الآية : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) فقال عمر : أعدها علي فأعادها ، فقال معاذ بن جبل : عندي تفسيرها : تبدل في ساعة مائة مرة . فقال عمر : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد رواه ابن مردويه ، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم ، عن عبدان بن محمد المروزي ، عن هشام بن عمار ، به . ورواه من وجه آخر بلفظ آخر فقال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمران ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع أبو هرمز ، حدثنا نافع ، عن ابن عمر قال : تلا رجل عند عمر هذه الآية : ( كلما نضجت جلودهم [ بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ] ) الآية ، قال : فقال عمر : أعدها علي - وثم كعب - فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا عندي تفسير هذه الآية ، قرأتها قبل الإسلام ، قال : فقال : هاتها يا كعب ، فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك ، وإلا لم ننظر إليها . فقال : إني قرأتها قبل الإسلام : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة " . فقالعمر : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الربيع بن أنس : مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعا ، وسنه تسعون ذراعا ، وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه ، فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها .
وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا ، قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا أبو يحيى الطويل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يعظم أهل النار في النار ، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا ، وإن ضرسه مثل أحد " .
تفرد به أحمد من هذا الوجه .
وقيل : المراد بقوله : ( كلما نضجت جلودهم ) أي : سرابيلهم . حكاه ابن جرير ، وهو ضعيف ; لأنه خلاف الظاهر .
القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ
قال أبو جعفر: هذا وعيد من الله جل ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنـزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار، وبرسوله. يقول الله لهم: إن الذين جحدوا ما أنـزلتُ على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم، من آياتي = يعني: من آيات تنـزيله، ووَحي كتابه، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد صلى الله عليه وسلم = فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به =" سوف نصليهم نارًا "، يقول: سوف ننضجهم في نارٍ يُصلون فيها = أي يشوون فيها (20) =" كلما نضجت جلودهم "، يقول: كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت =" بدلناهم جلودًا غيرها "، يعني: غير الجلود التي قد نضجت فانشوت، كما:-
9833 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن ثوير، عن ابن عمر: " كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها "، قال: إذا احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا بيضًا أمثالَ القراطيس. (21)
9834 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم &; 8-485 &; بدلناهم جلودًا غيرَها "، يقول: كلما احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرَها.
9835 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " كلما نضجت جلودهم "، قال: سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأول: جلدُ أحدهم أربعون ذراعًا، (22) وسِنُّه سبعون ذراعًا، وبطنه لو وضع فيه جبل وَسِعه. (23) فإذا أكلت النار جلودهم بُدّلوا جلودًا غيرها.
9836 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك قال: بلغني عن الحسن: " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها "، قال: ننضجهم في اليوم سبعين ألف مرة.
9837 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو عبيدة الحداد، عن هشام بن حسان، عن الحسن قوله: " كلما نضجت جلودهم بدلناهم غيرها "، قال: تنضج النار كل يوم سبعين ألف جلد. قال: وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعًا، والله أعلم بأيِّ ذراع! (24) .
* * *
قال أبو جعفر: فإن سأل سائل فقال: وما معنى قوله جل ثناؤه: " كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها "؟ وهل يجوز أن يبدّلوا جلودًا غير جلودهم التي كانت لهم في الدنيا، فيعذَّبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندك، فأجز أن يُبدَّلوا أجسامًا وأرواحًا غير أجسامهم وأرواحهم التي كانت لهم في الدنيا فتعذّب! وإن أجزت ذلك، لزمك أن يكون المعذبون في الآخرة بالنار، غيرُ الذين أوعدهم الله العقابَ على كفرهم به ومعصيتهم إياه، وأن يكون الكفار قد ارتفعَ عنهم العذاب!!
* * *
قيل: إن الناس اختلفوا في معنى ذلك.
فقال بعضهم: العذاب إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم، (25) وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب. وأما الجلد واللحم، فلا يألمان. قالوا: فسواء أعيد على الكافر جلدهُ الذي كان له في الدنيا أو جلدٌ غيره، إذ كانت الجلود غير آلمة ولا معذَّبة، وإنما الآلمةُ المعذبةُ: النفسُ التي تُحِس الألم، ويصل إليها الوجع. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فغير مستحيل أن يُخْلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما لا يحصى عدده، ويحرق ذلك عليه، ليصل إلى نفسه ألم العذاب، إذ كانت الجلود لا تألَمُ.
* * *
وقال آخرون: بل الجلودُ تألم، واللحمُ وسائرُ أجزاء جِرْم بني آدم. وإذا أحرق جلدهُ أو غيره من أجزاء جسده، وصل ألم ذلك إلى جميعه. قالوا: ومعنى قوله: " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ": بدلناهم جلودًا غير محترقة. وذلك أنها تعاد جديدة، والأولى كانت قد احترقتْ، فأعيدت غير محترقة، فلذلك قيل: " غيرها "، لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا، التي عصوا الله وهى لهم. قالوا: وذلك نظيرُ قول العرب للصّائغ إذا استصاغته خاتمًا من خاتم مَصُوغ، (26) بتحويله عن صياغته التي هُو بها، إلى صياغة أخرى: " صُغْ لي من هذا الخاتم خاتمًا غيره "، فيكسره ويصوغ له منه خاتمًا غيره، والخاتم المصوغ بالصّياغة الثانية هو الأول، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتمًا قيل: " هو غيره ". قالوا: فكذلك معنى قوله: " كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها "، لما &; 8-487 &; احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الاحتراق، (27) قيل: " هي غيرها "، على ذلك المعنى.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: " كلما نضجت جلودهم "، (28) سرابيلهم، بدلناهم سرابيل من قَطِران غيرها. فجعلت السرابيل [من] القطران لهم جلودًا، (29) كما يقال للشيء الخاص بالإنسان: " هو جِلدة ما بين عينيه ووجهه "، لخصُوصه به. قالوا: فكذلك سرابيل القطران التي قال الله في كتابه: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [سورة إبراهيم: 50]، لما صارت لهم لباسًا لا تفارق أجسامهم، جعلت لهم جلودًا، فقيل: كلما اشتعل القَطِران في أجسامهم واحترق، بدلوا سرابيل من قطران آخر. قالوا: وأما جلود أهل الكفر من أهل النار، فإنها لا تحترق، (30) لأن في احتراقها = إلى حال إعادتها = فناءَها، (31) وفي فنائها رَاحتها. قالوا: وقد أخبر الله تعالى ذكره عنها: أنهم لا يموتون ولا يخفف عنهم من عذابها. قالوا: وجلود الكفار أحد أجسامهم، ولو جاز أن يحترق منها شيء فيفنى ثم يعاد بعد الفناء في النار، جاز ذلك في جميع أجزائها. وإذا جاز ذلك، وجب أن يكون جائزًا عليهم الفناء، ثم الإعادة والموت، ثم الإحياء، وقد أخبر الله عنهم أنهم لا يموتون. قالوا: وفي خبره عنهم أنهم لا يموتون، دليل واضح أنه لا يموت شيء من أجزاء أجسامهم، والجلود أحدُ تلك الأجزاء.
* * *
وأما معنى قوله: " ليذوقوا العذاب "، فإنه يقول: فعلنا ذلك بهم، ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته، بما كانوا في الدنيا يكذّبون آيات الله ويجحدونها.
* * *
القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)
قال أبو جعفر: يقول: إن الله لم يزل (32) =" عزيزًا " في انتقامه ممن انتقم منه من خلقه، لا يقدر على الامتناع منه أحد أرادَه بضرّ، ولا الانتصار منه أحدٌ أحلّ به عقوبة =" حكيمًا " في تدبيره وقضائه. (33)
-------------------
الهوامش :
(20) انظر تفسير"الإصلاء" فيما سلف: 27 - 29 ، 231.
(21) الأثر: 9833 -"ثوير" ، هو: ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة الهاشمي. مضت ترجمته برقم: 3212 ، 5414. وفي المطبوعة: "نوير" ، وفي المخطوطة غير منقوط.
في المطبوعة: "جلودًا بيضاء" ، وهو خطأ ، والصواب في المخطوطة.
و"القراطيس" جمع"قرطاس": وهو الصحيفة البيضاء التي يكتب فيها.
(22) في المطبوعة: "أن جلده..." ، وأثبت ما في المخطوطة. وعنى بذلك غلظ الجلد ، كما سيأتي في رقم: 9837.
(23) في المطبوعة: "لوسعه" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(24) الأثر: 9837 -"أبو عبيدة الحداد" ، هو: عبد الواحد بن واصل السدوسي. مضت ترجمته برقم: 8284.
و"هشام بن حسان القردوسي" مضى برقم: 2827.
(25) في المخطوطة: "الذي هو الجلد واللحم" ، وهو لا يستقيم ، وأصاب ناشر المطبوعة الأولى في زيادة"غير".
(26) "استصاغه خاتما": طلب إليه أن يصوغ له خاتمًا. وهذه صيغة لم تذكرها كتب اللغة ، وهي عربية معرقة ، وقياس صحيح.
(27) في المطبوعة: "الاحتراق" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(28) في المطبوعة والمخطوطة: "وقال آخرون: معنى ذلك" ، والسياق يقتضي ما أثبت.
(29) الزيادة التي بين القوسين ، لا غنى عنها.
(30) في المطبوعة: "لا تحرق" والجيد ما في المخطوطة كما أثبته.
(31) يعني: أنها عندئذ تفنى حتى تعاد مرة أخرى ، وفناؤه يوجب فترة يخف فيها عنهم العذاب. وهذا باطل كما سترى في الحجج التالية.
(32) انظر تفسير"كان" بمعنى: لم يزل فيما سلف: 426 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(33) انظر تفسير"عزيز" و"حكيم" في فهارس اللغة.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 56 | ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
النساء: 158 | ﴿بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
النساء: 165 | ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
الفتح: 7 | ﴿وَلِلَّـهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
الفتح: 19 | ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا} أي:بالله وما أوجب الإيمانَ به{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} من الواجبات والمستحبات{ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} أي:من الأخلاق الرذيلة، والخلْق الذميم، ومما يكون من نساء الدنيا من كل دنس وعيب{ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}
وقوله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بيان لحسن الثواب الذي وعد الله به عباده المؤمنين في مقابلة بيان العقاب الذي أعده للكافرين.
وتلك عادة القرآن في تربية النفوس. إنه يسوق عاقبة الكافرين ثم يتبعها بحسن عاقبة المؤمنين أو العكس، ليحمل العقلاء على الابتعاد عن طريق الكفر والعصيان، وليغريهم بالسير في طريق الطاعة والإيمان.
أى: والذين آمنوا إيمانا حقا، وعملوا في دنياهم الأعمال الطيبات الصالحات سَنُدْخِلُهُمْ يوم القيامة جَنَّاتٍ تَجْرِي من تحت شجرها وقصورها الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أى:
أكرمناهم إكراما عظيما بأن جعلناهم مقيمين في الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ أى لهم فيها نساء بريئات ومنزهات من جميع الأدناس الحسية والمعنوية.
وقوله: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا أى: ظلا وارفا جميلا لا يصيب صاحبه حر ولا سموم.
والظل: أثر لما يحجب الشمس وحرارتها. والظليل: صفة مشتقة من الظل للتأكيد على حد قولهم: ليل أليل أى ظلا بلغ الغاية في جنسه.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: ظَلِيلًا صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه.
كما يقال: ليل أليل. ويوم أيوم وما أشبه ذلك. وهو ما كان فيئا- أى طويلا ممتدا- لا حوب فيه- أى لا خرق ولا قطع فيه- ودائما لا تنسخه الشمس. وسجسجا- أى متوسطا- لا حر فيه ولا برد. وليس ذلك إلا ظل الجنة. رزقنا الله بتوفيقه لما يزلف إليه التفيؤ تحت ذلك الظل .
وقوله : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ) هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن ، التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاؤوا وأين أرادوا ، وهم خالدون فيها أبدا ، لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا .
وقوله : ( لهم فيها أزواج مطهرة ) أي : من الحيض والنفاس والأذى . والأخلاق الرذيلة ، والصفات الناقصة ، كما قال ابن عباس : مطهرة من الأقذار والأذى . وكذا قال عطاء ، والحسن ، والضحاك ، والنخعي ، وأبو صالح ، وعطية ، والسدي .
وقال مجاهد : مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد .
وقال قتادة : مطهرة من الأذى والمآثم ولا حيض ولا كلف .
وقوله : ( وندخلهم ظلا ظليلا ) أي : ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا .
قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا ابن جعفر - قالا حدثنا شعبة قال : سمعت أبا الضحاك يحدث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، شجرة الخلد " .
القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا (57)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات "، والذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصدّقوا بما أنـزل الله على محمد مصدّقًا لما معهم من يهود بني إسرائيل وسائر الأمم غيرهم =" وعملوا الصالحات "، يقول: وأدّوا ما أمرهم الله به من فرائضه، واجتنبوا ما حرّم الله عليهم من معاصيه، وذلك هو " الصالح " من أعمالهم =" سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار "، يقول: سوف يدخلهم الله يوم القيامة =" جنات "، يعني: بساتين (34) =" تجري من تحتها الأنهار "، يقول: تجري من تحت تلك الجنات الأنهار =" خالدين فيها أبدًا "، يقول: باقين فيها أبدًا بغير نهاية ولا انقطاع، دائمًا ذلك لهم فيها أبدًا =" لهم فيها أزواج "، يقول: لهم في تلك الجنات التي وصف صفتها =" أزواج &; 8-489 &; مطهرة "، يعني: بريئات من الأدناس والرَّيْب والحيض والغائط والبول والحَبَل والبُصاق، وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا. وقد ذكرنا ما في ذلك من الآثار فيما مضى قبل، وأغنى ذلك عن إعادتها. (35)
* * *
وأما قوله: " وندخلهم ظِلا ظليلا "، فإنه يقول: وندخلهم ظلا كَنينًا، كما قال جل ثناؤه: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [سورة الواقعة: 30]، وكما:-
9838 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن = وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر = قالا جميعًا، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا الضحاك يحدّث، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنّ في الجنة لشجرةً يسيرُ الراكب في ظلّها مئة عام لا يقطعها، شجرةُ الخلد. (36)
------------------
الهوامش :
(34) انظر تفسير"جنة" فيما سلف: 7: 494 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
(35) انظر ما سلف 1: 395 - 397 / 6: 261 ، 262.
(36) الحديث: 9838 - عبد الرحمن: هو ابن مهدي.
أبو الضحاك البصري: تابعي ، لم يعرف إلا بهذا الحديث ، ولم يرو عنه أحد غير شعبة. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 395.
والحديث رواه أحمد في المسند: 9870 ، عن محمد بن جعفر وحجاج ، و: 9951 ، عن عبد الرحمن ، وهو ابن مهدي - ثلاثتهم عن شعبة. (المسند 2: 455 ، 462 حلبي).
وذكر الحافظ في المزي في تهذيب الكمال (مخطوط مصور) أنه رواه ابن ماجه في التفسير.
ونقله ابن كثير 2: 490 ، عن هذا الموضع من الطبري.
وأصل الحديث ثابت عن أبي هريرة ، من أوجه كثيرة ، في المسند والصحيحين وغيرهما ، دون زيادة"شجرة الخلد". انظر المسند: 7490. وقد أشرنا لكثير من طرقه هناك.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 25 | ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ |
---|
النساء: 57 | ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
سندخلهم:
قرئ:
سيدخلهم، بالياء، وهى قراءة النخغى، وابن وثاب.
وندخلهم:
وقرئ:
ويدخلهم، بالياء، وهى قراءة النخعي، وابن وثاب.
التفسير :
الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي:كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله. وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها. قالوا:لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها؛ فوجب ذلك. وفي قوله:{ إِلَى أَهْلِهَا} دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمِن، ووكيلُه بمنزلته؛ فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها.{ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض، القليل من ذلك والكثير، على القريب والبعيد، والبر والفاجر، والولي والعدو. والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام، وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به. ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة قال:{ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه، لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما، لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون.
وبعد هذا الحديث الجامع عن أحوال أهل الكتاب من اليهود، وجه القرآن جملة من الأوامر الحكيمة إلى المؤمنين، فقال- تعالى-:
قال ابن كثير- عند تفسيره للآية الأولى-: ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبى طلحة. وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبى طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم. وسبب نزولها فيه: حين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة منه يوم الفتح ثم رده عليه.
ثم قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر عن عبيد الله بن أبى ثور عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس، خرج حتى أتى إلى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده. فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ مفتاح الكعبة منه ففتحت له فدخلها.
ثم قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. صدق وعده. ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين: إلا سدانة البيت وسقاية الحاج.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعى له. فقال: هاك مفتاحك يا عثمان!! اليوم يوم بر ووفاء.
هذا ونزول الآية الكريمة في هذا السبب الخاص لا يمنع عمومها إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
والأمانات: جمع أمانة وهي مصدر سمى به المفعول. فهي بمعنى ما يؤتمن الإنسان عليه.
والمعنى: إن الله تعالى- يأمركم- أيها المؤمنون- أن تؤدوا ما ائتمنتم عليه من الحقوق سواء أكانت هذه الحقوق لله- تعالى- أم للعباد. وسواء أكانت فعلية أم قولية أم اعتقادية.
وقد أسند- سبحانه- الأمر إليه مع تأكيده، اهتماما بالمأمور به، وحضا للناس على أداء ما يؤتمنون عليه من علم ومال، وودائع، وأسرار، وغير ذلك مما يقع في دائرة الائتمان، وتنبغي المحافظة عليه.
ومعنى أدائها إلى أهلها: توصيلها إلى أصحابها كما هي من غير بخس أو تطفيف أو تحريف أو غير ذلك مما يتنافى مع أدائها بالطريقة التي ترضى الله- تعالى-.
ومن الآيات القرآنية التي نوهت بشأن الأمانة وأمرت بأدائها وحفظها قوله- تعالى-:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ.
وقوله- تعالى- وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ. أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وأما الأحاديث فمنها ما رواه الترمذي والنسائي عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» .
وروى الترمذي وأبو داود عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) .
وقوله: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ أمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها إثر الأمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذممهم.
وقوله حَكَمْتُمْ من الحكم ومعناه الفصل بين المتنازعين، وإظهار الحق لصاحبه.
وقوله بِالْعَدْلِ أى بالحق الذي أوجبه الله عليكم. وأصل العدل: التسوية. يقال: عدل كذا بكذا أى سواه به.
قال الجمل وقوله: وَإِذا حَكَمْتُمْ إذا معمول لمقدر على مذهب البصريين من أن ما بعد أن المصدرية لا يعمل فيما قبلها والتقدير: وأن تحكموا بالعدل إذا حكمتم بين الناس. أو معمول للمذكور على مذهب الكوفيين من إجازة عمل ما بعد أن فيما قبلها.
والمعنى: وكما أمركم الله- تعالى- أيها المؤمنون بأداء الأمانات إلى أهلها، فإنه يأمركم- أيضا- إذا حكمتم بين الناس أن تجعلوا حكمكم قائما على الحق والعدل، فإن الله- تعالى- ما أقام ملكه إلا عليهما، ولأن الأحكام إذا صاحبها الجور والظلم أدت إلى شقاء الأفراد والجماعات.
قال بعض العلماء: يرى بعضهم: أن الخطاب في هذا النص موجه إلى الذين يحكمون، وهم الحكام من ولاة وقضاة وغيرهم ممن يلون الحاكم. ولا مانع عندنا من أن يكون الخطاب موجها إلى الأمة كلها، لأن الأمة العزيزة التي تتولى أمور نفسها من غير تحكم من ملك أو طاغ قاهر، هي محكومة ومحكمة. فهي التي تختار حاكمها وهي في هذا محكمة، مطلوب منها العدل، فلا تختار لهوى أو لعطاء أو لمصلحة شخصية أيا كان نوعها. وهي محكمة في حاكمها فلا تقول فيه إلا حقا، ولا تطالبه إلا بما هو حق لا جور فيه، ولا تشتط في نقده، ولا تسكن عن نصيحته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
وحديث القرآن عن وجوب إقامة العدل ودفع الظلم حديث مستفيض. قال تعالى-:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ .
وقال- تعالى- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى.
وقال- تعالى- وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى.
وقال- تعالى- وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى.
وأما حديث السنة النبوية عن ذلك فهو أيضا مستفيض. ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن. وكلتا يديه يمين. الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» .
وقوله إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها، متضمنة لمزيد اللطف بالمخاطبين، وحسن استدعائهم إلى الامتثال لما أمروا به وقوله إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها، متضمنة لمزيد اللطف بالمخاطبين، وحسن استدعائهم إلى الامتثال لما أمروا به وقوله نِعِمَّا أصله نعم ما فركبت نعم مع ما بعد طرح حركة الميم الأولى وتنزيلها منزلة الكلمة الواحدة ثم أدغمت الميمان وحركت العين الساكنة بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين.
وما إما منصوبة موصوفة بقوله يَعِظُكُمْ فكأنه قيل: نعم شيئا يعظكم به.
وإما مرفوعة موصولة فكأنه قيل: نعم الشيء الذي يعظكم به.
والمخصوص بالمدح محذوف وهو أداء الأمانة إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل.
والوعظ: التذكير بالخير، والتحذير من الشر، بأسلوب يرق له القلب.
والمعنى: إن الله- تعالى- قد أمركم- يا معشر المؤمنين- بأداء الأمانة، وبالحكم بالعدل، ولنعماهما شيئا جليلا يذكركم به، ويدعوكم إليه.
وقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً وعد للطائعين ووعيد للعاصين.
أى: إن الله- تعالى- كان سميعا لأقوالكم في الأحكام وفي غيرها. بَصِيراً بكل أحوالكم وتصرفاتكم. وسيجازيكم بما تفعلونه من خير أو شر.
يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ، وفي حديث الحسن ، عن سمرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " . رواه الإمام أحمد وأهل السنن وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان ، من حقوق الله ، عز وجل ، على عباده ، من الصلوات والزكوات ، والكفارات والنذور والصيام ، وغير ذلك ، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد ، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك . فأمر الله ، عز وجل ، بأدائها ، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة ، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها ، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود قال : إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة ، يؤتى بالرجل يوم القيامة - وإن كان قد قتل في سبيل الله - فيقال : أد أمانتك . فيقول وأنى أؤديها وقد ذهبت الدنيا ؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم ، فيهوي إليها فيحملها على عاتقه . قال : فتنزل عن عاتقه ، فيهوي على أثرها أبد الآبدين . قال زاذان : فأتيت البراء فحدثته فقال : صدق أخي : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) .
وقال : سفيان الثوري ، عن ابن أبي ليلى عن رجل ، عن ابن عباس قوله : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) قال : هي مبهمة للبر والفاجر . وقال محمد بن الحنفية : هي مسجلة للبر والفاجر . وقال أبو العالية : الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : قال أبي بن كعب : من الأمانة أن المرأة ائتمنت على فرجها .
وقال الربيع بن أنس : هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) قال : قال : يدخل فيه وعظ السلطان النساء . يعني يوم العيد . وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة - واسم أبي طلحة عبد الله - بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري ، حاجب الكعبة المعظمة ، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم ، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة ، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وأما عمه عثمان بن أبي طلحة ، فكان معه لواء المشركين يوم أحد ، وقتل يومئذ كافرا . وإنما نبهنا على هذا النسب ; لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا ، وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ، ثم رده عليه .
وقال محمد بن إسحاق في غزوة الفتح : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعا على راحلته ، يستلم الركن بمحجن في يده ، فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد .
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى ، فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج " . وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ، إلى أن قال : ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، صلى الله عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين عثمان بن طلحة ؟ " فدعي له ، فقال له : " هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم وفاء وبر " .
قال ابن جرير : حدثني القاسم حدثنا الحسين ، عن حجاج ، عن ابن جريج [ قوله : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ] قال : نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل به البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه فدعا عثمان إليه ، فدفع إليه المفتاح ، قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، وهو يتلو هذه الآية : فداه أبي وأمي ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك .
حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا الزنجي بن خالد ، عن الزهري قال : دفعه إليه وقال : أعينوه .
وروى ابن مردويه ، من طريق الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، فلما أتاه قال : " أرني المفتاح " . فأتاه به ، فلما بسط يده إليه قام العباس فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، اجمعه لي مع السقاية . فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرني المفتاح يا عثمان " . فبسط يده يعطيه ، فقال العباس مثل كلمته الأولى ، فكف عثمان يده . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عثمان ، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح " . فقال : هاك بأمانة الله . قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح باب الكعبة ، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداح يستقسم بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما للمشركين قاتلهم الله . وما شأن إبراهيم وشأن القداح " . ثم دعا بجفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه فيه ، ثم غمس به تلك التماثيل ، وأخرج مقام إبراهيم ، وكان في الكعبة فألزقه في حائط الكعبة ثم قال : " يا أيها الناس ، هذه القبلة " . قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت شوطا أو شوطين ثم نزل عليه جبريل ، فيما ذكر لنا برد المفتاح ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) حتى فرغ من الآية .
وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في ذلك ، وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا فحكمها عام ; ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية : هي للبر والفاجر ، أي : هي أمر لكل أحد .
وقوله : ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ; ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب : إنما نزلت في الأمراء ، يعني الحكام بين الناس .
وفي الحديث : " إن الله مع الحاكم ما لم يجر ، فإذا جار وكله إلى نفسه " وفي الأثر : عدل يوم كعبادة أربعين سنة .
وقوله : ( إن الله نعما يعظكم به ) أي : يأمركم به من أداء الأمانات ، والحكم بالعدل بين الناس ، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة .
وقوله : ( إن الله كان سميعا بصيرا ) أي : سميعا لأقوالكم ، بصيرا بأفعالكم ، كما قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ هذه الآية ( سميعا بصيرا ) يقول : بكل شيء بصير .
وقد قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يحيى بن عبدك القزويني ، أنبأنا المقرئ - يعني أبا عبد الرحمن - عبد الله بن يزيد ، حدثنا حرملة - يعني ابن عمران - التجيبي المصري - حدثنا أبو يونس ، سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) إلى قوله : ( إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) ويضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ويقول : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه . قال أبو زكريا : وصفه لنا المقري ، ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى ، والتي تليها على الأذن اليمنى ، وأرانا فقال : هكذا وهكذا .
رواه أبو داود ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث أبي عبد الرحمن المقري بإسناده - نحوه وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة ، واسمه سليم بن جبير .
القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ
* * *
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الآية.
فقال بعضهم: عني بها ولاة أمور المسلمين.
*ذكر من قال ذلك:
9839 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي مكين، عن زيد بن أسلم قال: نـزلت هذه الآية: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، في ولاة الأمر. (37)
9840 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا ليث، عن شهر قال: نـزلت في الأمراء خاصة " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ".
9841 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا إسماعيل، عن مصعب بن سعد قال، قال علي رضي الله عنه كلماتٍ أصاب فيهن: " حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنـزل الله، وأن يؤدِّيَ الأمانة، وإذا فعل ذلك، فحقّ على الناس أن يسمعوا، وأن يُطيعوا، وأن يجيبوا إذا دُعوا ". (38)
9842 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا إسماعيل عن مصعب بن سعد، عن علي بنحوه.
9843 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا موسى بن عمير، عن مكحول في قول الله: وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ، قال: هم أهلُ الآية التي قبلها: " إن الله يأمرُكم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها "، إلى آخر الآية.
9844 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا ابن زيد قال، قال أبي: هم الوُلاة، أمرهم أن يؤدّوا الأمانات إلى أهلها.
وقال آخرون: أمر السلطان بذلك: أن يعِظوا النساء. (39)
*ذكر من قال ذلك:
9845 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " إن الله يأمرُكم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، قال: يعني السلطان، يعظون النساء. (40)
* * *
وقال آخرون: الذي خوطب بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم في مفتاح الكعبة، أمر برَدّها على عثمان بن طلحة.
*ذكر من قال ذلك:
9846 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، قال: نـزلت في عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قَبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة، ودخل به البيت يوم الفتح، (41) فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان &; 8-492 &; فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الآية: فداهُ أبي وأمي! (42) ما سمعته يَتلوها قبل ذلك!
9847 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا الزنجي بن خالد، عن الزهري قال: دفعه إليه وقال: أعينوه. (43)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قولُ من قال: هو خطاب من الله ولاةَ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من وَلُوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية، والقَسْم بينهم بالسوية. يدل على ذلك ما وَعظ به الرعية (44) في: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ، فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرعية، وأوصى الرعية بالطاعة، كما:-
9848 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) قال: قال أبي: هم السلاطين. وقرأ ابن زيد: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ [سورة آل عمران: 26]، وإنما نقول: هم العلماء الذي يُطيفون على &; 8-493 &; السلطان، (45) ألا ترى أنه أمرهم فبدأ بهم، بالولاة فقال (46) " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "؟ و " الأمانات "، هي الفيء الذي استأمنهم على جمعه وقَسْمه، والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها =" وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " الآية كلها. فأمر بهذا الولاة. ثم أقبل علينا نحن فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ .
* * *
وأما الذي قال ابن جريج من أنّ هذه الآية نـزلت في عثمان بن طلحة، فإنه جائز أن تكون نـزلت فيه، وأريد به كل مؤتمن على أمانة، فدخلَ فيه ولاة أمور المسلمين، وكلّ مؤتمن على أمانة في دين أو دنيا. ولذلك قال من قال: عُني به قضاءُ الدين، وردّ حقوق الناس، كالذي:-
9849 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، فإنه لم يرخص لموسِر ولا معسر أن يُمسكها.
9850 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، عن الحسن: أن &; 8-494 &; نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. (47)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا = إذ كان الأمر على ما وصفنا = : إن الله يأمركم، يا معشر ولاة أمور المسلمين، أن تؤدوا ما ائتمنتكم عليه رعيّتكم من فَيْئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم، على ما أمركم الله بأداء كل شيء من ذلك إلى من هو له، بعد أن تصير في أيديكم، لا تظلموها أهلها، ولا تستأثروا بشيء منها، ولا تضعوا شيئًا منها في غير موضعه، ولا تأخذوها إلا ممن أذن الله لكم بأخذها منه قبل أن تصيرَ في أيديكم = ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف، وذلك حكمُ الله الذي أنـزله في كتابه، وبيّنه على لسان رسوله، لا تعدُوا ذلك فتجورُوا عليهم.
* * *
القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا معشر ولاة أمور المسلمين، إن الله نعم الشيء يَعظكم به، ونعمت العظة يعظكم بها في أمره إياكم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن تحكموا بين الناس بالعدل (48)
* * *
=" إن الله كان سميعًا "، يقول: إن الله لم يزل سميعًا بما تقولون وتنطقون، وهو سميع لذلك منكم إذا حكمتم بين الناس ولما تُحاورونهم به (49) " بصيرًا " بما تفعلون فيما ائتمنتم عليه من حقوق رعيتكم وأموالهم، (50) وما تقضون به بينهم من أحكامكم: بعدل تحكمون أو جَوْر، لا يخفى عليه شيء من ذلك، حافظٌ ذلك كلَّه، حتى يجازي محسنكم بإحسانه، ومسيئكم بإساءته، أو يعفو بفضله.
------------------------
الهوامش :
(37) الأثر: 9839 -"أبو أسامة" هو: حماد بن أسامة بن زيد القرشي ، مضى برقم: 5265. و"أبو مكين" هو: نوح بن ربيعة ، مضى برقم: 9742.
(38) الأثر: 9841 -"مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري". روى عن أبيه ، وعلي ، وطلحة ، وعكرمة ابن أبي جهل ، وغيرهم ، تابعي ثقة ، قال ابن سعد: "كان ثقة كثير الحديث". مترجم في التهذيب.
(39) في المطبوعة: "أن يعطوا الناس" ، غير ما في المخطوطة ، وهو الذي أثبته ، ولكنه كان في المخطوطة غير منقوط ، فلم يحسن قراءته ، فكتب ما لا معنى له. والمقصود بذلك أن على الأمراء أن يعظوا النساء في النشوز وغيره ، حتى يردوهن إلى أزواجهن. وهو القول المنسوب إلى ابن عباس في كتب التفسير.
(40) في المطبوعة: "يعظون الناس" ، وهو خطأ ، وانظر التعليق السالف.
(41) في المطبوعة: "مفاتيح الكعبة ، ودخل بها البيت" ، وكان في المخطوطة: "مفاتيح الكعبة ودخل به البيت" ، ورد اللفظ مفردًا"المفتاح" في هذا الأثر والذي يليه ، وكذلك نقله ابن كثير في تفسيره 2: 492"مفتاح الكعبة" بالإفراد ، فصححت نص المخطوطة ، كما في ابن كثير.
(42) في المطبوعة: "فداؤه أبي وأمي" ، وأثبت ما في المخطوطة وابن كثير.
(43) الأثر: 9847 -"الزنجي بن خالد" هو: مسلم بن خالد بن فروة ، أبو خالد الزنجي ، الفقيه المكي. وإنما سموه"الزنجي" قالوا: لأنه كان شديد السواد. وقالوا: لأنه كان أشقر كالبصلة. وقالوا: كان أبيض مشربًا بحمرة ، وإنما سمى"الزنجي" لمحبته التمر. قالت له جاريته: "ما أنت إلا زنجي" ، لأكل التمر ، فبقي عليه هذا اللقب.
ومن الزنجي تعلم الشافعي الفقه قبل أن يلقى مالكًا. ولكنهم تكلموا في حديثه ، فقال البخاري: "منكر الحديث ، يكتب حديثه ولا يحتج به". وذكروا عللا في ضعف حديثه وهو صدوق. مترجم في التهذيب.
(44) في المطبوعة والمخطوطة: "فدل على ذلك ما وعظ به الرعية" ، وهو كلام فاسد جدًا ، أخل بحجة الطبري ، والصواب ما أثبت.
(45) حذف ناشر المطبوعة هذه الجملة إذ لم يفهمها ، وجعل سياق الكلام هكذا: "... ممن تشاء ، ألا ترى أنه أمر فقال: إن الله يأمركم" ، وهذا فساد شديد ، وهجر للأمانة ، وعبث بكلام أهل التاويل. وقائل هذا الكلام هو ابن زيد ، بعد أن ذكر تأويل أبيه زيد بن أسلم.
وقوله: "يطيفون على السلطان" هم الذين يقاربونه ويدنيهم في مجالسه ويستشيرهم. من قوله: "طاف بالشيء وطاف عليه= وأطاف به وأطاف عليه": دار حوله.
(46) في المطبوعة: "أنه أمر فقال..." كما ذكرت في التعليق السالف. وسياق عبارته أنه أمر العلماء بالولاة - فبدأ بهم ، أي: بالعلماء. والعلماء هم الذين يفتون الولاة في قسمة الفيء والصدقات ، لأنهم هم أهل العلم بها. فهذا خطاب للعلماء الذين ائتمنوا على الدين. ثم قال للولاة: "وإذا حكمتم بين الناس" ، كما ترى في سياق الأثر.
(47) الأثر: 9850 - قال ابن كثير في تفسيره 2: 490"وفي حديث الحسن ، عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك". رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن".
(48) انظر تفسير"نعما" فيما سلف 5: 582.
(49) في المطبوعة: "ولم تجاوزوهم به" ، ولا معنى لها البتة ، والصواب ما في المخطوطة ، ولكنه لم يفهم ما أراد ، فحرفه وغيره.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 58 | ﴿ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ |
---|
البقرة: 67 | ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ |
---|
النحل: 90 | ﴿ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
نعما:
قرئ:
1- بكسر النون، اتباعا لحركة العين، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتح النون على الأصل، وهى قراءة بعض القراء.
التفسير :
ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر وهم:الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية. ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى الرسول أي:إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما. فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال:{ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها{ ذَلِكَ} أي:الرد إلى الله ورسوله{ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم.
وبعد أن أمر- سبحانه بأداء الأمانة وبالحكم بالعدل عقب ذلك بأمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وولاة أمورهم فقال- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
وطاعة الله وطاعة رسوله متلازمتان. قال- تعالى-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.
ومعنى طاعتهما: التزام أوامرهما، واجتناب نواهيهما.
والمراد بأولى الأمر- على الراجح- الحكام. وطاعتهم إنما تكون في غير معصية الله، فإذا أمروا بما يتنافى مع تعاليم الدين فلا سمع لهم على الأمة ولا طاعة.
وإنما أمرنا الله- تعالى- بطاعتهم في غير معصية، لأنهم هم المنفذون لتعاليم الشريعة، وهم الذين بيدهم مقاليد الأمة التي يقومون على رعاية مصالحها، ولأن عدم طاعتهم يؤدى إلى اضطراب أحوال الأمة وفسادها.
قال صاحب الكشاف: والمراد (بأولى الأمر منكم) : أمراء الحق، لأن- أمراء الجور- الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله بوجوب الطاعة لهم. وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما. والنهى عن أضدادهما كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان. وكان الخلفاء يقولون: أطيعونى ما عدلت فيكم. فان خالفت فلا طاعة لي عليكم، وعن أبى حازم أن مسلمة بن عبد الملك قال له: ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال له: أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله:
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.
وقيل هم العلماء الدينيون الذين يعلمون الناس ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.
وأعاد- سبحانه- الفعل أَطِيعُوا مع الرسول فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولم يعده مع أولى الأمر، للإشارة إلى استقلال الرسول صلى الله عليه وسلم بالطاعة حتى ولو كان ما يأمر به ليس منصوصا عليه في القرآن، لأنه لا ينطق عن الهوى، وللإيذان بأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى من طاعة أولى الأمر.
وقوله مِنْكُمْ في محل نصب على الحال من أولى الأمر. أى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر حالة كونهم كائنين منكم أى من دينكم وملتكم.
وفي ذلك إشارة إلى أنه لا طاعة لمن يتحكمون في شئون المسلمين ممن ليسوا على ملتهم.
وقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا ما حدث بينهم اختلاف في أمر من الأمور الدينية.
والمراد بالتنازع هنا: الاختلاف والجدال مأخوذ من النزع بمعنى الجذب. فكأن كل واحد من المختلفين يجذب من غيره الحجة لدليله..
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «مالي أنازع القرآن» أى ينازعني غيرى ويجاذبنى في القراءة. وذلك أن بعض المأمومين جهر خلفه فنازعه قراءته فشغله، فنهاه عن الجهر بالقراءة في الصلاة خلفه.
والمعنى: فان تنازعتم واختلفتم أيها المؤمنون أنتم وأولو الأمر منكم في أمر من أمور الدين فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أى فردوا ذلك الحكم أو الأمر الذي اختلفتم فيه إلى كتاب الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن تسألوه عنه في حياته، وترجعوا إلى سنته بعد مماته.
قال القرطبي: قوله فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ أى تجادلتم واختلفتم في شيء من أمور دينكم فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أى ردوا ذلك الحكم إلى كتاب الله أو إلى رسوله بالسؤال في حياته، أو بالنظر في سنته بعد وفاته. وهذا قول مجاهد والأعمش وقتادة. وهو الصحيح.
ومن لم ير هذا اختل إيمانه، لقوله- تعالى إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وفي قوله فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ دليل على أن سنته صلى الله عليه وسلم يعمل بها ويمتثل ما فيها.
قال صلى الله عليه وسلم «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم. فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» . أخرجه مسلم.
وروى أبو داود عن أبى رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه» .
وعن العرباض بن سارية أنه حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس وهو يقول: «أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإنى والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر» «2» .
وقوله إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ شرط جوابه محذوف عند جمهور البصريين اكتفاء بدلالة المذكور عليه.
أى: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حق الإيمان فارجعوا فيما تنازعتم فيه من أمور دينية إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والجملة الكريمة تحريض للمؤمنين على الامتثال لتعاليم الإسلام وآدابه، لأن الإيمان الحق يقتضى ذلك.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا يعود إلى الرد إلى الكتاب والسنة وقوله تَأْوِيلًا من آل هذا الأمر إلى كذا أى رجع إليه، فيكون المعنى: ذلك الذي أمرتكم به من رد ما اختلفتم فيه إلى الكتاب والسنة خير لكم وأحمد مغبة، وأجمل عاقبة.
ويجوز أن يكون قوله تَأْوِيلًا بمعنى التفسير والتوضيح فيكون المعنى:
ذلك أى الرد إلى الكتاب والسنة خير لكم وأحسن تأويلا وتفسيرا من تأويلكم أنتم إياه، من غير رد إلى أصل من الكتاب والسنة. والأول أنسب لسياق الآية الكريمة.
قال ابن كثير: قوله فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ. الآية هذا أمر من الله- تعالى- بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه، أن يردوا التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال- تعالى-: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ. فما حكم به القرآن والسنة وشهد له بالصحة فهو الحق. وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولهذا قال- تعالى-: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أى: ردوا الخصومات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر .
وقال بعض العلماء: قد يؤخذ من الآية التي معنا أن أدلة الأحكام الشرعية أربعة. وهي:
الكتاب والسنة والإجماع والقياس.. لأن الأحكام إما منصوصة في الكتاب أو السنة وذلك قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ. وإما مجمع عليها من أولى الأمر بعد استنادهم إلى دليل علموه. وذلك قوله وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وإما غير منصوصة ولا مجمع عليها. وهذه سبيلها الاجتهاد والرد إلى الله والرسول وذلك هو القياس.
فما أثبته الفقهاء والأصوليون غير هذه الأربعة كالاستحسان الذي يراه الأحناف دليلا.
وإثبات الأحكام الشرعية تمشيا مع المصالح المرسلة الذي يقول به المالكية، والاستصحاب الذي يقول به الشافعية، كل ذلك إن كان غير هذه الأربعة فمردود بظاهر هذه الآية، وإن كان راجعا إليها فقد ثبت أن الأدلة أربعة.
ثم انتقل القرآن بعد ذلك إلى الحديث عن المنافقين فكشف عن أحوالهم الذميمة، وطباعهم القبيحة، ونفوسهم المريضة، وحذر المؤمنين من مكرهم وكذبهم، بعد أن حذرهم قبل ذلك من مكر اليهود وأمرهم بالاعتصام بطاعة الله ورسوله. استمع إلى القرآن الكريم وهو يكشف النقاب عن حال هؤلاء المنافقين فيقول:
قال البخاري : حدثنا صدقة بن الفضل ، حدثنا حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي ; إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية .
وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث حجاج بن محمد الأعور ، به . وقال الترمذي : حديث حسن غريب ، ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج .
وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء . قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : اجمعوا لي حطبا . ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها . [ قال : فهم القوم أن يدخلوها ] قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها . قال : فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال لهم : " لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ; إنما الطاعة في المعروف " . أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش ، به .
وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثنا نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .
وأخرجاه من حديث يحيى القطان .
وعن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله . قال : " إلا أن تروا كفرا بواحا ، عندكم فيه من الله برهان " أخرجاه .
وفي الحديث الآخر ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " . رواه البخاري .
وعن أبي هريرة قال : أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف . رواه مسلم .
وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول : " ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله ، اسمعوا له وأطيعوا " رواه مسلم وفي لفظ له : " عبدا حبشيا مجدوعا " .
وقال ابن جرير : حدثني علي بن مسلم الطوسي ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثني عبد الله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيليكم بعدي ولاة ، فيليكم البر ببره ، ويليكم الفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، وصلوا وراءهم ، فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساؤوا فلكم وعليهم " .
وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وسيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا : يا رسول الله ، فما تأمرنا ؟ قال : " أوفوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم " أخرجاه .
وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر ; فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية " . أخرجاه .
وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خلع يدا من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " . رواه مسلم .
وروى مسلم أيضا ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، والناس حوله مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة . فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " . قال : فدنوت منه فقلت : أنشدك بالله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ونقتل أنفسنا ، والله تعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) [ النساء : 29 ] قال : فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله .
والأحاديث في هذا كثيرة .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن المفضل حدثنا أسباط ، عن السدي : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها خالد بن الوليد ، وفيها عمار بن ياسر ، فساروا قبل القوم الذين يريدون ، فلما بلغوا قريبا منهم عرسوا ، وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم ، فأصبحوا قد هربوا غير رجل . فأمر أهله فجمعوا متاعهم ، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل ، حتى أتى عسكر خالد ، فسأل عن عمار بن ياسر ، فأتاه فقال : يا أبا اليقظان ، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا ، وإني بقيت ، فهل إسلامي نافعي غدا ، وإلا هربت ؟ قال عمار : بل هو ينفعك ، فأقم . فأقام ، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل ، فأخذه وأخذ ماله . فبلغ عمارا الخبر ، فأتى خالدا فقال : خل عن الرجل ، فإنه قد أسلم ، وإنه في أمان مني . فقال خالد : وفيم أنت تجير ؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجاز أمان عمار ، ونهاه أن يجير الثانية على أمير . فاستبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال خالد : يا رسول الله ، أتترك هذا العبد الأجدع يسبني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا خالد ، لا تسب عمارا ، فإنه من يسب عمارا يسبه الله ، ومن يبغضه يبغضه الله ومن يلعن عمارا يلعنه الله " فغضب عمار فقام ، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه ، فرضي عنه ، فأنزل الله عز وجل قوله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من طريق عن السدي ، مرسلا . ورواه ابن مردويه من رواية الحكم ابن ظهير ، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، فذكره بنحوه والله أعلم .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وأولي الأمر منكم ) يعني : أهل الفقه والدين . وكذا قال مجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري ، وأبو العالية : ( وأولي الأمر منكم ) يعني : العلماء . والظاهر - والله أعلم - أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء ، كما تقدم . وقد قال تعالى : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ) [ المائدة : 63 ] وقال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ النحل : 43 ] وفي الحديث الصحيح المتفق عليه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني " .
فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ، ولهذا قال تعالى : ( أطيعوا الله ) أي : اتبعوا كتابه ( وأطيعوا الرسول ) أي : خذوا بسنته ( وأولي الأمر منكم ) أي : فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، كما تقدم في الحديث الصحيح : " إنما الطاعة في المعروف " . وقال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أبي مراية ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا طاعة في معصية الله " .
وقوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) قال مجاهد وغير واحد من السلف : أي : إلى كتاب الله وسنة رسوله .
وهذا أمر من الله ، عز وجل ، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة ، كما قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) [ الشورى : 10 ] فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ، ولهذا قال تعالى : ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) أي : ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )
فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك ، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر .
وقوله : ( ذلك خير ) أي : التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله . والرجوع في فصل النزاع إليهما خير ( وأحسن تأويلا ) أي : وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد . وقال مجاهد : وأحسن جزاء . وهو قريب .
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، وأطيعوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته، كما:-
9851 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني. (51)
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ".
فقال بعضهم: ذلك أمرٌ من الله باتباع سنته.
*ذكر من قال ذلك:
9852 - حدثنا المثنى قال: حدثنا عمرو قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "، قال: طاعة الرسول، اتباع سُنته.
9853 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعلى بن عبيد، عن عبد الملك، عن عطاء: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "، قال: طاعة الرسول، اتباع الكتاب والسنة.
9854 - وحدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء مثله.
* * *
وقال آخرون: ذلك أمرٌ من الله بطاعة الرّسول في حياته.
*ذكر من قال ذلك:
9855 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "، إن كان حيًّا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هو أمرٌ من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمرَ ونهى، وبعد وفاته باتباع سنته. (52) وذلك أن الله عمّ بالأمر بطاعته، ولم يخصص بذلك في حال دون حال، (53) فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجبُ التسليم له.
* * *
واختلف أهل التأويل في" أولي الأمر " الذين أمر الله عبادَه بطاعتهم في هذه الآية.
فقال بعضهم: هم الأمراء.
*ذكر من قال ذلك:
9856 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: هم الأمراء. (54)
9857 - حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال، حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال، أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، نـزلت في رجل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية. (55)
9858 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبيد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن هذه الآية نـزلت في عبد الله بن حُذافة بن قيس السهمي، إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في السرية. (56)
9859 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث قال: سأل مسلمةُ ميمونَ بن مهران عن قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: أصحاب السرايا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
9860 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال. قال أبي: هم السلاطين. قال وقال ابن زيد في قوله: " وأولي الأمر منكم "، قال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعةَ الطاعة، وفي الطاعة بلاء. وقال: ولو شاء الله لجعل الأمر في الأنبياء (57) = يعني: لقد جعلت [الأمر] إليهم والأنبياء معهم، (58) ألا ترى حين حكموا في قتل يحيى بن ز كريا؟
9861 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريَّة عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قِبَل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريبًا منهم عرَّسوا، (59) وأتاهم ذو العُيَيْنَتين فأخبرهم، (60) فأصبحوا قد هربوا، (61) غير رجل أمر أهله فجمعوا &; 8-499 &; متاعهم، (62) ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإنّ قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت، فهل إسلامي نافعي غدًا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك، فأقم. فأقام، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدًا غير الرجل، فأخذه وأخذ ماله. فبلغ عمارًا الخبر، فأتى خالدًا، فقال: خلِّ عن الرجل، فإنه قد أسلم، وهو في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبَّا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير. فاستبَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: يا رسول الله، أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد، لا تسبَّ عمارًا، فإنه من سب عمارًا سبه الله، ومن أبغض عمارًا أبغضه الله، ومن لعن عمارًا لعنه الله. فغضب عمار فقام، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه، فأنـزل الله تعالى قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ". (63)
* * *
وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه.
*ذكر من قال ذلك:
9862 - حدثني سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله..... (64)
9863 - .... قال، حدثنا جابر بن نوح، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: أولي الفقه منكم. (65)
9864 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا ليث، عن مجاهد في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: أولي الفقه والعلم.
9865 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح: " وأولي الأمر منكم "، قال: أولي الفقه في الدين والعقل.
9866 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9867 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، يعني: أهل الفقه والدين.
9868 - حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن حصين، عن مجاهد: " وأولي الأمر منكم "، قال: أهل العلم.
9869 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء بن السائب في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: أولي العلم والفقه.
9870 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء: " وأولي الأمر منكم "، قال: الفقهاء والعلماء.
9871 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: " وأولي الأمر منكم "، قال: هم العلماء.
9872 - قال، وأخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " وأولي الأمر منكم "، قال: هم أهل الفقه والعلم.
9873 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: " وأولي الأمر منكم "، قال: هم أهل العلم، ألا ترى أنه يقول: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [سورة النساء: 83]؟
* * *
وقال آخرون: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
*ذكر من قال ذلك:
9874 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: كان مجاهد يقول: أصحاب محمد = قال: وربما قال: أولي العقل والفقه ودين الله. (66)
* * *
وقال آخرون: هم أبو بكر وعمر رحمهما الله. (67)
*ذكر من قال ذلك:
9875 - حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا حفص بن عمر العدني قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "، قال: أبو بكر وعمر. (68)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هم الأمراء والولاة = لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان [لله] طاعةً، وللمسلمين مصلحة، (69) كالذي:-
9876 - حدثني علي بن مسلم الطوسي قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني عبد الله بن محمد بن عروة، عن هشام بن عروة، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيليكم بعدي ولاة، فيليكم البَرُّ ببِرِّه، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، وصلُّوا وراءهم. فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم. (70)
9877 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال، أخبرني نافع، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على المرء المسلم، الطاعةُ فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية؛ فمن أمر بمعصية فلا طاعة. (71)
9878 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثني خالد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. (72)
= فإذ كان معلومًا أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " بطاعة ذَوِي أمرنا = كان معلومًا أن الذين أمرَ بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا، هم الأئمة ومن ولَّوْه المسلمين، (73) دون غيرهم من الناس، وإن كان فرضًا القبول من كل من أمر بترك معصية الله ودعا إلى طاعة الله، وأنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه، إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعيّة، فإن على من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية.
&; 8-504 &;
وإذ كان ذلك كذلك، كان معلومًا بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره.
* * *
القول في تأويل قوله : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن اختلفتم، أيها المؤمنون، في شيء من أمر دينكم: أنتم فيما بينكم، أو أنتم وولاة أمركم، فاشتجرتم فيه (74) =" فردوه إلى الله "، يعني بذلك: فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي اشتجرتم = أنتم بينكم، أو أنتم وأولو أمركم = فيه من عند الله، يعني بذلك: من كتاب الله، فاتبعوا ما وجدتم = وأما قوله: " والرسول "، فإنه يقول: فإن لم تجدوا إلى علم ذلك في كتاب الله سبيلا فارتادوا معرفة ذلك أيضًا من عند الرسول إن كان حيًا، وإن كان ميتًا فمن سنته =" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر "، يقول: افعلوا ذلك إن كنتم تصدقون بالله =" واليوم الآخر "، يعني: بالمعاد الذي فيه الثواب والعقاب، فإنكم إن فعلتم ما أمرتم به من ذلك. فلكم من الله الجزيل من الثواب، وإن لم تفعلوا ذلك فلكم الأليم من العقاب.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
9879 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا ليث، عن مجاهد في قوله: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "، قال: فإن تنازع العلماء ردّوه إلى الله والرسول. قال يقول: فردّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله.
ثم قرأ مجاهد هذه الآية: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [سورة النساء: 83].
9880 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد في قوله: " فردوه إلى الله والرسول "، قال: كتاب، الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
9881 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد في قوله: " فردوه إلى الله والرسول "، قال: إلى الله "، إلى كتابه = وإلى " الرسول "، إلى سنة نبيه.
9882 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، قال: سأل مسلمةُ ميمونَ بن مهران عن قوله: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "، قال: " الله "، كتابه، و " رسوله " سنته، فكأنما ألقمه حجرًا.
9883 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، أخبرنا جعفر بن مروان، عن ميمون بن مهران: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "، قال: الرد إلى الله، الردّ إلى كتابه = والرد إلى رسوله إن كان حيًا، فإن قبضه الله إليه فالردّ إلى السنة.
9884 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "، يقول: ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله =" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".
9885 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "، إن كان الرسول حيًا = و " إلى الله " قال: إلى كتابه.
* * *
القول في تأويل قوله : ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا (59)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " ذلك "، فردُّ ما تنازعتم فيه من شيء إلى الله والرسول، =" خير " لكم عند الله في معادكم، وأصلح لكم في دنياكم، لأن ذلك يدعوكم إلى الألفة، وترك التنازع والفرقة =" وأحسن تأويلا "، يعني: وأحمد مَوْئلا ومغبّة، وأجمل عاقبة.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن " التأويل "" التفعيل " من " تأوّل "، وأنّ قول القائل: " تأوّل "،" تفعّل "، من قولهم: "آل هذا الأمر إلى كذا "، أي: رجع = بما أغنى عن إعادته. (75)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
9886 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وأحسن تأويلا "، قال: حسن جزاء.
9887 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9888 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ذلك خير وأحسن تأويلا "، يقول: ذلك أحسنُ ثوابًا، وخير عاقبةً.
9889 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وأحسن تأويلا " قال: عاقبة.
9890 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ذلك خير وأحسن تأويلا "، قال: وأحسن عاقبة = قال: و " التأويل "، التصديق.
* * *
---------------
الهوامش :
(50) في المطبوعة: "فيما ائتمنتكم عليه" ، غير ما في المخطوطة لغير شيء.
(51) الحديث: 9851 - ورواه أحمد في المسند مرارًا ، من طرق مختلفة ، منها: 7330 ، 7428 ، 7643. ورواه الشيخان وغيرهما ، كما فصلنا هناك.
وذكره ابن كثير 2: 497 ، بقوله: "وفي الحديث المتفق على صحته". وهو كما قال.
(52) في المطبوعة: "في اتباع سنته" ، وكان في المخطوطة"في باتباع سنتنا" ، وضرب على"في".
(53) في المطبوعة: "لم يخصص ذلك" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(54) الحديث: 9856 - هذا موقوف على أبي هريرة. وإسناده صحيح. ومعناه صحيح.
وقد ذكره الحافظ في الفتح 8: 191 ، وقال: "أخرجه الطبري بإسناد صحيح".
(55) الحديث: 9857 - يعلى بن مسلم بن هرمز البصري المكي: ثقة ، أخرج له الشيخان. ووثقه ابن معين وأبو زرعة. مترجم في التهذيب. والكبير للبخاري 4 / 2 / 417 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 302. وهو أخو"عبد الله بن مسلم" الآتي في الإسناد بعده - كما رجحه البخاري وغيره.
والحديث رواه أحمد في المسند: 3124 ، عن حجاج ، وهو ابن محمد ، بهذا الإسناد. وفيه تسمية الرجل ، أنه"عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي".
وكذلك رواه البخاري 8: 190 - 191 ، عن صدقة بن الفضل ، عن حجاج بن محمد ، به.
وذكره ابن كثير 2: 494 ، عن رواية البخاري ، ثم قال: "وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه ، من حديث حجاج بن محمد الأعور ، به. وقال الترمذي: حديث حسن غريب ، ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج".
وقصة عبد الله بن حذافة رواها أحمد في المسند: 11662 (ج3 ص67 حلبي) ، من حديث أبي سعيد الخدري. روى معناها أيضًا من حديث علي بن أبي طالب: 622.
(56) الحديث: 9858 - عبد الله بن مسلم بن هرمز: هو أخو يعلى الذي في الحديث السابق - على الراجح. وعبد الله هذا: فيه ضعف ، مع أن الثوري يروي عنه ، والثوري لا يروي إلا عن ثقة. فالظاهر أن ضعفه من قبل حفظه. وهو مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 164 - 165.
ووقع في المخطوطة والمطبوعة هنا"عبيد الله" ، بدل"عبد الله" وهو خطأ واضح.
والحديث بمعنى الذي قبله.
(57) في المطبوعة: "ولو شاء الله لجعل" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(58) في المطبوعة: "يعني: لقد جعل إليهم الأنبياء معهم" ، وهو مستقيم ، ولكنه كان في المخطوطة: "لقد جعلت إليهم الأنبياء معهم" ، فاستظهرت سقوط"الأمر" ، فوضعته بين قوسين.
(59) "عرس القوم تعريسًا": إذا نزلوا في السفر من آخر الليل ، يقعون وقعة للاستراحة ، ثم ينيخون وينامون نومة خفيفة ، ثم يثورون مع انفجار الصبح سائرين.
(60) "ذو العيينتين" و"ذو العوينتين" ، و"ذو العينين": الجاسوس.
(61) في المطبوعة وابن كثير 2: 496"وقد هربوا" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(62) في المخطوطة: "غير رجال من أهله" ، وهو فاسد ، وأثبت ما في المطبوعة وتفسير ابن كثير.
(63) الأثر: 9861 - أخرجه ابن كثير في تفسيره 2 : 497 ، ثم قال: "وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق ، عن السدي مرسلا. ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير ، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، فذكر بنحوه. والله أعلم".
(64) الأثر: 9862 - كان هذا الأثر والذي يليه متصلين ، "... عن جابر بن عبد الله قال حدثنا جابر بن نوح" وهو خطأ وفساد لا شك فيه. وكأن هذا الأثر كان: "حدثني بذلك سفيان بن وكيع..." = أو: "عن جابر بن عبد الله قال: هم أهل العلم والفقه". أو ما شابه ذلك. ولكني وضعت النقط دلالة على الخزم.
(65) الأثر: 9863 - كأن صواب هذا الإسناد: "حدثني أبو كريب ، قال حدثنا جابر بن نوح" ، فإن أبا كريب هو يروي عن جابر بن نوح ، كما سلف مرارًا ، أقربها رقم: 9842 ، ولكني تركته على حاله ، ووضعت مكان ذلك نقطًا.
(66) في المطبوعة: "أولي الفضل" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(67) في المطبوعة: "رضي الله عنهما".
(68) الأثر: 9875 -"أحمد بن عمرو البصري" ، لم أجده في كتب التراجم ، وظننت أنه"أحمد بن عمرو بن عبد الخالق" البزار ، أبو بكر العتكي البصري ، من أهل البصرة ، قال الخطيب: "كان ثقة حافظًا ، صنف المسند ، وتكلم على الأحاديث ، وبنى عللها ، وقدم بغداد وحدث بها" ومات بالرملة سنة 291 ، فهو خليق أن يكون رآه أبو جعفر وروى عنه في بغداد أو في الرملة. مترجم في تاريخ بغداد 4: 334.
و"حفص بن عمر العدني" مضت ترجمته برقم: 6796.
(69) الزيادة بين القوسين ، أراها زيادة لا غنى عنها.
(70) الحديث: 9876 - ابن أبي فديك: هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك المدني. وهو ثقة معروف ، من شيوخ الشافعي وأحمد. أخرج له الجماعة.
عبد الله بن محمد بن عروة: هو عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير المدني. قال أبو حاتم: "هو متروك الحديث ، ضعيف الحديث جدًا". وقال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الثقات". مترجم في لسان الميزان 3: 331 - 332 ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 158.
فهذا حديث ضعيف جدًا ، لم نجده إلا في هذا الموضع.
وقد نقله ابن كثير 2: 495 ، والسيوطي 2: 177- ولم ينسباه لغير الطبري.
(71) الحديثان: 9877 ، 9878 - يحيى في الإسناد الأول: هو ابن سعيد القطان.
وخالد - في الإسناد الثاني: هو ابن الحارث الهجيمي البصري. مضت ترجمته في: 7818.
عبيد الله - في الإسنادين: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، العمري.
ووقع في المطبوعة ، في الإسنادين: "يحيى بن عبيد الله" ، "خالد بن عبيد الله"! وهو خطأ واضح ، صوابه من المخطوطة.
والحديث رواه أحمد في المسند: 4668 ، عن يحيى ، وهو القطان ، بمثل الإسناد الأول هنا.
ورواه أيضًا: 6278 ، عن ابن نمير ، عن عبيد الله ، به.
وقد شرحناه شرحًا وافيًا ، وخرجناه - في الموضع الأول.
وذكره ابن كثير 2: 494 ، من رواية أبي داود - من طريق يحيى القطان. ثم نسبه للشيخين من طريق يحيى.
وقصر السيوطي جدًا ، إذ ذكره 2: 177 ، ونسبه لابن أبي شيبة ، وابن جرير - فقط! وهو في المسند والصحيحين وغيرهما.
(72) الحديثان: 9877 ، 9878 - يحيى في الإسناد الأول: هو ابن سعيد القطان.
وخالد - في الإسناد الثاني: هو ابن الحارث الهجيمي البصري. مضت ترجمته في: 7818.
عبيد الله - في الإسنادين: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، العمري.
ووقع في المطبوعة ، في الإسنادين: "يحيى بن عبيد الله" ، "خالد بن عبيد الله"! وهو خطأ واضح ، صوابه من المخطوطة.
والحديث رواه أحمد في المسند: 4668 ، عن يحيى ، وهو القطان ، بمثل الإسناد الأول هنا.
ورواه أيضًا: 6278 ، عن ابن نمير ، عن عبيد الله ، به.
وقد شرحناه شرحًا وافيًا ، وخرجناه - في الموضع الأول.
وذكره ابن كثير 2: 494 ، من رواية أبي داود - من طريق يحيى القطان. ثم نسبه للشيخين من طريق يحيى.
وقصر السيوطي جدًا ، إذ ذكره 2: 177 ، ونسبه لابن أبي شيبة ، وابن جرير - فقط! وهو في المسند والصحيحين وغيرهما.
(73) في المطبوعة: "ومن ولاه المسلمون" ، وأثبت ما في المخطوطة ، ولم يرد أبو جعفر معنى ما كان في المطبوعة ، بل أراد: ومن ولاه الأئمة أمور المسلمين.
(74) انظر تفسير"تنازع" فيما سلف 7: 289.
(75) انظر ما سلف 6: 204 - 206.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 59 | ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ |
---|
النور: 2 | ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء