ترتيب المصحف | 4 | ترتيب النزول | 92 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 29.50 |
عدد الآيات | 176 | عدد الأجزاء | 1.50 |
عدد الأحزاب | 3.00 | عدد الأرباع | 12.00 |
ترتيب الطول | 2 | تبدأ في الجزء | 4 |
تنتهي في الجزء | 6 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 1/10 | يا أيها النَّاس: 1/2 |
بعدَ ذِكْرِ الميثاقِ ذَكَرَ هنا نقضَهم له وبقيةَ أسبابِ لَعْنِهم: كفرِهم، وقتلِهم الأنبياءَ، ورميِهم مريمَ بالزنا، وقولُهم إنَّا قتلْنا المسيحَ، وما قتلُوه، إنما صلبُوا رجلًا شبيهًا به، ورفعَه اللهُ إلى السماءِ حيًّا.
لمَّا ذكرَ اللهُ قصدَ اليهودِ قتلِ عيسى عليه السلام بَيَّنَ هنا أنَّهم سيؤمنُونَ به بعدَ نزولِه آخرَ الزمانِ، ثُمَّ بَيَّنَ جرائمَهم التي بسببِها حَرَّمَ عليهم طيباتٍ كانتْ حَلالًا لهم، وأنصفَ المؤمنينَ منهم.
التفسير :
تفسير الايات 152 حتى 159:ـ هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم،{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟ بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلهًا يعبدونه، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري. ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة. وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم:إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه. وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه ما تقول لهم ولا تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه. فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن له مقدمات يُجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله:{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يحتمل أن الضمير هنا في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟"ويحتمل أن الضمير في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} راجع إلى عيسى عليه السلام، فيكون المعنى:وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟ وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه، وأنه لا يشهد إلا بالحق، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل.
ثم عدد - سبحانه - ألونا أخرى من جرائمهم التى عقابهم عليها شديدا فقال - تعالى -: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }.
والفاء فى قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } للتفريع على ما تقدم من قوله { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } والباء للسببية، وما هنا مزيدة لتأكيد نقضهم للميثاق. والجر والمجرور متعلق بمحذف لتذهب نفس السامع فى تقديره كل مذهب فى التهويل والتشنيع على هؤلاء الناقضين لعهودهم مع الله - تعالى - فيكون المعنى:
فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم وبسبب كفرهم بآياتنا، وبسبب قتلهم لأنبيائنا، وبسبب أقوالهم الكاذبة. بسبب كل ذلك فعلنا بهم ما فعلنا من أنواع العقوبات الشديدة، وأنزلنا بهم ما أنزلنا من ظلم ومهانة وصغار ومسخ....الخ.
ويرى بعضهم أن الجار والمجرور متعلق بقوله - تعالى - بعد ذلك { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ }...
أى: فبسبب نقضهم للميثاق. وكفرهم بآيات الله حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم.
قال الفخر الرازى: واعلم أن القول الأول أولى ويدل عليه وجهان:
أحدهما: أن الكلام طويل جداً من قوله: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } إلى قوله: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ }.
الثانى: أن تلك الجنايات المذكورة بعد قوله - تعالى - { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } عظيمة جدا. لأن كفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء، وإنكارهم للتكليف بقولهم: قلوبنا غلف، أعظم الذنوب، وذكر الذنوب العظيمة، إنما يليق أن يفرع عليه العقوبة العظيمة، وتحريم بعض المأكولات عقوبة خفيفة فلا يحسن تعليقه بتلك الجنايات الكبيرة ".
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد لعن بنى إسرائيل كما جاء فى قوله - تعالى -
{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ }
ومسخهم قردة وخنازير كما جاء فى قوله - تعالى
{ فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }
وكما فى قوله - تعالى -
{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ }
وتلك العقوبات كلها إنما كانت بسبب الجنايات والمنكرات التي سجلتها عليهم الآيات القرآنية؛ والتى من أجمعها هذه الآيات التى معنا.
فالآيات التى معنا تسجل عليهم نقضهم للمواثيق، ثم تسجل عليهم - ثانيا - كفرهم بآيات الله.
وقد عطف - سبحانه - كفرهم بآياته على نقضهم للميثاق الذى أخذه عليهم مع أن ذلك الكفر من ثمرات النقض، للإِشعار بأن النقض فى ذاته إثم عظيم والكفر فى ذاته إثم عظيم - أيضا - من غير التفات إلى أن له سبباً أو ليس له سبب.
وسجل عليهم - ثالثا - قتلهم الأنبياء بغير حق. فقد قتلوا زكريا ويحيى وغيرهما من رسل الله - تعالى -.
ولا شك أن قتل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يدل على شناعة جريمة من قتلهم وعلى توغله فى الجحود والعناد والفجور إلى درجة تعجز العبارات عن وصفها، لأنه بقتله للدعاة إلى الحق، لا يريد للحق أن يظهر ولا للفضيلة أن تنتشر، ولا للخير أن يسود، وإنما يريد أن تكون الأباطيل والرذائل والشرور هى السائدة فى الأرض.
وقوله: { بِغَيْرِ حَقٍّ } ليس قيدا؛ لأن قتل النبيين لا يكون بحق أبداً، وإنما المراد من قوله: { بِغَيْرِ حَقٍّ } بيان أن هؤلاء القاتلين قد بلغوا النهاية فى الظلم والفجور والتعدى.لأنهم قد قتلوا أنبياء الله بدون أى مسوغ يسوغ ذلك، وبدون أية شبهة تحملهم على ارتكاب ما ارتكبوا، وإنما فعلوا ما فعلوا لمجرد إرضاء أحقادهم وشهواتهم وأهوائهم...
وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى قوله: فإن قلت: وقتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق فما فائدة ذكره؟ قلت. معناه أنهم قتلوهم بغير حق عندهم - ولا عند غيرهم -، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا فى الأرض فيقتلوا. وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم. فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به القتل.
ثم سجل عليهم - رابعا - قولهم { قُلُوبُنَا غُلْفٌ }.
وقوله: { غُلْفٌ } جمع أغلف - كحمر جمع أحمر - والشئ الأغلف هو الذى جعل عليه شىء يمنع وصول شئ آخر إليه.
والمعنى: أن هؤلاء الجاحدين قد قالوا عندما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحق إن قلوبنا قد خلقها الله مغطاة بأغطية غليظة، وهذه الأغطية جعلتنا لا نعى شيئا مما تقوله يا محمد، ولا نفقه شيئا مما تدعونا إليه، فهم بهذا الكلام الذى حكاه القرآن عنهم، يريدون أن يتنصلوا من مسئوليتهم عن كفرهم، لأنهم يزعمون أن قلوبهم قد خلقها الله بهذه الطريقة التى حالت بينهم وبين فهم ما يراد منهم.
وقريب من هذا قوله - تعالى - حكاية عن المشركين:
{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }
وقيل: إن قوله: وغلف: جمع غلاف - ككتب وكتاب - وعليه يكون المعنى: أنهم قالوا إن قلوبنا غلف أى أوعية للعلم شأنها فى ذلك شأن الكتب، فلا حاجة بنا يا محمد إلى ما تدعونا إليه، لأننا عندنا ما يكفينا.
والذى يبدو لنا أن التأويل الأول أولى، لأنه أقرب إلى سياق الآية، فقد رد الله عليهم بقوله: { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }. والطبع معناه. إحكام الغلق على الشئ وختمه بحيث لا ينفذ إليه شئ آخر.
والمعنى: أن هؤلاء القائلين إن قلوبهم غلف كاذبون فيما يقولون، وتخليهم عن مسئولية الكفر ليس صحيحا. لأن كفرهم ليس سببه أن قلوبهم قد خلقت مغطاة بأغطية تحجب عنها إدراك الحق - كما يزعمون - بل الحق أن الله - تعالى - ختم عليها، وطمس معالم الحق فيها، بسبب كفرهم وأعمالهم القبيحة. فهو - سبحانه - قد خلق القلوب على الفطرة، بحيث تتمكن من اختيار الخير والشر، إلا أن هؤلاء اليهود قد أعرضوا عن الخير إلى الشر، واختاروا الكفر على الإِيمان نتيجة انقيادهم لأهوائهم وشهواتهم. فالله - تعالى - طبع على قلوبهم بسبب إيثارهم سبيل الغى على سبيل الرشد، فصاروا لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا قيمة له عند الله - تعالى -.
فقوله { إِلاَّ قَلِيلاً } نعت لمصدر محذوف أى إلا إيماناً قليلا. كإيمانهم بنبوة موسى - عليه السلام - وإنما كان إيمانهم هذا لا قيمة له عند الله، لأن الإِيمان ببعض الأنبياء والكفر ببعضهم، يعتبره الإِسلام كفرا بالكل كما سبق أن بينا فى قوله - تعالى -
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً }
ومنهم من جعل قوله { إِلاَّ قَلِيلاً } صفة لزمان محذوف أى: فلا يؤمنون إلا زمانا قليلا. ومنهم من جعل الاستثناء فى قوله { إِلاَّ قَلِيلاً } من جماعة اليهود المدلول عليهم بالواو فى قوله { فَلاَ يُؤْمِنُونَ } أى: فلا يؤمنون إلا عددا قليلا منهم كعبد الله بن سلام وأشباهه. والجملة الكريمة وهى قوله: { طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } معترضة بين الجمل المتعاطفة. وقد جئ بها للمسارعة إلى رد مزاعمهم الفاسدة، وأقاربهم الباطلة.
وهذه من الذنوب التي ارتكبوها ، مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى ، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم ، وكفرهم بآيات الله ، أي : حججه وبراهينه ، والمعجزات التي شاهدوها على أيدي الأنبياء ، عليهم السلام .
قوله ( وقتلهم الأنبياء بغير حق ) وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله ، فإنهم قتلوا جما غفيرا من الأنبياء [ بغير حق ] عليهم السلام .
وقولهم : ( قلوبنا غلف ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، وغير واحد : أي في غطاء . وهذا كقول المشركين : ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه [ وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون ] ) [ فصلت : 5 ] . وقيل : معناه أنهم ادعوا أن قلوبهم غلف للعلم ، أي : أوعية للعلم قد حوته وحصلته . رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس . وقد تقدم نظيره في سورة البقرة .
قال الله تعالى : ( بل طبع الله عليها بكفرهم ) فعلى القول الأول كأنهم يعتذرون إليه بأن قلوبهم لا تعي ما يقول ; لأنها في غلف وفي أكنة ، قال الله [ تعالى ] بل هو مطبوع عليها بكفرهم . وعلى القول الثاني عكس عليهم ما ادعوه من كل وجه ، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة البقرة .
( فلا يؤمنون إلا قليلا ) أي : مردت قلوبهم على الكفر والطغيان وقلة الإيمان .
القول في تأويل قوله : فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا (155)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: فبنقض هؤلاء الذين وصفتُ صفتهم من أهل الكتاب=" ميثاقهم "، يعني: عهودهم التي عاهدوا الله أن يعملوا بما في التوراة (1) =" وكفرهم بآيات الله "، يقول: وجحودهم=" بآيات الله "، يعني: بأعلام الله وأدلته التي احتج بها عليهم في صدق أنبيائه ورسله (2) وحقيقة ما جاءوهم به من عنده (3) =" وقتلهم الأنبياء بغير حق "، يقول: وبقتلهم الأنبياء بعد قيام الحجة عليهم بنبوّتهم=" بغير حق "، يعني: بغير استحقاق منهم ذلك لكبيرة أتوها، ولا خطيئة استوجبوا القتل عليها (4) =" وقولهم قلوبنا غلف "، يعني: وبقولهم " قلوبنا غلف "، يعني: يقولون: عليها غِشاوة وأغطِية عما تدعونا إليه، فلا نفقَه ما تقول ولا نعقله.
* * *
وقد بينا معنى: " الغلف "، وذكرنا ما في ذلك من الرواية فيما مضى قبل. (5)
* * *
=" بل طبع الله عليها بكفرهم "، يقول جل ثناؤه: كذبوا في قولهم: " قلوبنا غلف "، ما هي بغلف، ولا عليها أغطية، ولكن الله جل ثناؤه جعل عليها طابعًا بكفرهم بالله.
* * *
وقد بينا صفة " الطبع على القلب "، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (6)
* * *
=" فلا يؤمنون إلا قليلا "، يقول: فلا يؤمن -هؤلاء الذين وصف الله صفتهم، لطبعه على قلوبهم، فيصدقوا بالله ورسله وما جاءتهم به من عند الله- إلا إيمانًا قليلا يعني: تصديقًا قليلا وإنما صار " قليلا "، (7) لأنهم لم يصدقوا على ما أمرهم الله به، ولكن صدَّقوا ببعض الأنبياء وببعض الكتب، وكذبوا ببعض. فكان تصديقهم بما صدَّقوا به قليلا لأنهم وإن صدقوا به من وجه، فهم به مكذبون من وجه آخر، وذلك من وجه تكذيبهم من كذَّبوا به من الأنبياء وما جاءوا به من كتب الله، ورسلُ الله يصدِّق بعضهم بعضًا. وبذلك أمر كل نبي أمته. وكذلك كتب الله يصدق بعضها بعضًا، ويحقق بعض بعضًا. فالمكذب ببعضها مكذب بجميعها، من جهة جحوده ما صدقه الكتاب الذي يقرّ بصحته. فلذلك صار إيمانهم بما آمنوا من ذلك قليلا. (8)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
10774- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " فبما نقضهم ميثاقهم "، يقول: فبنقضهم ميثاقهم لعنَّاهم=" وقولهم قلوبنا غلف "، أي لا نفقه= ،" بل طبع الله عليها بكفرهم "، ولعنهم حين فعلوا ذلك.
* * *
واختلف في معنى قوله: " فبما نقضهم "، الآية، هل هو مواصلٌ لما قبله من الكلام، أو هو منفصل منه. (9)
فقال بعضهم: هو منفصل مما قبله، ومعناه: فبنقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف، طبع الله عليها بكفرهم ولعنهم. (10)
*ذكر من قال ذلك:
10775- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فلا يؤمنون إلا قليلا "، لما ترك القوم أمرَ الله، وقتلوا رسله، وكفروا بآياته، ونقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم، طبع الله عليها بكفرهم ولعنهم.
* * *
وقال آخرون: بل هو مواصل لما قبله. قالوا: ومعنى الكلام: فأخذتهم الصاعقة بظلمهم= فبنقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وبقتلهم الأنبياء بغير حق، وبكذا وكذا أخذتهم الصاعقة. قالوا: فتبع الكلام بعضه بعضًا، ومعناه: مردود إلى أوله. وتفسير " ظلمهم "، الذي أخذتهم الصاعقة من أجله، بما فسر به تعالى ذكره، من نقضهم الميثاق، وقتلهم الأنبياء، وسائر ما بيَّن من أمرهم الذي ظلموا فيه أنفسهم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن قوله: " فبما نقضهم ميثاقهم " وما بعده، منفصل معناه من معنى ما قبله، وأن معنى الكلام: فبما نقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وبكذا وبكذا، لعناهم وغضبنا عليهم= فترك ذكر " لعناهم "، لدلالة قوله: " بل طبع الله عليها بكفرهم "، على معنى ذلك. إذ كان من طبع على قلبه، فقد لُعِن وسُخِط عليه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الذين أخذتهم الصاعقة، إنما كانوا على عهد موسى= والذين قتلوا الأنبياء، والذين رموا مريم بالبهتان العظيم، وقالوا: قَتَلْنَا الْمَسِيحَ ، كانوا بعد موسى بدهر طويل. ولم يدرك الذين رموا مريم بالبهتان العظيم زمان موسى، ولا من صُعق من قومه.
وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنّ الذين أخذتهم الصاعقة، لم تأخذهم عقوبةً لرميهم مريم بالبهتان العظيم، ولا لقولهم: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ . وإذ كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ أن القوم الذين قالوا هذه المقالة، غير الذين عوقبوا بالصاعقة. وإذ كان ذلك كذلك، كان بيِّنًا انفصال معنى قوله: " فبما نقضهم ميثاقهم "، من معنى قوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ .
--------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"الميثاق" آنفًا ص: 362 ، تعليق: 2.
(2) انظر تفسير"الآيات" فيما سلف من فهارس اللغة ، مادة (أيي).
(3) في المطبوعة: "وحقية ما جاؤوهم به" ، بدل ما في المخطوطة. وانظر التعليق السالف ص: 360 ، تعليق: 2.
(4) انظر تفسير"قتل الأنبياء بغير حق" فيما سلف 7 : 116 ، 117 ، 446.
(5) انظر تفسير"غلف" فيما سلف 2 : 324-328.
(6) انظر تفسير"الطبع" فيما سلف 1 : 258. ولم يمض ذكر"الطبع" بهذا اللفظ في آية قبل هذه الآية ، ولكنه نسي ، إنما الذي مضى ما هو في معناه وهو"ختم الله على قلوبهم" ، و"الختم" هو"الطبع".
(7) انظر تفسير"قليل" فيما سلف 2 : 329-331 / 8 : 439 ، 577.
(8) تفسير"قليل" فيما سلف من الآيات التي أشرنا إليها ، فهو أجود مما هنا.
(9) وانظر زيادة"ما" في قوله"فبما نقضهم ميثاقهم" فيما سلف 7 : 340. وترك أبي جعفر بيان ذلك هنا ، أحد الأدلة على منهاجه في اختصار هذا التفسير.
(10) في المطبوعة: "بل طبع الله عليها" كنص الآية ، وهو لا يستقيم ، والصواب ما في المخطوطة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 155 | ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّـهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ |
---|
المائدة: 13 | ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
بل طبع:
قرئ:
1- بإدغام لام «بل» فى طاء «طبع» ، وهى قراءة الكسائي، وحمزة.
2- بالإظهار، وهى قراءة باقى السبعة.
التفسير :
تفسير الايات 152 حتى 159:ـ هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم،{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟ بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلهًا يعبدونه، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري. ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة. وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم:إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه. وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه ما تقول لهم ولا تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه. فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن له مقدمات يُجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله:{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يحتمل أن الضمير هنا في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟"ويحتمل أن الضمير في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} راجع إلى عيسى عليه السلام، فيكون المعنى:وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟ وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه، وأنه لا يشهد إلا بالحق، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل.
ثم سجل عليهم - خامسا وسادسا - جريمتين شنيعتين فقال: { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }.
والمراد بالكفر هنا: كفرهم بعيسى - عليه السلام - وهو غير الكفر المذكور قبل ذلك فى قوله: { طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } لأن المراد به هنا مطلق الجحود الذى لا يجعل الشخص يستقر على شئ، فهو إنكار مطلق للحق.
وقد أشار إلى هذا المعنى الآلوسى بقوله: وقوله: { بِكُفْرِهِمْ } عطف على { بِكُفْرِهِمْ } الذى قبله - وهو قوله - تعالى - { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } - ولا يتوهم أنه من عطف الشئ على نفسه ولا فائدة فيه، لأن المراد بالكفر المعطوف: الكفر بعيسى. والمراد بالكفر المعطوف عليه: إما الكفر المطلق. أو الكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لاقترانه بقوله - تعالى - { قُلُوبُنَا غُلْفٌ }. وقد حكى الله عنهم هذه المقالة فى مواجهتهم له - عليه الصلاة والسلام - فى مواضع. ففى العطف إيذان بصلاحية كل من الكفرين للسببية ويجوز ان يكون قوله: { بِكُفْرِهِمْ } معطوف على قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم }.
والبهتان: هو الكذب الشديد الذى لا تقبله العقول، بل يحيرها ويدهشها لغرابته وبعده عن الحقيقة. يقال: بهت فلان فلانا، إذا قال فيه قولا يدهشه ويحيره لغرابته وشناعته فى الكذب والافتراء.
والمعنى: إن من أسباب لعن اليهود وضرب الذلة والمسكنة عليهم، كفرهم بعيسى - عليه السلام -، وهو الرسول المبعوث إليهم ليهديهم إلى الحق وإلى الطريق المستقيم. وافتراؤهم الكذب على مريم أم عيسى، ورميهم لها بما هى بريئة منه، وغافلة عنه، فقد اتهموها بالفاحشة لولادتها لعيسى من غير أب. وقد برأها الله - تعالى - مما نسبوه إليها. فى قوله - تعالى
{ وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ }
وقوله: { بُهْتَاناً } منصوب على أنه مفعول به لقوله - تعالى - { وَقَوْلِهِمْ } ، فإنه متضمن معنى كلام نحو: قلت خطبة وشعرا. ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف، أى: وبفكرهم وقولهم على مريم قولا بهتانا. أو هو مصدر فى موضع الحال أى: مباهتين. ووصفه بالعظم لشناعته وبلوغه النهاية فى الكذب والافتراء.
( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " يعني أنهم رموها بالزنا " . وكذا قال السدي ، وجويبر ، ومحمد بن إسحاق وغير واحد . وهو ظاهر من الآية : أنهم رموها وابنها بالعظائم ، فجعلوها زانية ، وقد حملت بولدها من ذلك - زاد بعضهم : وهي حائض - فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
القول في تأويل قوله : وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وبكفر هؤلاء الذين وصف صفتهم=" وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا "، يعني: بفريتهم عليها، ورميهم إياها بالزنا، وهو " البهتان العظيم "، لأنهم رموها بذلك، وهي مما رموها به بغير ثَبَتٍ ولا برهان بريئة، فبهتوها بالباطل من القول. (11)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
10776- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا "، يعني: أنهم رموها بالزنا.
10777- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا "، حين قذفوها بالزنا.
10778- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعلى بن عُبَيد، عن جويبر في قوله: " وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا "، قال: قالوا: " زنت ".
-----------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف 5 : 432 / 8 : 124 / 9 ، 197.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الايات 152 حتى 159:ـ هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم،{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟ بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلهًا يعبدونه، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري. ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة. وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم:إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه. وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه ما تقول لهم ولا تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه. فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن له مقدمات يُجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله:{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يحتمل أن الضمير هنا في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟"ويحتمل أن الضمير في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} راجع إلى عيسى عليه السلام، فيكون المعنى:وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟ وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه، وأنه لا يشهد إلا بالحق، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل.
ثم سجل عليهم بعد ذلك رذيلة سابعة ورد عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويفضحهم على رءوس الأشهاد فى كل زمان ومكان فقال: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } والمسيح: لقب تشريف وتكريم لعيسى - عليه السلام - قيل: لقب بذلك لأنه ممسوح من كل خلق ذميم. وقيل: لأنه مسح بالبركة كما فى قوله - تعالى -:
{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ }
وقيل لأن الله مسح عنه الذنوب.
أى: وبسبب قولهم على سبيل التبجح والتفاخر إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، لعنهم الله وغضب عليهم، كما لعنهم وغضب عليهم - أيضا - بسبب جرائمهم السابقة.
وهذا القول الذى صدر عنهم هو فى ذاته جريمة؛ لأنهم قالوه على سبيل التبجح والتفاخر لقتلهم - فى زعمهم - نبيا من أنبياء الله، ورسولا من أولى العزم من الرسل. وقولهم هذا وإن كان يخالف الحقيقة والواقع، إلا أنه يدل على أنهم أرادوا قتله فعلا، وسلكوا كل السبل لبلوغ غايتهم الدنيئة، فدسوا عليه عند الرومان، ووصفوه بالدجل والشعوذة، وحاولوا أن يسلموه لأعدائه ليصلبوه، بل زعموا أنهم أسلموه فعلا لهم، ولكن الله - تعالى - خيب سعيهم، وأبطل مكرهم، وحال بينهم وبين ما يشتهون، حيث نجى عيسى - عليه السلام - من شرورهم، ورفعه إليه دون أن يمسه سوء منهم.
ولا شك أن ما صدر عن اليهود فى حق عيسى - عليه السلام - من محاولة قتله، واتخاذ كل وسيلة لتنفيذ غايتهم، ثم تفاخرهم بأنهم قتلوه وصلبوه، لا شك أن كل ذلك يعتبر من أكبر الجرائم؛ لأنه من المقرر فى الشرائع والقوانين أن من شرع فى ارتكاب جريمة من الجرائم واتخذ كل الوسائل لتنفيذها، ولكنها لم تتم لأمر خارج عن إرادته، فإنه يعد من المجرمين الذين يستحقون العقاب الشديد.
واليهود قد اتخذوا كافة الطرق لقتل عيسى - عليه السلام - كما بينا -، ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون لأسباب خارجة عن طاقتهم. ومعنى هذا أنه لو بقيت لهم أية وسيلة لإِتمام جريمتهم النكراء لما تقاعسوا عنها، ولأسرعوا فى تنفيذها فهم يستحقون عقوبة المجرم فى تفكيره، وفى نيته، وفى شروعه الأثيم، لارتكاب ما نهى الله عنه.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كانوا كافرين بعيسى - عليه السلام - أعداء له، عامدين لقتله، يسمونه الساحر ابن الساحرة، والفاعل ابن الفاعلة، فيكف قالوا: { إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ }؟
قلت: قالوه على وجه الاستهزاء، كقول فرعون
{ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }
ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح فى الحكاية عنهم، رفعا لعيسى عما كانوا يذكرونه به، وتعظيما لما أرادوا بمثله كقوله:
{ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً }
وقوله - تعالى - { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } رد على مزاعمهم الكاذبة، وأقاويلهم الباطلة التى تفاخروا بها بأنهم قتلوا عيسى - عليه السلام -. أى: إن ما قاله اليهود متفاخرين به، وهو زعمهم أنه قتلوا عيسى - عليه السلام -، هو من باب أكاذيبهم المعروفة عنهم؛ فإنهم ما قتلوه، وما صلبوه ولكن الحق أنهم قتلوا رجلا آخر يشبه عيسى - عليه السلام - فى الخلقة فظنوه إياه وقتلوه وصلبوه، ثم قالوا. إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله.
قال الفخر الرازى: قوله: { شُبِّهَ } مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه. وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر؟ والجواب من وجهين:
الأول: أنه مسند إلى الجار والمجرور. وهو كقولك: خيل إليه. كأنه قيل: ولكن وقع لهم الشبه. الثانى: أن يسند إلى ضمير المقتول، لأن قوله { وَمَا قَتَلُوهُ } يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكورا بهذا الطريق فحسن إسناد { شُبِّهَ } إليه.
وقال فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف قوله: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ } زعم أكثر اليهود أنهم قتلوا المسيح وصلبوه، فأكذبهم الله - تعالى - فى ذلك وقال: { وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ }. أى: شبه لهم المقتول بأن ألقى عليه شبه المسيح فلما دخلوا عليه ليقتلوه - أى ليقتلوا المسيح - وجدوا الشبيه فقتلوه وصلبوه، يظنونه المسيح وما هو فى الواقع، إذ قد رفع الله عيسى إلى السماء، ونجاه من شر الأعداء.
وقيل المعنى: ولكن التبس عليهم الأمر حيث ظنوا المقتول عيسى كما أوهمهم بذلك أحبارهم.
هذا، وللمفسرين فى بيان كيفية التشبيه لهم وجوه من أهمها اثنان:
الأول: أن الله - تعالى - ألقى شبه عيسى - عليه السلام - على أحد الذين خانوه ودبروا قتله وهو (يهوذا الإِسخربوطى) الذى كان عينا وجاسوسا على المسيح، والذى أرشد الجند الذين أرادوا قتله إلى مكانه، وقال لهم: من أقبله أمامكم يكون هو المسيح، فاقبضوا عليه لتقتلوه، فدخل بيت عيسى ليدلهم عليه ليقتلوه فرفع الله عيسى، وألقى شبهه على المنافق، فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى.
وهذا الوجه قد جاء مفصلا فى بعض الأناجيل وأشار إليه الآلوسى بقوله: كان رجل من الحواريين ينافس عيسى - عليه السلام - فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه، وأخذ على ذلك ثلاثين درهما، فدخل بيت عيسى - عليه السلام - فرفع الله عيسى، وألقى شبهه على المنافق، فدخلوا عليه فتقوله، وهم يظنون أنه عيسى.
الثانى: أن الله - تعالى - القى شبه المسيح على أحد تلاميذه المخلصين حينا أجمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بأنه سيرفعه إليه، فقال لأصحابه أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم أنا. فألقى الله صورة عيسى عليه، فقتل ذلك الرجل وصلب.
وقد أطال الإِمام ابن كثير فى ذكر الروايات التى تؤيد هذا الوجه، ومنها قوله: عن ابن عباس قال: لما أراد الله - تعالى - أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج على أصحابه وفى البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين فقال لهم إن منكم من يكفر بعدى اثنتى عشرة مرة بعد أن آمن بى.
قال: ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهى فيقتل مكانى، ويكون معى فى درجتى؟
فقام شاب من أحدثهم سنا.
فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم. فقام ذلك الشاب. فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم. فقام ذلك الشاب. فقال: أنا. فقال له عيسى، هو أنت ذاك. فألقى عليه شبه عيسى. ورفع عيسى من روزنة فى البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه، فكفر به بعضهم اثنتى عشرة مرة بعد أن آمن. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح عن ابن عباس، ورواه النسائى عن أبى كريب عن أبى معاوية، وقال غير واحد من السلف: أنه قال لهم. أيكم يلقى عليه شبهى فيقتل مكانى وهو رفيقى فى الجن...؟.
والذى يجب اعتقاده بنص القرآن الكريم أن عيسى - عليه السلام لم يقتل ولم يصلب، وإنما رفعه الله إليهم، ونجاه من مكر أعدائه، أما الذى قتل وصلب فهو شخص سواه.
ثم قال - تعالى - { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ }. أى: وإن الذين اختلفوا فى شأن عيسى من أهل الكتاب لفى شك دائم من حقيقة أمره. أى: فى حيرة وتردد، ليس عندهم علم ثابت قطعى فى شأنه، أو فى شأن قتله، ولكنهم لا يتبعون فيما يقولونه عنه إلا الظن الذى لا تثبت به حجة. ولا يقوم عليه برهان.
ولقد اختلف أهل الكتاب فى شأن عيسى اختلافا كبيراً. فمنهم من زعم أنه ابن الله. وادعى أن فى عيسى عنصرا إليها مع العنصر الإِنسانى. وأن الذى ولدته مريم هو العنصر الإِنسانى. ثم أفاض عليه بعد ذلك العنصر الإِلهى.
ومنهم من قال: إن مريم ولدت العنصرين معا.
ولقد اختلفوا فى أمر قتله. فقال بعض اليهود: إنه كان كاذبا فقتلناه قتلا حقيقا، وتردد آخرون فقالوا: إن كان المقتول عيسى فأين صاحبنا. وإن كان المقتول صاحبنا فأين عيسى؟
وقال آخرون: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا.
إلى غير ذلك من خلافاتهم التى لا تنتهى حول حقيقة عيسى وحول مسألة قتله وصلبه.
فالمراد بالموصول فى قوله: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ } ما يعم اليهود والنصارى جميعا. والضمير فى قوله (فيه) يعود إلى عيسى - عليه السلام -.
وقوله { مِّنْهُ } جار مجرور متعلق بمحذوف صفة الشك.
قال الآلوسى: وأصل الشك أن يستعمل فى تساوى الطرفين، وقد يستعمل فى لازم معناه وهو التردد مطلقا، وإن لم يترجح أحد طرفيه وهو المراد هنا. ولذا أكده بنفى العلم الشامل لذلك أيضا بقوله - سبحانه -: { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ }.
وقوله { إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } الراجح أن الاستثناء فيه منقطع، أى مالهم به من علم لكنهم يتبعون الظن.
وقيل: هو متصل، لأن العلم والظن يجمعهما مطلق الإدراك.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: قد وصفوا بالشك والشك أن لا يترجح أحد الجائزين.
ثم وصفوا بالظن والظن أن يترجح أحدهما فيكف يكونون شاكين ظانين؟ قلت: أريد أنهم شاكون ما لهم من علم قط، ولكن إن لاحت لهم إمارة ظنوا.
ولم يرتض هذا الجواب صاحب الانتصاف فقال: وليس فى هذا الجواب شفاء الغليل. والظاهر - والله أعلم - أنهم كانوا أغلب أحوالهم الشك فى أمرهم والتردد، فجاءت العبارة الأولى على ما يغلب من حالهم، ثم كانوا لا يخلون من ظن فى بعض الأحوال وعنده يقفون لا يرتفعون إلى العلم فيه البتة. وكيف يعلم الشئ على خلاف ما هو به؟ فجاءت العبارة الثانية على حالهم النادرة فى الظن نافية عنهم ما يترقى عن الظن.
وقوله: { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } تأكيد لنجاة عيسى مما يزعمونه من قتلهم له، وبيان لما أكرمه الله به من رعاية وتشريف.
واليقين: هو العلم الجازم الذى لا يحمتل الشك والضمير فى قوله { وَمَا قَتَلُوهُ } لعيسى.
وقوله { يَقِيناً } ذكر النحاة فى إعرابه وجوها من أشهرها: أنه نعت لمصدر محذوف مأخوذ من لفظ قتلوه: أى: ما قتلوه قتلا يقينا، أى متيقنين معه من أن المقتول عيسى عليه السلام - وهذا فيه ترشيح للاختلاف والشك الذى اعتراهم.
أو هو حال مؤكدة لنفى القتل. أى انتفى قتلهم إياه إنتفاء يقينا. فاليقين منصب على النفى. أى: أن: نفى كونه قد قتل أمر متيقن مؤكد مجزوم به، وليس ظنا كظنكم أو وهما كوهمكم يا معشر أهل الكتاب.
وقد أشار صاحب الكشاف إلى ذلك بقوله: قوله: { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أى: وما قتلوه قتلا يقينا. أو ما قتلوه متيقنين كما ادعوا ذلك فى قولهم { إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ } أو يجعل { يَقِيناً } تأكيدا لقوله: { وَمَا قَتَلُوهُ } كقولك: ما قتلوه حقا. أى حق انتفاء قتله حقا.
وقولهم : ( إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه . وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء ، كقول المشركين : ( يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) [ الحجر : 6 ] .
وكان من خبر اليهود - عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه - أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى ، حسدوه على ما آتاه الله من النبوة والمعجزات الباهرات ، التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، ويصور من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه بإذن الله ، عز وجل ، إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه ، ومع هذا كذبوه وخالفوه ، وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم ، حتى جعل نبي الله عيسى ، عليه السلام ، لا يساكنهم في بلدة ، بل يكثر السياحة هو وأمه ، عليهما السلام ، ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان - وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب ، وكان يقال لأهل ملته : اليونان - وأنهوا إليه : أن ببيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه . فغضب الملك من هذا ، وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور ، وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه ، ويكف أذاه على الناس . فلما وصل الكتاب امتثل متولي بيت المقدس ذلك ، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى ، عليه السلام ، وهو في جماعة من أصحابه ، اثنا عشر أو ثلاثة عشر - وقيل : سبعة عشر نفرا - وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت ، فحصروه هنالك . فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه ، أو خروجه عليهم قال لأصحابه : أيكم يلقى عليه شبهي ، وهو رفيقي في الجنة ؟ فانتدب لذلك شاب منهم ، فكأنه استصغره عن ذلك ، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب - فقال : أنت هو - وألقى الله عليه شبه عيسى ، حتى كأنه هو ، وفتحت روزنة من سقف البيت ، وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم ، فرفع إلى السماء وهو كذلك ، كما قال [ الله ] تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [ ومطهرك من الذين كفروا ] ) الآية [ آل عمران : 55 ] .
فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى ، فأخذوه في الليل وصلبوه ، ووضعوا الشوك على رأسه ، فأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك ، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ، ما عدا من كان في البيت مع المسيح ، فإنهم شاهدوا رفعه ، وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم ، حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت ، ويقال : إنه خاطبها ، والله أعلم .
وهذا كله من امتحان الله عباده ; لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، وقد أوضح الله الأمر وجلاه وبينه وأظهره في القرآن العظيم ، الذي أنزله على رسوله الكريم ، المؤيد بالمعجزات والبينات والدلائل الواضحات ، فقال تعالى - وهو أصدق القائلين ، ورب العالمين ، المطلع على السرائر والضمائر ، الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، العالم بما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون - : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) أي : رأوا شبهه فظنوه إياه ; ولهذا قال : ( وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن [ وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ] ) يعني بذلك : من ادعى قتله من اليهود ، ومن سلمه من جهال النصارى ، كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر . ولهذا قال : ( وما قتلوه يقينا ) أي : وما قتلوه متيقنين أنه هو ، بل شاكين متوهمين .
القول في تأويل قوله : وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وبقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. ثم كذبهم الله في قيلهم، فقال: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم "، يعني: وما قتلوا عيسى وما صلبوه ولكن شبه لهم.
* * *
واختلف أهل التأويل في صفة التشبيه الذي شبه لليهود في أمر عيسى.
فقال بعضهم: لما أحاطت اليهود به وبأصحابه، أحاطوا بهم وهم لا يثبتون معرفة عيسى بعينه، وذلك أنهم جميعًا حُوِّلوا في صورة عيسى، فأشكل على الذين كانوا يريدون قتل عيسى، عيسى من غيره منهم، وخرج إليهم بعض من كان في البيت مع عيسى، فقتلوه وهم يحسبونه عيسى.
*ذكر من قال ذلك:
10779- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن هارون بن عنترة، عن وهب بن منبه قال: أُتِي عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت، وأحاطوا بهم. فلما دخلوا عليهم صوَّرهم الله كلهم على صورة عيسى، فقالوا لهم: سحرتمونا! لتبرزنّ لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعًا! فقال عيسى لأصحابه: من يشتري نفسه منكم اليوم بالجنة؟ فقال رجل منهم: أنا! فخرج إليهم، فقال: أنا عيسى= وقد صوّره الله على صورة عيسى، فأخذوه فقتلوه وصلبوه. فمن ثَمَّ شُبِّه لهم، وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى، وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى، ورفع الله عيسى من يومه ذلك.
* * *
وقد روي عن وهب بن منبه غير هذا القول، وهو ما:-
10780- حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهبًا يقول: إن عيسى ابن مريم عليه السلام لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا، جزع من الموت وشقَّ عليه، فدعا الحواريِّين فصنع لهم طعامًا، (12) فقال: احضروني الليلة، فإن لي إليكم حاجة. فلما اجتمعوا إليه من الليل، عشَّاهم وقام يخدمهم. فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضِّئهم بيده، ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه، فقال: ألا مَن ردَّ علي شيئًا الليلة مما أصنع، فليس مني ولا أنا منه! فأقرُّوه، حتى إذا فرغ من ذلك قال: أمَّا ما صنعت بكم الليلة، مما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي، فليكن لكم بي أسوة، فإنكم ترون أنّي خيركم، فلا يتعظَّم بعضكم على بعض، وليبذل بعضكم لبعض نفسه، كما بذلت نفسي لكم. وأما حاجتي التي استعنتكم عليها، فتدعون لي الله وتجتهدون في الدعاء: أن يؤخِّر أجلي. فلما نَصَبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا، أخذهم النوم حتى &; 9-369 &; لم يستطيعوا دعاءً. فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله! ما تصبرون لي ليلة واحدة تعينوني فيها! (13) قالوا: والله ما ندري ما لنا! لقد كنا نسمر فنكثر السَّمَر، وما نطيق الليلة سمرًا، وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه! فقال: يُذْهَب بالراعي وتتفرق الغنم! وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعَى به نفسه. ثم قال: الحقَّ، ليكفرنَّ بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات، وليبيعنِّي أحدكم بدراهم يسيرة، وليأكلن ثمني! فخرجوا فتفرقوا، (14) وكانت اليهود تطلبه، فأخذوا شمعون أحد الحواريين، فقالوا: هذا من أصحابه! فجحد وقال: ما أنا بصاحبه! فتركوه، ثم أخذه آخرون فجحد كذلك. ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه، فلما أصبح أتى أحدُ الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهمًا، فأخذها ودلَّهم عليه. وكان شبِّه عليهم قبل ذلك، فأخذوه فاستوثقوا منه، وربطوه بالحبل، فجعلوا يقودونه ويقولون له: أنت كنت تحيي الموتى، وتنتهر الشيطان، وتبرئ المجنون، أفلا تنجّي نفسك من هذا الحبل؟! ويبصقون عليه، ويلقون عليه الشوك، حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها، فرفعه الله إليه، وصلبوا ما شبِّه لهم، فمكث سبعًا.
= ثم إنّ أمَّه والمرأة التي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الجنون، جاءتا تبكيان حيث المصلوب، (15) فجاءهما عيسى فقال: علام تبكيان؟ قالتا: عليك! فقال: إني قد رفعني الله إليه، ولم يصبني إلا خير، وإن هذا شيء شبِّه لهم، &; 9-370 &; فأْمُرَا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا. فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر. وفقَد الذي كان باعه ودلَّ عليه اليهود، (16) فسأل عنه أصحابه، فقالوا: إنه ندم على ما صنع، فاختنق وقتل نفسه. فقال: لو تابَ لتابَ الله عليه! ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له: يُحَنَّى (17) فقال: هو معكم، فانطلقوا، فإنه سيصبح كلّ إنسان منكم يحدِّث بلغة قوم، فلينذِرْهم وَلْيدعهم. (18)
* * *
وقال آخرون: بل سأل عيسى من كان معه في البيت أن يلقى على بعضهم شَبهه، فانتدب لذلك رجل، فألقي عليه شبهه، فقتل ذلك الرجل، ورفع عيسى ابن مريم عليه السلام.
*ذكر من قال ذلك:
10781- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ" إلى قوله: وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ، أولئك أعداء الله اليهود ائتمروا بقتل عيسى ابن مريم رسول الله، (19) وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه. وذكر لنا أن نبي الله عيسى ابن مريم قال لأصحابه: أيكم يُقْذف عليه شبهي، فإنه مقتول؟ فقال رجل من أصحابه: أنا، يا نبي الله! فقتل ذلك الرجل، ومنع الله نبيه ورفعه إليه.
10782- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم "، قال: ألقي شبهه على رجل من الحواريين فقتل. وكان عيسى ابن مريم عرض ذلك عليهم، فقال: أيكم ألقي شبهي عليه، وله الجنة؟ فقال رجل: عليَّ.
10783- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن بني إسرائيل حَصروا عيسى وتسعةَ عشر رجلا من الحواريين في بيت، فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة؟ فأخذها رجل منهم، وصُعِد بعيسى إلى السماء. فلما خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أن عيسى عليه السلام قد صُعِد به إلى السماء، فجعلوا يعدّون القوم فيجدونهم ينقصون رجلا من العدَة، ويرون صورة عيسى فيهم، فشكّوا فيه. وعلى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى وصلبوه. فذلك قول الله تبارك وتعالى: " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ"، إلى قوله: وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا .
10784- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن القاسم بن أبي بزة: أن عيسى ابن مريم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني؟ فقال رجل من أصحابه: أنا، يا رسول الله! فألقي عليه شبهه فقتلوه. فذلك قوله: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ".
10785- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان اسم ملك بني إسرائيل الذي بعث إلى عيسى ليقتله، رجلا منهم يقال له داود. فلما أجمعوا لذلك منه، لم يَفْظَعْ عبدٌ من عباد الله بالموت= فيما ذكر لي= فظَعَه، (20) ولم يجزع منه جزعه، ولم يدع الله في صرفه عنه دعاءَه، حتى إنه ليقول، فيما يزعمون: " اللهم إن كنت صارفًا هذه الكأس عن أحد من خلقك فاصرفها عني!"، وحتى إن جلده من كَرْب ذلك ليتفصَّد دمًا. فدخل المدخل الذي أجمعوا أن يدخلوا عليه فيه ليقتلوه هو وأصحابه، وهم ثلاثة عشر بعيسى. فلما أيقن أنهم داخلون عليه، قال لأصحابه من الحواريين (21) = وكانوا اثني عشر رجلا &; 9-372 &; فطرس، (22) ويعقوب بن زبدي، ويحنس أخو يعقوب، وأندراييس، (23) وفيلبس، وأبرثلما، ومتى، وتوماس، ويعقوب بن حلفيا، (24) وتداوسيس، وقنانيا، (25) ويودس زكريا يوطا. (26)
= قال ابن حميد، قال سلمة، قال ابن إسحاق: وكان فيهم، فيما ذكر لي، رجل اسمه سرجس، فكانوا ثلاثة عشر رجلا سوى عيسى، جحدتْه النصارى، وذلك أنه هو الذي شبِّه لليهود مكان عيسى. قال: فلا أدري ما هو؟ من هؤلاء الاثني عشر، أم كان ثالث عشر، فجحدوه حين أقرُّوا لليهود بصلب عيسى، وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الخبر عنه. فإن كانوا ثلاثة عشر فإنهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى أربعة عشر، وإن كانوا اثني عشر، فإنهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى ثلاثة عشر.
= حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني رجل كان نصرانيًّا فأسلم: أن عيسى حين جاءَه من الله: " إني رافعك إليَّ" قال: يا معشر الحواريين، أيُّكم يحبّ أن يكون رفيقي في الجنة، على أن يشبه للقوم في صورتي فيقتلوه مكاني؟ (27) فقال سرجس: أنا، يا روح الله! قال: فاجلس في مجلسي. &; 9-373 &; فجلس فيه، ورُفع عيسى صلوات الله عليه. فدخلوا عليه فأخذوه فصلبوه، فكان هو الذي صلبوه وشُبِّه لهم به. وكانت عِدّتهم حين دخلوا مع عيسى معلومة، قد رأوهم وأحصوا عدّتهم. (28) فلما دخلوا عليه ليأخذوه، وجدوا عيسى فيما يُرَوْن وأصحابه، وفقدوا رجلا من العدة، فهو الذي اختلفوا فيه، وكانوا لا يعرفون عيسى، حتى جعلوا ليودس زكريا يوطا ثلاثين درهمًا على أن يدلَّهم عليه ويعرِّفهم إياه، فقال لهم: إذا دخلتم عليه، فإني سأقبله، وهو الذي أقبِّل، فخذوه. فلما دخلوا عليه وقد رُفع عيسى، رأى سرجس في صورة عيسى، فلم يشكِّك أنه هو عيسى، (29) فأكبَّ عليه فقبَّله، فأخذوه فصلبوه. ثم إن يودس زكريا يوطا ندم على ما صنع، فاختنق بحبل حتى قتل نفسه. وهو ملعون في النصارى، وقد كان أحد المعدودين من أصحابه. وبعض النصارى يزعم أن يودس زكريا يوطا هو الذي شبه لهم، فصلبوه وهو يقول: " إني لست بصاحبكم! أنا الذي دللتكم عليه "! والله أعلم أيُّ ذلك كان.
10786- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: بلغنا أن عيسى ابن مريم قال لأصحابه: أيُّكم ينتدب فيُلقَى عليه شبهي فيقتل؟ فقال رجل من أصحابه: أنا، يا نبي الله. فألقي عليه شبهه فقتل، ورفع الله نبيّه إليه.
10787- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " شبه لهم "، قال: صلبوا رجلا غير عيسى، يحسبونه إيّاه.
10788- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولكن شبه لهم "، فذكر نحوه. (30)
10789- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: صلبوا رجلا شبَّهوه بعيسى، يحسبونه إياه، ورفع الله إليه عيسى حيًّا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب، أحدُ القولين اللذين ذكرناهما عن وهب بن منبه: (31) من أن شَبَه عيسى ألقي على جميع من كان في البيت مع عيسى حين أحيط به وبهم، من غير مسألة عيسى إياهم ذلك. ولكن ليخزي الله بذلك اليهود، وينقذ به نبيه عليه السلام من مكروهِ ما أرادوا به من القتل، ويبتلي به من أراد ابتلاءه من عباده في قِيله في عيسى، وصدق الخبر عن أمره. = أو: القول الذي رواه عبد الصمد عنه. (32)
وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب، لأن الذين شهدوا عيسى من الحواريين، لو كانوا في حال ما رُفع عيسى وأُلقي شبهه على من ألقي عليه شَبَهه، كانوا قد عاينوا وهو يرفع من بينهم، (33) وأثبتوا الذي ألقي عليه شبهه، وعاينوه متحوِّلا في صورته بعد الذي كان به من صورة نفسه بمحضَرٍ منهم، لم يخفَ ذلك من أمر عيسى وأمر من ألقي عليه شبهه عليهم، مع معاينتهم ذلك كله، ولم يلتبس ولم يشكل عليهم، وإن أشكل على غيرهم من أعدائهم من اليهود أن المقتول والمصلوب كان غير عيسى، وأن عيسى رفع من بينهم حيًّا.
وكيف يجوز أن يكون كان أشكل ذلك عليهم، وقد سمعوا من عيسى مقالته: " من يلقى عليه شبهي، ويكون رفيقي في الجنة "، إن كان قال لهم ذلك، وسمعوا &; 9-375 &; جواب مُجيبه منهم: " أنا "، وعاينوا تحوُّل المجيب في صورة عيسى بعقب جوابه؟ ولكن ذلك كان= إن شاء الله= على نحو ما وصف وهب بن منبه: إما أن يكون القوم الذين كانوا مع عيسى في البيت الذي رفع منه من حواريه، حوَّلهم الله جميعًا في صورة عيسى حين أراد الله رفعه، فلم يثبتوا عيسى معرفةً بعينه من غيره لتشابه صور جميعهم، فقتلت اليهود منهم من قتلت وهم يُرَونه بصورة عيسى، ويحسبونه إياه، لأنهم كانوا به عارفين قبل ذلك. وظنّ الذين كانوا في البيت مع عيسى مثل الذي ظنت اليهود، لأنهم لم يميِّزوا شخصَ عيسى من شخص غيره، لتشابه شخصه وشخص غيره ممن كان معه في البيت. فاتفقوا جميعهم= يعني: اليهود والنصارى (34) = من أجل ذلك على أن المقتول كان عيسى، ولم يكن به، ولكنه شُبِّه لهم، كما قال الله جل ثناؤه: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ".
= أو يكون الأمر في ذلك كان على نحو ما روى عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه: أن القوم الذين كانوا مع عيسى في البيت، تفرقوا عنه قبل أن يدخل عليه اليهود، وبقي عيسى، وألقي شبهه على بعض أصحابه الذين كانوا معه في البيت بعد ما تفرق القوم غيرَ عيسى، وغيرَ الذي ألقي عليه شَبهه. ورفع عيسى، فقتل الذي تحوّل في صورة عيسى من أصحابه، وظن أصحابُه واليهود أن الذي قتل وصلب هو عيسى، لما رأوا من شبهه به، وخفاء أمر عيسى عليهم. لأن رفعه وتحوّل المقتول في صورته، كان بعد تفرق أصحابه عنه، وقد كانوا سمعوا عيسى من الليل ينعَى نفسه، ويحزن لما قد ظنَّ أنه نازل به من الموت، فحكوا ما كان عندهم حقًّا، والأمر عند الله في الحقيقة بخلاف ما حكوا. فلم يستحق الذين حكوا ذلك من حواريّيه أن يكونوا كذبة، إذ حكوا ما كان حقًّا عندهم في الظاهر، (35) وإن كان الأمر كان عند الله في الحقيقة بخلاف الذي حكوا. (36)
* * *
القول في تأويل قوله : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وإنّ الذين اختلفوا فيه "، اليهودَ الذين أحاطوا بعيسى وأصحابه حين أرادوا قتله. وذلك أنهم كانوا قد عرفوا عدة من في البيت قبل دخولهم، فيما ذكر. فلما دخلوا عليهم، فقدوا واحدًا منهم، فالتبس أمرُ عيسى عليهم بفقدهم واحدًا من العدَّة التي كانوا قد أحصوها، وقتلوا من قتلوا على شك منهم في أمر عيسى.
وهذا التأويل على قول من قال: لم يفارق الحواريون عيسى حتى رفع ودخل عليهم اليهود.
* * *
وأما تأويله على قول من قال: تفرَّقوا عنه من الليل، فإنه: " وإن الذين اختلفوا "، في عيسى، هل هو الذي بقي في البيت منهم بعد خروج من خرج منهم من العدَّة التي كانت فيه، أم لا؟=" لفي شك منه "، يعني: من قتله، لأنهم كانوا أحصوا من العدّة حين دخلوا البيت أكثر ممن خرج منه ومن وجد فيه، فشكوا في الذي قتلوه: هل هو عيسى أم لا؟ من أجل فقدهم من فقدوا من العدد الذي كانوا أحصوه، ولكنهم قالوا: " قتلنا عيسى "، لمشابهة المقتول عيسى في الصورة. يقول الله جل ثناؤه: " ما لهم به من علم "، يعني: أنهم قتلوا من قتلوه على شك منهم فيه واختلافٍ، هل هو عيسى أم هو غيره؟ من غير أن يكون لهم &; 9-377 &; بمن قتلوه علم، من هو؟ هو عيسى أم هو غيره؟ =" إلا اتباع الظن "، يعني جل ثناؤه: ما كان لهم بمن قتلوه من علم، ولكنهم اتبعوا ظنهم فقتلوه، ظنًّا منهم أنه عيسى، وأنه الذي يريدون قتله، ولم يكن به=" وما قتلوه يقينًا "، يقول: وما قتلوا -هذا الذي اتبعوه في المقتول الذي قتلوه وهم يحسبونه عيسى- يقينًا أنه عيسى ولا أنه غيره، ولكنهم كانوا منه على ظنّ وشبهةٍ.
* * *
وهذا كقول الرجل للرجل: " ما قتلت هذا الأمر علمًا، وما قتلته يقينًا "، إذا تكلَّم فيه بالظن على غير يقين علم. فـ" الهاء " في قوله: " وما قتلوه "، عائدة على " الظن ". (37)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك.
10790- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وما قتلوه يقينًا "، قال: يعني لم يقتلوا ظنَّهم يقينًا.
10791- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعلى بن عبيد، عن جويبر في قوله: " وما قتلوه يقينًا "، قال: ما قتلوا ظنهم يقينًا.
* * *
وقال السدي في ذلك ما:-
10792- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وما قتلوه يقينًا "، وما قتلوا أمره يقينًا أن الرجل هو عيسى، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ .
----------------------
الهوامش :
(12) في المطبوعة: "وصنع" بالواو ، وأثبت ما في المخطوطة ، وتاريخ الطبري.
(13) في المطبوعة: "أما تصبرون" ، وأثبت ما في التاريخ والمخطوطة.
(14) في المطبوعة: "وتفرقوا" بالواو ، وأثبت ما في التاريخ والمخطوطة.
(15) في المطبوعة"حيث كان المصلوب" ، وفي التاريخ: "عند المصلوب" ، وفي المخطوطة "حيث" غير منقوطة ، وعليها حرف (ط) ، كأن الناسخ عدها خطأ ، لقلة إضافة"حيث" إلى الاسم المفرد ، لأنها تضاف إلى الجملة الفعلية والجملة الإسمية ، ولكن لإضافتها إلى المفرد شواهد كثيرة ، منها قول الشاعر:
وَنَحْـنُ سَـقَيْنَا المَـوْتَ بِالسَّيْفِ مَعْقِلا
وقَـدْ كـانَ مِنْهُـمْ حَـيْثُ لـيُّ العَمَائِمِ
(16) "فقده" و"افتقده": لم يجده ، فسأل عنه.
(17) في التاريخ: "يقال له يحيى".
(18) الأثر: 10780 - رواه أبو جعفر في التاريخ 2 : 22 ، 23.
(19) في المطبوعة: "اشتهروا بقتل عيسى" ، ولا معنى لها هنا ، وهي في المخطوطة غير بينة الحروف ، وصواب قراءتها ما أثبت.
(20) "فظع بالأمر يفظع فظعًا (مثل فرح ، يفرح ، فرحا): كرهه واستبشعه ورآه فظيعًا.
(21) قول المسيح لأصحابه من الحواريين ، سيأتي في الفقرة التي تلي الفقرة الآتية ، وذلك قوله: "يا معشر الحواريين ، أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة". وما بين الكلامين ، فصل فيه ذكر عدة الحواريين.
(22) في المطبوعة: "بطرس" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(23) في المطبوعة: "أندراوس" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(24) في المطبوعة: "حلقيا" ، وفي المخطوطة بالفاء.
(25) في المطبوعة: "فتاتيا" ، والمخطوطة أشبه بأن تكون كما نقطتها.
(26) سأذكر هذه الأسماء ، كما هي في كتب القوم ، من الإصحاح العاشر من إنجيل متى ، على تتابعها هنا ، وهي كما يلي: (بطرس) ، و(يعقوب بن زبدي) ، و(يوحنَّا) أخو يعقوب ، و(أندارَاوس) - أخو بطرس - ، و(فيلبس) ، و(برثولماوس) ، و(متى) ، و(توما) ، و(يعقوب بن حلفي) و(لباوس) ، الملقب (تدَّاوس) ، و (سمعان القانوي) ، و(يهوذا الأسخريوطي).
(27) في المطبوعة: "حتى يشبه للقوم" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(28) في المطبوعة: "فأحصوا" بالفاء ، وأثبت ما في المخطوطة.
(29) في المطبوعة: "فلم يشك" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(30) في المطبوعة: "فذكر مثله".
(31) هو الأثر رقم: 10779.
(32) هو الأثر رقم: 10780 ، وكان في المخطوطة"الذي رواه عبد العزيز عنه" ، وليس في الرواة عن ابن منبه فيما سلف"عبد العزيز" بل"عبد الصمد بن معقل" ، وكأنه سهو من الناسخ ، وعجلة أخذته.
(33) في المطبوعة: "عاينوا عيسى وهو يرفع" بالزيادة ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو مستقيم.
(34) في المطبوعة: "أعني" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(35) في المطبوعة: "أو حكوا" ، وفي المخطوطة: "إذا حكوا" ، والصواب ما أثبت.
(36) في المخطوطة: "وإن كان الأمر عند الله" ، حذف"كان" الثانية ، وقد أثبتها ناسخ المخطوطة في هامش النسخة.
(37) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 294.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 157 | ﴿وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ |
---|
الكهف: 5 | ﴿ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ |
---|
النجم: 28 | ﴿وَ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الايات 152 حتى 159:ـ هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم،{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟ بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلهًا يعبدونه، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري. ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة. وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم:إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه. وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه ما تقول لهم ولا تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه. فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن له مقدمات يُجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله:{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يحتمل أن الضمير هنا في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟"ويحتمل أن الضمير في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} راجع إلى عيسى عليه السلام، فيكون المعنى:وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟ وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه، وأنه لا يشهد إلا بالحق، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل.
والمعنى: أن اليهود قد زعموا أنهم قتلوا عيسى - عليه السلام - وزعمهم هذا أبعد ما يكون عن الحق والصواب، لأن الحق المتيقن فى هذه المسألة أنهم لم يقتلوه، فقد نجاه الله من مكرهم، ورفع عيسى إليه، وكان الله { عَزِيزاً }. أى منيع الجناب، لا يلجأ إليه أحد إلا أعزه وحماه. { حَكِيماً } فى جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور.
هذا، وجمهور العلماء على أن الله - تعالى - رفع عيسى إليه بجسده وروحه لا بروحه فقط قال بعض العلماء: والجمهور على أن عيسى رفع حيا من غير موت ولا غفوة بجسده وروحه إلى السماء. والخصوصية له - عليه السلام - هى فى رفعه بجسده وبقائه فيها إلى الأمر المقدر له.
وفى بعضهم الرفع فى قوله - تعالى - { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } بأنه رفع بالروح فقط.
وقد بسطنا القول فى هذه المسألة عند تفسيرنا لسورة آل عمران فى قوله تعالى -:{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }
( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ) أي منيع الجناب لا يرام جنابه ، ولا يضام من لاذ ببابه ( حكيما ) أي : في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها وله الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة ، والسلطان العظيم ، والأمر القديم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء ، خرج على أصحابه - وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين - يعني : فخرج عليهم من عين في البيت ، ورأسه يقطر ماء ، فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة ، بعد أن آمن بي . ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي ، فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا ، فقال له : اجلس . ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب ، فقال : اجلس . ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال : أنا . فقال : أنت هو ذاك . فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء . قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ، ثم صلبوه وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة ، بعد أن آمن به ، وافترقوا ثلاث فرق ، فقالت طائفة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء . وهؤلاء اليعقوبية ، وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ، ثم رفعه الله إليه . وهؤلاء النسطورية ، وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ، ثم رفعه الله إليه . وهؤلاء المسلمون ، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة ، فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم .
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، ورواه النسائي عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، بنحوه وكذا ذكر غير واحد من السلف أنه قال لهم : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ، وهو رفيقي في الجنة ؟
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن هارون بن عنترة ، عن وهب بن منبه قال : أتي عيسى وعنده سبعة عشر من الحواريين في بيت وأحاطوا بهم . فلما دخلوا عليه صورهم الله ، عز وجل ، كلهم على صورة عيسى ، فقالوا لهم : سحرتمونا . ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا . فقال عيسى لأصحابه : من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم : أنا . فخرج إليهم وقال : أنا عيسى - وقد صوره الله على صورة عيسى - فأخذوه وقتلوه وصلبوه . فمن ثم شبه لهم ، فظنوا أنهم قد قتلوا عيسى ، وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى ، ورفع الله عيسى من يومه ذلك . وهذا سياق غريب جدا . قال ابن جرير : وقد روي عن وهب نحو هذا القول ، وهو ما حدثني به المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، حدثني عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهبا يقول : إن عيسى ابن مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا ، جزع من الموت وشق عليه ، فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما ، فقال : احضروني الليلة ، فإن لي إليكم حاجة . فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم . فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ، ويمسح أيديهم بثيابه ، فتعاظموا ذلك وتكارهوه ، فقال : ألا من رد علي شيئا الليلة مما أصنع ، فليس مني ولا أنا منه . فأقروه ، حتى إذا فرغ من ذلك قال : أما ما صنعت بكم الليلة ، مما خدمتكم على الطعام ، وغسلت أيديكم بيدي ، فليكن لكم بي أسوة ، فإنكم ترون أني خيركم ، فلا يتعظم بعضكم على بعض ، وليبذل بعضكم نفسه لبعض ، كما بذلت نفسي لكم . وأما حاجتي الليلة التي أستعينكم عليها فتدعون لي الله ، وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي . فلما نصبوا أنفسهم للدعاء ، وأرادوا أن يجتهدوا ، أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء ، فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله ! أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينونني فيها ؟ قالوا : والله ما ندري ما لنا . لقد كنا نسمر فنكثر السمر ، وما نطيق الليلة سمرا ، وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه . فقال : يذهب بالراعي وتفرق الغنم . وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعي به نفسه . ثم قال : الحق ، ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات ، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة ، وليأكلن ثمني ، فخرجوا وتفرقوا ، وكانت اليهود تطلبه ، وأخذوا شمعون أحد الحواريين ، وقالوا : هذا من أصحابه . فجحد وقال : ما أنا بصاحبه فتركوه ، ثم أخذه آخرون ، فجحد كذلك . ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه ، فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال : ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح ؟ فجعلوا له ثلاثين درهما ، فأخذها ودلهم عليه ، وكان شبه عليهم قبل ذلك ، فأخذوه فاستوثقوا منه ، وربطوه بالحبل ، وجعلوا يقودونه ويقولون ، له : أنت كنت تحيي الموتى ، وتنهر الشيطان ، وتبرئ المجنون ، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل ؟ ويبصقون عليه ، ويلقون عليه الشوك ، حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها ، فرفعه الله إليه ، وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعا .
ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى عليه السلام ، فأبرأها الله من الجنون ، جاءتا تبكيان حيث المصلوب ، فجاءهما عيسى فقال : علام تبكيان ؟ فقالتا : عليك . فقال : إني قد رفعني الله إليه ، ولم يصبني إلا خير ، وإن هذا شبه لهم فأمرا الحواريين يلقوني إلى مكان كذا وكذا . فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر . وفقدوا الذي كان باعه ودل عليه اليهود ، فسأل عنه أصحابه فقال : إنه ندم على ما صنع فاختنق ، وقتل نفسه فقال : لو تاب لتاب الله عليه . ثم سألهم عن غلام كاد يتبعهم ، يقال له : يحيى ، قال : هو معكم ، فانطلقوا ، فإنه سيصبح كل إنسان يحدث بلغة قومه ، فلينذرهم وليدعهم . سياق غريب جدا .
ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كان اسم ملك بني إسرائيل الذي بعث إلى عيسى ليقتله رجلا منهم ، يقال له : داود ، فلما أجمعوا لذلك منه ، لم يفظع عبد من عباد الله بالموت - فيما ذكر لي - فظعه ولم يجزع منه جزعه ، ولم يدع الله في صرفه عنه دعاءه ، حتى إنه ليقول - فيما يزعمون - " اللهم إن كنت صارفا هذه الكأس عن أحد من خلقك فاصرفها عني " وحتى إن جلده من كرب ذلك ليتفصد دما . فدخل - المدخل الذي أجمعوا أن يدخلوا عليه فيه ليقتلوه - هو وأصحابه ، وهم ثلاثة عشر بعيسى ، عليه السلام ، فلما أيقن أنهم داخلون عليه قال لأصحابه من الحواريين - وكانوا اثني عشر رجلا فطرس ويعقوب بن زبدي ويحنس أخو يعقوب ، وأنداربيس ، وفيلبس ، وأبرثلما ومنى وتوماس ، ويعقوب بن حلفيا ، وتداوسيس ، وقثانيا ويودس زكريا يوطا .
قال ابن حميد : قال سلمة ، قال ابن إسحاق : وكان [ فيهم فيما ] ذكر لي رجل اسمه سرجس ، فكانوا ثلاثة عشر رجلا سوى عيسى ، عليه السلام ، جحدته النصارى ، وذلك أنه هو الذي شبه لليهود مكان عيسى [ عليه السلام ] قال : فلا أدري ما هو ؟ من هؤلاء الاثني عشر ، أو كان ثالث عشر ، فجحدوه حين أقروا لليهود بصلب عيسى ، وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الخبر عنه . فإن كانوا ثلاثة عشر فإنهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى أربعة عشر ، وإن كانوا اثني عشر ، فإنهم دخلوا المدخل [ حين دخلوا ] وهم ثلاثة عشر .
قال ابن إسحاق : وحدثني رجل كان نصرانيا فأسلم : أن عيسى حين جاءه من الله ( إني متوفيك ورافعك إلي ) قال : يا معشر الحواريين ، أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة على أن يشبه للقوم في صورتي ، فيقتلوه في مكاني ؟ فقال سرجس : أنا ، يا روح الله . قال : فاجلس في مجلسي . فجلس فيه ، ورفع عيسى ، عليه السلام ، فدخلوا عليه فأخذوه فصلبوه ، فكان هو الذي صلبوه وشبه لهم به ، وكانت عدتهم حين دخلوا مع عيسى معلومة ، قد رأوهم وأحصوا عدتهم . فلما دخلوا عليه ليأخذوه وجدوا عيسى ، فيما يرون وأصحابه ، وفقدوا رجلا من العدة ، فهو الذي اختلفوا فيه وكانوا لا يعرفون عيسى ، حتى جعلوا ليودس زكريا يوطا ثلاثين درهما على أن يدلهم عليه ويعرفهم إياه ، فقال لهم : إذا دخلتم عليه فإني سأقبله ، وهو الذي أقبل ، فخذوه . فلما دخلوا وقد رفع عيسى ، ورأى سرجس في صورة عيسى ، فلم يشكك أنه عيسى ، فأكب عليه فقبله فأخذوه فصلبوه .
ثم إن يودس زكريا يوطا ندم على ما صنع ، فاختنق بحبل حتى قتل نفسه ، وهو ملعون في النصارى ، وقد كان أحد المعدودين من أصحابه ، وبعض النصارى يزعم أن يودس زكريا يوطا هو الذي شبه لهم ، فصلبوه وهو يقول : " إني لست بصاحبكم . أنا الذي دللتكم عليه " . والله أعلم أي ذلك كان .
وقال ابن جرير ، عن مجاهد : صلبوا رجلا شبهوه بعيسى ، ورفع الله ، عز وجل ، عيسى إلى السماء حيا .
واختار ابن جرير أن شبه عيسى ألقي على جميع أصحابه .
القول في تأويل قوله : بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)
قال أبو جعفر: أما قوله جل ثناؤه: " بل رفعه الله إليه "، فإنه يعني: بل رفع الله المسيح إليه. يقول: لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن الله رفعه إليه فطهَّره من الذين كفروا.
* * *
وقد بيّنا كيف كان رفع الله إياه إليه فيما مضى، وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، والصحيحَ من القول فيه بالأدلة الشاهدة على صحته، بما أغنى عن إعادته. (38)
* * *
وأما قوله: " وكان الله عزيزًا حكيمًا "، فإنه يعني: ولم يزل الله منتقمًا من أعدائه، (39) كانتقامه من الذين أخذتهم الصاعقة بظلمهم، وكلعنه الذين قصّ قصتهم بقوله: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ =" حكيمًا "، يقول: ذا حكمة في تدبيره وتصريفه خلقَه في قضائه. (40) يقول: فاحذروا أيها السائلون محمدًا أن ينـزل عليكم كتابًا من السماء، من حلول عقوبتي بكم، كما حل بأوائلكم الذين فعلوا فعلكم، في تكذيبهم رسلي وافترائهم على أوليائي، وقد:-
10793- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محمد بن إسحاق بن أبي سارة الرُّؤَاسيّ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: " وكان الله عزيزًا حكيمًا "، قال: معنى ذلك: أنه كذلك. (41)
--------------
الهوامش :
(38) انظر ما سلف 6 : 455 - 460.
(39) انظر تفسير"عزيز" و"عزة" فيما سلف ص: 319 ، تعليق: 5 ، والمراجع هناك.
(40) انظر تفسير"حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة.
(41) الأثر: 10793 -"محمد بن إسحاق بن أبي سارة الرؤاسي" ، لم أعرف له ترجمة ، ولا وجدت له ذكرًا فيما بين يدي من الكتب ، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف أو تصحيف. وقول ابن عباس في تفسير الآية"معنى ذلك أنه كذلك" ، يريد أن الله كان ولم يزل عزيزًا حكيمًا.
وعند هذا الموضع انتهى الجزء السابع من مخطوطتنا وفي آخرها ما نصه:
"نَجَز الجزء السابع من كتاب البيان ، بحمد الله وعونه وحُسن توفيقه ، وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
الحمد لله ربّ العالمين
يتلوه في أول الثامن إن شاء الله تعالى ، القول في تأويل قوله:
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)
وكان الفراغ منه في شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وسبعمائة.
غفر الله لمؤلفه ولصاحبه ، ولكاتبه ، ولمن طالعَ فيه ودعا لهم
بالمغفرة ورضى الله تعالى والجنة ، ولجميع المسلمين.
آمين ، ياربّ العالمين".
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 158 | ﴿بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
النساء: 165 | ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
الفتح: 7 | ﴿وَلِلَّـهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
الفتح: 19 | ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الايات 152 حتى 159:ـ هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم،{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟ بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلهًا يعبدونه، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري. ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة. وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم:إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه. وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه ما تقول لهم ولا تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه. فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن له مقدمات يُجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله:{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يحتمل أن الضمير هنا في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟"ويحتمل أن الضمير في قوله:{ قَبْلَ مَوْتِهِ} راجع إلى عيسى عليه السلام، فيكون المعنى:وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟ وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه، وأنه لا يشهد إلا بالحق، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل.
و { إِن } هنا نافية بمعنى ما النافية، والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه. أى: وما أحد من أهل الكتاب. وحذف أحد لأنه ملحوظ فى كل نفى يدخله الاستثناء. نحو: ما قام إلا زيد. أى ما قام أحد إلا زيد.
وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان:
الأول: أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى عيسى - عليه السلام - وعليه يكون المعنى: وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن بعيسى - عند نزوله فى آخر الزمان - حق الإِيمان، { قَبْلَ مَوْتِهِ } أى: قيل موت عيسى، { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ } عيسى - عليه السلام - { عَلَيْهِمْ } أى: على أهل الكتاب { شَهِيداً } فيشهد عليهم بأنه قد أمرهم بعباده الله وحده، وأنه قد نهاهم عن الإِشراك معه آلهة أخرى.
وقد انتصر لهذا الاتجاه كثير من المفسرين وعلى رأسهم شيخهم ابن جرير. فقد قال - بعد سرد الأقوال فى الآية -: وأولى الأقوال بالصحة والصواب قول من قال. تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى.
وقد علق ابن كثير على ما رجحه ابن جرير بقوله: ولا شك أن الذى قاله ابن جرير هو الصحيح. لأن المقصود من سياق الآيات، بطلان ما زعمته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وبطلان تسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك. فقد أخبر الله - تعالى أن الأمر لم يكن كذلك، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك. ثم إن الله - تعالى - رفع إليه عيسى، وإنه باق حى، وإنه سينزل قبل يوم القيامة.
ثم عقد ابن كثير فصلا عنونه بقوله: ذكر الأحاديث الواردة فى نزول عيسى بن مريم إلى الأرض من السماء فى آخر الزمان قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك به.
ثم ساق ابن كثير جملة من الأحاديث فى هذا المعنى منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وحتى تكون السجدة خيرا له من الدنيا وما فيها ".
ثم يقول أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ }.
أما الاتجاه الثانى: فيرى أصحابه أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى الكتابى المدلول عليه بقوله: { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } وعليه يكون المعنى:
وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته أى قبل موت هذا الكتابى، لأنه عند ساعة الاحتضار يتجلى له الحق، ويتبين له صحة ما كان ينكره ويجحده فيؤمن بعيسى - عليه السلام - ويشهد بأنه عبد الله ورسوله، وأن الله واحد لا شريك له، ولكن هذا الإِيمان لا ينفعه، لأنه جاء فى وقت الغرغرة، وهو وقت لا ينفع فيه الإِيمان، لانقطاع التكليف فيه.
قالوا: ويؤيد هذا التأويل قراءة أبى: " إلا ليؤمنن به قبل موتهم " - بضم النون وبميم الجمع -.
وقد صدر صاحب الكشاف كلامه بذكر هذا التأويل فقال ما ملخصه: والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى. وبأنه عبد الله ورسوله. يعنى: إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه.
فإن قلت: ما فائدة الإِخبار بعيسى قبل موتهم؟ قلت فائدته الوعيد، وليكون عملهم بأنهم لا بد لهم من الإِيمان به عن قريب عند المعاينة، وأن ذلك لا ينفعهم، بعثا لهم وتنبيها على معاجلة الإِيمان به فى وقت الانتفاع به، وليكون إلزاما للحجة لهم.
وقيل: الضميران لعيسى بمعنى: وإن منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون فى زمان نزوله.
والذى نراه أولى أنه لا تعارض بين التأويلين. فإن كلا منهما حق فى ذاته.
فكل كتابى عندما تحضره الوفاة يعلم أن عيسى كان صادقا فى نبوته، وأنه عبد الله، وأنه قد دعا الناس إلى عبادة الله وحده. وكذلك كل كتابى يشهد نزول عيسى فى آخر الزمان سيؤمن به ويتبعه ويشهد بأنه صادق فيما بلغه عن ربه.
وقوله تعالى : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا )
قال ابن جرير : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ) يعني بعيسى ( قبل موته ) يعني : قبل موت عيسى - يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال ، فتصير الملل كلها واحدة ، وهي ملة الإسلام الحنيفية ، دين إبراهيم ، عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال : قبل موت عيسى ابن مريم . وقال العوفي عن ابن عباس مثل ذلك .
وقال أبو مالك في قوله : ( إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال : ذلك عند نزول عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) يعني : اليهود خاصة . وقال الحسن البصري : يعني النجاشي وأصحابه . ورواهما ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : وحدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال : قبل موت عيسى . والله إنه الآن حي عند الله ، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن عثمان اللاحقي ، حدثنا جويرية بن بشر قال : سمعت رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد ، قول الله ، [ عز وجل ] ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال : " قبل موت عيسى . إن الله رفع إليه عيسى [ إليه ] وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر " .
وكذا قال قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد . وهذا القول هو الحق ، كما سنبينه بعد بالدليل القاطع ، إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان .
قال ابن جرير : وقال آخرون : معنى ذلك : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ) قبل موت الكتابي . ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه إذا عاين علم الحق من الباطل ; لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى .
حدثني المثنى ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( إلا ليؤمنن به قبل موته ) كل صاحب كتاب يؤمن بعيسى قبل موته - قبل موت صاحب الكتاب - وقال ابن عباس : لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى .
حدثنا ابن حميد ، حدثنا أبو نميلة يحيى بن واضح ، حدثنا حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ، ولو عجل عليه بالسلاح .
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال : هي في قراءة أبي : ( قبل موتهم ) ليس يهودي يموت أبدا حتى يؤمن بعيسى . قيل لابن عباس : أرأيت إن خر من فوق بيت ؟ قال : يتكلم به في الهوي . فقيل : أرأيت إن ضربت عنق أحد منهم ؟ قال : يلجلج بها لسانه .
وكذا روى سفيان الثوري عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال : لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ، عليه السلام ، وإن ضرب بالسيف تكلم به ، قال : وإن هوى تكلم [ به ] وهو يهوي .
وكذا روى أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن أبي هارون الغنوي عن عكرمة ، عن ابن عباس . فهذه كلها أسانيد صحيحة إلى ابن عباس ، وكذا صح عن مجاهد ، وعكرمة ، ومحمد بن سيرين . وبه يقول الضحاك وجويبر ، والسدي ، وحكاه عن ابن عباس ، ونقل قراءة أبي بن كعب : " قبل موتهم " .
وقال عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن فرات القزاز ، عن الحسن في قوله : ( إلا ليؤمنن به قبل موته ) قال : لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت .
وهذا يحتمل أن يكون مراد الحسن ما تقدم عنه ، ويحتمل أن يكون مراده ما أراده هؤلاء
قال ابن جرير : وقال آخرون : معنى ذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن المثنى ، حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، عن حميد قال : قال عكرمة : لا يموت النصراني ولا اليهودي حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته )
ثم قال ابن جرير : وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول ، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى ، عليه السلام ، إلا آمن به قبل موته ، أي قبل موت عيسى ، عليه السلام ، ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير ، رحمه [ الله ] هو الصحيح ; لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه ، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك ، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك ، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبيه وهم لا يتبينون ذلك ، ثم إنه رفعه إليه ، وإنه باق حي ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة ، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة - التي سنوردها إن شاء الله قريبا - فيقتل مسيح الضلالة ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية - يعني : لا يقبلها من أحد من أهل الأديان ، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف - فأخبرت هذه الآية الكريمة أن يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ، ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم ; ولهذا قال : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) أي : قبل موت عيسى ، الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنه قتل وصلب .
( ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ) أي : بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض . فأما من فسر هذه الآية بأن المعنى : أن كل كتابي لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد ، عليهما [ الصلاة و ] والسلام فهذا هو الواقع ، وذلك أن كل أحد عند احتضاره يتجلى له ما كان جاهلا به ، فيؤمن به ، ولكن لا يكون ذلك إيمانا نافعا له ، إذا كان قد شاهد الملك ، كما قال تعالى في [ أول ] هذه السورة : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [ ولا الذين يموتون وهم كفار ] ) الآية [ النساء : 18 ] وقال تعالى : ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده [ وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ] ) الآيتين [ غافر : 84 ، 85 ] وهذا يدل على ضعف ما احتج به ابن جرير في رد هذا القول ، حيث قال : ولو كان المراد بهذه الآية هذا ، لكان كل من آمن بمحمد أو بالمسيح ، ممن كفر بهما - يكون على دينهما ، وحينئذ لا يرثه أقرباؤه من أهل دينه ; لأنه قد أخبر الصادق أنه يؤمن به قبل موته . فهذا ليس بجيد ; إذ لا يلزم من إيمانه في حالة لا ينفعه إيمانه أنه يصير بذلك مسلما ، ألا ترى إلى قول ابن عباس : ولو تردى من شاهق أو ضرب بسيف أو افترسه سبع ، فإنه لا بد أن يؤمن بعيسى " فالإيمان في مثل هذه الحالات ليس بنافع ، ولا ينقل صاحبه عن كفره لما قدمناه ، والله أعلم .
ومن تأمل هذا جيدا وأمعن النظر ، اتضح له أن هذا ، وإن كان هو الواقع ، لكن لا يلزم منه أن يكون المراد بهذه الآية هذا ، بل المراد بها ما ذكرناه من تقرير وجود عيسى ، عليه السلام ، وبقاء حياته في السماء ، وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ; ليكذب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى الذين تباينت أقوالهم فيه وتضادت وتعاكست وتناقضت ، وخلت عن الحق ، ففرط هؤلاء اليهود وأفرط هؤلاء النصارى : تنقصه اليهود بما رموه به وأمه من العظائم ، وأطراه النصارى بحيث ادعوا فيه بما ليس فيه ، فرفعوه في مقابلة أولئك عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية ، تعالى الله عن قول هؤلاء وهؤلاء علوا كبيرا ، وتنزه وتقدس لا إله إلا هو .
ذكر الأحاديث الواردة في نزول عيسى ابن مريم إلى الأرض من السماء في آخر الزمان قبل يوم القيامة ، وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له :
قال البخاري ، رحمه الله ، في كتاب ذكر الأنبياء ، من صحيحه المتلقى بالقبول : ( نزول عيسى ابن مريم - عليه السلام ) : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها " . ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا )
وكذا رواه مسلم عن الحسن الحلواني وعبد بن حميد كلاهما ، عن يعقوب ، به وأخرجه البخاري ومسلم ، أيضا ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، به وأخرجاه من طريق الليث عن الزهري به ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك أن يكون فيكم ابن مريم حكما عدلا يقتل الدجال ، ويقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين " . قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل ) موت عيسى ابن مريم ، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات .
طريق أخرى عن أبي هريرة : قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليهلن عيسى ابن مريم بفج الروحاء بالحج أو العمرة أو ليثنينهما جميعا " .
وكذا رواه مسلم منفردا به من حديث سفيان بن عيينة ، والليث بن سعد ، ويونس بن يزيد ، ثلاثتهم عن الزهري به .
وقال أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا سفيان - هو ابن حسين - عن الزهري ، عن حنظلة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ، ويمحو الصليب ، وتجمع له الصلاة ، ويعطي المال حتى لا يقبل ، ويضع الخراج ، وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما " قال : وتلا أبو هريرة : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته [ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ] ) فزعم حنظلة أن أبا هريرة قال : يؤمن به قبل موت عيسى ، فلا أدري هذا كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة .
وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي موسى محمد بن المثنى ، عن يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين عن الزهري ، به .
طريق أخرى : قال البخاري : حدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري ; أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم ، وإمامكم منكم ؟ " تابعه عقيل والأوزاعي .
وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، وعن عثمان بن عمر ، عن ابن أبي ذئب ، كلاهما عن الزهري ، به . وأخرجه مسلم من رواية يونس والأوزاعي وابن أبي ذئب ، به .
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أنبأنا قتادة ، عن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم ; لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه : رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام ، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون " .
وكذا رواه أبو داود ، عن هدبة بن خالد ، عن همام بن يحيى . رواه ابن جرير - ولم يورد عند هذه الآية سواه - عن بشر بن معاذ ، عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة - كلاهما عن قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم - وهو مولى أم برثن - صاحب السقاية ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه ، وقال : فيقاتل الناس على الإسلام .
وقد روى البخاري ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، والأنبياء أولاد علات ، ليس بيني وبينه نبي " .
ثم روى عن محمد بن سنان : عن فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ، والأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد " وقال إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
حديث آخر : قال مسلم في صحيحه : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا معلى بن منصور ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق - أو بدابق - فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قال الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم . فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا . فيقاتلونهم ، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلثه أفضل الشهداء عند الله [ عز وجل ] ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم . فيخرجون ، وذلك باطل . فإذا جاؤوا الشام خرج ، فبينما هم يعدون للقتال : يسوون الصفوف ، إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته " .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عفازة ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ، عليه السلام ، فتذاكروا أمر الساعة ، فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى موسى ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى عيسى ، فقال : أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وفيما عهد إلي ربي - عز وجل - أن الدجال خارج قال : ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص قال : فيهلكه الله إذا رآني حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم ، إن تحتي كافرا فتعال فاقتله : قال : فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيطؤون بلادهم ، فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه ، قال : ثم يرجع الناس إلي يشكونهم ، فأدعو الله عليهم ، فيهلكهم ويميتهم ، حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم ، وينزل الله المطر ، فيجترف أجسادهم حتى نقذفهم في البحر ، ففيما عهد إلي ربي - عز وجل - أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم ، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ليلا أو نهارا .
رواه ابن ماجه ، عن محمد بن بشار ، عن يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب ، به نحوه .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة قال : أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة ; لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه ، فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا ، ثم أتينا بطيب فتطيبنا ، ثم جئنا المسجد فجلسنا إلى رجل ، فحدثنا عن الدجال ، ثم جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا إليه ، فجلسنا فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون للمسلمين ثلاثة أمصار : مصر بملتقى البحرين ، ومصر بالحيرة ، ومصر بالشام . فيفزع الناس ثلاث فزعات ، فيخرج الدجال في أعراض الناس ، فيهزم من قبل المشرق ، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين ، فيصير أهلهم ثلاث فرق : فرقة تقيم تقول : نشامه ننظر ما هو ؟ وفرقة تلحق بالأعراب ، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم . ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان وأكثر من معه اليهود والنساء ، ثم يأتي المصر الذي يليه ، فيصير أهله ثلاث فرق : فرقة تقول : نشامه وننظر ما هو ؟ وفرقة تلحق بالأعراب ، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغرب الشام وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق فيبعثون سرحا لهم ، فيصاب سرحهم ، فيشتد ذلك عليهم وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد ، حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله ، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر : " يا أيها الناس ، أتاكم الغوث ثلاثا " فيقول بعضهم لبعض : إن هذا لصوت رجل شبعان ، وينزل عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، عند صلاة الفجر ، فيقول له أميرهم : روح الله ، تقدم صل . فيقول : هذه الأمة أمراء ، بعضهم على بعض . فيتقدم أميرهم فيصلي ، فإذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته ، فيذهب نحو الدجال ، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص ، فيضع حربته بين ثندوته فيقتله وينهزم أصحابه ، فليس يومئذ شيء يواري أحدا ، حتى إن الشجرة لتقول : يا مؤمن ، هذا كافر . ويقول الحجر : يا مؤمن ، هذا كافر " . تفرد به أحمد من هذا الوجه .
حديث آخر : قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه المشهورة : حدثنا علي بن محمد ، حدثنا عبد الرحمن المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع ، عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو ، عن أبي أمامة الباهلي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال ، وحذرناه ، فكان من قوله أن قال :
" لم تكن فتنة في الأرض ، منذ ذرأ الله ذرية آدم ، عليه السلام ، أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال . وأنا آخر الأنبياء ، وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم ، فأنا حجيج لكل مسلم ، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق ، فيعيث يمينا ويعيث شمالا " .
يا عباد الله ، أيها الناس ، فاثبتوا . وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي : إنه يبدأ فيقول أنا نبي " فلا نبي بعدي ، ثم يثني فيقول : " أنا ربكم " ، ولا ترون ربكم حتى تموتوا . وإنه أعور وإن ربكم ، عز وجل ، ليس بأعور ، وإنه مكتوب بين عينيه : كافر ، يقرؤه كل مؤمن ، كاتب وغير كاتب . وإن من فتنته أن معه جنة ونارا ، فناره جنة وجنته نار . فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف ، فتكون عليه بردا وسلاما ، كما كانت النار على إبراهيم [ عليه السلام ] وإن من فتنته أن يقول لأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك ؟ فيقول : نعم . فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه ، فيقولان : يا بني ، اتبعه ، فإنه ربك . وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار ، حتى يلقى شقين ثم يقول : انظروا إلى عبدي هذا ، فإني أبعثه الآن ، ثم يزعم أن له ربا غيري . فيبعثه الله ، فيقول له الخبيث : من ربك ، فيقول : ربي الله . وأنت عدو الله ، الدجال ، والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم " . قال أبو الحسن الطنافسي : فحدثنا المحاربي ، حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة " .
قال : قال أبو سعيد : والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب ، حتى مضى لسبيله .
قال المحاربي : ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال : وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر ، فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت ، فتنبت ، [ وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه ، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت ] وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه ، فيأمر السماء أن تمطر ، فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت ، فتنبت . حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه ، وأمده خواصر ، وأدره ضروعا ، وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه ، إلا مكة والمدينة ، فإنه لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة ، حتى ينزل عند الظريب الأحمر ، عند منقطع السبخة ، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه ، فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص .
فقالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله ، فأين العرب يومئذ ؟ قال : " هم قليل ، وجلهم ببيت المقدس ، وإمامهم رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل [ عليهم ] عيسى [ ابن مريم ] عليه السلام ، الصبح ، فرجع ذلك الإمام ينكص ، يمشي القهقرى ; ليقدم عيسى يصلي بالناس ، فيضع عيسى ، عليه السلام ، يده بين كتفيه ثم يقول : تقدم فصل ، فإنها لك أقيمت . فيصلي بهم إمامهم ، فإذا انصرف قال عيسى ، عليه السلام : افتحوا الباب . فيفتح ، ووراءه الدجال ، معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء ، وينطلق هاربا ، ويقول عيسى [ عليه السلام ] إن لي فيك ضربة لن تستبقني بها . فيدركه عند باب لد الشرقي ، فيقتله ، ويهزم الله اليهود ، فلا يبقى شيء مما خلق الله تعالى يتوارى به اليهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء ، لا حجر ، ولا شجر ، ولا حائط ، ولا دابة - إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق - إلا قال : يا عبد الله المسلم ، هذا يهودي ، فتعال اقتله .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإن أيامه أربعون سنة ، السنة كنصف السنة ، والسنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، وآخر أيامه كالشررة ، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي " . فقيل له : يا نبي الله كيف نصلي ، في تلك الأيام القصار ؟ قال : " تقدرون فيها الصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال . ثم صلوا " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا ، يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويترك الصدقة ، فلا يسعى على شاة ولا بعير ، وترتفع الشحناء والتباغض ، وتنزع حمة كل ذات حمة ، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره ، وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها ، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها ، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء ، وتكون الكلمة واحدة ، فلا يعبد إلا الله ، وتضع الحرب أوزارها ، وتسلب قريش ملكها ، وتكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها كعهد آدم ، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ، ويكون الثور بكذا وكذا ، من المال ، ويكون الفرس بالدريهمات .
قيل : يا رسول الله ، وما يرخص الفرس ؟ قال : " لا تركب لحرب أبدا " قيل له : فما يغلي الثور ؟ قال : " تحرث الأرض كلها " .
وإن قبل خروج [ الدجال ] ثلاث سنوات شداد ، يصيب الناس فيها جوع شديد ، يأمر الله السماء في السنة [ الأولى أن تحبس ثلث مطرها ، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها ، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها ، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ، ثم يأمر الله السماء في السنة ] الثالثة فتحبس مطرها كله ، فلا تقطر قطرة ، ويأمر الأرض أن تحبس نباتها كله ، فلا تنبت خضراء ، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت ، إلا ما شاء الله " .
فقيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان ؟ قال : " التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام " .
قال ابن ماجه : سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول : سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول : ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب ، حتى يعلمه الصبيان في الكتاب .
هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه ، ولبعضه شواهد من أحاديث أخر ; ولنذكر حديث النواس بن سمعان هاهنا لشبهه بسياقه هذا الحديث ، قال مسلم بن الحجاج في صحيحه :
حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص ، حدثني عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي ( ح ) وحدثنا محمد بن مهران الرازي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحلنا إليه عرف ذلك فينا ، فقال : " ما شأنكم ؟ " قلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال : " غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم : إنه شاب قطط عينه طافية ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، إنه خارج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وعاث شمالا . يا عباد الله ، فاثبتوا " : قلنا : يا رسول الله ، وما لبثته في الأرض ؟ قال : " أربعين يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم " .
قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : " لا اقدروا له قدره " . قلنا : يا رسول الله ، وما إسراعه في الأرض ؟ قال كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على قوم فيدعوهم ، فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى ، وأسبغه ضروعا ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم ، فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم ، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم . ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك . فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل . ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا ، فيضربه بالسيف ، فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم ، عليه السلام ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله .
ثم يأتي عيسى ، عليه السلام ، قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله ، عز وجل ، إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور .
ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء . ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة .
ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله .
ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ، ثم يقال للأرض : أخرجي ثمرك وردي بركتك . فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ، ويستظلون بقحفها ، ويبارك الله في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من الفم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة ، فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة " .
ورواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، به . وسنذكره أيضا من طريق أحمد ، عند قوله تعالى في سورة الأنبياء : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج [ وهم من كل حدب ينسلون ] ) [ الأنبياء : 96 ] .
حديث آخر : قال مسلم في صحيحه أيضا : حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم قال : سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو - وجاءه رجل فقال - : ما هذا الحديث الذي تحدث به تقول : إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا ؟ فقال : سبحان الله ؟ ! - أو : لا إله إلا الله ، أو كلمة نحوها - لقد هممت ألا أحدث أحدا شيئا أبدا ، إنما قلت : إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما : يحرق البيت ، ويكون ويكون . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج الدجال في أمتي ، فيمكث أربعين ، لا أدري أربعين يوما ، أو أربعين شهرا ، أو أربعين عاما ، فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم ، كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير - أو إيمان - إلا قبضته ، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه " قال : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع ، لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا ، فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون ؟ فيقولون : فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان ، وهم في ذلك دار رزقهم ، حسن عيشهم . ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ، ورفع ليتا ، قال : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال : فيصعق ويصعق الناس . ثم يرسل الله - أو قال : ينزل الله - مطرا كأنه الطل - أو قال : الظل - نعمان الشاك - فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . ثم يقال : يا أيها الناس ، هلموا إلى ربكم ، ( وقفوهم إنهم مسئولون ) [ الصافات : 24 ] قال : " ثم يقال : أخرجوا بعث النار . فيقال : من كم ؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين " . قال ( يجعل الولدان شيبا ) [ المزمل : 17 ] وذلك ( يوم يكشف عن ساق ) [ القلم : 42 ] .
ثم رواه مسلم والنسائي في تفسيره جميعا عن محمد بن بشار ، عن غندر ، عن شعبة ، عن النعمان بن سالم ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عبيد الله بن ثعلبة الأنصاري ، عن عبد الله بن يزيد الأنصاري ، عن مجمع بن جارية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يقتل ابن مريم المسيح الدجال بباب لد - أو : إلى جانب لد " .
ورواه أحمد أيضا ، عن سفيان بن عيينة من حديث الليث والأوزاعي ، ثلاثتهم عن الزهري ، عن عبد الله بن عبيد الله بن ثعلبة ، عن عبد الرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقتل ابن مريم الدجال بباب لد " .
وكذا رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الليث ، به . وقال : هذا حديث صحيح . قال : وفي الباب عن عمران بن حصين ، ونافع بن عتبة ، وأبي برزة ، وحذيفة بن أسيد ، وأبي هريرة . وكيسان ، وعثمان بن أبي العاص ، وجابر ، وأبي أمامة ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عمرو ، وسمرة بن جندب ، والنواس بن سمعان ، وعمرو بن عوف ، وحذيفة بن اليمان ، رضي الله عنهم .
ومراده برواية هؤلاء ما فيه ذكر الدجال . وقتل عيسى ابن مريم ، عليه السلام له . فأما أحاديث ذكر الدجال فقط فكثيرة جدا ، وهي أكثر من أن تحصر ; لانتشارها وكثرة رواتها في الصحاح والحسان والمسانيد ، وغير ذلك .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن فرات ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة ، فقال : " لا تقوم الساعة حتى ترون عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ابن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب . ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق - أو تحشر - الناس ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " .
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث فرات القزاز به . ورواه مسلم أيضا من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري ، موقوفا والله أعلم .
فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة ، وابن مسعود ، وعثمان بن أبي العاص ، وأبي أمامة ، والنواس بن سمعان ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ومجمع بن جارية وأبي سريحة وحذيفة بن أسيد ، رضي الله عنهم .
وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه ، من أنه بالشام ، بل بدمشق ، عند المنارة الشرقية ، وأن ذلك يكون عند إقامة الصلاة للصبح وقد بنيت في هذه الأعصار ، في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء ، من حجارة منحوتة ، عوضا عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة - وكان أكثر عمارتها من أموالهم ، وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها [ المسيح ] عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويضع الجزية ، فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين ، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان ، حيث تنزاح عللهم ، وترتفع شبههم من أنفسهم ; ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى ، عليه السلام ، وعلى يديه ; ولهذا قال تعالى : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته [ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ] ) .
وهذه الآية كقوله [ تعالى ] ( وإنه لعلم للساعة ) [ الزخرف : 61 ] وقرئ : " علم " بالتحريك ، أي إشارة ودليل على اقتراب الساعة ، وذلك لأنه ينزل بعد خروج المسيح الدجال ، فيقتله الله على يديه ، كما ثبت في الصحيح : " إن الله لم يخلق داء إلا أنزل له شفاء " ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج ، فيهلكهم الله [ به ] ببركة دعائه ، وقد قال تعالى : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون . واقترب الوعد الحق ) الآية [ الأنبياء : 96 ، 97 ] .
صفة عيسى عليه السلام : قد تقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] فإذا رأيتموه فاعرفوه : رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل " . وفي حديث النواس بن سمعان : " فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه " .
وروى البخاري ومسلم ، من طريق الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة أسري بي لقيت موسى " ، قال : فنعته " فإذا رجل - حسبته قال : - مضطرب رجل الرأس ، كأنه من رجال شنوءة " . قال : " ولقيت عيسى " فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ربعة أحمر ، كأنما خرج من ديماس - يعني الحمام - ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به " الحديث .
وروى البخاري ، من حديث مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت موسى وعيسى وإبراهيم ، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر ، وأما موسى فآدم جسيم سبط ، كأنه من رجال الزط " .
وله ولمسلم من طريق موسى بن عقبة ، عن نافع قال : قال عبد الله بن عمر : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال : " إن الله ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية وأراني الله عند الكعبة في المنام ، فإذا رجل آدم ، كأحسن ما ترى من أدم الرجال ، تضرب لمته بين منكبيه ، رجل الشعر ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يديه على منكبي رجلين ، وهو يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : المسيح ابن مريم ثم رأيت وراءه رجلا جعدا قططا ، أعور عين اليمنى ، كأشبه من رأيت بابن قطن ، واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : المسيح الدجال " . تابعه عبيد الله عن نافع .
ثم رواه البخاري عن أحمد بن محمد المكي ، عن إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : لا والله ما قال النبي صلى الله عليه سلم لعيسى [ عليه السلام ] أحمر ، ولكن قال : " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم سبط الشعر ، يتهادى بين رجلين ينطف رأسه ماء - أو يهراق رأسه ماء - فقلت : من هذا ؟ فقالوا : ابن مريم . فذهبت ألتفت ، فإذا رجل أحمر جسيم ، جعد الرأس ، أعور عينه اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية . قلت : من هذا ؟ قالوا : الدجال . وأقرب الناس به شبها ابن قطن " . قال الزهري : رجل من خزاعة هلك في الجاهلية .
هذه كلها ألفاظ البخاري ، رحمه الله ، وقد تقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة : أن عيسى ، عليه السلام ، يمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون .
وفي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم : أنه يمكث سبع سنين ، فيحتمل - والله أعلم - أن يكون المراد بلبثه في الأرض أربعين سنة ، مجموع إقامته فيها قبل رفعه وبعد نزوله ، فإنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة في الصحيح ، وقد ورد ذلك في حديث في صفة أهل الجنة : أنهم على صورة آدم وميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة . وأما ما حكاه ابن عساكر عن بعضهم أنه رفع وله مائة وخمسون سنة ، فشاذ غريب بعيد . وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى ابن مريم من تاريخه ، عن بعض السلف : أنه يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته ، فالله أعلم .
وقوله تعالى : ( ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ) قال قتادة : يشهد عليهم أنه قد بلغهم الرسالة من الله ، وأقر بالعبودية لله عز وجل ، وهذا كقوله تعالى في آخر سورة المائدة : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس [ اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب . ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد . إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت ] العزيز الحكيم ) [ المائدة : 116 - 118 ] .
(42) القول في تأويل قوله : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك:
فقال بعضهم: معنى ذلك: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به "، يعني: بعيسى=" قبل موته "، يعني: قبل موت عيسى= يوجِّه ذلك إلى أنّ جميعهم يصدِّقون به إذا نـزل لقتل الدجّال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفيّة، دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
&; 9-380 &;
*ذكر من قال ذلك:
10794- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: قبل موت عيسى ابن مريم.
10795- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: قبل موت عيسى.
10796- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك في قوله: " إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: ذلك عند نـزول عيسى ابن مريم، لا يبقى أحدٌ من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به. (43)
10797- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال، قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال: " قبل موته "، قال: قبل أن يموت عيسى ابن مريم.
10798- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: قبل موت عيسى. والله إنه الآن لحيٌّ عند الله، ولكن إذا نـزل آمنوا به أجمعون.
10799- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، يقول: قبل موت عيسى.
10800- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: قبل موت عيسى. (44)
10801- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: قبل موت عيسى، إذا نـزل آمنت به الأديان كلها.
10802- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن الحسن قال: قبل موت عيسى.
10803- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن: " إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال عيسى، ولم يمت بعدُ.
10804- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك قال: لا يبقى أحدٌ منهم عند نـزول عيسى إلا آمن به.
10805- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حصين، عن أبي مالك قال: قبل موت عيسى.
10806- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: إذا نـزل عيسى ابن مريم فقتل الدجال، لم يبق يهوديٌّ في الأرض إلا آمن به. قال: فذلك حين لا ينفعهم الإيمان. (45)
10807- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، يعني: أنه سيدرك أناسٌ من أهل الكتاب حين يبعث عيسى، فيؤمنون به، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا .
10808- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنه قال في هذه الآية: " وإن من أهل &; 9-382 &; الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "= قال أبو جعفر: أظنه إنما قال: إذا خرج عيسى آمنت به اليهود.
* * *
وقال آخرون: يعني بذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى، قبل موت الكتابي. يوجِّه ذلك إلى أنه إذا عاين علم الحق من الباطل، (46) لأن كل من نـزل به الموت لم تخرج نفسُه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه.
[ذكر من قال ذلك]: (47)
10809- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى.
10810- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى، وإن غرق، أو تردَّى من حائط، أو أيّ ميتة كانت.
10811- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " إلا ليؤمنن به قبل موته "، كل صاحب كتاب ليؤمنن به، بعيسى، قبل موته، موتِ صاحب الكتاب. (48)
10812- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ليؤمنن به "، كل صاحب كتاب، يؤمن بعيسى = &; 9-383 &; " قبل موته "، قبل موت صاحب الكتاب= قال ابن عباس: لو ضُربت عنقه، لم تخرج نفسُه حتى يؤمن بعيسى.
10813- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لا يموت اليهودي حتى يشهد أنّ عيسى عبد الله ورسوله، ولو عُجِّل عليه بالسِّلاح.
10814- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: هي في قراءة أبيّ: ( قبل موتهم ) ، ليس يهودي يموت أبدًا حتى يؤمن بعيسى. قيل لابن عباس: أرأيت إن خرّ من فوق بيت؟ قال: يتكلم به في الهُوِيِّ. (49) فقيل: أرأيت إن ضربَ عنق أحد منهم؟ (50) قال: يُلجلج بها لسانُهُ. (51)
10815- حدثني المثنى قال، حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال، حدثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ابن مريم. قال: وإن ضُرب بالسيف، يتكلم به. قال: وإن هوى، يتكلم به وهو يَهْوِي. (52)
10816- وحدثني ابن المثنى قال، حدثني محمد بن جعفر قال، حدثنا &; 9-384 &; شعبة، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لو أن يهوديًّا وقع من فوق هذا البيت، لم يمت حتى يؤمن به= يعني: بعيسى. (53)
10817- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، عن مولى لقريش قال: سمعت عكرمة يقول: لو وقع يهوديٌّ من فوق القَصر، لم يبلغ إلى الأرض حتى يؤمن بعيسى.
10818- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم الرماني، عن مجاهد: " ليؤمنن به قبل موته "، قال: وإن وقع من فوق البيت، لا يموت حتى يؤمن به. (54)
10819- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ". قال: لا يموت رجل من أهل الكتاب حتى يؤمن به، وإن غرق، أو تردَّى، أو مات بشيء.
10820- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا تخرج نفسه حتى يؤمن به.
10821- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا يموت أحدهم حتى يؤمن به= يعني: بعيسى= وإن خَرَّ من فوق بيت، يؤمن به وهو يهوِي.
10822- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك قال: ليس أحدٌ من اليهود يخرج من الدنيا حتى يؤمن بعيسى.
10823- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن فرات القزاز، عن الحسن في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت= [يعني: اليهود والنصارى]. (55)
10824- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن فرات، عن الحسن في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا يموت أحدٌ منهم حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت. (56)
10825- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا الحكم بن عطية، عن محمد بن سيرين: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: موتِ الرجل من أهل الكتاب. (57)
10826- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: قال ابن عباس: ليس من يهودي [يموت] حتى يؤمن بعيسى ابن مريم. (58) فقال له رجل من أصحابه: كيف، والرجل يغرق، أو يحترق، أو يسقط عليه الجدار، أو يأكله السَّبُع؟ فقال: لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الإيمان بعيسى.
10827- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: لا يموت أحد من اليهود حتى يشهد أن عيسى رسول الله= صلى الله عليه وسلم.
10828- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعلى، عن جويبر في قوله: " ليؤمنن به قبل موته "، قال: في قراءة أبيّ: ( قبل موتهم ) . (59)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم، قبل موت الكتابي.
*ذكر من قال ذلك:
10829- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن حميد قال، قال عكرمة: لا يموت النصراني واليهوديُّ حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم= يعني في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة والصواب، قول من قال: تأويل ذلك: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى ".
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال، لأن الله جل ثناؤه حكم لكل مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بحكم أهل الإيمان، في الموارثة والصلاة عليه، &; 9-387 &; وإلحاق صغار أولاده بحكمه في الملة. فلو كان كل كتابيّ يؤمن بعيسى قبل موته، لوجب أن لا يرث الكتابيّ إذا مات على مِلّته إلا أولاده الصغار، أو البالغون منهم من أهل الإسلام، إن كان له ولد صغير أو بالغ مسلم. وإن لم يكن له ولد صغير ولا بالغٌ مسلم، كان ميراثه مصروفًا حيث يصرف مال المسلم يموت ولا وارث له، وأن يكون حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه وغَسْله وتقبيره. (60) لأن من مات مؤمنًا بعيسى، فقد مات مؤمنًا بمحمد وبجميع الرسل. وذلك أن عيسى صلوات الله عليه، جاء بتصديق محمد وجميع المرسلين صلوات الله عليهم، فالمصدّق بعيسى والمؤمن به، مصدق بمحمد وبجميع أنبياء الله ورسله. كما أن المؤمن بمحمد، مؤمن بعيسى وبجميع أنبياء الله ورسله. فغير جائز أن يكون مؤمنًا بعيسى من كان بمحمد مكذِّبًا.
* * *
فإن ظن ظانٌّ أنّ معنى إيمان اليهودي بعيسى الذي ذكره الله في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، إنما هو إقراره بأنه لله نبيٌّ مبعوث، دون تصديقه بجميع ما أتى به من عند الله= فقد ظن خطأ.
وذلك أنه غير جائز أن يكون منسوبًا إلى الإقرار بنبوّة نبي، من كان له مكذبًا في بعض ما جاء به من وحْي الله وتنـزيله. بل غير جائز أن يكون منسوبًا إلا الإقرار بنبوة أحد من أنبياء الله، لأن الأنبياء جاءت الأمم بتصديق جميع أنبياء الله ورسله. فالمكذب بعض أنبياء الله فيما أتى به أمّته من عند الله، مكذِّب جميع أنبياء الله فيما دعوا إليه من دين الله عبادَ الله. وإذْ كان ذلك كذلك= وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن كلَّ كتابي مات قبل إقراره بمحمد صلوات الله &; 9-388 &; عليه وما جاء به من عند الله، (61) محكوم له بحكم الملّة التي كان عليها أيام حياته، (62) غيرُ منقولٍ شيء من أحكامه في نفسه وماله وولده صغارهم وكبارهم بموته، عما كان عليه في حياته= دلَّ الدليل على أن معنى قول الله: (63) " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، إنما معناه: إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وأن ذلك في خاصٍ من أهل الكتاب، ومعنيٌّ به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التي كانت بعد عيسى، وأن ذلك كائن عند نـزوله، كالذي:-
10830- حدثني بشر بن معاذ قال، حدثني يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة: أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعَلاتٍ، أمهاتهم شتى ودينهم واحدٌ. وإنيّ أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبيٌّ. وإنه نازلٌ، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربُوع الخَلق، إلى الحمرة والبياض، سَبْط الشعر، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بَلل، بين ممصَّرتين، فيدُقّ الصليب، ويقتل الخنـزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلَّها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه مسيحَ الضلالة الكذابَ الدجال، وتقع الأمَنَة في الأرض في زمانه، حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الغِلمان= أو: الصبيان= بالحيات، لا يضرُّ بعضهم بعضًا. ثم يلبث في الأرض ما شاء الله= وربما قال: أربعين سنة= ثم يتوفَّى، &; 9-389 &; ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. (64)
* * *
وأما الذي قال: عنى بقوله: " ليؤمنن به قبل موته "، ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبلَ موت الكتابي - فمما لا وجه له مفهوم، لأنه= مع فساده من الوجه الذي دَللنا على فساد قول من قال: " عنى به: ليؤمنن بعيسى قبل موت الكتابي"= يزيده فسادًا أنه لم يجر لمحمد عليه السلام في الآيات التي قبلَ ذلك ذكر، فيجوز صرف " الهاء " التي في قوله: " ليؤمنن به "، إلى أنها من ذكره. وإنما قوله: " ليؤمنن به "، في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود. فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره، إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنـزيل، أو خبر عن الرسول تقوم به حُجَّة. فأما الدَّعاوى، فلا تتعذر على أحد.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية= إذْ كان الأمر على ما وصفنا (65) =: وما من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن بعيسى، قبل موت عيسى= وحذف " مَن " بعد " إلا "، لدلالة الكلام عليه، فاستغنى بدلالته عن إظهاره، كسائر ما قد تقدم من أمثاله التي قد أتينا على البيان عنها.
* * *
القول في تأويل قوله : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ويوم القيامة يكون عيسى على أهل الكتاب " شهيدًا "، يعني: شاهدًا عليهم بتكذيب من كذَّبه منهم، وتصديق من صدقه منهم، فيما أتاهم به من عند الله، وبإبلاغه رسالة ربه، (66) كالذي:-
10831- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا "، أنه قد أبلغهم ما أُرسل به إليهم. (67)
10832- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا "، يقول: يكون عليهم شهيدًا يوم القيامة على أنه قد بلغ رسالة ربه، وأقرّ بالعبوديّة على نفسه.
------------------
الهوامش :
(42) هذا بدء الجزء الثامن من المخطوطة ، وأوله:
"بسم الله الرحمن الرحيم"
"رَبِّ يَسِّر برَحْمَتِك يا كَرِيم".
(43) الأثر: 10796 - في المخطوطة ، هذا الأثر مبتور ، مع جريانه في سياق الكتابة.
(44) الأثر: 10800 - هذا الأثر مكرر الذي يليه مختصرًا ، وليس في المخطوطة ، فأخشى أن يكون من سهو الناسخ ، كتب ، ثم وقف ، ثم أعاد الكتابة.
(45) في المطبوعة: "وذلك حين .." ، وأثبت ما في المخطوطة.
(46) في المطبوعة: "ذكر من كان يوجه ذلك ..." ، وأثبت ما في المخطوطة ، وانظر التعليق التالي.
(47) زدت هذه الزيادة بين القوسين ، على نهج أبي جعفر في سائر تفسيره.
(48) في المخطوطة: "قبل موته صاحب صاحب كتاب" ، اجتهد الناشر الأول ، ولو كتب"قبل موت كل صاحب كتاب" ، لكان صوابًا أيضًا.
(49) "الهوي" (بضم الهاء ، وكسر الواو ، والياء المشددة) ، مصدر"هوى يهوي" ، إذا سقط من فوق إلى أسفل.
(50) في المطبوعة: "إن ضربت عنقه" ، و"العنق" يذكر ويؤنث ، وأثبت ما في المخطوطة.
(51) "لجلج" أي تردد بها وأدارها على لسانه. وفي المطبوعة: "يتلجلج" بزيادة التاء ، وهي بمعناها.
(52) في المطبوعة ، غير ما في المخطوطة وزاد فيها ، وجعل ذلك سؤالا وجوابًا ، وكتب: "قيل: وإن ضرب بالسيف؟ قال: يتكلم به. قيل: وإن هوى؟ قال: يتكلم به وهو يهوي" ، وأجود ذلك ما في المخطوطة.
(53) الأثر: 10816 -"أبو هارون الغنوي" ، هو: "إبراهيم بن العلاء". روى عن عكرمة ، وأبي مجلز ، وحطان بن العلاء. وروى عنه شعبة ، وحماد بن سلمة ، ويزيد بن إبراهيم ، ويزيد بن زريع ، وابن المبارك ، مترجم في الكبير 1 / 1 / 307 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 120 ، ولم يذكرا فيه جرحًا. وأشار إليه الحافظ ابن حجر في باب الكنى من تهذيب التهذيب ، وقال: "تقدم" ، ولم أجده في الأعلام ، فكأن في التهذيب نقصًا.
(54) الأثر: 10818 -"أبو هاشم الرماني الواسطي" ، قيل اسمه: "يحيى بن دينار" وقيل: "ابن الأسود" ، وقيل: "ابن أبي الأسود" ، وقيل: "ابن نافع". رأى أنسًا ، وروي عن أبي وائل ، وأبي مجلز ، وأبي العالية ، وعكرمة ، وغيرهم. كان فقيهًا صدوقًا ، ثقة. مترجم في التهذيب.
(55) في المطبوعة: "حتى يؤمن بعيسى ، يعني اليهود والنصارى" ، وأثبت ما في المخطوطة ، ولكن ليس فيها: "يعني اليهود والنصارى" ، فتركتها على حالها من المطبوعة ، ووضعتها بين قوسين.
(56) الأثر: 10824 - هذا الأثر غير موجود في المخطوطة.
(57) الأثر: 10825 -"الحكم بن عطية العيشي". متكلم فيه ، روى عن عاصم الأحول ، والحسن ، وابن سيرين ، وروى عنه ابن المبارك ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأبو نعيم ، وغيرهم. مترجم في التهذيب.
(58) في المطبوعة: "ليس من يهودي ولا نصراني يموت حتى يؤمن" ، وفي المخطوطة: " ليس من يهودي ولا نصراني حتى يؤمن" ، وضرب الناسخ على"ولا نصراني" ، وليس في المخطوطة"يموت" ، فتركتها على حالها من المطبوعة ، ووضعتها بين قوسين.
(59) الأثر: 10828 - انظر الأثر السالف رقم: 10814.
(60) قوله: "وتقبيره" أي دفنه حيث يدفن ، وكأنه من ألفاظ الفقهاء على عهد أبي جعفر ، والذي في اللغة"قبره يقبره" دفنه ، و"أقبره" جعل له قبرًا. أما "قبر يقبر تقبيرًا" بهذا المعنى ، فلم أجدها في معاجم اللغة.
(61) في المطبوعة: "وإذ كان ذلك كذلك كان في إجماع الجميع من أهل الإسلام على أن كل كتابي .." غير ما في المخطوطة ، ليصلح الخطأ الذي وقع فيها. كما سترى في التعليق: 3.
(62) في المطبوعة: "بحكم المسألة التي كان عليها ..." ، والصواب من المخطوطة.
(63) في المطبوعة والمخطوطة: "أدل الدليل على معنى قول الله" ، والصواب يقتضي ما أثبت. وسياق العبارة: "وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين... دل الدليل على أن معنى قول الله ... إنما معناه ...". فهذا هو السياق الذي يدل على صواب ما صححته في المطبوعة والمخطوطة.
(64) الأثر: 10830 - هذا الحديث ، مضى برقم: 7145 ، من طريق ابن حميد ، عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن قتادة ، بمثله ، إلا بعض اختلاف يسير جدًا في لفظه. وهو حديث صحيح ، خرجه أخي السيد أحمد في موضعه هناك ، وأشار إلى طريق الطبري هذه في هذا الموضع ، فراجعه هناك.
(65) في المطبوعة: "ما وصفت" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(66) انظر تفسير"شهيد" فيما سلف من فهارس اللغة.
(67) في المطبوعة: "أرسله به" ، وأثبت ما في المخطوطة.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 159 | ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ |
---|
المائدة: 117 | ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
ليؤمنن:
قرئ:
بضم النون، على معنى: وإن منهم أحد إلا سيؤمنون به قبل موتهم، لأن «أحدا» يصلح للجميع، وهى قراءة أبى.
التفسير :
ثم أخبر تعالى أنه حرم على أهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم، وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم، وصدهم الناس عن سبيل الله، ومنعهم إياهم من الهدى، وبأخذهم الربا وقد نهوا عنه، فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل، فعاقبهم الله من جنس فعلهم فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها، لكونها طيبة، وأما التحريم الذي على هذه الأمة فإنه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم.
ثم حكى - سبحانه - ألوانا أخرى من جرائم اليهود، وحكى بعض العقوبات التى حلت بهم بسبب ظلمهم وبغيهم فقال - تعالى { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.
والفاء فى قوله { فَبِظُلْمٍ } للتفريع على جرائمهم السابقة، والباء للسببية، والتنكير للتهويل والتعظيم، والجار والجرور متعلق بحرمنا. وقدم الجار والمجرور على عامله للتنبيه على قبح سبب التحريم.
والمعنى فبسبب ظلم عظيم شنيع وقع من أولئك اليهود حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، ولو أنهم لم يقعوا فى هذا الظلم الشديد لما حرم الله عليهم هذه الطيبات التى هم فى حاجة إليها.
والآية الكريمة تعليل لبعض العقوبات التى نزلت بهم بسبب ظلمهم وبغيهم، ومن ضروب هذا الظلم والبغى ما سجله الله عليهم قبل ذلك من نقض للمواثيق، ومن كفر بآيات الله.
وما سجله عليهم - أيضا - بعد ذلك من صد عن سبيل الله، ومن أخذ للربا وقد نهاهم عن آخذه.
وهذه الطيبات التى حرمها الله عليهم منها ما حكاه - سبحانه - فى سورة الأنعام بقوله:
{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ }
والتعبير عنهم بقوله: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } إيذان بشناعة ظلمهم، حيث إنهم وقعوا فى هذا الظلم الشديد بعد توبتهم ورجوعهم عن عبادة العجل. وقولهم: " إنا هدنا إليك " أى: تبنا ورجعنا إليك يا ربنا.
وقوله: { أُحِلَّتْ لَهُمْ } هذه الجملة صفة للطيبات فهى فى محل نصب.
والمراد من وصفها بذلك. بيان أنها كانت حلالا لهم قبل أن يرتكبوا ما ارتكبوا من موبقات. أى: حرمنا عليهم طيبات كانت حالالا لهم، ثم حرمت عليهم بسبب بغيهم وظلمهم.
قال ابن كثير: يخبر - سبحانه - أنه بسبب ظلم اليهود، وبسبب ما ارتكبوه من ذنوب، حرمت عليهم طيبات كان قد أحلها لهم. وقرأ ابن عباس: طيبات كانت أحلت لهم. وهذا التحريم قد يكون قدريا. بمعنى أن الله قيضهم لأن يتأولوا فى كتابهم، وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم فحرموها على أنفسهم تضييقا، تنطعا. ويحتمل أن يكون شرعيا. بمعنى أنه - تعالى - حرم عليهم فى التوراة أشياء كانت حلال لهم قبل ذلك. كما قال - تعالى -
{ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ }
وقوله: { وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } معطوف هو وما بعده من أخذهم الربا وغيره على الظلم الذى تعاطوه. من عطف الخاص على العام، لأن هذه الجرائم تفسير وتفصيل لظلمهم.
والصد والصدود: المنع. أى: وبسبب صدهم أنفسهم عن طريق الحق التى شرعها الله لعباده وصدهم غيرهم عنها عنها صدا كثيرا، بسبب ذلك عاقبناهم وطردناهم من رحمتنا.
وقوله { كَثِيراً } صفة لمفعول محذوف منصوب بالمصدر وهو { بِصَدِّهِمْ } أى: وبصدهم عن سبيل الله جمعا كثيرا من الناس. أو صفة لمصدر محذوف، أى: وبصدهم عن سبيل الله صدا كثيرا.
يخبر ، تعالى ، أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة ، حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم ، كما قال ابن أبي حاتم :
حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، وقال : قرأ ابن عباس : " طيبات كانت أحلت لهم " .
وهذا التحريم قد يكون قدريا ، بمعنى : أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم ، وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم ، فحرموها على أنفسهم ، تشديدا منهم على أنفسهم وتضييقا وتنطعا . ويحتمل أن يكون شرعيا بمعنى : أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالا لهم قبل ذلك ، كما قال تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ) [ آل عمران : 93 ] وقد قدمنا الكلام على هذه الآية وأن المراد : أن الجميع من الأطعمة كانت حلالا لهم ، من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها . ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة ، كما قال في سورة الأنعام : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ) [ الأنعام : 146 ] أي : إنما حرمنا عليهم ذلك ; لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه . ولهذا قال : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) أي : صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق . وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ; ولهذا كانوا أعداء الرسل ، وقتلوا خلقا من الأنبياء ، وكذبوا عيسى ومحمدا ، صلوات الله وسلامه عليهما .
القول في تأويل قوله : فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فحرَّمنا على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم، وكفروا بآيات الله، وقتلوا أنبياءهم، وقالوا البهتان على مريم، وفعلوا ما وصفهم الله في كتابه= طيباتٍ من المآكل وغيرها، كانت لهم حلالا عقوبة لهم بظلمهم، الذي أخبر الله عنهم في كتابه، (68) كما:-
10833- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " الآية، عوقب القوم بظلم ظلموه وبَغْيٍ بَغَوْه، حرمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم.
* * *
وقوله: " وبصدّهم عن سبيل الله كثيرًا "، يعني: وبصدّهم عبادَ الله عن دينه وسبله التي شرعَها لعباده، صدًّا كثيرًا. (69) وكان صدُّهم عن سبيل الله: بقولهم على الله الباطل، وادعائهم أن ذلك عن الله، وتبديلهم كتاب الله، وتحريف معانيه عن وجوهه. وكان من عظيم ذلك: جحودهم نبوة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتركهم بيانَ ما قد علِموا من أمره لمن جَهِل أمره من الناس. (70)
* * *
وبنحو ذلك كان مجاهد يقول:
10834- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثني أبو عاصم قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " وبصدّهم عن سبيل الله كثيرًا "، قال: أنفسَهم وغيرَهم عن الحق.
10835- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
------------------------
الهوامش :
(68) انظر تفسير"هاد" فيما سلف 2 : 143 ، 507 ، 508.
وتفسير"الطيبات" فيما سلف 3 : 301 / 5 : 555 / 6 : 361 / 7 : 424 / 8 : 409.
(69) في المطبوعة: "التي شرحها لعبادة" وهو خطأ ظاهر.
(70) انظر تفسير"الصد" فيما سلف 4 : 300 / 7 : 53 / 8 : 482 ، 513 وتفسير"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم أخبر تعالى أنه حرم على أهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم، وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم، وصدهم الناس عن سبيل الله، ومنعهم إياهم من الهدى، وبأخذهم الربا وقد نهوا عنه، فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل، فعاقبهم الله من جنس فعلهم فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها، لكونها طيبة، وأما التحريم الذي على هذه الأمة فإنه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم.
وقوله: { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } بيان للون آخر من رذائلهم وقبائحهم. أى: ومن أسباب تحريم بعض الطيبات عليهم ولعنهم، أخذهم الربا مع نهيهم عنه على ألسنة رسلنا، وأكلهم أموال الناس بالباطل، أى على طريق الرشوة والخيانة، والسرقة وغير ذلك من سائر الوجوه المحرمة.
وما حملهم على هذا الولوغ فى المحرمات بشراهة وعدم مبالاة إلا أنانيتهم وبيعهم الدين بالدنيا. وقوله. { وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } جملة حالية فى محل نصب.
قال الآلوسى. وفى الآية دلالة على أن الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا لأن النهى يدل على حرمة المنهى عنه، وإلا لما توعد - سبحانه - على مخالفته.
تلك هى بعض العقوبات التى عاقبهم الله بها فى الدنيا. أما عقوبة هؤلاء اليهود فى الآخرة فقد بينها - سبحانه - فى قوله { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.
أى. وهيأنا وأعددنا للكافرين من أولئك اليهود الذين فسدت نفوسهم عذابا موجعا أليما، جزاء ظلمهم وفسوقهم عن أمر الله.
وقوله { لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ } احتراس قصد به إخراج من آمن منهم من هذا العذاب الأليم، لأن العذاب إنما هو للكافرين منهم فسحب، أما من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأشباهه فلهم أجرهم عند ربهم.
وقوله : ( وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ) أي : أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه ، واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه ، وأكلوا أموال الناس بالباطل . قال تعالى : ( وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما )
وقوله: " وأخذهم الربا "، وهو أخذهم ما أفضلوا على رءوس أموالهم، لفضل تأخير في الأجل بعد مَحِلِّها، وقد بينت معنى " الربا " فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (71)
* * *
=" وقد نهوا عنه " يعني: عن أخذ الربا.
* * *
وقوله: " وأكلهم أموالَ الناس بالباطل "، يعني ما كانوا يأخذون من الرُّشَى على الحكم، كما وصفهم الله به في قوله: وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة المائدة: 62]. وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل، ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم، ثم يقولون: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة. فعاقبهم الله على جميع ذلك، بتحريمه ما حرَّم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالا قبل ذلك.
وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل، (72) لأنهم أكلوه بغير استحقاق، (73) وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب.
* * *
وقوله: " وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا "، (74) يعني: وجعلنا للكافرين بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء اليهود، (75) العذاب الأليم= وهو الموجع (76) = من عذاب جهنم عنده، (77) يصلونها في الآخرة، إذا وردوا على ربهم، فيعاقبهم بها.
--------------------
الهوامش :
(71) انظر تفسير"الربا" فيما سلف 6 : 7 ، 8 ، 13 ، 15 ، 22.
(72) انظر تفسير"أكل الأموال بالباطل" فيما سلف 3 : 548 / 7 : 528 ، 578 / 8 : 216.
(73) في المطبوعة: "بأنهم أكلوه ..." ، والصواب من المخطوطة.
(74) في المطبوعة: "فقوله: ..." ، والصواب من المخطوطة.
(75) انظر تفسير"أعتد" فيما سلف 8 : 103 ، 355 / 9 : 353.
(76) انظر تفسير"الأليم" فيما سلف من فهارس اللغة.
(77) في المطبوعة: "من عذاب جهنم عدة يصلونها ..." والصواب من المخطوطة.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 161 | ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا﴾ |
---|
التوبة: 34 | ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما ذكر معايب أهل الكتاب، ذكر الممدوحين منهم فقال:{ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} أي:الذين ثبت العلم في قلوبهم ورسخ الإيقان في أفئدتهم فأثمر لهم الإيمان التام العام{ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} وأثمر لهم الأعمال الصالحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللذين هما أفضل الأعمال، وقد اشتملتا على الإخلاص للمعبود والإحسان إلى العبيد. وآمنوا باليوم الآخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد.{ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} لأنهم جمعوا بين العلم والإيمان والعمل الصالح، والإيمان بالكتب والرسل السابقة واللاحقة.
وقد أكد - سبحانه - هذا المعنى بعد ذلك، بأن أكرم من يستحق الإِكرام منهم، وبشره بالأجر بالعظيم فقال، { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـۤئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }.
وقوله { ٱلرَّاسِخُونَ } جمع راسخ. ورسوخ الشئ ثباته وتمكنه. يقال شجرة راسخة، أى ثابتة قوية لا تزحزحها الرياح ولا العواصف. والراسخ فى العلم هو المتحقق فيه، الذى لا تؤثر فيه الشبهات ـ المتقن لما يعلمه إتقانا يبعده عن الميل والانحراف عن الحق.
وقوله، { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } استدراك من قوله قبل ذلك { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وبيان لكونه بعض أهل الكتاب على خلاف حال عامتهم فى العاجل والآجل.
والمعنى: إن حال اليهود على ما وصف لكم من سوء خلق فى الدنيا، ومن سوء عاقبة فى الآخرة، { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ } أى الثابتون فيه، المتقنون المستبصرون الذين أدركوا حقائقه وصدقوها وأذعنوا لها، ورسخت فى نفوسهم رسوخا ليس معه شبهة تفسده، أو هوى يعبث به، أو ريب يزعزعه.
{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أى منهم. وقد وصفوا بالإِيمان بعد وصفهم بما يوجبه وهو الرسوخ فى العلم بطريق العطف المبنى على المغايرة المتعاطفين تنزيلا للاختلاف العنوانى منزلة الاختلاف الذاتى.
وقوله { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ } خبر لقوله { ٱلرَّاسِخُونَ }. أى هؤلاء الراسخون فى العلم من أهل الكتاب والمؤمنين منهم بالحق، يؤمنون بما أنزل إليك من قرآن، ويؤمنون بما { أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } من كتب سماوية على أنبياء الله ورسله.
وقوله: { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } للعلماء فيه وجوه من الإعراب أشهرها أنه منصوب على المدح. أى: وأمدح المقيمين الصلاة.
قال صاحب الكشاف: وقوله { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } نصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع. وقد كسره سيبويه على أمثله وشواهد. ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا فى خط المصحف: ورما التفت إليه من لم ينظر فى الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم فى النصب على الاختصاص من الافتنان وغبى عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإِنجيل، كانوا أبعد همة فى الغيرة على الإِسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا فى كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم. وخرقا يوفوه من يلحق بهم وقيل: هو عطف على { بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ } أى: يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء.
وفى مصحف عبد الله: { وَٱلْمُقِيمِينَ } بالواو: وهى قراءة مالك بن دينار، والجحدرى، وعيسى الثقفى.
وقوله: { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } معطوف على { ٱلرَّاسِخُونَ } أو على الضمير المرفوع فى { يُؤْمِنُونَ }. أو على أنه مبتدأ والخبر ما بعده وهو قوله. { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }.
والمراد بالجميع مؤمنو أهل الكتاب الصادقون فى إيمانهم. فقد وصفهم - أولا - بالرسوخ فى العلم، ثم وصفهم - ثانيا - بالإِيمان الكامل بما أوحاه الله على أنبيائه من كتب وهدايات، ثم مدحهم - ثالثا - بإقامة الصلاة إقامة مستوفية لكل أركانها وسننها وآدابها وخشوعها، ثم وصفهم - رابعاً - بإيتاء الزكاة لمستحقيها، ثم وصفهم - خامسا - بالإِيمان بالله إيماناً حقاً، وبالإِيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب.
وبعد هذا الوصف الكريم لهؤلاء المؤمنين الصادقين، بين - سبحانه - حسن عاقبتهم فقال: { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }.
أى: أولئك الموصفون بتلك الصفات الجليلة سنؤتيهم يوم القيامة أجرا عظيم لا يعلم كنهه إلا علام الغيوب، لأنهم جمعوا بين الإِيمان الصحيح وبين العمل الصالح.
هذا. والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة، يراها من أجمع الآيات التى تحدثت عن أحوال اليهود، وعن أخلاقهم السيئة، وعن فنون من راذئلهم وقبائحهم... فأنت تراها - أولا - تسجل عليهم أسئلتهم المتعنتة وسوء أدبهم مع الله، وعبادتهم للعجل من بعد أن قامت لديهم الأدلة على أن العبادة لا تكون إلا لله وحده، وعصيانهم لأوامر الله ونواهيه، ونقضهم للعهود والمواثيق، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف، وبتهتهم لمريم القانتة العابدة الطاهرة، وقولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله... إلى غير ذلك من الرذائل التى سجلها الله عليهم.
ثم تراها - ثانيا - تذكرهم وتذكر الناس جميعا ببعض مظاهر رحمة الله بهم، وعفوه عنهم، ونعمه عليهم، كما تذكرهم - أيضا - وتذكر الناس جميعا، ببعض العقوبات التى عاقبهم بها بسبب ظلمهم وبغيهم.
وكأن الآيات الكريمة تقول لهم وللناس إن نعم الله على عباده لا تحصى ورحمته بهم واسعة، فاشكروه على نعمه، وتوبوا إليه من ذنوبكم، فإن الإِصرار على الماصى يؤدى إلى سوء العاقبة فى الدنيا والآخرة.
ثم تراها - ثالثاً - تدافع عن عيسى وأمه دفاعا عادلا مقنعاً وتبرئهما مما نسبه أهل الكتاب إليهما من زور وبهتان، وتصرح بأن أهل الكتاب لا حجة عندهم فيما تقولوه على عيسى وعلى أمه مريم، وأنهم فى أقوالهم ما يتبعون إلا الظن،
{ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً }
ثم تسوق الحقيقة التى لا باطل معها في شأن عيسى، بأن تبين بأن الذين زعموا أنهم قتلوه كاذبون مفترون فإنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وسيؤمنون به عند نزوله فى آخر الزمان، أو عندما يكونون فى اللحظات الأخيرة من حياتهم، حين لا ينفع الإِيمان.
ثم تراها - رابعاً - لا تعمم فى أحكامها، وإنما تحق الحق وتبطل الباطل فهى بعد أن تبين ما عليه اليهود من كفر وظلم وفسوق عن أمر الله، وتتوعدهم بالعذاب الشديد فى الآخرة. بعد كل ذلك تمدح الراسخين فى العلم منهم مدحا عظيما، وتكرم المؤمنين الصادقين منهم تكريما عظيما، وتبشرهم بالأجر الجزيل الذى يشرح صدورهم، ويطمئن قلوبهم.
{ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }
هذا جانب مما اشتملت عليه هذه الآيات من عبر وعظات
{ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }
وبعد هذا الحديث المستفيض عن شبهات اليهود وسوء طباعهم. ساق - سبحانه - ما يشهد بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعوته، وأنه ليس بدعا من الرسل، بل هو واحد منهم إلا أنه خاتمهم، وأرفعهم منزلة عند الله - تعالى - فقال - سبحانه -: { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ....بِٱللَّهِ شَهِيداً }.
ثم قال تعالى : ( لكن الراسخون في العلم منهم ) أي : الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع . وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران .
( والمؤمنون ) عطف على الراسخين ، وخبره ( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك )
قال ابن عباس : أنزلت في عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية . وأسد وزيد بن سعية وأسد بن عبيد ، الذين دخلوا في الإسلام ، وصدقوا بما أرسل الله به محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( والمقيمين الصلاة ) هكذا هو في جميع المصاحف الأئمة ، وكذا هو في مصحف أبي بن كعب . وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود : " والمقيمون الصلاة " ، قال : والصحيح قراءة الجميع . ثم رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم : هو منصوب على المدح ، كما جاء في قوله : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا ) [ البقرة : 177 ] ، قالوا : وهذا سائغ في كلام العرب ، كما قال الشاعر :
لا يبعدن قومي الذين همو سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك
والطيبون معاقد الأزر
وقال آخرون : هو مخفوض عطفا على قوله : ( بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) يعني : وبالمقيمين الصلاة .
وكأنه يقول : وبإقامة الصلاة ، أي : يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم ، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة ، وهذا اختيار ابن جرير ، يعني : يؤمنون بما أنزل إليك ، وما أنزل من قبلك ، وبالملائكة . وفي هذا نظر والله أعلم .
وقوله : ( والمؤتون الزكاة ) يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال ، ويحتمل زكاة النفوس ، ويحتمل الأمرين ، والله أعلم .
( والمؤمنون بالله واليوم الآخر ) أي : يصدقون بأنه لا إله إلا الله ، ويؤمنون بالبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها .
وقوله : ( أولئك ) هو الخبر عما تقدم ( سنؤتيهم أجرا عظيما ) يعني : الجنة .
القول في تأويل قوله : لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
قال أبو جعفر: هذا من الله جل ثناؤه استثناء، استثنَى من أهل الكتاب من اليهود الذين وصَف صفتهم في هذه الآيات التي مضت، من قوله: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَـزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ .
ثم قال جل ثناؤه لعباده، مبينًا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده: ما كلُّ أهل الكتاب صفتهم الصفة التي وصفت لكم،" لكن الراسخون في العلم منهم "، وهم الذين قد رَسخوا في العلم بأحكام الله التي جاءت بها أنبياؤه، وأتقنوا ذلك، وعرفوا حقيقته.
* * *
وقد بينا معنى " الرسوخ في العلم "، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (78)
* * *
=" والمؤمنون " يعني: والمؤمنون بالله ورسله، هم يؤمنون بالقرآن الذي أنـزل الله إليك، يا محمد، وبالكتب التي أنـزلها على من قبلك من الأنبياء والرسل، ولا يسألونك كما سألك هؤلاء الجهلة منهم: (79) أن تنـزل عليهم كتابًا من السماء، لأنهم قد علموا بما قرأوا من كتب الله وأتتهم به أنبياؤهم، أنك لله رسول، واجبٌ عليهم اتباعك، لا يَسعهم غير ذلك، فلا حاجة بهم إلى أن يسألوك آية معجزة ولا دلالة غير الذي قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم من إخبار أنبيائهم إياهم &; 9-394 &; بذلك، وبما أعطيتك من الأدلّة على نبوتك، فهم لذلك من علمهم ورسوخهم فيه، يؤمنون بك وبما أنـزل إليك من الكتاب، وبما أنـزل من قبلك من سائر الكتب، كما:-
10836- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك "، استثنى الله أُثْبِيَّةً من أهل الكتاب، (80) وكان منهم من يؤمن بالله وما أنـزل عليهم، وما أنـزل على نبي الله، يؤمنون به ويصدّقون، ويعلمون أنه الحق من ربهم.
* * *
ثم اختلف في" المقيمين الصلاة "، أهم الراسخون في العلم، أم هم غيرهم؟.
فقال بعضهم: هم هم.
* * *
ثم اختلف قائلو ذلك في سبب مخالفة إعرابهم إعراب " الراسخون في العلم " وهما من صفة نوع من الناس.
فقال بعضهم: ذلك غلط من الكاتب، (81) وإنما هو: لكن الراسخون في العلم منهم والمقيمون الصلاة.
*ذكر من قال ذلك:
10837- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن الزبير قال: قلت لأبان بن عثمان بن عفان: ما شأنها كتبت: &; 9-395 &; " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك والمقيمين الصلاة "؟ قال: إن الكاتب لما كتب: " لكن الراسخون في العلم منهم "، حتى إذا بلغ قال: ما أكتب؟ قيل له: اكتب: " والمقيمين الصلاة "، فكتب ما قيلَ له.
10838- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه سأل عائشة عن قوله: " والمقيمين الصلاة "، وعن قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ [سورة المائدة: 69]، وعن قوله: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ [سورة طه: 63]، فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكاتب، (82) أخطئوا في الكتاب.
* * *
وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: ( والمقيمون الصلاة ).
* * *
وقال آخرون، وهو قول بعض نحويي الكوفة والبصرة: " والمقيمون الصلاة "، من صفة " الراسخين في العلم "، ولكن الكلام لما تطاول، واعترض بين " الراسخين في العلم "،" والمقيمين الصلاة " ما اعترض من الكلام فطال، نصب " المقيمين " على وجه المدح. قالوا: والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته، إذا تطاولت بمدح أو ذم، خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحيانًا، ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله. وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه. وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الإعراب. واستشهدوا لقولهم ذلك بالآيات التي ذكرتها في قوله: (83) وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ (84) [سورة البقرة: 177].
وقال آخرون: بل " المقيمون الصلاة " من صفة غير " الراسخين في العلم " في هذا الموضع، وإن كان " الراسخون في العلم " من " المقيمين الصلاة ".
* * *
وقال قائلو هذه المقالة جميعًا: موضع " المقيمين " في الإعراب، خفض.
فقال بعضهم: موضعه خفض على العطف على " ما " التي في قوله: " يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك "، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة.
* * *
ثم اختلف متأوّلو ذلك هذا التأويل في معنى الكلام. (85)
فقال بعضهم: معنى ذلك: " والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك "، وبإقام الصلاة. قالوا: ثم ارتفع قوله: " والمؤتون الزكاة "، عطفًا على ما في" يؤمنون " من ذكر " المؤمنين "، كأنه قيل: والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك، هم والمؤتون الزكاة.
* * *
وقال آخرون: بل " المقيمون الصلاة "، الملائكة. قالوا: وإقامتهم الصلاة، تسبيحهم ربَّهم، واستغفارهم لمن في الأرض. قالوا: ومعنى الكلام: " والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك "، وبالملائكة.
* * *
وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: " والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك "، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة، هم والمؤتون الزكاة، كما قال جل ثناؤه: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة التوبة: 61].
* * *
وأنكر قائلو هذه المقالة أن يكون: " المقيمين " منصوبًا على المدح. وقالوا: إنما تنصب العربُ على المدح من نعت من ذكرته بعد تمام خبره. قالوا: وخبر &; 9-397 &; " الراسخين في العلم " قوله: " أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا ". قال: فغير جائز نصب " المقيمين " على المدح، وهو في وسط الكلام، ولمّا يتمَّ خبر الابتداء.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لكن الراسخون في العلم منهم، ومن المقيمين الصلاة. وقالوا: موضع " المقيمين "، خفض.
* * *
وقال آخرون: معناه: والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك، وإلى المقيمين الصلاة.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الوجه والذي قبله، منكرٌ عند العرب، ولا تكاد العرب تعطف بظاهر على مكنيٍّ في حال الخفض، (86) وإن كان ذلك قد جاء في بعض أشعارها. (87)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب، أن يكون " المقيمين " في موضع خفض، نسَقًا على " ما "، التي في قوله: " بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك "= وأن يوجه معنى " المقيمين الصلاة "، إلى الملائكة.
فيكون تأويل الكلام: " والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنـزل إليك "، يا محمد، من الكتاب=" وبما أنـزل من قبلك "، من كتبي، وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة. ثم يرجع إلى صفة " الراسخين في العلم "، فيقول: لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بالكتب والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر.
* * *
وإنما اخترنا هذا على غيره، لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ )، وكذلك هو في مصحفه، فيما ذكروا. فلو كان ذلك خطأ من الكاتب، لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف= غير مصحفنا الذي &; 9-398 &; كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه= بخلاف ما هو في مصحفنا. وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبيّ في ذلك، ما يدل على أنّ الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ. مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخطِّ، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقَّنوه الأمة تعليمًا على وجه الصواب. (88)
وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً، على ما هو به في الخط مرسومًا، أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب. (89)
* * *
وأما من وجَّه ذلك إلى النصب على وجه المدح لـ" الراسخين في العلم "، = وإن كان ذلك قد يحتمل على بُعدٍ من كلام العرب، لما قد ذكرت قبل من العلة، (90) وهو أن العرب لا تعدِل عن إعراب الاسم المنعوت بنعت في نَعْته إلا بعد تمام خبره. وكلام الله جل ثناؤه أفصح الكلام، فغير جائز توجيهه إلا إلى الذي هو [أولى] به من الفصاحة. (91)
* * *
وأما توجيه من وجّه ذلك إلى العطف به على " الهاء " و " الميم " في قوله: " لكن الراسخون في العلم منهم "= أو: إلى العطف به على " الكاف " من قوله: " بما أنـزل إليك "= أو: إلى " الكاف " من قوله: " وما أنـزل من قبلك "، فإنه أبعد من الفصاحة من نصبه على المدح، لما قد ذكرت قبل من قُبْح ردِّ الظاهر على المكنيّ في الخفض.
* * *
وأما توجيه من وجه " المقيمين " إلى " الإقامة "، فإنه دعوى لا برهان عليها من دلالة ظاهر التنـزيل، ولا خبر تثبت حجته. وغير جائز نقل ظاهر التنـزيل إلى باطن بغير برهان.
* * *
وأما قوله: " والمؤتون الزكاة "، فإنه معطوف به على قوله: " والمؤمنون يؤمنون "، وهو من صفتهم.
* * *
وتأويله: والذين يعطون زكاة أموالهم مَن جعلها الله له وصرفها إليه=" والمؤمنون بالله واليوم الآخر "، يعني: والمصدّقون بوحدانية الله وألوهته، (92) والبعث بعد الممات، والثواب والعقاب=" أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا "، يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم=" سنؤتيهم "، يقول: سنعطيهم=" أجرًا عظيمًا "، يعني: جزاءً على ما كان منهم من طاعة الله واتباع أمره، وثوابًا عظيمًا، وذلك الجنة. (93)
* * *
---------------
الهوامش :
(78) انظر تفسير"الراسخون في العلم" فيما سلف 6 : 201 - 208.
(79) في المطبوعة: "كما سأل هؤلاء" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(80) في المطبوعة: "ثنية" ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة كما كتبتها ، ولكن أخطأ في نقطها ، ووضع الألف قبلها مضطربة ، كأنه شك في قراءة الكلمة.
و"الأثبية" (بضم الألف وسكون الثاء ، وكسر الباء ، بعدها ياء مفتوحة مشددة) و"الثبة" (بضم الثاء ، وفتح الباء): الجماعة من الناس ، وجمع الأولى"أثابي" (بتشديد الياء) ، وجمع الثانية"ثبات" (بضم الثاء) و"ثبون" (بضم الثاء وكسرها).
(81) انظر رد أبي جعفر هذه المقالة فيما سيأتي ص: 397 ، 398 ، وهو من أحكم الردود التي احتكم فيها إلى حسن التمييز.
(82) في المطبوعة: "عمل الكتاب" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض.
(83) في المطبوعة: "بالآيات التي ذكرناها" ، وهو خطأ محض ، والصواب من المخطوطة ، ومن مراجعة المرجع الذي أشار إليه.
(84) انظر ما سلف 3 : 352-354. ثم انظر معاني القرآن الفراء 1 : 105-108.
(85) في المطبوعة والمخطوطة: "متأولو ذلك في هذا التأويل" ، و"في" زائدة من الناسخ بلا شك عندي.
(86) في المطبوعة: "لظاهر" باللام ، والصواب من المخطوطة.
(87) انظر ما سلف 7 : 519 ، 520.
(88) في المطبوعة: "ولقنوه للأمة" باللام ، وهو تغيير سيء قبيح.
(89) هذه الحجة التي ساقها إمامنا أبو جعفر رضي الله عنه ، هي حجة فقيه بمعاني الكلام ، ووجوه الرأي. وهي حجة رجل عالم محيط بأساليب العلم ، عارف بما توجبه شواهد النقل ، وأدلة العقل. وقد تناول ذلك جمهور من أئمتنا ، ولكن لا تزال حجة أبي جعفر أقوم حجة في رد هذه الرواية التي نسبت إلى عائشة أم المؤمنين.
(90) في المطبوعة: "لما قد ذكرنا ..."؛ وأثبت ما في المخطوطة.
(91) الزيادة بين القوسين ، يستوجبها السياق.
(92) في المطبوعة: "وألوهيته" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(93) انظر تفسير"الإيتاء" و"الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 162 | ﴿لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ |
---|
البقرة: 4 | ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
والمقيمين:
قرئ:
1- بالرفع، نسقا على الأول، وهى قراءة ابن جبير، وعمرو بن عبيد، والجحدري، وعيسى بن عمر، ومالك ابن دينار، وعصمة عن الأعمش، ويونس، وهارون عن أبى عمرو، وكذا هو فى مصحف ابن مسعود.
سنؤتيهم:
قرئ:
1- بالياء، عودا على (والمؤمنون بالله) ، وهى قراءة حمزة.
2- بالنون، على الالتفات، وهى قراءة باقى السبعة.