ترتيب المصحف | 5 | ترتيب النزول | 112 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 21.50 |
عدد الآيات | 120 | عدد الأجزاء | 1.07 |
عدد الأحزاب | 2.15 | عدد الأرباع | 8.60 |
ترتيب الطول | 6 | تبدأ في الجزء | 6 |
تنتهي في الجزء | 7 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 2/10 | يا أيها الذين آمنوا: 1/3 |
بعدَ ذكرِ جزاءِ المؤمنينَ ذكرَ هنا جزاءَ الكافرينَ، ثُمَّ التذكيرُ بإِنعامِه على المؤمنينَ بكفِّ أَيدِي أعدائِهم عنهم.
لمَّا ذكرَ اللهُ ميثاقَ المؤمنينَ (في الآية 7) حينَ بايعُوا النَّبيَ ﷺ على السمعِ والطاعةِ أتبعَه هنا ميثاق بني إسرائيلَ وما كانَ من نقضِهم له وعقابِهم على ذلك في الدُّنيا والآخرةِ، ليتَّعظَ المسلمونَ بمن تقدّمَهم من الأممِ.
التفسير :
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ْ} الدالة على الحق المبين، فكذبوا بها بعد ما أبانت الحقائق.{ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ْ} الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا التي جاء بها نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ أى: أولئك الموصوفون بما ذكر من الكفر والتكذيب بآياتنا هم المستحقون لدخول النار المشتعلة الشديدة التأجج، بسبب إيثارهم الكفر على الإيمان والتكذيب على التصديق.
ثم قال : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) وهذا من عدله تعالى ، وحكمته وحكمه الذي لا يجور فيه ، بل هو الحكم العدل الحكيم القدير .
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " والذين كفروا " والذين جحدوا وحدانية الله، ونقضوا ميثاقه وعقودَه التي عاقدوها إياه=" وكذبوا بآياتنا " يقول: وكذبوا بأدلّة الله وحججه الدالة على وحدانيته التي جاءت بها الرسل وغيرها=" أولئك أصحاب الجحيم " يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم= أهل " الجحيم "، يعني: أهل النار الذين يخلُدون فيها ولا يخرجون منها أبدًا. (1)
-----------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"الكفر" و"الآيات" و"أصحاب الجحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 10 | ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ |
---|
المائدة: 86 | ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ |
---|
الحديد: 19 | ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يُذَكِّر تعالى عباده المؤمنين بنعمه العظيمة، ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان، وأنهم -كما أنهم يعدون قتلهم لأعدائهم، وأخذ أموالهم وبلادهم وسبيهم نعمةً - فليعدوا أيضا إنعامه عليهم بكف أيديهم عنهم، ورد كيدهم في نحورهم نعمة. فإنهم الأعداء، قد هموا بأمر، وظنوا أنهم قادرون عليه. فإذا لم يدركوا بالمؤمنين مقصودهم، فهو نصر من الله لعباده المؤمنين ينبغي لهم أن يشكروا الله على ذلك، ويعبدوه ويذكروه، وهذا يشمل كل من هَمَّ بالمؤمنين بشر، من كافر ومنافق وباغ، كف الله شره عن المسلمين، فإنه داخل في هذه الآية. ثم أمرهم بما يستعينون به على الانتصار على عدوهم، وعلى جميع أمورهم، فقال:{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ْ} أي:يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية، وتبرؤوا من حولهم وقوتهم، ويثقوا بالله تعالى في حصول ما يحبون. وعلى حسب إيمان العبد يكون توكله، وهو من واجبات القلب المتفق عليها.
ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمة أخرى من نعمه الجزيلة ، حتى يزدادوا شكراً له ، ووفاء بعهده؛ والتزاما لطاعته فقال - تعالى - ( يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ واتقوا الله وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون )
وقد أورد المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها ما رواه عبد الرازق عن معمر الزهري عن أبي أسامة عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاة يستظلون تحتها . وعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله فأخذه فسله . ثم أقبل عليه فقال : من يمنعك منى؟ قال : الله - عز وجل - فسقط السيف من يد الأعرابي . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي ، وهو جالس إلى جانبه ولم يعاقبه .
قال ابن كثير : وذكر محمد بن إسحاق ومجاهد وعكرمة وغير واحد أنها نزلت في شأن بني النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامرين ووكلوا عمرو بن جحاش بذلك . وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي الرحي من فوقه . فأطلع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما تمالأوا عليه . فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه . فأنزل الله في ذلك هذه الآية .
وعلى هاتين الروايتين وما يشبههما يكون المراد بقوله - تعالى - ( اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ ) تذكير المؤمنين بنعمة الله عليهم حيث نجى نبيهم صلى الله عليه وسلم مما أضمره له أعداؤه وأعدؤاهم .
وقال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآية . روى أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معا بعسفان فيء غزوة ذات أنمار . فلما صلوا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقالوا : إن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم - يعنون صلاة العصر - وهموا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها . فنزل جبريل بصلاة الخوف .
وعلى هذه الرواية يكون المراد بقوله - تعالى - ( اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ ) تذكيرهم برعاية الله لهم ولنبيهم صلى الله عليه وسلم من كيد أعدائهم .
وقد رجح ابن جرير أن تكون الآية قد نزلت بسبب ما أضمره بنو النضير من كيد وسوء للنبي وأصحابه فقال : وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك قول من قال : عني الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسوله التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيهم صلى الله عليه وسلم مما كانت يهودي بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم في الدية التي كان تحملها عن قتيل عمرو بن أمية وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك لأن الله عقب ذكر ذلك برمى اليهود بسوء صنائعها ، وقبيح أفعالها ، وخيانتها ربها وأنبياءها .
والمعنى : يأيها الذين آمنوا تنبهوا إلى نعم الله عليكم وقابلوهها بدوام الشكر والطاعة له - سبحانه - حيث أراد قوم من أعدائكم ، أن يبسطوا إليكم أيديهم .
أي : أن يبطشوا بكم القتل والإِهلاك ولكنه - سبحانه - رحمة ربكم ، ودفاعاً عنكم ، حال بين أعدائكم وبين ما يريدونه بكم من سوء .
فالآية الكريمة تذكير للمؤمنين بنعمة عظيمة من نعم الله عليهم حيث نجاهم من كيد أعدائهم ، ومن محاولتهم إهلاكهم . إثر تذكيرهم قبل ذلك بنعم أخرى كإكمال الدين ، وهدايتهم إلى الإِسلام ، وغير ذلك من الآلاء والمنن .
وفي تكرار هذا التذكير ما فيه من الحض على تأكيد المداومة على طاعة الله والمواظبة على شكره .
وقوله ( إِذْ هَمَّ قَوْمٌ ) ظرف لقوله : ( نِعْمَتَ الله ) والهم : إقبال النفس على فعل الشيء .
أي : اذكروا نعمة الله عليكم وقت أن قصدكم قوم من أعدائكم بالسوء والاهلاك .
وبسط اليد هنا كناية عن البطش والإِهلاك . يقال : بسط يده إليه ، إذا بطش به . وبسط إليه لسانه : إذا شتمه . والبسط في الأصل : مطلق المد . وإذا استعمل في اليد واللسان كان كناية عما ذكر .
وقوله : ( فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ) معطوف على قوله : ( هَمَّ قَوْمٌ ) وهذا الكف هو النعمة التي قصد تذكيرهم بها حتى يداوموا على شكره وطاعته .
وعبر - سبحانه - بقوله ( إِذْ هَمَّ قَوْمٌ ) للإِيذان بأن نعمة كف أيدي الأعداء عنهم قد جاءت عند شدة الحاجة إليها .
والفاء في قوله ( فَكَفَّ ) للتعقيب المفيد لتمام النعمة وكمالها فهو - سبحانه - قد حال بين الأعداء وبين ما يشتهونه بمجرد أن قصدوا السوء بالمؤمنين .
وقال - سبحانه - ( فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ) بإظهار الأيدي ، ولم يقل فكفها عنكم؛ لزيادة التقرير . وللإِشارة إلى أنه - سبحانه - هو الذي قضى على موضع قوة أعدائهم ، ومناط شدتهم إذ الأيدي هي من أهم وسائل البطش والقتل .
أي : أنه - سبحانه - قد منع أيديهم عن أن تمتد إليكم بالأذى عقيب همهم بذلك دفاعا عنكم - أيها المؤمنون - وحماية لكم من الشرور ، فقابلوا ذلك بالشكر لخالقكم . وقوله : ( واتقوا الله ) معطوف على قوله : ( اذكروا ) وقوله : ( وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون ) أمر لهم بالاعتماد على الله وحده .
أي : داوموا على شكر نعم الله عليكم ، وصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه ، وعليه وحده اعتمدوا وتوكلوا فإنه - سبحانه - هو الفعال لما يريد ، وهو الذي يدفع الشر عمن توكل عليه ، ويعطي الخير لمن شكره وأطاعه .
فالجملة الكريمة تذييل مقرر لما قبله ، من وجوب المداومة على طاعة الله وشكره على نعمه .
وإلى هنا نرى أن السورة الكريمة قد وجهت إلى المؤمنين خمس نداءات ، أمرتهم في أول نداء منها بالوفاء بالعقود . ونهتهم في الثاني عن إحلال شعائر الله ، وأرشدتهم في النداء الثالث إلى ما يجب عليهم أن يفعلوه إذا أرادوا الدخول في الصلاة ، وأمرتهم في النداء الرابع بالمداومة على القيام بالتكاليف التي كلفهم - سبحانه - بها وبالتزام العدل في أقوالهم وأحكامهم ، ثم أمرتهم في النداء الخامس بالتنبيه إلى نعم الله ومداومة شكره عليها حيث نجاهم - سبحانه - مما أراده لهم أعداؤهم من شرور واستئصال .
وبعد هذه النداءات والتكليفات التي كلف الله - تعالى - بها المؤمنين ، شرعت السورة الكريمة في الحديث عن أحوال أهل الكتاب من اليهود ، فذكرت ما أخذه الله عليهم من عهود موثقة ، وموقفهم منها ، وعقوبتهم على نقضهم لها . فقال - تعالى - :
( وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَآئِيلَ . . . )
وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ) قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الزهري ذكره عن أبي سلمة ، عن جابر ; أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها ، وعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني؟ قال : " الله " ! قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا : من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الله " ! قال : فشام الأعرابي السيف ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي ، وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه - وقال معمر : وكان قتادة يذكر نحو هذا ، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي ، وتأول : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ) الآية .
وقصة هذا الأعرابي - وهو غورث بن الحارث - ثابتة في الصحيح .
وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ) وذلك أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاما ليقتلوهم فأوحى الله تعالى إليه بشأنهم ، فلم يأت الطعام ، وأمر أصحابه فلم يأتوه رواه ابن أبي حاتم .
وقال أبو مالك : نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه ، حين أرادوا أن يغدروا بمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه في دار كعب بن الأشرف . رواه ابن أبي حاتم .
وذكر محمد بن إسحاق بن يسار ومجاهد وعكرمة وغير واحد : أنها نزلت في شأن بني النضير ، حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى ، لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ، ووكلوا عمرو بن جحاش بن كعب بذلك ، وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه ، فأطلع الله رسوله على ما تمالؤوا عليه ، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه ، فأنزل الله [ تعالى ] في ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدو إليهم فحاصرهم ، حتى أنزلهم فأجلاهم .
وقوله تعالى : ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) يعني : من توكل على الله كفاه الله ما أهمه ، وحفظه من شر الناس وعصمه .
القول في تأويل قوله عز ذكره : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (2) " يا أيها الذين آمنوا " يا أيها الذين أقرُّوا بتوحيد الله ورسالة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند ربهم=" اذكروا نعمة الله عليكم "، اذكروا النعمة التي أنعم الله بها عليكم، فاشكروه عليها بالوفاء له بميثاقه الذي واثقكم به، والعقود التي عاقدتم نبيكم صلى الله عليه وسلم عليها. ثم وصف نعمته التي أمرهم جل ثناؤه بالشكر عليها مع سائر نعمه، فقال، هي كفُّه عنكم أيدي القوم الذين همُّوا بالبطش بكم، فصرفهم عنكم، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم. (3)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذه النعمة التي ذكّر الله جل ثناؤه أصحابَ نبيه صلى الله عليه وسلم بها، وأمرهم بالشكر له عليها.
فقال بعضهم: هو استنقاذ الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابَه مما كانت اليهود من بني النضير همُّوا به يوم أتوهم يستحملونهم دية العامريَّين اللذين قَتلهما عمرو بن أمية الضمري. (4)
ذكر من قال ذلك:
11557 - حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينَهم على دية العامريَّين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضَّمري. فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا محمدًا أقرب منه الآن، فَمَن رجلٌ يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب: أنا. (5) فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ، وانصرف عنهم، فأنـزل الله عز ذكره فيهم وفيما أرادَ هو وقومه: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذْ همَّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم "... الآية. (6)
11558 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم "، قال: اليهود دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لهم، (7) وأصحابه من وراء جداره، فاستعانهم في مغَرِم ديةٍ غَرِمها، ثم قام من عندهم، فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي القَهقَرى ينظر إليهم، ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تَتَامُّوا إليه.
11559 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " اذكروا نعمة الله عليكم إذ هَمَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفَّ أيديهم عنكم " يهودُ حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لهم، وأصحابه من وراء جدار لهم، فاستعانهم في مغرم، في الدية التي غرمها (8) ثم قام من عندهم، فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي معترضا ينظرُ إليهم خِيفتَهم (9) ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تتامُّوا إليه. قال الله جل وعز: " فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ".
11560 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني أبو معشر، عن يزيد بن أبي زياد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عَقْلٍ أصابه (10) ومعه أبو بكر وعمر وعلي فقال: أعينوني في عَقْلٍ أصابني. فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة! اجلس حتى نطعمَك ونعطَيك الذي تسألنا! فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه ينتظرونه، وجاء حُييّ بن أخطب وهو رأس القوم، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فقال حيي لأصحابه: لا ترونه أقربَ منه الآن، اطرحوا عليه حجارة فاقْتُلوه، ولا ترون شرًّا أبدًا ! فجاءوا إلى رحًى لهم عظيمة ليطرحوها عليه، فأمسك الله عنها أيديهم، حتى جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم فأقامه من ثَمَّ، فأنـزل الله جل وعز: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، فأخبر الله عزَّ ذكره نبيّه صلى الله عليه وسلم ما أرادوا به.
11561 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم " الآية، قال، يهودُ، دخلَ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطا، فاستعانهم في مَغْرَمٍ غرمه، فائتمروا بينهم بقتله، فقام من عندهم فخرج معترِضًا ينظر إليهم خِيفتَهم، (11) ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تتامُّوا إليه.
11562 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الأنصاري= أحدَ بني النجار وهو أحد النُّقباء ليلة العقبة= فبعثه في ثلاثين راكبًا من المهاجرين والأنصار، فخرجوا، فلقوا عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على بئر معونة، وهي من مياه بني عامر، فاقتتلوا، فقُتل المنذرُ وأصحابُه إلا ثلاثة نَفَرٍ كانوا في طلب ضَالة لهم، فلم يرعهم إلا والطيرُ تحُوم في السماء، يسقط من بين خراطيمها عَلَقُ الدم. (12) فقال أحد النفر: قُتِل أصحابنا والرحمنِ! ثم تولّى يشتدُّ حتى لقي رجلا (13) فاختلفا ضربتين، فلما خالطته الضربة، رفع رأسه إلى السماء ففتح عينيه ثم قال: الله أكبر، الجنةُ وربّ العالمين!! فكان يُدْعى " أعنقَ لِيَمُوت "، (14) ورجع صاحباه، فلقيا رجلين من بني سليم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما مُوَادعة، فانتسبا لهما إلى بني عامر، فقتلاهما. وقدِم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية، فخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعليُّ وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، حتى دخلوا إلى كعب بن الأشرف ويهود النضير، فاستعانهم في عَقْلهما. قال، فاجتمعت اليهودُ لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واعتَلُّوا بصنيعة الطعام، (15) فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم بالذي أجمعت عليه يهودُ من الغَدر، (16) فخرج ثم دعا عليًّا، فقال، لا تبرح مَقامك، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عنِّي فقل: " وجّه إلى المدينة فأدركوه ". (17) قال: فجعلوا يمرُّون على عليّ، فيأمرهم بالذي أمرَه حتى أتى عليه آخرُهم، ثم تبعهم، فذلك قوله: وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ [سورة المائدة: 13].
11563 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم " قال: نـزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه، حين أرادوا أن يغدِروا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
وقال آخرون: بل النعمة التي ذكرها الله في هذه الآية، فأمر المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم بالشُّكر له عليها: أنَّ اليهود كانت هَمَّت بقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم في طعامٍ دعوه إليه، فأعلم الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم ما همُّوا به، فانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إليه.
ذكر من قال ذلك:
11564 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم " إلى قوله: " فكف أيديهم عنكم " وذلك أن قوما من اليهود صَنَعوا لرسول الله وأصحابه طعاما ليقتلوه إذا أتى الطعام، فأوحى الله إليه بشأنهم، فلم يأتِ الطعام، وأمرَ أصحابه فلم يأتوه. (18)
* * *
وقال آخرون: عنى الله جل ثناؤه بذلك: النعمةَ التي أنعمها على المؤمنين باطلاع نبيّه صلى الله عليه وسلم على ما همَّ به عدوّه وعدوُّهم من المشركين يوم بَطْن نَخْلٍ من اغترارهم إياهم، والإيقاع بهم، إذا هُم اشتغلوا عنهم بصلاتهم، فسجدوا فيها= وتعريفِه نبيَّه صلى الله عليه وسلم الِحذَار من عدوّه في صَلاته بتعليمه إيَّاه صلاة الخوف.
ذكر من قال ذلك:
11565 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسُطوا إليكم أيديهم "... الآية، ذكر لنا أنها نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببَطْنِ نخل في الغَزْوة السابعة، (19) فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتِكوا به، فأطلعه الله على ذلك. ذكر لنا أن رجلا انتدب لقتله، فأتى نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وسيفُه موضوع، فقال: آخذه، يا نبي الله؟ قال: خذه! قال: أستلُّه؟ قال: نعم! فسلَّه، فقال، من يمنعك منِّي؟ قال: " الله يمنعُني منك "!. فهدّده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول، فشامَ السَّيف (20) وأمر نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه بالرحيل، فأنـزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك. (21)
11566 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، ذكره عن أبي سلمة، عن جابر: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نـزل منـزلا وتفرَّق الناس في العِضاه يستظِلُّون تحتها، (22) فعلَّق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحَه بشجرةٍ، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه فسلَّه، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال، من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الله "، فشامَ الأعْرابي السيف، (23) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبرَ الأعرابيّ، وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه= قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أنَّ قومًا من العرب أرادُوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا هذا الأعرابي. وتأوّل: " اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم "، الآية. (24)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك، قولُ من قال: عنى الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية، نعمتَه على المؤمنين به وبرسوله التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيّهم محمدا صلى الله عليه وسلم مما كانت يهود بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يومَ سار إليهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في الدية التي كان تحمَّلها عن قتيلي عمرو بن أمية.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك لأن الله جل ثناؤه عقًّب ذكر ذلك برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها، وخيانتها ربَّها وأنبياءها. ثم أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم، والصفح عن عظيم جهلهم، فكان معلوما بذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بالعفو عنهم والصفح عَقِيب قوله: " إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم " وغيرُهم كان يبسط الأيدي إليهم. (25) لأنه لو كان الذين همُّوا ببسط الأيدي إليهم غيرَهم لكان حريًّا أن يكون الأمر بالعفو والصفح عنهم، لا عمَّن لم يجر لهم بذلك ذكر= ولكان الوصف بالخيانة في وصفهم في هذا الموضع، لا في وصف من لم يجر لخيانته ذكر، ففي ذلك ما ينبئ عن صحة ما قضينا له بالصحة من التأويلات في ذلك، دون ما خالفه.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
(26) قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: واحذرُوا الله، أيها المؤمنون أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم، وأن تنقضوا الميثاق الذي واثقكم به فتستوجبوا منه العقابَ الذي لا قبل لكم به=" وعلى الله فليتوكل المؤمنون " يقول: وإلى الله فليُلْقِ أزمَّة أمورهم، ويستسلم لقضائه، ويثقْ بنصرته وعونه (27) = المقروّن بوحدانيّة الله ورسالة رسوله، العاملون بأمره ونهيه، فإن ذلك من كمال دينهم وتمامِ إيمانهم= وأنّهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ورعاهم وحفظهم ممن أرادهم بسوء، كما حفظكم ودافع عنكم، أيها المؤمنون اليهودَ الذين همُّوا بما همُّوا به من بسط أيديهم إليكم، كلاءَةً منه لكم، إذ كنتم من أهل الإيمان به وبرسوله دون غيره، (28) فإن غيره لا يطيق دَفْع سوءٍ أراد بكم ربُّكم ولا اجتلابَ نفعٍ لكم لم يقضه لكم.
---------------
الهوامش :
(2) كان في المطبوعة والمخطوطة: "يعنى بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أقروا.." ، فأثبت ما يقتضيه سياق أبي جعفر في سائر تفسيره ، وهو في أغلب الظن اختصار سيئ من الناسخ.
(3) انظر تفسير"الكف" فيما سلف 8: 548/9: 29 = وقد مضى"الهم" غير مشروح أيضا فيما سلف 9: 199.
(4) "الحمالة" (بفتح الحاء): الدية والغرامة التي يحملها قوم عن قوم يكفلون دفعها يقال: "تحمل الحمالة" و"استحمل القوم" ، طلب إليهم أن يعينوه في"حمالته" ، وهي الدية التي تكفل بها.
(5) "ظهر على البيت": علاه ، أي ركب ظهره. وكان في المطبوعة: "فمروا رجلا يظهر" وليس فيها ولا في المخطوطة: "أنا" ، فلذلك غيرها الناسخ ، لفساد خط الناسخ في هذا الموضع. والصواب من سيرة ابن هشام.
(6) الأثر: 11557- هو في سيرة ابن هشام 2: 211 ، 212 ، ثم يأتي فيها بغير هذا اللفظ 3: 199-200.
(7) "الحائط": البستان من النخيل ، قد أحاطوه بجدار.
(8) في المطبوعة: "في مغرم في دية غرمها" كما في الدر المنثور 1: 266. وفي المخطوطة: "في الدية" بالتعريف فرجحت أنه قد سقط من الكلام"التي" فأثبتها.
(9) "معترضا" ، أي يأخذ يمنة ويسرة ، يميل بوجهه إليهم ينظر ، ويمشي هكذا وهكذا ، لا تستقيم مشيته على الطريق.
(10) "العقل" هو: الدية.
(11) "معترضا" أي يأخذ يمنة ويسرة ، يميل بوجهه إليهم ينظر ، ويمشي هكذا وهكذا ، لا تستقيم مشيته على الطريق.
(12) "العلق" (بفتحتين): قطع الدم الغليظ الجامد قبل أن ييبس.
(13) "اشتد": عدا عدوا شديدا.
(14) "أعنق ليموت" و"المعنق ليموت" ، يقال هو"المنذر بن عمرو الأنصاري" ، ويقال هو"حرام بن ملحان النجاري". ="أعنق الرجل إعناقا": سارع وأسرع إسراعًا شديدًا حتى يسبق الناس. سمي بذلك ، لأنه أسرع إلى مصرعه ، رضي الله عنه.
(15) "الصنيعة" و"الصنيع": الطعام يصنع ويهيأ للحفاوة والإكرام.
(16) في المطبوعة: "اجتمعت عليه" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(17) في المخطوطة: "وجه المدينة" أسقط"إلى" ، والجيد ما في المطبوعة.
(18) في المطبوعة: "وأمر أصحابه فأبوه" ، و"أبوه" هنا سقيمة المنزل. وفي المخطوطة: "فأتوه" معجمة. وهو مخالف لما في الترجمة ، إذ قال ، "فانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إليه" ، فآثرت أن أثبت نص ما في الدر المنثور 1: 266 ، فهو المطابق للترجمة. ونقله السيوطي عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من هذه الطريق نفسها.
(19) هكذا قال: "في الغزوة السابعة" ، وهي في كثير من الروايات"الغزوة التاسعة" ، وهي"غزوة ذي أمر" بنجد ، انظر ابن سعد 2/1/24 ، وإمتاع الأسماع للمقريزي 1: 110 ، 111. وانظر التعليق على الأثر التالي ، والأثر السالف رقم: 10340 ، والذي جاء في الأخبار أن صلاة الخوف كانت في السنة السابعة.
(20) "شام السيف": أغمده. وهو من الأضداد ، ويقال أيضا: "شام السيف": إذا سله.
(21) الأثر: 11565- هذا الخبر عن"صلاة الخوف" ، لم يذكره أبو جعفر في صلاة الخوف فيما سلف 5: 237-250 ، ولا في 9: 123-166.
(22) "العضاه" (بكسر العين): اسم يقع على ما عظم من شجر الشوك وطال واشتد شوكه ، فاستظل به الناس.
(23) "شام السيف": أغمده. وهو من الأضداد ، ويقال أيضا: "شام السيف": إذا سله.
(24) الأثر: 11566-"أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضى مرارا. وكان في المطبوعة والمخطوطة"ابن أبي سلمة" بزيادة"ابن" ، والصواب حذفها كما في تفسير ابن كثير 3: 101.
وهذا الخبر عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر في مسند أحمد 3: 311 ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: "حدثنا عبد الله قال: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده ، وسمعته في موضع آخر: حدثنا أبو اليمان قال ، أخبرني شعيب ، عن الزهري ، حدثني سنان بن أبي سنان الدؤلي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن جابر بن عبد الله الأنصاري" ، وساق الخبر بغير هذا اللفظ مطولا.
ثم رواه أحمد أيضا 3: 364 ، من طريق عفان بن أبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بغير ذاك اللفظ.
وروى أحمد خبر جابر مطولا مفصلا ، من طريق أبي بشر ، عن سليمان بن قيس ، عن جابر قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل = في المسند 3: 364 ، 365 ثم: 390.
ورواه البخاري في صحيحه (الفتح 7: 329-331) ، بأسانيد. ورواه مسلم في صحيحه 15: 44 ، 45 ، بإسناد الطبري وأحمد.
وانظر أيضا ما رواه أبو جعفر من حديث جابر فيما سلف برقم: 10325.
وقال ابن كثير في تفسيره 3: 101 ، بعد أن ساق خبر أبي جعفر عن هذا الموضع من التفسير: "وهذا الأعرابي ، هو غورث بن الحارث ، ثابت في الصحيح".
(25) في المطبوعة والمخطوطة: "ومن غيرهم كان يبسط الأيدي إليهم" بزيادة"من" ، وهو فساد في الكلام شديد ، والصواب حذف"من" ، كما يدل عليه سياق الكلام. والواو في"وغيرهم" واو الحال.
(26) سقط من المخطوطة والمطبوعة صدر بقية الآية ، وهو قوله: "واتقوا الله" ، فأثبتها.
(27) انظر تفسير"التوكل" فيما سلف 8: 566 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(28) قوله: "دون غيره" ، أي: كما حفظكم ودافع عنكم دون غيره.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
ابراهيم: 12 | ﴿وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ |
---|
آل عمران: 122 | ﴿إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
آل عمران: 160 | ﴿وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
المائدة: 11 | ﴿إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
التوبة: 51 | ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
ابراهيم: 11 | ﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
المجادلة: 10 | ﴿وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيًۡٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
التغابن: 13 | ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى أنه أخذ على بني إسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد، وذكر صفة الميثاق وأجرهم إن قاموا به، وإثمهم إن لم يقوموا به، ثم ذكر أنهم ما قاموا به، وذكر ما عاقبهم به، فقال:{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ْ} أي:عهدهم المؤكد الغليظ،{ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ْ} أي:رئيسا وعريفا على من تحته، ليكون ناظرا عليهم، حاثا لهم على القيام بما أُمِرُوا به، مطالبا يدعوهم.{ وَقَالَ اللَّهُ ْ} للنقباء الذين تحملوا من الأعباء ما تحملوا:{ إِنِّي مَعَكُمْ ْ} أي:بالعون والنصر، فإن المعونة بقدر المؤنة. ثم ذكر ما واثقهم عليه فقال:{ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ ْ} ظاهرا وباطنا، بالإتيان بما يلزم وينبغي فيها، والمداومة على ذلك{ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ْ} لمستحقيها{ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ْ} جميعهم، الذين أفضلهم وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم،{ وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ْ} أي:عظمتموهم، وأديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة{ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ْ} وهو الصدقة والإحسان، الصادر عن الصدق والإخلاص وطيب المكسب، فإذا قمتم بذلك{ لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ْ} فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة وما فيها من النعيم، واندفاع المكروه بتكفير السيئات، ودفع ما يترتب عليها من العقوبات.{ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ْ} العهد والميثاق المؤكد بالأيمان والالتزامات، المقرون بالترغيب بذكر ثوابه.{ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ْ} أي:عن عمد وعلم، فيستحق ما يستحقه الضالون من حرمان الثواب، وحصول العقاب. فكأنه قيل:ليت شعري ماذا فعلوا؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه أم نكثوا؟
قال الفخر الرازي: قوله- تعالى- وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ، وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ اعلم أن في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه:
الأول: أنه- تعالى- خاطب المؤمنين فيما تقدم فقال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا. ثم ذكر الآن أنه أخذ الميثاق من بنى إسرائيل لكنهم نقضوه وتركوا الوفاء به، فلا تكونوا- أيها المؤمنون- مثلهم في هذا الخلق الذميم.
الثاني: أنه لما ذكر قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ وقد ذكرت بعض الروايات أنها نزلت في اليهود، وأنهم أرادوا إيقاع الشر بالمؤمنين. فلما ذكر- سبحانه ذلك أتبعه بذكر فضائحهم، وبيان أنهم كانوا أبدا مواظبين على نقض العهود والمواثيق.
الثالث: أن الغرض من الآيات المتقدمة ترغيب المكلفين في قبول التكاليف وترك التمرد والعصيان. فذكر- سبحانه- أنه كلف من كان قبل المسلمين كما كلفهم ليعلموا أن عادة الله في التكليف والإلزام غير مخصوصة بهم، بل هي عادة جارية له مع جميع عباده».
والميثاق: العهد الموثق المؤكد، مأخوذ من لفظ وثق المتضمن معنى الشد والربط على الشيء بقوة وإحكام.
والمراد به: ما أخذه الله على بنى إسرائيل لكي يؤدوا ما أوجب عليهم من تكاليف ولكي يعملوا بما تضمنته التوراة من أحكام وتشريعات وغير ذلك مما جاء فيها.
والنقيب: كبير القوم. والكفيل عليهم والمنقب عن أحوالهم وأسرارهم فيكون شاهدهم وضمينهم وعريفهم، وأصله من النقب وهو الثقب الواسع.
قال الآلوسى. والنقيب: قيل فعيل بمعنى فاعل مشتق من النقب بمعنى التفتيش ومنه فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ وسمى بذلك لتفتيشه عن أحوال القوم وأمرهم.
قال الزجاج: وأصله من النقب وهو الثقب الواسع والطريق في الجبل:
ويقول: فلان حسن النقيبة. أى: جميل الخليقة، ويقال: فلان نقاب للعالم بالأشياء، الذكي القلب، الكثير البحث عن الأمور .
والمعنى: ولقد أخذ الله العهود المؤكدة على بنى إسرائيل. لكي يعملوا بما كلفهم من تكاليف، وأمر نبيه موسى- عليه السلام- أن يختار متهم اثنى عشر نقيبا. وأن يرسل هؤلاء النقباء إلى الأرض المقدسة لكي يطلعوا على أحوال ساكنيها، ثم يخبروا نبيهم موسى- عليه السلام- بعد ذلك بما شاهدوه من أحوالهم.
وسنفصل القول في شأن بعث هؤلاء النقباء عند تفسيرنا لقوله- تعالى- بعد ذلك وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً.
وأكد- سبحانه- ما أخذه على بنى إسرائيل من عهود بقد وباللام، للاهتمام بشأن هذا الخبر، ولترغيب المؤمنين في الوفاء بعهودهم مع الله- تعالى- حتى لا يصيبهم ما أصاب بنى إسرائيل من عقوبات بسبب نقضهم لمواثيقهم.
وأسند- سبحانه- الأخذ إليه، لأنه هو الذي أمر به موسى- عليه السلام- ولأن في إسناد أخذ الميثاق إليه- سبحانه- زيادة في توثيقه، وتعظيم توكيده وأى عهد يكون أقوى وأوثق من عهد يكون بين العبد والرب؟
وفي قوله: وَبَعَثْنا التفات إلى المتكلم العظيم- سبحانه- لتهويل شأن هذا الابتعاث، لأن الله- تعالى- هو الذي أمر به.
وإنما اختار موسى- عليه السلام- اثنى عشر نقيبا من بنى إسرائيل لأنهم كانوا اثنى عشر سبطا، كما قال- تعالى- وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً ولأن كل نقيب كان بمنزلة الرقيب على القبيلة التي هو منها يذكرها بالفضائل ويرغبها في اتباع موسى- عليه السلام- وينهاها عن معصيته.
والمعية في قوله- تعالى- وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ معية مجازية بمعنى الحفظ والرعاية والنصرة.
أى: أخذ الله على بنى إسرائيل العهود الموثقة، وأمر نبيه موسى أن يرسل منهم اثنى عشر نقيبا لمعرفة أحوال الجبارين الذين يسكنون الأرض المقدسة وقال الله- تعالى- لهؤلاء النقباء، أو لبنى إسرائيل جميعا: إنى معكم لا تخفى علىّ خافية من أحوالكم. وسأؤيدكم برعايتي ونصرى متى وفيتم بعهدي، واتبعتم رسلي. فالجملة الكريمة تحذير لهم من معصية الله لأنه لا تخفى عليه خافية، ووعد لهم بالنصر متى أطاعوه.
ثم بين- سبحانه- بعض التكاليف التي كلفهم بها، وأخذ عليهم العهد بالمحافظة عليها فقال: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ، وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.
واللام في قوله لَئِنْ موطئة للقسم المحذوف، و «إن» شرطية، وقوله: لَأُكَفِّرَنَّ جواب القسم وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.
وقوله: وَعَزَّرْتُمُوهُمْ من التعزيز بمعنى النصر والإعانة مع التعظيم والتفخيم يقال: عزر فلان فلانا إذا نصره وقواه، وأصل معناه: المنع والذب لأن من نصر إنسانا منع عنه أعداءه.
والمعنى: لئن داومتم على إقامة الصلاة، وعلى أدائها على الوجه الأكمل بخضوع وخشوع، وأعطيتم الزكاة لمستحقيها وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي إيمانا كاملا، ونصرتموهم مع تعظيمهم وطاعتهم وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً بأن أنفقتم جانبا من أموالكم في وجوه الخير والبر، لئن فعلتم ذلك لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ بأن أغفرها لكم، ولأدخلنكم في الآخرة جنات تجرى من تحت أشجارها وبساتينها الأنهار فأنت ترى أن الله- تعالى- قد كلف بنى إسرائيل بخمسة أمور نافعة ووعدهم على أدائها بتكفير سيئاتهم في الدنيا، وبإدخالهم جناته في الآخرة.
قال الإمام الرازي: وأخر- سبحانه- الإيمان بالرسل عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مع أنه مقدم عليها لأن اليهود كانوا مقرين بأنه لا بد في حصول النجاة من الصلاة وإيتاء الزكاة، إلا أنهم كانوا مصرين على تكذيب بعض الرسل. فذكر بعد إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أنه لا بد من الإيمان بجميع الرسل حتى يحصل المقصود. وإلا لم يكن لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تأثير في حصول النجاة بدون الإيمان بجميع الرسل» .
والمراد بالزكاة في قوله وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ الزكاة المفروضة.
والمراد بالقرض الحسن في قوله وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً الصدقات غير المفروضة التي يبذلها القادرون عليها في وجوه الخير المتنوعة بدون رياء أو أذى وفي التعبير بقوله: وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً تأنيس للقلوب وترغيب للنفوس في البذل والعطاء، حيث شبه- سبحانه- ما يعطى للمحتاج رغبة في الثواب بالقرض الذي سيكافئ الله- تعالى- صاحبه عليه بأضعافه من الخير والنعم.
وأضاف- سبحانه- الرسل إليه في قوله وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي لتشريفهم وتكريمهم وتعظيم شأن رسالاتهم وللإشارة إلى أن الايمان بهم جميعا واجب، فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن كفر بواحد منهم كفر بالله- تعالى-.
ثم بعد أن فتح الله- تعالى- لهم باب كرمه إن أدوا ما أمرهم به حذرهم من المخالفة والعصيان فقال: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أى: فمن جحد منكم شيئا مما أمرته به فتركه، أو أعرض عن التكاليف التي كلفته بها بعد أن عرفها فقد بعد عن السبيل المستوية، أخطأ الطريق الواضح المستقيم، وسار في متاهات الضلال التي لا هداية فيها ولا خير معها.
فالجملة الكريمة تهديد شديد لمن ترك الدين الحق واتجه إلى الأديان الباطلة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: من كفر قبل ذلك أيضا فقد ضل سواء السبيل، فلم قال: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ؟ قلت: أجل من كفر قبل ذلك أيضا فقد ضل. ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم: لأن الكفر إنما عظم قبحه لعظم النعمة المكفورة، فإذا زادت النعمة زاد قبح الكفر وبلغ النهاية العظمى».
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت أن الله- تعالى- قد أخذ الميثاق على بنى إسرائيل بأن يقوموا بالتكليفات التي كلفهم بها، وحذرهم من النقض والخيانة والكفر، ورغبهم في الطاعة والإيمان فماذا كان موقفهم من عهود الله- تعالى-؟
لما أمر [ الله ] تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه ، الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم بالقيام بالحق والشهادة بالعدل ، وذكرهم نعمه عليهم الظاهرة والباطنة ، فيما هداهم له من الحق والهدى ، شرع يبين لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين : اليهود والنصارى فلما نقضوا عهوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعنا منه لهم ، وطردا عن بابه وجنابه ، وحجابا لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودين الحق ، وهو العلم النافع والعمل الصالح ، فقال تعالى : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) يعني : عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع ، والطاعة لله ولرسوله ولكتابه .
وقد ذكر ابن عباس ومحمد بن إسحاق وغير واحد أن هذا كان لما توجه موسى عليه السلام ، لقتال الجبابرة ، فأمر بأن يقيم النقباء من كل سبط نقيب - قال محمد بن إسحاق : فكان من سبط روبيل " شامون بن زكور ، ومن سبط شمعون : " شافاط بن حري " ، ومن سبط يهوذا : " كالب بن يوفنا " ، ومن سبط أبين : " فيخائيل بن يوسف " ، ومن سبط يوسف وهو سبط أفرايم : " يوشع بن نون " ، ومن سبط بنيامين : " فلطمى بن رفون " ، ومن سبط زبلون جدي بن سودى " ، ومن سبط يوسف وهو منشا بن يوسف : " جدي بن سوسى " ، ومن سبط دان : " حملائيل بن جمل " ، ومن سبط أسير : " ساطور بن ملكيل " ، ومن سبط نفتالي نحى بن وفسى " ، ومن سبط جاد : " جولايل بن ميكي " .
وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل وأسماء مخالفة لما ذكره ابن إسحاق ، والله أعلم ، قال فيها : فعلى بني روبيل : " الصوني بن سادون " ، وعلى بني شمعون : " شموال بن صورشكي " ، وعلى بني يهوذا : " يحشون بن عمبياذاب وعلى بني يساخر : " شال بن صاعون " ، وعلى بني زبلون : " الياب بن حالوب ، وعلى بني يوسف إفرايم : " منشا بن عمنهود " ، وعلى بني منشا : " حمليائيل بن يرصون " ، وعلى بني بنيامين : " أبيدن بن جدعون " ، وعلى بني دان : " جعيذر بن عميشذي " ، وعلى بني أسير : " نحايل بن عجران " ، وعلى بني حاز : " السيف بن دعواييل " ، وعلى بني نفتالي : " أجزع بن عمينان " .
وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة ، كان فيهم اثنا عشر نقيبا ، ثلاثة من الأوس وهم : أسيد بن الحضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر - ويقال بدله : أبو الهيثم بن التيهان - رضي الله عنهم ، وتسعة من الخزرج وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن حرام والمنذر بن عمرو بن خنيس ، رضي الله عنهم . وقد ذكرهم كعب بن مالك في شعر له ، كما أورده ابن إسحاق ، رحمه الله .
والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك ، وهم الذين ولوا المبايعة والمعاقدة عن قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال : كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " . ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : " كلهم من قريش " .
وهذا لفظ مسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم ، بل قد وجد منهم أربعة على نسق ، وهم الخلفاء الأربعة : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة ، وبعض بني العباس . ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة ، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره : أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، واسم أبيه اسم أبيه ، فيملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت جورا وظلما ، وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب " سامراء " . فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية ، بل هو من هوس العقول السخيفة ، وتوهم الخيالات الضعيفة ، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة [ الاثني عشر ] الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم . وفي التوراة البشارة بإسماعيل عليه السلام ، وأن الله يقيم من صلبه اثني عشر عظيما ، وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديثابن مسعود وجابر بن سمرة وبعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الاثنا عشر ، فيتشيع كثير منهم جهلا وسفها ، لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى : ( وقال الله إني معكم ) أي : بحفظي وكلاءتي ونصري ( لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ) أي : صدقتموهم فيما يجيئونكم به من الوحي ( وعزرتموهم ) أي : نصرتموهم وآزرتموهم على الحق ( وأقرضتم الله قرضا حسنا ) وهو : الإنفاق في سبيله وابتغاء مرضاته ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ) أي : ذنوبكم أمحوها وأسترها ، ولا أؤاخذكم بها ( ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي : أدفع عنكم المحذور ، وأحصل لكم المقصود .
وقوله : ( فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) أي : فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده ، وجحده وعامله معاملة من لا يعرفه ، فقد أخطأ الطريق الحق ، وعدل عن الهدى إلى الضلال .
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا
قال أبو جعفر: وهذه الآية أنـزلتْ إعلامًا من الله جلّ ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، أخلاقَ الذين همُّوا ببسط أيديهم إليهم من اليهود. كالذي:-
11567 - حدثنا الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك، عن الحسن في قوله: " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل " قال: اليهود من أهل الكتاب.
* * *
= (29) وأن الذي هموا به من الغدر ونقض العهد الذي بينهم وبينه، من صفاتهم وصفات أوائلهم وأخلاقِهم وأخلاقِ أسلافهم قديما= (30) واحتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود، بإطلاعه إيَّاه على ما كان علمه عندَهم دون العرب من خفيّ أمورهم ومكنون علومهم= وتوبيخا لليهود في تمادِيهم في الغيّ، وإصرارهم على الكفر، مع علمهم بخطأ ما هم عليه مقيمون.
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تستعظموا أمرَ الذين همُّوا ببسط أيديهم إليكم من هؤلاء اليهود بما همُّوا به لكم، ولا أمرَ الغدر الذي حاولوه وأرادوه بكم، فإن ذلك من أخلاق أوائلهم وأسْلافهم، لا يَعْدُون أن يكونوا على منهاج أوَّلهم وطريق سَلَفِهم. ثم ابتدأ الخبر عز ذكره عن بعضِ غَدَراتهم وخياناتهم وجراءَتهم على ربهم ونقضهم ميثاقَهم الذي واثقَهم عليه بَارِئُهم، (31) مع نعمه التي خصَّهم بها، &; 10-110 &; وكراماته التي طوّقهم شكرها، فقال، ولقد أخذ الله ميثاق سَلَف من همّ ببسط يده إليكم من يهود بني إسرائيل، يا معشر المؤمنين بالوفاء له بعهوده وطاعته فيما أمرهم ونهاهم، (32) كما:-
11568 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل " قال: أخذ الله مواثيقهم أن يخلصوا له، ولا يعبدُوا غيره.
* * *
=" وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " يعني بذلك: وبعثنا منهم اثني عشر كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه.
و " النقيب " في كلام العرب، كالعَرِيف على القوم، غير أنه فوق " العريف ". يقال منه: " نَقَب فلان على بني فلان فهو ينقُبُ نَقْبًا (33) فإذا أريد أنه لم يكن نقيبا فصار نقيبا "، قيل: " قد نَقُبَ فهو ينقُب نَقَابة " = ومن " العريف ": " عَرُف عليهم يَعْرُف عِرَافَةً". فأما " المناكب " فإنهم كالأعوان يكونون مع العُرفاء، واحدهم " مَنْكِب ".
وكان بعض أهل العلم بالعربية يقول: هو الأمين الضامن على القوم. (34)
* * *
فأما أهل التأويل فإنهم قد اختلفوا بينهم في تأويله.
فقال بعضهم: هو الشاهد على قومه.
ذكر من قال ذلك:
11569 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا "، من كل سِبْط رجل شاهد على قومه.
* * *
وقال آخرون: " النقيب "، الأمين.
ذكر من قال ذلك:
11570 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: " النقباء " الأمناء.
11571 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.
* * *
وإنما كان الله عز ذكره أمر موسى نبيّه صلى الله عليه وسلم ببعثة النقباء الاثني عشر من قومه بني إسرائيل إلى أرض الجبابرة بالشأم، ليتحسَّسوا لموسى أخبارَهم (35) إذْ أراد هلاكهم، وأن يورِّث أرضَهم وديارَهم موسى وقومَه، وأن يجعلها مساكن لبني إسرائيل بعد ما أنجاهم من فرعون وقومه، وأخرجهم من أرض مصر، فبعث مُوسى الذين أمَره الله ببعثهم إليها من النقباء، كما:
11572 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أمر الله بني إسرائيل بالسير إلى أرْيَحَا، وهى أرض بيت المقدس، فساروا حتى إذا كانوا قريبا منهم بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل. فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبابرة، فلقيهم رجل من الجبَّارين يقال له " عاج "، فأخذ الاثني عشر، فجعلهم في حُجْزَته (36) وعلى رأسه حَمْلَةُ حطب. (37) فانطلق بهم إلى امرأته فقال: انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا!! فطرَحَهم بين يديها، فقال، ألا أطْحَنُهم برجلي! فقالت امرأته: بل خلّ عنهم حتى يخبروا قومَهم بما رأوا. ففعل ذلك. فلما خرج القومُ، قال بعضهم لبعض: يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبرَ القوم، ارتدُّوا عن نبيِّ الله عليه السلام، ولكن اكتموه وأخبروا نَبِيَّ الله، فيكونان هما يَرَيان رأيهما! (38) فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ليكتموه، ثم رجعوا فانطلق عشرة منهم فنكثوا العهدَ، فجعل الرجل يخبر أخاه وأباه بما رأى من [أمر]" عاج " (39) وكتم رجلان منهم، فأتوا موسى وهارون، فأخبروهما الخبرَ، فذلك حين يقول الله (40) " ولقد أخذ الله ميثاقَ بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ". (41)
11573 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " اثني عشر نقيبا " من كل سبط من بني إسرائيل رجل، أرسلهم موسى إلى الجبارين، فوجدوهم يدخل في كُمِّ أحدهم اثنان منهم يُلقونهم إلقاءً (42) ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس &; 10-113 &; منهم في خشبة (43) ويدخل في شطر الرمانة إذا نـزع حبُّها خمسة أنفس أو أربع. فرجع النقباء كلٌّ منهم يَنْهى سِبْطه عن قتالهم إلا يوشع بن نون وكلاب بن يافنة، (44) يأمران الأسباط بقتال الجبابرة وبجهادهم، فعصوا هذين وأطاعُوا الآخرين.
11574 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه= إلا أنه قال: من بني إسرائيل رجالٌ= وقال أيضا: يلقونهما. (45)
11575 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: أمر موسى أن يسير ببني إسرائيل إلى الأرض المقدّسة، وقال: إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنـزلا فاخرج إليها، وجاهد من فيها من العدوّ، فإني ناصركم عليهم، وخُذ من قومك اثني عشر نقيبًا من كل سبط نقيبا يكون على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به، وقل لهم: إن الله يقول لكم: إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ... إلى قوله: فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ وأخذ موسى منهم اثني عشر نقيبا اختارهم من الأسباط كفلاء على قومهم بما هم فيه، على الوفاء بعهده وميثاقه. وأخذ من كل سبط منهم خيرَهم وأوفاهم رجلا. يقول الله عز وجل: " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا " فسار بهم موسى إلى الأرض المقدّسة بأمر الله، حتى إذا نـزل التيه بين مصر والشام= وهي بلاد ليس فيها خَمَرٌ &; 10-114 &; ولا ظلّ (46) = دعا موسى ربه حين آذاهم الحرّ، فظلَّل عليهم بالغمام، ودعا لهم بالرزق، فأنـزل الله عليهم المنَّ والسلوى. (47) وأمر الله موسى فقال: أَرْسل رجالا يتحسسّون إلى أرض كنعان التي وهبت لبني إسرائيل (48) من كل سبط رجلا. فأرسل موسى الرءوس كلهم الذين فيهم، [فبعث الله جل وعزّ من برّية فاران بكلام الله، وهم روءس بني إسرائيل]. (49) وهذه أسماء الرَّهط الذين بعث الله جل ثناؤه من بني إسرائيل إلى أرض الشام، فيما يذكر أهل التوراة ليجوسوها لبني إسرائيل (50) من سبط روبيل: " شامون بن زكوّن " (51) = ومن سبط شمعون: " شافاط بن حُرّي" (52) ومن سبط يهوذا: " كالب بن يوفنّا (53) ومن سبط &; 10-115 &; أتين: " يجائل بن يوسف " (54) =ومن سبط يوسف: وهو سبط أفرائيم: " يوشع بن نون " (55) ومن سبط بنيامين " فلط بن رفون " (56) =ومن سبط زبالون: " جدي بن سودي (57) =ومن سبط منشا بن يوسف: " جدي بن سوسا (58) =ومن سبط دان: " حملائل بن جمل " (59) =ومن سبط أشر: ساتور بن ملكيل " (60) = ومن سبط نفتالي: " نحى بن وفسي" (61) =ومن سبط جاد: " جولايل بن ميكي". (62)
=فهذه أسماء الذين بعثهم موسى يتحسّسون له الأرض= (63) ويومئذ سمى " هوشع بن نون ": " يوشع بن نون " (64) =فأرسلهم وقال لهم: ارتفعوا قِبَل الشمس، فارقوا الجبل، وانظروا ما في الأرض، وما الشعب الذي يسكنون، أقوياء هم أم ضعفاء، أقليل هم أم كثير؟ وانظروا أرضهم التي يسكنون: أسمينة هي [أم هزيلة]؟ أذات شجر أم لا؟ اجتازوا، واحملوا إلينا من ثمرة تلك الأرض. وكان ذلك في أول ما أشجن بكر ثمرة العنب. (65)
11576 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا " فهم من بني إسرائيل، بعَثهم موسى لينظُروا له إلى المدينة. فانطلقوا فنظروا إلى المدينة، فجاءوا بحبّة من فاكهتهم وِقْرَ رجلٍ، (66) فقالوا: اقدُروا قوة قوم وبأسهم هذه فاكهتهم! فعند ذلك فُتِنوا فقالوا: لا نستطيع القتال، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [سورة المائدة: 24].
11577 - حدثت عن الحسين بن الفرج المروزي قال: سمعت أبا مُعاذ الفضلَ بن خالد يقول في قوله: " وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا " أمر الله بني إسرائيل أن يسيروا إلى الأرض المقدّسة مع نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم، فلما كانوا قريبًا من المدينة قال لهم موسى: ادخلوها ! فأبوا وجَبُنوا، وبعثُوا اثني عشر نقيبًا لينظروا إليهم، فانطلقوا فنظروا، فجاءوا بحبة من فاكهتهم بوِقْرِ الرجل، فقالوا: اقدورا قوة قوم وبأسهم، (67) هذه فاكهتهم!! فعند ذلك قالوا لموسى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ).
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال الله لبني إسرائيل: " إني معكم "، يقول: إني ناصركم على عدوّكم وعدوِّي الذين أمرتكم بقتالهم، (68) إن قاتلتموهم ووفيتم بعهدي وميثاقي الذي أخذته عليكم.
* * *
وفي الكلام محذوف، استغنى بما ظهر من الكلام عما حذف منه. وذلك أن معنى الكلام: وقال الله لَهُم إني معكم= فترك ذكر " لهم "، استغناء بقوله: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، إذ كان مُتقدّم الخبر عن قوم مسمَّين بأعيانهم، فكان معلومًا أن ما في سياق الكلام من الخبر عنهم، (69) إذ لم يكن الكلام مصروفًا عنهم إلى غيرهم.
* * *
ثم ابتدأ ربُّنا جل ثناؤه القسمَ فقال: قسمًا لئن أقمتم، معشر بني إسرائيل، الصلاة =" وآتيتم الزكاة "، أي: أعطيتموها من أمرتكم بإعطائها (70) =" وآمنتم برسلي" يقول: وصدّقتم بما آتاكم به رسلي من شرائع ديني.
وكان الربيع بن أنس يقول: هذا خطاب من الله للنقباء الاثني عشر.
11578 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: أنّ موسى صلى الله عليه وسلم قال للنقباء الاثني عشر: سيروا إليهم= يعني: إلى الجبارين= فحدثوني حديثهم، وما أمْرهم، ولا تخافوا إن الله معكم ما أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزّرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنًا.
* * *
قال أبو جعفر: وليس الذي قاله الربيع في ذلك ببعيد من الصواب، غيرَ أن من قضاءِ الله في جميع خلقه أنه ناصرٌ من أطاعه، ووليّ من اتّبع أمره وتجنّب معصيتَه وتحامَى ذنوبه. (71) فإذ كان ذلك كذلك، وكان من طاعته إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بالرسل، وسائر ما ندب القوم إليه= كان معلوما أن تكفير السيئات بذلك وإدخال الجنات به. لم يخصص به النقباء دون سائر بني إسرائيل غيرهم. فكان ذلك بأن يكون ندبًا للقوم جميعا، وحضًّا لهم على ما حضَّهم عليه، أحق وأولى من أن يكون ندبًا لبعضٍ وحضًّا لخاصّ دون عامّ.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " وعزرتموهم ".
فقال بعضهم: تأويل ذلك: ونصرتموهم.
ذكر من قال ذلك:
11579 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " وعزرتموهم " قال: نصرتموهم.
11580 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
11581 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " وعزرتموهم " قال: نصرتموهم بالسيف.
* * *
وقال آخرون: هو الطاعة والنصرة.
ذكر من قال ذلك:
11582 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت عبد الرحمن بن زيد يقول في قوله: " وعزرتموهم " قال: " التعزيز " و " التوقير "، الطاعة والنصرة.
* * *
واختلف أهل العربية في تأويله.
فذكر عن يونس [الحرمري] أنه كان يقول (72) تأويل ذلك: أثنيتم عليهم.
11583 - حدثت بذلك عن أبي عبيدة معمر بن المثنى عنه (73) .
* * *
وكان أبو عبيدة يقول: معنى ذلك نصرتموهم وأعنتموهم ووقّرتموهم وعظمتوهم وأيَّدتموهم، وأنشد في ذلك: (74)
وَكَــمْ مِــنْ مَــاجِدٍ لَهُـمُ كَـرِيمٍ
وَمِــنْ لَيْــثٍ يُعَـزَّرُ فـي النَّـدِيِّ (75)
وكان الفراء يقول: " العَزْر " الردُّ" عَزَرته "، رددته: إذا رأيته يظلم فقلت: " اتق الله " أو نهيته، فذلك " العزر ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قول من قال: " معنى ذلك: نصرتموهم ". وذلك أن الله جل ثناؤه قال في" سورة الفتح ": إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [سورة الفتح: 8، 9] فـ" التوقير " هو التعظيم. وإذْ كان ذلك كذلك كان القول في ذلك إنما هو بعضُ ما ذكرنا من الأقوال التي حكيناها عمن حكينا عنه. وإذا فسد أن يكون معناه: التعظيم= وكان النصر قد يكون باليد واللسان، فأما باليد فالذبُّ بها عنه بالسيف وغيِره، وأما باللسان فحُسْن الثناء، والذبّ عن العرض= صحَّ أنه النصر، إذ كان النصر يحوي معنى كلِّ قائلٍ قال فيه قولا مما حكينا عنه.
* * *
وأما قوله: " وأقرضتم الله قرضا حسنًا " فإنه يقول: وأنفقتم في سبيل الله، وذلك في جهاد عدوه وعدوكم=" قرضا حسنًا " يقول: وأنفقتم ما أنفقتم في سبيله، فأصبتم الحق في إنفاقكم ما أنفقتم في ذلك، ولم تتعدوا فيه حدودَ الله وما ندبكم إليه وحثَّكم عليه إلى غيره. (76)
* * *
فإن قال لنا قائل: وكيف قال: " وأقرضتم الله قرضا حسنا " ولم يقل: " إقراضا حسنًا "، وقد علمت أن مصدر " أقرضت "" الإقراض "؟
قيل: لو قيل ذلك كان صوابا، ولكن قوله: " قرضًا حسنًا " أخرج &; 10-122 &; مصدرًا من معناه لا من لفظه. وذلك أن في قوله: " أقرض " معنى " قرض "، كما في معنى " أعطى "" أخذ ". فكان معنى الكلام: وقَرَضْتم الله قرضًا حسنًا، ونظير ذلك: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا [سورة نوح: 17]إذ كان في" أنبتكم " معنى: " فنبتم "، وكما قال امرؤالقيس:
وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةً أيَّ إِذْلالِ (77)
إذ كان في" رضت " معنى " أذللت "، فخرج " الإذلال " مصدرا من معناه لا من لفظه. (78)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك بني إسرائيل، يقول لهم جل ثناؤه: لئن أقمتم الصلاة، أيها القوم الذين أعطوني ميثاقَهم بالوفاء بطاعتي واتباع أمري، وآتيتم الزكاة، وفعلتم سائرَ ما وعدتكم عليه جنّتي=" لأكفرن عنكم سيئاتكم "، يقول: لأغطين بعفوي عنكم- وصفحي عن عقوبتكم، على سالف أجرامكم التي أجرمتموها فيما بيني وبينكم (79) - على ذنوبكم التي سلفت منكم من عبادة العجل وغيرها من موبقات ذنوبكم (80)
=" ولأدخلنكم " مع تغطيتي على ذلك منكم بفضلي يوم القيامة=" جنات تجري من تحتها الأنهار ".
* * *
فـ" الجنات " البساتين. (81)
* * *
وإنما قلت معنى قوله: " لأكفرّن " لأغطين، لأن " الكفر " معناه الجحود، والتغطية، والستر، كما قال لبيد:
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا (82)
يعني: " غطاها "، فـ" التكفير "" التفعيل " من " الكَفْر ".
* * *
واختلف أهل العربية في معنى " اللام " التي في قوله: " لأكفرن ".
فقال بعض نحويي البصرة: " اللام " الأولى على معنى القسم= يعني" اللام " التي في قوله: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ قال: والثانية معنى قسمٍ آخر.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: بل " اللام " الأولى وقعت موقع اليمين، فاكتفى بها عن اليمين= يعني بـ" اللام الأولى ": لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ . قال، و " اللام " الثانية= يعني قوله: " لأكفرنّ عنكم سيئاتكم "= جواب لها، يعني" اللام " التي في قوله: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ واعتلّ لقيله ذلك بأن قوله: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ غير تام ولا مستغنٍ عن قوله: " لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ". وإذ كان ذلك كذلك، فغير جائز أن يكون قوله: " لأكفرنّ عنكم سيئاتكم " قسما مبتدأ، بل الواجب أن يكون جوابًا لليمين إذْ كانت غير مستغنية عنه.
* * *
وقوله: (تجري من تحتها الأنهار) يقول: تجري من تحت أشجار هذه البساتين التي أدخلكموها الأنهار.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)
قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: فمن جحد منكم، يا معشر بني إسرائيل، شيئا مما أمرته به فتركه، أو ركب ما نهيته عنه فعمله بعد أخذي الميثاق عليه بالوفاء لي بطاعتي واجتناب معصيتي=" فقد ضلَّ سواء السبيل " يقول: فقد أخطأ قصدَ الطريق الواضح، وزلَّ عن منهج السبيل القاصد.
* * *
" والضلال "، الركوب على غير هدى، وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع. (83)
* * *
وقوله " سواء " يعني به: وسط=: و " السبيل "، الطريق.
* * *
وقد بيَّنا تأويل ذلك كله في غير هذا الموضع، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. (84)
--------------
الهوامش :
(29) قوله: "وأن الذي هموا به.." معطوف على قوله: "إعلاما منه نبيه.. أخلاق الذين هموا... وأن الذي هموا به.." ، هذا سياق الجملة.
(30) قوله"واحتجاجا.." ، معطوف على قوله آنفا: "وهذه الآية أنزلت إعلاما..".
(31) في المطبوعة: "الذي واثقتهم عليه بأدائهم" ، لم يحسن قراءة المخطوطة إذ كانت غير معجمة ، فحرفها تحريفا أفضى إلى هلاك العبارة كلها.
(32) انظر تفسير"أخذ الميثاق" فيما سلف ص: 91 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(33) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: "نقبا" ، وهذا مصدر غريب جدا ، ولم تذكره العربية ، وهو جائز على ضعف شديد ، وأنا أخشى أن يكون ذلك خطأ من النساخ ، وأن الصواب هو الذي أجمعت عليه كتب اللغة"نقابة" (بكسر النون) في مصدر هذا الفعل. أما مصدر الفعل الذي يليه فهو بفتح النون. وقال سيبويه: "النقابة بالكسر الاسم ، وبالفتح المصدر ، مثل الولاية والولاية".
(34) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 156.
(35) في المطبوعة: "ليتجسسوا" بالجيم ، و"التحسس" بالحاء: تطلب الخبر وتبحثه. وفي التنزيل: "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه".
(36) "الحجزة" (بضم فسكون): موضع شد الإزار. وسبحان الله!! كيف كان يبالغ هؤلاء الرواة من أصحاب الإسرائيليات!!
(37) في المطبوعة: "حزمة حطب" ، لم يحسن قراءة المخطوطة مع وضوحها. وأثبتها لما طابقت المخطوطة تاريخ الطبري. وما سيأتي برقم: 11656.
و"الحملة" (بفتح الحاء): هي مقدار ما يحمله الحامل ، كما يقال: "قبضة" ، لمقدار ما تقبض عليه الكف. وهذا حرف لم أجد النص عليه في كتاب.
(38) "نبي الله" ، يعني موسى وهرون عليهما السلام. وكان في المطبوعة: "فيما يريان" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(39) هذه الزيادة بين القوسين ، من تاريخ الطبري.
(40) انظر ما كتبته في ص: 92 ، تعليق: 1 ، في أمر"حيث" و"حين".
(41) الأثر: 11572- هو من بقية الأثر الذي رواه أبو جعفر قديما برقم: 991 ، وهو في تاريخ الطبري 1: 221 ، 22. وسيأتي صدره برقم: 11656.
(42) في المخطوطة: "يلفونهم الفا" غير واضحة ولا منقوطة ، وفي المطبوعة هنا"يلفونهم لفا" ، وسيأتي برقم: 11660 ، كما أثبتها ، في المخطوطة والمطبوعة معا. وانظر الأثر التالي: 11574 ، والتعليق عليه.
(43) في المخطوطة: "خمسة أنفاس بينهم في خشبة" ، وفي المطبوعة: "خمسة أنفس بينهم في خشبة" ، وأثبت ما في تفسير البغوي (هامش ابن كثير 3: 104) ، فهو أقرب إلى هذا السياق. وانظر ما سيأتي ، الأثر رقم: 11573.
(44) في المطبوعة: "وكالب بن يوفنا" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو فيها هنا" " غير منقوطة ، ولكنه سيأتي في المخطوطة ، في رقم: 11666 ، كما أثبته هنا. وانظر ما مضى 5: 272. وفي التاريخ 1: 222: "كالوب بن يوفنة ، وقيل: كلاب بن يوفنة ختن موسى". وسيأتي بعض هذا الأثر مختصرا برقم: 11660.
(45) في المطبوعة: "يلففونها" ، مع أنها في المخطوطة كما أثبتها واضحة منقوطة ، وانظر التعليق على الأثر السالف ص: 112 ، تعليق: 7 ، وانظر الأثر التالي: 11660.
(46) في المطبوعة: "شجر ولا ظل" ، وفي المخطوطة: "حعر" ، والصواب ما أثبته ، كما مضى في الأثر: 992 ، و"الخمر" (بفتحتين): كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره.
(47) إلى هذا الموضع مضى قديما في الأثر رقم: 992.
(48) في المخطوطة: "وهب" ، والصواب ما في المطبوعة. وفي المطبوعة: "يتجسسون" بالجيم ، وانظر ص: 111 ، تعليق: 1.
(49) هذه الجملة التي بين القوسين ، من المخطوطة ، وحذفها ناشر المطبوعة. وهي عبارة غير مفهومة ، ولم أستطع أن أهتدي إلى صوابها ، ولا استطعت أن أصل الكلام بعضه ببعض. والذي في كتاب القوم ، في العهد القديم ، في سفر العدد ، في الإصحاح الثالث عشر: "فأرسلهم موسى من برية فاران حسب قول الرب". وكل وجه من التصحيف ، أو التحريف ، أو النقص في العبارة ، أردت أن أحمل عليه هذه الجملة ، حتى تستقيم ، خرج معي وجها ضعيف التركيب ، فتركت ذلك لمن يحسن أن يقيمه ، أو لمن يهتدي إلى صوابه من مرجع آخر ، غير المراجع التي بين يدي.
(50) هذه الأسماء مذكورة في كتاب القوم ، في سفر العدد ، في الإصحاح الثالث عشر. ونقلها عن هذا الموضع من الطبري ، ابن كثير في تفسيره 3: 103. وذكرها ابن حبيب في"المحبر" ص: 464 ، ونقلها عنه القرطبي في تفسيره 6: 113 ، فسأذكر بعد ، ما اختلف فيه من الأسماء ، عن هذه المراجع ، ونصها في كتاب القوم.
(51) في كتاب القوم: "من سبط رَأو بين: شمع بن زكُّور" ، كما في المحبر. وفي المطبوعة وابن كثير"بن ركون" ، وفي القرطبي"ركوب". وفي المخطوطة ، تقرأ كما كتبتها.
(52) في كتاب القوم: ".. بن حوري". وفي المحبر: "شرفوط بن حوري" ، وفي القرطبي: "شوقوط بن حوري".
(53) في كتاب القوم: ".. بن يُفَنّة" ، وفي المحبر: "كولب.." ، وفي القرطبي: "يوقنا".
(54) في كتاب القوم: "ومن سبط يسَّاكرَ: يجال بن يوسف" ، وكان في المطبوعة هنا"ومن سبط كاذ: ميخائيل بن يوسف" ، ولا أدري من أين جاء به ناشر المطبوعة. وفي ابن كثير: "ومن سبط أتين: ميخائيل بن يوسف" ، ولم أجد في الأسباط"أتين" ، ولكن هكذا كتب في مخطوطة التفسير كما كتبته غير منقوط ، وفيها أيضا"محامل" غير منقوطة ، والذي أثبته هو صواب قراءتها. أما في المحبر فهو: "ومن سبط إساخر: يغوول بن يوسف" ، وفي القرطبي: "ومن سبط الساحر: يوغول بن يوسف". وهذا السبط ، ذكره الطبري عن محمد بن إسحق فيما سلف رقم: 2107: "يشجر" ، وهو"يساكر" ، فالذي لا شك فيه أن"أبين" التي في مخطوطة التفسير ، هي"يشجر" ، أو "أشجر" ، ولكني تركتها كما هي في المخطوطة.
(55) في كتاب القوم: "من سبط أفرايم: هو شع بن نون" ، ولكن كتب في مخطوطة التفسير"يوشع" هنا ، وكان الأجود أن يكتب هنا"هوشع" ، لأنه سيأتي في آخر الخبر أنه يومئذ سمى"هوشع" ، "يوشع".
(56) في كتاب القوم: "من سبط بنيامين فَلطي بن رافو" وفي المخطوطة: "بن دفون" ، وفي المطبوعة: "بن ذنون" ، وفي ابن كثير: "فلطم بن دفون" ، وفي المحبر: "يلطى بن ردفوا" ، وفي القرطبي: "يلظى بن روقو".
(57) في كتاب القوم: "من سبط زبولون: جَدّ يئيل بن سودى" ، وفي المخطوطة"جدي بن سوشي" ، ولكن ابن كثير نقله في تفسيره عن الطبري: "جدي بن شورى" ، فتبين أن"سوشي" تحريف"سودي". وكان في المطبوعة"كرابيل بن سودي" ، وفي المحبر"كداييل بن شوذي" ، وفي القرطبي: "كرابيل بن سورا".
(58) في كتاب القوم: "من سبط يوسف ، من سبط منسي: جدّي بن سوسي" ، وفي ابن كثير: "بن موسى" ، خطأ. وفي المحبر: "كدي بن سوسي" ، وفي القرطبي والمطبوعة: "سوشا".
(59) في كتاب القوم: ".. عميئيل بن جملّى" وفي ابن كثير: "خملائيل بن حمل" ، وفي المحبر: "عماييل بن كملى" ، وفي القرطبي: "عمائيل بن كسل".
(60) في كتاب القوم: "من سبط أشير: ستور بن ميخائيل" ، وفي المطبوعة: "أشار: سابور" ، فأثبت ما في المخطوطة ، وهي غير منقوطة. وفي ابن كثير: "أشار: ساطور بن ملكيل". وفي المحبر"ومن سبط أوشير: شتور بن ميخائيل" ، "شير: ستور".
(61) في كتاب القوم"من سبط نفتالي: نحيى بن وفسى" ، وفي المطبوعة: "محر بن وقسى" ، وفي المخطوطة: "ومن سبط ثفثا أبي بحر بن وفسى" ، وصواب قراءتها ما أثبت. وفي ابن كثير: "بحر بن وقسي". وفي المحبر: "يحيى بن وقسي: وفي القرطبي: "يوحنا بن وقوشا".
(62) في كتاب القوم: "من سبط جاد: جأوئيل بن ماكي" وفي المخطوطة: "ومن سبط دار: جولائل بن منكد" ، وفي المطبوعة: "ومن سبط يساخر: حولايل بن منكد" ، وفي تفسير ابن كثير: "ومن سبط يساخر: لايل بن مكيد" وفي المحبر: "ومن سبط جاذ: كوآءل بن موخى". وفي القرطبي: "ومن سبط كاذ: كوال بن موخى". فأثتب"جاد" مكان"دار" في المخطوطة ، من أسماء الأسباط في رواية ابن إسحق فيما سلف في الأثر رقم: 2107. وقرأت"منكد""ميكي" ، لأنها أقرب إلى"ماكي" و"موخي".
هذا ، وقد نقل ابن كثير في تفسيره 3: 103 أسماء هؤلاء النقباء ، وقال: "وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة ، تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل ، وأسماء مخالفة لما ذكره ابن إسحق ، والله أعلم". ولكن اتضح من المراجعة أن الذي ذكره ابن إسحق ، هو الموجود في النسخة التي بين أيدينا من التوراة. أما الذي نقله ابن كثير فهو مخالف كل المخالفة لما في رواية ابن إسحق ، ولما جاء في كتاب القوم. فلا ريب أن التوراة التي كانت في يد ابن كثير ، هي غير التي في أيدينا من كتاب القوم.
(63) في المطبوعة: "يتجسسون" بالجيم ، وانظر ما سلف ص: 111 ، تعليق: 1 ، و ص: 114 ، تعليق: 3.
(64) في المطبوعة والمخطوطة في هذا الاسم الأول"يوشع" ، ولكن المخطوطة غير متقوطة ، والصواب أن تكون"هوشع" كما أثبتها. انظر ص: 115 ، تعليق: 2.
(65) في المطبوعة: ".. أشمسة هي أم ذات شجر ، واحملوا إلينا من ثمرة تلك الأرض" ، رأى ما في المخطوطة لا يقرأ ، فحذفه. وكان في المخطوطة: "أسمسه هي أم ذات شجر أم لا احباروا واحملوا إلينا..". ورأيت أن أقرأها كذلك ، استظهارا مما جاء في كتاب القوم ، في سفر العدد ، في الإصحاح الثالث عشر: "وكيف هي الأرض: أسمينة أم هزيلة؟ أفيها شجر أم لا؟ وتشددوا فخذوا من ثمر الأرض".
يقال ، "أرض سمينة"؛ جيدة الترب ، قليلة الحجارة ، قوية على ترشيح النبت. ويقال ، "أرض مهزولة" ، رقيقة. و"المهازل": الجدوب ، فلذلك آثرت وضع"هزيلة" كما جاءت في كتاب القوم بهذا المعنى ، وإن أغفلتها كتب اللغة ، أو أغفلت النص عليها.
وكان في المطبوعة: "وكان في أول ما سمى لهم من ذلك ثمرة العنب" ، وهو تصرف رديء مستهجن. فإن الذي في المخطوطة هو: "وكان ذلك في أول ما سمى بكر ثمرة العنب" لم يحسن قراءة"سمن" ، فتصرف بلا ورع. والذي في كتاب القوم ما نصه: "وأما الأيام فكانت أيام باكورات العنب". فاستظهرت منها صواب ما في المخطوطة ، وقرأت: "أول ما سمن": "أول ما أشجن بكر ثمرة العنب".
و"الشجنة" (بكسر فسكون): الشعبة من عنقود العنب تدرك كلها. يقال منها"أشجن الكرم" ، أدركت عناقيده وطابت.
وقوله"بكر العنب" ، فإن"بكر كل شيء" ، أوله. وهو صحيح في العربية ، وإن كانوا قد خصوا الثمار التي أدركت في أول إدراكها بقولهم: "باكورة الثمرة".
(66) "الوقر" (بكسر الواو وسكون القاف): الحمل. وفي حديث عمر بن الخطاب والمجوس: "فألقوا وقر بغل أو بغلين" ، أي: حمل بغل أو بغلين.
(67) في المطبوعة في الموضعين: "قدروا" ، والجيد من المخطوطة.
(68) انظر تفسير"مع" فيما سلف 3: 213-214/5: 353.
(69) في المطبوعة: "كان معلوما" ، والسياق يقتضي"فكان" بالفاء.
(70) انظر فهارس اللغة فيما سلف في تفسير"إقامة الصلاة" ، و"إيتاء الزكاة".
(71) في المطبوعة: "وجافى ذنوبه" ، وفي المخطوطة: "وعامى ذنوبه" فرأيت أن أقرأها "تحامى" ، فهي عندي أجود وأبين في معنى اتقاء الذنوب والتباعد عنها.
(72) قوله: "يونس [الحرمري]" ، هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة ، وهو مشكل ، فإنه إما أن يكون نسبة نسب إليها ، ونسبة"يونس بن حبيب" ، هي"النحوي" ونسبته في ولائه"الضبي" ، وهو مولى"بلال بن هرمي من بني ضبيعة بن بجالة" (النقائص: 323) ، ولا أظنه محرفا عن شيء من ذلك = وإما أن يكون نسبة إلى مكان ، ويونس من أهل جبل (بفتح الجيم وتشديد الباء مضمومة) (انظر طبقات النحويين للزبيدي: 48). وليس تحريفا لهذا أيضا. ولعل باحثًا يهتدي إلى صوابه ، فتركته كما هو. هذا مع أن أبا عبيدة في مجاز القرآن ، لم يذكر غير اسمه ، والطبري يروي هذا عن أبي عبيدة.
(73) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 157.
(74) لم أعرف قائله.
(75) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 157. و"الندى": مجلس القوم ، ما داموا مجتمعين فيه ، فإذا تفرقوا عنه فليس بندي. ومثله"النادي".
ومن العجب العاجب شرح من شرح هذا البيت فقال! "واللهم ، بكسر اللام وسكون الهاء ، الثور المسن.. ولعل الكلمة محرفة عن كلمة شهم". وهذا خلط لا يعلى عليه ، فتجنب مثله.
(76) انظر تفسير"القرض" ، و"القرض الحسن" فيما سلف 5: 282 ، 283 ، = وقوله: "إلى غيره" متعلق بقوله"ولم تتعدوا فيه...".
(77) ديوانه: 141 ، وغيره ، وقبل البيت ، يقول لصاحبته بعد ما سما إليها سمو حباب الماء:
حَــلَفْتُ لَهَــا بِاللـهِ حَلْفَـةَ فَـاجِرٍ
لَنَـامُوا، فَمَـا إنْ من حَدِيثٍ ولا صَالِي
فَلَمَّـا تَنَازَعْنَـا الْحَـدِيثَ وأَسْـمَحَتْ،
هَصَـرَتْ بُغِصْـنٍ ذِي شَـمَارِيخَ مَيَّالِ
وَصِرْنَـا إِلَـى الحُسْـنَى، وَرَقَّ كَلامُنَا
ورُضْـتُ، فَـذَلَّتْ صَعْبَـةً أيَّ إِذْلالِ!!
و"راض الدابة أو غيرها يروضها": وطأها وذللها وعلمها السير.
(78) انظر ما سلف 5: 533 ، 534. هذا وقد سلف في 5: 282 ، 283 ، "يقرض الله قرضا حسنا" ، فلم يستوف الكلام هناك. وهذا باب من أبواب اختصار أبي جعفر تفسيره.
(79) سياق الجملة: "لأغطين بعفوي عنكم.. على ذنوبكم.."
(80) انظر تفسير"التكفير" و"السيئات" فيما سلف من فهارس اللغة ، مادة (كفر) و (سوأ).
(81) انظر تفسير"الجنات" فيما سلف من فهارس اللغة (جنن).
(82) سلف البيت وتمامه وتخريجه في 1: 255.
(83) انظر تفسير"الضلال" فيما سلف 2: 495 ، 496/6: 66 ، 584 ، ومواضع غيرها ، التمسها في فهارس اللغة.
(84) انظر تفسير"سواء السبيل" فيما سلف 2: 496 ، 497 ، وفهارس اللغة في (سوى) و (سبل).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 83 | ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ |
---|
المائدة: 12 | ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ |
---|
المائدة: 70 | ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
برسلى:
وقرئ:
بسكون السين، وهى قراءة الحسن، وكذا فى جميع القرآن.
عزرتموهم:
وقرئ:
1- خفيفة الزاى، وهى قراءة عاصم، والجحدري.
التفسير :
{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ْ} أي:بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات:الأولى:أنا{ لَعَنَّاهُمْ ْ} أي:طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا، حيث أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة، ولم يقوموا بالعهد الذي أخذ عليهم، الذي هو سببها الأعظم. الثانية:قوله:{ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ْ} أي:غليظة لا تجدي فيها المواعظ، ولا تنفعها الآيات والنذر، فلا يرغبهم تشويق، ولا يزعجهم تخويف، وهذا من أعظم العقوبات على العبد، أن يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيده الهدى, والخير إلا شرا. الثالثة:أنهم{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ْ} أي:ابتلوا بالتغيير والتبديل، فيجعلون للكلم الذي أراد الله معنى غير ما أراده الله ولا رسوله. الرابعة:أنهم{ نسوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ} فإنهم ذكروا بالتوراة، وبما أنزل الله على موسى، فنسوا حظا منه، وهذا شامل لنسيان علمه، وأنهم نسوه وضاع عنهم، ولم يوجد كثير مما أنساهم الله إياه عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل الذي هو الترك، فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به، ويستدل بهذا على أهل الكتاب بإنكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم، أو وقع في زمانهم، أنه مما نسوه. الخامسة:الخيانة المستمرة التي{ لا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ ْ} أي:خيانة لله ولعباده المؤمنين. ومن أعظم الخيانة منهم، كتمهم [عن] من يعظهم ويحسن فيهم الظن الحق، وإبقاؤهم على كفرهم، فهذه خيانة عظيمة. وهذه الخصال الذميمة، حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم. فكل من لم يقم بما أمر الله به، وأخذ به عليه الالتزام، كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب، والابتلاء بتحريف الكلم، وأنه لا يوفق للصواب، ونسيان حظ مما ذُكِّر به، وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة، نسأل الله العافية. وسمى الله تعالى ما ذكروا به حظا، لأنه هو أعظم الحظوظ، وما عداه فإنما هي حظوظ دنيوية، كما قال تعالى:{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ْ} وقال في الحظ النافع:{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ْ} وقوله:{ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ْ} أي:فإنهم وفوا بما عاهدوا الله عليه فوفقهم وهداهم للصراط المستقيم.{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ْ} أي:لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الأذى، الذي يقتضي أن يعفى عنهم، واصفح، فإن ذلك من الإحسان{ إن اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ْ} والإحسان:هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. وفي حق المخلوقين:بذل النفع الديني والدنيوي لهم.
لقد بين- سبحانه- جانبا من رذائلهم، ومن العقوبات التي عاقبهم بها بسبب فسوقهم عن أمره فقال: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ، لَعَنَّاهُمْ، وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ.
والفاء في قوله: فَبِما نَقْضِهِمْ للتفريع على ما تقدم من الحديث عنهم، والباء للسببية و «ما» مزيدة لتوكيد الكلام وتمكينه في النفس والجار والمجرور- متعلق بقوله: لَعَنَّاهُمْ وقوله: وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً معطوف على ما قبله وقوله: قاسِيَةً بوزن فاعلة- من القسوة بمعنى الصلابة واليبوسة يقال: قسا قلبه يقسو فهو قاس، إذا غلظ واشتد وصار يابسا صلبا وقساوة القلب هنا مجاز عن عدم تأثره بالمواعظ والترغيب والترهيب أى فبسبب جرائمهم الشديدة أبعدناهم من رحمتنا وجعلنا قلوبهم يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق ولا تتأثر بالمواعظ والنذر.
وقرأ حمزة والكسائي: وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً بتشديد الياء من غير ألف على وزن فعيلة.
وللمفسرين في معناها رأيان:
أحدهما: أن (قسية) بمعنى قاسية، غير أن فيها مبالغة، إذ هي على وزن فعيلة، وهذه الصفة تدل على تمكن صفة القسوة من قلوبهم.
والثاني: أن معنى (قسية) هنا غير معنى قاسية، لأن قسية في هذا الموضع مأخوذة من قولهم:
درهم قسى- على وزن شقي- أى: فاسد رديء لأنه مغشوش بنحاس أو غيره مما يخلو منه الدرهم السليم.
والمعنى على هذا الوجه: وجعلنا قلوبهم إيمانها ليس خالصا وإنما يخالطه كفر ونفاق كالدراهم القسية التي يخالط فضتها غش من نحاس أو رصاص أو غيرهما.
وقد رجح ابن جرير الرأى الأول- وهو أن قسية بمعنى قاسية غير أن فيها مبالغة- فقال (وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من تأول فعيلة من القسوة كما قيل: نفس زكية وزاكية، وامرأة شاهدة وشهيدة، لأن الله- تعالى- وصف القوم بنقضهم ميثاقهم، وكفرهم به، ولم يصفهم بشيء من الإيمان فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها يخالطه كفر كالدراهم القسية التي يخالط فضتها غش) «1» وأما صاحب الكشاف فقد رد التفسير الثاني إلى الأول وجعل بينهما تعانقا وتلازما في المعنى فقال: وقرأ عبد الله (قسية) أى: ردية مغشوشة. من قولهم: درهم قسى وهو من القسوة، لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين، والمغشوش فيه يبس وصلابة» «2» .
وقوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ استئناف مبين لشدة قساوة قلوبهم، فإنه لا قسوة أشد من تحريف كلام الله- تعالى- والميل به عن الحق والصواب.
أى: أنهم بلغ بهم الحال في قسوة قلوبهم، وعدم تأثرها بوعيد الله أنهم يميلون كلامه- سبحانه- عن الموضع الذي نزل فيه ولأجله عن طريق التأويل الباطل، أو التفسير الفاسد، أو التبديل للألفاظ بالزيادة تارة وبالنقصان أخرى، على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم الممقوتة وعبر- سبحانه- بقوله: يُحَرِّفُونَ بصيغة الفعل المضارع، لاستحضار صورة هؤلاء المحرفين. والدلالة على أن أبناءهم قد نهجوا نهج آبائهم في هذا الخلق الذميم.
فإن هذا التحريف الذي حكاه الله- تعالى- في هذه الآية قد كان من بنى إسرائيل بعد عهد موسى- عليه السلام- واستمروا على ذلك دون أن يصدهم عنه ما كان من نصح النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم ومن تحذيره إياهم.
والمراد بالنسيان في قوله: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ الترك والإهمال قال الراغب:
(النسيان: ترك الإنسان ضبط ما استودع. إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، وإما عن قصد حتى يزول عن القلب ذكره) .
والأنواع الثلاثة التي ذكرها الراغب كأسباب للنسيان قد فعلها بنو إسرائيل فهم قد أصابتهم الغفلة عن تدبر كتابهم والعمل بما فيه بسبب ضعف قلوبهم، واستيلاء المطامع والشهوات عليها وأهملوا أمر دينهم وشريعتهم ولم يقيدوا أنفسهم بها عن تعمد وإصرار، لأن تنفيذها يكلفهم الاستقامة على دين الله وهذا ما تأباه نفوسهم الجامحة وشهواتهم العارمة.
والتنكير في قوله: حَظًّا للتكثير والتهويل. أى: تركوا نصيبا كبيرا مما أمرتهم به شريعتهم وذكرتهم به توراتهم من وجوب اتباعهم للحق وإيمانهم بمحمد- صلّى الله عليه وسلّم- عند ظهوره.
وهذه الجملة الكريمة وما يشبهها مما أورده القرآن في هذا المعنى تعتبر من المعجزات الدالة على صدق القرآن الكريم فإن الناس قبل البعثة النبوية الشريفة لم يكونوا يعرفون أن اليهود نسوا حظا كبيرا مما ذكرتهم به توراتهم. فلما بين القرآن ذلك، عرفوا ما لم يكونوا يعرفونه من قبل.
ولما كانت أخلاق الآباء كثيرا ما يتوارثها الأبناء، فقد رأينا القرآن الكريم يحذر النبي صلّى الله عليه وسلّم من اليهود المعاصرين له، والذين ورثوا رذائل آبائهم فقال: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ.
وقوله خائِنَةٍ بمعنى الخيانة أى عدم الوفاء بالعهد. فهي مصدر على وزن فاعله كالعافية والطاغية. قال- تعالى- فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ أى بالطغيان. ويحتمل أن يكون قوله خائِنَةٍ صفة لموصوف محذوف أى على فرقة خائنة أو طائفة.
والمعنى: ولا تزال- أيها الرسول الكريم- ترى في هؤلاء اليهود المعاصرين لك صورة السابقين في الغدر والخيانة. وإن تباعدت الأزمان فهؤلاء الذين يعاصرونك فيهم خيانة أسلافهم، وغدرهم ونقضهم لعهودهم. إلا قليلا منهم دخلوا في الإسلام فوفوا بعهودهم ولم يكونوا ناقضين لها.
وفي هذه الجملة الكريمة تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما لقيه من اليهود المعاصرين له من كيد ومكر وخيانة. فكأن الله- تعالى- يقول له إن ما تراه منهم من غدر وخداع ليس شيئا مستبعدا، بل هو طبيعة فيهم ورثوها عن آبائهم منذ زمن بعيد: وفيها- أيضا- تحذير له صلّى الله عليه وسلّم من شرورهم ومن مسالكهم الخبيثة لكيد الإسلام والمسلمين فإن التعبير بقوله وَلا تَزالُ المفيد للدوام والاستمرار يدل على استمرار خيانتهم ودوام نقضهم لعهودهم ومواثيقهم وقوله: إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ استثناء من الضمير المجرور في قوله خائِنَةٍ مِنْهُمْ والمراد بهذا العدد القليل منهم، أولئك الذين دخلوا في الإسلام، واتبعوا الحق كعبد الله بن سلام وأمثاله.
ثم ختم سبحانه- الآية بقوله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ والعفو عدم مقابلة الإساءة بمثلها.
والصفح: ترك اللوم والمعاتبة. ولذا قالوا: الصفح أعلى رتبة من العفو، لأن العفو ترك المقابلة بالمثل ظاهرا. أما الصفح فهو يتناول السماحة النفسية واعتبار الإساءة كأن لم تكن في الظاهر والباطن.
وللعلماء أقوال في المراد بالذين أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعفو والصفح عنه:
1- فيرى بعضهم أن المراد بهم، القلة اليهودية التي أسلمت، واستثناها الله بقوله إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهذا الرأى مردود بأنهم ماداموا قد آمنوا، فقد عصموا دماءهم وأموالهم، ولم يصبح للعفو والصفح عنهم موضع.
2- ويرى آخرون أن الذين أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعفو والصفح عنهم هم كافة اليهود، إلا أن الآية نسخت بآية التوبة وهي قوله قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ، مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ وهذا الرأى ضعيف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الآيتين وهو غير متعذر- كما سنبين.
3- ويرى أبو مسلّم أن المراد بهم اليهود الذين بقوا على كفرهم ولكنهم لم ينقضوا عهودهم.
والذي نراه أولى أن العفو والصفح عام لليهود، وأن من مظاهر ذلك مسالمتهم ومساكنتهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن ومعاملتهم بمبدأ لهم ما لنا وعليهم ما علينا، مع العفو عن زلاتهم التي لا تؤثر على كيان الدعوة الإسلامية.
فإذا ما نقضوا عهودهم وخانوا الله ورسوله والمؤمنين، وأصبح العفو عنهم فيه مضرة بالمسلمين ففي هذه الحالة تجب معاملتهم بالطريقة التي تقى المسلمين شرورهم، لأن العفو عنهم- عند استلزام قتالهم للدفاع عن النفس وعن العقيدة- يكون إلقاء بالنفس إلى التهلكة ويكون قد وضع العفو في غير موضعه. وهذا القول يقارب ما ذهب إليه أبو مسلم. وربما اعتبر توضيحا له. فكأن الله- تعالى- يقول لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فاعف عن هؤلاء اليهود الذين ورثوا الخيانة عن آبائهم، واصفح عن زلاتهم التي لا تؤثر في سير الدعوة الإسلامية إلى الوقت المناسب لمحاسبتهم، إن الله تعالى يحب المحسنين.
وبذلك نرى السورة الكريمة قد بينت جانبا مما أخذ الله على بنى إسرائيل من عهود ومواثيق، ورغّبتهم في الوفاء بها وحذرتهم. من نقضها، كما بينت بعض العقوبات التي عاقبهم الله بها بسبب فسوقهم عن أمره ورسمت للنبي صلّى الله عليه وسلّم طريق معالجتهم ومعاملتهم بما يقي المسلمين من شرورهم ومكرهم.
وبعد أن بين- سبحانه- جانبا من قبائح اليهود ونقضهم لمواثيقهم عقب ذلك ببيان حال النصارى فقال- تعالى-:
ثم أخبر تعالى عما أحل بهم من العقوبة عند مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهده ، فقال : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ) أي : فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم ، أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى ، ( وجعلنا قلوبهم قاسية ) أي : فلا يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها ، ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) أي : فسدت فهومهم ، وساء تصرفهم في آيات الله ، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله ، وحملوه على غير مراده ، وقالوا عليه ما لم يقل ، عياذا بالله من ذلك ، ( ونسوا حظا مما ذكروا به ) أي : وتركوا العمل به رغبة عنه .
قال الحسن : تركوا عرى دينهم ووظائف الله التي لا يقبل العمل إلا بها . وقال غيره : تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة ، فلا قلوب سليمة ، ولا فطر مستقيمة ، ولا أعمال قويمة .
( ولا تزال تطلع على خائنة منهم ) يعني : مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك .
وقال مجاهد وغيره : يعني بذلك تمالؤهم على الفتك بالنبي ، صلى الله عليه وسلم .
( فاعف عنهم واصفح ) وهذا هو عين النصر والظفر ، كما قال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه . وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ، ولعل الله أن يهديهم ; ولهذا قال تعالى : ( إن الله يحب المحسنين ) يعني به : الصفح عمن أساء إليك .
وقال قتادة : هذه الآية ( فاعف عنهم واصفح ) منسوخة بقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ] ) [ التوبة : 29 ]
القول في تأويل قوله عز ذكره : فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ
قال أبو جفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، لا تعجبن من هؤلاء اليهود الذين همُّوا أن يبسطوا أيديهم إليك وإلى أصحابك، ونكثوا العهدَ الذي بينك وبينهم، غدرًا منهم بك وبأصحابك، فإن ذلك من عاداتهم وعادات سَلَفهم، ومن ذلك أنَّي أخذت ميثاق سلفهم على عهد موسى صلى الله عليه وسلم على طاعتي، وبعثت منهم اثني عشر نقيبًا وقد تُخُيِّرُوا من جميعهم ليتحسَّسُوا أخبار الجبابرة، ووعدتهم النصرَ عليهم، وأن أورثهم أرضَهم وديارهم وأموالهم، بعد ما أريتهم من العِبَر والآيات- بإهلاك فرعون وقومِه في البحر، وفلق البحر لهم، وسائر العبر- ما أريتهم، (85) فنقضوا مِيثاقهم الذي واثقوني ونكثوا عهدي، فلعنتهم بنقضهم ميثاقهم. فإذْ كان ذلك من فعل خيارهم مع أياديَّ عندهم، فلا تستنكروا مثله من فعل أرَاذلهم.
* * *
=وفى الكلام محذوف اكتُفِي بدلالة الظاهر عليه، وذلك أن معنى الكلام: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ - فنقضوا الميثاق، فلعنتهم=" فبما نقضْهم ميثاقهم لعناهم " فاكتفى بقوله: " فبما نقضهم ميثاقهم " من ذكر " فنقضوا ". (86)
* * *
ويعني بقوله جل ثناؤه: " فبما نقضهم ميثاقهم "، فبنقضهم ميثاقهم، كما قال قتادة.
11584 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم " يقول: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم. (87)
11585 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " فبما نقضهم ميثاقهم " قال: هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه.
* * *
وقد ذكرنا معنى " اللعن " في غير هذا الموضع. (88)
* * *
و " الهاء والميم " من قوله: " فبما نقضهم " عائدتان على ذكر بني إسرائيل قبل.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهلِ المدينة وبعض أهل مكة والبصرة والكوفة: (قَاسِيَةً) بالألف=
* * *
=على تقدير " فاعلة " من " قسوة القلب "، من قول القائل: " قَسَا قلبه، فهو يقسُو وهو قاسٍ"، وذلك إذا غلظ واشتدّ وصار يابسًا صلبًا (89) كما قال الراجز:
وَقَدْ قَسَوْتُ وَقَسَتْ لِدَاتِي (90)
* * *
=فتأويل الكلام على هذه القراءة: فلعنَّا الذين نقضوا عهدي ولم يفُوا بميثاقي من بني إسرائيل، بنقضهم ميثاقهم الذي واثقوني=" وجعلنا قلوبهم قاسية "، غليظة يابسةً عن الإيمان بي، والتوفيق لطاعتي، منـزوعةً منها الرأفةُ والرحمة.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: ( وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً ).
* * *
ثم اختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في تأويله.
فقال بعضهم: معنى ذلك معنى " القسوة "، لأن " فعيلة " في الذم أبلغ من " فاعلة "، فاخترنا قراءتها " قسية " على " قاسية " لذلك.
* * *
وقال آخرون منهم: بل معنى " قسِيَّة " غير معنى " القسوة "، وإنما " القسية " في هذا الموضع: القلوبُ التي لم يخلص إيمانها بالله، ولكن يخالط إيمانها كُفْر، كالدراهم " القَسِيَّة "، وهي التي يخالط فضّتها غشٌّ من نحاس أو رَصاص وغير ذلك، كما قال أبو زُبَيْد الطائي:
لَهَـا صَـوَاهِلُ فِـي صُـمِّ السِّلامِ كَمَا
صَـاحَ القَسِـيَّاتُ فِي أَيْدِي الصَّيارِيفِ (91)
يصف بذلك وقع مَسَاحي الذين حفروا قبر عثمان على الصخور، وهي" السِّلام ".
* * *
قال أبو جعفر: وأعجبُ القراءتين إليّ في ذلك، قراءة من قرأ: ( وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً ) على " فعيلة "، لأنها أبلغ في ذم القوم من " قاسية ". وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوله: " فعيلة " من " القسوة "، كما قيل: " نفس زكيّة " و " زاكية "، و " امرأة شاهدة " و " شهيدة "، لأن الله جل ثناؤه وصف القوم بنقضهم ميثاقَهم وكفرِهم به، ولم يصفهم بشيء من الإيمان، فتكون قلوبهم موصوفة بأنّ إيمانها يخالطه كفر، كالدراهم القَسِيَّة التي يخالط فضَّتها غشٌّ.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ
قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: وجعلنا قلوب هؤلاء الذين نقضوا عهودَنا من بني إسرائيل قَسِيَّة، منـزوعا منها الخير، مرفوعًا منها التوفيق، فلا يؤمنون ولا يهتدون، فهم لنـزعِ الله عز وجل التوفيقَ من قلوبهم والإيمانَ، يحرّفون كلام ربِّهم الذي أنـزله على نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم، وهو التوراة، فيبدّلونه، ويكتبون بأيديهم غير الذي أنـزله الله جل وعز على نبيهم، ثم يقولون لجهال الناس: (92) " هذا هو كلام الله الذي أنـزله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم، والتوراة التي أوحاها إليه ". (93) وهذا من صفة القرون التي كانت بعد موسى من اليهود، ممن أدرك بعضُهم عصرَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الله عزّ ذكره أدخلهم في عِدَاد الذين ابتدأ الخبر عنهم ممن أدرَك موسى منهم، إذ كانوا من أبنائهم وعلى منهاجهم في الكذب على الله، والفرية عليه، ونقض المواثيق التي أخذها عليهم في التوراة، كما:-
11586 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " يحرّفون الكلم عن مواضعه " يعني: حدود الله في التوراة، ويقولون: إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه، وإن خالفكم فاحذروا.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
يعني تعالى ذكره بقوله: " ونسوا حظًّا " وتركوا نصيبا، وهو كقوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [سورة التوبة: 67] أي: تركوا أمر الله فتركهم الله. (94)
* * *
وقد مضى بيان ذلك بشواهده في غير هذا الموضع، فأغنى ذلك عن إعادته. (95)
* * *
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
11587 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ونسوا حظًّا مما ذكروا به " يقول: تركوا نصيبًا.
11588 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: " ونسوا حظًّا مما ذكروا به " قال: تركوا عُرَى دينهم، ووظائفَ الله جل ثناؤه التي لا تُقْبل الأعمال إلا بها. (96)
.................................................
................................................ (97)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ
قال أبو جعفر: يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تزال يا محمد تَطَّلع من اليهود= الذين أنبأتك نبأهم، من نقضهم ميثاقي، ونكثهم عهدي، مع أياديَّ عندهم، ونعمتي عليهم= على مثل ذلك من الغدر والخيانة=" إلا قليلا منهم "، إلا قليلا منهم [لم يخونوا]. (98)
* * *
و " الخائنة " في هذا الموضع: الخيانة، وُضع وهو اسمٌ- موضع المصدر، كما قيل: " خاطئة "، للخطيئة (99) و " قائلة " للقيلولة.
* * *
وقوله: " إلا قليلا منهم "، استثناء من " الهاء والميم " اللتين في قوله: " على خائنة منهم ".
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
11589 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " قال: على خيانة وكذب وفجور.
11590 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل وعزّ: " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " قال: هم يهودُ مِثْلُ الذي هموا به من النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل حائطهم.
11591 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
11592 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال مجاهد وعكرمة قوله: " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " من يهود مثلُ الذي همُّوا بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل عليهم.
* * *
وقال بعض القائلين: (100) معنى ذلك: ولا تزال تطلع على خائن منهم، قال: والعرب تزيد " الهاء " في آخر المذكر كقولهم: " هو راوية للشعر "، و " رجل علامة "، وأنشد: (101)
حَـدَّثْتَ نَفْسَـكَ بِالوَفَـاءِ ولَـمْ تَكُـنْ
لِلغَــدْرِ خَائِنَــةً مُغِــلَّ الإصْبَـعِ (102)
فقال: " خائنة "، وهو يخاطب رجلا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من التأويل في ذلك، القولُ الذي رويناه عن أهل التأويل. لأنّ الله عنى بهذه الآية، القوم من يهود بني النضير الذين همُّوا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذ أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية العامريّين، فأطلعه الله عز ذكره على ما قد همُّوا به. ثم قال جل ثناؤه بعد تعريفِه أخبار أوائلهم، وإعلامه منهج أسلافهم، وأنَّ آخرهم على منهاج أوّلهم في الغدر والخيانة، لئلا يكبُر فعلُهم ذلك على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فقال جل ثناؤه: ولا تزال تطَّلع من اليهود على خيانة وغدرٍ ونقضِ عهد= ولم يرد أنّه لا يزال يطلع على رجل منهم خائنٍ. وذلك أن الخبر ابتُدِئ به عن جماعتهم فقيل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ، ثم قيل: " وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ"، فإذ كان الابتداء عن الجماعة، فالختْمُ بالجماعة أولى. (103)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
قال أبو جعفر: وهذ أمر من الله عز ذكره نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالعفو عن هؤلاء القوم الذين همُّوا أن يبسطوا أيديهم إليه من اليهود. يقول الله جل وعز له: اعف، يا محمد، عن هؤلاء اليهود الذين همُّوا بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك بالقتل، واصفح لهم عن جُرْمهم بترك التعرُّض لمكروههم، فإني أحب من أحسنَ العفو والصَّفح إلى من أساء إليه. (104)
* * *
وكان قتادة يقول: هذه منسوخة. ويقول: نسختها آية " براءة ": قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ الآية [سورة التوبة: 29].
11593 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " فاعف عنهم واصفح "، قال: نسختها: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
11594 - حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا همام، عن قتادة: " فاعف عنهم واصفح إنّ الله يحب المحسنين "، ولم يؤمر يومئذ بقتالهم، فأمره الله عز ذكره أن يعفو عنهم ويصفح. ثم نسخ ذلك في" براءة " فقال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [سورة التوبة: 29]، وهم أهل الكتاب، فأمر الله جل ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقاتلهم حتى يسلموا أو يقرُّوا بالجزية.
11595 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان قال، قرأت على ابن أبي عروبة، عن قتادة، نحوه.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قاله قتادة غير مدفوع إمكانهُ، غير أن الناسخ الذي لا شك فيه من الأمر، هو ما كان نافيًا كلَّ معاني خلافهِ الذي كان قبله، فأمَّا ما كان غير نافٍ جميعَه، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله جل وعز أو من رسوله صلى الله عليه وسلم. وليس في قوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ دلالةٌ على الأمر بنفي معاني الصَّفح والعفو عن اليهود.
وإذ كان ذلك كذلك= وكان جائزًا مع إقرارهم بالصَّغار وأدائهم الجزية بعد القتال، الأمرُ بالعفو عنهم في غَدْرة همُّوا بها، أو نكثةٍ عزموا عليها، ما لم يَنْصِبُوا حربًا دون أداء الجزية، (105) ويمتنعوا من الأحكام اللازمَتِهم (106) = لم يكن واجبا أن يحكم لقوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ الآية، بأنه ناسخ قوله: " فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ".
* * *
-------------------
الهوامش :
(85) السياق: "بعد ما أريتهم من العبر والآيات.. ما أريتهم" ، وما بين الخطين فصل مفسر.
(86) انظر تفسير"النقص" فيما سلف 9: 363.
(87) الأثر: 11584- في المطبوعة والمخطوطة: "حدثنا كثير ، قال حدثنا يزيد" ، وهو خطأ ، وهو إسناد دائر في التفسير.
(88) انظر تفسير"اللعن" فيما سلف 9: 213 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(89) انظر تفسير"القسوة" فيما سلف 2: 233.
(90) مر تخريجه فيما سلف 2: 233 ، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 158.
(91) المعاني الكبير: 1024 ، 1025 ، وأمالي القالى 1: 28 ، وسمط اللآلئ: 128 ، 931 ، واللسان (أمر) (صهل) من قصيدته في رثاء أمير المؤمنين المقتول ظلمًا ، ذي النورين عثمان بن عفان ، يقول فيها:
يَـا لَهْـفَ نَفْسِـي إنْ كَانَ الَّذِي زَعَمُوا
حَقًّـا، وَمَـاذَا يَـرُدُّ الْيَـومَ تَلْهِيفِـي!!
إِنْ كَـانَ عُثْمَــانُ أَمْسَـى فَوْقَـهُ أَمَرٌ
كَـرَاقِبِ العُـونِ فَـوْقَ القُنَّـةِ المُوفِي
"الأمر" (بفتحتين): الحجارة. و"العون" جمع"عانة" ، وهي حمر الوحش."وراقب العون": الفحل الذي يحوطها ويحرسها على مربأة عالية ، ينتظر مغيب الشمس فيرد بها الماء.
ثم يقول بعد ذلك:
يَـا بُـؤْسَ لْلأرْضِ، مَا غَالَـتْ غَوَائِلُهَا
مِـنْ حُـكْمِ عَدْلٍ وَجُودٍ غَيْرِ مَكْفُوفِ!!
عــلى جَنَابَيْـهِ مِـنْ مَظَلُومَـةٍ قِيَـمٌ
تَعَاوَرَتْهَــا مَسَــاحٍ كَالْمَنَاسِــيفِ
لَهَـا صَـوَاهَلُ فِـي صُـمِّ السِّلامِ، كَمَا
صَـاحَ القَسِـيَّاتُ فِي أَيْدِي الصَّيَارِيفِ
كَــأنَّهُنَّ بِــأَيْدِي الْقَـوْمِ فِـي كَبَـدٍ
طَـيْرٌ تَكَشـفُ عَـنْ جُـونٍ مَزَاحِيفِ
قوله: "جنابيه" أي: جانبيه."مظلومة": حفرت ولم تكن حفرت من قبل ، يعني أرض لحده."قيم" جمع"قامة": يعني ما ارتفع من ركام تراب القبر. و"المساحي" جمع"مسحاة": وهي المجرفة من الحديد. و"المناسيف" جمع"منسفة" ، وهي آلة يقلع بها البناء وينسف ، أصلب وأشد من المسحاة. و"الصواهل" جمع"صاهلة" مصدر على"فاعلة" ، بمعنى"الصهيل": وهو صوت الخيل الشديد ، وكل صوت يشبهه. و"الصم" جمع"أصم" ، يعني أنها حجارة صلبة تصهل منها المساحي. و"السلام" (بكسر السين) الصخور. و"الصياريف"هم"الصيارف" ، وزاد الياء للإشباع. و"الكبد": الشدة. و"الجون": السود. و"مزاحيف" ، تزحف من الإعياء ، يعني إبلا قد هلكت من الإعياء. شبه المساحي بأيدي القوم وهم يحفرون قبره ، بنسور تقع على الإبل المعيية ، ثم تنهض ، ثم تعود فتسقط عليها. وكان قبر عثمان في حرة المدينة ذات الحجارة السود ، فلذلك قال: "عن جون مزاحيف".
(92) في المطبوعة: "ويقولون" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(93) انظر تفسير"تحريف الكلم عن مواضعه" فيما سلف 2: 248/8: 430-432.
(94) انظر تفسير"النسيان" فيما سلف 2: 9 ، 476/5: 164/6: 133- 135.
(95) انظر التعليق السالف ، وتفسير"حظ" فيما سلف من فهارس اللغة.
(96) "الوظائف" جمع"وظيفة" ، وهي من كل شيء ، ما يقدر له في كل يوم من رزق أو طعام أو علف أو شراب. ثم قالوا: "وظف الشيء على نفسه توظيفا" ، أي: ألزمها إياه ، وقالوا: "عليه كل يوم وظيفة من عمل" ، أي: ما ألزم عمله في يومه هذا. وعنى الحسن بقوله"وظائف الله" ، فروضه التي ألزمها عباده في الإيمان به ، وطاعته ، وإخلاص النية له سبحانه. وهذا حرف ينبغي تقييده في كتب اللغة ، من كلام الحسن رضي الله عنه.
(97) وضعت هذه النقط دلالة على سقط أو خرم في نسخ ناسخ المخطوطة. وذلك أنه كتب في أول تفسير هذا الجزء من الآية: "ونسوا حظًا" ، ثم ساق كلام أبي جعفر إلى آخر الخبر رقم: 11588.
ثم بدأ بعد ذلك هكذا: "القول في تأويل قوله عز ذكره: "مما ذكروا به" = ثم ساق تفسير الجزء التالي من الآية ، وهو: "ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم". ولم يكتب هذا الجزء من الآية ، والتفسير تفسيرها. فاتضح من ذلك أن الناسخ نسى تفسير"مما ذكروا" فسقط منه. ولم يذكر الآية التي يفسرها كلام أبي جعفر.
هذا ، وانظر معنى"التذكير" فيما سلف 5: 580/6: 62-65 ، 211.
(98) في المطبوعة ، وقف عند قوله: "إلا قليلا منهم" ، وأسقط: "إلا قليلا منهم لم يخونوا". وفي المخطوطة سقط من الناسخ"لم يخونوا" فكتب"إلا قليلا منهم ، إلا قليلا منهم". واستظهرت"لم يخونوا"ووضعتها بين قوسين ، من قوله بعد: إنه استثناء من الهاء والميم في"خائنة منهم".
(99) في المطبوعة: "خاطئة ، للخطأة" ، كأنه استنكرها ، وسيأتي في تفسير أبي جعفر 29: 33 (بولاق) في تفسير قوله تعالى: "والموتفكات بالخاطئة" ، قال ، "بالخاطئة ، يعني بالخطيئة". وهكذا كتب أبو جعفر كما ترى ، وإن كان لا يعجبني هذا التمثيل ، بل كنت أوثر أن يقول إنه مصدر جاء على فاعلة ، مثل"العافية". إلا أن يكون أبو جعفر أراد أن"الخطيئة" مصدر على"فعيلة" كالشبيبة والفضيحة ، وأشباهها ، وهي قليلة.
(100) ما أشد استنكار أبي جعفر لمقالات أبي عبيدة معمر بن المثنى ، حتى يذكره مجهلا بأساليب مختلفة!! وهذا الآتي هو نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 158.
(101) هو رجل من السواقط ، من بني أبي بكر بن كلاب. و"السواقط" هم الذين يردون اليمامة لامتياز التمر.
(102) الكامل للمبرد 1: 211 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 158 ، وإصلاح المنطق: 295 ، واللسان (صبع) (غلل) (خون). وهذا من شعر له خبر. وذلك أن هذا الشاعر لما ورد اليمامة كان معه أخ له جميل ، فنزل جارا لعمير بن سلمى ، فقال قرين أخو عمير للكلابي: "لا تردن أبياتنا بأخيك هذا" ، مخافة جماله ، فرآه قرين بين أبياتهم بعد ، وأخوه عمير غائب ، فقتله. فجاء الكلابي قبر سلمى (أبي عمير ، وقرين) فاستجار به وقال:
وَإِذَا اسْـتَجَرْتَ مِـنَ الْيَمَامَـةِ فَاسْتَجِرْ
زَيْــدَ بــن يَرْبُــوعٍ وَآلَ مُجَـمِّعِ
وَأَتَيْــتُ سُــلْمِيَّا فَعُــذْتُ بِقَـبْرِهِ
وَأَخُــو الزَّمَانَــةِ عَــائِذٌ بِـالأمْنَعِ
أَقَــرِينُ إِنَّـكَ لَـوْ رَأَيْـتَ فَوَارِسِـي
بِعَمَــايَتَيْنَ إِلَــى جَـوَانِبِ ضَلْفَـعِ
حَــدَّثْتَ نَفْسَــك ..................
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فلجأ قرين إلى وجوه بني حنيفة (وهم زيد بن يربوع ، وآل مجمع) ، فحملوا إلى الكلابي ديات مضاعفة ، فأبى أن يقبلها. فلما قدم عمير ، فقالت له أمه: "لا تقتل أخاك ، وسق إلى الكلابي جميع ماله" ، فأبى الكلابي أن يقبل. فأخذ عمير أخاه قرينًا فقتله ، وقال:
قَتَلْنَــا أَخَانَــا لِلْوَفَــاءِ بِجَارِنَــا
وَكَــانَ أَبُونَـا قَـدْ تُجِـيرُ مَقـابِرُهْ
وقالت أم عمير لعمير:
تَعُــدُّ مَعَــاذِرًا لا عُــذْرَ فِيهَــا
وَمَــنْ يَقْتُــلْ أَخَــاهُ فَقَـدْ أَلاَمَـا
وقوله: "أخو الزمانة" ، هي العاهة ، يريد ضعفه عن درك ثأره. و"عمايتان" و"ضلفع" مواضع من بلاد هذا الكلابي. وقوله"مغل الإصبع" ، كناية عن الخيانة والسرقة."أغل يغل": خان الأمانة خلسة. ويقول بعضهم: "مغل الإصبع" ، منصوب على النداء.
(103) في المطبوعة: "فلتختم بالجماعة أولى" ، ولست أدري فيم يغير الصواب المستقيم!
(104) انظر تفسير"العفو" فيما سلف من فهارس اللغة = وتفسير"الصفح" فيما سلف 2: 503 = وتفسير"المحسنين" ، فيما سلف من فهارس اللغة.
(105) في المطبوعة: "ما لم يصيبوا حربًا" ، والصواب المحض من المخطوطة. يقال: "نصب له الحرب نصبًا": وضعها وأظهرها ، وأعلنها. و"ناصبه الحرب والعداوة": أي أظهرها ولج في إظهارها.
(106) في المطبوعة: "اللازمة منهم" ، غير صواب المخطوطة ، إلى ما درج عليه كلام أمثاله ، وقد مضى مثل ذلك مرارًا ، ومضى مثل ذلك من فعل الناشر.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 46 | ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ |
---|
المائدة: 13 | ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ |
---|
المائدة: 41 | ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
قاسية:
1- اسم فاعل، من قسا يقسو، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- قسية، بغير ألف وتشديد الياء، وهى قراءة عبد الله، وحمزة، والكسائي.
3- قسية، بضم القاف وتشديد الياء، وهى قراءة الهيصم بن الشداخ.
4- بكسر القاف وتشديد الياء.
الكلم:
قرئ:
1- بفتح الكاف وكسر اللام، وهى قراءة الجمهور.
2- الكلام، بالألف، وهى قراءة أبى عبد الرحمن، والنخعي.
3- الكلم، بكسر الكاف وسكون اللام، وهى قراءة أبى رجاء.