540192021222324

الإحصائيات

سورة الحديد
ترتيب المصحف57ترتيب النزول94
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات4.20
عدد الآيات29عدد الأجزاء0.00
عدد الأحزاب0.00عدد الأرباع1.70
ترتيب الطول42تبدأ في الجزء27
تنتهي في الجزء27عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 8/14_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (18) الى الآية رقم (20) عدد الآيات (3)

لمَّا ذكرَ اللهُ حالَ المؤمنينَ وحالَ المنافقين، ذكرَ هنا حالَ المؤمنينَ وحالَ الكافرينَ، ثُمَّ بَيَّنَ حقيقةَ الدُّنيا وحَذَّرَ من الاغترارِ بالدُّنيا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (21) الى الآية رقم (24) عدد الآيات (4)

بعدَ بيانِ حقيقةِ الدُّنيا دعَا اللهُ إلى المُسارعةِ في أمورِ الآخرةِ، وبَيَّنَ أنَّ كلَّ ما في الدُّنيا من مصائبَ وأحداثٍ بقضائِهِ وقدرِهِ، ثُمَّ حذَّرَ من الاختيالِ والفخرِ والبخلِ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحديد

التوازن بين المادية والروحانية/ الدعوة إلى الإيمان والإنفاق في سبيل الجهاد لنصرة الدين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • التوازن::   قبل أن نبدأ مع آيات السورة: لا بد أن نذكر حقيقة محزنة، أن أمتنا التي تقرأ في كتابها سورة الحديد لا تعرف كيف تصنع الحديد، أن هناك آية محورية في السورة لكنها غائبة عن حياتنا وعن أمتنا: ﴿وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ﴾ (25). فالحديد هو -بلغة اليوم- رمز للصناعات الثقيلة، واستخدام هذه الصناعات كما بينت الآية هو: ﴿بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أي الصناعات الحربية، ﴿وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ﴾ أي الصناعات التكنولوجية والمتطورة، فهو محور أساسي في صناعات الأمم في حالتي الحرب والسلم، أين نحن من سورة الحديد، وأين نحن من التطور العلمي والصناعي والتكنولوجي؟ بعد هذه الحقيقة الصعبة، تعالوا نفهم مراد ربنا من هذه السورة، حتى نفهم توازن الإسلام وشموله ونمضي في ركب التطور والحضارة.
  • • أمة وسط::   هناك ناس تفرغوا تمامًا للعمل المادي فقست قلوبهم، وهناك ناس تفرغوا تمامًا للعبادة الروحانية فترهبنوا، وكلاهما فشل، فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنتم أمة متوازنة بين العبادة وبين النجاح في الحياة، فالسورة تقول مخاطبة أمة محمد: أنتم لا ماديين كبني إسرائيل ولا متفرغين للروحانية كالنصارى، إنما أنتم متوازنون بين الاثنين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الحديد».
  • • معنى الاسم ::   الحديد: هو المعدن المعروف.
  • • سبب التسمية ::   لِوُقُوعِ لَفْظِ «الْحَدِيدِ» فِيهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ (25)، ولفظ الحديد ورد في سور أخرى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الموازنة بين المادية والروحانية.
  • • علمتني السورة ::   التسابيحُ تملأُ كلَّ شئٍ حَولَنا، شاركْ الكَونَ: سَبِّح: ﴿سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أسباب إطفاء نور المنافقين والمنافقات يوم القيامة: فتنوا أنفسهم بالملذات والمعاصي، يسوفون التوبة، يتوعدون الذين آمنوا، يشككون في يوم البعث، غرتهم الأماني في الحياة الدنيا، استمروا على ذلك حتى ماتوا، وكان وراء ذلك الشيطان: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن حقيقة الحياة الدنيا: لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر في الأموال والأولاد، متاع، فلزم الحذر منها ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ ...﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».
    وسورة الحديد من المفصل الذي فُضِّل به النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «...وإنَّ لكلّ شيءٍ لُبابًا، وإنَّ لُبابَ القُرآنِ المُفَصَّلُ».
    وسورة الحديد من المفصل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • بنهاية سورة الحديد ينتهي النصف الأول للقرآن الكريم بحسب عدد سوره البالغة 114 سورة، فمن الفاتحة إلى الحديد 57 سورة، ومن المجادلة إلى الناس 57 سورة أيضًا.
    • ويلاحظ أن النصف الأول لعدد سور القرآن استغرق تسعة أعشار القرآن (90%)، بينما النصف الثاني من عدد سور القرآن استغرق عُشْر القرآن (10%) فقط، وهذا يدل على أن سور القرآن روعي في ترتيبها طول السورة في الغالب.
    • سورة الحديد تعتبر السورة الثانية -بحسب ترتيب المصحف- من سور المُسَبِّحات، وهي سبع سور افتتحت بالتسبيح، وهي: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نفهم توازن الإسلام وشموله ونمضي في ركب التطور والحضارة.
    • ألا نكون أقل خلق الله تسبيحًا: ﴿سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (1).
    • أن نحرص على تعلم أسماء الله الحسنى والتعبد بها: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (3).
    • أن نحسن العمل، ولا نجعل الله أهون الناظرين إلينا؛ فهو بصير بما نعمل: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (4).
    • أن ننفق من أموالنا ولا نبخل: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (7).
    • أن نبتعد عن الأماني؛ فهي رأس مال المفاليس: ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّـهِ وَغَرَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾ (14).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الزهد في الدنيا: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ (20).
    • أن نسارع لنكون في الصف الأول خلف الإمام: ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ (21).
    • أن نصبر على أقدار الله، ونحتسب الأجر، ولا نتكبر في حال الفرح: ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (23).
    • أن نتبرع لعمل خيري لنصرة هذا الدين: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (25).

تمرين حفظ الصفحة : 540

540

مدارسة الآية : [19] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ ..

التفسير :

[19] والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرِّقوا بين أحد منهم، أولئك هم الصديقون الذين كمُل تصديقهم بما جاءت به الرسل، اعتقاداً وقولاً وعملاً، والشهداء عند ربهم لهم ثوابهم الجزيل عند الله، ونورهم العظيم يوم القيامة، والذين كفروا وكذَّبوا بأدلتنا وحججنا أولئك أص

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} والإيمان عند أهل السنة:هو ما دل عليه الكتاب والسنة، هو قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة، فالذين جمعوا بين هذه الأمور هم الصديقون أي:الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين، ودون مرتبة الأنبياء.

[وقوله:]{ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} كما ورد في الحديث الصحيح:{ إن في الجنة مائة درجة، ما بين الدرجتينكما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله} وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم، وقربهم الله تعالى.

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق، المتصدقين، والصديقين، والشهداء، وأصحاب الجحيم، فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الإحسان إلى الخلق، وبذل النفع إليهم بغاية ما يمكنهم، خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله.

والصديقون هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح، والعلم النافع، واليقين الصادق، والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله [لإعلاء كلمة الله، وبذلوا أنفسهم وأموالهم] فقتلوا، وأصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بآيات الله.

وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر، وهم المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، إلا أنهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده، فهؤلاء مآلهم الجنة، وإن حصل لهم عقوبة ببعض ما فعلوا.

وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ مبتدأ.

وقوله: أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ خبره، والذين آمنوا بالله ورسله إيمانا حقا- لهم منزلة الصديقين: منزلة المبالغين في الصدق واليقين.

فالصديق- بتشديد الدال- هو المبالغ في الصدق بما جاءه به الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تنفيذ ما كلف به تنفيذا تاما.

وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ وهم الذين استشهدوا في سبيل الله- تعالى-: لَهُمْ أَجْرُهُمْ العظيم عند الله- تعالى- وَنُورُهُمْ الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوم القيامة لهم كذلك.

فعلى هذا التفسير يكون قوله: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ مبتدأ، وجملة لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ، خبره، ويكون الوقف على الصِّدِّيقُونَ وقفا تاما.. والضمائر في لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ للشهداء.

ويصح أن يكون قوله وَالشُّهَداءُ معطوف على الصِّدِّيقُونَ عطف المفرد على المفرد، فهو عطف على الخبر. أى: وهم الشهداء عند ربهم.. ويكون الوقف على الشهداء تاما، وأخبر- سبحانه- عن الذين آمنوا بالله ورسله، أنهم صديقون وشهداء.

والمعنى على هذا الوجه: والذين آمنوا بالله ورسله، أولئك هم الذين في حكمه- تعالى- بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الرتبة، ورفعة الدرجة.

وقوله- تعالى- عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ أى: للذين آمنوا بالله ورسله عند ربهم، مثل أجر الصديقين والشهداء ولهم مثل نورهم يوم القيامة، وناهيك به من أجر عظيم، ونور عميم.

وحذف ما يفيد التشبيه في الجملتين، للتنبيه على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: يريد أن المؤمنين بالله ورسله، هم عند الله- تعالى- بمنزلة الصديقين والشهداء، وهم الذين سبقوا إلى التصديق، واستشهدوا في سبيل الله.

وقوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ أى: لهم مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم.

فإن قلت: كيف يسوى بينهم في الأجر ولا بد من التفاوت؟ قلت: المعنى أن الله - تعالى- يعطى الذين آمنوا بالله ورسله أجرهم. ويضاعفه لهم بفضله. حتى يساوى أجرهم مع أضعافه، أجر أولئك، أى: أجر الصديقين والشهداء.

ويجوز أن يكون قوله: وَالشُّهَداءُ مبتدأ، وقوله، لَهُمْ أَجْرُهُمْ خبره ... .

وقوله- تعالى-: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ بيان لسوء عاقبة الكافرين، بعد بيان حسن عاقبة المؤمنين الصادقين.

أى: والذين كفروا بالله ورسله، وكذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا أولئك أصحاب الجحيم، الملازمون لها ملازمة الشيء لصاحبه.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد حضت المؤمنين على المواظبة على ذكر الله- تعالى- وطاعته ونهتهم عن التشبه بالذين قست قلوبهم، وبشرت المصدقين والمصدقات، والذين آمنوا بالله- تعالى- وبرسله إيمانا حقا.. بالأجر العظيم، وبالعطاء الجزيل.

ثم بين- سبحانه- حال الحياة، التي ركن إليها الكافرون، واطمأنوا بها.. ودعا المؤمنين إلى أن تكون هممهم متجهة نحو الآخرة، عن طريق التسلح بالأعمال الصالحة. فقال- تعالى-:

وقوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) هذا تمام لجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون .

قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) هذه مفصولة ( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) .

وقال أبو الضحى : ( أولئك هم الصديقون ) ثم استأنف الكلام فقال : ( والشهداء عند ربهم ) وهكذا قال مسروق ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم .

وقال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله في قوله : ( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) قال : هم ثلاثة أصناف : يعني المصدقين ، والصديقين ، والشهداء ، كما قال [ الله ] تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) [ النساء : 69 ] ففرق بين الصديقين والشهداء ، فدل على أنهما صنفان . ولا شك أن الصديق أعلى مقاما من الشهيد ، كما رواه الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله ، في كتابه الموطإ ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .

اتفق البخاري ، ومسلم على إخراجه من حديث مالك به

وقال آخرون : بل المراد من قوله : ( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء . حكاه ابن جرير ، عن مجاهد ، ثم قال ابن جرير :

حدثني صالح بن حرب أبو معمر ، حدثنا إسماعيل بن يحيى ، حدثنا ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن البراء بن عازب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " مؤمنو أمتي شهداء " . قال : ثم تلا - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ) هذا حديث غريب

وقال أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون في قوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) قال : يجيئون يوم القيامة معا كالإصبعين .

وقوله : ( والشهداء عند ربهم ) أي : في جنات النعيم ، كما جاء في الصحيحين : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : ماذا تريدون ؟ فقالوا : نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة . فقال إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون "

وقوله : ( لهم أجرهم ونورهم ) أي : لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم ، وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن أبي يزيد الخولاني قال : سمعت فضالة بن عبيد يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الشهداء أربعة : رجل مؤمن جيد الإيمان ، لقي العدو فصدق الله فقتل ، فذلك الذي ينظر الناس إليه هكذا - ورفع رأسه حتى سقطت قلنسوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قلنسوة عمر ، والثاني مؤمن لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح ، جاءه سهم غرب فقتله ، فذاك في الدرجة الثانية ، والثالث رجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الثالثة ، والرابع رجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافا كثيرا ، لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الرابعة " .

وهكذا رواه علي بن المديني ، عن أبي داود الطيالسي ، عن ابن المبارك عن ابن لهيعة ، وقال : هذا إسناد مصري صالح . ورواه الترمذي من حديث ابن لهيعة وقال : حسن غريب

وقوله : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) لما ذكر السعداء ومآلهم ، عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم .

يقول تعالى ذكره: والذين أقرّوا بوحدانية الله وإرساله رسله، فصدقوا الرسل وآمنوا بما جاءوهم به من عند ربهم، أولئك هم الصدّيقون.

وقوله: ( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: والشهداء عند ربهم منفصل من الذي قبله، والخبر عن الذين آمنوا بالله ورسله، متناه عند قوله: ( الصِّدِّيقُونَ ) ، والصدّيقون مرفوعون بقوله: هم، ثم ابتدئ الخبر عن الشهداء فقيل: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، والشهداء في قولهم مرفوعون بقوله: ( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) .

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) قال: هذه مفصولة ( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) .

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق ( أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) قال: هي للشهداء خاصة.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: هي خاصة للشهداء.

قال: ثنا مهران، عن سفيان عن أبي الضحى ( أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ )، ثم استأنف الكلام فقال: والشهداء عند ربهم.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) هذه مفصولة، سماهم الله صدّيقين بأنهم آمنوا بالله وصدّقوا رسله، ثم قال ( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) هذه مفصولة.

وقال آخرون: بل قوله " والشهداء " من صفة الذين آمنوا بالله ورسله؛ قالوا: إنما تناهى الخبر عن الذين آمنوا عند قوله: ( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ )، ثم ابتدئ الخبر عما لهم، فقيل: لهم أجرهم ونورهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا أبو قيس أنه سمع هذيلا يحدّث، قال: ذكروا الشهداء، فقال عبد الله: الرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، والرجل يقاتل للدنيا، والرجل يقاتل للسمعة، والرجل يقاتل للمغنم; قال شعبة شيئا هذا معناه: والرجل يقاتل يريد وجه الله، والرجل يموت على فراشه وهو شهيد، وقرأ عبد الله هذه الآية: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، وليث عن مجاهد ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) قال: كلّ مؤمن شهيد، ثم قرأها.

حدثني صالح بن حرب أبو معمر، قال: ثنا إسماعيل بن يحيى، قال: ثنا ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن البراء بن عازب، قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: " مُؤْمِنُو أمَّّتِي شُهَداءُ". قال: ثم تلا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هذه الآية ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) قال: بالإيمان على أنفسهم بالله.

وقال آخرون: الشهداء عند ربهم في هذا الموضع: النبيون الذين يشهدون على أممهم من قول الله عزّ وجلّ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا .

والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: الكلام والخبر عن الذين آمنوا، متناه عند قوله: ( أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ )، وإن قوله: ( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) خبر مبتدأ عن الشهداء.

وإنما قلنا: إن ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر، وأنّ الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنى غيره، إلا أن يُراد به شهيد على ما آمن به وصدّقه، فيكون ذلك وجها، وإن كان فيه بعض البعد، لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه، إذا أطلق بغير وصل، فتأويل قوله: ( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) إذن: والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله، أو هلكوا في سبيله عند ربهم، لهم ثواب الله إياهم في الآخرة ونورهم.

وقوله: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) يقول تعالى ذكره: والذين كفروا بالله وكذّبوا بأدلته وحججه، أولئك أصحاب الجحيم.

التدبر :

وقفة
[19] ﴿وَالَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ الإيمان بالرسل جميعًا من أركان الإيمان.
تفاعل
[19] ﴿وَالَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدّيقونَ﴾ قل: «اللهم بلغني منازل الصديقين».
وقفة
[19] ﴿وَالَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدّيقونَ﴾ تعد من الصديقين بإيمانك بالله وكل رسله.
وقفة
[19] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ﴾ سمَّاهم شهداءَ تغليبًا، أو المرادُ لهم أجرُ الشُّهداء، وإلا فبعضُهم لم يُقتل حتى يكونَ شَهيدًا.
وقفة
[19] ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ يكفي أنهم عند ربهم لتطمئن نفوس محبيهم ومن فقدوهم؛ فالمحب يتمنى أن يكون حبيبه في مكان آمن إذا فقده.
وقفة
[19] ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ كل شهادات الدنيا تنال بالعلم والترقي فيه؛ لكن شهادة اﻵخرة تنال بالعمل فقط، أرخِصْ روحك في سبيل الله.
وقفة
[19] ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم، وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال.
وقفة
[19] ﴿لَهُم أَجرُهُم وَنورُهُم﴾ من يتمنَّ نورًا على الصراط يومئذ يعد العدة من الآن.
تفاعل
[19] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الاسمية أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ». آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «آمنوا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ بِاللهِ وَرُسُلِهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بآمنوا والواو عاطفة. رسله: مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون الذي حرك بالضم لالتقاء الساكنين ولاشباع الميم في محل رفع مبتدأ و «الصديقون» خبر «هم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. والجملة الاسمية هُمُ الصِّدِّيقُونَ» في محل رفع خبر «اولئك» ويجوز ان تكون «اولئك» بدلا من الاسم الموصول «الذين» فيكون الخبر هُمُ الصِّدِّيقُونَ».
  • ﴿ وَالشُّهَداءُ:
  • معطوفة بالواو على «الصديقون» مرفوعة ايضا وعلامة الرفع الضمة. والجملة الاسمية أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ» في محل رفع خبر «الذين» والكاف: حرف خطاب.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بصفة محذوفة للصديقين والشهداء وهو مضاف او يكون الظرف متعلقا بالشهداء التقدير: والشهداء يقومون بالشهادة على الامم يوم القيامة. ويجوز ان يكون وقوف القول عند «الصديقون» فيكون «الشهداء» مبتدأ وخبره الجملة الاسمية لَهُمْ أَجْرُهُمْ» لانهم المضحون في سبيل الله واعلاء دينه. رب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر ثان للمبتدإ «أولئك» واذا اعربت «أولئك» بدلا من «الذين» فتكون الجملة خبرا ثانيا للمبتدإ «الذين» ويجوز ان تكون الجملة الاسمية لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» في محل نصب حالا من الصديقين والشهداء. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. اجر: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. ونورهم: معطوفة بالواو على «اجرهم» وتعرب إعرابها اي لهم مثل اجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم.
  • ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا:
  • معطوفة بالواو على الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ» وتعرب إعرابها. وكذبوا: معطوفة بالواو على «كفروا» وتعرب إعرابها و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ:
  • تعرب إعراب أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ» و «أصحاب» خبر مبتدأ محذوف تقديره «هم اصحاب» وعلامة رفعه الضمة'

المتشابهات :

الحديد: 19﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ
الحجرات: 15﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
الحشر: 8﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     ولَمَّا ذُكِرَ اللهُ فَضْلُ المُتصدِّقينَ، وكان مِن المُؤمنينَ مَن لا مالَ له لِيَتصدَّقَ منه؛ أُعقِبَ ذِكر المُتصدِّقينَ ببَيانِ فضْلِ المؤمنينَ مُطلقًا، وهو شاملٌ لِمَن يَستطيعُ أنْ يَتصدَّقَ ومَن لا يَستطيعُ، قال تعالى:وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ولَمَّا ذكَرَ سُبحانَه حالَ المُؤمِنينَ؛ أتْبَعَه بذِكرِ حالِ الكافِرينَ، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [20] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ..

التفسير :

[20] اعلموا -أيها الناس- أنما الحياة الدنيا لعب ولهو، تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب، وزينة تتزينون بها، وتفاخر بينكم بمتاعها، وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد، مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته، ثم يهيج هذا النبات فييبس، فتراه مصفرّاً بعد خضرته، ث

يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه، ويبين غايتها وغاية أهلها، بأنها لعب ولهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب، والغفلة عن ذكر اللهوعما أمامهم من الوعد والوعيد، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله، ومعرفته ومحبته، وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله، من النفع القاصر والمتعدي.

[وقوله:]{ وَزِينَةً} أي:تزين في اللباس والطعام والشراب، والمراكب والدور والقصور والجاه. [وغير ذلك]{ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} أي:كل واحد من أهلها يريد مفاخرة الآخر، وأن يكون هو الغالب في أمورها، والذي له الشهرة في أحوالها،{ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} أي:كل يريد أن يكون هو الكاثر لغيره في المال والولد، وهذا مصداقه، وقوعه من محبي الدنيا والمطمئنين إليها.

بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها، فجعلها معبرا ولم يجعلها مستقرا، فنافس فيما يقربه إلى الله، واتخذ الوسائل التي توصله إلى اللهوإذا رأى من يكاثره وينافسه بالأموال والأولاد، نافسه بالأعمال الصالحة.

ثم ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الأرض، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، وأعجب نباته الكفار، الذين قصروا همهم ونظرهم إلى الدنياجاءها من أمر الله [ما أتلفها] فهاجت ويبست، فعادت على حالها الأولى، كأنه لم ينبت فيها خضراء، ولا رؤي لها مرأى أنيق، كذلك الدنيا، بينما هي زاهية لصاحبها زاهرة، مهما أراد من مطالبها حصل، ومهما توجه لأمر من أمورها وجد أبوابه مفتحة، إذ أصابها القدر بما أذهبهامن يده، وأزال تسلطه عليها، أو ذهب به عنها، فرحل منها صفر اليدين، لم يتزود منها سوى الكفن، فتبا لمن أضحت هي غاية أمنيته ولها عمله وسعيه.

وأما العمل للآخرة فهو الذي ينفع، ويدخر لصاحبه، ويصحب العبد على الأبد، ولهذا قال تعالى:{ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} أي:حال الآخرة، ما يخلو من هذين الأمرين:إما العذاب الشديد في نار جهنم، وأغلالها وسلاسلها وأهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته ومنتهى مطلبه، فتجرأ على معاصي الله، وكذب بآيات الله، وكفر بأنعم الله.

وإما مغفرة من الله للسيئات، وإزالة للعقوبات، ورضوان من الله، يحل من أحلهبه دار الرضوان لمن عرف الدنيا، وسعى للآخرة سعيها.

فهذا كله مما يدعو إلى الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، ولهذا قال:{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} أي:إلا متاع يتمتع به وينتفع به، ويستدفع به الحاجات، لا يغتر به ويطمئن إليه إلا أهل العقول الضعيفة الذين يغرهم بالله الغرور.

أى: اعْلَمُوا- أيها المؤمنون علم استجابة وامتثال لما آمركم به- أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا التي تعيشون فيها ما شاء الله لكم أن تعيشوا.. لَعِبٌ واللعب: هو قضاء الوقت في قول أو فعل لا فائدة من ورائه.

وَلَهْوٌ واللهو: اسم لفعل أو قول يقصد من ورائه التلذذ والتمتع، وصرف الآلام والهموم عن النفس.

وَزِينَةٌ الزينة اسم لما يتزين به الإنسان من ملبس أو مسكن أو ما يشبههما مما يفعله من أجل أن يكون في أعين الناس مهيبا جميلا.

وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ أى: وتفاخر فيما بينكم بالأموال والمناصب والأحساب والأعمال..

وتكاثر في الأموال والأولاد، والتكاثر تفاعل من الكثرة- كما أن التفاخر تفاعل من الفخر- وصيغة التفاعل جيء بها هنا، للمبالغة في إظهار ما يتفاخرون به، وما يتكاثرون فيه، حتى لكأنه ينافس غيره في ذلك ويريد الظهور عليه.

والحرص على التفاخر والتكاثر في الأموال والأولاد، من طبيعة كثير من الناس، كما قال- تعالى-: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ.

ثم بين- سبحانه- حال الحياة الدنيا، التي يلعب الناس فيها، ويلهون ويتفاخرون.

ويتكاثرون.

فقال: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ.

أى: هذه الحياة الدنيا حالها وصفتها ومثلها كمثل مطر أعجب الكفار وراقهم وسرهم، ما ترتب على هذا المطر، من نبات جميل نبت من الأرض بعد هطول الغيث عليها.

فقوله- تعالى-: كَمَثَلِ خبر لمبتدأ محذوف، أى: مثلها كمثل مطر.

والمراد بالكفار هنا: الجاحدون لنعم الله- تعالى- الساترون لها، وخصوا بالذكر، لأنهم أشد إعجابا وسرورا وانغماسا في زينة الحياة الدنيا من غيرهم.

وروى عن عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- أن المراد بالكفار هنا: الزراع الذين يزرعون الأرض بعد نزول المطر عليها، ويبذرون فيها البذور سموا كفارا من الكفر بمعنى الستر والإخفاء، يقال: كفر الزارع بذره أو زرعه إذا أخفاه في الأرض، حتى لا يتعرض للتلف أو الضياع.

وقوله- سبحانه-: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً.

والهيجان: الاضطراب والثوران، ومنه سميت الحرب بالهيجاء، لأن فيها يضطرب المقاتلون، ويثور بعضهم على بعض.

ويرى بعضهم أن معنى يَهِيجُ هنا: ييبس ويجف.

وعطف- سبحانه- جملة يَهِيجُ بحرف ثُمَّ لإفادة التراخي الرتبى، إذ أن وصول النبات إلى درجة من الهيجان وبلوغ منتهاه، لا يتأتى إلا بعد زمن طويل من بدء زراعته.

ولم يرتض بعض المحققين هذا المعنى فقال: تفسير يَهِيجُ بييبس فيه تسامح، فإن حقيقته أن يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له. أى: من الطول والغلظ .

أى: ثم يتحرك هذا النبات الذي أعجب الكفار إلى أقصى ما يتأتى له من طول وقوة، ثم يبدأ في الضعف، فتراه- أيها الناظر إليه- نباتا مصفرا متغيرا عما كان عليه من النضرة، آخذا في الذبول وفي التهيؤ للحصاد، ثم يكون بعد ذلك حطاما، أى: نباتا محطما مكسرا.

والمقصود بقوله- تعالى- كَمَثَلِ غَيْثٍ.. إلخ التقرير والتأكيد لما وصفت به الدنيا من كونها لعبا ولهوا وزينة.

وتشبيهها في سرعة زوالها، وانقضاء نعيمها، وقلة فائدتها.. بحال نبات ظهر على الأرض بعد هطول المطر عليها، واستمر في ظهوره وجماله ونضرته وهيجانه، لفترة مّا من الحياة، أعجب خلالها الكفار به، ثم حل بهذا النبات اليانع الاصفرار والاضمحلال حتى صار حطاما مفتتا تذروه الرياح.

والمقصود بهذا التشبيه، زجر الناس عن الركون إلى الحياة الدنيا ركونا ينسون معه فرائض الله- تعالى- وتكاليفه التي كلفهم بها- سبحانه-.

وعطف- سبحانه-: فَتَراهُ مُصْفَرًّا بالفاء للإشعار بقصر المسافة، مهما طالت في عرف الناس- بين نضرة الزرع واستوائه، وبين اصفراره ونهايته.

قال صاحب الكشاف- رحمه الله-: أراد- سبحانه- أن الدنيا ليست إلا محقرات من الأمور، وهي اللعب واللهو ... وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام.

وشبه حال الدنيا بسرعة تقضّيها، مع قلة جدواها، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتمل، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله، فيما رزقهم من الغيث، والنبات.. فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان عظم الآخرة، وهوان الدنيا فقال: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ أى: لمن كفر بالله- تعالى- وفسق عن أمره.

وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ أى: لمن آمن بالله- تعالى- واتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحافظ على أداء ما كلف به بإخلاص وحسن اقتداء.

وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أى: وما أحوال الحياة الدنيا وما اشتملت عليه من شهوات، إلا متاع زائل، لا يقدم عليه، ولا يتشبع به إلا من خدع بزخرفه، واغتر بمظهره.

فالمراد بالغرور: الخديعة، مصدر غره. أى: خدعه وأطمعه بالباطل.

قول تعالى موهنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها : ( أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ) أي : إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا ، كما قال : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) [ آل عمران : 14 ]

ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال : ( كمثل غيث ) وهو : المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس ، كما قال : ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته ) [ الشورى : 28 ]

وقوله : ( أعجب الكفار نباته ) أي : يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث ; وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار ، فإنهم أحرص شيء عليها ، وأميل الناس إليها ، ( ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ) أي : يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرا بعد ما كان خضرا نضرا ، ثم يكون بعد ذلك كله حطاما ، أي : يصير يبسا متحطما ، هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة ، ثم تكتهل ، ثم تكون عجوزا شوهاء ، والإنسان كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريا لين الأعطاف ، بهي المنظر ، ثم إنه يشرع في الكهولة ، فتتغير طباعه وينفد بعض قواه ، ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ، ضعيف القوى ، قليل الحركة ، يعجزه الشيء اليسير ، كما قال تعالى : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) [ الروم : 54 ] . ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة ، وأن الآخرة كائنة لا محالة ، حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير ، فقال : ( وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) أي : وليس في الآخرة الآتية القريبة إلا إما هذا وإما هذا : إما عذاب شديد ، وإما مغفرة من الله ورضوان .

وقوله : ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) أي : هي متاع فان غار لمن ركن إليه فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أنه لا دار سواها ولا معاد وراءها ، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى الدار الآخرة .

قال ابن جرير : حدثنا علي ابن حرب الموصلي ، حدثنا المحاربي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها . اقرءوا : ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )

وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، ووكيع ، كلاهما عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك " .

انفرد بإخراجه البخاري في " الرقاق " ، من حديث الثوري ، عن الأعمش به

ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان ، وإذا كان الأمر كذلك ; فلهذا حثه الله على المبادرة إلى الخيرات ، من فعل الطاعات ، وترك المحرمات ، التي تكفر عنه الذنوب والزلات ، وتحصل له الثواب والدرجات

يقول تعالى ذكره: اعلموا أيها الناس إن متاع الحياة الدنيا المعجلة لكم، ما هي إلا لعب ولهو تتفكَّهون به، وزينة تتزيَّنون بها، وتفاخر بينكم، يفخر بعضكم على بعض بما أولى فيها من رياشها.(وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ ). يقول تعالى ذكره: ويباهي بعضكم بعضا بكثرة الأموال والأولاد (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ ) يقول تعالى ذكره: ثم ييبس ذلك النبات.(فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ) بعد أن كان أخضرَ نضرا.

وقوله: (ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ) يقول تعالى ذكره: ثم يكون ذلك النبات حطاما، يعني به: أنه يكون نبتا يابسا متهشما.(وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) يقول تعالى ذكره: وفي الآخرة عذاب شديد للكفار.(وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ) لأهل الإيمان بالله ورسوله.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) ... الآية، يقول: صار الناس إلى هذين الحرفين في الآخرة.

وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: (وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ) ذكر ما في الدنيا، وأنه على ما وصف، وأما الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنة .قال: والواو فيه وأَوْ بمنـزلة واحدة.

وقوله: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) يقول تعالى ذكره: وما زينة الحياة الدنيا المعجلة لكم أيها الناس، إلا متاع الغرور.

حدثنا عليّ بن حرب الموصلي، قال: ثنا المحاربيّ: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال، قال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةٍ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَما فيها ".

التدبر :

عمل
[20] ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ لا تكدر خاطرك، ولا تتعب نفسك بهمومها، فالدنيا كاسمها، فلا تنزل لمستواها وحلِّق بهمتك لما هو أعلى منها.
وقفة
[20] ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ﴾ ما أكثر أن تبهر الزينة العيون والنفوس! ولكن من تبصر بحقيقتها ومآلها أدرك أنها أشبه بسراب، فآثِر عليها الآخرة والآجل الباقي.
وقفة
[20] ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ﴾ حين يتفكر المرء بالآخرة يزهد بالدنيا وزخارفها ومتعها الزائفة، وينشط للفوز برضوان الله تعالى، فذلك الفوز الحقيقي والمتعة الحقيقية.
تفاعل
[20] ادع الله تعالى أن يرزقك الزهد في الدنيا ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾.
وقفة
[20] العاقل إذا قرأ القرآن وتبصر عرف قيمة الدنيا، وأنها ليست بشيء، وأنها مزرعة للآخرة، فانظر ماذا زرعْتَ فيها لآخرتك؟ إن كنت زرعت خيرًا فأبشر بالحصاد الذي يرضيك، وإن كان الأمر بالعكس فقد خسرت الدنيا والآخرة.
وقفة
[20] ﴿كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ﴾ هكذا الكافر والمنافق يعجبه المنظر الخارجى ولا يلتفت للجوهر.
وقفة
[20] ﴿كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ﴾ سمى الزراع بالكفار؛ لأنه يستر الأرض بالبذور.
وقفة
[20] ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ الكُفَّار هنا الزُّرَّاع الذين يزرعون الأرض، ويبذرون فيها البذور، وسُمُّوا كفارًا من الكفر بمعنى الستر والإخفاء؛ لأنهم يخفون البذور في الأرض.
وقفة
[20] ﴿ثُمَّ يَكونُ حُطامًا﴾ سنة إلهية، وهكذا خاتمة كل متكبر عاص كافر.
وقفة
[20] ﴿وفي الآخرة عذاب شديد﴾ الوعيد والترهيب أكثر أثرًا من الوعد والترغيب في حال الترف والرخاء؛ ولذلك قدم بعد ذكر أوصاف الدنيا.
تفاعل
[20] ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[20] ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ﴾ أي حال الآخرة ما يخلو من هذين الأمرين: إما العذاب الشديد في نار جهنم، وإما مغفرة من الله للسيئات وإزالة للعقوبات، ورضوان من الله يحل من أحله به دار الرضوان، فهذا كله مما يدعو إلى الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
وقفة
[20] تتخير الطاعة حينًا وتعرض كثيرًا وتحيا بمنطقة رمادية أنت صنعتها فأين مثيلتها بالآخرة ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
تفاعل
[20] ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ﴾ ادعُ الله الآن أن يغفر لك.
وقفة
[20] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ قال سعيد بن جبير: «متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه».
وقفة
[20] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ قال القشيري: «الدنيا حقيرة، وأحقر منها قدرًا طالبها، وأقلُّ منه خطرًا المزاحم فيها، فما هي إلا جيفة، وطالب الجيفة ليس له خطر، وأخسُّ أهل الدنيا من بخل بها، وهذه الدنيا المذمومة هي التي تشغل العبد عن الآخرة».
وقفة
[20] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ آية لخَّصت لنا حقيقة الدنيا.
وقفة
[20] من أيقن حقيقة ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ عاش ساميَ الأهداف، راقي الأخلاق، وكريم السجايا.
وقفة
[20] تتجلى عناية الله بك حين يريك الأشياء على حقيقتها، قبل أن يخدعك بريقها ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
وقفة
[20] ﴿ولا يغرنكم بالله الغَرور﴾ [فاطر: 5]، ﴿وما الحياة الدنيا إلا متاع الغُرور﴾ (الغَرور) بفتح الغين هو الشيطان ألا ترى بعد الآية: ﴿إن الشيطان لكم عدو﴾ [فاطر: 6]، وبضم الغين هي الدنيا بزخرفها وزينتها وملذاتها كما في الآية الآنفة.
وقفة
[20، 21] لا يزول حب الدنيا والتعلق بها إلا بالمسابقة إلى الآخرة حيث أتبع قوله: ﴿وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ بـ: ﴿سابقوا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ:
  • اعلموا: اعربت في الآية الكريمة السابعة عشرة وما بعدها اعرب في الآية الكريمة السادسة والثلاثين من سورة «محمد» اي هي لعب.
  • ﴿ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «لعب» مرفوعتان مثلها بالضمة. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بتفاخر وهو مضاف والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور اي تفاخر بالانساب بينكم.
  • ﴿ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ:
  • معطوفة بالواو على «لعب» مرفوعة مثلها بالضمة. في الاموال: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من تكاثر. والاولاد: معطوفة بالواو على «الاموال» وتعرب مثلها.
  • ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» للتشبيه مبني على الفتح في محل رفع -نعت-لتفاخر او تكون خبرا ثانيا للحياة. غيث: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى مثل مطر نزل من السماء فأحيا الارض.
  • ﴿ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ:
  • الجملة الفعلية في محل جر صفة-نعت-لغيث. اعجب: فعل ماض مبني على الفتح. الكفار: مفعول به مقدم منصوب بالفتحة. نباته: فاعل مرفوع بالضمة. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً:
  • اعربت في الآية الكريمة الحادية والعشرين من سورة «الزمر» و «حطاما» خبر «يكون» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ:
  • الواو استئنافية. في الآخرة: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ:
  • صفة-نعت-لعذاب مرفوعة بالضمة. ومغفرة: معطوفة بالواو على «عذاب» مرفوعة بالضمة.
  • ﴿ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بمغفرة او بصفة محذوفة لها. ورضوان: معطوفة بالواو على «مغفرة» مرفوعة مثلها بالضمة اي وفي الدار الآخرة عذاب شديد لمن كفر ورضوان لمن آمن.
  • ﴿ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ:
  • اعربت في سورة «آل عمران» في الآية الكريمة الخامسة والثمانين بعد المائة.'

المتشابهات :

الزمر: 21﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
الحديد: 20﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     وبعد أن ذكَرَ اللهُ حالَ المُؤمِنينَ، ثم حالَ الكافِرينَ؛ بَيَّنَ هنا حقيقةَ الحياة الدنيا التى ركن إليها الكافرون واطمأنوا بها؛ داعيًا المؤمنين إلى أن تكون هممهم متجهة نحو الآخرة، عن طريق التسلح بالأعمال الصالحة، قال تعالى:اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ولَمَّا قَرَّرَ سُبحانَه أنَّها ظِلٌّ زائِلٌ، وعَرَضٌ هائِلٌ، وكان بعضُ النَّاسِ يَتنَبَّهُ فيَشكُرُ، وبعضُهم يَعمَى فيَكفُرُ، وكان القِسمُ الثَّاني أكثَرَ؛ لأنَّ وُجودَها وإقبالَها يُعمِي أكثَرَ القُلوبِ عن حقارتِها؛ ضربَ لذلك مثلًا مُقَرِّرًا لِما مضَى من وَصْفِها؛ لأنَّ للأمثالِ في تقريرِ الأشياءِ وتَصويرِها ما ليس لغَيرِها، قال تعالى:كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ولَمَّا كان هذا المثَلُ دالًّا على زَوالِ الدُّنيا وانقِضائِها وفراغِها لا محالةَ، وأنَّ الآخِرةَ كائِنةٌ لا محالةَ؛ حَذَّر مِن أمْرِها، ورَغَّب فيما فيها مِن الخَيرِ، قال تعالى:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وتفاخر:
1- بالتنوين، ونصب «بينكم» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالإضافة، وهى قراءة السلمى.
مصفرا:
وقرئ:
مصفارا.

مدارسة الآية : [21] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ..

التفسير :

[21] سابقوا -أيها الناس- في السعي إلى أسباب المغفرة من التوبة النصوح والابتعاد عن المعاصي؛ لِتُجْزَوْا مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، وهي مُعَدَّة للذين وحَّدوا الله واتَّبَعوا رسله، ذلك فضل الله الذي يؤتيه مَن يشاء مِن خلقه، فالجنة لا تُنال

ثم أمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة، من التوبة النصوح، والاستغفار النافع، والبعد عن الذنوب ومظانها، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على ما يرضي الله على الدوام، من الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع، ولهذا ذكر الله الأعمال الموجبة لذلك، فقال:{ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} والإيمان بالله ورسلهيدخل فيه أصول الدين وفروعها،{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} أي:هذا الذي بيناه لكم، وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة إلى الجنة، والطرق الموصلة إلى النار، وأن فضل الله بالثواب الجزيل والأجر العظيممن أعظم منته على عباده وفضله.{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الذي لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده

ثم أمرهم- سبحانه- بالمسارعة الى ما يسعدهم، بعد أن بين لهم حال الحياة الدنيا فقال: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.

وقوله- تعالى- سابِقُوا من المسابقة وهي محاولة أن يسبق الإنسان غيره.

ومِنْ في قوله مِنْ رَبِّكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور صفة المغفرة.

أى: سارعوا- أيها المؤمنون- مسارعة السابقين لغيرهم، إلى مغفرة عظيمة كائنة من ربكم.

فالتعبير بقوله: سابِقُوا لإلهاب الحماس وحض النفوس إلى الاستجابة لما أمروا به، حتى لكأنهم في حالة مسابقة يحرص كل قرين فيها إلى أن يسبق قرينه.

وقوله: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ... معطوف على المغفرة. أى:

سابقوا غيركم- أيها المؤمنون- إلى مغفرة عظيمة من ربكم، وإلى جنة كريمة هذه الجنة عرضها وسعتها ورحابتها.. كسعة السماء والأرض.

وهذه الجنة قد أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ إيمانا حقا، جعلهم لا يقصرون في أداء واجب من الواجبات التي كلفهم- سبحانه- بها.

قال الإمام الفخر الرازي ما ملخصه: في كون الجنة عرضها كعرض السماء والأرض وجوه:.

منها: أن المراد لو جعلت السموات والأرضون طبقا طبقا ... لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله- تعالى-.

ومنها: أن المقصود المبالغة في الوصف بالسعة للجنة، وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما .

وخص- سبحانه- العرض بالذكر، ليكون أبلغ في الدلالة على عظمها، واتساع طولها، لأنه إذا كان عرضها كهذا، فإن العقل يذهب كل مذهب في تصور طولها، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض.

قال الإمام ابن كثير: وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل- ملك الروم- كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار» .

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يعود إلى الذي وعد الله- تعالى- به عباده المؤمنين من المغفرة والجنة.

أى: ذلك العطاء الجزيل فضل الله- تعالى- وحده وهو صاحب الفضل العظيم لا يعلم مقداره إلا هو- عز وجل-.

فأنت ترى أن الله- تعالى- بعد أن بين حال الحياة الدنيا. دعا المؤمنين إلى المسابقة إلى العمل الصالح، الذي يوصلهم الى ما هو أكرم وأبقى ... وهو الجنة.

وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ... .

ثم بين- سبحانه- أن كل شيء في هذه الحياة، خاضع لقضاء الله- تعالى- وقدره، وأن على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء، صابرا عند البلاء ... فقال- تعالى-:

فقال تعالى : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) والمراد جنس السماء والأرض ، كما قال في الآية الأخرى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) [ آل عمران : 133 ] . وقال ها هنا : ( أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) أي : هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم ، كما قدمنا في الصحيح : أن فقراء المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم . قال : " وما ذاك ؟ " . قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق . قال : " أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم : تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين " . قال : فرجعوا فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ، ففعلوا مثله ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء "

يقول تعالى ذكره: (سَابِقُوا ) أيها الناس (إِلَى ) عمل يوجب لكم (مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أُعِدَّتْ ) هذه الجنة (لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ )، يعني: الذين وحدَّوا الله، وصدّقوا رسله.

وقوله: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول جلّ ثناؤه: هذه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض، التي أعدّها الله للذين آمنوا بالله ورسله، فضل الله تفضل به على المؤمنين، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه، وهو ذو الفضل العظيم عليهم، بما بسط لهم من الرزق في الدنيا، ووهب لهم من النِّعم، وعرّفهم موضع الشكر، ثم جزاهم في الآخرة على الطاعة ما وصف أنه أعدّه لهم.

التدبر :

عمل
[21] ﴿سَابِقُوا﴾، ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 61] من دﻻئل اﻵية: سابق ولو لم تسرع؛ المهم أﻻ ترجع للوراء.
وقفة
[21] في طلب الرزق قال الله: ﴿فَامْشُوا﴾، وفي الذهاب للصلاة: ﴿فَاسْعَوْا﴾، وفي طلب الجنة: ﴿سَابِقُوا﴾، وفي تحقيق التوحيد: ﴿فَفِرُّوا﴾؛ فبقدر الهدف يعظم المسير.
عمل
[21] تَعَلَّم، استفِد، تطوَّر، أبدِع، فالقُرآنُ يقول: ﴿سَابِقُوا﴾ ، ﴿وَسَارِعُوا﴾ [آل عمران: 133]، ﴿فَلْيَعْمَلِ﴾ [الصافات: 61]، ﴿فَلْيَتَنَافَسِ﴾ [المطففين: 26].
وقفة
[21] لما كانت الدعوة لطلب رزق الآخرة قال: ﴿سَابِقُوا﴾، ﴿وَسَارِعُوا﴾ [آل عمران: 133]، ولما كانت الدعوة لطلب رزق الدنيا قال: ﴿فَامْشُوا﴾، هل رأيت الفرق؟!
عمل
[21] الإسلام يربي على المبادرة، ففي القرآن ﴿سَابِقُوا﴾، ﴿وَسَارِعُوا﴾ [آل عمران: 133]، وفي الحديث: «الصَّلاَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» [أبو داود 426، وصححه الألباني]، «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ» [أحمد 1/214، وحسنه الألباني]، «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ» [مسلم 2947]؛ فكن مبادرًا.
وقفة
[21] ربُّك يريد لك الجنة: إذا غفلت قال: ﴿اتَّقُوا﴾ [البقرة: 278]، وإذا تكاسلت قال: ﴿سَابِقُوا﴾، وإذا مرضت قال: ﴿وَاصْبِرُوا﴾ [الأنفال: 46]، وإذا غنيت قال: ﴿وَأَنفِقُواْ﴾ [البقرة: 195]، وإذا قويت قال: ﴿وَجَاهَدُوا﴾ [المائدة: 35].
وقفة
[21] في آل عمران: ﴿وَسَارِعُوا﴾ [آل عمران: 133]، وفي الحديد: ﴿سابقوا﴾؛ فأين الذين يسارعون إلى الخيرات؟ وأين الذين دخلوا الميدان لا يرضون بأن يكونوا في الأخير؟ بل هم حريصون على السبق، وبهذا يتحقق التدبُّر العملي للآيتين.
عمل
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ سارع اليوم في جميع الصلوات لتكون في الصف الأول خلف الإمام.
وقفة
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ السباق قبل أن يكون بالأعمال يكون بصفاء الباطن، وصدق الإيمان، وسلامة النية.
وقفة
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ الزهد في الدنيا وما فيها من شهوات، والترغيب في الآخرة وما فيها من نعيم دائم يُعينان على سلوك الصراط المستقيم.
عمل
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ قد تشغلك الدنيا بزينتها عن التقرب إلى الله، فلا تنغمس في هذا البعد أكثر وارجع للسباق.
وقفة
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ [آل عمران: 133]، سارع وسابق إلى الله، وإن صعب عليك فهرول، وإن تعبت فامشي، فإن لم تستطع فسر ولو حبوًا، الغاية ألَّا تتوقف إلي الله.
عمل
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ كل نعيم يتقلب فيه الناس فإن الفضل فيه لله وحده, فدع عنك الحسد, وسل الله أن يؤتيك مثل ما آتاهم.
عمل
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ السباق إلي المغفرة يقتضي السباق إلي الاستغفار والتوبة, فسارعوا إليهما قبل أن يباغتكم الأجل.
وقفة
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ أيها الناس لتكن مفاخرتكم ومكاثرتكم في الخيرات، مسارعين إلى إرضاء الله تعالى، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
اسقاط
[21] ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ عجبًا لمن ينشط ويجتهد في سباقات الدنيا؛ طمعًا في عرض زائل، ثم إذا جد الجد أبطأ وتقاعس في سباق الآخرة.
وقفة
[21] يا لخسارة من لا يجد له مكانًا في جنة عرضها كعرض السماء والأرض! ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾.
وقفة
[21] تأملوا: المسابقة يجب أن تكون إلى ماذا؟ ﴿سابِقوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السَّماءِ وَالأَرضِ﴾
وقفة
[21] ﴿سابِقوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السَّماءِ وَالأَرضِ﴾ فإذا كان هذا عرضها، فكيف بطولها؟
عمل
[21] اعلم أن الجنة فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء من عباده ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
وقفة
[21] ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ سعة الجنة دليل على سعة الأعمال التي توصل لها؛ لا تضيق الأعمال الصالحة.
وقفة
[21] ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ المقصود المبالغة في وصف سعة الجنة، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض، فإذا كان عرض الجنة كهذا، فإن العقل سيذهب كل مذهب في تخيل طولها، ومن ثمّ سعتها.
تفاعل
[21] ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ سَل الله الجنة الآن.
وقفة
[21] ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ خسارة وأية خسارة! أن تكون الجنة بعرض السماء والأرض وليس لي مكان فيها.
وقفة
[21] ﴿أُعِدَّت لِلَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ فى مذهب أهل السنة والجماعة الجنة والنار معدتان سلفًا.
وقفة
[21] ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ الجنة تُنال برحمة الله وفضله، لا بسعي العبد وكدّه.
عمل
[21] ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ أطفئ نار الحسد في قلبك تجاه غيرك ببرد هذه الآية التي تثبت الفضل لله وحده.
تفاعل
[21] ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[21] قال مخلد بن الحسين: «ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم رحمه الله يذكر الله ويصلي، ثم أتعزى بهذه الآية: ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾».
وقفة
[21] ﴿وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ فضله أعظم من طموحاتنا وأحلامنا، وأكرم من دعائنا ومسألتنا، وأكبر من تصوارتنا، لا أحد يطيق وصف فضله.
وقفة
[21] ﴿وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ فكل خير ناله العباد في دينهم ودنياهم فهو من عنده سبحانه.

الإعراب :

  • ﴿ سابِقُوا:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بسابقوا. من ربكم: جار ومجرور متعلق بمغفرة او بصفة محذوفة لها والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُها:
  • معطوفة بالواو على «مغفرة» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. عرض: مبتدأ مرفوع بالضمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف اليه
  • ﴿ كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» للتشبيه مبني على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ وهو مضاف و «عرض» مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. السماء: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. والجملة الاسمية عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ» في محل جر صفة-نعت-لجنة. والارض: معطوفة بالواو على «السماء» وتعرب مثلها.
  • ﴿ أُعِدَّتْ:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب. وجملة «اعدت» في محل جر صفة ثانية لجنة او في محل نصب حال منها بعد وصفها فاختصت بالمعرفة.
  • ﴿ لِلَّذِينَ:
  • اللام حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأعدت.
  • ﴿ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ:
  • اعربت في الآية الكريمة التاسعة عشرة. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ واللام زائدة او للبعد والكاف للخطاب اي ذلك الموعود من المغفرة والجنة.
  • ﴿ فَضْلُ اللهِ:
  • خبر «ذلك» مرفوع بالضمة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من الفضل. يؤتي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به اول. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان. يشاء: تعرب إعراب «يؤتي» وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب والعائد -الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: من يشاؤه.
  • ﴿ وَاللهُ ذُو:
  • الواو عاطفة. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. ذو: خبر مرفوع بالواو لانه من الاسماء الخمسة وهو مضاف و فَضْلُ اللهِ» أي «عطاؤه».
  • ﴿ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ:
  • مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. العظيم: صفة-نعت-للفضل مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. و مَنْ يَشاءُ» هم «المؤمنون».'

المتشابهات :

آل عمران: 133﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
الحديد: 21﴿ سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     وبعد بيانِ حقيقةِ الدُّنيا؛ دعَا اللهُ هنا إلى المُسارعةِ في أمورِ الآخرةِ، قال تعالى:
﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [22] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ..

التفسير :

[22] ما أصابكم -أيها الناس- من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من الأمراض والجوع والأسقام إلا هو مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن تُخْلَق الخليقة. إن ذلك على الله تعالى يسير.

يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه وقدره:{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ} وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر،

وما في قوله- تعالى- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ نافية، ومِنْ مزيدة لتأكيد هذا النفي وإفادة عمومه. ومفعول «أصاب» محذوف. وقوله فِي الْأَرْضِ، إشارة إلى المصائب التي تقع فيها من فقر وقحط، وزلازل.

وقوله: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ للإشارة إلى ما يصيب الإنسان في ذاته، كالأمراض، والهموم.

والاستثناء في قوله- تعالى- إِلَّا فِي كِتابٍ من أعم الأحوال، والمراد بالكتاب:

اللوح المحفوظ، أو علمه- عز وجل- الشامل لكل شيء.

وقوله: نَبْرَأَها من البرء- بفتح الباء- بمعنى الخلق والإيجاد، والضمير فيه يعود إلى النفس، أو إلى الأرض، أو إلى جميع ما ذكره الله- تعالى- من خلق المصائب في الأرض والأنفس.

والمعنى: واعلموا- أيها المؤمنون علما يترتب عليه آثاره من العمل الصالح- أنه ما أصابكم أو ما أصاب أحدا مصيبة، هذه المصيبة كائنة في الأرض- كالقحط والزلازل- أو في أنفسكم- كالأسقام والأوجاع- إلا وهذه المصائب مسجلة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ... وهذا التسجيل كائن من قبل أن نخلق هذه الأنفس، وهذه المصائب.

وكرر- سبحانه- حرف النفي في قوله وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ للإيماء إلى أن المصائب التي تتعلق بذات الإنسان، يكون أشد تأثرا واهتماما بها، أكثر من غيرها.

واسم الإشارة في قوله: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعود إلى الكتابة في الكتاب.

أى: إن ذلك الذي أثبتناه في لوحنا المحفوظ وفي علمنا الشامل لكل شيء.. قبل أن نخلقكم، وقبل أن نخلق الأرض.. يسير وسهل علينا، لأن قدرتنا لا يعجزها شيء، وعلمنا لا يعزب عنه شيء.

فالآية الكريمة صريحة في بيان أن ما يقع في الأرض وفي الأنفس من مصائب- ومن غيرها من مسرات- مكتوب ومسجل عند الله- تعالى- قبل خلق الأرض والأنفس.

وخص- سبحانه- المصائب بالذكر، لأن الإنسان يضطرب لوقوعها اضطرابا شديدا، وكثيرا ما يكون إحساسه بها، وإدراكه لأثرها، أشد من إحساسه وإدراكه للمسرات.

ومن الآيات التي تشبه هذه الآية في معناها قوله- تعالى-: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا، هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .

يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ) أي : في الآفاق وفي نفوسكم ( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) أي : من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة .

وقال بعضهم : ( من قبل أن نبرأها ) عائد على النفوس . وقيل : عائد على المصيبة . والأحسن عوده على الخليقة والبرية ; لدلالة الكلام عليها ، كما قال ابن جرير :

حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن منصور بن عبد الرحمن قال : كنت جالسا مع الحسن ، فقال رجل : سله عن قوله : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) فسألته عنها ، فقال : سبحان الله ! ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ، ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة

وقال قتادة : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ) قال : هي السنون . يعني : الجدب ، ( ولا في أنفسكم ) يقول : الأوجاع والأمراض . قال : وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ، ولا خلجان عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر .

وهذه الآية الكريمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق - قبحهم الله - وقال الإمام أحمد :

حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، وابن لهيعة قالا حدثنا أبو هانئ الخولاني : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " .

ورواه مسلم في صحيحه ، من حديث عبد الله بن وهب ، وحيوة بن شريح ، ونافع بن يزيد ، وثلاثتهم عن أبي هانئ به . وزاد بن وهب : " وكان عرشه على الماء " . ورواه الترمذي وقال : حسن صحيح

وقوله : ( إن ذلك على الله يسير ) أي : أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها ، وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله ، عز وجل ; لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

يقول تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الأرض بجدوبها وقحوطها، وذهاب زرعها وفسادها، (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ ) بالأوصاب والأوجاع والأسقام، (إِلا فِي كِتَابٍ ) يعني: إلا في أمّ الكتاب، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) يقول: من قبل أن نبرأ الأنفس، يعني: من قبل أن نخلقها، يقال: قد برأ الله هذا الشيء، بمعنى: خلقه فهو بارئه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا )، قال: هو شيء قد فرغ منه من قبل أن نبرأ النفس.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ )، أما مصيبة الأرض: فالسنون. وأما في أنفسكم: فهذه الأمراض والأوصاب، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) : من قبل أن نخلقها.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ ) قال: هي السنون، (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ ) قال: الأوجاع والأمراض. قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خَدْش عود، ولا نَكْبة قدم، ولا خَلجَانُ عِرْقٍ إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن منصور بن عبد الرحمن، قال: كنت جالسا مع الحسن، فقال رجل: سله عن قوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا )، فسألته عنها، فقال: سبحان الله، ومن يشكّ في هذا؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن تبرأ النسمة.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) يقول: هو شيء قد فرغ منه، (من قبل أن نبرأها): من قبل أن نبرأ الأنفس.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قول الله جلّ ثناؤه (فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) قال: من قبل أن نخلقها، قال: المصائب والرزق والأشياء كلها مما تحبّ وتكره فرغ الله من ذلك كله، قبل أن يبرأ النفوس ويخلقها.

وقال آخرون: عُنِي بذلك: ما أصاب من مصيبة في دين ولا دنيا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) يقول: في الدين والدنيا(إلا في كتاب): من قبل أن نخلقها.

واختلف أهل العربية في معنى في التي بعد قوله " إلا "، فقال بعض نحويي البصرة: يريد والله أعلم بذلك: إلا هي في كتاب، فجاز فيه الإضمار. قال، ويقول: عندي هذا ليس إلا يريد إلا هو. وقال غيره منهم، قوله: (فِي كِتَابٍ ): من صلة ما أصاب، وليس إضمار هو بشيء، وقال: ليس قوله عندي هذا ليس إلا مثله، لأن إلا تكفي من الفعل، كأنه قال: ليس غيره.

وقوله: (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) يقول تعالى ذكره: إن خلق النفوس، وإحصاء ما هي لاقية من المصائب على الله سهل يسير.

التدبر :

وقفة
[22] ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ﴾ هي المصيبات تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضى.
وقفة
[22] ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ من يؤمن بأن ما أصابه من هم أو حزن أو ضيق بتدبير ربه؛ هدى قلبه للتسليم والراحة.
وقفة
[22] وجوب الإيمان بالقدر.
وقفة
[22] قال صَلى الله عَليه وسَلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ, فَقَالَ: اكْتُبْ, قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ القَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ» [الترمذي 2155، وصححه الألباني].
وقفة
[22] فيها الرد على القدرية.
عمل
[22] سبق قضاء الله بكل ما كان ويكون، فلا تذهب نفسك حسرة وكمدًا، بل أطفئ نار مواجعك ببرد اليقين، واخضع لأمر الله بالرضا والتسليم.
وقفة
[22] ﴿إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ﴾ لأنه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

الإعراب :

  • ﴿ ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ:
  • نافية لا عمل لها. أصاب: فعل ماض مبني على الفتح. من: حرف جر زائد لتوكيد معنى النفي و «مصيبة» اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لانه فاعل وذكر الفعل على معنى «المصاب».
  • ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة لمصيبة والواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد معنى النفي. في أنفس: جار ومجرور معطوف على فِي الْأَرْضِ» والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِلاّ فِي كِتابٍ:
  • حرف تحقيق بعد النفي. في كتاب: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة لمصيبة-بعد تعريفها-اي الا مكتوبة في اللوح.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها:
  • جار ومجرور متعلق بمكتوبة. ان: حرف مصدري ناصب. نبرأ: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. اي من قبل ان نخلق الانفس او المصائب. وجملة «نبرأها» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الإعراب و «ان» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة المعنى: ما اصابكم من مصيبة في الارض كجدب وحرب ولا في انفسكم كمرض وآفة الا معلوم لدينا او مكتوب في اللوح المحفوظ‍ من قبل ان نخلقها.
  • ﴿ إِنَّ ذلِكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب اسم «ان» اللام للبعد والكاف حرف خطاب اي ان تقدير ذلك واثباته في كتاب.
  • ﴿ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر «ان».يسير: خبر «ان» مرفوع بالضمة اي سهل وهين.'

المتشابهات :

الشورى: 30﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ
الحديد: 22﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا
التغابن: 11﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     ولَمَّا جرى ذِكرُ الجِهادِ آنِفًا، وجرى ذِكرُ الدُّنيا، وكان ذلك كُلُّه مِمَّا تَحدُثُ فيه المصائِبُ؛ مِن قَتلٍ وقَطعٍ وأسْرٍ في الجِهادِ، ومِن كوارِثَ تَعرِضُ في الحياةِ؛ مِن فَقْدٍ وألمٍ واحتياجٍ؛ أُتْبِع ذلك بتسليةِ المسلمينَ على ما يُصيبُهم، قال تعالى:
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [23] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ..

التفسير :

[23] لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما آتاكم فرحَ بطر وأشر. والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا فخور به على غيره.

فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، لا بد من نفوذه ووقوعه، فلا سبيل إلى دفعه، ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم، ولهذا قال:{ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي:متكبر فظ غليظ، معجب بنفسه، فخور بنعم الله، ينسبها إلى نفسه، وتطغيه وتلهيه، كما قال تبارك وتعالى:{ ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بل هي فتنة}

ثم بين- سبحانه- الحكم التي من أجلها فعل ذلك فقال: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ.

فاللام في قوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا.. متعلقة بمحذوف. وقوله: تَأْسَوْا من الأسى، وهو الحزن والضيق الشديد. يقال: أسى فلان على كذا- كفرح- فهو يأسى أسى، إذا حزن واغتم لما حدث، ومنه قوله- تعالى- حكاية عن شعيب- عليه السلام-: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ .

أى: فعلنا ما فعلنا من إثبات ما يصيبكم في كتاب من قبل خلقكم، وأخبرناكم بذلك، لكي لا تحزنوا على ما أصابكم من مصائب حزنا يؤدى بكم إلى الجزع، وإلى عدم الرضا بقضاء الله وقدره ولكي لا تفرحوا بما أعطاكم الله- تعالى- من نعم عظمى وكثيرة.. فرحا يؤدى بكم إلى الطغيان وإلى عدم استعمال نعم الله- تعالى- فيما خلقت له.. فإن من علم ذلك علما مصحوبا بالتدبر والاتعاظ ... هانت عليه المصائب، واطمأنت نفسه لما قضاه الله- تعالى- وكان عند الشدائد صبورا، وعند المسرات شكورا.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: يعنى: أنكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند الله، قلّ أساكم على الفائت، وفرحكم على الآتي، لأن من علم أن ما عنده مفقود لا محالة، لم يتفاقم جزعه عند فقده، لأنه وطن نفسه على ذلك، وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه، وأن وصوله لا يفوته بحال، لم يعظم فرحه عند نيله.

فإن قلت: فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها، أن لا يحزن ولا يفرح؟

قلت: المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله- تعالى- ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغى الملهى عن الشكر.

فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام، والسرور بنعمة الله، والاعتداد بها مع الشكر، فلا بأس بهما .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.

أى: والله- تعالى- لا يحب أحدا من شأنه الاختيال بما آتاه- سبحانه- من نعم دون أن يشكره- تعالى- عليها، ومن شأنه- أيضا- التفاخر والتباهي على الناس بما عنده من أموال وأولاد.. وإنما يحب الله- تعالى- من كان من عباده متواضعا حليما شاكرا لخالقه- عز وجل-.

فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد سكبتا في قلب المؤمن، كل معاني الثقة والرضا بقضاء الله في كل الأحوال.

وليس معنى ذلك عدم مباشرة الأسباب التي شرعها الله- تعالى- لأن ما سجله الله في كتابه علينا قبل أن يخلقنا، لا علم لنا به. وإنما علمه مرده إليه وحده- تعالى-.

وهو- سبحانه- لا يحاسبنا على ما نجهله، وإنما يحاسبنا على ما أمرنا به، أو نهانا عنه عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم.

وكما سجل- سبحانه- أحوالنا قبل أن يخلقنا، فقد شرع الأسباب وأمرنا بمباشرتها.

وبين لنا في كثير من آياته، أن جزاءنا من خير أو شر على حسب أعمالنا.

وعند ما قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: أفلا نتكل على ما قدره الله علينا؟

أجابهم بقوله: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» .

وقوله : ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي : أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها ، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تأسوا على ما فاتكم ، فإنه لو قدر شيء لكان ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي : جاءكم ، ويقرأ : " آتاكم " أي : أعطاكم . وكلاهما متلازمان ، أي : لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم ، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ، فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا ، تفخرون بها على الناس ; ولهذا قال : ( والله لا يحب كل مختال فخور ) أي : مختال في نفسه متكبر فخور ، أي : على غيره .

وقال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا .

يعني تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في أموالكم ولا في أنفسكم، إلا في كتاب قد كتب ذلك فيه، من قبل أن نخلق نفوسكم (لِكَيْلا تَأْسَوا ) يقول: لكيلا تحزنوا، (عَلَى مَا فَاتَكُمْ ) من الدنيا، فلم تدركوه منها، (وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) منها.

ومعنى قوله: (بِمَا آتَاكُمْ ) إذا مدّت الألف منها: بالذي أعطاكم منها ربكم وملَّككم وخوَّلكم؛ وإذا قُصرت الألف، فمعناها: بالذي جاءكم منها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فاتكم ) من الدنيا، (وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) منها.

حُدثت عن الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن قيس، عن سماك، عن عكرِمة، عن ابن عباس (لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فاتكم ) قال: الصبر عند المصيبة، والشكر عند النعمة.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك البكري، عن عكرمة، عن ابن عباس (لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فاتكم ) قال: ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا، ومن أصابه خير فجعله شكرا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ(لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم ) قال: لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما أتاكم منها.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (بِمَا آتَاكُمْ )، فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والكوفة (بِمَا آتَاكُمْ ) بمدّ الألف، وقرأه بعض قرّاء البصرة ( بِما أتاكُمْ ) بقصر الألف؛ وكأن من قرأ ذلك بقصر الألف اختار قراءته كذلك، إذ كان الذي قبله على ما فاتكم، ولم يكن على ما أفاتكم، فيردّ الفعل إلى الله، فألحق قوله: ( بِمَا أتاكُمْ ) به، ولم يردّه إلى أنه خبر عن الله.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيح معناهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت أختار مدّ الألف، لكثرة قارئي ذلك كذلك، وليس للذي اعتلّ به منه معتلو قارئيه بقصر الألف كبير معنى، لأن ما جعل من ذلك خبرا عن الله، وما صرف منه إلى الخبر عن غيره، فغير خارج جميعه عند سامعيه من أهل العلم أنه من فعل الله تعالى، فالفائت من الدنيا من فاته منها شيء، والمدرك منها ما أدرك عن تقدّم الله عزّ وجلّ وقضائه، وقد بين ذلك جلّ ثناؤه لمن عقل عنه بقوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ، فأخبر أن الفائت منها بإفاتته إياهم فاتهم، والمدرك منها بإعطائه إياهم أدركوا، وأن ذلك محفوظ لهم في كتاب من قبل أن يخلقهم.

وقوله: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) يقول: والله لا يحبّ كلّ متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس.

التدبر :

وقفة
[23] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ﴾ من فوائد الإيمان بالقدر: عدم الحزن على ما فات من حظوظ الدنيا.
عمل
[23] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ﴾ لا تتحسرْ على أمرٍ قد فقدتَه، وما يُدريكَ لعلَّك لو ملكتَه كانت حسرتُك أكبرُ.
وقفة
[23] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ﴾ كتب الله مقادير الخلائق لنحيا بنفوس هادئة.
وقفة
[23] ﴿لِكيلا تأْسَوا على ما فاتكُم﴾ أعظمُ ما يدفع الحزن والأسىٰ على فوائت الدنيا: تسليم القلب لاختيار الله الذي لم يجعلها من حظك، وقطْع الطمع في انتظار الخلَفِ من غيره؛ وحدهُ الله إذا نزل عوضه أنساك مرارة ما فقدت.
وقفة
[23] قال أحدهم: «يقع مني ندم كثير علي أشياء كثيرة وقعت في الماضي فتأتي هذه الآية: ﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ لتكون بلسمًا شافيًا لقلبي».
وقفة
[23] كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ﴾، ومع ذلك أجدك تأسى يا صديقي.
وقفة
[23] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ لنختبر قوة إيماننا عند المحن والمنح بهذا الميزان العظيم! أسىً وفرحًا!
وقفة
[23] كلمة (لَوْ) ليست في قاموس المؤمن.
وقفة
[23] قاعدة ربانية في الزهد في الدنيا والتعلق بالآخرة لتحقيق طمأنينة القلب وفرح الروح والرضا بالقضاء.
وقفة
[23] يا ابن آدم، مالك تأسف على مفقود ﻻ يرده إليك الفوت، وما لك تفرح بموجود ﻻ يتركه في يدك الموت.
وقفة
[23] قال عكرمة: «ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا».
وقفة
[23] الحزن والفرح شعوران فطريان، لاحرج فيهما ما لم يطغيا، ويتجاوزا حد الرضا بأمر الله وحكمه.
وقفة
[23] عوادي الدهر ومصائبه، إن لم تكن دروسًا تحطم استكبار العبد وتعاليه، عادت وبالًا عليه.
وقفة
[23] ﴿لكيلا تأسو على ما فاتكم﴾ لا تحزن على ما فات فهو بقدر الله، ﴿ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ ولا تغتر بما آتاك الله فهو بفضل الله.
وقفة
[23] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ فإن قيل: إن الإنسان لا يملك نفسه عن أن يفرح بالخير ويحزن للشر، فالجواب: أن النهي إنما هو عن الفرح الذي يقود إلى الكِبر والطغيان، وعن الحُزن الذي يُخرِج عن الصبر والتسليم.
وقفة
[23] الزهد المشروع هو ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة، وثقة القلب بما عند الله، الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يدي الله، وأن تكون في ثواب المعصية إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾.
وقفة
[23] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أي بينا لكم أن الأشياء مقدرة مكتوبة قبل وجود الخلق، وأن ما كتب واقع لا محالة؛ لأجل ألا تحزنوا على شيء فاتكم؛ لأن فواته لكم مقدر، وما لا طمع فيه قل الأسى عليه، ولا تفرحوا بما آتاكم؛ لأنكم إذا علمتم أن ما كتب لكم من الرزق والخير لا بد أن يأتيكم قل فرحكم به.
وقفة
[23] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ فإن قيل: إن الإنسان لا يملك نفسه أن يفرح بالخير ويحزن للشر كما قال أبو بكر الصديق t لما أُتي بمال كثير: «اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا»، فالجواب: أن النهي عن الفرح إنما هو عن الذي يقود إلى الكبر والطغيان، وعن الحزن الذي يخرج عن الصبر والتسليم.
وقفة
[23] ﴿وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ في كل لحظة نفتخر فيها بإنجازاتنا نفقد حظًّا من محبة ربنا.
وقفة
[23] ﴿وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ من أبغضه الله لاختياله وغروره؛ كرهه الناس وأبغضوه وتجنبوا مخالطته وعشرته.
عمل
[23] كن متواضعًا قريبًا سهلًا؛ فالله تعالى لا يحب المتكبر الفخور ﴿وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.
تفاعل
[23] ﴿مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[23، 24] ﴿وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ يعم البخل كل ما ينفع في الدين والدنيا؛ من مال، وعلم، وغير ذلك؛ فالبخيل بالعلم: الذي يمنعه، والمختال إما يختال فلا يطلبه، وإما يختال على بعض الناس فلا يبذله، وهذا كثيرًا ما يقع، وضده التواضع في طلبه، والكرم ببذله.
وقفة
[23، 24] ﴿وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ من أظهر آثار الاختيال المذمومة؛ البخل والإمساك عن الإنفاق في سبيل الله.

الإعراب :

  • ﴿ لِكَيْلا تَأْسَوْا:
  • اللام حرف جر. كي: حرف مصدري ناصب بمنزلة أن. تأسوا: فعل مضارع منصوب بكي وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. و «لا» نافية لا عمل لها. وجملة «تأسوا» صلة «كي» لا محل لها من الإعراب. و «كي» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بفعل مضمر على المعنى اي نقول لكم ان كل ما اصابكم مكتوب عند الله معلوم لكي لا تأسوا اي حتى لا تحزنوا بمعنى: انكم اذا علمتم ذلك قل اساكم. وثمة خلاف بين علماء اللغة حول «كي» وحول ما اذا كانت ناصبة او حرف جر بغض النظر عن اللام فالزمخشري يرى ان حرف الجر لا يدخل على مثله وعلى هذا عدها حرفا ناصبا بنفسه دون اضمار «أن» بعده. ويراها سيبويه ناصبة اذا سبقت باللام وتكون حرف جر عند تجريدها من اللام بل تكون بمعنى اللام. ويرى الخليل والاخفش ان «أن» مضمرة بعدها و «كي» جارة فقط‍. ويرى الخليل أن «أن» وحدها ناصبة. ويرى الكوفيون ان «كي» ناصبة بنفسها. وقيل: ان «كي» بمعنى «اللام» اذا لم تدخل عليها اللام اما اذا دخلت عليها اللام فهي حرف نصب للفعل.
  • ﴿ عَلى ما فاتَكُمْ:
  • حرف ما: جر اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بتأسوا. فات: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «فاتكم» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ:
  • معطوفة بالواو على «لا تأسوا على ما فاتكم» وتعرب إعرابها وعلامة بناء الفعل «آتى» الفتحة المقدرة على الالف للتعذر بمعنى على الفائت من نعيم الدنيا والآتي منها.
  • ﴿ وَاللهُ لا يُحِبُّ:
  • الواو استئنافية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: نافية لا عمل لها. يحب: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
  • ﴿ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. مختال: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. فخور: صفة-نعت- لمختال مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. وجملة لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ» في محل رفع خبر المبتدأ. اي كل معجب بنفسه او كل من يمشي متكبرا.'

المتشابهات :

آل عمران: 153﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
الحديد: 23﴿ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ أنه ما أصابَ النَّاس من مصيبة في الأرض ولا في أنفسهم إلا هو مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن تُخْلَق الخليقة؛ بَيَّنَ هنا الحكمةَ في إعلامنا بذلك، قال تعالى:
﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [24] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ..

التفسير :

[24]هؤلاء المتكبرون هم الذين يبخلون بمالهم، ولا ينفقونه في سبيل الله، ويأمرون الناس بالبخل بتحسينه لهم. ومن يتولَّ عن طاعة الله لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً، فإن الله هو الغني عن خلقه، الحميد الذي له كل وصف حسن كامل، وفعل جميل يستحق أن يحمد عليه.

{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} أي:يجمعون بين الأمرين الذميمين، اللذين كل منهما كاف في الشر البخل:وهو منع الحقوق الواجبة، ويأمرون الناس بذلك، فلم يكفهم بخلهم، حتى أمروا الناس بذلك، وحثوهم على هذا الخلق الذميم، بقولهم وفعلهم، وهذا من إعراضهم عن طاعة ربهم وتوليهم عنها،{ وَمَنْ يَتَوَلَّ} عن طاعة الله فلا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا،{ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} الذي غناه من لوازم ذاته، الذي له ملك السماوات والأرض، وهو الذي أغنى عباده وأقناهم، الحميد الذي له كل اسم حسن، ووصف كامل، وفعل جميل، يستحق أن يحمد عليه ويثنى ويعظم.

وقوله- سبحانه- بعد ذلك: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بدل من قوله- تعالى-: كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ والمراد بالذين يبخلون: كل من يبخل بماله أو بعلمه..

فكأنه- تعالى- يقول: والله لا يحب الذين يبخلون بما أعطاهم من فضله، بخلا يجعلهم لا ينفقون شيئا منه في وجوه الخير، لأن حبهم لأموالهم جعلهم يمسكونها ويشحون بها شحا شديدا.. ولا يكنفون بذلك، بل يأمرون غيرهم بالبخل والشح.

وعلى رأس هؤلاء الذين لا يحبهم الله- تعالى- المنافقون، فقد كانوا يبخلون بأموالهم عن إنفاق شيء منها في سبيل الله، وكانوا يتواصون بذلك فيما بينهم، فقد قال- سبحانه-في شأنهم: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ .

وقوله- سبحانه-: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ تذييل المقصود به ذم هؤلاء البخلاء على بخلهم.

وجواب الشرط محذوف، أغنت عنه جملة فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ والغنى: هو الموصوف بالغنى- وهي صفة من صفات الله- عز وجل- إذ هو الغنى غنى مطلقا، والخلق جميعا في حاجة إلى عطائه- سبحانه- والحميد: وصف مبالغة من الحمد. والمراد به أنه- تعالى- كثير الحمد والعطاء للمنفقين في وجوه الخير.

أى: ومن يعرض عن هدايات الله- تعالى- وعن إرشاداته ... فلن يضر الله شيئا، فإن الله- تعالى- هو صاحب الغنى المطلق الذي لا يستغنى عن عطائه أحد، وهو- سبحانه- كثير الحمد والعطاء لمن استجاب لأمره فأنفق مما رزقه الله بدون اختيال أو تفاخر أو أذى.

ثم بين- سبحانه- أن حكمته قد اقتضت أن يرسل رسله إلى الناس، ليهدوهم إلى طريق الحق، وأن الناس منهم من اتبع الرسل، ومنهم من أعرض عنهم، ومنهم من ابتدع أمورا من عند نفسه لم يرعها حق رعايتها.. فقال- تعالى-:

ثم قال : ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) أي : يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه ، ( ومن يتول ) أي : عن أمر الله وطاعته ( فإن الله هو الغني الحميد ) كما قال موسى عليه السلام : ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) [ إبراهيم : 8 ] .

يقول تعالى ذكره: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ، الباخلين بما أوتوا في الدنيا على اختيالهم به وفخرهم بذلك على الناس، فهم يبخلون بإخراج حق الله الذي أوجبه عليهم فيه، ويشِحُّون به، وهم مع بخلهم به أيضا يأمرون الناس بالبخل.

وقوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) يقول تعالى ذكره: ومن يُدْبرْ مُعرضًا عن عظة الله، (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) يقول تعالى ذكره: ومن يدبر معرضا عن عظة الله، تاركا العمل بما دعاه إليه من الإنفاق في سبيله، فرِحا بما أوتي من الدنيا، مختالا به فخورا يخيلا فإن الله هو الغنيّ عن ماله ونفقته، وعن غيره من سائر خلقه، الحميد إلى خلقه بما أنعم به عليهم من نعمه.

واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ )، فقال بعضهم: استغنى بالأخبار التي لأشباههم، ولهم في القرآن، كما قال وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى , ولم يكن في ذا الموضع خبر. والله أعلم بما ينـزل، هو كما أنـزل، أو كما أراد أن كون. وقال غيره من أهل العربية: الخبر قد جاء في الآية التي قبل هذه (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) عطف بجزاءين على جزاء، وجعل جوابهما واحدا، كما تقول: إن تقم وإن تحسن آتك، لا أنه حذف الخبر.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة ( فإنَّ اللهَ الغَنِيُّ ) بحذف " هو " من الكلام، وكذلك ذلك في مصاحفهم بغير " هو "، وقرأته عامة قرّاء الكوفة (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )، بإثبات هو في القراءة، وكذلك " هو " في مصاحفهم.

والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

التدبر :

وقفة
[24] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ هناك أقوام لم يكتفوا بأن بخلوا بل أمروا غيرهم به وزينوه لهم، ما أقبحهم!
وقفة
[24] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ قل أن تجد بخيلًا إلا وهو يدعو إليه.
وقفة
[24] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ البخل والأمر به خصلتان ذميمتان لا يتصف بهما المؤمن.
وقفة
[24] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ المراد بالذين يبخلون: المنافقون، بخلوا بأموالهم، ثم أمروا غيرهم بالبخل، وهو ما حكاه الله عنهم: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّـهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا﴾ [المنافقون: ۷].
وقفة
[24] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ يتسع البخل في الآية لكل أمر مادي أو قيمي، فالذين أوتوا الكتاب مثلًا يعرفون صفته كما يعرفون أبناءهم، ومع هذا كتموا هذه المعرفة عن الناس، وتواصوا بهذا البخل جيلًا بعد جيل.
وقفة
[24] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ أن تبتلي بالشح وكراهة البذل والإنفاق فتلك مصيبة, وأن تتمادي في الباطل فتكون داعية شر تأمر بالبخل وتحث عليه, فتلك مصيبة أعظم.
وقفة
[24] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ حسبك من الشر أن تحمل وزر نفسك، فلا تزد عليه بأوزار غيرك.
وقفة
[24] ﴿وَيَأْمُرُونَ﴾ من حرص البخيل على نشر ثقافته: ألا يكتفي بالوصية بالبخل وإنما يأمر أمرًا, وهذا هو عين الحرمان, إذ إن الإنسان إذا ابتلي بمعصية فندمه ومجاهدته تكفر عنه سيئته, فكيف إن كان يكابر ويأمر ويوصي؟
وقفة
[24] ﴿وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ اعلم أن الله غني عن عبـاده، حميـد لا يحتـاج لمن يحمده.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدل من كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ» بتقدير: لا يحب الذين يبخلون او في محل نصب على المدح. ويجوز ان يكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هم الذين او مبتدأ خبره محذوفا دلت عليه جملة الشرط‍ وجوابها بما افادت من معنى.
  • ﴿ يَبْخَلُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ:
  • معطوفة بالواو على «يبخلون» وتعرب إعرابها. الناس: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. بالبخل: جار ومجرور متعلق بيأمرون.
  • ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ:
  • الواو استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبره. يتول: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه حذف آخره حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو اي ومن يعرض او يصد عن أوامر الله ونواهيه
  • ﴿ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن. والفاء واقعة في جواب الشرط‍.ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة. هو: ضمير فصل-عماد-زائد لا محل له من الإعراب للتوكيد. الغني: خبر «ان» مرفوع بالضمة. الحميد: صفة-نعت-للغني مرفوع مثله بالضمة او يكون «هو» ضميرا منفصلا-ضمير رفع-مبنيا على الفتح في محل رفع مبتدأ و «الغني» خبره. والجملة الاسمية هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» في محل رفع خبر «ان» ويجوز ان يكون «الحميد» خبرا ثانيا للمبتدإ «هو» و «الحميد» اي المحمود صيغة مبالغة فعيل بمعنى: مفعول. اي فان الله غني عنه محمود.'

المتشابهات :

النساء: 37﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ
الحديد: 24﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     ولَمَّا كان مِن جملةِ صِفاتِ المختالِ المكاثِرِ بالمالِ البُخلُ، وكان قد تقَدَّم الحَثُّ على الإنفاقِ، وكان ما يُوجِبُه لذَّةُ الفَخارِ والاختيالِ الَّتي أوصَلَ إليها المالُ حامِلةً على البُخلِ خَوفًا من الإقتارِ الموجِبِ عندَ أهلِ الدُّنيا للصَّغارِ؛ قال تعالى:الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ولَمَّا كان التَّقديرُ: «فمَنْ أقبَلَ على ما نُدِبَ إليه مِنَ الإقراضِ الحَسَنِ، والأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المُنكَرِ؛ فإنَّ اللهَ شَكورٌ حَليمٌ»؛ عَطَف عليه قَولَه ذامًّا للبُخلِ، مُحَذِّرًا منه:
﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فإن الله هو:
1- بإثبات «هو» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بإسقاط «هو» ، وهى قراءة نافع، وابن عامر، وكذا فى مصاحف المدينة والشام، وكلتا القراءتين متواترة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف