546456789

الإحصائيات

سورة الحشر
ترتيب المصحف59ترتيب النزول101
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات3.50
عدد الآيات24عدد الأجزاء0.00
عدد الأحزاب0.00عدد الأرباع1.20
ترتيب الطول48تبدأ في الجزء28
تنتهي في الجزء28عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 9/14_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (4) الى الآية رقم (7) عدد الآيات (4)

بيانُ سببِ إجلاءِ بني النَّضِيرِ وهو معاداةُ اللهِ ورَسُولِه ونقضُهم العهودِ، ثُمَّ بيانُ مصارفِ الفيءِ، وهو المَالُ الحَاصِلُ للمسلمينَ من أَموالِ الكُفَّارِ بغيرِ قِتالٍ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (8) الى الآية رقم (9) عدد الآيات (2)

= ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّه جعلَ فَيءَ بني النَّضِيرِ لفقراءِ المهاجرينَ الذينَ تركُوا ديارَهم وأموالَهم للهِ، ثُمَّ مَدَحَ الأنصارَ لِرِضاهُم بإعطاءِ الفيءِ للمهاجرينَ وحدَهم، بل وإيثارِهم لَهم على أنفسِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحشر

غزوة بني النضير وبيان قدرة الله على إعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين/ مواقف مختلفة من الإنتماء لدين الله

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • تتحدث السورة عن::   غزوة بني النضير، وحادثة إجلائهم عن المدينة، وحكم الفيء، وبيان فضل المهاجرين والأنصار وفضح المنافقين، وبيان عظمة القرآن، وذكر بعض أسماء الله الحسنى.
  • • لماذا أجلاهم؟:   لأن يهود الأمس هم يهود اليوم والغد، أجلاهم النبي ﷺ بعد إخلالهم بالعهد، وتآمرهم على قتل رسول الله ﷺ، لتقول لنا السورة: اليهود هم اليهود، لا عهد لهم، فاحذروا.
  • • مدح أصحاب رسول الله::   : نوّهت السورة بفضائل المهاجرين والأنصار: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ...﴾ (8-10).
  • • ذم المنافقين::   ذمت السورة المنافقين الأشرار الذين تحالفوا مع اليهود ضد المسلمين، ووعدوهم بالمساعدة، لكنهم لم يعاونوهم حقيقية، لأنهم كعادتهم لا يوفون بالعهود ويقولون ما لا يفعلون، ومثلتهم بالشيطان الذي يغري الإنسان بالكفر: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ...﴾ (11-17).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الحشر».
  • • معنى الاسم ::   ‏الحشر: الجمع مع السَّوْق، والحشر: جمع الناس يوم القيامة، وهنا: حشر ‏اليهود ‏وجمعهم ‏خارج ‏المدينة.
  • • سبب التسمية ::   لِوُقُوعِ لفظ الْحَشْرِ في الآية (2).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سُورَةُ بَنِي النَّضِيرِ»؛ لِأَنَّ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ ذُكِرَتْ فِيهَا.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   قدرة الله على إعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين.
  • • علمتني السورة ::   كم من همومٍ وآلامٍ كنَّا نَظُنُّ أنَّها استوطَنت فينا، أزالَها اللهُ رغمَ ظُنونِنا: ﴿مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّـهِ فَأَتَاهُمُ اللَّـهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من سنن الله تعالى: وقوع العذاب الشديد على من حارب الله ورسوله: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۖ وَمَن يُشَاقِّ اللَّـهَ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن فِعلَ ما يُظنُّ أنَّه مفسدة لتحقيق مصلحة عظمى لا يدخل في باب الفساد في الأرض: ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّـهِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».
    وسورة الحشر من المفصل الذي فُضِّل به النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «...وإنَّ لكلّ شيءٍ لُبابًا، وإنَّ لُبابَ القُرآنِ المُفَصَّلُ».
    وسورة الحشر من المفصل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الحشر هي السورة الثالثة -بحسب ترتيب المصحف- من سور المُسَبِّحات، وهي سبع سور افتتحت بالتسبيح، وهي: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
    • اختصت سورة الحشر بأن ختمت بذكر 18 اسمًا من أسماء الله الحسنى، في الآيات (22-24).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن ندرس غزوة بني النضير، وما فيها من فوائد وعبر، وننشر بين الناس فضل المهاجرين والأنصار.
    • ألا نكون أقل خلق الله تسبيحًا: ﴿سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ (1).
    • ألا نعتمد على غير الله كما اعتمد هؤلاء على المنافقين؛ فإن من اعتمد على مخلوق أسلمه ذلك إلى صغاره ومذلته: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾ (2).
    • أن نحرص على تنقية قلوبنا من الغل والحقد على أهل الإيمان: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (10).
    • ألا نصدق كل من قال: (إني أخاف الله)؛ حتى إبليس قالها: ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (16).
    • أن نحذر خطوات الشيطان؛ فإنه سيتبرأ منا يوم القيامة: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ...﴾ (16، 17).
    • أن نتيقن أننا محاسبون؛ فنحاسب أنفسنا اليوم قبل أن نحاسب غدًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (18).
    • ألا نغفل عن ذكر الله وطاعته، فالجزاء من جنس العمل: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ (19).
    • أن نحرص على الخشوع عند قراءة القرآن: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ﴾ (21).
    • أن ندعو الله تعالى بأسمائه الحسنى الواردة في هذه السورة: ﴿هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (23).

تمرين حفظ الصفحة : 546

546

مدارسة الآية : [4] :الحشر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ..

التفسير :

[4] ذلك -الذي أصاب اليهود في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة- لأنهم خالفوا أمر الله وأمر رسوله أشدَّ المخالفة، وحاربوهما وسعَوا في معصيتهما، ومن يخالف الله ورسوله فإن الله شديد العقاب له.

وذلك لأنهم{ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وعادوهما وحاربوهما، وسعوا في معصيتهما.

وهذه عادته وسنته فيمن شاقه{ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

واسم الإشارة في قوله- تعالى- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعود إلى ما نزل وسينزل بهم من عذاب.

وقوله- تعالى-: شَاقُّوا من المشاقة بمعنى المعاداة والمخاصمة، حتى لكأن كل واحد من المتخاصمين في شق ومكان يخالف شق صاحبه ومكانه.

أى: ذلك الذي حل بهم في الدنيا من عقاب، والذي سيحل بهم في الآخرة من عذاب، سببه أن هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب، عادوا الله- تعالى- وخالفوا دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ بأن يخالف ما أمر به، أو نهى عنه. يعذبه الله- تعالى- ويخذله، فإنه- سبحانه- شديد العقاب.

وجملة فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ قائمة مقام جواب الشرط، أى: ومن يخالف أمر الله- تعالى- عذبه، فإنه- سبحانه- شديد العقاب، لمن أعرض عن طاعته وذكره.

وقوله : ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) أي : إنما فعل الله بهم ذلك وسلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين ; لأنهم خالفوا الله ورسوله ، وكذبوا بما أنزل الله على رسله المتقدمين في البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ، ثم قال : ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) .

وقوله: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعل الله بهؤلاء اليهود ما فعل بهم من إخراجهم من ديارهم، وقذف الرعب في قلوبهم من المؤمنين، وجعل لهم في الآخرة عذاب النار بما فعلوا هم في الدنيا من مخالفتهم الله ورسوله في أمره ونهيه، وعصيانهم ربهم فيما أمرهم به من اتباع محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.( وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) يقول تعالى ذكره: ومن يخالف الله في أمره ونهيه، فإن الله شديد العقاب.

التدبر :

وقفة
[4] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ﴾ المشاقة أن يتحول المرء إلى شقِّ آخر، والعبد إذا انتقل حارب أولياء الله، فقد شاق الله، وعقوبة من شاق الله عذاب النار.
وقفة
[4] ﴿وَمَن يُشَاقِّ اللَّـهَ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ قاعدة عامة مأخوذة من حادثة خاصة، أي أن الله شديد العقاب لكل من يشاققه من هؤلاء اليهود وغيرهم ممن سلك نفس الطريق.
وقفة
[4] ﴿وَمَن يُشَاقِّ اللَّـهَ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الحرب ليست بين المؤمنين والكافرين، ولكنها على الحقيقة بين الكفار وربهم سبحانه، واللّٰه بفضله يوفق من يشاء لنصرة دينه وإظهار شرعه.
وقفة
[4] لماذا جاءت ﴿يشاقِ﴾ بالكسر؟ هذا الفعل مجزوم، وعلامة جزمه السكون، حُرِّك لالتقاء الساكنين.

الإعراب :

  • ﴿ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
  • هذه الآية الكريمة سبق اعرابها في سورة «الانفال» الآية الكريمة الثالثة عشرة.'

المتشابهات :

النساء: 115﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ
الأنفال: 13﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
الحشر: 4﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن يُشَاقِّ اللَّـهَ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [4] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ بما نالهم في الدُّنيا، ويَنالُهم في الآخِرةِ؛ ذكرَ هنا أن الذي حدث لهم، حدث لأنهم عادُوا الله وعادُوا رسوله، بكفرهم ونقضهم للعهود، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [5] :الحشر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ ..

التفسير :

[5] أيَّ شيءٍ قطعتم -أيها المؤمنون- من نخلة أو تركتموها قائمة على ساقها، من غير أن تتعرضوا لها، فبإذن الله وأمره؛ وليُذلَّ بذلك الخارجين عن طاعته المخالفين أمره ونهيه، حيث سلَّطكم على قطع نخيلهم وتحريقها.

ولما لام بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل والأشجار، وزعموا أن ذلك من الفساد، وتوصلوا بذلكإلى الطعن بالمسلمين، أخبر تعالى أن قطع النخيل إن قطعوه أو إبقاءهم إياه إن أبقوه، إنه بإذنه تعالى، وأمره{ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} حيث سلطكم على قطع نخلهم، وتحريقها، ليكون ذلك نكالا لهم، وخزيا في الدنيا، وذلا يعرف به عجزهم التام، الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم، الذي هو مادة قوتهم. واللينة:اسم يشمل سائر النخيل على أصح الاحتمالات وأولاها، فهذه حال بني النضير، وكيف عاقبهم الله في الدنيا.

ثم ساق- سبحانه- ما يغرس الطمأنينة في قلوب المؤمنين، الذين اشتركوا في تخريب ديار بنى النضير، وفي قطع نخيلهم، فقال- تعالى-: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ.

و «ما» شرطية في موضع نصب، بقوله: قَطَعْتُمْ وقوله: مِنْ لِينَةٍ بيان لها..

وقوله: فَبِإِذْنِ اللَّهِ جزاء الشرط. واللام في قوله- تعالى-: وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ متعلقة بمحذوف.

واللينة: واحدة اللين، وهو النخل كله، أو كرام النخل فقط.

قال الآلوسى ما ملخصه: اللينة هي النخلة مطلقا.. وهي فعلة من اللّون، وياؤها مقلوبة عن واو لكسر ما قبلها- فأصل لينة: لونة ...

وقيل: اللينة: النخلة مطلقا.. وقيل: هي النخلة القصيرة، وقيل: الكريمة من النخل..

ويمكن أن يقال: أراد باللينة النخلة الكريمة .. .

وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أن المسلمين عند ما أخذوا في تقطيع نخيل اليهود، قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد إنك تنهى عن الفساد، فما بالك تأمر بقطع النخيل؟ فأنزل الله هذه الآية.

وقيل: إن المسلمين بعد أن قطعوا بعض النخيل، ظنوا أنهم قد أخطئوا في ذلك، فقالوا:

لنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية.

وقيل: إن المسلمين نهى بعضهم بعضا عن قطع النخيل، وقالوا إنما هي مغانم المسلمين، فنزلت هذه الآية لتصديق من نهى عن القطع، وتحليل من قطع من الإثم.

والمعنى: لا تختلفوا- أيها المؤمنون- في شأن ما فعلتموه بنخيل بنى النضير، فإن الذي قطع شيئا من هذه النخيل لا إثم عليه، والذي لم يقطع لا إثم عليه- أيضا- لأن كلا الأمرين بإذن الله- تعالى- ورضاه، وفي كليهما مصلحة لكم.

لأن من قطع يكون قد فعل ما يغيظ العدو ويذله، ويحمله على الاستسلام والخضوع لأمركم..

ومن ترك يكون قد فعل ما يعود بالخير عليكم، لأن تلك النخيل الباقية، منفعتها ستئول إليكم ...

وقد شرع- سبحانه- لكم كلا الأمرين في هذا المقام وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ عن أمره، وهم يهود بنى النضير، ومن ناصرهم، وأيدهم، وسار على طريقتهم في الخيانة والغدر.

فالآية الكريمة المقصود بها: إدخال المسرة والبهجة في قلوب المؤمنين، حتى لا يتأثروا بما حدث منهم بالنسبة لنخيل بنى النضير، وحتى يتركوا الخلاف في شأن هذه المسألة، بعد أن صدر حكم الله- تعالى- فيها، وهو أن القطع والترك بإذنه ورضاه، لأن كلا الأمرين يغرس الحسرة في قلوب الأعداء..

وعبر- سبحانه- باللينة عن النخلة، لأن لفظ «لينة» أخف لفظا، وأدخل في كونها نخلة من كرام النخل.

وقال- سبحانه-: أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها لتصوير هيئتها وحسنها وأن فروعها قد بقيت قائمة على أصولها، التي هي جذورها وجذوعها.

قال الآلوسى: وقوله: وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ متعلق بمقدر على أنه علة له، وذلك المقدر عطف على مقدر آخر. أى: ليعز المؤمنين، وليخزى الفاسقين أى: ليذلهم..

والمراد بالفاسقين: أولئك الذين كفروا من أهل الكتاب. ووضع الظاهر موضع المضمر،إشعارا بعلة الحكم- أى أن فسقهم هو السبب في إخزائهم.. .

هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية: أن تخريب ديار العدو، وقطع الأشجار التي يملكها، وهدم حصونه ومعسكراته.. جائز مادام في ذلك مصلحة تعود على المسلمين، وما دامت هناك حرب بينهم وبين أعدائهم.

ثم بين- سبحانه- حكم الفيء الذي أفاءه على المسلمين في غزوة بنى النضير وفيما يشبهها من غزوات، وأمر المؤمنين بأن يطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه، وأثنى- سبحانه- على المهاجرين والأنصار لقوة إيمانهم، ولنقاء قلوبهم وسخاء نفوسهم.. فقال- تعالى-:

وقوله تعالى : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) اللين : نوع من التمر ، وهو جيد .

قال : أبو عبيدة : وهو ما خالف العجوة والبرني من التمر .

وقال كثيرون من المفسرين : اللينة : ألوان التمر سوى العجوة .

قال : ابن جرير : هو جميع النخل . ونقله عن مجاهد : وهو البويرة أيضا ; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم ، وإرهابا وإرعابا لقلوبهم . فروى محمد ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا : [ فبعث بنو النضير ] يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة ، أي : ما قطعتم وما تركتم من الأشجار ، فالجميع بإذن الله ومشيئته وقدرته ورضاه ، وفيه نكاية بالعدو وخزي لهم ، وإرغام لأنوفهم .

وقال مجاهد : نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل ، وقالوا : إنما هي مغانم المسلمين . فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطعه من الإثم ، وإنما قطعه وتركه بإذنه . وقد روي نحو هذا مرفوعا ، فقال النسائي : أخبرنا الحسن بن محمد ، عن عفان حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) قال : يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ، فحاك في صدورهم ، فقال المسلمون : قطعنا بعضا وتركنا بعضا ، فلنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله : ( ما قطعتم من لينة )

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حفص ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن جابر - وعن أبي الزبير ، عن جابر - قال : رخص لهم في قطع النخل ، ثم شدد عليهم فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، علينا إثم فيما قطعنا ؟ أو علينا وزر فيما تركنا ؟ فأنزل الله ، عز وجل : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرق .

وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ، بنحوه ولفظ البخاري من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير ، وأقر قريظة ، ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم ، وقسم نساءهم ، وأولادهم ، وأموالهم بين المسلمين ، إلا بعضهم لحقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأمنهم وأسلموا ، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ، وهم رهط عبد الله بن سلام ، ويهود بني حارثة ، وكل يهودي بالمدينة .

ولهما أيضا عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير وقطع - وهي البويرة - فأنزل الله ، عز وجل فيه : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) .

وللبخاري رحمه الله ، من رواية جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير . ولها يقول حسان بن ثابت ، رضي الله عنه :

وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول :

أدام الله ذلك من صنيع وحرق في نواحيها السعير

ستعلم أينا منها بنزه وتعلم أي أرضينا نضير

كذا رواه البخاري ولم يذكره ابن إسحاق .

وقال محمد بن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف :

لقد خزيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدور

وذلك أنهم كفروا برب عظيم أمره أمر كبير

وقد أوتوا معا فهما وعلما وجاءهم من الله النذير

نذير صادق أدى كتابا وآيات مبينة تنير

فقال ما أتيت بأمر صدق وأنت بمنكر منا جدير

فقال : بلى لقد أديت حقا يصدقني به الفهم الخبير

فمن يتبعه يهد لكل رشد ومن يكفر به يجز الكفور

فلما أشربوا غدرا وكفرا وجد بهم عن الحق النفور

أرى الله النبي برأي صدق وكان الله يحكم لا يجور

فأيده وسلطه عليهم وكان نصيره نعم النصير

فغودر منهمو كعب صريعا فذلت بعد مصرعه النضير

على الكفين ثم وقد علته بأيدينا مشهرة ذكور

بأمر محمد إذ دس ليلا إلى كعب أخا كعب يسير

فماكره فأنزله بمكر ومحمود أخو ثقة جسور

فتلك بنو النضير بدار سوء أبارهم بما اجترموا المبير

غداة أتاهم في الزحف رهوا رسول الله وهو بهم بصير

وغسان الحماة موازروه على الأعداء وهو لهم وزير

فقال : السلم ويحكم فصدوا وحالف أمرهم كذب وزور

فذاقوا غب أمرهم دبالا لكل ثلاثة منهم بعير

وأجلوا عامدين لقينقاع وغودر منهم نخل ودور

قال : وكان مما قيل من الأشعار في بني النضير قول ابن لقيم العبسي - ويقال : قالها قيس بن بحر بن طريف ، قال ابن هشام الأشجعي :

أهلي فداء لامرئ غير هالك أحل اليهود بالحسي المزنم

يقيلون في جمر الغضاة وبدلوا أهيضب عودا بالودي المكمم

فإن يك ظني صادقا بمحمد يروا خيله بين الصلا ويرمرم

يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم عدو وما حي صديق كمجرم

عليهن أبطال مساعير في الوغى يهزون أطراف الوشيج المقوم

وكل رقيق الشفرتين مهند تورثن من أزمان عاد وجرهم

فمن مبلغ عني قريشا رسالة فهل بعدهم في المجد من متكرم

بأن أخاكم فاعلمن محمدا تليد الندى بين الحجون وزمزم

فدينوا له بالحق تجسم أموركم وتسموا من الدنيا إلى كل معظم

نبي تلافته من الله رحمة ولا تسألوه أمر غيب مرجم

فقد كان في بدر لعمري عبرة لكم يا قريش والقليب الملمم

غداة أتى في الخزرجية عامدا إليكم مطيعا للعظيم المكرم

معانا بروح القدس ينكى عدوه رسولا من الرحمن حقا بمعلم

رسولا من الرحمن يتلو كتابه فلما أنار الحق لم يتلعثم

أرى أمره يزداد في كل موطن علوا لأمر حمه الله محكم

وقد أورد ابن إسحاق ، رحمه الله ، ها هنا أشعارا كثيرة ، فيها آداب ومواعظ وحكم ، وتفاصيل للقصة ، تركنا باقيها اختصارا واكتفاء بما ذكرناه ، ولله الحمد والمنة .

قال ابن إسحاق : كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد ، وبعد بئر معونة . وحكى البخاري ، عن الزهري ، عن عروة أنه قال : كانت وقعة بني النضير بعد بدر بستة أشهر .

القول في تأويل قوله تعالى : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)

يقول تعالى ذكره: ما قطعتم من ألوان النخل، أو تركتموها قائمة على أصولها.

اختلف أهل التأويل في معنى اللينة، فقال بعضهم: هي جميع أنواع النخل سوى العجوة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أَبي هند، عن عكرِمة: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا ) قال: اللينة: ما دون العجوة من النخل.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: اللينة ما خالف العجوة من التمر.

وحدثنا به مرة أخرى فقال: من النخل.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخل كله ما خلا العجوة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ )، واللينة: ما خلا العجوة من النخل.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ): ألوان النخل كلها إلا العجوة.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أَبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة دون العجوة.

وقال آخرون: النخل كله لينة، العجوة منه وغير العجوة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: نخلة. قال: نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل، وقالوا: إنما هي مغانم المسلمين، ونـزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم، وإنما قطعه وتركه بإذنه.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن أَبي بكير، قال: ثنا شريك، عن أَبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: اللينة: النخلة؛ عجوة كانت أو غيرها، قال الله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: الذي قطعوا من نخل النضير حين غدرت النضير.

وقال آخرون: هي لون من النخل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: اللينة: لون من النخل.

وقال، آخرون: هي كرام النخل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُمَيْد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان في (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: من كرام نخلهم.

والصواب من القول في ذلك قول من قال: اللينة: النخلة، وهن من ألوان النخل ما لم تكن عجوة، وإياها عنى ذو الرُّمَّة بقوله:

طِـرَاقُ الخَـوَافِي وَاقِـعٌ فَـوْقَ لِيَنـةٍ

نَــدَى لَيْلـهِ فِـي رِيشِـهِ يَـترَقْرَقُ (1)

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: اللينة من اللون، والليان في الجماعة واحدها اللينة. قال: وإنما سميت لينة لأنه فعلة من فَعْل، هو اللون، وهو ضرب من النخل، ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت إلى الياء. وكان بعضهم ينكر هذا القول ويقول: لو كان كما قال لجمعوه: اللوان لا الليان. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: جمع اللينة لين، وإنما أُنـزلت هذه الآية فيما ذُكر من أجل أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما قطع نخل بني النضير وحرّقها، قالت بنو النضير لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنك كنت تنهى عن الفساد وتعيبه، فما بالك تقطع نخلنا وتُحرقها؟ فأنـزل الله هذه الآية، فأخبرهم أن ما قطع من ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أو ترك، فعن أمر الله فعل.

وقال آخرون: بل نـزل ذلك لاختلاف كان من المسلمين في قطعها وتركها.

* ذكر من قال: نـزل ذلك لقول اليهود للمسلمين ما قالوا:

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا يزيد بن رومان، قال: لما نـزل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بهم، يعني ببني النضير تحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقطع النخل، والتحريق فيها، فنادوْه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فأنـزل الله عزّ وجلّ: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) .

* ذكر من قال: نـزل ذلك لاختلاف كان بين المسلمين في أمرها:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا ) ... الآية، أي ليعظهم، فقطع المسلمون يومئذ النخل، وأمسك آخرون كراهية أن يكون إفسادًا، فقالت اليهود: آلله أذن لكم في الفساد؟ فأنـزل الله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا ) قال: نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النخل، وقالوا: إنما هي مغانم المسلمين، ونـزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم، وإنما قطعه وتركه بإذنه.

حدثنا سليمان بن عمر بن خالد البرقي، قال ابن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قطع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نخل بني النضير، وفي ذلك نـزلت (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) ... الآية، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:

وَهَــانَ عَــلَى سَـرَاةَ بَنِـي لُـؤَيّ

حَـــرِيقٌ بـــالبُوَيْرَةِ مُسْــتَطِيرُ (2)

وقوله: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ ) يقول: فبأمر الله قطعتم ما قطعتم، وتركتم ما تركتم، وليغيظ بذلك أعداءه، ولم يكن فسادًا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان (فَبِإِذْنِ اللَّهِ ) : أي فبأمر الله قطعت، ولم يكن فسادًا، ولكن نقمة من الله، وليخزي الفاسقين.

وقوله: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) وليذلّ الخارجين عن طاعة الله عزّ وجلّ، المخالفين أمره ونهيه، وهم يهود بني النضير.

-------------------

الهوامش:

(1) البيت لذي الرمة (اللسان: ريع) والرواية فيه "ريعه" في موضع "لينة" واللينة: النخلة، وكل شيء من النخل سوى العجوة فهو من اللين. وقد سبق استشهاد المؤلف بالبيت عند قوله تعالى: "أتبنون بكل ريع آية"، وشرحناه هناك شرحًا مفصلا، فارجع إليه في (19 : 93)

(2) ‌البيت لحسان بن ثابت (معجم ما استعجم للبكري: رسم البويرة 285) قال البويرة، بضم أوله، وبالراء المهملة، على لفظ التصغير، وهي من تيماء. قال أبو عبيدة في كتاب الأموال: أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير، وقطع زهو البويرة، فنزل فيهم: "ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين". قال حسان: "هان على سراة ... البيت". قال ذلك حسان، لأن قريشًا هم الذين حملوا كعب بن أسد القرظي، صاحب عقد بني قريظة، على نقض العقد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خرج معهم إلى الخندق، وعند ذلك اشتد البلاء والخوف على المسلمين. ا هـ

التدبر :

وقفة
[5] ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّـهِ﴾ فِعلُ ما يُظنُّ أنَّه مفسدة لتحقيق مصلحة عظمى لا يدخل في باب الفساد في الأرض.
وقفة
[5] ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّـهِ﴾ اللينة: النخلة الكريمة، ومن قطع النخيل فقد فعل ما يغيظ العدو، ومن ترك قطعها فقد استبقاها ليعود خيرها على المسلمين، وكلا الأمرين يحقق مراد الله: ﴿وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾.
وقفة
[5] ﴿ما قَطَعتُم مِن لينَةٍ أَو تَرَكتُموها قائِمَةً عَلى أُصولِها فَبِإِذنِ اللَّهِ وَلِيُخزِيَ الفاسِقينَ﴾ لا تستقلنَّ بالعمل أيًّا كان، حسنه وسيئه.
تفاعل
[5] ﴿وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ ما قَطَعْتُمْ:
  • اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم بقطعتم بمعنى اي شيء. قطعتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور والفعل «قطع» في محل جزم بما.
  • ﴿ مِنْ لِينَةٍ:
  • من: حرف جر بياني. لينة: اسم مجرور بمن وعلامة جره الكسرة. والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من ما. التقدير: اي شيء قطعتموه حالة كونه من لينة. و «لينة» جمعها: لين وهي الدقل: وهو ضرب من النخل. قال الاخفش: هو جمع واحدته: لينة ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت الواو ياء واصلها: لونة.
  • ﴿ أَوْ تَرَكْتُمُوها:
  • معطوفة بأو للتخيير على «قطعتم» وتعرب اعرابها والواو لاشباع الميم و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به يعود على «ما» لانه في معنى «اللينة» وهي النخلة.
  • ﴿ قائِمَةً عَلى أُصُولِها:
  • حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة. على اصول:جار ومجرور متعلق بقائمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَبِإِذْنِ اللهِ:
  • الجملة الاسمية جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بما والفاء واقعة في جواب الشرط‍.بإذن: جار ومجرور متعلق بخبر لمبتدإ محذوف اختصارا لان ما قبله يدل عليه. اي فقطعها بإذن الله وأمره. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ:
  • الواو عاطفة على فعل محذوف اي اذن الله لكم في القطع والترك ليذل اليهود ويغيظهم واللام حرف جر للتعليل. يخزي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو اي الله سبحانه. الفاسقين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لا نه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. وجملة «يخزي الفاسقين» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بالفعل المقدر.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ما قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها﴾ وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا نَزَلَ بِبَنِي النَّضِيرِ وتَحَصَّنُوا في حُصُونِهِمْ، أمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وإحْراقِها، فَجَزِعَ أعْداءُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ، وقالُوا: زَعَمْتَ يا مُحَمَّدُ أنَّكَ تُرِيدُ الصَّلاحِ، أفَمِنَ الصَّلاحِ عَقْرُ الشَّجَرِ المُثْمِرِ وقَطْعُ النَّخِيلِ ؟ وهَلْ وجَدْتَ فِيما زَعَمْتَ أنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْكَ الفَسادَ في الأرْضِ ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ، فَوَجَدَ المُسْلِمُونَ في أنْفُسِهِمْ مِن قَوْلِهِمْ، وخَشُوا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَسادًا، واخْتَلَفُوا في ذَلِكَ، فَقالَ بَعْضُهم: لا تَقْطَعُوا فَإنَّهُ مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلَيْنا، وقالَ بَعْضُهم: بَلْ نَغِيظُهم بِقَطْعِها. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ما قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ﴾ . تَصْدِيقًا لِمَن نَهى عَنْ قَطْعِهِ، وتَحْلِيلًا لِمَن قَطَعَهُ، وأخْبَرَ أنَّ قَطْعَهُ وتَرْكَهُ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى.أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ المُزَكِّي، قالَ: أخْبَرَنا والِدِي، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ الثَّقَفِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَرَّقَ نَخِيلَ بَنِي النَّضِيرِ وقَطَعَ، وهي البُوَيْرَةُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ما قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ .رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ.أخْبَرَنا أبُو بَكْرِ بْنُ الحارِثِ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو يَحْيى الرّازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ عُثْمانَ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ، عَنْ مُوسى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَطَّعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وحَرَقَ، وهي البُوَيْرَةُ، ولَها يَقُولُ حَسّانُ:وهانَ عَلى سَراةِ بَنِي لُؤَيٍّحَرِيقٌ بِالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُوفِيها نَزَلَتِ الآيَةُ: ﴿ما قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها﴾ .رَواهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنصُورٍ، عَنِ ابْنِ المُبارَكِ.وأخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: أخْبَرَنا سَلْمُ بْنُ عِصامٍ، قالَ: حَدَّثَنا رُسْتَهْ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ التَّمّارُ، قالَ: حَدَّثَنا جُرْمُوزٌ، عَنْ حاتِمٍ النَّجّارِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: جاءَ يَهُودِيٌّ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: أنا أقُومُ فَأُصَلِّي. قالَ: ”قَدَّرَ اللَّهُ لَكَ أنْ تُصَلِّيَ“ . قالَ: أنا أقْعُدُ. قالَ: ”قَدَّرَ اللَّهُ لَكَ أنْ تَقْعُدَ“ . قالَ: أنا أقُومُ إلى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأقْطَعُها. قالَ: ”قَدَّرَ اللَّهُ لَكَ أنْ تَقْطَعَها“ . قالَ: فَجاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، لُقِّنْتَ حُجَّتَكَ كَما لُقِّنَها إبْراهِيمُ عَلى قَوْمِهِ. وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ما قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ . يَعْنِي اليَهُودَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [5] لما قبلها :     ولَمَّا دَلَّ اللهُ على عِزَّتِه وحِكمتِه بما فَعَل ببَني النَّضيرِ؛ أتْبَعَه ببيانِ ما عاقَبَهم به مِن قَطعِ الصَّحابةِ لِنَخْلِهم الَّذي هو أعزُّ عليهم مِن أبكارِهم، وهم يَنظُرونَ إليه، لا يُغنُونَ شَيئًا، ولا مَنعةَ لَدَيهم، قال تعالى:
﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قائمة:
1- على التأنيث، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- قوما، على وزن «فعل» ، جمع «قائم» ، وهى قراءة عبد الله، والأعمش، وزيد بن على.
3- قائما، اسم فاعل.
أصولها:
وقرئ:
أصلها، بغير واو.

مدارسة الآية : [6] :الحشر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ..

التفسير :

[6] والَّذي أفاءه الله على رسوله من أموال يهود بني النضير، فلم تركبوا لتحصيله خيلاً ولا إبلاً، ولكنَّ الله يسلِّط رسله على مَن يشاء مِن أعدائه، فيستسلمون لهم بلا قتال، والفيء ما أُخذ من أموال الكفار بحق من غير قتال. والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.

ثم ذكر من انتقلت إليه أموالهم وأمتعتهم، فقال:{ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} أي:من أهل هذه القرية، وهم بنو النضير.

{ فـ} إنكم يا معشر المسلمين{ ما أَوْجَفْتُمْ} أي:ما أجلبتم وأسرعتم وحشدتم،{ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} أي:لم تتعبوا بتحصيلها، لا بأنفسكم ولا بمواشيكم، بل قذف الله في قلوبهم الرعب، فأتتكم صفوا عفوا، ولهذا. قال:{ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من تمام قدرته أنه لا يمتنع منهممتنع، ولا يتعزز من دونه قوي. وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء:هو ما أخذ من مال الكفار بحق، من غير قتال، كهذا المال الذي فروا وتركوه خوفا من المسلمين، وسمي فيئا، لأنه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له، إلى المسلمين الذين لهم الحق الأوفر فيه.

وقوله: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ...

معطوف على قوله- تعالى-: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ... لبيان نعمة أخرى من النعم التي أنعم بها- سبحانه- على المؤمنين، في غزوة بنى النضير.

وأَفاءَ من الفيء بمعنى الرجوع، يقال: فاء عليه، إذا رجع، ومنه قوله- تعالى- في شأن الإيلاء: فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ..

والمراد به هنا معناه الشرعي: وهو ما حصل عليه المؤمنون من أموال أعدائهم بدون قتال، كأن يكون هذا المال عن طريق الصلح، كما فعل بنو النضير، فقد صالحوا المؤمنين على الخروج من المدينة، على أن يكون لكل ثلاثة منهم حمل بعير- سوى السلاح- وأن يتركوا بقية أموالهم للمسلمين.

والضمير في قوله مِنْهُمْ يعود إلى بنى النضير، الذي عبر- سبحانه- عنهم بقوله:

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ....

وقوله: فَما أَوْجَفْتُمْ ... من الإيجاف بمعنى الإسراع في السير يقال: وجف الفرس يجف وجفا ووجيفا، إذا أسرع في سيره. والجملة خبر «ما» الموصولة في قوله: وَما أَفاءَ ... وما في قوله فَما أَوْجَفْتُمْ نافية.

والركاب: اسم جمع للإبل التي تركب، وفي الكلام حذف أغنى عنه قوله- سبحانه-:

فَما أَوْجَفْتُمْ....

والمعنى: اعلموا- أيها المؤمنون- أن ما أعطاه الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم من أموال بنى النضير التي صالحوه عليها، فلا حق لكم فيها لأنكم لم تنالوها بقتالكم لهم على الخيل أو الإبل، وإنما تفضل بها- سبحانه- على نبيه صلى الله عليه وسلم بلا قتال يذكر، فقد كانت ديار بنى النضير على بعد ميلين من المدينة، فذهب إليها المسلمون راجلين، وحاصروها حتى تم استسلام بنى النضير لهم..

قال الآلوسى: روى أن بنى النضير لما أجلوا عن أوطانهم، وتركوا رباعهم وأموالهم.

طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر، فأنزل الله- تعالى-: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ... فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.

فقد أخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم عن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قال: كانت أموال بنى النضير، مما أفاء الله- تعالى-: على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله- تعالى-.

وقال الضحاك: كانت أموال بنى النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فآثر بها المهاجرين. وقسمها عليهم، ولم يعط الأنصار منها شيئا، إلا ثلاثة منهم أعطاهم لفقرهم.. .

وقوله- سبحانه-: وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ... استدراك على النفي في قوله- تعالى-: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ....

أى: ليس لكم الحق- أيها المؤمنون- في أموال بنى النضير، لأنكم لم تظفروا بها عن طريق قتال منكم لهم، ولكن الله- تعالى- سلط رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم وعلى ما في أيديهم، كما كان يسلط رسله على من يشاء من أعدائهم، والله- تعالى- قدير على كل شيء ...

وما دام الأمر كذلك، فاتركوا رسولكم صلى الله عليه وسلم يتصرف في أموال بنى النضير بالطريقة التي يريدها ويختارها بإلهام من الله- عز وجل-.

يقول تعالى مبينا لمال الفيء وما صفته ؟ وما حكمه ؟ فالفيء : كل مال أخذ من الكفار بغير قتال ولا إيجاف خيل ، ولا ركاب ، كأموال بني النضير هذه ، فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ، ولا ركاب ، أي : لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة ، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاءه الله على رسوله ; ولهذا تصرف فيه كما شاء ، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله ، عز وجل ، في هذه الآيات ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم ) أي : من بني النضير ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يعني : الإبل ، ( ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) أي : هو قدير لا يغالب ولا يمانع ، بل هو القاهر لكل شيء .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)

يقول تعالى ذكره: والذي ردّه الله على رسوله منهم، يعني من أموال بني النضير. يقال منه: فاء الشيء على فلان: إذا رجع إليه، و أفأته أنا عليه: إذا رددته عليه. وقد قيل: إنه عنى بذلك أموال قُرَيظة ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) يقول: فما أوضعتم فيه من خيل ولا في إبل وهي الركاب. وإنما وصف جلّ ثناؤه الذي أفاءه على رسوله منهم بأنه لم يوجف عليه بخيل من أجل أن المسلمين لم يلقوا في ذلك حربًا، ولا كلفوا فيه مئونة، وإنما كان القوم معهم، وفي بلدهم، فلم يكن فيه إيجاف خيل ولا ركاب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) ... الآية، يقول: ما قطعتم إليها واديًا، ولا سرتم إليها سيرًا، وإنما كان حوائط لبني النضير طعمة أطعمها الله رسوله، ذُكر لنا أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: " أيُّمَا قَرْيَةٍ أَعْطَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَهِيَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَأيُّمَا قَرْيَةٍ فَتَحَهَا المُسْلِمُونَ عَنْوَةً فَإنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِرَسُولِهِ وَمَا بَقِيَ غَنِيمَةٌ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا ".

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، في قوله: ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) قال: صالح النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أهل فدك وقرى قد سماها لا أحفظها، وهو محاصر قومًا آخرين، فأرسلوا إليه بالصلح، قال: ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) يقول: بغير قتال. قال الزهريّ: فكانت بنو النضير للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خالصة لم يفتحوها عنوة، بل على صلح، فقسمها النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئًا، إلا رجلين كانت بهما حاجة.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ )، يعني: بني النضير ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) قال: يذكر ربهم أنه نصرهم، وكفاهم بغير كراع، ولا عدة في قريظة وخيبر، ما أفاء الله على رسوله من قريظة، جعلها لمهاجرة قريش.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) قال: أمر الله عزّ وجلّ نبيه بالسير إلى قريظة والنضير، وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب، فجعل ما أصاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها. قال: والإيجاف: أن يوضعوا السير، وهي لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فكان من ذلك خيبر وَفَدَك وَقُرًى عَرَبَيةً، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع، فأتاها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فاحتواها كلها، فقال ناس: هلا قسَّمها، فأنـزل الله عزّ وجلّ عذره، فقال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ثم قال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ... الآية.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) يعني: يوم قريظة.

وقوله: ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ) أعلمك أنه كما سلَّط محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على بني النضير، يخبر بذلك جلّ ثناؤه أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يُوجف المسلمون بالخيل والركاب، من الأعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى. يقول: فمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح لا عنوة، فتقع فيها القسمة.( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول: والله على كلّ شيء أراده ذو قدرة لا يُعجزه شيء، وبقُدرته على ما يشاء سلَّط نبيه محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على ما سلط عليه من أموال بني النضير، فحازه عليهم.

التدبر :

وقفة
[6] ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ سيعطيك الله خيرًا لم تركض إليه ولم تتعب في سبيله.
وقفة
[6] ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ ليس من حقكم أن تسألوا قسمة الغنيمة؛ لأنكم لم تنالوها بقتالكم، ولكن الله أعطاها لرسوله ﷺ بلا قتال، والإيجاف: سير سريع بإيقاع، وأريد به: الركض للإغارة؛ لأنه يكون سريعًا.
وقفة
[6] ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ ماذا فعل رسولنا بالفيء؟! قال الضحاك: «كانت أموال بني النضير لرسول الله ﷺ خاصة، فآثر بها المهاجرين، وقسّمها عليهم، ولم يُعط الأنصار منها شيئًا، إلا ثلاثة منهم، أعطاهم لفقرهم».
وقفة
[6] ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ ما الفرق بين الفيء والغنيمة؟ الفيء مال لم ينتزع بقوة السلاح، بعكس الغنيمة.

الإعراب :

  • ﴿ وَما أَفاءَ اللهُ:
  • الواو عاطفة. ما: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل «أفاء».أفاء: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بما. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة بمعنى: ما ارجعه واعاده الله.
  • ﴿ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بأفاء والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. من: حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من ما. التقدير: اي شيء ارجعه الله على رسوله حالة كونه منهم اي من اموال الكافرين اليهود
  • ﴿ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ:
  • الجملة الفعلية جواب شرط‍ جازم فعلها منفي بما في محل جزم بما. الفاء رابطة لجواب الشرط‍.ما: نافية لا عمل لها.اوجفتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل -ضمير المخاطبين -مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. عليه: جار ومجرور متعلق بأوجفتم اي فما اجريتم في تحصيله او اسرعتم او أعملتم على غنمه.
  • ﴿ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة للضمير في «عليه».ومن: حرف جر لبيان جنس الضمير في الذي اوجفوا عليه وتمييز له. اي خيلا ولا ركابا والواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد معنى النفي.ركاب: معطوفة على «خيل» وتعرب اعرابها اي ولا إبلا بمعنى: ولا تعبتم في القتال عليه وانما مشيتم اليه على ارجلكم.
  • ﴿ وَلكِنَّ اللهَ:
  • الواو استدراكية. لكن: حرف مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة:اسم «لكن» منصوب للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ يُسَلِّطُ‍ رُسُلَهُ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لكن».يسلط‍: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. رسله: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ عَلى مَنْ يَشاءُ:
  • حرف جر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بيسلط‍.يشاء: تعرب اعراب «يسلط‍» وحذف مفعول «يشاء» اختصارا لا نه معلوم.
  • ﴿ وَاللهُ عَلى كُلِّ:
  • الواو: عاطفة. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. على كل: جار ومجرور متعلق بالخبر.
  • ﴿ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
  • مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. قدير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة'

المتشابهات :

الحشر: 6﴿وَ مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ
الحشر: 7﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     وبعْدَ بَيانِ ما حَلَّ ببَني النَّضيرِ مِن العذابِ العاجِلِ والآجِلِ، وما فُعِلَ بدِيارِهِم ونَخيلِهم مِن التَّخريبِ والقطْعِ؛ بَيَّنَ اللهُ هنا حالَ ما أُخِذَ مِن أموالِهم، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [7] :الحشر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ..

التفسير :

[7] الَّذي أفاءه الله على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من غير ركوب خيل ولا إبل فلله ولرسوله، يُصْرف في مصالح المسلمين العامة، ولذي قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهم بنو هاشم وبنو المطَّلِب، واليتامى وهم الأطفال الفقراء الذين مات آباؤهم وهم دون س

وحكمه العام، كما ذكره الله في قوله{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} عموما، سواء أفاء الله في وقت رسوله أو بعده، لمن يتولى من بعده أمته

{ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وهذه الآية نظير الآية التي في سورة الأنفال، فيقوله:{ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}

فهذا الفيء يقسم خمسة أقسام:

خمس لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين [العامة]، وخمس لذوي القربى، وهم:بنو هاشم وبنو المطلب، حيث كانوا يسوى [فيه] بين، ذكورهم وإناثهم، وإنما دخل بنو المطلب في خمس الخمس، مع بني هاشم، ولم يدخل بقية بني عبد مناف، لأنهم شاركوا بني هاشم في دخولهم الشعب، حين تعاقدت قريش على هجرهم وعداوتهمفنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف غيرهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، في بني عبد المطلب:"إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام"

وخمس لفقراء اليتامى، وهم:من لا أب له ولم يبلغ، وخمس للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، وهم الغرباء المنقطع بهم في غير أوطانهم.

وإنما قدر الله هذا التقدير، وحصر الفيء في هؤلاء المعينين لـ{ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} أي:مدوالة واختصاصا{ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فإنه لو لم يقدره، لتداولته الأغنياء الأقوياء، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء، وفي ذلك من الفساد، ما لا يعلمه إلا الله، كما أن في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر، ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية والأصل العام، فقال:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح [والدنيا والآخرة]، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فقال:{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} على من ترك التقوى، وآثر اتباع الهوى.

وقوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى، فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ... يرى كثير من العلماء أنه وارد على سبيل الاستئناف الابتدائى، وأنه سيق لبيان حكم شرعي جديد، يختلف عن الحكم الذي أوردته الآية السابقة على هذه الآية..

إذ أن الآية السابقة، واردة في حكم أموال بنى النضير بصفة خاصة، وهذه في حكم الفيء بعد ذلك بصفة عامة.

وعليه يكون المعنى: لقد بينت لكم- أيها المؤمنون- حكم أموال بنى النضير، وهي أنها لرسولنا صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء.

أما ما أفاءه الله- تعالى- على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال أهل القرى الأخرى، كقريظة وفدك وغيرهما فحكم هذا الفيء أنه يقسم إلى خمسة أقسام:

قسم للرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله وما تبقى منه يكون في مصالح المسلمين.

وقسم لأقاربه صلى الله عليه وسلم وهم: بنو هاشم وبنو المطلب..

وقسم لليتامى: وهم أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم عنهم قبل أن يبلغوا.

وقسم للمساكين: وهم الذين ليس لهم مال يكفيهم ضروريات الحياة.

وقسم لأبناء السبيل: وهم المسافرون المنقطعون عن مالهم في سفرهم، ولو كانوا أغنياء في بلدهم..

وقد رجح الإمام ابن جرير هذا الرأى، فقال بعد استعراضه للأقوال: والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها وذلك أن الآية التي قبلها، مال جعله الله- عز وجل- لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره. لم يجعل فيه لأحد نصيبا..

فإذا كانت هذه الآية التي قبلها مضت، وذكر المال الذي خص الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يجعل لأحد منه شيئا، وكانت هذه الآية خبرا عن المال الذي جعله الله لأصناف شتى، كان معلوما بذلك أن المال الذي جعله لأصناف من خلقه. غير المال الذي جعله للنبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ... بيان لحكم ما أفاءه الله على رسوله من قرى الكفار على العموم، بعد بيان حكم ما أفاءه من بنى النضير ...

فالجملة جواب سؤال مقدر ناشئ مما فهم من الكلام السابق، فكأن قائلا يقول: قد علمنا حكم ما أفاءه الله- تعالى- من بنى النضير، فما حكم ما أفاء الله- عز وجل- من غيرهم؟ ...

فقيل: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى. ولذا لم يعطف على ما تقدم، ولم يذكر في الآية قيد الإيجاف ولا عدمه ...

وسهمه- سبحانه- وسهم رسوله واحد، وذكره- تعالى-: افتتاح كلام للتيمن والتبرك. فإن لله ما في السموات وما في الأرض، وفيه تعظيم لشأن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأهل القرى المذكورون في الآية هم: أهل الصفراء، وينبع، ووادي القرى، وما هنالك من قرى العرب، التي تسمى قرى عرينة، وحكمها مخالف لحكم أموال بنى النضير .

ومن العلماء من يرى أن الآية التي معنا، بمنزلة البيان والتفسير للآية التي قبلها، لأن الآية الأولى لم تبين المستحقين للفيء الذي أفاءه الله- تعالى- على رسوله من أموال بنى النضير، فجاءت الآية الثانية وبينت المستحقين له.

وعلى رأس المفسرين الذين قالوا بهذا الرأى صاحب الكشاف، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية:

لم يدخل- سبحانه- العاطف على هذه الجملة- وهي قوله: ما أَفاءَ ... - لأنها بيان للأولى، فهي منها غير أجنبية عنها. بين لرسوله صلى الله عليه وسلم ما يصنع بما أفاءه الله عليه، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم، مقسوما على الأقسام الخمسة .

وقال الإمام ابن كثير: قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى: أى جميع البلدان التي تفتح هكذا، فحكمها حكم أموال بنى النضير، ولهذا قال: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه.. .

ومن هذا نرى أن أصحاب الرأى الأول، يقولون: إن الآيتين في حكمين مختلفين، لأن الآية الأولى في بيان حكم أموال بنى النضير، وأن الله- تعالى- قد جعلها للرسول صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء، وأما الآية الثانية فهي في حكم أموال القرى الأخرى التي أفاءها الله- تعالى- على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الله- تعالى- قد حدد له وجوه صرفها، فقال: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى....

وأما أصحاب الرأى الثاني فيرون أن الآية الثانية مفصلة لما أجملته الآية الأولى، وأن كل فيء يقسم بالطريقة التي بينتها الآية الثانية.

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن الثابت في السنة الصحيحة: أن أموال بنى النضير، لم يخمسها صلى الله عليه وسلم بل كانت له خاصة، يوزعها كما يشاء، وقد آثر بها المهاجرين، وقسمها عليهم: ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى ثلاثة رجال منهم، كانت بهم حاجة فأعطاهم، وبذلك نرى أنه صلى الله عليه وسلم لم يتقيد في التوزيع لهذه الأموال، بمن ورد ذكرهم في الآية الثانية.

وما دام الأمر كذلك، فلا حاجة إلى القول بأن الآية الثانية، بيان وتفصيل للآية الأولى.

هذا وهناك أقوال أخرى في معنى هذه الآية، مبسوطة في كتب الفقه والتفسير، فليرجع إليها من شاء المزيد من الأحكام الفقهية.. .

وقوله- سبحانه-: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ... بيان لحكمة هذا التشريع الذي شرعه- سبحانه- بالنسبة للأموال التي أتت عن طريق الفيء.. والضمير المستتر في قوله: يَكُونَ للفيء.

و «الدّولة» بضم الدال المشددة اسم لما يتداوله الناس فيما بينهم من أموال، فيكون في يد هذا تارة، وفي يد ذاك تارة أخرى.

والدّولة- بفتح الدال المشددة- اسم للنوبة من الظفر والنصر في الحرب وغيرها.

يقال: لفلان على فلان دولة، أى: غلبة ونصر.

وبعضهم يرى أن الدولة- بالضم والفتح- بمعنى واحد، وهو ما يدور ويدول للإنسان من الغنى والنصر.

والمعنى: شرعنا لكم هذه الأحكام المتعلقة بتقسيم الفيء، كي لا يكون المال الناجم عنه، متداولا بين أيدى أغنيائكم دون فقرائكم.

والمقصود بهذه الجملة الكريمة، إبطال ما كان شائعا في الجاهلية، من استئثار قواد الجيوش، ورؤساء القبائل، بالكثير من الغنائم دون غيرهم ممن اشترك معهم في الحروب، كما قال أحد الشعراء، لأحد الرؤساء أو القادة:

لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنّشيطة والفضول

أى: لك- أيها القائد وحدك- من الغنيمة ربعها، والصفايا أى: والنفيس منها، ولك- أيضا ما تحكم به على العدو، ولك النشيطة، وهي ما يصيبه الجيش من العدو قبل الحرب، ولك- كذلك- الفضول، أى: ما يبقى بعد قسمة الغنائم.

وقد أبطل الإسلام كل ذلك، حيث جعل مصارف الفيء، تعود إلى المسلمين جميعا، بطريقة عادلة، بينها- سبحانه- في هذه الآية وفي غيرها..

قال بعض العلماء: والجدير بالذكر هنا: أن دعاة المذاهب الاقتصادية الفاسدة، يحتجون بهذه الآية على مذهبهم الفاسد، ويقولون: ويجوز للدولة أن تستولى على مصادر الإنتاج ورءوس الأموال، لتعطيها أو تشرك فيها الفقراء، وما يسمونهم طبقة العمال، وهذا على ما فيه من كساد اقتصادى، وفساد اجتماعي، قد ثبت خطؤه وظهر بطلانه مجانبا لحقيقة الاستدلال.

لأن هذا المال ترك لمرافق المسلمين العامة، من الإنفاق على المجاهدين، وتأمين الغزاة في الحدود والثغور، وليس يعطى للأفراد كما يقولون، ثم- هو أساسا- مال جاء غنيمة للمسلمين، وليس نتيجة كدح الفرد وكسبه الحلال.

ولما كان مال الغنيمة ليس ملكا لشخص، ولا هو- أيضا- كسب لشخص معين، تحقق فيه العموم في مصدره، وهو الغنيمة، والعموم في مصرفه وهو عموم مصالح الأمة، ولا دخل ولا وجود للفرد فيه، فشتان بين هذا الأصل في التشريع، وهذا الفرع في التضليل. .

ثم أمر- سبحانه- المسلمين أن يمتثلوا أمر رسولهم صلى الله عليه وسلم امتثالا تاما، فقال:

وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

وقوله: آتاكُمُ من الإتيان، والمقصود به هنا ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من هدايات وتشريعات، وآداب. ويدخل في ذلك دخولا أوليا قسمته لفيء بنى النضير بين المهاجرين، دون الأنصار.

أى: ما أمركم الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله- أيها المؤمنون- فافعلوه، وما نهاكم عن فعله فاجتنبوه، واتقوا الله في كل أحوالكم، فإنه- سبحانه- شديد العقاب لمن خالف أمره.

ومنهم من جعل آتاكُمُ هنا بمعنى أعطاكم من الفيء، وجعل نَهاكُمْ بمعنى نهاكم عن الأخذ منه، وكأن صاحب هذا الرأى يستعين على ما ذهب إليه بفحوى المقام.

قال صاحب الكشاف: قوله: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ من قسمة غنيمة أو فيء فخذوه وما نهاكم عنه، أى: عن أخذه منه فَانْتَهُوا عنه.

والأجود أن يكون- الأمر والنهى- عاما في كل ما آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وأمر الفيء داخل في عمومه.. .

وقال الإمام ابن كثير: وقوله- تعالى-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

أى: مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير، وينهى عن شر.

أخرج الشيخان عن ابن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، والمغيرات لخلق الله- عز وجل- فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: بلغني انك قلت كذا وكذا، فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله.

فقالت: لقد قرأت ما بين لوحى المصحف فما وجدته. فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، أما قرأت: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا؟ قالت:

بلى.

قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. قالت: إنى لأظن أهلك يفعلونه!! ..

قال: اذهبي فانظرى، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا. فجاءت فقالت: ما رأيت شيئا. قال: لو كان كذا لم تجامعنا.. .

وقال بعض العلماء وفي الآية دليل على وجوب الأخذ بالسنن الصحيحة في كل الأمور.

وعن أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى!! ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ... »

وهذا الحديث من أعلام النبوة، فقد وقع ذلك بعد من الجاهلين بكتاب الله، وبمنصب الرسالة، ومن الزنادقة الصادين عن سبيل الله.. .

ثم قال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) أي : جميع البلدان التي تفتح هكذا ، فحكمها حكم أموال بني النضير ; ولهذا قال : ( فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ) إلى آخرها والتي بعدها . فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه .

قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، ومعمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر رضي الله عنه ، قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته - وقال مرة : قوت سنته - وما بقي جعله في الكراع والسلاح في سبيل الله ، عز وجل .

هكذا أخرجه أحمد ها هنا مختصرا ، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم - إلا ابن ماجه - من حديث سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري به ، وقد رويناه مطولا ، فقال أبو داود ، رحمه الله :

حدثنا الحسن بن علي ، ومحمد بن يحيى بن فارس - المعنى واحد - قالا : حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس قال : أرسل إلى عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، حين تعالى النهار ، فجئته فوجدته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله ، فقال حين دخلت عليه : يا مال ، إنه قد دف أهل أبيات من قومك ، وقد أمرت فيهم بشيء ، فاقسم فيهم . قلت : لو أمرت غيري بذلك ؟ فقال : خذه . فجاءه يرفا فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ؟ فقال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، ثم جاءه يرفا فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في العباس ، وعلي ؟ قال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا - يعني : عليا - فقال بعضهم : أجل يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما وأرحهما . قال مالك بن أوس : خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك . فقال عمر رضي الله عنه : اتئدا . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " . قالوا : نعم . ثم أقبل على علي ، والعباس فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " . فقالا : نعم . فقال : فإن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحدا من الناس ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) فكان الله أفاء إلى رسوله أموال بني النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ منها نفقة سنة - أو : نفقته ونفقة أهله سنة - ويجعل ما بقي أسوة المال . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم . ثم أقبل على علي ، والعباس فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم . فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بكر : " أنا ولي رسول الله " ، فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر ، تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " . والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق . فوليها أبو بكر ، فلما توفي قلت : أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولي أبي بكر ، فوليتها ما شاء الله أن أليها ، فجئت أنت وهذا ، وأنتما جميع وأمركما واحد ، فسألتمانيها ، فقلت : إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يليها ، فأخذتماها مني على ذلك ، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك . والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فرداها إلي .

أخرجوه من حديث الزهري به . وقال الإمام أحمد :

حدثنا عارم ، وعفان قالا : حدثنا معتمر ، سمعت أبي يقول : حدثنا أنس بن مالك ، عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات ، أو كما شاء الله ، حتى فتحت عليه قريظة ، والنضير . قال : فجعل يرد بعد ذلك ، قال : وإن أهلي أمروني أن آتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ، وكان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاه أم أيمن ، أو كما شاء الله ، قال : فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطانيهن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول : كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن ، أو كما قالت ، فقال نبي الله : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول : كلا والله . قال : ويقول : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول : كلا والله . قال : " ويقول : لك كذا وكذا " . قال : حتى أعطاها ، حسبت أنه قال : عشرة أمثال ، أو قال قريبا من عشرة أمثاله ، أو كما قال .

رواه البخاري ، ومسلم من طرق ، عن معتمر به . .

وهذه المصارف المذكورة في هذه الآية هي المصارف المذكورة في خمس الغنيمة . وقد قدمنا الكلام عليها في سورة " الأنفال " بما أغنى عن إعادته ها هنا ، ولله الحمد .

وقوله : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) أي : جعلنا هذه المصارف لمال الفيء لئلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها ، بمحض الشهوات والآراء ، ولا يصرفون منه شيئا إلى الفقراء .

وقوله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) أي : مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن العوفي ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق قال : جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت : بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة ، أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : بلى ، شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت : والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول ! . قال : فما وجدت فيه : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ؟ قالت : بلى . قال : فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة . قالت : فلعله في بعض أهلك . قال : فادخلي فانظري . فدخلت فنظرت ثم خرجت ، قالت : ما رأيت بأسا . فقال لها : أما حفظت وصية العبد الصالح : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : لعن الله الواشمات ، والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله ، عز وجل . قال : فبلغ امرأة في البيت يقال لها : " أم يعقوب " ، فجاءت إليه فقالت : بلغني أنك قلت كيت وكيت . قال : ما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي كتاب الله . فقالت : إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته . فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه . أما قرأت : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ؟ قالت : بلى . قال : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه . قالت : إني لأظن أهلك يفعلونه . قال : اذهبي فانظري . فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا ، فجاءت فقالت : ما رأيت شيئا . قال : لو كانت كذلك لم تجامعنا .

أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سفيان الثوري .

وقد ثبت في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " . .

وقال النسائي : أخبرنا أحمد بن سعيد ، حدثنا يزيد ، حدثنا منصور بن حيان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر وابن عباس : أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت ، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .

وقوله : ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) أي : اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره ; فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ، وارتكب ما عنه زجره ونهاه .

القول في تأويل قوله تعالى : مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)

يعني بقوله جلّ ثناؤه: (‎مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) الذي ردّ الله عزّ وجلّ على رسوله من أموال مشركي القرى.

واختلف أهل العلم في الذي عنى بهذه الآية من الألوان، فقال بعضهم: عني بذلك الجزية والخراج.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حتى بلغ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ثم قال: هذه لهؤلاء، ثم قال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ... الآية، ثم قال: هذه الآية لهؤلاء، ثم قرأ: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ) حتى بلغ لِلْفُقَرَاءِ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ، ثم قال: استوعبت هذه الآية المسلمين عامة، فليس أحد إلا له حق، ثم قال: لئن عشت ليأتين الراعي وهو يسير حُمُرَه نصيبهُ، لم يعرق فيها جبينه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: ثنا معمر في قوله: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ) حتى (3) بلغني أنها الجزية، والخراج: خَراج أهل القرى.

وقال آخرون: عنى بذلك الغنيمة التي يصيبها المسلمون من عدوّهم من أهل الحرب بالقتال عنوة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، وفتح بالحرب عنوة، ( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ) قال: هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه.

وقال آخرون: عنى بذلك الغنيمة التي أوجف عليها المسلمون بالخيل والركاب، وأخذت بالغلبة، وقالوا كانت الغنائم في بدوّ الإسلام لهؤلاء الذين سماهم الله في هذه الآيات دون المرجفين عليها، ثم نسخ ذلك بالآية التي في سورة الأنفال.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) قال: كان الفيء في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال، فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الأنفال، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر، وكانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله وللرسول، وخمس لقرابة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في حياته، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل؛ فلما قضى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وجه أَبو بكر وعمر رضي الله عنهما هذين السهمين: سهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وسهم قرابته، فحملا عليه في سبيل الله صدقة عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

وقال آخرون: عنى بذلك: ما صالح عليه أهل الحرب المسلمين من أموالهم، وقالوا: قوله: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) ... الآيات، بيان قسم المال الذي ذكره الله في الآية التي قبل هذه الآية، وذلك قوله: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) وهذا قول كان يقوله بعض المتفقهة من المتأخرين.

والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها، وذلك أن الآية التي قبلها مال جعله الله عزّ وجلّ لرسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة دون غيره، لم يجعل فيه لأحد نصيبًا، وبذلك جاء الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: أرسل إليّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدخلت عليه، فقال: إنه قد حضر أهل أبيات من قومك وإنا قد أمرنا لهم برضخ، فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري، قال: اقبضه أيها المرء فبينا أنا كذلك، إذ جاء يرفأ مولاه، فقال: عبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان، وسعد يستأذنون، فقال: ائذن لهم؛ ثم مكث ساعة، ثم جاء فقال: هذا عليّ والعباس يستأذنان، فقال: ائذن لهما؛ فلما دخل العباس قال: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الغادر الخائن الفاجر، وهما جاءا يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من أعمال بني النضير، فقال القوم: اقض بينهما يا أمير المؤمنين، وأرح كلّ واحد منهما من صاحبه، فقد طالت خصومتهما، فقال: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض، أتعلمون أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " لا نُورَثُ ما تَرَكْنَاهْ صَدَقَةٌ" قالوا: قد قال ذلك؛ ثم قال لهما: أتعلمان أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال ذلك؟ قالا نعم؛ قال: فسأخبركم بهذا الفيء، إن الله خصّ نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بشيء لم يعطه غيره، فقال: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فوالله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها دونكم، ولقد قسمها عليكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ينفق على أهله منه سنتهم، ثم يجعل ما بقي في مال الله، فإذَا كانت هذه الآية التي قبلها مضت، وذكر المال الذي خصّ الله به رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ولم يجعل لأحد معه شيئًا، وكانت هذه الآية خبرًا عن المال الذي جعله الله لأصناف شتى، كان معلومًا بذلك أن المال الذي جعله لأصناف من خلقه غير المال الذي جعله للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة، ولم يجعل له شريكًا.

وقوله: ( وَلِذِي الْقُرْبَى ) يقول: ولذي قرابة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من بني هاشم وبني المطلب واليتامى، وهم أهل الحاجة من أطفال المسلمين الذين لا مال لهم؛ والمساكين: وهم الجامعون فاقة وذلّ المسألة؛ وابن السبيل: وهم المنقطع بهم من المسافرين في غير معصية الله عزّ وجلّ.

وقد ذكرنا الرواية التي جاءت عن أهل التأويل بتأويل ذلك فيما مضى من كتابنا.

وقوله: ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه. وجعلنا ما أفاء على رسوله من أهل القرى لهذه الأصناف، كيلا يكون ذلك الفيء دُولة يتداوله الأغنياء منكم بينهم، يصرفه هذا مرّة في حاجات نفسه، وهذا مرّة في أبواب البرّ وسُبلُ الخير، فيجعلون ذلك حيث شاءوا، ولكننا سننا فيه سنة لا تُغير ولا تُبدّل.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سِوى أَبي جعفر القارئ( كَيْ لا يَكُونَ )( دُولَةً ) نصبًا على ما وصفت من المعنى، وأن يكون ذكر الفيء. وقوله: ( دُولَةً ) نصب خبر يكون، وقرأ ذلك أَبو جعفر القارئ( كَيْلا تَكُونَ دُولَةٌ ) على رفع الدولة مرفوعة بتكون، والخبر قوله: ( بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ )، وبضمّ الدال من ( دُولَةً ) قرأ جميع قرّاء الأمصار، غير أنه حُكي عن أَبي عبد الرحمن الفتح فيها.

وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك، إذا ضمت الدال أو فُتحت، فقال بعض الكوفيين: معنى ذلك: إذا فتحت الدولة وتكون للجيش يهزم هذا هذا، ثم يهزم الهازم، فيقال: قد رجعت الدولة على هؤلاء؛ قال: والدولة برفع الدال في الملك والسنين التي تغير وتبدّل على الدهر، فتلك الدولة والدول. وقال بعضهم: فرق ما بين الضمّ والفتح أن الدولة: هي اسم الشيء الذي يتداول بعينه، والدولة الفعل.

والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك: ( كَيْ لا يَكُونَ ) بالياء ( دُولَةً )، بضم الدال ونصب الدولة على المعنى الذي ذكرت في ذلك لإجماع الحجة عليه، والفرق بين الدُّولة والدَّولة بضم الدال وفتحها ما ذكرت عن الكوفيّ في ذلك.

وقوله: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) يقول تعالى ذكره: وما أعطاكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مما أفاء عليه من أهل القرى فخذوه ( وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ )، من الغلول وغيره من الأمور ( فَانْتَهُوا ). وكان بعض أهل العلم يقول نحو قولنا في ذلك، غير أنه كان يوجه معنى قوله: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) إلى ما آتاكم من الغنائم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عديّ، عن عوف، عن الحسن، في قوله: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) قال: يؤتيهم الغنائم ويمنعهم الغلول.

وقوله: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) يقول: وخافوا الله، واحذروا عقابه في خلافكم على رسوله بالتقدّم على ما نهاكم عنه، ومعصيتكم إياه ( إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )، يقول: إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من أهل معصيته لرسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

المعاني :

ٱلۡقُرَىٰ
قُرىً فُتِحَتْ في عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
أي يُصْرَفُ في مصالِحِ المسْلِمِينَ
وَلِذِي الْقُرْبَى
لِأَصْحَابِ قَرَابَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ
وَلِذِي قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وهم بنُو هاشِم، وبنُو المطَّلِبِ
وَالْيَتَامَى
الأَطْفَالِ الفُقَرَاءِ الَّذِينَ مَاتَ آبَاؤُهُمْ
وَٱلۡيَتَٰمَىٰ
الأَطْفَالِ الَّذِين ماتَ آباؤُهم، وهم دُونَ سِنِّ البُلُوغِ
وَٱلۡمَسَٰكِينِ
هم أهلُ الحاجةِ الَّذِينَ لا يَمْلِكُونَ ما يَسُدُّ حاجَتَهَم
وَابْنِ السَّبِيلِ
الغَرِيبِ المُسَافِرِ الَّذِي نَفِدَتْ نَفَقَتُهُ، وَانْقَطَعَ عَنْهُ مَالُهُ
وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ
هو الغريبُ المسافِر الَّذِي نَفِدَتْ نَفَقَتُهُ
دُولَةً
مُلْكًا مُتَدَاوَلًا
دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ
مُداوَلَةً يَتَدَاولُه الأَغْنِياءُ ويتعاقَبُونَ في التَّصَرُّفِ فِيهِ
دُولة بين الأغنياء
مِلكا مُتداولا بينهم خاصة

التدبر :

وقفة
[7] ﴿وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ﴾ هذا الترتيب إنما لنتعلم منه فقه الأولويات.
وقفة
[7] ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾ من محاسن الإسلام مراعاة ذي الحاجة للمال، فَصَرَفَ الفيء لهم دون الأغنياء المكتفين بما عندهم.
وقفة
[7] ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾ كلُّ نظام أو قانون يؤدي إلى أن يكونَ المالُ متداولًا بين الأغنياء وحدهم هو مخالفٌ للإسلام، ومخلٌّ بالتكافل الاجتماعي.
وقفة
[7] ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾ لكيلا يكون الفيء دولة بين الرؤساء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا اغتنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه؛ وهو المرباع فجعله الله لرسوله ﷺ يقسمه فيما أمر به.
وقفة
[7] من أصول الاقتصاد الإسلامي قوله ﷻ: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾.
وقفة
[7] ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه﴾ رد على من أنكر السنة وهذا الآية حجة في إثبات سنة الرسول.
وقفة
[7] ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهوا﴾ وهذه الآية دليل على أن السنة حق وواجب اتباعها وهى مصدر التشريع
وقفة
[7] ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ والقصد من هذا التذييل إزالة ما في نفوس بعض الجيش من حزازة حرمانهم مما أفاء الله على رسوله ﷺ من أرض النضير.
وقفة
[7] ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهوا﴾ يؤلمني جدًّا عندما يقال لشخص: قال رسول الله كذا وكذا، فيقول لك: هل فيه خلاف؟ سبحان الله! المخالف قد يكون معذورًا في مخالفة النص لتأويله، أو عدم علمه، لكن أنت غير معذور، وإذا عذر المتبوع فليس للتابع عذر.
وقفة
[7] ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ قال ابن عاشور: «هذه الآية جامعة للأمر باتباع ما يصدر عن النبي ﷺ من قول أو فعل، ويندرج تحتها جميع أدلة السنة».
وقفة
[7] ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ هنا الحبُّ الحقيقيُّ للنَّبي ﷺ، والذي يتمثَّلُ في الاتِّباعِ أمرًا ونهيًا.
وقفة
[7] ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى.
وقفة
[7] الأخذ بما أمرت به السنة النبوية، وما نهت عنه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾.
وقفة
[7] السُنة كلها في آية واحدة: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾.
وقفة
[7] حَكَمَ الله بقسمة أموال الفيء، ثم قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾؛ لنكون أكثر حرصًا على تحري الحلال والحرام في المال العام.
وقفة
[7] عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: «لَعَنَ عَبْدُ اللَّهِ، الوَاشِمَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ»، فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ: مَا هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «وَمَا لِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ، قَالَ: «وَاللَّهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾» [البخاري 5939].
وقفة
[7] عنايتك بالقرآن لا تعني إقامة حروفه وتضييع حدوده واتخاذه ظهريًّا، وإنما تعني تلاوته وتدبره واتباعك لما جاء به، قال تعالى: ﴿وهذا كتابٌ أنزلناهُ مباركٌ فاتَّبعوه واتّقوا لعلّكم تُرحمون﴾ [الأنعام: 155]، ومما جاء به الأمر باتباع النبي ﷺ، قال تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى:
  • اعربت في الآية الكريمة السابقة. القرى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الالف للتعذر.
  • ﴿ فَلِلّهِ:
  • الجملة الاسمية جواب شرط‍ جازم في محل جزم بما والفاء واقعة في جواب الشرط‍.لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مبتدأ محذوف.التقدير: فهو لله اي في سبيل الله.
  • ﴿ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى:
  • معطوفان بواوي العطف على «لله» مجروران وعلامة جر الكلمة الاولى «الرسول» الكسرة والثانية «ذي» الياء لا نه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف. القربى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الالف للتعذر.
  • ﴿ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ:
  • الكلمات الثلث معطوفات على مجرور وعلامة جر «اليتامى» الكسرة المقدرة على الالف للتعذر. و «المساكين» الكسرة الظاهرة و «ابن» الكسرة الظاهرة وهي مضافة. السبيل: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً:
  • اداة نصب. لا: نافية لا عمل لها. يكون: فعل مضارع ناقص منصوب بكي وعلامة نصبه الفتحة واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على «الفيء».دولة: خبر «يكون» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اي كي لا يكون الفيء او الغنيمة متداولا. او دائرة او دولة جاهلية او أخذه غلبة واثرة جاهلية. وقد اختلف النحاة في عمل «كي» فالزمخشري قد عدها حرفا ناصبا بنفسه دون اضمار «أن» بعده لان حرف الجر لا يدخل على مثله. وقال غيره: هي حرف مصدري يفيد التعليل وتكون جارة اذا تجردت عن اللام اما اذا سبقتها اللام فتكون ناصبة للفعل. وقال سيبويه: هي ناصبة للفعل اذا سبقتها اللام ولا تظهر «أن» بعدها.
  • ﴿ بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بيكون او بدولة وهو مضاف. الاغنياء: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. منكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة للاغنياء اي حالة كونهم منكم والميم علامة جمع الذكور
  • ﴿ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ:
  • الواو عاطفة. ما: معطوفة على «ما» الاولى وتعرب اعرابها. آتى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر فعل الشرط‍ في محل جزم بما والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين -مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. الرسول:فاعل مرفوع بالضمة اي وما اعطاكم اياه الرسول من قسمة غنيمة.
  • ﴿ فَخُذُوهُ:
  • الجملة الفعلية جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بما والفاء رابطة لجواب الشرط‍.خذوه: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخامسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا:
  • معطوفة بالواو على ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ» وتعرب اعرابها اي فانتهوا عنه اي وما نهاكم عن اخذه منها فانتهوا عنه ولا تتبعه انفسكم وفاعل «نهاكم» ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على «الرسول» و «عنه» جار ومجرور متعلق بنهاكم.
  • ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ:
  • الواو استئنافية. اتقوا: تعرب اعراب «خذوا».الله لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. والألف في «اتقوا» فارقة.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. شديد: خبر «ان» مرفوع بالضمة. العقاب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.'

المتشابهات :

البقرة: 211﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
الأنفال: 13﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
الحشر: 4﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۖ وَمَن يُشَاقِّ اللَّـهَ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
المائدة: 2﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
الحشر: 7﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     ولَمَّا كانت الآية السابقة خاصة بأموال بَني النَّضيرِ؛ بَيَّنَ اللهُ هنا مصارف الفيء بصفة عامة، قال تعالى:
﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يكون:
1- بالياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتاء، وهى قراءة عبد الله، وأبى جعفر، وهشام.
دولة:
1- بضم الدال، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة على، والسلمى.

مدارسة الآية : [8] :الحشر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن ..

التفسير :

[8] وكذلك يُعطى من المال الذي أفاءه الله على رسوله الفقراء المهاجرون، الذين اضطرهم كفار «مكة» إلى الخروج من ديارهم وأموالهم يطلبون من الله أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا والرضوان في الآخرة، وينصرون دين الله ورسوله بالجهاد في سبيل الله، أولئك هم الصادقون

ثم ذكر تعالى الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى الأموال أموال الفيء لمن قدرها له، وأنهم حقيقون بالإعانة، مستحقون لأن تجعل لهم، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات، من الديار والأوطان والأحباب والخلان والأموال، رغبة في الله ونصرة لدين الله، ومحبة لرسول الله، فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة والعبادات الشاقة، بخلاف من ادعى الإيمان وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات،

ثم أثنى- سبحانه- على المهاجرين الذين فارقوا أموالهم وعشيرتهم، من أجل إعلاء كلمته- تعالى- فقال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.

قال الإمام الرازي: اعلم أن هذا بدل من قوله- تعالى-: وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... كأنه قيل: أعنى بأولئك الأربعة، هؤلاء الفقراء المهاجرين الذين من صفتهم كذا وكذا.

ثم إنه- تعالى- وصفهم بأمور، أولها: أنهم فقراء، ثانيها: أنهم مهاجرون وثالثها:

أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم، يعنى أن الكفار أجبروهم على الخروج ... ورابعها: أنهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، والمراد بالفضل ثواب الجنة، وبالرضوان: قوله:

وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ.

وخامسها: قوله: وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أى: بأنفسهم وأموالهم.

وسادسها: قوله: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ يعنى أنهم لما هجروا لذّات الدنيا وتحملوا شدائدها لأجل الدين، ظهر صدقهم في دينهم.. .

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف المهاجرين في سبيله، بجملة من المناقب الحميدة.

التي استحقوا بسببها الفلاح والفوز برضوان الله.

قول تعالى مبينا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم ( الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) أي : خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه ( وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) أي : هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم ، وهؤلاء هم سادات المهاجرين .

القول في تأويل قوله تعالى : لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)

يقول تعالى ذكره: كيلا يكون ما أفاء الله على رسوله دُولة بين الأغنياء منكم، ولكن يكون للفقراء المهاجرين. وقيل: عُني بالمهاجرين: مهاجرة قريش.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ من قريظة جعلها لمهاجرة قريش.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَير، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبْزى، قالا كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحجّ عليها ويغزو، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء، وجعل لهم سهمًا في الزكاة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ) ... إلى قوله: ( أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) قال: هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر، خرجوا حبًا لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدّة، حتى لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها.

وقوله: ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ) ، وقوله: ( يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) موضع يبتغون نصب، لأنه في موضع الحال؛ وقوله: ( وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) يقول: وينصرون دين الله الذي بعث به رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقوله: ( أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) يقول: هؤلاء الذين وصف صفتهم من الفقراء المهاجرين هم الصادقون فيما يقولون.

--------

الهوامش :

(3) ‌لعل لفظ "حتى" زائد من النساخ

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[8] ﴿لِلفُقَراءِ المُهاجِرينَ﴾ استغنوا عن المال والمأوى والمكانة بين الأهل، ولكن هدفهم سام: ﴿يَبتَغونَ فَضلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضوانًا﴾.
اسقاط
[8] ﴿لِلفُقَراءِ المُهاجِرينَ الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم وَأَموالِهِم يَبتَغونَ فَضلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضوانًا وَيَنصُرونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقونَ﴾ كيف هو صدقكم بالمقارنة بذلك؟
وقفة
[8] ﴿لِلفُقَراءِ المُهاجِرينَ الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم وَأَموالِهِم يَبتَغونَ فَضلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضوانًا وَيَنصُرونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقونَ﴾ الصدق صدق الأحوال لا صدق الأقوال فحسب، فقد وصف الله الصادقين بأنهم الذين هاجروا ابتغاء فضل الله (إخلاص)، ونيتهم: (نصر الله ورسوله)، فقدِّم اليوم من أفعالك وأحوالك ما يشهد بصدقك.
وقفة
[8] ربما احتاج الصدق إلى تضحية ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.
وقفة
[8] قال أبو بكر بن عياش: أبو بكر الصديق هو خليفة رسول الله في القرآن؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾، فمن سماه الله صادقًا؛ فليس يكذب، وقد ناداه الصحابة، فقالوا: يا خليفة رسول الله.
وقفة
[8] وصف الله المهاجرين -الذين فارقوا ديارهم وأموالهم-: ﴿وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، ولكل عناصر لهما نصيب من الثناء بقدر نصرته، واليوم -ومع كثرة الأوعية الإعلامية- تتيسر النصرة والدفاع عن الرسول بنشر سنته، والذب عنها، وتمثل الأخلاق النبوية، وبقوة تمسكنا بالشرع الذي نصره المهاجرون والأنصار.
اسقاط
[8] ﴿وَيَنصُرونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ﴾ برغم الفقر والهجرة إلا أنهم اجتهدوا لينصروا الله ورسوله، فماذا قدمت أنت مع ما تنعم به من نعم الله عليك؟
وقفة
[8] ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ الصادقون في هذه الآية الذين جمعوا بين صدق اللسان، وصدق الأفعال؛ لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم.

الإعراب :

  • ﴿ لِلْفُقَراءِ:
  • جار ومجرور بدل من قوله لِذِي الْقُرْبى» والمعطوف عليه او يكون بدلا ممن تقدم ذكره باعادة حرف الجر او هو بدل من «المساكين» خاصة. وسبب هذا التخصيص هو خلاف الائمة حول المقصود باستحقاق «الفيء» هل هو موقوف على الفقراء دون الاغنياء ام هو اي الاستحقاق معلق بالقرابة ولم يشرط‍ الله سبحانه الحاجة وعدم اعتبار القرابة مضادة فجاء الالزام بالاعتقاد ان اشتراط‍ الفقر في القرابة واشتراط‍ الحاجة لقرب ما ذكروه بغرض القرب. هذا ما جاء في تفسير الزمخشري. ذكرت ذلك دفعا للالتباس وان كان الهدف هو الاعراب الا ان الحاجة تدعو الى نسب الجار والمجرور «للفقراء» ابدالا مما قبله.
  • ﴿ الْمُهاجِرِينَ:
  • صفة -نعت -للفقراء مجرورة مثلها وعلامة الجر الياء لا نها جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد.
  • ﴿ الَّذِينَ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة ثانية للفقراء. والجملة الفعلية بعده صلته لا محل لها.
  • ﴿ أُخْرِجُوا:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بأخرجوا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. واموالهم: معطوفة بالواو على «ديارهم» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فضلا:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة اي يطلبون.
  • ﴿ مِنَ اللهِ وَرِضْواناً:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة محذوفة من فضلا.ورضوانا معطوفة بالواو على «فضلا» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة وحذف الجار لان ما قبله يدل عليه اي ورضوانا منه.
  • ﴿ وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ:
  • معطوفة بالواو على يَبْتَغُونَ فَضْلاً» وتعرب اعرابها والواو عاطفة. رسوله: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة
  • ﴿ أُولئِكَ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب.والجملة الاسمية بعده في محل رفع خبره.
  • ﴿ هُمُ الصّادِقُونَ:
  • ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. الصادقون:خبر «هم» مرفوع بالوا ولا نه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد اي في ايمانهم وجهادهم.'

المتشابهات :

الحديد: 19﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ
الحجرات: 15﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ
الحشر: 8﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     وبعد الحديث عن أموال الفيء؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أن فقراء المهاجرين هم أولى النَّاس بالأخذ من المال الذي أفاءه اللهُ على رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [9] :الحشر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن ..

التفسير :

[9] والذين استوطنوا «المدينة»، وآمنوا من قبل هجرة المهاجرين -وهم الأنصار- يحبون المهاجرين، ويواسونهم بأموالهم، ولا يجدون في أنفسهم حسداً لهم مما أُعْطوا من مال الفيء وغيره، ويُقَدِّمون المهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم، ولو كان بهم حاجة وفقر، ومن سَلِم من

وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان.

الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم{ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} وهذا لمحبتهم لله ولرسوله، أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه.

{ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} أي:لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها.

ويدل ذلك على أن المهاجرين، أفضل من الأنصار، لأن الله قدمهم بالذكر، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، فدل على أن الله تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة.

وقوله:{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي:ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده وباتوا جياعا، والإيثار عكس الأثرة، فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة، لأنها من خصال البخل والشح، ومن رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه{ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ووقاية شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شح نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر ومادته، فهذانالصنفان، الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام والأئمة الأعلام، الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ما سبقوا به من بعدهم، وأدركوا به من قبلهم، فصاروا أعيان المؤمنين، وسادات المسلمين، وقادات المتقين

ثم مدح- سبحانه- بعد ذلك الأنصار، الذين يحبون من هاجر إليهم فقال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ.

والجملة الكريمة معطوفة على الْمُهاجِرِينَ أو مبتدأ وخبره: يُحِبُّونَ والتبوؤ:

النزول في المكان، ومنه المباءة للمنزل الذي ينزل فيه الإنسان.

والمراد بالدار: المدينة المنورة، وأل للعهد. أى: الدار المعهودة المعروفة وهي دار الهجرة.

وقوله: وَالْإِيمانَ منصوب بفعل مقدر. أى: وأخلصوا الإيمان.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى عطف الإيمان على الدار، ولا يقال: تبوأوا الإيمان؟ ..

قلت معناه: تبوأوا الدار وأخلصوا الإيمان. كقوله: علفتها تبنا وماء باردا.

أى: وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم، لتمكنهم منه، واستقامتهم عليه، كما جعلوا المدينة كذلك.

أو أراد: دار الهجرة ودار الإيمان، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه، وحذف المضاف من دار الإيمان، ووضع المضاف إليه مقامه..

أو سمى المدينة- لأنها دار الهجرة، ومكان ظهور الإيمان- بالإيمان .

وقوله: مِنْ قَبْلِهِمْ أى: من قبل المهاجرين، وهو متعلق بقوله تَبَوَّؤُا.

وقوله: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ خبر المبتدأ، أو حال من الذين تبوأوا الدار ...

أى: هذه هي صفات المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ... وهذا هو جزاؤهم ...

أما الذين سكنوا دار الهجرة وهي المدينة المنورة، من قبل المهاجرين، وأخلصوا إيمانهم وعبادتهم لله- تعالى-، فإن من صفاتهم أنهم يحبون إخوانهم الذين هاجروا إليهم حبا شديدا، لأن الإيمان ربط قلوبهم برباط المودة والمحبة. وقوله: وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا صفة أخرى من صفات الأنصار.

ومعنى: يَجِدُونَ هنا: يحسون ويعلمون، والضمير للأنصار، وفي قوله أُوتُوا للمهاجرين. والحاجة في الأصل: اسم مصدر بمعنى الاحتياج، أى الافتقار إلى الشيء.

والمراد بها هنا: المأرب أو الرغبة الناشئة عن التطلع إلى ما منحه النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين دون الأنصار، من فيء أو غيره.

أى: أن من صفات الأنصار- أيضا- أنهم لا تتطلع نفوسهم إلى شيء مما أعطى للمهاجرين من الفيء أو غيره، لأن المحبة التي ربطت قلوب الأنصار بالمهاجرين، جعلت الأنصار يرتفعون عن التشوف إلى شيء مما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين وحدهم ...

ثم وصفهم- سبحانه- بصفة ثالثة كريمة فقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ....

والإيثار معناه: أن يؤثر الإنسان غيره على نفسه، على سبيل الإكرام والنفع، والخصاصة: شدة الحاجة، وأصلها من خصاص البيت، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتحات.

أى: أن من صفات الأنصار أنهم كانوا يقدمون في النفع إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، ولو كانوا في حاجة ماسة، وفقر واضح، إلى ما يقدمونه لإخوانهم المهاجرين.

ولقد ضرب الأنصار- رضى الله عنهم- أروع الأمثال وأسماها في هذا المضمار، ومن ذلك ما رواه الشيخان والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبى هريرة قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصابنى الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد شيئا، فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا رجل يضيف هذا الرجل الليلة رحمه الله» ؟ فقال رجل من الأنصار- وفي رواية أنه أبو طلحة- فقال: أنا يا رسول الله، فذهب به إلى أهله، فقال لامرأته: أكرمى ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية!! قال: إذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالى فأطفئى السراج، ونطوى بطوننا الليلة لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت.

ثم غدا الضيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد عجب الله الليلة من فلان وفلانة» وأنزل الله فيهما: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.. .

وقوله- سبحانه-: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ تذييل قصد به حض الناس على التحلي بفضيلة السخاء والكرم.

والشح: يرى بعضهم أنه بمعنى البخل، ويرى آخرون أن الشح غريزة في النفس تحملها على الإمساك والتقتير، وأما البخل فهو المنع ذاته، فكأن البخل أثر من آثار الشح.

قال صاحب الكشاف: «الشح» - بالضم والكسر وقد قرئ بهما-: اللؤم، وأن تكون نفس المرء كزة حريصة على المنع كما قال الشاعر:

يمارس نفسا بين جنبيه كزّة ... إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا

وقد أضيف إلى النفس لأنه غريزة فيها، وأما البخل فهو المنع نفسه، ومنه قوله- تعالى-: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ... .

أى: ومن يوق- بتوفيق الله وفضله- شح نفسه وحرصها على الإمساك، فيخالفها فيما تأمره به من المنع والتقتير. فأولئك الذين يخالفونها هم المفلحون، الفائزون برضا الله- عز وجل-.

ومن الأحاديث التي وردت في النهى عن الشح، ما أخرجه مسلم- في صحيحه- عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم» .

ثم قال تعالى مادحا للأنصار ، ومبينا فضلهم ، وشرفهم ، وكرمهم ، وعدم حسدهم ، وإيثارهم مع الحاجة ، فقال : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) أي : سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم .

قال عمر : وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم كرامتهم . وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل ، أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفو عن مسيئهم . رواه البخاري ها هنا أيضا .

وقوله : ( يحبون من هاجر إليهم ) أي : من كرمهم وشرف أنفسهم ، يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم .

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حميد ، عن أنس ، قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، ولا أحسن بذلا في كثير ، لقد كفونا المؤنة ، وأشركونا في المهنإ ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله ! قال : " لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم " .

لم أره في الكتب من هذا الوجه .

وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال : دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار أن يقطع لهم البحرين ، قالوا : لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها . قال : " إما لا فاصبروا حتى تلقوني ، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة " .

تفرد به البخاري من هذا الوجه

قال البخاري : حدثنا الحكم بن نافع ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قالت الأنصار : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل . قال : لا . فقالوا : تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة ؟ قالوا : سمعنا وأطعنا . تفرد به دون مسلم .

( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) أي : ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف ، والتقديم في الذكر والرتبة .

قال : الحسن البصري : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة ) يعني : الحسد .

( مما أوتوا ) قال قتادة : يعني فيما أعطى إخوانهم . وكذا قال ابن زيد . ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أنس قال : كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . فطلع رجل من الأنصار تنظف لحيته من وضوئه ، قد تعلق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى . فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت . قال : نعم . قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا ، غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ، ذكر الله وكبر ، حتى يقوم لصلاة الفجر . قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله ، قلت : يا عبد الله ، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لك ثلاث مرار : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . فطلعت أنت الثلاث المرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به ، فلم أرك تعمل كثير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت . فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه . قال عبد الله : هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا تطاق .

ورواه النسائي في اليوم والليلة ، عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن معمر به ، وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ، لكن رواه عقيل ، وغيره ، عن الزهري ، عن رجل ، عن أنس . فالله أعلم .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) يعني ( مما أوتوا ) المهاجرون . قال : وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم من الأنصار ، فعاتبهم الله في ذلك ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) قال : وقال رسول الله : " إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم " . فقالوا : أموالنا بيننا قطائع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أو غير ذلك ؟ " . قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " هم قوم لا يعرفون العمل ، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر " . فقالوا : نعم يا رسول الله

وقوله : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) يعني : حاجة ، أي : يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك .

وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أفضل الصدقة جهد المقل " . وهذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله : ( ويطعمون الطعام على حبه ) [ الإنسان : 8 ] . وقوله : ( وآتى المال على حبه ) [ البقرة : 177 ] .

فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به ، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به ، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه . ومن هذا المقام تصدق الصديق رضي الله عنه ، بجميع ماله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أبقيت لأهلك ؟ " . فقال : أبقيت لهم الله ورسوله . وهذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك ، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه ، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء ، فرده الآخر إلى الثالث ، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم ، رضي الله عنهم وأرضاهم .

وقال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا فضيل بن غزوان ، حدثنا أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة قال : أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أصابني الجهد ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألا رجل يضيف هذا الليلة ، رحمه الله ؟ " . فقام رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله . فذهب إلى أهله فقال لامرأته : ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدخريه شيئا . فقالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية . قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة . ففعلت ، ثم غدا الرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لقد عجب الله - عز وجل - أو : ضحك من فلان وفلانة " . وأنزل الله عز وجل : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .

وكذا رواه البخاري في موضع آخر ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن فضيل بن غزوان به نحوه . وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة ، رضي الله عنه .

وقوله : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) أي : من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح .

قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا داود بن قيس الفراء ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إياكم والظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " .

انفرد بإخراجه مسلم فرواه عن القعنبي ، عن داود بن قيس به . .

وقال الأعمش ، وشعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا الظلم ; فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الفحش ، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ، وإياكم والشح ; فإنه أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا " .

ورواه أحمد ، وأبو داود من طريق شعبة ، والنسائي من طريق الأعمش كلاهما عن عمرو بن مرة به .

وقال الليث عن يزيد بن الهاد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن صفوان بن أبي يزيد ، عن القعقاع بن اللجلاج ، عن أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، أخبرنا ابن المبارك ، حدثنا المسعودي ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني أخاف أن أكون قد هلكت فقال له عبد الله : وما ذاك ؟ قال : سمعت الله يقول : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) وأنا رجل شحيح ، لا أكاد أن أخرج من يدي شيئا ! فقال عبد الله : ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن ، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما ، ولكن ذلك البخل ، وبئس الشيء البخل "

وقال سفيان الثوري ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الهياج الأسدي قال : كنت أطوف بالبيت ، فرأيت رجلا يقول : اللهم قني شح نفسي " . لا يزيد على ذلك ، فقلت له ، فقال : إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل " ، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه ، رواه ابن جرير

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن إسحاق ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا مجمع بن جارية الأنصاري ، عن عمه يزيد بن جارية ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بريء من الشح من أدى الزكاة ، وقرى الضيف ، وأعطى في النائبة " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)

يقول تعالى ذكره: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ ) يقول: اتخذوا المدينة مدينة الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فابتنوها منازل، ( وَالإيمَانَ ) بالله ورسوله ( مِنْ قَبْلِهِمْ ) يعني: من قبل المهاجرين، ( يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ) : يحبون من ترك منـزله، وانتقل إليهم من غيرهم، وعُنِي بذلك الأنصار يحبون المهاجرين.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) قال: الأنصار نعت. قال محمد بن عمرو: سفاطة أنفسهم. وقال الحارث: سخاوة أنفسهم عندما روى عنهم من ذلك، وإيثارهم إياهم ولم يصب الأنصار من ذلك الفيء شيء.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ) يقول: مما أعطوا إخوانهم هذا الحيّ من الأنصار، أسلموا في ديارهم، فابتنوا المساجد والمسجد، قبل قدوم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأحسن الله عليهم الثناء في ذلك، وهاتان الطائفتان الأوّلتان من هذه الآية، أخذتا بفضلهما، ومضتا على مَهَلهما، وأثبت الله حظهما في الفيء.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله الله عزّ وجلّ: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ ) قال: هؤلاء الأنصار يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين.

وقوله: ( وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ) يقول جلّ ثناؤه: ولا يجد الذين تبوّءوا الدار من قبلهم، وهم الأنصار في صدورهم حاجة، يعني &; 23-283 &; حسدا مما أوتوا، يعني مما أوتي المهاجرين من الفيء، وذلك لما ذُكر لنا من أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين الأوّلين دون الأنصار، إلا رجلين من الأنصار، أعطاهما لفقرهما، وإنما فعل ذلك لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أَبي بكر، أنه حدّث أنّ بني النضير خَلَّوا الأموال لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فكانت النضير لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة، يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على المهاجرين الأوّلين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حُنيف وأبا دُجانة سمِاك بن خَرَشَة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ) المهاجرون. قال: وتكلم في ذلك: ( يعني أموال بني النضير) بعضُ من تكلمَّ من الأنصار، فعاتبهم الله عزّ وجلّ في ذلك فقال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . قال، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لهم: " إنَّ إخْوَانَكُمْ قَدْ تَرَكُوا الأمْوَالَ وَالأولاد وَخَرَجُوا إلَيْكُمْ" فقالوا: أموالنا بينهم قطائع، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " أو غَيْرَ ذَلِكَ؟ " قالوا: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: " هُمْ قَوْمٌ لا يعْرِفُونَ العَمَلَ فَتَكْفُونَهُمْ وَتُقَاسِمُونَهُمْ الثَّمَر "، فقالوا: نعم يا رسول الله.

وبنحو الذي قلنا في قوله: ( وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا سليمان أَبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أَبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ) قال: الحسد.

قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أَبي رجاء، عن الحسن ( حَاجَةً فِي صُدُورِهِمْ ) قال: حسدًا في صدورهم.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن مثله.

وقوله: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: وهو يصف الأنصار الذين تبوّءُوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثارًا لهم بها على أنفسهم، ( وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم، والخصاصة: مصدر، وهي أيضًا اسم، وهو كلّ ما تخلَّلته ببصرك كالكوة والفرجة في الحائط، تجمع خَصَاصَات وخِصَاص، كمال قال الراجز:

قَــدْ عَلِــمَ المَقَاتِــلاتُ هَجَّــا (4)

والنَّــاظراتُ مِنْ خَصَــاصٍ لَمْجـا

لأورِيَنْــهَـا دُلَجـــا أوْ مُنْجَـــا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أَبي حازم، عن أَبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ليضيفه، فلم يكن عنده ما يضيفه، فقال: " ألا رجل يضيف هذا رحمه الله؟ " فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نوّمي الصبية، وأطفئي المصباح وأريه بأنك تأكلين معه، واتركيه لضيف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ففعلت فنـزلت ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن فضيل، عن غزوان، عن أَبي حازم، عن أَبي هريرة، أن رجلا من الأنصار بات به ضيف، فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: نَوَّمِي الصِّبْيَة وأطفئي المصباح، وقرّبي للضيف ما عندك، قال: فنـزلت هذه الآية ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) يقول تعالى ذكره: من وقاه الله شحّ نفسه ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المخلَّدون في الجنة. والشحّ في كلام العرب: البخل، ومنع الفضل من المال؛ ومعه قول عمرو بن كلثوم:

تَــرَى اللَّحِـزَ الشَّـحِيحَ إذَا أُمِـرَّتْ

عَلَيْـــهِ لِمَالِـــهِ فِيهَــا مُهِينًــا (5)

يعني بالشحيح: البخيل، يقال: إنه لشحيح بين الشحّ والشحّ، وفيه شحة شديدة وشحاحة. وأما العلماء فإنهم يرون أن الشحّ في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حقّ.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا المسعودي، عن أشعث، عن أَبي الشعثاء، عن أبيه، قال: أتى رجل ابن مسعود فقال: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: أسمع الله يقول: ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء، قال: ليس ذاك بالشحّ الذي ذكر الله في القرآن، إنما الشحّ أن تأكل مال أخيك ظلمًا، ذلك البخل، وبئس الشيء البخل.

حدثني يحي بن إبراهيم، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن جامع، عن الأسود بن هلال قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال يا أبا عبد الرحمن، إني أخشى أن تكون أصابتني هذه الآية ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) والله ما أعطي شيئًا أستطيع منعه، قال: ليس ذلك بالشحّ، إنما الشحّ أن تأكل مال أخيك بغير حقه، ولكن ذلك البخل.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جُبَير، عن أَبي الهياج الأسدي، قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلا يقول: اللهمّ قني شحّ نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال. إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل شيئًا، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف.

حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، قال: ثنا مجمع بن جارية الأنصاري، عن عمه يزيد بن جارية الأنصاري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " برئ مِنَ الشُّحِّ مَنْ أَدَّّى الزَّكَاةَ، وَقَرَى الضَّيْفَ، وَأعْطَى في النَّائِبَةِ"

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا زياد بن يونس أبو سلامة، عن نافع بن عمر المكي، عن ابن أَبي مليكة، عن عبد الله بن عمر، قال: إن نجوت من ثلاث طمعت أن أنجو. قال عبد الله بن صفوان ما هنّ أنبيك فيهنّ، قال: أخرج المال العظيم، فأخرجه ضرارًا، ثم أقول: أقرض ربي هذه الليلة، ثم تعود نفسي فيه حتى أعيده من حيث أخرجته، وإن نجوت من شأن عثمان، قال ابن صفوان: أما عثمان فقُتل يوم قُتل، وأنت تحبّ قتله وترضاه، فأنت ممن قتله؛ وأما أنت فرجل لم يقك الله شحّ نفسك، قال: صدقت.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ: ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) قال: من وقي شحّ نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئًا، ولم يقربه، ولم يدعه الشحّ أن يحبس من الحلال شيئًا، فهو من المفلحين، كما قال الله عزّ وجل.

وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) قال: من لم يأخذ شيئًا لشيء نهاه الله عزّ وجلّ عنه، ولم يدعه الشحّ على أن يمنع شيئًا من شيء أمره الله به، فقد وقاه الله شحّ نفسه، فهو من المفلحين.

-----------

الهوامش :

(4) هذه ثلاثة أبيات من مشطور الرجز لم أجدها في معاني القرآن للفراء ولا في مجاز القرآن لأبي عبيدة، ولا في اللسان. وليست على بينة من صحة بعض ألفاظها. والمؤلف استشهد بها في هذه الموضع على أن الخصاص جمع خصاصة. وفي (اللسان: الخصاص): الفرج بين الأثافي والأصابع، وقالوا لخروق المصفاة والمنخل خصاص. وخصاص المنخل والباب والبرقع وغيره: خلله، واحدته: خصاصة (وكله بفتح الخاء).

(5) ‌البيت من معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي (انظره في شرحي الزوزني والتبريزي على المعلقات) واللحز: الضيق الصدر السيىء الخلق اللئيم. والشحيح: البخيل: الحريص. والجمع الأشحة والأشحاء، والفعل: شح يشح. والمصدر: الشح، وهو البخل معه حرص. يقول: ترى الإنسان الضيق الصدر البخيل الحريص مهينا لما له فيها، أي في شربها، إذا أمرت عليه الخمر، أي أديرت عليه. وقد استشهد المؤلف بالبيت عند قوله تعالى: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".

المعاني :

تَبَوَّؤُوا الدَّارَ
اسْتَوْطَنُوا المَدِينَةَ
تَبَوَّءُو
اسْتَوطَنُوا وَتَمَكَّنُوا
ٱلدَّارَ
المدِينَةَ، وهي دارُ الهِجْرَةِ
تـبَـوّءوا الدار و الإيمان
تـَـوَطّـنوا المدينة و أخلصوا الإيمان
حَاجَةً
حَسَدًا
حاجَة
حَزَازَةً و حَسَدًا
مِّمَّا أُوتُوا
مِمَّا أُعْطُوا مِنْ مَالِ الفَيْءِ وَغَيْرِهِ
مِّمَّآ أُوتُواْ
مِمَّا أُعْطِي المهاجِرُونَ من فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ
وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ
وَيُقَدِّمُونَ غيرَهُم مِنَ المهاجِرِينَ وَذَوِي الحاجةِ عَلَى أَنْفُسِهِم
خَصَاصَةٌ
حَاجَةٌ، وَفَقْرٌ
خَصَاصَةࣱۚ
شِدَّةُ احْتِياجٍ
خصاصة
فقـْـرٌ و احتياج
يُوقَ
يُكْفَ وَيُجَنَّبْ
وَمَن يُوقَ
وَمَن سَلَّمَهُ اللهُ فمُنِعَ
منْ يوق
منْ يُجَنّبْ و يُـكْـفَ
شُحَّ نَفْسِهِ
الشُّحُّ: بُخْلٌ بِالمَالِ مَعَ حِرْصٍ عَلَيْهِ، وَتَطَلُّعٍ لِمَا بِيَدِ غَيْرِهِ
شُحَّ نَفۡسِهِۦ
بُخْلَها مَعَ حِرْصِها
شحّ نفسه
بُخْـلها مع الحرص على المنع
ٱلۡمُفۡلِحُونَ
الفائِزُونَ بِمَطْلُوبِهِم

التدبر :

وقفة
[9] ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالِإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ (الدَّارَ) أي المدينة اتخذوها منزلًا، فقولُه بعده: (وَالِإيمَانَ) منصوبٌ بـ (تبوَّءوا) بتضمنه لزموا، أو بمقدَّر أي واعتقدوا، أو وأخلصوا، أو واختاروا الِإيمان، لأن الِإيمان لا يُتَّخذُ منزلًا، فهو على الثاني من باب: (علفتُها تِبْنًا وماءً باردًا) أو منصوب بتبوءوا بلا تضمين، على أنه مجازٌ، بجعله منزلًا لهم، لتمكنهم فيه كتمكنهم في المدينة، ففي (تبوَّءوا) جمعٌ بين الحقيقة والمجاز، وهو جائزٌ عند الشافعي.
وقفة
[9] ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ لله درهم لم يسألوا عن قبائلهم ولا ألوانهم ولا أموالهم ولا قراباتهم ولا أواطانهم! أحبوهم لأنهم هاجروا فحسب.
وقفة
[9] ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ مع أن المهاجرين فقراء، حاجتهم للطعام والمأوى أشد من غيرها، لكن نص على الحب لذاتهم، لأن الحب والله أعلم أعظم حاجاتنا.
وقفة
[9] ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ ليس مهما كم عددهم، إنها قلوب تزداد مساحة الحب فيها على الدوام إنها مرافئ للقلوب, لا تنفك عن استقبال المراكب المهاجرة.
وقفة
[9] ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ قد تُكرم من يأتيك ويأوي إليك وقلبك يكره ذلك، أو تجد نفسك تستثقله، أما الإكرام مع المحبة فهذا عمل نادر ومنزلة عالية نالها الأنصار، اللهم ارضَ عنهم.
وقفة
[9] ﴿يحبون من هاجر إليهم﴾ أولئك قوم ملكوا الدنيا بتلك المبادئ، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
عمل
[9] قدم هدية لمسلم جديد أو طالب علم تغرَّب عن وطنه ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾.
وقفة
[9] إذا أردت أن تعرف بعض مزايا الأنصار النادرة، فقف وتأمل: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ فعبر بـ (الحب) دون غره كـ (القبول والرضا والإكرام)؛ لأن الناس –غالبًا- يتضايقون ممن يفد إليهم من بلاد أخرى، بل قد لا يتحمل بعضهم ضيفًا عزيزًا بضعة أيام، فكيف بمن سيشاركهم الإقامة والمعيشة!
وقفة
[9] سئل أبو الحسن البوشنجي عن الفتوة -أي: الرجولة التي يتفاخر بها بعض الناس-؟ فقال: «الفتوَّة عندي في آية من كتاب الله، وخبر عن النبي ﷺ، فالآية قوله تعالى: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾، والخبر: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [البخاري 13]، فمن اجتمعنا فيه؛ فله الفتوَّة».
وقفة
[9] ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا﴾ أحسن ما قيل فيه: لا يحسدون إخوانهم على فضل ما أعطاهم الله.
وقفة
[9] ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ فأخبر عنهم بأنهم يبذلون ما عندهم من الخير مع الحاجة، وأنهم لا يكرهون ما أنعم به على إخوانهم، وضد الأول البخل، وضد الثاني الحسد، ولهذا كان البخل والحسد من نوع واحد؛ فإن الحاسد يكره عطاء غيره، والباخل لا يحب عطاء نفسه.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ من مواطن الإيثار أن تتسامح في عناية محبيك بك, ليمنحوها لغيرك.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ﴾ افعلها ولو مرة لتكون من ضمنهم، وأنفق مما تحتاجه بشدة ولا تستغنى عنه.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ لولا أنَّ اللهَ شَهِدَ لهم بذلك ما صدَّقتَ أنَّ أحدًا يؤثرُ أحدًا على نفسِه.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ المِحَنُ تُظهِرُ معادنَ النَّاسِ.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ النفوس الكريمة لا تعرف الشح؛ حتى لو كانت يدها خالية، فالعطاء من جبلتها.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ وهذا إنما هو في فضول الدنيا، لا الأوقات المصروفة في الطاعات؛ فإن الفلاح كل الفلاح في الشح بها؛ فمن لم يكن شحيحًا بوقته تركه الناس على الأرض عيانًا مفلسًا، فالشح بالوقت هو عمارة القلب وحفظ رأس ماله، ومما يدل على هذا: أنه سبحانه أمر بالمسابقة في أعمال البر، والتنافس فيها، والمبادرة إليها، وهذا ضد الإيثار بها.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ فيه مدح الإيثار في حظوظ النفس والدنيا.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ الإيثار منقبة عظيمة من مناقب الإسلام ظهرت في الأنصار أحسن ظهور.
وقفة
[9] ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ هذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [الإنسان: 8]، ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: 177]؛ فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم إلى ما أنفقوه.
وقفة
[9] ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصاصة﴾ عندما تتسع القلوب بمعالي الأخلاق، تجد في الضيق مع مَن تحب سَعةً، وفي تقديمه على النفس ولو مع الحاجة جمالًا، تلك قلوبٌ لا يطمع فيها حسدٌ، ولا يستطيع تسلقَ شواهقِها غِلٌّ.
وقفة
[9] ﴿ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ ولأن هذه من أعلى درجات الإثار، ولا يستطيعها إلا القليل؛ خصهم الله بالذكر.
وقفة
[9] كم نحن بحاجة إلى نفوس كبار! ﴿يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾، معاني تسطرها الأفعال، وتجسدها المواقف، أثرها عميق، وأجرها كبير.
عمل
[9] أعط أحد الفقراء نصيبك من الطعام لهذا اليوم؛ إيثارًا لما عند الله ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
وقفة
[9] ﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ يمنحون البسمة، وقلوبهم تذوي حزنًا.
وقفة
[9] ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ قال ابن القيم: «الفرق بين الشح والبخل أنَّ الشح: هو شدَّة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله، والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله».
وقفة
[9] ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ قال ابن مسعود: «البخل: أن تمنع ما تقدر عليه، والشح: أن تأخذ مال أخيك بغير حقه»؛ ولذا قال الأزهري: «إن من أخرج زكاته، وعف عن المال الذي لا يحلُّ له؛ فقد وقي شحَّ نفسه».
تفاعل
[9] ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ قل: «اللهم قني شح نفسي».
وقفة
[9] ﴿ومن يوق شح نفسه﴾ هل الشح هنا بمعنى البخل؟ الجواب: الشح في أصل مادته اللغوية: الأصل فيه المنع، ثم يكون منعًا مَعَ حِرص، ومن ذلك الشُّحُّ، وهو البُخل مع حِرص، ويقال: تَشَاحَّ الرّجلانِ على الأمر، إذا أراد كلُّ واحدٍ منهما الفوزَ به ومنْعَه من صاحبه.
وقفة
[9] ﴿وَمَن يوقَ شُحَّ نَفسِهِ﴾ هو ليس بالأمر الهين، ولكن الجزاء مشجع للعمل ﴿فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾.
وقفة
[9] ﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، إنما الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له.
عمل
[9] ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ حين تُعطِي وأنتَ محتاجٌ فتقَاسِمُ أخاكَ خُبزتَك ولُقمتَك وقِرشَك فذاكَ الفلاحُ.
وقفة
[9] ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ فإنه إذا وُقِي العبد شُحَّ نفسه سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعًا منقادًا، منشرحًا بها صدره، وسمحت نفسه بتركه ما نهى الله عنه وإن كان محبوبًا للنفس تدعو إليه وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز.
وقفة
[9] يؤسفنا كثيرًا أن يقع المسلمون في التكالب العظيم على جمع الدنيا وهم يقرءون قول الله عز وجل: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فإن هذه القضية العامة الكلية تدل بمنطوقها على حصول الفلاح لمن وقاه الله شح نفسه، وتدل بمفهومها على حصول الخسارة لمن لم يوق شح نفسه، وهذا هو الواقع.
وقفة
[9] عندما يذكر الله فضل قوم أو كرامة لأحد أوليائه يبين أن من أراد أن يسلك طريق هؤلاء فله مثلهم، فحين ذكر فضل الأنصار قال: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وبعد أن بين سبب نجاة يونس قال: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88]، وفي سياق ذكر سبب شفاء أيوب قال: ﴿وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 84]، فما أكرمه من إله!
وقفة
[9] مَن ملك نفسَه، وقهرَها، ودانها، عزَّ بذلك، لأنه انتصر على أشدِّ أعدائه ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وقفة
[9] من نجا من شح نفسه كان من المفلحين ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
تفاعل
[9] ﴿فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من المفلحين.
وقفة
[9، 10] ما أعظمَ سلامةَ الصَّدْر! وصَف اللهُ بها الأنصارَ فقال: ﴿ولا يجدون في صدورهم حاجة﴾ وذكرها في التابعين لهم بإحسان ﴿ولا تجعل في قلوبنا غِلّاً﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر معطوف على «المهاجرين» وهم الانصار. ويجوز ان تكون الواو استئنافية و «الذين» في محل رفع مبتدأ والجملة الفعلية يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» في محل رفع خبره.
  • ﴿ تَبَوَّؤُا الدّارَ:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. الدار: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة اي سكنوا الدار.
  • ﴿ وَالْإِيمانَ:
  • معطوفة بالواو على «الدار» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة بمعنى تبوءوا الدار واخلصوا الايمان اي وجعلوا الايمان مستقرا ومتوطنا لهم وهنا حذف عامل معطوف بالواو مع بقاء الواو وبقاء عطوفها والمعطوف عليه لان الكلام دال عليه. اي: واعتقدوا الايمان لان الايمان لا يتبوأ او يكون بمعنى: دار الهجرة ودار الايمان فأقيم لائم التعريف في الدار مقام المضاف اليه وحذف المضاف من دار الايمان ووضع المضاف اليه مقامه.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بتبوّءوا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة اي من قبل المهاجرين او هجرتهم.
  • ﴿ يُحِبُّونَ مَنْ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية بعده صلته لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ هاجَرَ إِلَيْهِمْ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الى: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بإلى والجار والمجرور متعلق بهاجر اي من لحق بهم.
  • ﴿ وَلا يَجِدُونَ:
  • الواو عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. يجدون: تعرب اعراب «يحبون» اي ولا يعلمون.
  • ﴿ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً:
  • جار ومجرور متعلق بيجدون او متعلق بحال محذوفة لحاجة لا نه متعلق بصفة مقدمة لحاجة. حاجة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة اي في انفسهم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِمّا أُوتُوا:
  • اصلها: من: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحاجة. اوتوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم الظاهر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة. وجملة «اوتوا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد-الراجع -الى الموصول محذوف منصوب المحل لا نه مفعول به التقدير: مما اوتوه اي اعطوه من الغنيمة او مما اوتي المهاجرون اي اعطوه من الفيء وغيره.
  • ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على «يحبون» وتعرب اعراب يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ».
  • ﴿ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ:
  • الواو حالية. لو: مصدرية. والجملة بتأويل مصدر في محل نصب حال من الضمير في «يؤثرون» التقدير مفروضة خصاصتهم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح والباء حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبر «كان» المقدم. خصاصة: اسم «كان» مرفوع بالضمة اي خلة او حاجة.
  • ﴿ وَمَنْ يُوقَ:
  • الواو استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر «من».يوق: فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه حذف آخره -حرف العلة -ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ شُحَّ نَفْسِهِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. نفسه: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وقد اضيف الى النفس لا نه غريزة فيها اي ومن غلب ما امرته به بمعونة الله.
  • ﴿ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
  • الجملة الاسمية جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن والفاء رابطة لجواب الشرط‍ وما بعده يعرب اعراب أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ» في الآية السابقة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ رَوى جَعْفَرُ بْنُ بُرْقانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، أنَّ الأنْصارَ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اقْسِمْ بَيْنَنا وبَيْنَ إخْوانِنا مِنَ المُهاجِرِينَ الأرْضَ نِصْفَيْنِ. قالَ: ”لا، ولَكِنَّهم يَكْفُونَكُمُ المَئُونَةَ، وتُقاسِمُونَهُمُ الثَّمَرَةَ، والأرْضُ أرْضُكم“ . قالُوا: رَضِينا. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ .أخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ المُؤَذِّنُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَلِيٍّ الفَقِيهُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنصُورِ بْنِ أبِي الجَهْمِ السَّبِيعِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوانَ، عَنْ أبِي حازِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَفَعَ إلى رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ رَجُلًا مِن أهْلِ الصُّفَّةِ، فَذَهَبَ بِهِ الأنْصارِيُّ إلى أهْلِهِ، فَقالَ لِلْمَرْأةِ: هَلْ مِن شَيْءٍ ؟ قالَتْ: لا إلّا قُوتُ الصِّبْيَةِ. قالَ: فَنَوِّمِيهِمْ، فَإذا نامُوا فَأْتِينِي بِهِ، فَإذا وضَعْتِ فَأطْفِئِي السِّراجَ. قالَ: فَفَعَلَتْ، وجَعَلَ الأنْصارِيُّ يُقَدِّمُ إلى ضَيْفِهِ ما بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ غَدا بِهِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: ”لَقَدْ عَجِبَ لِفِعالِكُما أهْلُ السَّماءِ“ . ونَزَلَتْ: ﴿ويُؤْثِرُونَ عَلى أنفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾ .رَواهُ البُخارِيُّ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ داوُدَ. ورَواهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وكِيعٍ، كِلاهُما عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوانَ.أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إسْحاقَ المُزَكِّي، قالَ: حَدَّثَنا أبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلِيطِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو العَبّاسِ بْنُ عِيسى بْنِ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا المُسْتَجِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، قالَ: حَدَّثَنا القاسِمُ بْنُ الحَكَمِ العُرَنِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَأْسُ شاةٍ، فَقالَ: إنَّ أخِي فُلانًا وعِيالَهُ أحْوَجُ إلى هَذا مِنّا. فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ واحِدٌ إلى آخَرَ حَتّى تَداوَلَهُ سَبْعَةُ أهْلِ أبْياتٍ، حَتّى رَجَعَتْ إلى الأوَّلِ، فَنَزَلَتْ: ﴿ويُؤْثِرُونَ عَلى أنفُسِهِمْ﴾ . إلى آخِرِ الآيَةِ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     ولَمَّا مَدَحَ اللهُ المهاجِرينَ، وأعطاهم فطابت نُفوسُ الأنصارِ بذلك، وكانوا في كُلِّ حالٍ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غايةِ الطَّاعةِ له؛ أتْبَعَه مَدْحَهم؛ جَبرًا لهم، وشُكرًا لصَنيعِهم، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يوق شح:
1- بإسكان الواو وتخفيف القاف وضم الشين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ.
2- بكسر الشين، وهى قراءة أبى حيوة، وابن أبى عبلة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف