97114115116117118119120121

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (114) الى الآية رقم (116) عدد الآيات (3)

لَمَّا لم تَخلُ القصَّةُ السابقةُ مِن تناجٍ لتدبيرِ الخيانةِ بَيَّنَ هنا أنواعَ النَّجوي التي يحبُّها اللهُ، وذكرَ ثوابَ الذينَ يتناجوْنَ بالخيرِ، وعقابَ من يخالفُ ويشاققُ، وأن كلَّ ذنبٍ قابلٌ للمغفرةِ إلا الشركَ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (117) الى الآية رقم (121) عدد الآيات (5)

لمَّا ذكرَ حكمَ الشركِ بَيَّنَ هنا حالَ المشركينَ العابدينَ للأصنامِ وأنَّهم في الحقيقةِ يعبدُون الشيطانَ الذي أقسَمَ أن يتَّخذَ نصيبًا مفروضًا من العِبادِ، ثُمَّ ذكَر ما يعتزمُ فعلَه بهم.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 97

97

مدارسة الآية : [114] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن ..

التفسير :

[114] لا نفع في كثير من كلام الناس سرّاً فيما بينهم، إلا إذا كان حديثاً داعياً إلى بذل المعروف من الصدقة، أو الكلمة الطيبة، أو التوفيق بين الناس، ومن يفعل تلك الأمور طلباً لرضا الله تعالى راجياً ثوابه، فسوف نؤتيه ثواباً جزيلاً واسعاً.

أي:لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه. ثم استثنى تعالى فقال:{ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ْ} من مال أو علم أو أي نفع كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة"الحديث.{ أَوْ مَعْرُوفٍ ْ} وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه، وإذا أطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، وأيضا لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر. وأما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي.{ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ْ} والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، بل وفي الأديان كما قال تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ْ} وقال تعالى:{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ْ} الآية. وقال تعالى:{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ْ} والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله. كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا يتم له مقصوده كما قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ْ}. فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء. ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال:{ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ْ} فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا، لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل.

وقوله- تعالى-: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ. إشارة إلى ما جبل عليه كثير من الناس من إخفاء الأقوال أو الأعمال التي فيها شر ومضرة، ومن إعلان الأقوال أو الأفعال التي من ورائها خير ومنفعة. وقوله نَجْواهُمْ أى:

مما يتناجى به الناس ويتكلمون فيه. والنجوى: اسم مصدر بمعنى المسارة. يقال: نجوته نجوا ونجوى وناجيته مناجاة. أى: ساررته بكلام على انفراد. وأصله: أن تعلو بمن تناجيه بسر معين في نجوة من الأرض. أى في مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله. وقيل: أصله من النجاة، لأن الإسرار بالشيء فيه معاونة على النجاة. وتطلق النجوى على القوم المتناجين كما في قوله- تعالى- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى.

والضمير في قوله مِنْ نَجْواهُمْ يعود إلى الناس جميعا، ويدخل فيه أولئك الذين كانوا يختانون أنفسهم ومن على شاكلتهم دخولا أوليا.

والمعروف- كما يقول الآلوسى- هو كل ما عرفه الشرع واستحسنه، فيشمل جميع أنواع البر كقرض وإغاثة ملهوف وإرشاد ضال إلى غير ذلك. ويراد به هنا ما عدا الصدقة وما عدا ما أشير إليه بقوله- تعالى- أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ .

والمعنى: لا خير في كثير من الكلام الذي يتناجى فيه الناس، ويتحدثون به سرا، إلا في نجوى من أمر غيره سرا بصدقة يزكى بها ماله، وينفع بها المحتاج إليها، أو من أمر غيره بالإكثار من أعمال البر، أو القيام بالإصلاح بين الناس المتخاصمين لكي يعودوا إلى ما كانوا عليه من الألفة والإخاء والصفاء.

قال الجمل: وقوله إِلَّا مَنْ أَمَرَ. في هذا الاستثناء قولان:

أحدهما: متصل والثاني: أنه منقطع. وهما مبنيان على أن النجوى يجوز أن يراد بها المصدر كالدعوى فتكون بمعنى التناجي أى التحدث. وأن يراد بها القوم المتناجون إطلاقا للمصدر على الواقع منه مجازا.

فعلى الأول يكون منقطعا، لأن من أمر ليس مناجاة، فكأنه قيل: لكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير وإن جعلنا النجوى بمعنى المتناجين كان متصلا. وقوله إِلَّا مَنْ أَمَرَ. إما منصوب على الاستثناء المنقطع إن جعلته منقطعا في لغة الحجازيين. أو على أصل الاستثناء إن جعلته متصلا. وإما مجرور على البدل من كثير، أو من نجواهم، أو صفة لأحدهما .

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد أخرجت من التناجي المذموم ثلاث خصال هي جماع الخير، وذلك لأن الصدقة التي يخرجها الإنسان تكون سببا في تزكية ماله، وحسن ثوابه، ونشر المحبة والمودة بين الناس.

والتعبير بقوله إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ يفيد الدعوة إليها، والحث على بذلها سرا ما دامت المصلحة تقتضي ذلك.

أما المعروف وهو النوع الثاني من التناجي المحمود فهو- كما يقول القرطبي لفظ يعم كل أعمال البر. ففي الحديث الشريف (كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق) وقال على بن أبى طالب: (لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الجاحد) .

وقال الماوردي: ينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته، ويبادر به خيفة عجزه، وليعلم أنه من فرض زمانه، وغنائم إمكانه، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واثق بالقدرة ففاتت فأعقبت ندما.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف السراح- أى التعجيل- ومن شرط المعروف ترك الامتنان به، وترك الإعجاب بفعله. لما فيهما من إسقاط الشكر، وإحباط الأجر. قال بعض الشعراء:

زاد معروفك عندي عظما ... أنه عندك مستور حقير

تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور خطير

والأمة التي يفشو فيها قول المعروف وفعله، تسودها السعادة، وتظلها المحبة والمودة والرحمة.

وأما الإصلاح بين الناس فهو فريضة اجتماعية يقوم بها من صفت نفوسهم وقويت عزائمهم، ورسخ إيمانهم.

وقد حض القرآن على الإصلاح بين الناس سواء أكانوا جماعات أم أفرادا لأن التخاصم والتنازع يؤدى إلى انتشار العداوات والمفاسد بين الناس. قال- تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث التي تحض على الإصلاح بين الناس ومن ذلك ما رواه ابن مردويه عن محمد بن يزيد بن حنيش قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده. فدخل علينا سعيد بن حسان فقال له الثوري الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح أردده على.

فقال: حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلام ابن آدم كله عليه لا له. إلا ذكر الله- تعالى- أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر» . فقال سفيان: أو ما سمعت الله في كتابه يقول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ. فهو هذا بعينه.

وروى الجماعة- سوى ابن ماجة- عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا» . وقالت: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب. والإصلاح بين الناس. وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها) .

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبى الدرداء قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. يا رسول الله!! قال إصلاح ذات البين» . قال: «وفساد ذات البين هي الحالقة» .

ففي هذه الأحاديث الشريفة دعوة قوية إلى الإصلاح بين الناس حتى يعيشوا في أمان واطمئنان.

وبذلك نرى أن هذه الأمور الثلاثة التي أخرجها الله- تعالى من التناجي المذموم هي جماع الخير الإنسانى والاجتماعى.

وقد أشار الإمام الرازي إلى ذلك بقوله: هذه الآية وإن نزلت في مناجاة بعض قوم ذلك السارق مع بعض إلا أنها في المعنى عامة. والمراد: لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث إلا ما كان من أعمال الخير ثم إنه- تعالى- ذكر من أعمال الخير ثلاثة أنواع:

الأمر بالصدقة. والأمر بالمعروف. والإصلاح بين الناس.

وإنما ذكر الله- تعالى- هذه الأقسام الثلاثة، لأن عمل الخير إما أن يكون بإيصال المنفعة أو بدفع المضرة. أما إيصال الخير: فإما أن يكون من الخيرات الجسمانية وهو إعطاء المال. وإليه الإشارة بقوله: إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ. وإما أن يكون من الخيرات الروحانية وهو عبارة عن تكميل القوة النظرية بالعلوم، أو تكميل القوة العملية بالأفعال الحسنة. ومجموعهما عبارة عن الأمر بالمعروف. وإليه الإشارة بقوله أَوْ مَعْرُوفٍ وأما إزالة الضرر فإليها الإشارة أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فثبت أن مجامع الخيرات مذكورة في هذه الآية .

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة من يقوم بفعل هذه الفضائل فقال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.

أى: ومن يفعل ذلك المذكور من الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس، قاصدا بفعله رضا الله وحسن مثوبته، فسوف نؤتيه أجرا عظيما لا يعرف مقداره إلا الله- تعالى-. وقال- سبحانه- ومن يفعل ذلك ولم يقل ومن يأمر بذلك كما جاء في صدر الآية. لأن المقصود الترغيب في هذا الفعل الحسن، لأن الأمر بالخير إذا دخل في زمرة الخيرين كان الفاعل أحرى بالدخول في زمرتهم.

وفي تقييد الفعل بكونه ابتغاء مرضاة الله، تحريض على إخلاص النية، لأن الأعمال بالنيات، وإذا صاحب الرياء الأعمال أبطلها ومحق بركتها.

والتعبير بسوف هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل. أى. فسوف نؤتيه أجرا لا يحيط به نطاق الوصف، ولن نبخسه شيئا من حقه حتى ولو كان هذا الشيء بالغا النهاية في الصغر.

يقول تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم ) يعني : كلام الناس ( إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) أي : إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه :

حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث ، حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس قال : دخلنا على سفيان الثوري نعوده - وأومأ إلى دار العطارين - فدخل عليه سعيد بن حسان المخزومي فقال له سفيان الثوري : الحديث الذي كنت حدثتني به عن أم صالح اردده علي . فقال : حدثتني أم صالح ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلام ابن آدم كله عليه لا له ما خلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر [ أو ذكر الله عز وجل " ، قال سفيان : فناشدته ] فقال محمد بن يزيد : ما أشد هذا الحديث ؟ فقال سفيان : وما شدة هذا الحديث ؟ إنما جاءت به امرأة عن امرأة ، هذا في كتاب الله الذي أرسل به نبيكم صلى الله عليه وسلم أو ما سمعت الله يقول في كتابه : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) فهو هذا بعينه ، أو ما سمعت الله يقول : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ] فهو هذا بعينه ، أو ما سمعت الله يقول في كتابه : ( والعصر . إن الإنسان لفي خسر . [ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] ) [ سورة العصر ] ، فهو هذا بعينه .

وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن يزيد بن خنيس عن سعيد بن حسان ، به . ولم يذكرا أقوال الثوري إلى آخرها ، ثم قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن خنيس .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا صالح بن كيسان ، حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب : أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره ، أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته : أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا - أو يقول خيرا " وقالت : لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث : في الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها . قال : وكانت أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه الجماعة ، سوى ابن ماجه ، من طرق ، عن الزهري ، به نحوه .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة ، والصيام والصدقة ؟ " قالوا : بلى . قال : " إصلاح ذات البين " قال : " وفساد ذات البين هي الحالقة " .

ورواه أبو داود والترمذي ، من حديث أبي معاوية ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر ، حدثنا أبي ، عن حميد ، عن أنس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب : " ألا أدلك على تجارة ؟ " قال : بلى : قال : " تسعى في صلح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا " ثم قال البزار : وعبد الرحمن بن عبد الله العمري لين ، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها .

ولهذا قال : ( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله ) أي : مخلصا في ذلك محتسبا ثواب ذلك عند الله عز وجل ( فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) أي : ثوابا كثيرا واسعا .

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ومن يشاقق الرسول "، ومن يباين الرسولَ محمدًا صلى الله عليه وسلم، معاديًا له، فيفارقه على العداوة له (12) =" من بعد ما تبين له الهدى "، يعني: من بعد ما تبين له أنه رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم=" ويتبع غير سبيل المؤمنين "، يقول: ويتبع طريقًا غير طريق أهل التصديق، ويسلك منهاجًا غير &; 9-205 &; منهاجهم، وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم=" نولّه ما تولّى "، يقول: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، (13) وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله شيئًا، ولا تنفعه، كما:-

10427- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " نوله ما تولى "، قال: من آلهة الباطل.

10428- حدثني ابن المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

* * *

=" ونصله جهنم "، يقول: ونجعله صِلاءَ نار جهنم، (14) يعني: نحرقه بها.

* * *

وقد بينا معنى " الصلى " فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (15)

* * *

=" وساءت مصيرًا "، يقول وساءت جهنم (16) =" مصيرًا "، موضعًا يصير إليه من صار إليه. (17)

* * *

ونـزلت هذه الآية في الخائنين الذين ذكرهم الله في قوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، لما أبى التوبة من أبى منهم، وهو طعمة بن الأبيرق، ولحق بالمشركين من عبدة الأوثان بمكة مرتدًّا، مفارقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه.

-----------------

الهوامش :

(12) انظر تفسير"الشقاق" فيما سلف 3 : 115 ، 116 ، 336 / 8 : 319.

(13) انظر تفسير"ولي" فيما سلف ص: 17 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(14) في المطبوعة: "صلى" بتشديد الياء ، والصواب من المخطوطة. و"الصلاء" (بكسر الصاد): الشواء ، لأنه يصلى بالنار.

(15) انظر ما سلف في تفسير"الإصلاء" 8 : 27-29 ، 231 ، 484.

(16) انظر تفسير"ساء" فيما سلف ص 101 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(17) انظر تفسير"مصير" فيما سلف ص: 101 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

التدبر :

وقفة
[114] تدبر هذه الآية تلحظ أن الأصل في هذه الثلاثة الإخفاء، فذلك أقوى أثرًا وأعظم أجرًا، وأرجى في تحقيق المراد، وأما العلانية فيها فهي الاستثناء إذا وجد لذلك سبب معتبر.
وقفة
[114] ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ ...﴾ يكثر في الاجتماعات اللغو والغيبة، إلا ما كان لجمع صدقة، أو أمر بمعروف، أو إصلاح بين متنازعين من المسلمين.
وقفة
[114] ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ ...﴾ أكثر تناجي الناس لا خير فيه، بل ربما كان فيه وزر، وقليل من كلامهم فيما بينهم يتضمن خيرًا ومعروفًا.
وقفة
[114] ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ ...﴾ يا للروعة! الإنصاف حتى مع المخالف، لم يعمم كل نجواهم.
وقفة
[114] وصية خالدة: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
عمل
[114] ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ أؤمر اليوم بصدقة، أو أصلح بين متخاصمين؛ ابتغاء مرضاة الله.
وقفة
[114] ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ أحسن الاجتماعات اجتماع على مشروع تطوع.
وقفة
[114] ﴿أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ قال الأوزاعي: «ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة من إصلاح ذات البين».
وقفة
[114] ﴿أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ النِّزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء، والأموال، والأعراض، بل وفي الأديان.
وقفة
[114] ﴿أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ قَالَ ﷺ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ. [أحمد 6/444، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح].
تفاعل
[114] ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ سَل الله من فضله.
وقفة
[114] ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ من فوائد الآية الكريمة: أنه لا ينبغي للإنسان أن يستعجل الثواب؛ إذ قد يؤخِّر الله الثواب لحكمة، من أين تؤخذ؟ من (سوف) الدالة على التسويف، هي تدل على التحقيق، لكن تدل على أن الشيء ليس منتظَرًا قريبًا.

الإعراب :

  • ﴿ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ:
  • لا: نافية للجنس تعمل عمل «إن». خير: اسم «لا» النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب وخبرها محذوف وجوبا تقديره موجود. في كثير: جار ومجرور متعلق بالخبر المحذوف والتقدير: لا خير كائن في كثير.
  • ﴿ مِنْ نَجْواهُمْ:
  • جار ومجرور وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلَّا مَنْ أَمَرَ:
  • إلّا: أداة استثناء. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة وهو بدل من «كَثِيرٍ» لأن التقدير إلّا نجوى من أمر كما يقال: لا خير في قيامهم زيد. أمر: فعل ماض مبني على الفتح وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «أَمَرَ» صلة الموصول لا محل لها و «مِنْ نَجْواهُمْ» متعلق بصفة لكثير.
  • ﴿ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ:
  • جار ومجرور متعلق بأمر أو معروف أو اصلاح معطوفان بأو على «صدقة» مجروران مثلها وعلامة جرها الكسرة.
  • ﴿ بَيْنَ النَّاسِ:
  • بين: ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق باصلاح. الناس: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ و «يَفْعَلْ» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه: السكون والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ذلك: ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به اللام للبعد. والكاف: للخطاب وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ:
  • ابتغاء: مفعول لأجله منصوب بالفتحة وهو مضاف. مرضاة: مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. سوف: حرف استقبال للبعيد «حرف تسويف». نؤتيه: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به وجملة «سوف نؤتيه» جواب شرط جازم مسبوقة بسوف المقترنة بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ أَجْراً عَظِيماً:
  • مفعول به ثان بالفتحة المنونة. عظيما: صفة لأجرا منصوبة مثله أيضا. '

المتشابهات :

النساء: 74﴿وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
النساء: 114﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [114] لما قبلها :     ولَمَّا لم تَخلُ القصَّةُ السابقةُ مِن تناجٍ لتدبيرِ الخيانةِ؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنواعَ النَّجوي التي يحبُّها اللهُ، وذكرَ ثوابَ الذينَ يتناجوْنَ بالخيرِ، قال تعالى:
﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

القراءات :

نؤتيه:
قرئ:
1- يؤتيه، بالياء، وهى قراءة أبى عمرو، وحمزة.
2- نؤتيه، بالنون، وهى قراءة الباقين.

مدارسة الآية : [115] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ ..

التفسير :

[115] ومن يخالف الرسول -صلى الله عليه وسلم- من بعد ما ظهر له الحق، ويسلك طريقاً غير طريق المؤمنين، وما هم عليه من الحق، نتركه وما توجَّه إليه، فلا نوفقه للخير، وندخله نار جهنم يقاسي حرَّها، وبئس هذا المرجع والمآل.

أي:ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به{ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ْ} بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية.{ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ْ} وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم{ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ْ} أي:نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلاً أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله. كما قال تعالى:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ْ} وقال تعالى:{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ْ} ويدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول، ويتبع سبيل المؤمنين، بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهّم بها ما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه، ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام:{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ْ} أي:بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء، وكذلك كل مخلص، كما يدل عليه عموم التعليل. وقوله:{ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ْ} أي:نعذبه فيها عذابا عظيما.{ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ْ} أي:مرجعا له ومآلا. وهذا الوعيد المرتب على الشقاق ومخالفة المؤمنين مراتب لا يحصيها إلا الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا، فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان. ومنه ما هو دون ذلك، فلعل الآية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة الذين يسيرون في طريق الباطل، ويتركون طريق الحق فقال- تعالى-: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً.

وقوله يُشاقِقِ من المشاقة بمعنى المعاداة والمخالفة المقصودة. وهي من الشق لأن المخالف كأنه يختار شقا يكون فيه غير شق الآخر.

فقوله وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ أى: من يخالفه ويعاديه.

وقوله مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى أى يخالفه ويعاديه من بعد ما اتضح له الحق، وقام لديه الدليل على صحة دين الإسلام.

وقوله وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ معطوف على يشاقق. أى: ويتبع طريقا غير طريق الإسلام التي سار فيها المؤمنون، واعتقدوا صحتها وسلامتها من كل سوء. من يفعل ذلك.

نوله ما تولى، أى نجعله- كما يقول الآلوسى واليا لما تولاه من الضلال. أو نخل بينه وبين ما اختار لنفسه من الضلال في الدنيا. أو نكله في الآخرة إلى ما اتكل عليه في الدنيا وانتصر به من الأوثان وغيرها.

قال صاحب المنار: والذي أريد توجيه الأذهان إلى فهمه هو أن هذه الجملة مبينة لسنة الله- تعالى- في عمل الإنسان. ومقدار ما أعطيه من الإرادة والاستقلال والعمل بالاختيار. فالوجهة التي يتولاها في حياته، والغاية التي يقصدها من عمله، يوليه الله إياها ويوجهه إليها. أى:

يكون بحسب سنته- تعالى- واليا لها وسائرا على طريقها. فلا يجد من القدرة الإلهية ما يجبره على ترك ما اختار لنفسه. ولو شاء- سبحانه- لهدى الناس أجمعين بخلقهم على حالة واحدة في الطاعة كالملائكة، ولكنه شاء أن يخلقهم على ما نراهم عليه الآن من تفاوت في الاستعداد والإدراك وعمل كل فرد بحسب ما يرى أنه خير له وأنفع في عاجله أو آجله أو فيهما جميعا ...

وقوله وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً وعيد شديد لأولئك المخالفين لطريق الحق. وأصل الصلى: إيقاد النار ولزومها وقت الاستدفاء. يقال صلى بالنار أى: بلى بها. وصليت الشاة:

شويتها وهي مصلية.

والمعنى: ومن يخالف طريق الحق نوله ما تولى وندخله في الآخرة جهنم ليشوى فيها كما تشوى الشاة، وساءت جهنم مكانا لمن صار إليها، وحل فيها.

قال ابن كثير: والذي عول عليه الشافعى يرحمه الله- في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل. وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها. وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة على ذلك ... .

وبهذا نرى أن الآيتين الكريمتين قد بشرتا من يفعل الخير ابتغاء مرضاة الله بالأجر العظيم، وأنذرتا من يخالف طريق أهل الحق بالعذاب الأليم، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ثم حذر- سبحانه- من الشرك وتوعد المشركين الذين اتخذوا الشيطان وليا من دون الله بالعذاب المهين فقال- تعالى-:

وقوله : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ) أي : ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فصار في شق والشرع في شق ، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له . وقوله : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) هذا ملازم للصفة الأولى ، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع ، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية ، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا ، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ ، تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم [ صلى الله عليه وسلم ] . وقد وردت في ذلك أحاديث صحيحة كثيرة ، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب " أحاديث الأصول " ، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها ، والذي عول عليه الشافعي ، رحمه الله ، في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة ، بعد التروي والفكر الطويل . وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها ، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك واستبعد الدلالة منها على ذلك .

ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله : ( نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) أي : إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك ، بأن نحسنها في صدره ونزينها له - استدراجا له - كما قال تعالى : ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) [ القلم : 44 ] . وقال تعالى : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) [ الصف : 5 ] . وقوله ( ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأنعام : 110 ] .

وجعل النار مصيره في الآخرة ، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة ، كما قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم [ وما كانوا يعبدون . من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ] ) [ الصافات : 22 ، 23 ] . وقال : ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ) [ الكهف : 53 ] .

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا (116)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لا يغفر لطعمة إذ أشرك ومات على شركه بالله، ولا لغيره من خلقه بشركهم وكفرهم به=" ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "، يقول: ويغفر ما دون الشرك بالله من الذنوب لمن يشاء. يعني بذلك جل ثناؤه: أن طعمة لولا أنه أشرك بالله ومات على شركه، لكان في مشيئة الله على ما سلف من خيانته ومعصيته، وكان إلى الله أمره في عذابه والعفو عنه= وكذلك حكم كل من اجترم جُرْمًا، فإلى الله أمره، إلا أن يكون جرمه شركًا بالله وكفرًا، فإنه ممن حَتْمٌ عليه أنه من أهل النار إذا مات على شركه (18) = فأما إذا مات على شركه، فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار.

* * *

وقال السدي في ذلك بما:-

10429- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "، يقول: من يجتنب الكبائر من المسلمين.

* * *

وأما قوله: " ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا "، فإنه يعني: ومن يجعل لله في عبادته شريكًا، فقد ذهب عن طريق الحق وزال عن قصد السبيل، ذهابًا بعيدًا وزوالا شديدًا، وذلك أنه بإشراكه بالله في عبادته قد أطاع الشيطان وسلك طريقه، (19) وترك طاعة الله ومنهاج دينه. فذاك هو الضلال البعيد والخُسران المبين.

التدبر :

وقفة
[115] ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ...﴾ وجوب الاقتداء بسيد الأنبياء! قال الإمام الرازي: «يدل على أنه يجب الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام في أفعاله؛ إذ لو كان فعل الأمة غير فعل الرسول لزم کون كل واحد منهما في شق آخر من العمل، فتحصل المشاقة، لكن المشاقة محرمة فيلزم وجوب الاقتداء به في أفعاله».
وقفة
[115] ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ... وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ معاندة الرسول ﷺ ومخالفة سبيل المؤمنين نهايتها البعد عن الله ودخول النار.
وقفة
[115] ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ... وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ من ترك حكم الله وأخذ برأيه؛ ولَّاه الله هواه فأرداه.
وقفة
[115] ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ... وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ لا يستغربنَّ أحد هذا الوعيد، فإن جرثومة الشقاق لا تولد؛ حتى يولد معها كل ما يهدد عافية الأمة بالانهيار.
وقفة
[115] ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾ ليس جميع من ضلُّوا الطريق لم يعلموا الحق، هناك عقبات أخرى أكبر من الجهل.
وقفة
[115] ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ استدل الأصوليون بها على صحة إجماع المسلمين، وأنه لا يجوز مخالفته؛ لأن من خالفه اتبع غير سبيل المؤمنين.
وقفة
[115] ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ﴾ حذر القرآن من اتباع غير سبيل النبي وأصحابه.
وقفة
[115] ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ من ترك حكم الله وأخذ برأيه ولَّاه الله هواه فأرداه.
وقفة
[115] ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ وعيد إلهي بأن يترك الله كل فاسد مع اختياره! أي نجعله واليًا لما تولاه من الضلال، وخلى بينه وبين ما اختار لنفسه من سيئ الأحوال، وهذا دليل على استقلال إرادة العبد وحرية اختياره، فهو مخير لا مسير.
تفاعل
[115] ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[115] ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ لا يستغربنَّ أحد هذا الوعيد! فإن جرثومة الشقاق لا تولد حتى يولد معها كل ما يهدد عافية الأمة بالانهيار.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ:
  • بمعنى يخالف: الواو: عاطفة. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ و «يُشاقِقِ» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه السكون حرّك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. الرسول: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ:
  • جار ومجرور متعلق بيشاقق. ما: مصدرية. تبين: فعل ماض مبني على الفتح.
  • ﴿ لَهُ الْهُدى:
  • جار ومجرور متعلق بتبين. الهدى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر وجملة «تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى» صلة «ما» المصدرية لا محل لها و «ما المصدرية وما تلاها» بتأويل مصدر في محل جرّ بالاضافة وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ:
  • ويتبع غير: معطوفة بواو العطف على «يُشاقِقِ الرَّسُولَ» وتعرب إعرابها سبيل مضاف اليه مجرور بالكسرة. المؤمنين: مضاف اليه مجرور وعلامة جرّه: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ نُوَلِّهِ:
  • فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بمن وعلامة جزمه: حذف آخره حرف العلة وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به وجملة «نُوَلِّهِ» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ ما تَوَلَّى:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. تولى: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «تَوَلَّى» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ:
  • أي وندخله: معطوفة بواو العطف على «نُوَلِّهِ» وتعرب إعرابها. جهنم: مفعول به منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على العلمية والتأنيث.
  • ﴿ وَساءَتْ مَصِيراً:
  • الواو: استئنافية. ساءت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره هي. مصيرا: تمييز منصوب بالفتح المنون. '

المتشابهات :

النساء: 97﴿فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
النساء: 115﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
الفتح: 6﴿وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [115] لما قبلها :     وبعد أن وَعَدَ اللهُ عز وجل بالثَّواب العظيم للَّذين يتناجَوْن بالخيرِ، ويبتغونَ بنفعِ النَّاس مرضاةَ الله؛ توعد هنا الذين يسيرون في طريق الباطل، ويتركون طريق الحق، قال تعالى:
﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [116] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن ..

التفسير :

[116] إن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده. ومن يجعل لله تعالى الواحد الأحد شريكاً من خلقه، فقد بَعُدَ عن الحق بعداً كبيراً.

أن الشرك لا يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بمن هو مالك النفع والضر، الذي ما من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات. فمن أعظم الظلم وأبعد الضلال عدم إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته، وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء، ولا له من صفات الغنى شيء بل ليس له إلا العدم. عدم الوجود وعدم الكمال وعدم الغنى، والفقر من جميع الوجوه. وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفره برحمته وحكمته، وإن شاء عذب عليه وعاقب بعدله وحكمته، وقد استدل بهذه الآية الكريمة على أن إجماع هذه الأمة حجة وأنها معصومة من الخطأ. ووجه ذلك:أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار، و{ سبيل المؤمنين ْ} مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال. فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه، أو تحريمه أو كراهته، أو إباحته - فهذا سبيلهم، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه، فقد اتبع غير سبيلهم. ويدل على ذلك قوله تعالى:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ْ} ووجه الدلالة منها:أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة لا يأمرون إلا بالمعروف، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه فهو مما أمروا به، فيتعين بنص الآية أن يكون معروفا ولا شيء بعد المعروف غير المنكر، وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه فلا يكون إلا منكرا، ومثل ذلك قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس ْ} فأخبر تعالى أن هذه الأمة جعلها الله وسطا أي:عدلا خيارا ليكونوا شهداء على الناس أي:في كل شيء، فإذا شهدوا على حكم بأن الله أمر به أو نهى عنه أو أباحه، فإن شهادتهم معصومة لكونهم عالمين بما شهدوا به عادلين في شهادتهم، فلو كان الأمر بخلاف ذلك لم يكونوا عادلين في شهادتهم ولا عالمين بها. ومثل ذلك قوله تعالى:{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ْ} يفهم منها أن ما لم يتنازعوا فيه بل اتفقوا عليه أنهم غير مأمورين برده إلى الكتاب والسنة، وذلك لا يكون إلا موافقا للكتاب والسنة فلا يكون مخالفا. فهذه الأدلة ونحوها تفيد القطع أن إجماع هذه الأمة حجة قاطعة، ولهذا بيَّن الله قبح ضلال المشركين بقوله:

ذكر بعض المفسرين عن ابن عباس في سبب نزول قوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. الآية: أن شيخا من العرب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنى شيخ منهمك في الذنوب. إلا أنى لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به. ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أوقع المعاصي جراءة. وما توهمت طرفة عين أنى أعجز الله هربا. وإنى لنادم تائب. فما ترى حالي عند الله- تعالى-؟ فنزلت .

والمراد بالشرك هنا: مطلق الكفر سواء أكان هذا الكفر من أهل الكتاب أم من العرب أم من غيرهم.

والمعنى: إن الله لا يغفر لكافر مات على كفره، ويغفر ما دون الكفر من الذنوب والمعاصي لمن يشاء أن يغفر له ممن اقترفها إذا مات من غير توبة. فمن مات منهم بدونها فهو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة.

وأما قوله قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً. فمقيد بالمشيئة أى: يغفر الذنوب جميعا لمن شاء أن يغفر له. ومقيد أيضا بما عدا الشرك. أى يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك فإنه لا يغفره لمن مات عليه.

ثم بين- سبحانه- سوء حال المشركين فقال: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً والضلال هو السير في غير الطريق الموصل إلى النجاة.

أى: ومن يشرك بالله- تعالى- بأن يعبد سواه، أو يجعل معه شريكا في العبادة فقد سار في طريق الشرور والآثام سيرا بعيدا ينتهى به إلى الهلاك، ويفضى به إلى العذاب المهين.

وهذه الآية قد مر الكلام مفصلا في آية تشبهها من هذه السورة وهي قوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً قالوا: وقد ختمت هذه الآية بقوله: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً لأنها في شأن أهل الكتاب من اليهود وهم عندهم علم بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وبأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع ومع ذلك فقد حملهم الحسد على إنكار الحق، فصار فعلهم هذا افتراء بالغ العظم في الكذب والجرأة على الله.

وختمت الآية التي معنا بقوله- تعالى-: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً لأنها في قوم مشركين لم يعرفوا من قبل كتابا ولا وحيا، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وميز لهم طريق الرشد من طريق الغي، ولكنهم لم يتبعوه فكان فعلهم هذا ضلالا واضحا عن طريق الحق. وابتعادا شديدا عن الصراط المستقيم.

قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة ، وهي قوله : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك [ لمن يشاء ] ) الآية [ النساء : 48 ] ، وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة .

وقد روى الترمذي حديث ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك ) الآية ، ثم قال : حسن غريب .

وقوله : ( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) أي : فقد سلك غير الطريق الحق ، وضل عن الهدى وبعد عن الصواب ، وأهلك نفسه وخسرها في الدنيا والآخرة ، وفاتته سعادة الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى ذلك: إن يدعون من دونه إلا اللات والعزى وَمناة، فسماهن الله " إناثًا "، بتسمية المشركين إياهنّ بتسمية الإناث.

*ذكر من قال ذلك:

10430- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال أخبرنا حصين، عن أبي مالك في قوله: " إن يدعون من دونه إلا إناثًا "، قال: اللات والعزى ومناة، كلها مؤنث.

10431- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك بنحوه= إلا أنه قال: كلهنَّ مؤنث.

10432- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن يدعون من دونه إلا إناثًا "، يقول: يسمونهم " إناثًا ": لاتٌ ومَنَاة وعُزَّى.

10433- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " إن يدعون من دونه إلا إناثًا "، قال: آلهتهم، اللات والعزى ويَسَاف ونائلة، (20) إناث، يدعونهم من دون الله. وقرأ: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا .

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: إن يدعون من دونه إلا مَواتًا لا رُوح فيه.

*ذكر من قال ذلك:

10434- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " إن يدعون من دونه إلا إناثًا "، يقول: مَيْتًا.

10435- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " إن يدعون من دونه إلا إناثًا "، أي: إلا ميتًا لا رُوح فيه. (21)

10436- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن: " إن يدعون من دونه إلا إناثًا "، قال: و " الإناث " كل شيء ميت ليس فيه روح: خشبة يابسة أو حجر يابس، قال الله تعالى: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا إلى قوله: فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ .

* * *

وقال آخرون: عنى بذلك أن المشركين كانوا يقولون: " الملائكة بنات الله ". (22)

*ذكر من قال ذلك:

10437- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا &; 9-209 &; جويبر، عن الضحاك في قوله: " إن يدعون من دونه إلا إناثًا "، قال: الملائكة، يزعمون أنهم بنات الله.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: إن أهل الأوثان كانوا يسمون أوثانهم " إناثًا "، فأنـزل الله ذلك كذلك.

ذكر من قال ذلك: (23)

10438- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن نوح بن قيس، عن أبي رجاء، عن الحسن قال: كان لكل حي من أحياء العرب صنم، يسمونها: " أنثى بني فلان "، (24) فأنـزل الله " إن يدعون من دونه إلا إناثًا ".

10439- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا نوح بن قيس قال، حدثنا محمد بن سيف أبو رجاء الحُدَّاني قال، سمعت الحسن يقول: كان لكل حي من العرب، فذكر نحوه. (25)

* * *

وقال آخرون: " الإناث " في هذا الموضع، الأوثان.

*ذكر من قال ذلك:

10440- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " إناثًا " قال: أوثانًا.

10441- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

10442- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة: ( إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أَوْثَانًا ).

* * *

قال أبو جعفر: روي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أُثُنًا ) بمعنى جمع " وثن " فكأنه جمع " وثنًا "" وُثُنًا "، (26) ثم قلب الواو همزة مضمومة، كما قيل: " ما أحسن هذه الأجُوه "، بمعنى الوجوه= وكما قيل: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ [سورة المرسلات: 11]، بمعنى: وُقِّتت. (27)

* * *

وذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أُنُثًا ) كأنه أراد جمع " الإناث " فجمعها " أنثا "، كما تجمع " الثمار "" ثُمُرًا ". (28)

* * *

قال أبو جعفر: والقراءة التي لا نستجيز القراءة بغيرها، (29) قراءة من قرأ: ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا ) ، بمعنى جمع " أنثى "، لأنها كذلك في مصاحف المسلمين، ولإجماع الحجة على قراءة ذلك كذلك.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرت بتأويل ذلك، إذ كان الصواب عندنا من القراءة ما وصفت، تأويل من قال: عنى بذلك الآلهة التي كان مشركو العرب يعبدونها من دون الله ويسمونها الإناث من الأسماء، (30) كاللات والعُزَّى ونائلة ومناة، وما أشبه ذلك.

وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الأظهر من معاني" الإناث " في كلام العرب، ما عُرِّف بالتأنيث دون غيره. فإذ كان ذلك كذلك، فالواجب توجيه تأويله إلى الأشهر من معانيه.

* * *

وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا ، يقول: ما يدعو الذين يشاقّون الرسول ويتبعون غير سبيل المؤمنين شيئًا=" من دون الله "، بعد الله وسواه، (31) =" إلا إناثًا "، يعني: إلا ما سموه بأسماء الإناث كاللات والعزى وما أشبه ذلك. يقول جل ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد، حجّة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم يعبدون إناثًا ويدعونها آلهة وأربابًا، والإناث من كل شيء أخسُّه، فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودة، على علم منهم بخساسته، ويمتنعون من إخلاص العبودة للذي له ملك كل شيء، وبيده الخلق والأمر . (32)

* * *

القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا "، وما يدعو هؤلاء الذين يدعون هذه الأوثان الإناث من دون الله بدعائهم إياها = " إلا شيطانًا مريدًا "، يعني: متمردًا على الله في خلافه فيما أمره به، وفيما نهاه عنه، كما:-

10443- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا "، تمرَّد على معاصي الله.

----------------------

الهوامش :

(18) هذه العبارة التي وضعتها بين الخطين ، معترضة في سياق الجملة ، وسياقها: أن طعمة لولا أنه مات على شركه. لكان في مشيئة الله على ما سلف من خيانته ومعصيته ، وكان إلى الله أمره في عذابه والعفو عنه ... فإما إذا مات على شركه ..." ولما أخطأ ناشر المطبوعة الأولى قراءة هذه العبارة ، فقد كتب هكذا: "فإنه حتم عليه أنه من أهل النار إذا مات على شركه ، فإذا مات على شركه ..." فصار الكلام كله لغوًا وخلطًا.

(19) في المطبوعة والمخطوطة: "فقد أطاع الشيطان" بزيادة الفاء ، ولا معنى لها هنا.

(20) "إساف" (بكسر الهمزة وفتحها) و"يساف" (بكسر الياء وفتحها) واحد. زعموا أن إساف بن عمرو ، ونائلة بنت سهل ، من جرهم ، وجدا خلوة في الكعبة ، ففجرا فيها ، فمسخهما الله حجرين ، عبدتهما قريش بعد. ويقال: صنمان وضعهما عمرو بن لحي على الصفا والمروة ، وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة.

(21) في المخطوطة: "لا أرواح فيه" بالجمع.

(22) في المطبوعة: "إن الملائكة ..." وأثبت ما في المخطوطة.

(23) من أول الأثر رقم: 10437 ، إلى هذا الموضع ، ساقط من المخطوطة.

(24) في كتاب المحتسب لابن جني ، في المسألة رقم: 143 (وهو مخطوط عندي) عن الحسن: "وهو اسم صنم لحي من العرب ، كانوا يعبدونها ويسمونها: أنثى بني فلان". فأخشى أن يكون سقط من الناسخ هنا [كانوا يعبدونها].

(25) الأثران: 10438 ، 10439 -"أبو رجاء" ، "محمد بن سيف الحداني" ، أدرك أنسًا ، وروى عن الحسن ، وابن سيرين ، ومطر الوراق ، وعكرمة ، وغيرهم. ثقة. مترجم في التهذيب.

وكان في المطبوعة"الحراني" بالراء ، والصواب من المخطوطة ، بضم الحاء والدال المشددة.

(26) "أثن" (بضم الهمزة والثاء) و"وثن" بجمع"وثنا" (بضم فسكون) و"ووثنا" (بضمتين) ، و"أوثان".

(27) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 288.

(28) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 289. و"الثمر" بضم الثاء والميم.

(29) في المطبوعة: "لا أستجيز" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(30) في المطبوعة: "ويسمونها بالإناث" ، وما في المخطوطة أجود عربية.

(31) انظر تفسير"دون" فيما سلف 2 : 489 / 6 : 313.

(32) في المطبوعة: "بالعبودية" و"العبودية" ، في الموضعين وأثبت ما في المخطوطة. و"العبودة" هي العبادة ، وقد سلف استعمال الطبري لهذه اللفظة على هذا البناء ، وتغيير الناشر لها في كل مرة. انظر 3 : 347 ، تعليق: 1 / 6 : 271 ، تعليق: 1 ، 404 تعليق: 2 ، 549 : 2 ، 564 ، تعليق: 3 / 8 : 592 ، تعليق: 2.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[116] كل الذنوب تحت مشيئة الله، فقد يُغفر لصاحبها، إلا الشرك، فلا يغفره الله أبدًا.
وقفة
[116] ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾ الشرك لا يغفره الله، لذلك تحرَّ الإخلاص في عملك، واحرص ألا تقع في الشرك الخفي.
وقفة
[116] ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾ الشِّرك بالله تعالى أظلمُ الظلم، وأنكر المنكرات، وأعظم الذنوب، حيث يُسَوَّى المخلوقُ الضعيف العاجز الفقير بالإله القدير الغني الحميد.
تفاعل
[116] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ استعذ بالله من الشرك.
تفاعل
[116] ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ ادعُ الله الآن أن يغفر لك.
تفاعل
[116] ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ استعذ بالله من الضلال.
وقفة
[116] ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ أي ذهب عن الصواب وبعيدًا عن طريق الجنة، فإن البعد عن الجنة مراتب، فأبعده الشرك بالله؛ لأنه أقبح الرذائل؛ ولذا لا يغفر، والشرك نوعان: جلي وخفي، عافانا الله منها.
لمسة
[116] إن جزاء المشرك هو الضلال المستحق للعذاب، ولكن أكَّده بقوله: ﴿ضَلَالًا بَعِيدًا﴾؛ لأن غاية هذا التأكيد هي تحذير المؤمنين من مغبة الضلال، ولذلك عبَّر عن الضلال بالبعيد دون الكبير أو العظيم؛ للدلالة على قوة هذا الضلال حتى لا يُرجى لصاحبه الاهتداء، فكلمة بعيد توحي بإبعاد المرء عن غايته وتقصيه عن الرجوع إلى حيث صدر.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. لا: نافية لا عمل لها. يغفر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «لا يَغْفِرُ» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يشرك: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. به: جار ومجرور متعلق بيشرك و «إِنَّ وما تلاها» بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «يَغْفِرُ» أو يكون الجار والمجرور «بِهِ» في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ وَيَغْفِرُ:
  • الواو: استئنافية. يغفر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يَغْفِرُ» في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف والتقدير والله يغفر.
  • ﴿ ما دُونَ ذلِكَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. دون: ظرف مكان منصوب بالفتحة على الظرفية وهو مضاف ذلك. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. اللام: للبعد. والكاف للخطاب وشبه الجملة «دُونَ ذلِكَ» متعلق بصلة موصول محذوف.
  • ﴿ لِمَنْ يَشاءُ:
  • اللام: حرف جر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. يشاء: تعرب إعراب «يَغْفِرُ» وجملة «يَشاءُ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول محذوف.
  • ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ و «يُشْرَكَ» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمنوعلامة جزمه سكون آخره وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيشرك والجملة من فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من. وحذف مفعول «يُشْرَكَ» اختصارا والمعنى يشرك بالله إلها آخر.
  • ﴿ فَقَدْ ضَلَّ:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط. قد: حرف تحقيق. ضلّ: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وجملة «فَقَدْ ضَلَّ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ ضَلالًا بَعِيداً:
  • ضلالا: مفعول مطلق منصوب بالفتحة. بعيدا: صفة له منصوب مثله بالفتحة أيضا. '

المتشابهات :

النساء: 116﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا
النساء: 136﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا
الأحزاب: 36﴿وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [116] لما قبلها :     ولَمَّا كان اتِّباعُ غير سبيل المؤمنين هو اتِّباعَ سبيل الكفر والشرك؛ جاء هنا التحذير من الشرك، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [117] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ ..

التفسير :

[117] ما يعبد المشركون من دون الله تعالى إلَّا أوثاناً لا تنفع ولا تضرُّ، وما يعبدون إلا شيطاناً متمرداً على الله، بلغ في الفساد والإفساد حدّاً كبيراً.

أي:ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا، أي:أوثانا وأصناما مسميات بأسماء الإناث كـ "العزى"و "مناة"ونحوهما، ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى. فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة، دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء، وفقدها لصفات الكمال، كما أخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه، أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها بل ولا عن نفسها؛ نفعا ولا ضرا ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء، وليس لها أسماع ولا أبصار ولا أفئدة، فكيف يُعبد من هذا وصفه ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى والصفات العليا والحمد والكمال، والمجد والجلال، والعز والجمال، والرحمة والبر والإحسان، والانفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير؟"هل هذا إلا من أقبح القبيح الدال على نقص صاحبه، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفه واصف؟"ومع ذلك فعبادتهم إنما صورتها فقط لهذه الأوثان الناقصة. وبالحقيقة ما عبدوا غير الشيطان الذي هو عدوهم الذي يريد إهلاكهم ويسعى في ذلك بكل ما يقدر عليه، الذي هو في غاية البعد من الله، لعنه الله وأبعده عن رحمته، فكما أبعده الله من رحمته يسعى في إبعاد العباد عن رحمة الله.{ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ْ} ولهذا أخبر الله عن سعيه في إغواء العباد، وتزيين الشر لهم والفساد وأنه قال لربه مقسما:{ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ْ} أي:مقدرا. علم اللعين أنه لا يقدر على إغواء جميع عباد الله، وأن عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان، وإنما سلطانه على من تولاه، وآثر طاعته على طاعة مولاه. وأقسم في موضع آخر ليغوينهم{ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ْ} فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به، أخبر الله تعالى بوقوعه بقوله:{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ْ}

ثم فصل- سبحانه- ما عليه المشركون من ضلال فقال: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً.

وإِنْ هنا هي النافية. ويدعون من الدعاء وهو هنا بمعنى العبادة لأن من عبد شيئا فإنه يدعوه عند احتياجه إليه.

والمراد بالإناث: الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله.

أى: أن هؤلاء المشركين ما يعبدون من دون الله إلا أصناما، أو ما ينادون من دون الله لقضاء حوائجهم إلا أوثانا لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.

وعبر عن الأصنام بالإناث لأن المشركين سموا أكثر هذه الأصنام بأسماء الإناث، كاللات والعزى ومناة.

قال الحسن: كان لكل حي من أحياء العرب صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بنى فلان وكانوا يزينونه بالحلى كالنساء.

وقيل: المراد بالإناث هنا الملائكة، لأن بعضهم كان يعبد الملائكة ويقولون عنها: بنات الله. قال- تعالى- وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً.

وقيل: المراد بها هنا: الجمادات التي لا حياة فيها ومع ذلك يعبدونها.

قال أبو حيان: قال الراغب: أكثر ما عبدته العرب من الأصنام كانت أشياء منفعلة غير فاعلة. فبكتهم الله أنهم مع كونهم فاعلين من وجه يعبدون ما ليس هو إلا منفعلا من كل وجه. وعلى هذا نبه إبراهيم- عليه السلام- أباه بقوله: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً وقد رجح ابن جرير القول الأول فقال: وأولى التأويلات التي ذكرت بتأويل ذلك تأويل من قال: عنى بذلك الآلهة التي كان مشركو العرب يعبدونها من دون الله، ويسمونها بالإناث من الأسماء كاللات والعزى ونائلة ومناة وما أشبه ذلك.

وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية لأن الأظهر من معاني الإناث في كلام العرب، ما عرف بالتأنيث دون غيره فإذا كان ذلك كذلك فالواجب توجيه تأويله إلى الأشهر من معانيه. فكأنه- تعالى- يقول: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله وعبدوا ما عبدوا من دونه حجة عليهم في ضلالهم وكفرهم أنهم يعبدون إناثا. والإناث من كل شيء أخسه. فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودية على علم منهم بخساسته ويمتنعون من إخلاص العبودية للذي ملك كل شيء وبيده الخلق والأمر .

وقوله وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً بيان لما دفعهم إلى الوقوع في ذلك الضلال الذي انغمسوا فيه.

ومريدا. أى عاتيا متمردا بالغا الغاية في الشرور والفساد.

قال الراغب: والمارد والمريد من شياطين الجن والإنس المتعرى من الخيرات. من قولهم شجر أمرد إذا تعرى من الورق. ومنه قيل رملة مرداء أى: لم تنبت شيئا. ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر .

فأصل مادة مرد للملاسة والتجرد. ومنه قوله- تعالى-رْحٌ مُمَرَّدٌ

أى أملس. ووصف الشيطان بالتمرد لتجرده للشر. وعدم علوق شيء من الخير به. أو لظهور شره ظهور عيدان الشجرة المرداء.

والمعنى: إن هؤلاء المشركين ما يعبدون من دون الله إلا أصناما سموها بأسماء الإناث، وما يطيعون في عبادتها إلا شيطانا عاتيا متجردا من كل خير، ومتعريا من كل فضيلة. فهذا الشيطان الشرير دعاهم لعبادة غير الله فانقادوا له انقيادا تاما. وخضعوا له خضوعا لا مكان معه لتعقل أو تدبر.

وقوله مَرِيداً صفة لشيطان.

وقوله : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمود بن غيلان ، أنبأنا الفضل بن موسى ، أخبرنا الحسن بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) قال : مع كل صنم جنية .

وحدثنا أبي ، حدثنا محمد بن سلمة الباهلي ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن - يعني ابن عروة - عن أبيه عن عائشة : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) قالت : أوثانا .

وروى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك .

وقال جويبر عن الضحاك في [ قوله ] ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) قال المشركون : إن الملائكة بنات الله ، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، قال : اتخذوها أربابا وصوروهن صور الجواري ، فحكموا وقلدوا ، وقالوا : هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده ، يعنون الملائكة .

وهذا التفسير شبيه بقوله تعالى : ( أفرأيتم اللات والعزى . [ ومناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى . تلك إذا قسمة ضيزى . إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ] ) [ النجم : 19 - 23 ] ، وقال تعالى : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [ أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ] ) [ الزخرف : 19 ] ، وقال تعالى : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون . سبحان الله عما يصفون ] ) [ الصافات : 158 ، 159 ] .

وقال علي بن أبي طلحة والضحاك ، عن ابن عباس : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) قال : يعني موتى .

وقال مبارك - يعني ابن فضالة - عن الحسن : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) قال الحسن : الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح ، إما خشبة يابسة وإما حجر يابس . ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وهو غريب .

وقوله : ( وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ) أي : هو الذي أمرهم بذلك وحسنه لهم وزينه ، وهم إنما يعبدون إبليس في نفس الأمر ، كما قال تعالى : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان [ إنه لكم عدو مبين ] ) [ يس : 60 ] وقال تعالى إخبارا عن الملائكة أنهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الذين ادعوا عبادتهم في الدنيا : ( بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ) [ سبأ : 41 ] .

القول في تأويل قوله : لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " لعنه الله "، أخزاه وأقصاه وأبعده.

* * *

ومعنى الكلام: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا ، قد لعنه الله وأبعده من كل خير.

* * *

=" وقال لأتخذن "، يعني بذلك: أن الشيطان المريد قال لربه إذ لعنه: " لأتخذن من عبادك نصيبًا مفروضًا ".

= يعني بـ " المفروض "، المعلوم، (33) كما:-

* * *

10444- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك: " نصيبًا مفروضًا "، قال: معلومًا.

* * *

فإن قال قائل: وكيف يتّخذ الشيطانُ من عباد الله نصيبًا مفروضًا.

قيل: يتخذ منهم ذلك النصيب، بإغوائه إياهم عن قصد السبيل، ودعائه &; 9-213 &; إياهم إلى طاعته، وتزيينه لهم الضلالَ والكفر حتى يزيلهم عن منهج الطريق، فمن أجاب دعاءَه واتَّبع ما زينه له، فهو من نصيبه المعلوم، وحظّه المقسوم.

* * *

وإنما أخبر جل ثناؤه في هذه الآية بما أخبر به عن الشيطان من قيله: " لأتخذن من عبادك نصيبًا مفروضًا "، ليعلم الذين شاقُّوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، أنهم من نصيبِ الشيطان الذي لعنه الله، المفروضِ، (34) وأنهم ممن صدق عليهم ظنّه. (35)

* * *

وقد دللنا على معنى " اللعنة " فيما مضى، فكرهنا إعادته. (36)

---------------------

الهوامش :

(33) انظر تفسير"نصيب" فيما سلف 4 : 206 / ثم 8 : 58: تعليق: 4 ، والمراجع هناك= وتفسير: "الفرض" فيما سلف 4 : 121 / 5 : 120 / 7 : 597-599 / 8 : 50.

(34) "المفروض" صفة قوله: "نصيب الشيطان".

(35) في المطبوعة والمخطوطة: "وأنه ممن صدق ..." والسياق يقتضي"وأنهم".

(36) انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف ص: 57 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.

التدبر :

وقفة
[117] ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾ كان مشركو العرب يعبدون آلهة من دون الله، ويسمونها بأسماء الإناث كاللات والعزى ونائلة ومناة، وهو استهزاء بهم وتسفيه لآرائهم.
وقفة
[117] ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾ وصف الشيطان بالتمرد لتجرده للشر، وعدم علوق شيء من الخير به، ومع هذا أطاعوا أمره، أو لظهور شره بوضوح، من قولهم: شجرة مرداء إذا تناثر ورقها، ورملة مرداء إذا لم تنبت شيئًا، ومنه الفتى الأمرد لتجرده عن الشعر.

الإعراب :

  • ﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ:
  • إن: هنا معناها: ما النافية لا عمل لها يدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والجار والمجرور «مِنْ دُونِهِ» متعلق بيدعون والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلَّا إِناثاً:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. إناثا: مفعول به منصوب بالفتحة المنونة.
  • ﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً:
  • معطوفة بواو العطف على «إن يدعون إلّا إناثا» وهي الأصنام أو كناية عن حجرها لأنها مصنوعة من حجر. مريدا: صفة- نعت- لشيطانا منصوبة مثله بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 117﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا
الزخرف: 36﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [117] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل حكمَ الشركِ؛ بَيَّنَ هنا أن هؤلاء المشركين يعبدون أصنامًا لا تنفع ولا تضرُّ، وأنَّهم في الحقيقةِ يعبدُون الشيطانَ، قال تعالى:
﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا

القراءات :

إن يدعون:
وقرئ:
تدعون، بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة أبى رجاء.
إلا أناثا:
وقرئ:
1- إلا أوثانا، جمع وثن، وهى قراءة أبى السوار، والهنائى.
2- إلا أنثى، على التوحيد، وهى قراءة الحسن.
3- أنثا، وهى قراءة ابن عباس، وأبى حيوة، والحسن، وعطاء، وأبى العالية، وأبى نهيك، ومعاذ القارئ.
4- إلا وثنا، بفتح الواو والثاء من غير حمز، وهى قراءة سعد بن أبى وقاص، وعبد الله بن عمر، وأبى المتوكل، وأبى الجوزاء.
5- إلا أنثا، وهى قراءة ابن المسيب، ومسلم بن جندب.
6- إلا وثنا، بضم الواو والثاء من غير همز، وهى قراءة أيوب السختياني.
7- إلا أثنا، بسكون الثاء، وهى قراءة فرقة.

مدارسة الآية : [118] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ ..

التفسير :

[118] طرده الله تعالى من رحمته. وقال الشيطان:لأتخذن مِن عبادك جزءاً معلوماً في إغوائهم قولاً وعملاً.

أي:ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا، أي:أوثانا وأصناما مسميات بأسماء الإناث كـ "العزى"و "مناة"ونحوهما، ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى. فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة، دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء، وفقدها لصفات الكمال، كما أخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه، أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها بل ولا عن نفسها؛ نفعا ولا ضرا ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء، وليس لها أسماع ولا أبصار ولا أفئدة، فكيف يُعبد من هذا وصفه ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى والصفات العليا والحمد والكمال، والمجد والجلال، والعز والجمال، والرحمة والبر والإحسان، والانفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير؟"هل هذا إلا من أقبح القبيح الدال على نقص صاحبه، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفه واصف؟"ومع ذلك فعبادتهم إنما صورتها فقط لهذه الأوثان الناقصة. وبالحقيقة ما عبدوا غير الشيطان الذي هو عدوهم الذي يريد إهلاكهم ويسعى في ذلك بكل ما يقدر عليه، الذي هو في غاية البعد من الله، لعنه الله وأبعده عن رحمته، فكما أبعده الله من رحمته يسعى في إبعاد العباد عن رحمة الله.{ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ْ} ولهذا أخبر الله عن سعيه في إغواء العباد، وتزيين الشر لهم والفساد وأنه قال لربه مقسما:{ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ْ} أي:مقدرا. علم اللعين أنه لا يقدر على إغواء جميع عباد الله، وأن عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان، وإنما سلطانه على من تولاه، وآثر طاعته على طاعة مولاه. وأقسم في موضع آخر ليغوينهم{ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ْ} فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به، أخبر الله تعالى بوقوعه بقوله:{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ْ}

وقوله لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية. أى: طرده من رحمته طردا مقترنا بسخط وغضب.

ثم حكى- سبحانه- أن الشيطان قد أقسم بأنه لن يكف عن إبعاد بنى آدم عن طريق الحق فقال: وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً:

أى: أن الشيطان قال مؤكدا ومقسما لأتخذن من عبادك الذين هم من ذرية آدم، نصيبا مفروضا. أى: لأجعلن لي منهم مقدارا معينا قليلا كان أو كثيرا، وهم الذين سأصرفهم عن الطريق الحق، وسأجعلهم خاضعين لوسوستى ومنقادين لأمري. وقوله لَأَتَّخِذَنَّ من الاتخاذ وهو أخذ الشيء على جهة الاختصاص. وقوله مَفْرُوضاً من الفرض بمعنى القطع. وأطلق هنا على العدد المعين من الناس لاقتطاعه عن سواه من صالحي المؤمنين. فكل من أطاع الشيطان من بنى آدم فهو نصيبه المقطوع منهم له.

وجملة وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً معطوفة على الجملة المتقدمة عليها. أى:

أن هؤلاء المشركين ما يطيعون في عبادتهم لغير الله إلا شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله- تعالى- له، وبين هذا القول الشنيع الصادر منه عند اللعن.

وقوله : ( لعنه الله ) أي : طرده وأبعده من رحمته ، وأخرجه من جواره .

وقال : ( لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ) أي : معينا مقدرا معلوما . قال مقاتل بن حيان : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة .

القول في تأويل قوله : وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: مخبرًا عن قيل الشيطان المريد الذي وصف صفته في هذه الآية: " ولأضلنهم "، ولأصدّن النصيب المفروض الذي أتخذه من عبادك عن محجة الهدى إلى الضلال، ومن الإسلام إلى الكفر=" ولأمنينهم "، يقول: لأزيغنَّهم -بما أجعل في نفوسهم من الأماني- عن طاعتك وتوحيدك، إلى طاعتي والشرك بك، =" ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام "، يقول: ولآمرن النصيبَ المفروض لي من عبادك، بعبادة غيرك من الأوثان والأنداد &; 9-214 &; حتى يَنْسُكوا له، (37) ويحرِّموا ويحللوا له، ويشرعوا غيرَ الذي شرعته لهم، فيتبعوني ويخالفونك.

* * *

و " البتك "، القطع، وهو في هذا الموضع: قطع أذن البَحِيرة ليعلم أنها بَحِيرة. (38)

وإنما أراد بذلك الخبيثُ أنه يدعوهم إلى البحيرة، فيستجيبون له، ويعملون بها طاعةً له.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10445- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " فليبتكن آذان الأنعام "، قال: البتك في البحيرة والسَّائبة، كانوا يبتّكون آذانها لطواغِيتهم.

10446- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: قوله: " ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام "، أما " يبتكن آذان الأنعام "، فيشقونها، فيجعلونها بَحيرة.

10447- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن عكرمة: " فليبتكن آذان الأنعام "، قال: دينٌ شرعه لهم إبليس، كهيئة البحائر والسُّيَّب. (39)

* * *

القول في تأويل قوله : وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قوله: " فليغيرن خلق الله ".

فقال بعضهم: معنى ذلك: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله من البهائم، بإخصائهم إياها. (40)

*ذكر من قال ذلك:

10448- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: أنه كره الإخصاء وقال: فيه نـزلت: " ولآمرنهم فليغِّيرُن خلقَ الله ".

10449- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الله بن داود قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس: أنه كره الإخصاء وقال: فيه نـزلت: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ".

10450- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: هو الإخصاء، يعني قول الله: " ولآمرنهم فليغيّرن خلق الله ".

10451- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف قال: &; 9-216 &; حدثنى رجل، عن ابن عباس قال: إخصاء البهائم مُثْلَةٌ! ثم قرأ: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ".

10452- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال: من تغيير خلق الله، الإخصاءُ.

10453- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان قال، أخبرني شبيل: أنه سمع شهر بن حوشب قرأ هذه الآية: " فليغيرن خلق الله "، قالالخِصَاء، قال: فأمرت أبا التَّيَّاح فسأل الحسن عن خِصَاء الغنم، فقال: لا بأس به. (41)

10454- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا عمي وهب بن نافع، عن القاسم بن أبي بزة قال: أمرني مجاهد أن أسأل عكرمة عن قوله: " فليغيرن خلق الله "، فسألته، فقال: هو الخصاء.

10455- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن عبد الجبار بن ورد، عن القاسم بن أبي بزة قال، قال لي مجاهد: سل عنها عكرمة: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، فسألته فقال: الإخصاء= قال مجاهد: ما له، لعنة الله! فوالله لقد علم أنه غير الإخصاء= ثم قال: سله، فسألته فقال عكرمة: ألم تسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ . [سورة الروم: 30] ؟ قال: لدين الله= فحدَّثت به مجاهدًا فقال: ما له أخزاه الله!. (42)

10456- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن ليث قال، قال عكرمة: " فليغيرن خلق الله "، قال: الإخصاء.

10457- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا هارون النحوي قال، حدثنا مطر الوراق قال: سئل عكرمة عن قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: هو الإخصاء.

10458- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: الإخصاء.

10459- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال: سمعت أنس بن مالك يقول في قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: منه الخصاء.

10460- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، بمثله.

10461- حدثنا ابن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، بمثله. (43)

10462- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة: أنه كره الإخصاء، قال: وفيه نـزلت: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ".

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ولآمرنهم فليغيرن دينَ الله.

*ذكر من قال ذلك:

10463- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله.

10464- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن وأبو أحمد قالا حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله.

10465- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني قيس بن مسلم، عن إبراهيم، مثله.

10466- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم، مثله.

10467- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.

10468- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا عمي، عن القاسم بن أبي بزة قال، أخبرت مجاهدًا بقول عكرمة في قوله: " فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله.

10469- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا هارون النحوي قال، حدثنا مطر الوراق قال: ذكرت لمجاهد قول عكرمة في قوله: " فليغيرن خلق الله "، فقال: كذب العبْدُ!" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله. (44)

10470- حدثنا ابن وكيع وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو معاوية، عن ابن جريج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد وعكرمة قالا دين الله.

10471- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي وحفص، عن ليث، عن مجاهد قال: دين الله. ثم قرأ: ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، [سورة الروم: 30].

10472- حدثنا محمد بن عمرو وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " فليغيرن خلق الله "، قال: الفطرة دين الله.

10473- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فليغيرن خلق الله "، قال: الفطرة، الدين.

10474- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدًا يقول: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله.

10475- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، أي: دين الله، في قول الحسن وقتادة.

10476- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله.

10477- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الملك، عن عثمان بن الأسود، عن القاسم بن أبي بزة في قوله: " فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله.

&; 9-220 &;

10478- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: أما " خلق الله "، فدين الله.

10479- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله، وهو قول الله: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ،[سورة الروم: 30] ، يقول: لدين الله.

10480- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله. وقرأ: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، قال: لدين الله.

10481- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا قيس بن مسلم، عن إبراهيم: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله.

10482- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا عمران بن حدير، عن عيسى بن هلال قال: كتب كثير مولى ابن سمرة إلى الضحاك بن مزاحم يسأله عن قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، فكتب: " إنه دين الله ". (45)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " بالوشم.

*ذكر من قال ذلك:

10483- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، &; 9-221 &; حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن في قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: الوشْم.

10484- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد، عن نوح بن قيس، عن خالد بن قيس، عن الحسن: " فليغيرن خلق الله "، قال: الوشم. (46)

10485- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا يونس بن عبيد أو غيره، عن الحسن: " فليغيرن خلق الله "، قال: الوشم.

10486- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا أبو هلال الراسبي قال: سأل رجل الحسنَ: ما تقول في امرأة قَشَرت وجهها؟ قال: ما لها، لعنها الله! غَيَّرت خلقَ الله! (47)

10487- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: لعن الله المُتَفَلِّجات والمُتَنَمِّصات والمُسْتَوْشِمَات المغِّيرات خلق الله.

10488- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لعن الله الوَاشِرَات والمُسْتَوْشِمَات والمُتَنَمِّصات والمُتَفَلِّجات للحسن المغِّيرات خلق الله.

10489- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، &; 9-222 &; عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لعن الله المُتَنَمِّصات والمتَفَلِّجات= قال شعبة: وأحسبه قال: المغِّيرات خلق الله. (48)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، قولُ من قال: معناه: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، قال: دين الله. وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه، وهي قوله: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، [سورة الروم: 30].

وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه: من خِصَاءِ ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه وَوشْرِه، وغير ذلك من المعاصي= ودخل فيه ترك كلِّ ما أمر الله به. لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله وينهى عن جميع طاعته. فذلك معنى أمره نصيبَه المفروضَ من عباد الله، بتغيير ما خلق الله من دينه.

* * *

قال أبو جعفر: فلا معنى لتوجيه من وجَّه قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله "، إلى أنه وَعْد الآمر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دون بعض، أو بعض ما أمر به دون بعض. فإن كان الذي وجه معنى ذلك إلى الخصاء والوشم دون غيره، (49) إنما فعل ذلك لأن معناه كان عنده أنه عنى به تغيير الأجسام، (50) فإن في قوله جل ثناؤه إخبارًا عن قيل الشيطان: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ ، ما ينبئ أن معنى ذلك على غير ما ذهب إليه. لأن تبتيك آذان الأنعام من تغيير خلق الله الذي هو أجسام. وقد مضى الخبر عنه أنه وَعْد الآمر بتغيير خلق الله من الأجسام مفسَّرًا، فلا وجه لإعادة الخبر عنه به مجملا (51) إذ كان الفصيح في كلام العرب أن يُترجم عن المجمل من الكلام بالمفسر، وبالخاص عن العام، دون الترجمة عن المفسر بالمجمل، وبالعام عن الخاص. وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام، أولى من توجيهه إلى غيره، ما وجد إليه السبيل.

----------------

الهوامش :

(37) "نسك ينسك" ، إذا ذبح نسيكة ، أي ذبيحة. وانظر تفسير ذلك فيما سلف 3 : 75-80 / 4 : 86 ، 195.

(38) "البحيرة" من الأنعام ، من عقائد أهل الجاهلية ، أبطلها الإسلام ، وذلك الشاة أو الناقة تشق أذنها ، ثم تترك فلا يمسها أحد.

(39) "السائبة" أم"البحيرة" ، وذلك أن الرجل كان ينذر نذرًا: إذا قدم من سفر بعيد ، أو برئ من علة ، أو نجاه شيء من مشقة أو حرب فيقول: "ناقتي هذه سائبة" ، أي: تسيب فلا ينتفع بظهرها ، ولا تحلأ عن ماء ، ولا تمنع من كلأ ، ولا تركب. وجمع"سائبة""سيب" (بضم السين والياء المشددة المفتوحة) مثل"نائم ونوم" ، و"نائحة ونوح".

وهكذا جاءت على الصواب في المخطوطة ، ولكن ناشر المطبوعة جعلها"السوائب" كأنه استنكر هذا الجمع ، فأساء غاية الإساءة في تبديل الصواب ، وإن كانت"السوائب" صوابًا أيضًا ، فإن هذه الآثار حجة في اللغة.

(40) "خصى الفحل يخصيه خصاء" (بكسر الخاء): سل خصييه. والفقهاء القدماء يقولون: "الإخصاء" ولم تذكره كتب اللغة ، وقال المطرزي في المغرب 1 : 159"خصاء على فعال ، والإخصاء في معناه ، خطأ". وهذا موضع إشكال ، فإنك ستراه مستفيضًا في الآثار التالية ، وهي نص صحيح في جواز"الإخصاء" ، وبمثل هذه الآثار احتج أصحاب معاجم اللغة ، وكيف لا يحتج به ، وقد جاء في كلام ابن عباس ، كما ترى في الأثر : 10451.

(41) الأثر: 10453 -"جعفر بن سليمان الضبعي" مضى برقم: 2905 ، 6461. و"شبيل" هو"شبيل بن عزرة بن عمير الضبعي" ، يروي عن شهر بن حوشب وروى عنه جعفر بن سليمان. ثقة. روى له أبو داود حديثًا واحدًا. وكان شبيل من أئمة العربية ، وهو ختن قتادة. وذكره الجاحظ في البيان 1 : 343 فقال: "ومن علماء الخوارج شبيل بن عزرة الضبعي ، صاحب الغريب ، وكان راوية خطيبًا ، وشاعرًا ناسبًا ، وكان سبعين سنة رافضيًا ، ثم انتقل خارجيًا صفريًا". وقال البلاذري: "لم يكن خارجيًا ، وإنما كان يقول أشعارًا في ذلك على سبيل التقية". مترجم في التهذيب.

وكان في المطبوعة: "شبل" وهو خطأ ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة.

و"أبو التياح" ، هو: "يزيد بن حميد الضبعي" ، روى عن أنس والحسن البصري. وهو ثبت ثقة معروف. مترجم في التهذيب.

(42) الأثر: 10455 -"عبد الجبار بن الورد بن أغر بن الورد المخزومي" ، ثقة ، لا بأس به. مترجم في التهذيب. وقد مضى في الإسناد رقم: 4631 ، ولم يترجم هناك.

وقول مجاهد في عكرمة: "ماله لعنه الله" ، و"ماله أخزاه الله" ، أراد مجاهد اضطراب عكرمة في روايته ، وكان مجاهد سيئ الرأي فيه ، كما كان مالك ابن أنس سيئ الرأي فيه ، يقول: "لا أرى لأحد أن يقبل حديثه". وقد قيل إنه كان مضطرب الحديث ، وأنه كان قليل العقل!! روى الحافظ في التهذيب 7 : 269"قال الأعمش عن إبراهيم: لقيت عكرمة فسألته عن: البطشة الكبرى. قال: يوم القيامة. فقلت: إلا عبد الله ، كان يقول: يوم بدر. فأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدر". وهذا شبيه بهذا الخبر الذي بين أيدينا. وانظر أيضًا الأثر التالي رقم: 10469.

وانظر ترجمة عكرمة البربري في التهذيب ، فقد استوفى الحافظ القول في عدالته وتوثيقه ، ورواية الأئمة عنه.

(43) الأثر: 10461 - هو من تتمة الأثر السالف ، ولكنه جرى مفردًا في الترقيم خطأ.

(44) الأثر: 10469 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 10455.

(45) الأثر: 10482 -"معاذ بن معاذ بن نصر حسان العنبري" الحافظ. وكان في المطبوعة: "معاذ" ، وحذف بقية الاسم ، وهو ثابت في المخطوطة.

(46) الأثر: 10484 -"يزيد" ، هو"يزيد بن هارون" مضى مرارًا.

و"نوح بن قيس بن رباح الأزدي الحداني" ، مضى برقم: 1218.

و"خالد بن قيس بن رباح الأزدي الحداني" ، أخو"نوح بن قيس". ثقة. مترجم في التهذيب.

وكان في المطبوعة: "حدثنا يزيد بن نوح ، عن قيس ، عن خالد بن قيس" وهو خطأ محض ، صوابه من المخطوطة.

(47) "قشر الوجه": دواء قديم بالغمرة تعالج به المرأة وجهها أو وجه غيرها ، وكأنها تقشر أعلى الجلد. و"الغمرة" (بضم فسكون) ، قالوا: هو الزعفران ، وقالوا: هو الجص. وقالوا: هو تمر ولبن يطلى به وجه المرأة ويداها ، حتى ترق بشرتها ويصفو لونها. والظاهر أنه كان يخلط به شيء يقشر أعلى البشرة ، ومن أجل ذلك نهى عنه ، وفي الحديث: "لعنت القاشرة والمقشورة".

(48) الآثار: 10487 - 10489 - هو حديث صحيح ، رواه البخاري (الفتح 10 : 313 ، 317) من طريق منصور عن إبراهيم ، ورواه به أحمد في المسند مطولا: 4129 ، 4230 ، 4434.

وفي الإسناد الأول 10487 لم يذكر علقمة ، فقال الحافظ ابن حجر في الفتح: "ومن أصحاب الأعمش من لم يذكر عنه علقمة في السند".

وطريق محمد بن جعفر ، عن شعبة (10489) رواه أحمد: 4434 ، ونصه"لعن الله المتوشمات والمتنمصات ..." ، فأخشى أن يكون سقط من الناسخ"المتوشمات".

و"المتفلجة" التي تصنع الفلج بأسنانها إذا كانت متلاصقة ، وذلك بأن تحك ما بينهما بالمبرد حتى يتسع ما بين أسنانها.

و"المتنمصة" و"النامصة" التي تزيل شعر حاجبها بالمنقاش حتى ترققه وترفعه وتسويه. و"المستوشمة" و"الواشمة" ، و"الوشم" أن تغرز إبرة في الجلد حتى يسيل الدم ، ثم يحشى بالنورة أو غيرها فيخضر. ويقال: "هو أن تجعل خالا في وجهها بالكحل". ويفعلونه أيضًا في الشفاه واللثات ، وكل ذلك داخل في الذي نهى الله عنه ، ولعن عليه.

= و"الواشرة" التي تحدد أسنانها وترققها بالمنشار ، وهو المبرد.

وكل هذا الذي لعن الله فاعله ، تفعله نساؤنا المسلمات اليوم ، متبرجات به ، موغلات فيه ، مقلدات لمن كفر بالله ورسوله. فمن أجل عصيانهن واستخفافهن - بل من أجل عصياننا جميعًا أمر الله - أحل الله بنا العقوبة التي أنذرنا بها رسول الله ، بأبي هو وأمي ، فجعل الله بأسنا بيننا ، وسلط علينا شرارنا ، وجمع علينا الأمم لتأكلنا. فاللهم اهد ضالنا ، وخذ بنواصي عصاتنا ، واغفر لنا وارحمنا ، عليك نتوكل ، وبك نستجير ، وإليك نلجأ.

(49) في المطبوعة: "فإذا كان الذي وجه ..." والصواب من المخطوطة.

(50) في المطبوعة: "عنى به" بزيادة"به" ، وهو فساد ، والصواب من المخطوطة.

(51) سقط سطر من المخطوطة ، فكان فيها: "وقد مضى الخبر عنه مجملا ، إذ كان الفصيح" ، وهو مضطرب ، والذي في المطبوعة هو الصواب إن شاء الله. ولا أدري أهو اجتهاد من ناسخ أو ناشر ، أم هذا كلام أبي جعفر كما كتبه؟.

التدبر :

وقفة
[118] فإن قال قائل: وكيف يتخذ الشيطان من عباد الله نصيبًا مفروضًا؟ قيل: يتخذ منهم ذلك النصيب بإغوائه إياهم عن قصد السبيل، ودعائه إياهم إلى طاعته، وتزيينه لهم الضلالَ والكفر؛ حتى يزيلهم عن منهج الطريق، فمن أجاب دعاءَه واتَّبع ما زينه له فهو من نصيبه المعلوم، وحظِّه المقسوم.
وقفة
[118] ﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ نصيب الشيطان من بني الإنسان! كل من أطاع الشيطان فهو من نصيبه، وهو من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. [البخاري 3348].
وقفة
[118] ﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ أقسم الشيطان وحلف أن يتخذ من العباد نصيبًا، أتحب أن تكون أنت ذلك النصيب؟!
تفاعل
[118] ﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ لَعَنَهُ اللَّهُ:
  • الجملة في محل نصب صفة لشيطانا «صفة ثانية». لعنه: فعل ماض مبني على الفتح. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ:
  • الجملة في محل نصب صفة ثالثة لشيطانا لأن المعنى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله. وهذا القول الشنيع أو لعنة الله فاقسم قائلا: لا تخذّن من عبادك. وقال لأتخذنّ: الواو: عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لأتخذنّ: اللام واقعة في جواب القسم المقدّر. اتخذن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. وجملة «لَأَتَّخِذَنَّ» جواب القسم لا محل لها. أما جملة «مقول القول» فقد أغنى عنها جواب القسم لأنه سبق القول.
  • ﴿ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً:
  • جار ومجرور متعلق بأتخذنّ أو بحال من «نَصِيباً» لأنه صفة مقدمة. والكاف ضمير متصل في محل جرّ بالاضافة. نصيبا: مفعول به منصوب بالفتحة المنونة. مفروضا: صفة- نعت- لنصيبا منصوب مثله بالفتحة أيضا. '

المتشابهات :

النساء: 118﴿لَّعَنَهُ اللَّـهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا
المائدة: 7﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [118] لما قبلها :     وبعد أن وصفَ اللهُ عز وجل الشيطان؛ وصفه هنا بصفة ثانية، وبَيَّنَ أن الشيطان قد أقسم بأنه لن يكف عن إبعاد بني آدم عن طريق الحق، فقال تعالى:
﴿ لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [119] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ..

التفسير :

[119] ولأصرفَنَّ مَن تبعني منهم عن الحق، ولأعِدَنَّهم بالأماني الكاذبة، ولأدعونَّهم إلى تقطيع آذان الأنعام وتشقيقها لِمَا أزيِّنه لهم من الباطل، ولأدعونَّهم إلى تغيير خلق الله في الفطرة، وهيئة ما عليه الخلق. ومن يستجب للشيطان ويتخذه ناصراً له من دون الله

{ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ْ} أي:عن الصراط المستقيم ضلالا في العلم، وضلالا في العمل.{ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ْ} أي:مع الإضلال، لأمنينهم أن ينالوا ما ناله المهتدون. وهذا هو الغرور بعينه، فلم يقتصر على مجرد إضلالهم حتى زين لهم ما هم فيه من الضلال. وهذا زيادة شر إلى شرهم حيث عملوا أعمال أهل النار الموجبة للعقوبة وحسبوا أنها موجبة للجنة، واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم فإنهم كما حكى الله عنهم،{ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ْ}{ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ْ}{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ْ} الآية. وقال تعالى عن المنافقين إنهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين:{ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ْ} وقوله:{ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ ْ} أي:بتقطيع آذانها، وذلك كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام فنبه ببعض ذلك على جميعه، وهذا نوع من الإضلال يقتضي تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، ويلتحق بذلك من الاعتقادات الفاسدة والأحكام الجائرة ما هو من أكبر الإضلال.{ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ْ} وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم، والوشر والنمص والتفلج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن. وذلك يتضمن التسخط من خلقته والقدح في حكمته، واعتقاد أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره، ويتناول أيضا تغيير الخلقة الباطنة، فإن الله تعالى خلق عباده حنفاء مفطورين على قبول الحق وإيثاره، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل، وزينت لهم الشر والشرك والكفر والفسوق والعصيان. فإن كل مولود يولد على الفطرة ولكن أبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، ونحو ذلك مما يغيرون به ما فطر الله عليه العباد من توحيده وحبه ومعرفته. فافترستهم الشياطين في هذا الموضع افتراس السبع والذئاب للغنم المنفردة. لولا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين لجرى عليهم ما جرى على هؤلاء المفتونين، وهذا الذي جرى عليهم من توليهم عن ربهم وفاطرهم وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر من كل وجه، فخسروا الدنيا والآخرة، ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة، ولهذا قال:{ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ْ} وأي خسار أبين وأعظم ممن خسر دينه ودنياه وأوبقته معاصيه وخطاياه؟!! فحصل له الشقاء الأبدي، وفاته النعيم السرمدي. كما أن من تولى مولاه وآثر رضاه، ربح كل الربح، وأفلح كل الفلاح، وفاز بسعادة الدارين، وأصبح قرير العين، فلا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، اللهم تولنا فيمن توليت، وعافنا فيمن عافيت.

أما الأمر الثاني والثالث اللذان توعد الشيطان بهما بنى آدم فقد حكاهما- سبحانه- في قوله وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ أى: ولأضلنهم عن طريق الحق فأجعلهم يسيرون في طريق الباطل إلى نهايته، ولأمنينهم الأمانى الفارغة. بأن أجعلهم يجرون وراء الأحلام الكاذبة، والأوهام الفاسدة. والأطماع التي تسيطر على نفوسهم وعقولهم، وبذلك يكونون من جندي، ويخضعون لأمري.

أما الأمر الرابع الذي توعد الشيطان به بنى آدم فقد حكاه- سبحانه- في قوله وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ.

قال الراغب: البتك يقارب البت لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء والشعر. يقال بتك شعره وأذنه- أى قطعها أو شقها- ومنه سيف باتك أى قاطع للأعضاء. وأما البت فيقال في قطع الحبل .

وكانوا في الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا قطعوا أذنها أو شقوها شقا واسعا علامة على أنهم حرموا على أنفسهم الانتفاع بها وجعلوها للطواغيت وسموها بحيرة أى المشوقة الأذن.

والمراد: أنه يأمرهم بعبادة غير الله وبالأمانى الباطلة. وبتقطيع آذان الأنعام تقربا للطواغيت والأوثان فيسارعون إلى إجابته، وينقادون لوسوسته.

أما الأمر الخامس الذي توعد الشيطان به بنى آدم فقد حكاه- سبحانه- في قوله وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ.

قال ابن كثير: أى دين الله. وهذا كقوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ على قول من جعل ذلك أمرا أى: لا تبدلوا فطرة الله، ودعوا الناس على فطرتهم. كما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء. هل تجدون بها من جدعاء؟» وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله- تعالى-: «إنى خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» .

وقال بعضهم: المراد بتغيير خلق الله تغيير الصور التي خلق الله عليها مخلوقاته، كفقأ عين فحل الإبل في بعض الأحوال، وقطع الآذان، والوشم، وما يشبه ذلك مما كانوا يفعلونه في جاهليتهم اتباعا للشيطان.

وقد رجح ابن جرير أن المراد بتغيير خلق الله: تغيير دين الله فقال ما ملخصه: «وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معناه: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، قال: دين الله. وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه وهي قوله: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمة، وغير ذلك من المعاصي .

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد حكى للناس ما قاله الشيطان بلسان حاله أو مقاله حتى يحذروه ويتخذوه عدوا لهم، لينالوا رضا الله ومثوبته.

وقد أكد- سبحانه- هذا المعنى بقوله: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً.

أى: ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله، بأن يتبع الشيطان ويواليه ويسير خلف وسوسته، ويترك طريق الحق والهدى، من يفعل ذلك يكن بفعله هذا قد خسر خسرانا واضحا بينا، لأن الشيطان لا يسوق الإنسان إلا إلى ما يهلكه ويخزيه في الدنيا والآخرة، وسيقول لأتباعه يوم ينزل بهم العقاب في الآخرة إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ.

( ولأضلنهم ) أي : عن الحق ( ولأمنينهم ) أي : أزين لهم ترك التوبة ، وأعدهم الأماني ، وآمرهم بالتسويف والتأخير ، وأغرهم من أنفسهم .

وقوله : ( ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ) قال قتادة والسدي وغيرهما : يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسائبة .

( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) قال ابن عباس : يعني بذلك خصاء الدواب . وكذا روي عن ابن عمر ، وأنس ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، وأبي عياض ، وأبي صالح ، وقتادة ، والثوري . وقد ورد في حديث النهي عن ذلك .

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : يعني بذلك الوشم . وفي صحيح مسلم النهي عن الوشم في الوجه وفي لفظ : " لعن الله من فعل ذلك " . وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ، عز وجل ، ثم قال : ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ، عز وجل ، يعني قوله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [ الحشر : 7 ] .

وقال ابن عباس في رواية عنه ، ومجاهد ، وعكرمة أيضا وإبراهيم النخعي ، والحسن ، وقتادة ، والحكم ، والسدي ، والضحاك ، وعطاء الخراساني في قوله : ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) يعني : دين الله ، عز وجل . وهذا كقوله تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) [ الروم : 30 ] على قول من جعل ذلك أمرا ، أي : لا تبدلوا فطرة الله ، ودعوا الناس على فطرتهم ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل يحسون فيها من جدعاء ؟ " وفي صحيح مسلم ، عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم " .

وقوله تعالى : ( ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) أي : فقد خسر الدنيا والآخرة ، وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها .

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عن حال نصيب الشيطان المفروضِ الذين شاقوا الله ورسوله من بعد ما تبين لهم الهدى. (52) يقول الله: ومن يتبع الشيطان فيطيعه في معصية الله وخلاف أمره، ويواليه فيتخذه وليًّا لنفسه ونصيرًا من دون الله (53) =" فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا "، يقول: فقد هلك هلاكًا، وبخس نفسه حظَّها فأوبقها بخسًا " مبينًا " = يبين عن عَطَبه وهلاكه، (54) لأن الشيطان لا يملك له نصرًا من الله إذا عاقبه على معصيته إياه في خلافه أمرَه، بل يخذُله عند حاجته إليه. وإنما حاله معه ما دام حيًّا ممهَلا بالعقوبة، كما وصفه الله جل ثناؤه بقوله: " يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا "، يعني بذلك جل ثناؤه: يعد الشيطان المَرِيد أولياءه الذين هم نصيبُه المفروض: أن يكون لهم نصيرًا ممن أرادهم بسوء، وظهيرًا لهم عليه، يمنعهم منه ويدافع عنهم، ويمنيهم الظفر على من حاول مكروههم والفَلَج عليهم. (55)

-----------------

الهوامش :

(52) في المطبوعة: "من الذين شاقوا ..." بزيادة"من" ، والصواب حذفها كما في المخطوطة.

(53) في المخطوطة والمطبوعة: "ونصيرًا دون الله" بإسقاط"من" ، وهو سهو من الناسخ في عجلته ، فزدتها لدلالة الآية على مكانها.

(54) انظر تفسير"خسر" فيما سلف 1 : 417 / 2 : 166 ، 572 / 6 : 570 / 7 : 276= وتفسير"مبين" فيما سلف ص: 199 تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(55) "الفلج" (بفتحتين): الظفر والفوز والعلو على الخصم.

التدبر :

وقفة
[119] يقوى تسلط الشيطان على الإنسان حتى يأمره فيمتثل أمره وهو لا يشعر، يُضلُّه ويُمنِّيه، والحقيقة أنه يأمره، قال إبليس: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ﴾.
تفاعل
[119] ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ﴾ استعذ بالله.
عمل
[119] أحص من هذه الآيات أساليب إبليس -أعاذنا الله منه- فـي غواية الناس ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[119] ﴿وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾ أن ينالوا ما ناله المهتدون، وهذا هو الغرور بعينه، فلم يقتصر على مجرد إضلالهم حتى زين لهم ما هم فيه من الضلال.
وقفة
[119] قال الشيطان عن نفسه: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾، أذية الشيطان وصلت لتشقيق آذان الحيوان, فكيف يسلم من أذاه قلب الإنسان؟!
وقفة
[119] ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ﴾ وذلك يتضمن: التسخط من خلقته، والقدح في حكمته، واعتقاد أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره.
وقفة
[119] ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ﴾ يبلغ من تسلط الشيطان على العبد أن يأمره فيمتثل، کالعبد بين يدي سيده، وهذا قمة الذل والهوان، فضلًا عن أنه يورد يوم القيامة النيران.
عمل
[119] انصح إحدى محارمك ممن رأيتها تقع فـي النمص أو الوشم ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[119] لا عاقل يقبل بصفقة خاسرة ١٠٠٪ مع من قال الله فيه: ﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾.
تفاعل
[119] ﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ:
  • الجمل معطوفة بواوات العطف على جملة «لَأَتَّخِذَنَّ» وتعرب إعرابها و «هم» في الجمل الثلاث ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فَلَيُبَتِّكُنَّ:
  • الفاء: زائدة. اللام: لام التأكيد. يبتكن: فعل مضارع مبني على حذف النون لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ولأنه من الأفعال الخمسة وقد سقطت واو الجماعة الفاعل لالتقاء الساكنين. الواو والنون ونون التوكيد لا محل لها بمعنى فليقطعن.
  • ﴿ آذانَ الْأَنْعامِ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. الأنعام: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ:
  • ولآمرنهم: سبق إعرابها وما بعدها: يعرب إعراب «فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ».
  • ﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يتخذ: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه السكون حرّك بالكسر لالتقاء الساكنين. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الشيطان: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ:
  • وليا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. من دون: جار ومجرور متعلق بصفة لوليا. و «اللَّهِ» مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبرا المبتدأ «مَنْ».
  • ﴿ فَقَدْ خَسِرَ:
  • الفاء واقعة في جواب الشرط. قد: حرف تحقيق. خسر: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «فَقَدْ خَسِرَ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ خُسْراناً مُبِيناً:
  • مفعول مطلق منصوب بالفتحة المنونة. مبينا: صفة لخسرانا منصوبة مثله بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [119] لما قبلها :     مُناسبة الآية (119) لِمَا قبلها: وبعد أن أقسَمَ الشَّيطانُ أنَّه سيتَّخذُ نصيبًا مفروضًا من العِباد؛ ذكَر هنا ما يعتزمُ فعلَه بهم، ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل طرق الشَّيطانِ في الإغواءِ والضَّلالِ؛ حذَّر النَّاسَ هنا من طاعته، فقال تعالى:
﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [120] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ ..

التفسير :

[120] يَعِدُ الشيطان أتباعه بالوعود الكاذبة، ويغريهم بالأماني الباطلة الخادعة، وما يَعِدُهم إلا خديعة لا صحة لها، ولا دليل عليها.

{ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ْ} أي:يعد الشيطان من يسعى في إضلالهم، والوعد يشمل حتى الوعيد كما قال تعالى:{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ْ} فإنه يعدهم إذا أنفقوا في سبيل الله افتقروا، ويخوفهم إذا جاهدوا بالقتل وغيره، كما قال تعالى:{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ْ} الآية. ويخوفهم عند إيثار مرضاة الله بكل ما يمكن وما لا يمكن مما يدخله في عقولهم حتى يكسلوا عن فعل الخير، وكذلك يمنيهم الأماني الباطلة التي هي عند التحقيق كالسراب الذي لا حقيقة له، ولهذا قال:{ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}

وقوله- تعالى- يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً تأكيد للتحذير السابق من اتباع الشيطان.

أى: يعد الشيطان أولياءه بالوعود الباطلة، ويمنيهم بالأمانى الكاذبة، لكي يستمروا على طاعته، والحال أن الشيطان ما يعدهم إلا بالأمور الخادعة التي ظاهرها يغرى وباطنها يردى.

قال القرطبي: الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه وفيه باطن مكروه والشيطان غرور، لأنه يحمل على محاب النفس ووراء ذلك ما يسوء.

وقوله غُرُوراً مفعول ثان للوعد، أو مفعول لأجله. أو نعت لمصدر محذوف أى وعدا ذا غرور.

وقوله : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) وهذا إخبار عن الواقع ; لأن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة ، وقد كذب وافترى في ذلك ; ولهذا قال : ( وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) كما قال تعالى مخبرا عن إبليس يوم المعاد : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان [ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل ] إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ إبراهيم : 22 ] .

= ثم قال: " وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا " يقول: وما يعد الشيطان أولياءَه الذين اتخذوه وليًّا من دون الله=" إلا غرورًا " يعني: إلا باطلا. (56)

وإنما جعل عِدَته إياهم جل ثناؤه ما وعدهم " غرورًا "، لأنهم كانوا يحسبون &; 9-225 &; أنهم في اتخاذهم إياه وليًّا على حقيقةٍ من عِدَاته الكذب وأمانيه الباطلة، (57) حتى إذا حصحص الحق، وصاروا إلى الحاجة إليه، قال لهم عدوّ الله: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ، [سورة إبراهيم: 22]. وكما قال للمشركين ببدر، وقد زيَّن لهم أعمالهم: لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ، وحصحص الحقّ، وعاين جِدّ الأمر ونـزول عذاب الله بحزبه (58) = : نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، [سورة الأنفال: 48]، فصارت عِدَاته، عدُوَّ الله إياهم عند حاجتهم إليه غرورًا (59) كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ . [سورة النور: 39].

--------------

الهوامش :

(56) انظر تفسير"الغرور" فيما سلف 7 : 453.

(57) في المطبوعة: "على حقيقته" ، والصواب من المخطوطة. وفي المطبوعة: "عداته الكاذبة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض.

(58) في المطبوعة والمخطوطة: "حد الأمر" بالحاء: أي شدته وبأسه. ولو قرئ"جد" لكان صوابًا أيضًا ، بل هو الأرجح ، ولذلك أثبته.

(59) قوله: "عدو الله" منصوب على الذم ، وفصل به بين المصدر ومفعوله.

التدبر :

وقفة
[120] غاية الشيطان صرف الناس عن عبادة الله تعالى، ومن أعظم وسائله تزيين الباطل بالأماني الغرارة والوعود الكاذبة.
وقفة
[120] ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ أي: تزيينًا بالباطل، خداعًا ومكرًا وتلبيسًا, إظهارًا لما لا حقيقة له -أو له حقيقة سيئة- في أبهى الحقائق، وأشرفها، وألذها إلى النفس، وأشهاها إلى الطبع.
وقفة
[120] ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ يتوقف الإنسان عن السوء خوف العاقبة، ومهمة الشيطان تحسين العواقب؛ لأن أول طريقه لذَّات وآخره ندامات.
تفاعل
[120] ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[120] أخسر الناس صفقة وأغرهم أمنية: من ﻻ يزال يلهث خلف وعود عدوه ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
عمل
[120] احذر أن يستدرجك الشيطان ويضيع وقتك وعمرك بالوعود الكاذبة والأماني الباطلة ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
عمل
[120] كن واقعيًّا في أمنياتك وأفكارك وكلامك ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
وقفة
[120] ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ والغرور: إظهار الشيء المكروه في صورة المحبوب، والمعنى: أن ما سوله لهم الشيطان في حصول ما يرغبون إما باطل لا يقع، مثل ما يسوله للناس من عقائد فاسدة ومذاهب منحرفة، أو حاصل لكنه غير محمود في العاقبة، مثل ما يزينه للناس من قضاء دواعي الغضب والشهوة.

الإعراب :

  • ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. ويمنيهم معطوفة بالواو على «يَعِدُهُمْ» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل بالضمة المقدرة على الياء للثقل.
  • ﴿ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ:
  • الواو: عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. يعدهم: فعل مضارع مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون وحركت الميم بالضمة. للاشباع في محل نصب مفعول به مقدم. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ إِلَّا غُرُوراً:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. غرورا: أي أباطيل مفعول به ثان منصوب بالفتحة المنونة. '

المتشابهات :

النساء: 120﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا
الإسراء: 64﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [120] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل طرق الشَّيطانِ في الإغواءِ والضَّلالِ، ثم حذَّر النَّاسَ من طاعته؛ نَبَّه اللهُ عبادَه هنا ألا يغتروا أو ينخدعوا بوعود وأماني الشيطان، قال تعالى:
﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا

القراءات :

يعدهم:
وقرئ:
بسكون الدال، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [121] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ ..

التفسير :

[121] أولئك مآلهم جهنم، ولا يجدون عنها معدلاً ولا ملجأً.

أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ْ} أي:من انقاد للشيطان وأعرض عن ربه، وصار من أتباع إبليس وحزبه، مستقرهم النار.{ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ْ} أي:مخلصا ولا ملجأ بل هم خالدون فيها أبد الآباد.

وقوله أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً بيان لسوء مصير الذين انقادوا للشيطان واتبعوا خطواته.

والمحيص: المهرب والملجأ. وهو اسم مكان أو مصدر ميمى يقال حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا أى: عدل وحاد.

أى: أولئك الذين اتبعوا خطوات الشيطان وساروا في ركابه، مستقرهم جميعا جهنم، ولا يجدون ملجأ دونها يلتجئون إليه، أو مهربا يهربون منه لينجوا من عذابها، وإنما يبقون فيها دون أن يتمكنوا من الخروج منها.

وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد حذرت أشد التحذير من الإشراك بالله- تعالى- ومن اتباع وساوس الشيطان وخداعه ووعوده الباطلة، وأمانيه الخادعة، وهددت كل من يهجر طريق الرشد. ويسلك طريق الغي بالعذاب الشديد الذي لا مفر منه ولا مهرب.

ثم عقب- سبحانه- ذلك ببيان حسن عاقبة المؤمنين، الذين آمنوا بالله إيمانا حقا، وابتعدوا عن كل مالا يرضيه فقال- سبحانه-:

وقوله "أولئك" أي المستحسنون له فيما وعدهم ومناهم ( مأواهم جهنم ) أي : مصيرهم ومآلهم يوم حسابهم ( ولا يجدون عنها محيصا ) أي : ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف ، ولا خلاص ولا مناص .

ثم ذكر حال السعداء الأتقياء وما لهم في مآلهم من الكرامة التامة ، فقال :

القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " أولئك "، هؤلاء الذين اتخذوا الشيطان وليًّا من دون الله=" مأواهم جهنم "، يعني: مصيرهم الذين يصيرون إليه جهنم، (60) =" ولا يجدون عنها محيصًا "، يقول: لا يجدون عن جهنم -إذا صيّرهم الله إليها يوم القيامة- مَعْدِلا يعدِلون إليه.

* * *

يقال منه: " حاص فلان عن هذا الأمر يَحِيص حَيْصًا وحُيُوصًا "، إذا عدل عنه.

ومنه خبر ابن عمر أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرِيّة كنت فيهم، فلقينا المشركين فحِصْنا حَيْصة، (61) = وقال بعضهم: " فجاضوا جيضَة ". و " الحَيص " و " الجَيْض "، متقاربا المعنى. (62)

* * *

---------------

الهوامش:

(60) انظر تفسير"المأوى" فيما سلف 7 : 279 ، 494.

(61) في المطبوعة: "بعثنا رسول الله" ، والصواب من المخطوطة. ولم أستطع أن أقف على بقية خبر ابن عمر ، وإن كنت أظنه مشهورًا.

(62) في المطبوعة والمخطوطة: أساء نقط"جاض وحاص" ، فرددتها إلى صوابها.

التدبر :

وقفة
[121] محاولات الهروب من جهنم مستحيلة.
تفاعل
[121] ﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا﴾ استعذ بالله من جهنم.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ:
  • أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ و «الكاف» حرف خطاب.
  • ﴿ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ:
  • مأوى: مبتدأ ثان مرفوع بالضمة المقدرة على الألف المقصورة للتعذر. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. جهنم: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالضمة ولم تنون الكلمة لأنها ممنوعة من الصرف. والجملة الاسمية «مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ» في محل رفع خبر المبتدأ الأول «أُولئِكَ» و «مَحِيصاً» بمعنى «مفرا» أو «مهربا».
  • ﴿ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها. يجدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. عنها: جار ومجرور متعلق بيجدون. محيصا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 97﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَـ أُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
النساء: 121﴿ أُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [121] لما قبلها :     وبعد التحذير من طاعة الشيطان وتصديق وعوده؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا مصيرَ الذين أطاعوه وصدقوه فيما وعدهم به، قال تعالى:
﴿ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف