8434353637

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (34) الى الآية رقم (35) عدد الآيات (2)

بعد أن بَيَّنَ اللهُ نصيبَ كلّ وارثٍ، ونهى عن تمنِّي الرّجالِ والنّساءِ ما فضَّلَ اللهُ به بعضَهم على بعضٍ ذَكَرَ هنا سببَ تفضيلِ الرجالِ على النساءِ، وخطواتِ علاجِ نشوزِ الزوجةِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (36) الى الآية رقم (37) عدد الآيات (2)

لمَّا أمرَ كلَّ واحدٍ من الزَّوجينِ بالمعامَلةِ الحسَنةِ معَ الآخَرِ نبَّه هنا على الإحسانِ إلى الوالدينِ والأقاربِ واليتامى والمساكينِ والجيرانِ، والأرقَّاءِ، ثُمَّ ذمَّ البخلاءَ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 84

84

مدارسة الآية : [34] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا ..

التفسير :

[34] الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن، بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل، وبما أعطَوْهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن، مطيعات لله تعالى ولأزواجهن، حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله

يخبر تعالى أن الرِّجَال{ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} أي:قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا بالإنفاق عليهن، والكسوة والمسكن، ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال:{ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي:بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة:من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء. ولعل هذا سر قوله:{ وَبِمَا أَنْفَقُوا} وحذف المفعول ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة خادمة،فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به. ووظيفتها:القيام بطاعة ربها وطاعة زوجها فلهذا قال:{ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} أي:مطيعات لله تعالى{ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي:مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه. ثم قال:{ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي:ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل،{ فَعِظُوهُنَّ} أي:ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم{ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أي:فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر.{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} أي:له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر الكبير الذي لا أكبر منه ولا أجل ولا أعظم، كبير الذات والصفات.

روى المفسرون روايات في سبب نزول قوله- تعالى- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الآية.

ومن هذه الروايات ما ذكره القرطبي من أنها نزلت في سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبى زهير فلطمها فقال أبوها: يا رسول الله، أفرشته كريمتي فلطمها. فقال صلى الله عليه وسلم (لتقتص من زوجها) . فانصرفت مع أبيها لتقتص منه. فقال- عليه الصلاة والسلام- «ارجعوا هذا جبريل أتانى» فأنزل الله هذه الآية .

وقوله قَوَّامُونَ جمع قوام على وزن فعال للمبالغة من القيام على الشيء وحفظه.

يقال: قام فلان على الشيء وهو قائم عليه وقوام عليه، إذا كان يرعاه ويحفظه ويتولاه.

ويقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها وإصلاحها ورعاية شئونها.

أى: الرجال يقومون على شئون النساء بالحفظ والرعاية والنفقة والتأديب وغير ذلك مما تقتضيه مصلحتهن.

ثم ذكر- سبحانه- سببين لهذه القوامة.

أولهما: وهبى وقد بينه بقوله: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ.

أى أن حكمة الله اقتضت أن يكون الرجال قوامين على النساء بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من قوة في الجسم، وزيادة في العلم، وقدرة على تحمل أعباء الحياة وتكاليفها وما يستتبع ذلك من دفاع عنهن إذا ما تعرضن لسوء.

قال الفخر الرازي: واعلم أن فضل الرجال على النساء حاصل من وجوه كثيرة: بعضها صفات حقيقية وبعضها أحكام شرعية. أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين. إلى العلم وإلى القدرة.

ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر. ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة. وإن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد، والأذان، والخطبة، والولاية في النكاح.

فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء» .

والمراد بالتفضيل في قوله بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ تفضيل الجنس على الجنس لا تفضيل الآحاد على الآحاد. فقد يوجد من النساء من هي أقوى عقلا وأكثر معرفة من بعض الرجال.

والباء للسببية، وما مصدرية، والبعض الأول المقصود به الرجال والبعض الثاني المقصود به النساء، والضمير المضاف إليه البعض الأول يقع على مجموع الفريقين على سبيل التغليب.

وقال- سبحانه- بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ولم يقل- مثلا-: بما فضلهم الله عليهن، للإشعار بأن الرجال من النساء والنساء من الرجال كما قال في آية أخرى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ وللإشارة إلى أن هذا التفضيل هو لصالح الفريقين، فعلى كل فريق منهم أن يتفرغ لأداء المهمة التي كلفه الله بها بإخلاص وطاعة حتى يسعد الفريقان.

وأما السبب الثاني: فهو كسبي وقد بينه- سبحانه- بقوله: وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.

أى أن الله- تعالى- جعل الرجال قوامين على النساء بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من علم وقدرة. وبسبب ما ألزم به الرجال من إنفاق على النساء ومن تقديم المهور لهن عند الزواج بهن، ومن القيام برعايتهن وصيانتهن.

قال الآلوسى: واستدل بالآية على أن للزوج تأديب زوجته ومنعها من الخروج. وأن عليها طاعته إلا في معصية الله- تعالى-. وفي الخبر «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» . واستدل بها أيضا من أجاز فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة.

وهو مذهب مالك والشافعى، لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح. وعندنا لا فسخ لقوله- تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ.

واستدل بها أيضا من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها وما لها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه، لأنه- سبحانه- جعل الرجل قواما بصيغة المبالغة. وهو الناظر على الشيء الحافظ له» .

ثم شرع- سبحانه- في تفصيل أحوال النساء. وفي بيان كيفية القيام عليهن بحسب اختلاف أحوالهن، فقسمهن إلى قسمين:

فقال في شأن القسم الأول: فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ.

أى: فالصالحات من النساء من صفاتهن أنهن قانِتاتٌ أى مطيعات لله- تعالى ولأزواجهن عن طيب نفس واطمئنان قلب، ومن صفاتهن كذلك أنهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ.

قال صاحب الكشاف: الغيب خلاف الشهادة. أى حافظات لمواجب الغيب. إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والأموال والبيوت. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. «خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها» ، ثم تلا الآية الكريمة .

و «ما» في قوله بِما حَفِظَ اللَّهُ يحتمل أن تكون مصدرية فيكون المعنى: أن هؤلاء النساء الصالحات المطيعات من صفاتهن أيضا أنهن يحفظن في غيبة أزواجهن ما يجب حفظه بسبب حفظ الله لهن ورعايته إياهن بالتوفيق للعمل الذي يحبه ويرضاه.

ويحتمل أن تكون موصولة فيكون المعنى: أنهن حافظات لغيبة أزواجهن في النفس والعرض والمال وكل ما يجب حفظه بسبب الأمر الذي حفظه الله لهن على أزواجهن حيث كلف الأزواج بالإنفاق عليهن وبالإحسان إليهن، فعليهن أن يحفظن حقوق أزواجهن في مقابلة الذي حفظه الله لهن من حقوق على أزواجهن.

فالجملة الكريمة تمدح النساء الصالحات المطيعات الحافظات لأسرار أزواجهن ولكل ما يجب حفظه من عرض أو مال أو غير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية.

هذا هو القسم الأول من النساء، أما القسم الثاني فقد قال- سبحانه- في شأنه: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ والمراد بقوله نُشُوزَهُنَّ عصيانهن وخروجهن عما توجبه الحياة الزوجية من طاعة الزوجة لزوجها. يقال: نشزت الزوجة نشوزا أى: عصت زوجها وامتنعت عليه. وأصل النشوز مأخوذ من النشز بمعنى الارتفاع في وسط الأرض السهلة المنبسطة ويكون شاذا فيها. فشبهت المرأة المتعالية على طاعة زوجها بالمرتفع من الأرض.

والمعنى: هذا شأن النساء الصالحات القانتات الحافظات للغيب بسبب حفظ الله لهن، أما النساء اللاتي تخافون نُشُوزَهُنَّ أى عصيانهن لكم، وترفعهن عن مطاوعتكم، وسوء عشرتهن فَعِظُوهُنَّ بالقول الذي يؤثر في النفس، ويوجههن نحو الخير والفضيلة، بأن تذكروهن بحسن عاقبة الطاعة للزوج. وسوء عاقبة النشوز والمعصية، وبأن تسوقوا لهن من تعاليم الإسلام وآدابه وتوجيهاته ما من شأنه أن يشفى الصدور، ويهدى النفوس إلى الخير.

قال ابن كثير: وقوله- تعالى-: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ أى النساء اللاتي تخافون أن ينشزن على أزواجهن فعظوهن. والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره، المعرضة عنه المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لماله عليها من الفضل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها» .

وقوله وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ أى وعليكم إذا لم تنفع الموعظة والنصيحة معهن أن تتركوهن منفردات في أماكن نومهن.

فالمضاجع جمع مضجع- وهو مكان النوم والاضطجاع.

قال القرطبي: والهجر في المضجع هو أن يضاجعها- أى ينام معها في فراش واحد- ويوليها ظهره ولا يجامعها. وقال مجاهد: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ أى تجنبوا مضاجعهن أى- اهجروا أماكن نومهن بأن تناموا بعيدا عنهن-» .

روى أبو داود بسنده عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه.

ولا تقبح. ولا تهجر إلا في البيت» .

وقوله وَاضْرِبُوهُنَّ معطوف على ما قبله. أى إن لم ينفع ما فعلتم من العظة والهجران فاضربوهن ضربا غير مبرح- أى غير شديد ولا مشين- فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع» : واتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم- أى أسيرات عندكم- ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح» .

وقد فسر العلماء الضرب غير المبرح بأنه الذي لا يكسر عظما، ولا يشين جارحة، وأن يتقى الوجه فإنه مجمع المحاسن ولا يلجأ إليه إلا عند فشل العلاجين السابقين.

وقد قال- سبحانه- وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ولم يقل: واللائي ينشزن، للإشعار بأن يبدأ الزوج بعلاج عيوب زوجته عند ما تظهر أمارات هذه العيوب وعلاماتها وأن لا يتركها حتى تستشرى وتشتد، بل عليه عند ما يخشى النشوز أن يعالجه قبل أن يقع، وأن يكون علاجه بطريقة حكيمة من شأنها أن تقنع وتفيد.

وبعضهم فسر الخوف، بالعلم أى واللاتي تعلمون نشوزهن فعظوهن ... إلخ.

وبعضهم قدر مضافا في الكلام أى: واللاتي تخافون دوام نشوزهن، فعظوهن واهجروهن في المضاجع ... إلخ.

وبعضهم قدر معطوفا محذوفا أى: واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن، فعظوهن واهجروهن في المضاجع ... إلخ.

وجمهور العلماء على أن من الواجب على الزوج أن يسلك في معالجته لزوجته تلك الأنواع الثلاثة على الترتيب بأن يبدأ بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب، لأن الله- تعالى- قد أمر بذلك، ولأنه قد رتب هذه العقوبات بتلك الطريقة الحكيمة التي تبدأ بالعقوبة الخفيفة ثم تتدرج إلى العقوبة الشديدة ثم إلى الأكثر شدة.

قال الفخر الرازي: وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه. والذي يدل عليه اللفظ أنه- تعالى- ابتدأ بالوعظ. ثم ترقى منه إلى الضرب. وذلك تنبيه يجرى مجرى التصريح في أنه متى حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق. وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب.

وقال بعض أصحابنا: «تحرير المذهب أن له عند خوف النشوز أن يعظها، وهل له أن يهجرها؟ فيه احتمال. وله عند إبداء النشوز أن يعظها أو يهجرها، أو يضربها» .

ثم بين- سبحانه- ما يجب على الرجال نحو النساء إذا ما أطعنهم وتركن النشوز والعصيان فقال- تعالى-: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً.

أى فإن رجعن عن النشوز إلى الطاعة وانقدن لما أوجب الله عليهن نحوكم أيها الرجال، فلا تطلبوا سبيلا وطريقا إلى التعدي عليهن، أو فلا تظلموهن بأى طريق من طرق الظلم كأن تؤذوهن بألسنتكم أو بأيديكم أو بغير ذلك، بل اجعلوا ما كان منهن كأنه لم يكن، وحاولوا التقرب إليهن بألوان المودة والرحمة.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً فاحذروا مخالفة أمره، فإن قدرته- سبحانه- عليكم أعظم من قدرتكم على نسائكم.

فالجملة الكريمة تذييل قصد به حث الأزواج على قبول توبة النساء، وتحذيرهم من ظلمهن إذا ما تركن النشوز، وعدن إلى طريق الطاعة والإنابة.

قال بعضهم: وذكر هاتين الصفتين في هذا الموضع في غاية الحسن، وبيانه من وجوه:

الأول: أن المقصود منه تهديد الأزواج على ظلم النساء. والمعنى: أنهن إن ضعفن عن دفع ظلمكم وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله- سبحانه- ينتصف لهن منكم لأنه علىّ قاهر كبير.

الثاني: لا تبغوا عليهن إذا أطعنكم لعلو أيديكم، فإن الله أعلى منكم وأكبر من كل شيء.

الثالث: أنه- سبحانه- مع علوه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون، كذلك لا تكلفوهن محبتكم، فإنهن لا يقدرن على ذلك.

الرابع: أنه مع علوه وكبريائه لا يؤاخذ العاصي إذا تاب، بل يغفر له، فإذا تاب المرأة عن نشوزها فأنتم أولى بأن تتركوا عقوبتها وتقبلوا توبتها.

الخامس: أنه- تعالى مع علوه وكبريائه اكتفى من العبد بالظواهر ولم يهتك السرائر فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة، وأن لا تقعوا في التفتيش عما في قلبها وضميرها من الحب والبغض» .

يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) أي : الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة; ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم; لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك .

( وبما أنفقوا من أموالهم ) أي : من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، وله الفضل عليها والإفضال ، فناسب أن يكون قيما عليها ، كما قال ] الله [ تعالى : ( وللرجال عليهن درجة ) الآية [ البقرة : 228 ] .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( الرجال قوامون على النساء ) يعني : أمراء عليها أي تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته : أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله . وكذا قال مقاتل ، والسدي ، والضحاك .

وقال الحسن البصري : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعديه على زوجها أنه لطمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القصاص " ، فأنزل الله عز وجل : ( الرجال قوامون على النساء ) الآية ، فرجعت بغير قصاص .

رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من طرق ، عنه . وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة ، وابن جريج والسدي ، أورد ذلك كله ابن جرير . وقد أسنده ابن مردويه من وجه آخر فقال :

حدثنا أحمد بن علي النسائي ، حدثنا محمد بن عبد الله الهاشمي ، حدثنا محمد بن محمد الأشعث ، حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي قال : أتى النبي رجل من الأنصار بامرأة له ، فقالت : يا رسول الله ، إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري ، وإنه ضربها فأثر في وجهها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس ذلك له " . فأنزل الله : ( الرجال قوامون على النساء [ بما فضل الله بعضهم على بعض ] ) أي : قوامون على النساء في الأدب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أردت أمرا وأراد الله غيره " .

وقال الشعبي في هذه الآية : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) قال : الصداق الذي أعطاها ، ألا ترى أنه لو قذفها لاعنها ، ولو قذفته جلدت .

وقوله : ( فالصالحات ) أي : من النساء ( قانتات ) قال ابن عباس وغير واحد : يعني مطيعات لأزواجهن ( حافظات للغيب ) .

قال السدي وغيره : أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله .

وقوله : ( بما حفظ الله ) أي : المحفوظ من حفظه .

قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا أبو معشر ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك " . قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( الرجال قوامون على النساء ) إلى آخرها .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن يونس بن حبيب ، عن أبي داود الطيالسي ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، به مثله سواء .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر : أن ابن قارظ أخبره : أن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها وحفظت فرجها; وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " .

تفرد به أحمد من طريق عبد الله بن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف .

وقوله تعالى ( واللاتي تخافون نشوزهن ) أي : والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن . والنشوز : هو الارتفاع ، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها ، التاركة لأمره ، المعرضة عنه ، المبغضة له . فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته ، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، من عظم حقه عليها " وروى البخاري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " ورواه مسلم ، ولفظه : " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " ; ولهذا قال تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ) .

وقوله : ( واهجروهن في المضاجع ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الهجران هو أن لا يجامعها ، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره . وكذا قال غير واحد ، وزاد آخرون - منهم : السدي ، والضحاك ، وعكرمة ، وابن عباس في رواية - : ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها .

وقال علي بن أبي طلحة أيضا ، عن ابن عباس : يعظها ، فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع ، ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها ، وذلك عليها شديد .

وقال مجاهد ، والشعبي ، وإبراهيم ، ومحمد بن كعب ، ومقسم ، وقتادة : الهجر : هو أن لا يضاجعها .

وقد قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن أبي حرة الرقاشي ، عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع " قال حماد : يعني النكاح .

وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال : يا رسول الله ، ما حق امرأة أحدنا ؟ قال : " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " .

وقوله : ( واضربوهن ) أي : إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران ، فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح ، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال في حجة الوداع : " واتقوا الله في النساء ، فإنهن عندكم عوان ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .

وكذا قال ابن عباس وغير واحد : ضربا غير مبرح . قال الحسن البصري : يعني غير مؤثر . قال الفقهاء : هو ألا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يهجرها في المضجع ، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضرب ضربا غير مبرح ، ولا تكسر لها عظما ، فإن أقبلت وإلا فقد حل لك منها الفدية .

وقال سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تضربوا إماء الله " . فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذئرت النساء على أزواجهن . فرخص في ضربهن ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ، ليس أولئك بخياركم " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود - يعني أبا داود الطيالسي - حدثنا أبو عوانة ، عن داود الأودي ، عن عبد الرحمن المسلي عن الأشعث بن قيس ، قال ضفت عمر ، فتناول امرأته فضربها ، وقال : يا أشعث ، احفظ عني ثلاثا حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته ، ولا تنم إلا على وتر . . . ونسي الثالثة .

وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، من حديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن أبي عوانة ، عن داود الأودي ، به .

وقوله : ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) أي : فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها ، مما أباحه الله له منها ، فلا سبيل له عليها بعد ذلك ، وليس له ضربها ولا هجرانها .

وقوله : ( إن الله كان عليا كبيرا ) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب ، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن .

الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض

القول في تأويل قوله تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } يعني بقوله جل ثناؤه : { الرجال قوامون على النساء } الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن , فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم ; { بما فضل الله بعضهم على بعض } يعني بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن , وإنفاقهم عليهن أموالهم , وكفايتهم إياهن مؤنهن. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهن عليهن , ولذلك صاروا قواما عليهن , نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن . وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7368 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قالا : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { الرجال قوامون على النساء } يعني : أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته , وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله وفضله عليها بنفقته وسعيه . 7369 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } يقول : الرجل قائم على المرأة يأمرها بطاعة الله , فإن أبت , فله أن يضربها ضربا غير مبرح , وله عليها الفضل بنفقته وسعيه . 7370 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { الرجال قوامون على النساء } قال : يأخذون على أيديهن ويؤدبونهن . 7371 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان , يقول : { بما فضل الله بعضهم على بعض } قال : بتفضيل الله الرجال على النساء . وذكر أن هذه الآية نزلت في رجل لطم امرأته , فخوصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك , فقضى لها بالقصاص . ذكر من قال ذلك : 7372 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ثنا الحسن : أن رجلا لطم امرأته , فأتت النبي صلى الله عليه وسلم , فأراد أن يقصها منه , فأنزل الله : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم , فتلاها عليه وقال : " أردت أمرا وأراد الله غيره " . 7373 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } ذكر لنا أن رجلا لطم امرأته , فأتت النبي صلى الله عليه وسلم , ثم ذكر نحوه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , في قوله : { الرجال قوامون على النساء } قال : صك رجل امرأته , فأتت النبي صلى الله عليه وسلم , فأراد أن يقيدها منه , فأنزل الله : { الرجال قوامون على النساء } 7374 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن جرير بن حازم , عن الحسن : أن رجلا من الأنصار لطم امرأته , فجاءت تلتمس القصاص , فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص , فنزلت : قوله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } 20 114 ونزلت : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } 7375 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : لطم رجل امرأته , فأراد النبي صلى الله عليه وسلم القصاص , فبينما هم كذلك , نزلت الآية . 7376 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : أما : { الرجال قوامون على النساء } فإن رجلا من الأنصار كان بينه وبين امرأته كلام , فلطمها , فانطلق أهلها , فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فأخبرهم : { الرجال قوامون على النساء } . .. الآية . وكان الزهري يقول : ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس. 7377 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , سمعت الزهري , يقول : لو أن رجلا شج امرأته , أو جرحها , لم يكن عليه في ذلك قود وكان عليه العقل , إلا أن يعدو عليها فيقتلها , فيقتل بها .وبما أنفقوا من أموالهم

وأما قوله : { وبما أنفقوا من أموالهم } فإنه يعني : وبما ساقوا إليهن من صداق , وأنفقوا عليهن من نفقة . كما : 7378 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قال : فضله عليها بنفقته وسعيه . 7379 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , مثله . 7380 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول : { وبما أنفقوا من أموالهم } بما ساقوا من المهر. فتأويل الكلام إذا : الرجال قوامون على نسائهم بتفضيل الله إياهم عليهن وبإنفاقهم عليهن من أموالهم . و " ما " التي في قوله : { بما فضل الله } والتي في قوله : { وبما أنفقوا } في معنى المصدر .فالصالحات

القول في تأويل قوله تعالى : { فالصالحات } يعني بقوله جل ثناؤه : { فالصالحات } المستقيمات الدين , العاملات بالخير . كما : 7381 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : ثنا عبد الله بن المبارك , قال : سمعت سفيان , يقول : فالصالحات يعملن بالخير .قانتات

وقوله : { قانتات } يعني : مطيعات لله ولأزواجهن . كما : 7382 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : قوله : { قانتات } قال : مطيعات . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { قانتات } قال : مطيعات . 7383 - حدثني علي عن داود , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { قانتات } مطيعات . 7384 - حدثنا الحسن بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { قانتات } أي مطيعات لله ولأزواجهن . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : . أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : مطيعات . 7385 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : القانتات : المطيعات. 7386 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول في قوله : { قانتات } قال : مطيعات لأزواجهن . وقد بينا معنى القنوت فيما مضى وأنه الطاعة , ودللنا على صحة ذلك من الشواهد بما أغنى عن إعادته.حافظات للغيب

قوله : { حافظات للغيب } فإنه يعني : حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن في فروجهن وأموالهم , وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره. كما : 7387 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { حافظات للغيب } يقول : حافظات لما استودعهن الله من حقه , وحافظات لغيب أزواجهن . 7388 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { حافظات للغيب بما حفظ الله } يقول : تحفظ على زوجها ماله وفرجها , حتى يرجع كما أمرها الله . 7389 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : ما قوله : { حافظات للغيب } ؟ قال : حافظات للزوج. * - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج : سألت عطاء , عن { حافظات للغيب } قال : حافظات للأزواج . 7390 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول : { حافظات للغيب } حافظات لأزواجهن لما غاب من شأنهن . 7391 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا أبو معشر , قال : ثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري , عن أبي هريرة , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك , وإذا أمرتها أطاعتك , وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك " قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الرجال قوامون على النساء } . .. الآية . قال أبو جعفر : وهذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على صحة ما قلنا في تأويل ذلك , وأن معناه : صالحات في أديانهن , مطيعات لأزواجهن , حافظات لهم في أنفسهن وأموالهم .بما حفظ الله

وأما قوله : { بما حفظ الله } فإن القراء اختلفت في قراءته , فقرأته عامة القراء في جميع أمصار الإسلام : { بما حفظ الله } برفع اسم الله على معنى : بحفظ الله إياهن إذ صيرهن كذلك . كما : 7392 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج : سألت عطاء , عن قوله : { بما حفظ الله } قال : يقول : حفظهن الله . 7393 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول في قوله : { بما حفظ الله } قال : بحفظ الله إياها أنه جعلها كذلك . وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني : " بما حفظ الله " يعني : بحفظهن الله في طاعته , وأداء حقه بما أمرهن من حفظ غيب أزواجهن , كقول الرجل للرجل : ما حفظت الله في كذا وكذا , بمعنى : راقبته ولاحظته . قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ما جاءت به قراءة المسلمين من القراءة مجيئا يقطع عذر من بلغه ويثبت عليه حجته , دون ما انفرد به أبو جعفر فشذ عنهم , وتلك القراءة ترفع اسم الله تبارك وتعالى : { بما حفظ الله } مع صحة ذلك في العربية وكلام العرب , وقبح نصبه في العربية لخروجه عن المعروف من منطق العرب . وذلك أن العرب لا تحذف الفاعل مع المصادر من أجل أن الفاعل إذا حذف معها لم يكن للفعل صاحب معروف. وفي الكلام متروك استغني بدلالة الظاهر من الكلام عليه من ذكره ومعناه : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } فأحسنوا إليهن وأصلحوا , وكذلك هو فيما ذكر في قراءة ابن مسعود . 7394 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد , قال : ثنا عيسى الأعمى , عن طلحة بن مصرف , قال : في قراءة عبد الله : " فالصالحات قانتات للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن واللاتي تخافون نشوزهن " . 7395 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } فأحسنوا إليهن . 7396 - حدثني علي بن داود , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } فأصلحوا إليهن. * - حدثني علي بن داود , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } يعني إذا كن هكذا , فأصلحوا إليهن .واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن

القول في تأويل قوله : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } اختلف أهل التأويل في معنى قوله : { واللاتي تخافون نشوزهن } فقال بعضهم : معناه : واللاتي تعلمون نشوزهن . ووجه صرف الخوف في هذا الموضع إلى العلم في قول هؤلاء نظير صرف الظن إلى العلم لتقارب معنييهما , إذ كان الظن شكا , وكان الخوف مقرونا برجاء , وكانا جميعا من فعل المرء بقلبه , كما قال الشاعر : ولا تدفنني في الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها معناه : فإنني أعلم , وكما قال الآخر : أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي بمعنى : وما ظننت. وقال جماعة من أهل التأويل : معنى الخوف في هذا الموضع : الخوف الذي هو خلاف الرجاء . قالوا : معنى ذلك : إذا رأيتم منهن ما تخافون أن ينشزن عليكم من نظر إلى ما لا ينبغي لهن أن ينظرن إليه , ويدخلن ويخرجن , واستربتم بأمرهن , فعظوهن واهجروهن . وممن قال ذلك محمد بن كعب. وأما قوله : { نشوزهن } فإنه يعني : استعلاءهن على أزواجهن , وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن , والخلاف عليهم فيما لزمهن طاعتهم فيه , بغضا منهن وإعراضا عنهم وأصل النشوز الارتفاع , ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نشز ونشاز . { فعظوهن } يقول : ذكروهن الله , وخوفوهن وعيده في ركوبها ما حرم الله عليها من معصية زوجها فيما أوجب عليها طاعته فيه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال : النشوز : البغض ومعصية الزوج : 7397 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { واللاتي تخافون نشوزهن } قال : بغضهن . 7398 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { واللاتي تخافون نشوزهن } قال : التي تخاف معصيتها . قال : النشوز : معصيته وخلافه . 7399 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { واللاتي تخافون نشوزهن } تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره . 7400 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , ثنا روح , قال : ثنا ابن جريج , قال : قال عطاء : النشوز : أن تحب فراقه , والرجل كذلك. ذكر الرواية عمن قال ما قلنا في قوله : { فعظوهن } 7401 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثنا معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { فعظوهن } يعني : عظوهن بكتاب الله , قال : أمره الله إذا نشزت أن يعظها ويذكرها الله ويعظم حقه عليها . 7402 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } قال : إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها يقول لها : اتقي الله وارجعي إلى فراشك , فإن أطاعته فلا سبيل له عليها . 7403 - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : ثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن , قال : إذا نشزت المرأة على زوجها يعظها بلسانه , يقول : يأمرها بتقوى الله وطاعته . 7404 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب القرظي , قال : إذا رأى الرجل خفة في صرها في مدخلها ومخرجها , قال : يقول لها بلسانه : قد رأيت منك كذا وكذا فانتهي ! فإن أعتبت فلا سبيل له عليها , وإن أبت هجر مضجعها. * - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : ثنا ابن المبارك , قال : أخبرنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { فعظوهن } قال : إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها , فإنه يقول لها : اتقي الله وارجعي . 7405 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عطاء : { فعظوهن } قال : بالكلام . 7406 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج , قوله : { فعظوهن } قال بالألسنة. 7407 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عمرو بن أبي قيس , عن عطاء , عن سعيد بن جبير : { فعظوهن } قال : عظوهن باللسان .واهجروهن في المضاجع

القول في تأويل قوله تعالى : { واهجروهن في المضاجع } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم : معنى ذلك : فعظوهن في نشوزهن عليكم أيها الأزواج , فإن أبين مراجعة الحق في ذلك والواجب عليهم لكم , فاهجروهن بترك جماعهن في مضاجعتكم إياهن . ذكر من قال ذلك : 7408 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { فعظوهن واهجروهن في المضاجع } يعني : عظوهن , فإن أطعنكم وإلا فاهجروهن. 7409 - حدثني محمد بن مسعدة , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { واهجروهن في المضاجع } يعني بالهجران أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها. 7410 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , قال : الهجر : هجر الجماع . 7411 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : أما { تخافون نشوزهن } فإن على زوجها أن يعظها , فإن لم تقبل فليهجرها في المضجع . يقول : يرقد عندها ويوليها ظهره , ويطأ ولا يكلمها. هكذا في كتابي : " ويطؤها ولا يكلمها " . 7412 - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : ثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { واهجروهن في المضاجع } قال : يضاجعها ويهجر كلامها ويوليها ظهره . * - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : ثنا ابن المبارك , قال : أخبرنا شريك , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { واهجروهن في المضاجع } قال : لا يجامعها . وقال آخرون : بل معنى ذلك : واهجروهن واهجروا كلامهن في تركهن مضاجعتكم , حتى يرجعن إلى مضاجعتكم . ذكر من قال ذلك : 7413 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب , قالا : ثنا ابن إدريس , عن الحسن بن عبيد الله , عن أبي الضحى , عن ابن عباس في قوله : { واهجروهن في المضاجع } أنها لا تترك في الكلام , ولكن الهجران في أمر المضجع. 7414 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا أبو حمزة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير : { واهجروهن في المضاجع } يقول : حتى يأتين مضاجعكم . 7415 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عمرو , عن عطاء , عن سعيد بن جبير : { واهجروهن في المضاجع } في الجماع . 7416 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { واهجروهن في المضاجع } قال : يعظها فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها , وذلك عليها شديد . 7417 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : أخبرنا شريك , عن خصيف , عن عكرمة : { واهجروهن في المضاجع } الكلام والحديث . ................. ذكر من قال ذلك : 7418 - حدثني الحسن بن زريق الطهوي , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , عن منصور , عن مجاهد في قوله : { واهجروهن في المضاجع } قال : لا تضاجعوهن . 7419 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن الشعبي , قال : الهجران أن لا يضاجعها . 7420 - وبه قال حدثنا جرير , عن مغيرة , عن عامر وإبراهيم , قالا : الهجران في المضجع أن لا يضاجعها على فراشه . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا مغيرة , عن إبراهيم والشعبي , أنهما قالا في قوله : { واهجروهن في المضاجع } قالا : يهجر مضاجعتها حتى ترجع إلى ما يحب . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن مغيرة , عن إبراهيم والشعبي أنهما كانا يقولان : { واهجروهن في المضاجع } قال : يهجرها في المضجع . 7421 - حدثنا المثنى , قال : ثنا حبان , قال : ثنا ابن المبارك , قال : ثنا شريك , عن خصيف , عن مقسم : { واهجروهن في المضاجع } قال : هجرها في مضجعها : أن لا يقرب فراشها . 7422 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب القرظي , قال : اهجروهن في المضاجع , قال : يعظها بلسانه , فإن أعتبت فلا سبيل له عليها , وإن أبت هجر مضجعها . 7423 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله : { فعظوهن واهجروهن } قالا : إذا خاف نشوزها وعظها , فإن قبلت وإلا هجر مضجعها . 7424 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { واهجروهن في المضاجع } قال : تبدأ يا ابن آدم فتعظها , فإن أبت عليك فاهجرها , يعني به : فراشها. وقال آخرون : معنى قوله : { واهجروهن في المضاجع } قولوا لهن من القول هجرا في تركهن مضاجعتكم . ذكر من قال ذلك : 7425 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن رجل , عن أبي صالح عن ابن عباس , في قوله : { واهجروهن في المضاجع } قال : يهجرها بلسانه , ويغلظ لها بالقول , ولا يدع جماعها. 7426 - وبه قال : أخبرنا الثوري , عن خصيف , عن عكرمة , قال : إنما الهجران بالمنطق أن يغلظ لها , وليس بالجماع . 7427 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا مغيرة , عن أبي الضحى , في قوله : { واهجروهن في المضاجع } قال : يهجر بالقول , ولا يهجر مضاجعتها حتى ترجع إلى ما يريد . 7428 - حدثنا المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد عن رجل , عن الحسن , قال : لا يهجرها إلا في المبيت في المضجع , ليس له أن يهجر في كلام ولا شيء إلا في الفراش. 7429 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثني يعلى , عن سفيان , في قوله : { واهجروهن في المضاجع } قال : في مجامعتها , ولكن يقول لها : تعالي وافعلي ! كلاما فيه غلظة , فإذا فعلت ذلك فلا يكلفها أن تحبه , فإن قلبها ليس في يديها . ولا معنى للهجر في كلام العرب إلا على أحد ثلاثة أوجه : أحدها هجر الرجل كلام الرجل وحديثه , وذلك رفضه وتركه , يقال منه : هجر فلان أهله يهجرها هجرا وهجرانا . والآخر : الإكثار من الكلام بترديد كهيئة كلام الهازئ , يقال منه : هجر فلان في كلامه يهجر هجرا إذا هذى ومدد الكلمة , وما زالت تلك هجيراه وإهجيراه , ومنه قول ذي الرمة : رمى فأخطأ والأقدار غالبة فانصعن والويل هجيراه والحرب والثالث : هجر البعير إذا ربطه صاحبه بالهجار , وهو حبل يربط في حقويها ورسغها , ومنه قول امرئ القيس : رأت هلكا بنجاف الغبيط فكادت تجد لذاك الهجارا فأما القول الذي فيه الغلظة والأذى فإنما هو الإهجار , ويقال منه : أهجر فلان في منطقه : إذا قال الهجر وهو الفحش من الكلام , يهجر إهجارا وهجرا . فإذ كان لا وجه للهجر في الكلام إلا أحد المعاني الثلاثة , وكانت المرأة المخوف نشوزها إنما أمر زوجها بوعظها لتنيب إلى طاعته فيما يجب عليها له من موافاته عند دعائه إياها إلى فراشه , فغير جائز أن تكون عظته لذلك , ثم تصير المرأة إلى أمر الله وطاعة زوجها في ذلك , ثم يكون الزوج مأمورا بهجرها في الأمر الذي كانت عظته إياها عليه . وإذ كان ذلك كذلك بطل قول من قال : معنى قوله : { واهجروهن في المضاجع } واهجروا جماعهن . أو يكون إذ بطل هذا المعنى . بمعنى : وأهجروا كلامهن بسبب هجرهن مضاجعكم , وذلك أيضا لا وجه له مفهوم لأن الله تعالى ذكره قد أخبر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث . على أن ذلك لو كان حلالا لم يكن لهجرها في الكلام معنى مفهوم , لأنها إذا كانت عنه منصرفة وعليه ناشزا فمن سرورها أن لا يكلمها ولا يراها ولا تراه , فكيف يؤمر الرجل في حال بغض امرأته إياه وانصرافها عنه بترك ما في تركه سرورها من ترك جماعها ومجاذبتها وتكليمها , وهو يؤمر بضربها لترتدع عما هي عليه من ترك طاعته إذا دعاها إلى فراشه , وغير ذلك مما يلزمها طاعته فيه ؟ أو يكون إذ فسد هذان الوجهان يكون معناه : واهجروا في قولكم لهم , بمعنى : ردوا عليهن كلامكم إذا كلمتموهن بالتغليظ لهن , فإن كان ذلك معناه , فلا وجه لإعمال الهجر في كناية أسماء النساء الناشزات , أعني في الهاء والنون من قوله { واهجروهن } لأنه إذا أريد به ذلك المعنى , كان الفعل غير واقع , إنما يقال : هجر فلان في كلامه ولا يقال : هجر فلان فلانا . فإذا كان في كل هذه المعاني ما ذكرنا من الخلل اللاحق , فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يكون قوله : { واهجروهن } موجها معناه إلى معنى الربط بالهجار على ما ذكرنا من قيل العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا : هجره فهو يهجره هجرا. وإذا كان ذلك معناه كان تأويل الكلام : واللاتي تخافون نشوزهن , فعظوهن في نشوزهن عليكم , فإن اتعظن فلا سبيل لكم عليهن , وإن أبين الأوبة من نشوزهن فاستوثقوا منهن رباطا في مضاجعهن , يعني في منازلهن وبيوتهن التي يضطجعن بها ويضاجعن فيها أزواجهن . كما : 7430 - حدثني عباس بن أبي طالب , قال : ثنا يحيى بن أبي بكير , عن شبل , قال : سمعت أبا قزعة يحدث عن عمرو بن دينار , عن حكيم بن معاوية , عن أبيه : أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : " يطعمها ويكسوها , ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت " . * - حدثنا الحسن بن عرفة , قال : ثنا يزيد , عن شعبة بن الحجاج , عن أبي قزعة , عن حكيم بن معاوية عن أبيه , عن النبي صلى الله عليه وسلم , نحوه . 7431 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : ثنا ابن المبارك , قال : أخبرنا بهز بن حكيم , عن جده , قال : قلت : يا رسول الله , نساؤنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : " حرثك فأت حرثك أنى شئت , غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت وأطعم إذا طعمت واكس إذا اكتسيت ; كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها ؟ " . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك , قال عدة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7432 - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن الحسن , قال : إذا نشزت المرأة على زوجها , فليعظها بلسانه , فإن قبلت فذاك وإلا ضربها ضربا غير مبرح , فإن رجعت فذاك , وإلا فقد حل له أن يأخذ منها ويخليها. 7433 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن الحسن بن عبيد الله , عن أبي الضحى , عن ابن عباس في قوله : { واهجروهن في المضاجع واضربوهن } قال : يفعل بها ذاك ويضربها حتى تطيعه في المضاجع , فإذا أطاعته في المضجع فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته . 7434 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان , قال : ثنا ابن المبارك , قال : أخبرنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول في قوله : { واهجروهن في المضاجع واضربوهن } ضربا غير مبرح , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضربا غير مبرح " . قال أبو جعفر : فكل هؤلاء الذين ذكرنا قولهم لم يوجبوا للهجر معنى غير الضرب , ولم يوجبوا هجرا إذا كان هيئة من الهيئات التي تكون بها المضروبة عند الضرب مع دلالة الخبر الذي رواه عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بضربهن إذا عصين أزواجهن في المعروف من غير أمر منه أزواجهن بهجرهن لما وصفنا من العلة . فإن ظن ظان أن الذي قلنا في تأويل الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عكرمة , ليس كما قلنا , وصح أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بهجر زوجته إذا عصته في المعروف وأمره بضربها قبل الهجر , لو كان دليلا على صحة ما قلنا من أن معنى الهجر هو ما بيناه , لوجب أن يكون لا معنى لأمر الله زوجها أن يعظها إذا هي نشزت , إذ كان لا ذكر للعظة في خبر عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن ; وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا عصينكم في المعروف " دلالة بينة أنه لم يبح للرجل ضرب زوجته إلا بعد عظتها من نشوزها , وذلك أنه لا تكون له عاصية , إلا وقد تقدم منه لها أمر أو عظة بالمعروف على ما أمر الله تعالى ذكره به .واضربوهن

القول في تأويل قوله تعالى : { واضربوهن } يعني بذلك جل ثناؤه : فعظوهن أيها الرجال في نشوزهن , فإن أبين الإياب إلى ما يلزمهن لكم فشدوهن وثاقا في منازلهن , واضربوهن ليؤبن إلى الواجب عليهن من طاعة الله في اللازم لهن من حقوقكم . وقال أهل التأويل : صفة الضرب التي أباح الله لزوج الناشز أن يضربها الضرب غير المبرح . ذكر من قال ذلك : 7435 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عمرو , عن عطاء , عن سعيد بن جبير : { واضربوهن } قال : ضربا غير مبرح. * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : أخبرنا أبو حمزة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , مثله . 7436 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن الشعبي , قال : الضرب غير المبرح . 7437 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : ثنا ابن المبارك , قال : أخبرنا شريك , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { واضربوهن } قال : ضربا غير مبرح. 7438 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { واهجروهن في المضاجع } واضربوهن , قال : تهجرها في المضجع , فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح , ولا تكسر لها عظما , فإن أقبلت , وإلا فقد حل لك منها الفدية . 7439 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الحسن وقتادة في قوله : { واضربوهن } قال : ضربا غير مبرح . 7440 - وبه قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قلت لعطاء : { واضربوهن } قال : ضربا غير مبرح . 7441 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { واهجروهن في المضاجع واضربوهن } قال : تهجرها في المضجع , فإن أبت عليك فاضربها ضربا غير مبرح ; أي غير شائن . 7442 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن عيينة , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح , قال : السواك وشبهه يضربها به . * - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري , قال : ثنا ابن عيينة , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال : بالسواك ونحوه . 7443 - حدثنا المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : أخبرنا ابن عيينة , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته : " ضربا غير مبرح " قال : السواك ونحوه . 7444 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تهجروا النساء إلا في المضاجع , واضربوهن ضربا غير مبرح " يقول : غير مؤثر . 7445 - حدثنا ابن وكيع , قال : حدثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عطاء : { واضربوهن } قال : ضربا غير مبرح . 7446 - حدثنا المثنى , قال : ثنا حبان , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : ثنا يحيى بن بشر , عن عكرمة مثله . 7447 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { واضربوهن } قال : إن أقبلت في الهجران , وإلا ضربها ضربا غير مبرح . 7448 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب , قال : تهجر مضجعها ما رأيت أن تنزع , فإن لم تنزع ضربها ضربا غير مبرح . 7449 - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : ثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن : { واضربوهن } قال : ضربا غير مبرح . * - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان , قال : ثنا ابن المبارك , قال : أخبرنا عبد الوارث بن سعيد , عن رجل , عن الحسن , قال : ضربا غير مبرح , غير مؤثر .فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا

القول في تأويل قوله تعالى : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } يعني بذلك جل ثناؤه : فإن أطعنكم أيها الناس نساؤكم اللاتي تخافون نشوزهن عند وعظكم إياهن فلا تهجروهن في المضاجع , فإن لم يطعنكم فاهجروهن في المضاجع واضربوهن , فإن راجعن طاعتكم عند ذلك وفئن إلى الواجب عليهن , فلا تطلبوا طريقا إلى أذاهن ومكروههن , ولا تلتمسوا سبيلا إلى ما لا يحل لكم من أبدانهن وأموالهن بالعلل , وذلك أن يقول أحدكم لإحداهن وهي له مطيعة : إنك لست تحبيني وأنت لي مبغضة , فيضربها على ذلك أو يؤذيها , فقال الله تعالى للرجال : { فإن أطعنكم } أي على بغضهن لكم فلا تجنوا عليهن , ولا تكلفوهن محبتكم , فإن ذلك ليس بأيديهن فتضربوهن أو تؤذوهن عليه. ومعنى قوله : { فلا تبغوا } لا تلتمسوا ولا تطلبوا , من قول القائل : بغيت الضالة : إذا التمستها , ومنه قول الشاعر في صفة الموت : بغاك وما تبغيه حتى وجدته كأنك قد واعدته أمس موعدا بمعنى : طلبك وما تطلبه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7450 - حدثنا المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , في قوله : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } قال : إذا أطاعتك فلا تتجن عليها العلل . * - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا جرير , عن الحسن بن عبيد الله , عن أبي الضحى , عن ابن عباس , قال : إذا أطاعته فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته . 7451 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج , قوله : { فلا تبغوا عليهن سبيلا } قال : العلل . 7452 - وقال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : قال الثوري في قوله : { فإن أطعنكم } قال : إن أتت الفراش وهي تبغضه . 7453 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا يعلى , عن سفيان , قال : إذا فعلت ذلك لا يكلفها أن تحبه , لأن قلبها ليس في يديها. 7454 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : إن أطاعته فضاجعته , فإن الله يقول : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } 7455 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } يقول : فإن أطاعتك فلا تبغي عليها العلل .إن الله كان عليا كبيرا

القول في تأويل قوله تعالى : { إن الله كان عليا كبيرا } يقول : إن الله ذو علو على كل شيء , فلا تبغوا أيها الناس على أزواجكم إذا أطعنكم فيما ألزمهن الله لكم من حق سبيلا لعلو أيديكم على أيديهن , فإن الله أعلى منكم ومن كل شيء , وأعلى منكم عليهن , وأكبر منكم ومن كل شيء , وأنتم في يده وقبضته , فاتقوا الله أن تظلموهن وتبغوا عليهن سبيلا وهن لكم مطيعات , فينتصر لهن منكم ربكم الذي هو أعلى منكم ومن كل شيء , وأكبر منكم ومن كل شيء .

التدبر :

وقفة
[34] تفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات؛ كالجهاد، والأعياد، والجُمَع، وبما خصهم الله به من العقل، والرزانة، والصبر، والجَلَد الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال، ويتميزون عن النساء.
وقفة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ القوامة ليست تكبرًا عليهن بل إحتواء لضعفهن.
لمسة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ انظر إلى تشبيه اهتمام الرجل الذي وُكِّل إليه الكسب والحفظ والدفاع عن زوجه بحالة القائم؛ لأن شأن القائم الذي يهتم بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره.
وقفة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ ثبوت قِوَامة الرجال على النساء بسبب تفضيل الله لهم باختصاصهم بالولايات، وبسبب ما يجب عليهم من الحقوق، وأبرزها النفقة على الزوجة.
وقفة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ ذكر الله الأزواج في آية القوامة بلفظ الرجال، ومما يفيده ذلك والله أعلم: سمو الرجل برجولته حين يتكفل بالإنفاق على زوجه وولده وأهل بيته.
وقفة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ توجيه الخطاب إلى الذكور مع أن الآية كلها خطاب للنساء؛ فيه إشارة إلى رعاية الرجل على المرأة، وأن ذلك لا يستقيم، أو أن المرأة لا تستقيم إلا باستقامة الرجل.
وقفة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ تفقد الزوجة شعورها بقوامة الرجل حين يبخل بنفقتها، ولو كانت غنية.
وقفة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ... وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ الإنفاق يهيئ لك القوامة الزوجية.
وقفة
[34] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ... وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ النفقة مسؤولية الرجل، والتنصل من هذه المسؤولية هدم للقوامة.
وقفة
[34] ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾ القنوت هنا هو المداومة على طاعة الزوج؛ فالسياق كلُّه في العلاقة بين الخليلين: الزوج والزوجة، ومن سبر واقع حياة الناس، وجد أن أسعد النساء قلبًا هي الطَّيِّعةُ السهلة، وأنكدهُنَّ عيشًا هي الشرسة المعاندة.
وقفة
[34] ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ﴾ تفقد المرأة من الصلاح بمقدار ما تفقد من حفظها لسر بيت زوجها.
وقفة
[34] ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ﴾ استحفظ الله المرأة على غيبها وعرضها؛ فلا تلاحق أهلك بالتجسس.
وقفة
[34] ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ أي: النساء الصالحات في دينهن مطيعات لأزواجهن، أو مطيعة لله في حق أزواجهن، (حافظات للغيب) أي: تحفظ كل ما غاب عن علم زوجها؛ فيدخل في ذلك صيانة نفسها وحفظ ماله وبيته، وحفظ أسراره، (بما حفظ الله) أي: بحفظ الله ورعايته، أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج ويحفظنه.
وقفة
[34] ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ الزوجات الصالحات: حافظات لما يجري بينهن وبين أزواجهن مما يجب كتمه ويجمل ستره.
وقفة
[34] ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ (بيتك الأسري) إن صَلحت قاعدته صَلُح بناؤه بإذن الله؛ فاظفر بذات الدِّين.
عمل
[34] اجمع صفات الصالحات من الآية، ثم أرسلها برسالة تفيد بها النساء ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾.
اسقاط
[34] هل تجدين من زوجك ما يكدرك؟ استحضري أنك مطيعة لله فيه، يهن عليك كدره من أجل ربك ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾.
وقفة
[34] ﴿حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ وذلك بحفظ الله لهن، وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن؛ لأن النفس أمَّارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه.
وقفة
[34] ﴿وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهجُرُوهُنَّ فِی ٱلمَضَاجِعِ وَٱضرِبُوهُنَّ﴾ قَالَ عَطَاءٌ: «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ؟ قَالَ: بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ».
وقفة
[34] ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ الوعظ للناشز يا صديقي! لا داعي أن تجعل حياتك مع زوجتك توجيهات ووعظًا.
وقفة
[34] ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ لطف الله ببنات آدم ورحم ضعفهن حتى جعل مجرد الوعظ عقوبة .
وقفة
[34] ﴿فَإِن أطعْنكُم فلا تبْغُوا عليْهِنَّ سبيلًا﴾ تجاوزوا أنتم عن سيئات أزواجكم، واعفوا عنهن إذا تبن.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ هكذا ختمت آية النشوز، التي تهدد الرجال من ظلم نسائهم، فإنهم وإن ضعفن عن دفع ظلمكم، وعجزن عن الإنصاف منكم؛ فالله علي كبير قادر، ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، فلا تغتروا بكونكم أعلى يدًا منهن، وأكبر درجة منهن، فإن الله أعلى منكم، وأقدر منكم عليهن، فختم الآية بهذين الاسمين فيه تمام المناسبة.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ تذكر علو الله وكبره من أعظم ما يردع عن ظلم الزوجات، وبخس حقوقهن.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب؛ فإن الله العلي الكبير، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ لن يردع الزوج عن ظلم زوجته شيء أعظم من تذكره لعظمة الله وعلوه وكبره !
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ وهو منتقم للنساء ممن ظلمهن وبغى عليهن، كم من النساء يشتكين ظلم محارهم فربي حسبهم!
وقفة
[34] لما ذكر الله قوامة الرجل على المرأة، وحق الزوج في تأديب امرأته الناشز، ختم الآية بقوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾، فذكر بعلوه وكبريائه ترهيبًا للرجال؛ لئلا يعتدوا على النساء، ويتعدوا حدود الله التي أمر بها.
عمل
[34] ختم الله آية القِوامة بقوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾؛ فيه تنبيه على ألا تُجعل القوامة سببًا للبغي والاعتداء وهضم الحق.

الإعراب :

  • ﴿ الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ:
  • الرجال: مبتدأ مرفوع بالضمة. قوامون: خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. على النساء: جار ومجرور متعلق بقوامين.
  • ﴿ بِما فَضَّلَ اللَّهُ:
  • الباء: حرف جر: ما. مصدرية و «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بقوامين وجملة «فَضَّلَ اللَّهُ» صلة «ما» المصدرية لا محل لها أو تكون «ما» اسما موصولا في محل جرّ بالباء.
  • ﴿ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ:
  • بعض: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. على بعض: جار ومجرور متعلق بفضل وحذف المضاف اليه من بعض اختصارا لأن ما قبله يدل عليه أي على بعضهم.
  • ﴿ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ:
  • الواو: عاطفة الباء: حرف جر. ما: مصدرية. أنفقوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. من أموال: جار ومجرور متعلق بأنفقوا. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء وجملة «أَنْفَقُوا» صلة «ما» لا محل لها أو تكون «مِنْ» تبعيضية أو تكون «ما» اسما موصولا.
  • ﴿ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ:
  • الفاء: استئنافية. الصالحات: مبتدأ مرفوع بالضمة في آخره. قانتات حافظات: خبران للمبتدأ مرفوعان مثله بالضمة. للغيب: جار ومجرور متعلق بحافظات.
  • ﴿ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي:
  • بما حفظ الله: تعرب اعراب: بما فضّل الله واللّاتي. الواو: استئنافية. اللّاتي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ متضمن معنى الشرط.
  • ﴿ تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ:
  • صلة الموصول. تخافون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. نشوزهن: مفعول به منصوب بالفتحة و «هن» ضمير الغائبات في محل جر بالاضافة أي عصيانهن.
  • ﴿ فَعِظُوهُنَّ:
  • الفاء واقعة في جواب الشرط. عظوهن: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هن» ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل نصب مفعول به وجملة «عظوهن» في محل رفع خبر المبتدأ «اللَّاتِي».
  • ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي العطف على «عظوهن» وتعربان اعرابها. في المضاجع: جار ومجرور متعلق باهجروا: بمعنى من أجل في المنام.
  • ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. أطعنكم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الغائبات في محل جزم بإن فعل الشرط. النون: نون النسوة ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَلا تَبْغُوا:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. لا: ناهية جازمة. تبغوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «فَلا تَبْغُوا» جواب شرط جازم مسبوقة بطلب مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا:
  • على حرف جر. و «هن» ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل جر بعلى. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة المنونة لأنه نكرة و «عَلَيْهِنَّ» متعلق بلا تبغوا.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عليا كبيرا: خبرا «كانَ» منصوبان بالفتحة ويجوز إعراب «كَبِيراً» صفة لعليا. والجملة الفعلية «كانَ عَلِيًّا كَبِيراً» في محل رفع خبر «إِنَّ». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     وبعد ذكرِ الإرث، والنهى عن تمنِّي الرِّجالِ والنِّساءِ ما فضَّلَ اللهُ به بعضَهم على بعضٍ؛ ذَكَرَ اللهُ عز وجل هنا سببَ تفضيلِ الرجالِ على النساءِ في الميراث وغيره، ثم فصَّل اللهُ عز وجل حال النساء في الحياة المنزلية، فذكر أنها قسمان، القسم الأول: النساء الصالحات المطيعات للأزواج، القسم الثاني: النساء الناشزات اللاتي لا يقمن بحقوق الزوج، ثم رغب اللهُ عز وجل في حسن المعاملة الزوجية، ثم هدَّد اللهُ عز وجل وتوعد من يظلم النساء ويبغى عليهن، فقال تعالى:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

القراءات :

بما حفظ الله:
قرئ:
1- برفع اسم الجلالة، وهى قراءة الجمهور، و «ما» مصدرية والتقدير: يحفظ الله إياهن.
2- بنصب اسم الجلالة، وهى قراءة أبى جعفر بن القعقاع. «ما» بمعنى الذي، وفى «حفظ» ضمير يعود على «ما» مرفوع.

مدارسة الآية : [35] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ ..

التفسير :

[35] وإن علمتم -يا أولياء الزوجين- شقاقاً بينهما يؤدي إلى الفراق، فأرسلوا إليهما حكماً عدلاً من أهل الزوج، وحكماً عدلاً من أهل الزوجة؛ لينظرا ويحكما بما فيه المصلحة لهما، وبسبب رغبة الحكمين في الإصلاح، واستعمالهما الأسلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين. إن ا

أي:وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق{ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أي:رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ "الحكم"لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات. فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه. فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين، والحكم يحكم ولو لم يرض المحكوم عليه، ولهذا قال:{ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} أي:بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين.{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} أي:عالمًا بجميع الظواهر والبواطن، مطلعا على خفايا الأمور وأسرارها. فمن علمه وخبره أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة والشرائع الجميلة.

ثم بين- سبحانه- ما يجب عمله إذا ما نشب خلاف بين الزوجين فقال- تعالى-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.

والمراد بالخوف هنا العلم. والخطاب لولاة الأمور وصلحاء الأمة. وقيل لأهل الزوجين.

والمراد بالشقاق ما يحصل بين الزوجين من خلاف ومعاداة. وسمى الخلاف شقاقا لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذي فيه صاحبه.

وقوله شِقاقَ بَيْنِهِما أصله شقاقا بينهما. فأضيف الشقاق إلى الظرف إما على إجرائه مجرى المفعول فيه اتساعا. كقوله- تعالى- بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ. وأصله بل مكر في الليل والنهار.

وإما على إجرائه مجرى الفاعل بجعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين. كما في قولك:

نهارك صائم.

والمعنى: وإن علمتم أيها المؤمنون أن هناك خلافا بين الزوجين قد يتسبب عنه النفور الشديد، وانقطاع حبال الحياة الزوجية بينهما، ففي هذه الحالة عليكم أن تبعثوا حَكَماً

أى رجلا صالحا عاقلا أهلا للإصلاح ومنع الظالم من الظلم مِنْ أَهْلِهِ أى من أهل الزوج وأقاربه وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها أى من أقارب الزوجة بحيث يكون على صفة الأول: لأن الأقارب في الغالب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للإصلاح، وتسكن إليهم النفس أكثر من غيرهم.

وعلى الحكمين في هذه الحالة أن يستكشفا حقيقة الخلاف، وان يعرفا هل الإصلاح بين الزوجين ممكن أو أن الفراق خير لهما؟.

وظاهر الأمر في قوله فَابْعَثُوا أنه للوجوب، لأنه من باب رفع المظالم ورفع المظالم من الأمور الواجبة على الحكام.

وظاهر وصف الحكمين بأن يكون أحدهما من أهل الزوج والثاني من أهل الزوجة، أن ذلك شرط على سبيل الوجوب، إلا أن كثيرا من العلماء حمله على الاستحباب، وقالوا: إذا بعث القاضي بحكمين من الأجانب جاز ذلك، لأن فائدة بعث الحكمين استطلاع حقيقة الحال بين الزوجين، وهذا أمر يستطيعه الأقارب وغير الأقارب إلا أنه يستحب الأقارب فيه لأنهم أعرف بأحوال الزوجين، وأشد طلبا للإصلاح، وأبعد عن الظنة والريبة، وأقرب إلى أن تسكن إليهم النفس.

والضمير في قوله- تعالى- إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يجوز أن يعود للحكمين ويجوز أن يكون للزوجين. وكذلك الضمير في قوله يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما يحتمل أن يكون للحكمين وأن يكون للزوجين.

والأولى جعل الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين فيكون المعنى: إن يريدا أى الحكمان إصلاحا بنية صحيحة وعزيمة صادقة، يوفق الله بين الزوجين بإلقاء الألفة والمودة في نفسيهما، وانتزاع أسباب الخلاف من قلبيهما.

هذا، وقد اختلف العلماء فيما يتولاه الحكمان، أيتوليان الجمع والتفريق بين الزوجين بدون إذنهما أم ليس لهما تنفيذ أمر يتعلق بالزوجين إلا بعد استئذانهما؟.

يرى بعضهم أن للحكمين أن يلزما الزوجين بما يريانه بدون إذنهما، لأن الله- تعالى- سماهما حكمين، والحكم هو الذي يحسم الخلاف بما تقتضيه المصلحة سواء أرضى المحكوم عليه أم لم يرض ولأن القاضي هو الذي كلفهما بهذه المهمة فلهما أن يتصرفا بما يريانه خيرا بدون إذن الزوجين ولأن عليا- رضى الله عنه- عند ما بعث الحكمين لحسم الخلاف الذي نشب بين أخيه عقيل وبين زوجته قال لهما: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتم أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ...

وإلى هذا الرأى اتجه ابن عباس والشعبي ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم.

ويرى الحسن وأبو حنيفة وغيرهما أنه ليس للحكمين أن يفرقا بين الزوجين إلا برضاهما لأنهما وكيلان للزوجين، ولأن الآية الكريمة قد بينت أن عملهما هو الإصلاح فإن عجزا عنه فقد انتهت مهمتهما، ولأن الطلاق من الزوج وحده، ولا يتولاه غيره إلا بالنيابة عنه.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً أى: إنه- سبحانه- عليم بظواهر الأمور وبواطنها. خبير بأحوال النفوس وطرق علاجها، ولا يخفى عليه شيء من تصرفات الناس وأعمالهم، وسيحاسبهم عليها.

فالجملة الكريمة تذييل المقصود منه الوعيد للحكمين إذا ما سلكوا طريقا يخالف الحق والعدل.

وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بينتا جانبا هاما مما يجب للرجال على النساء، ومما يجب للنساء على الرجال، فقد مدحت أولاهما النساء الصالحات المطيعات الحافظات لحق أزواجهن، ورسمت العلاج الناجع الذي يجب على الرجال أن يستعملوه إذا ما حدث نشوز من زوجاتهم، وحذرت الرجال من البغي على النساء إذا ما تركن النشوز وعدن إلى الطاعة والاستقامة فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً. ثم طلبت الآية الثانية من ولاة الأمور وصلحاء الأمة أن يتدخلوا بين الزوجين إذا ما نشب خلاف بينهما، وأن يكون هذا التدخل عن طريق حكمين عدلين عاقلين يتوليان الإصلاح بينهما، ويقضيان بما فيه مصلحة الزوجين، وقد وعد- سبحانه- بالتوفيق بين الزوجين متى صلحت النيات، وصفت النفوس، ومالت القلوب نحو التسامح والتعاطف قال- تعالى- إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.

وبهذا التشريع الحكيم تسعد الأمم والأسر، وتنال ما تصبو إليه من رقى واستقرار.

وبعد هذا البيان الحكيم الذي ساقته السورة الكريمة فيما يتعلق بأحكام الأسرة ووسائل استقرارها، وعلاج ما يكون بين الزوجين من أسباب النزاع ... بعد هذا البيان الحكيم عن ذلك أخذت السورة الكريمة في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى التحلي بمكارم الأخلاق، ونهتهم عن الإشراك بالله- تعالى-، وعن الغرور والبخل والرياء، وغير ذلك من الأعمال التي ترضى الشيطان وتغضب الرحمن فقال- تعالى-:

ذكر [ تعالى ] الحال الأول ، وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة ، ثم ذكر الحال الثاني وهو : إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها )

قال الفقهاء : إذا وقع الشقاق بين الزوجين ، أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ، ينظر في أمرهما ، ويمنع الظالم منهما من الظلم ، فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما ، بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة ، وثقة من قوم الرجل ، ليجتمعا وينظرا في أمرهما ، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق ، وتشوف الشارع إلى التوفيق; ولهذا قال : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أمر الله عز وجل ، أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ، ورجلا مثله من أهل المرأة ، فينظران أيهما المسيء ، فإن كان الرجل هو المسيء ، حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة ، وإن كانت المرأة هي المسيئة ، قصروها على زوجها ومنعوها النفقة . فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا ، فأمرهما جائز . فإن رأيا أن يجمعا ، فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر ، ثم مات أحدهما ، فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عباس قال : بعثت أنا ومعاوية حكمين ، قال معمر : بلغني أن عثمان بعثهما ، وقال لهما : إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما .

وقال : أنبأنا ابن جريج ، حدثني ابن أبي مليكة ، أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت : تصير إلي وأنفق عليك . فكان إذا دخل عليها قالت : أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ؟ قال : على يسارك في النار إذا دخلت . فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان ، فذكرت له ذلك فضحك وأرسل ابن عباس ومعاوية ، فقال ابن عباس : لأفرقن بينهما . فقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف . فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : شهدت عليا وجاءته امرأة وزوجها ، مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما ، فقال علي للحكمين : أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا ، جمعتما . فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله لي وعلي . وقال الزوج : أما الفرقة فلا . فقال علي : كذبت ، والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله ، عز وجل ، لك وعليك .

رواه ابن أبي حاتم ، ورواه ابن جرير ، عن يعقوب ، عن ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي ، مثله . ورواه من وجه آخر ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي ، به .

وهذا مذهب جمهور العلماء : أن الحكمين إليهما الجمع والتفرقة ، حتى قال إبراهيم النخعي : إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاث فعلا . وهو رواية عن مالك .

وقال الحسن البصري : الحكمان يحكمان في الجمع ولا يحكمان في التفريق ، وكذا قال قتادة ، وزيد بن أسلم . وبه قال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وداود ، ومأخذهم قوله تعالى : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) ولم يذكر التفريق .

وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين ، فإنه ينفذ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف .

وقد اختلف الأئمة في الحكمين : هل هما منصوبان من عند الحاكم ، فيحكمان وإن لم يرض الزوجان ، أو هما وكيلان من جهة الزوجين ؟ على قولين : فالجمهور على الأول; لقوله تعالى : ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) فسماهما حكمين ، ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه ، وهذا ظاهر الآية ، والجديد من مذهب الشافعي ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

الثاني منهما ، بقول علي ، رضي الله عنه ، للزوج - حين قال : أما الفرقة فلا - قال : كذبت ، حتى تقر بما أقرت به ، قالوا : فلو كانا حاكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج ، والله أعلم .

قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر : وأجمع العلماء على أن الحكمين - إذا اختلف قولهما - فلا عبرة بقول الآخر ، وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان ، واختلفوا : هل ينفذ قولهما في التفرقة ؟ ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا .

القول في تأويل قوله : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه " وإن خفتم شقاق بينهما "، وإن علمتم أيها الناس (62) =" شقاق بينهما "، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشق عليه من الأمور. فأما من المرأة، فالنشوز وتركها أداء حق الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها. وأما من الزوج، فتركُه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان.

* * *

و " الشقاق " مصدر من قول القائل: " شاقَّ فلان فلانًا " = إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من الأمور =" فهو يُشاقُّه مشاقَّة وشقاقًا "، وذلك قد يكون عداوة، (63) كما:-

9403 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: " وإن خفتم شقاق بينهما "، قال: إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقَّته = يقول: عادته.

* * *

وإنما أضيف " الشقاق " إلى " البين "، لأن " البين " قد يكون اسمًا، كما قال جل ثناؤه: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [سورة الأنعام: 94]، في قراءة من قرأ ذلك. (64)

* * *

وأما قوله: " فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية: مَنِ المأمور ببعثة الحكمين؟ (65)

فقال بعضهم: المأمور بذلك: السلطانُ الذي يرفع ذلك إليه.

*ذكر من قال ذلك:

9404 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير: أنه قال في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها. فإن انتهت، وإلا ضربها. فإن انتهت، وإلا رفع أمرَها إلى السلطان، فيبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: " يفعل بها &; 8-320 &; كذا "، ويقول الحكم الذي من أهله: " تفعل به كذا ". فأيهما كان الظالم ردَّه السلطان وأخذ فوق يديه، وإن كانت ناشزًا أمره أن يَخْلع.

9405 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، قال: بل ذلك إلى السلطان.

* * *

وقال آخرون: بل المأمور بذلك: الرجل والمرأة.

*ذكر من قال ذلك:

9406 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، إن ضربها. فإن رجعت، فإنه ليس له عليها سبيل. فإن أبت أن ترجع وشاقّته، فليبعث حكمًا من أهله، وتبعث حكمًا من أهلها.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل فيما يُبعث له الحكمان، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما، وكيف وَجْهُ بَعْثهِما بينهما؟

فقال بعضهم: يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما. وليس لهما أن يعملا شيئًا في أمرهما إلا ما وكَّلاهما به، أو وكله كل واحد منهما بما إليه، فيعملان بما وكلهما به مَن وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه، أو توكيل من وُكل منهما في ذلك.

*ذكر من قال ذلك:

9407 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة قال: جاء رجل وامرأته بينهما شقاقٌ إلى علي رضي الله عنه، مع كل واحد منهما فِئام من الناس، (66) فقال علي رضي الله عنه: ابعثوا حكمًا &; 8-321 &; من أهله وحكمًا من أهلها. ثم قال للحكمين: تدرِيان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرِّقا أن تفرقا، (67) قالت المرأة: رضيت بكتاب الله، بما عليَّ فيه ولي. قال الرجل: أما الفرقة فلا. فقال علي رضي الله عنه: كذبتَ والله، لا تنقلب حتى تقرَّ بمثل الذي أقرَّت به. (68)

9408 - حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا هشام بن حسان وعبد الله بن عون، عن محمد: أن عليَّا رضي الله عنه أتاه رجل وامرأته، ومع كل واحد منهما فئام من الناس. فأمرهما علي رضي الله عنه أن يبعثا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، لينظرا. فلما دنا منه الحكمان، قال لهما علي رضي الله عنه: أتدريان ما لكما؟ لكما إن رأيتما أن تفرّقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما = قال هشام في حديثه: فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعليّ، فقال الرجل: أما الفرقة فلا! فقال عليّ: كذبتَ والله، حتى ترضى مثل ما رضيت به = وقال ابن عون في حديثه: كذبتَ والله، لا تبرَحُ حتى ترضى بمثل ما رضيت به. (69)

9409 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا منصور وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: شهدت عليًّا رضي الله عنه، فذكر مثله. (70)

9410 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، &; 8-322 &; عن السدي قال: إذا هجرها في المضجع وضربها، فأبت أن ترجع وشاقّته، فليبعث حكمًا من أهله وتبعث حكمًا من أهلها. تقول المرأة لحكمها: " قد وليتك أمري، فإن أمرتني أن أرجعَ رجعت، وإن فرَّقت تفرقنا "، وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئًا من الأشياء، وتأمره أن يرفع ذلك عنها وترجع، أو تخبره أنها لا تريد الطلاق، ويبعث الرجل حكمًا من أهله يوليه أمره، ويخبره يقول له حاجته: إن كان يريدها أو لا يريد أن يطلقها، أعطاها ما سألت وزادها في النفقة، وإلا قال له: " خذ لي منها ما لها علي، وطلقها "، فيوليه أمره، فإن شاء طلق، وإن شاء أمسك. ثم يجتمع الحكمان، فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه، ويجهد كل واحد منهما ما يريد لصاحبه. فإن اتفق الحكمان على شيء فهو جائز، إن طلَّقا وإن أمسكا. فهو قول الله: " فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ". فإن بعثت المرأة حكمًا وأبى الرجل أن يبعث، فإنه لا يقربها حتى يبعث حكمًا.

* * *

وقال آخرون: إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان، غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما، ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قِبَل صاحبه، لا التفريق بينهما.

*ذكر من قال ذلك:

9411 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن = وهو قول قتادة = أنهما قالا إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه. وأما الفرقة، فليست في أيديهما ولم يملَّكا ذلك = يعني: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ".

9412 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا &; 8-323 &; من أهلها "، الآية، إنما يبعث الحكمان ليصلحا. فإن أعياهما أن يصلحا، شهدا على الظالم بظلمه، وليس بأيديهما فرقة، ولا يملَّكان ذلك.

9413 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد قال: وسألت عن الحكمين، (71) قال: ابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فما حكم الحكمان من شيء فهو جائزٌ، يقول الله تبارك وتعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا . قال: يخلو حكم الرجل بالزوج، وحكم المرأة بالمرأة، فيقول كل واحد منهما لصاحبه: " اصدقني ما في نفسك ". فإذا صَدق كل واحد منهما صاحبه، اجتمع الحكمان، وأخذ كل واحد منهما على صاحبه ميثاقًا: " لتصدقني الذي قال لك صاحبك، ولأصدقنك الذي قال لي صاحبي"، فذاك حين أرادا الإصلاح، يوفق الله بينهما. فإذا فعلا ذلك، اطَّلع كل واحد منهما على ما أفضى به صاحبه إليه، فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما، فأتيا عليه فحكما عليه. فإن كانت المرأة قالا " أنت الظالمة العاصية، لا ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحق وتطيعي الله فيه ". وإن كان الرجل هو الظالم قالا " أنت الظالم المضارّ، لا تدخل لها بيتًا حتى تنفق عليها وترجع إلى الحق والعدل ". فإن أبت ذلك كانت هي الظالمةَ العاصيةَ، (72) وأخذ منها ما لها، وهو له حلال طيب. وإن كان هو الظالمَ المسيءَ إليها المضارَّ لها طلقها، ولم يحلّ له من مالها شيء. فإن أمسكها، أمسكها بما أمر الله، وأنفق عليها وأحسن إليها. (73)

9414 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يبعث الحكمين، حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها. فيقول الحكم من أهلها: " يا فلان، ما تنقِم من زوجتك "؟ فيقول: " أنقِم منها كذا وكذا ". قال فيقول: " أفرأيت إن نـزعَت عما تكره إلى ما تحب، هل أنت مُتقي الله فيها، ومعاشرها بالذي يحق عليك في نفقتها وكسوتها "؟ فإذا قال: " نعم "، قال الحكم من أهله: " يا فلانة ما تنقمين من زوجك فلان "؟ فيقول مثل ذلك، فإن قالت: " نعم "، جمع بينهما. قال: وقال علي رضي الله عنه: الحكمان، بهما يجمع الله وبهما يفرِّق.

9415 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال الحسن: الحكمان يحكمان في الاجتماع، ولا يحكمان في الفُرقة.

9416 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ، وهي المرأة التي تنشز على زوجها، فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك، وهو بعد ما تقول لزوحها: " والله لا أُبرُّ لك قسمًا ولآذنَنَّ في بيتك بغير أمرك "! ويقول السلطان: " لا نجيز لك خلعًا " = حتى تقول المرأة لزوجها: " والله لا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم لك صلاة "! فعند ذلك يقول السلطان: " اخلع المرأة "!

9417 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن "، قال: تعظها، فإن أبت وغَلبت، فاهجرها في مضجعها. فإن غلبت هذا أيضًا، فاضربها. فإن غلبت هذا أيضًا، بُعث حكم من أهله وحكم من أهلها. فإن غلبت هذا أيضًا وأرادت غيره، فإنَّ أبِي قال = أو: كان أبي يقول (74) = ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء، إن رأيا الظلم من ناحية الزوج قالا " أنت يا فلان ظالم، انـزع "! فإن أبى، رفعا ذلك إلى السلطان. ليس إلى الحكمين من الفراق شيء.

* * *

وقال آخرون: بل إنما يبعث الحكمين السلطانُ، على أن حكمهما ماضٍ على الزوجين في الجمع والتفريق.

*ذكر من قال ذلك:

9418 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، فهذا الرجل والمرأة، إذا تفاسد الذي بينهما، فأمر الله سبحانه أن يبعثوا رجلا صالحًا من أهل الرجل، ومثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء. فإن كان الرجل هو المسيء، حَجَبوا عنه امرأته وقَصَروه على النفقة، (75) وإن كانت المرأة هي المسيئة، قصروها على زوجها، ومنعوها النفقة. فإن اجتمع رأيهما على أن يفرّقا أو يجمعا، فأمرهما جائز. فإن رأيا أن يجمعا، فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر، ثم ماتَ أحدهما، فإنّ الذي رضي يَرِث الذي كره، ولا يرث الكارهُ الراضيَ، وذلك قوله: " إن يريدا إصلاحًا "، قال: هما الحكمان =" يوفق الله بينهما ".

9419 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا روح قال، حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين: أن الحكم من أهلها والحكم من أهله، يفرِّقان ويجمعان إذا رأيا ذلك =" فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ".

9420 - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سألت سعيد بن جبير عن الحكمين فقال: لم أولد إذ ذاك! (76) فقلت: إنما أعني حَكم الشقاق. قال: يقبلان على الذي جاء التداري من عنده. (77) فإن فعل، وإلا أقبلا على الآخر. فإن فعل، وإلا حكما. فما حكما من شيء فهو جائز.

9421 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في قوله: " فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، قال: ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز.

9422 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن داود، &; 8-327 &; عن إبراهيم قال: ما حكما من شيء فهو جائز. إن فرّقا بينهما بثلاث تطليقات أو تطليقتين، فهو جائز. وإن فرقا بتطليقة فهو جائز. وإن حكما عليه بجزاء بهذا من ماله، (78) فهو جائز: فإن أصلحا فهو جائز. وإن وضَعا من شيء فهو جائز.

9423 - حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا أبو جعفر، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، قال: ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما. إن طلقا ثلاثا فهو جائز عليهما. وإن طلقا واحدة وطلقاها على جُعْل، فهو جائز، (79) وما صنعا من شيء فهو جائز.

9424 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: إن شاء الحكمان أن يفرقا فرّقا. وإن شاءا أن يجمعا جمعَا.

9425 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني هشيم، عن حصين، عن الشعبي: أن امرأة نشزت على زوجها، فاختصموا إلى شريح، فقال شريح: ابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها. فنظر الحكمان في أمرهما، فرأيا أن يفرِّقا بينهما، فكره ذلك الرجل، فقال شريح: ففيم كانا اليوم؟ وأجاز قولهما. (80)

9426 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بعثت &; 8-328 &; أنا ومعاوية حكمين = قال معمر: بلغني أن عثمان رضي الله عنه بعثهما، وقال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرِّقا فرقتما. (81)

9427 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا ابن جريج قال، حدثني ابن أبي مليكة: أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة ابنة عتبة، فكان بينهما كلام. فجاءت عثمان فذكرت ذلك له، فأرسل ابن عباس ومعاوية، فقال ابن عباس: لأفرقنَّ بينهما! وقال معاوية: ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف! فأتياهما وقد اصطلحا. (82) .

9428 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، يكونان عَدْلين عليهما وشاهدين. وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان، (83) جعل عليهما حكمين: حكمًا من أهل الرجل، وحكمًا من أهل المرأة، يكونان أمينين عليهما جميعًا، وينظران مِن أيهما يكون الفساد. فإن كان من قبل المرأة، أجبرت على طاعة زوجها، وأمِرَ أن يتقي الله ويحسن صحبتها، وينفق عليها بقدر ما آتاه الله، إمساكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان. وإن كانت الإساءة من قبل الرجل، أُمر بالإحسان إليها، فإن لم يفعل قيل له: " أعطها حقها وخَلِّ سبيلها ". وإنما يلي ذلك منهما السلطان.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في قوله: " فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، أن الله خاطب المسلمين بذلك، وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشِّقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما، ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض. &; 8-329 &; وقد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين، وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين، أو من أقامه في ذلك مقام نفسه.

واختلفوا في الزوجين والسلطان، ومن المأمورُ بالبعثة في ذلك: الزوجان، أو السلطان؟ (84) ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين، ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمة فيه مختلفة.

وإذْ كان الأمر على ما وصفنا، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يكون مخصوصًا من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها. (85) وإذْ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية، والأمر بقوله: " فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها "، إذْ كان مختلفًا بينهما: هل هما معنيِّان بالأمر بذلك أم لا؟ = وكان ظاهر الآية قد عمهما = فالواجبُ من القول، إذ كان صحيحًا ما وصفنا، صحيحًا أن يقال (86) إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكمًا من قبله لينظر في أمرهما، وكان كل واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك، لما لَه على صاحبه ولصاحبه عليه، (87) فتوكيله بذلك من وكِّل جائز له وعليه.

وإن وكَّله ببعض ولم يوكله بالجميع، كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضيًا جائزًا على ما وكله به. وذلك أن يوكله أحدهما بما له دون ما عليه.

وإن لم يوكل كل واحد من الزوجين بما له وعليه، (88) أو بما له، أو بما عليه، &; 8-330 &; إلا الحكمين كليهما، (89) [لم يجز] إلا ما اجتمعا عليه، دون ما انفرد به أحدهما. (90)

وإن لم يوكلهما واحد منهما بشيء، وإنما بعثاهما للنظر بينهما ، ليعرفا الظالم من المظلوم منهما، (91) ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما = لم يكن لهما أن يُحدثا بينهما شيئًا غير ذلك من طلاق، أو أخذ مال، أو غير ذلك، ولم يلزم الزوجين ولا واحدًا منهما شيء من ذلك. (92)

* * *

فإن قال قائل: وما معنى الحكمين، إذ كان الأمر على ما وصفت؟

قيل: قد اختلف في ذلك.

فقال بعضهم: معنى " الحكم "، النظرُ العدلُ، كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه، الذي:-

9429 - حدثنا به يحيى بن أبي طالب، عن يزيد، عن جويبر عنه: لا أنتما قاضيان تقضيان بينهما=

* * *

=على السبيل التي بيَّنَّا من قوله. (93)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: أنهما القاضيان، يقضيان بينهما ما فوَّض إليهما الزوجان.

* * *

قال أبو جعفر: وأي الأمرين كان، فليس لهما، ولا لواحد منهما، الحكم بينهما بالفرقة، ولا بأخذ مال إلا برضى المحكوم عليه بذلك، وإلا ما لزم من حق لأحد الزوجين على الآخر في حكم الله، وذلك ما لزم الرجلَ لزوجته من النفقة والإمساك بمعروف، إن كان هو الظالم لها.

فأما غير ذلك، فليس ذلك لهما، ولا لأحد من الناس غيرهما، لا السلطان ولا غيره. وذلك أن الزوج إن كان هو الظالمَ للمرأة، فللإمام السبيلُ إلى أخذه بما يجب لها عليه من حق. وإن كانت المرأة هي الظالمةَ زوجها الناشزةَ عليه، فقد أباح الله له أخذَ الفدية منها، وجعل إليه طلاقها، على ما قد بيناه في" سورة البقرة ". (94)

وإذْ كان الأمرُ كذلك، لم يكن لأحدٍ الفرقةُ بين رجل وامرأة بغير رضى الزوج، ولا أخذُ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه، إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس.

وإن بعث الحكمين السلطانُ، فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك، (95) ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضى المرأة. يدل على ذلك ما قد بيناه قبلُ من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك، والقائلين بقوله. (96) ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين، ويتعرفا الظالم منهما من المظلوم، ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما.

وإنما قلنا: " ليس لهما التفريق "، للعلة التي ذكرناها آنفًا. وإنما يبعث السلطانُ الحكمين إذا بعثهما، إذا ارتفع إليه الزوجان، فشكا كل واحد منهما صاحبه، وأشكلَ عليه المحقّ منهما من المبطل. لأنه إذا لم يشكل المحق من المبطل، فلا وجه لبعثه الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه.

* * *

القول في تأويل قوله : إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " إن يريدا إصلاحًا "، إن يرد الحكمان إصلاحًا بين الرجل والمرأة = أعني: بين الزوجين المخوف شقاقُ بينهما = يقول: " يوفق الله " بين الحكمين فيتفقا على الإصلاح بينهما. وذلك إذا صدق كل واحد منهما فيما أفضى إليه: مَنْ بُعِثَ للنظر في أمر الزوجين.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9430 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد في قوله: " إن يريدا إصلاحًا "، قال: أمَا إنه ليس بالرجل والمرأة، ولكنه الحكمان.

9431 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: " إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما "، قال: هما الحكمان، إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما.

9432 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما "، وذلك الحكمان، وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب.

9433 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما "، يعني بذلك الحكمين.

9434 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن &; 8-333 &; سعيد بن جبير: " إن يريدا إصلاحًا "، قال: إن يرد الحكمان إصلاحًا أصلحا.

9435 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي هاشم، عن مجاهد: " إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما "، يوفق الله بين الحكمين.

9436 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك قوله: " إن يريدا إصلاحًا "، قال: هما الحكمان إذا نصحا المرأةَ والرجلَ جميعًا.

* * *

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: " إنّ الله كان عليمًا "، بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزوجين وغيره =" خبيرًا "، بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما، (97) لا يخفى عليه شيء منه، حافظ عليهم، حتى يجازي كلا منهم جزاءه، بالإحسان إحسانًا، وبالإساءة غفرانًا أو عقابًا.

------------------------------

الهوامش :

(62) انظر تفسير"الخوف" بمعنى العلم فيما سلف قريبًا ص: 298 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(63) انظر تفسير"الشقاق" فيما سلف 3: 115 ، 116 ، 336.

(64) هذه القراءة برفع"بينكم" ، بمعنى: وصلكم الذي يصل بينكم.

(65) في المطبوعة: "ببعثه الحكمين" ، وهو خطأ في قراءة المخطوطة ، وهي غير منقوطة.

(66) "الفئام": الجماعة الكثيرة.

(67) في المخطوطة: "فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ، إن رأيتما أن تجمعا ، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا" ، سقط من الكلام ما ثبت في المخطوطة ، وهو نص ما في المراجع التي سأذكرها بعد.

(68) الأثر: 9407 - رواه الشافعي في الأم 5: 177 من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن أيوب بن أبي تميمة ، بمثله سواء. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 305 ، 306. وقال الشافعي: "حديث علي ثابت عندنا".

(69) الأثران: 9408 ، 9409 - أخرجه البيهقي في السنن 7: 306 ، مختصرًا.

(70) الأثران: 9408 ، 9409 - أخرجه البيهقي في السنن 7: 306 ، مختصرًا.

(71) في المطبوعة: "سألت عن الحكمين" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب ، فالظاهر أنه بعض خبر ، لا بدء خبر ، وانظر التعليق رقم: 3.

(72) في المطبوعة: "وترجع إلى الحق والعدل ، فإن كانت هي الظالمة العاصية أخذ..." ، وفسد الكلام: وفي المخطوطة: "وترجع إلى الحق والعدل ما دامت ذلك كانت هي الظالمة العاصية وأخذ..." ، وهو تحريف من الناسخ ، وصواب قراءتها"فإن أبت ذلك" كما أثبتها. والصواب أيضًا إثبات الواو في"وأخذ" ، لا حذفها ، كما في المطبوعة.

(73) الأثر: 9413 -"قيس بن سعد المكي" مولى نافع بن علقمة ، روى عن طاوس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير. ثقة. مترجم في التهذيب.

وكان هذا الإسناد في المطبوعة: "قال حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن قيس بن سعد" ، وكان في المخطوطة مثله ، إلا أن وضع بعد"شبل" إلى أعلى: "لا" وبعد"مجاهد" إلى أعلى"إلى" ، وذلك من إشاراتهم إلى حذف ما بينهما ، استغنوا بذلك عن الضرب عليه بالقلم. فلم يعرف الناشر قاعدتهم في الكتابة والحذوف ، فأثبت ما حقه الحذف. و"قيس بن سعد" كما ترى يروي عن مجاهد ، وليس مجاهد ممن يروي عنه. وهذا الخبر ، كأنه مما سأل عنه قيس بن سعد مجاهدًا أو عطاء ، كما مر في بعض أسانيده السالفة ، التي غاب عني مكانها اليوم.

(74) في المطبوعة: "فإن أبي كان يقول" ، وفي المخطوطة: "فإن أبي قال وكان أبي يقول" والصواب ما في المخطوطة ، إلا قوله"وكان أبي يقول" ، فصوابه"أو: كان أبي يقول" ، وقائل هذه الجملة هو: عبد الله بن زيد أسلم = وأبوه هو: زيد بن أسلم.

(75) "قصره على الشيء" حبسه عليه ، وألزمه إياه ، إجبارًا وقهرًا ، وفي الحديث: "لتقصرنه على الحق قصرًا" ، أي: قهرًا وغلبة ، وهو من"القسر" ، وأبدلت السين صادًا ، وهما يتبادلان في كثير من الكلام.

(76) ذهب سعيد بن جبير حين سأله عمرو بن مرة عن"الحكمين" ، إلى أنه عنى الحكمين في أمر علي ومعاوية رضي الله عنهما ، واجتماعهما بدومة الجندل سنة 37 من الهجرة. فلذلك قال: "لم أولد إذ ذاك" ، لأن سعيد بن جبير رحمه الله قتله الحجاج سنة 95 ، وهو ابن تسع وأربعين سنة ، كأنه ولد سنة 46 من الهجرة ، بعد التحكيم. وروي أن سعيد بن جبير دعا ابنه حين دعي ليقتل ، فجعل ابنه يبكي ، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ = فكأنه ولد - على هذه الرواية سنة 38 من الهجرة ، وذلك أيضًا بعد تحكيم الحكمين.

(77) في المطبوعة: "الذي جاء الأذى من عنده" لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة. وهو من"التدارؤ" ، ترك همزه ، "تدارأ الرجلان" ، أي تشاغبا وخالف أحدهما صاحبه. وفي قول بعض الحكماء: "لا تتعلموا العلم لثلاث ، ولا تتركوه لثلاث: لا تتعلموه للتداري ، ولا للتماري ، ولا للتباهي = ولا تدعوه رغبة عنه ، ولا رضًا بالجهل ، ولا استحياء من الفعل له". وعنى بقوله: "التداري" هنا الخصومة والتداعي. وانظر الأثر التالي رقم: 9428.

(78) في المطبوعة: "بهذا من ماله" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وليس لها معنى هنا. ورجحت أن صوابها"بجزاء" ، لأنه سيأتي في الأثر التالي: "أو طلقاها على جعل" و"الجعل" (بضم فسكون) ، وهو المال المعطى على شيء ، أجرًا كان أو غيره. و"الجزاء" البدل ، فكأنه يعطي لها بدلا مما لقيت من إساءته ، وعقوبة للمسيء.

(79) انظر التعليق السالف.

(80) الأثر: 9425 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 306.

(81) الأثر: 9426 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 306

(82) الأثر: 9427 - رواه الشافعي في الأم 5: 177 ، 178 من طريق مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، وخرجه البيهقي في السنن 7: 306.

(83) انظر تفسير"تدارأ" فيما سلف ص: 326 ، تعليق: 2.

(84) في المخطوطة: "الزوجين أو السلطان" ، وهو خطأ ظاهر.

(85) في المخطوطة والمطبوعة: "من أجمع الجميع" ، وهو خطأ ظاهر ، وفساد ، والصواب ما أثبت.

(86) في المطبوعة حذف"صحيحًا" هذه الثانية ، مع أنها مستقيمة لا ضير منها.

(87) في المطبوعة: "وكان لكل واحد منهما ممن بعثه من قبله في ذلك طاقة على صاحبه ولصاحبه عليه" ، وهو كلام لا يستقيم البتة. وفي المخطوطة: "وكان كل واحد منهما من بعثه من قبله في ذلك لماقه على صاحبه ، ولصاحبه عليه" ، وظاهر أن قوله"من بعثه" هي: "قد بعثه" وأما قوله: "في ذلك لماقه" فإني رجحت أن صوابها"في ذلك لما له" ، وكأنه عنى أنه قد أرسله مملكًا في جميع أمره ، في جميع ماله على صاحبه ، ولصاحبه عليه. واستأنست في ذلك بالجزء التالي من هذا الكلام.

(88) في المطبوعة: "أو لم يوكل واحد من الزوجين" مكان ما في المخطوطة: "وإن لم يوكل" وهو تصرف معيب ، فإنه أفسد الكلام ، وزادها خلطًا على خلط.

(89) في المطبوعة: "فليس للحكمين..." مكان ما في المطبوعة: "إلا الحكمين" ، وزاد الكلام اضطرابًا.

(90) الذي بين القوسين ، ظاهر جدًا أنه سقط من الناسخ ، هو أو ما في معناه. وبهذا استقامت هذه العبارة التي اقتضت من الجهد ما كنا في غنى عنه ، لو صحح الناسخ كتابته.

(91) في المطبوعة ، حذف قوله: "بينهما".

(92) في المخطوطة: "لم يلزم" بحذف الواو ، والصواب ما في المطبوعة.

(93) قوله: "على السبيل التي بينا من قوله" ، هذا من كلام الطبري ، تعليقًا على سائر كلامه السالف. وعنى بذلك قول الضحاك الذي ذكره آنفًا برقم: 9428. ولو ترك هذا السياق بغير فواصل ، لما استطاع أن يفهمه إلا المصابر على المشقات.

(94) انظر ما سلف 4: 549-583.

(95) في المطبوعة والمخطوطة: "ولا يجوز لهما" بالواو ، والصواب بالفاء.

(96) انظر الآثار السالفة من 9407-9409.

(97) انظر تفسير"الخبير" فيما سلف 1: 496 / 5: 94 ، 586.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[35] اسع في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا ...﴾.
عمل
[35] ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ احرص على احتواء المشاكل الزوجية داخل نطاق أسري محدود، فاتساع الدائرة يفاقمها.
وقفة
[35] اشتداد الخصومة بين طرفين لا يرأب صدعه إلا حكمة طرف آخر خارج الخصومة ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾.
وقفة
[35] إذا وقع بين الزوجين شقاق وادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه له، بُعث بينهما حكمان عدلان، حكمًا من أهل الزوج، وحكمًا من أهلها؛ لأن الأقارب أعرف بالعلل الباطنة، وأولى بالنظر في المصلحة، قال تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾.
وقفة
[35] ﴿مِّنْ أَهْلِهِ ... مِّنْ أَهْلِهَا﴾ لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للصلاح، وإليهم تسكن نفوس الزوجين، ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض، وإرادة الصحبة والفرقة، وموجبات ذلك ومقتضياته، وما يزویانه عن الأجانب، ولا يحبان أن يطلعوا عليه.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ من نوى الخير هيأ الله له أسبابه وفتح له أبوابه.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ ننال من التوفيق في حياتنا بقدر ما في قلوبنا من نية الإصلاح.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ صدق إرادة الإصلاح عند الزوجين من أهم أسباب التوفيق بينهما عند الخلاف.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ قال القاسمي: «من أصلح نیته فيما يتوخاه؛ وفقه الله تعالى لمبتغاه».
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ أزمتنا بسبب فقدان إرادة الصلح.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ حين يسعى الزوجان لحل المشكلات بينهما بتجرد وإخلاص في جو من التفاؤل فهما موعودان بالتوفيق من الله جل وعلا.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ تُهدم البيوت ويتفرق الأبناء لخلاف يسير يقع بين الزوجين، غالب تلك الأسر لم تجد ناصحًا أمينًا.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ قبل السعي لأي عمل تفقد قلبك! ليوفقك الله ويتقبله.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ لو سعى اثنان للإصلاح بين زوجين لوفقهما الله ﷻ؛ فكيف بمن يسعى لحفظ دماء المجاهدين!
عمل
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ تريد التوفيق؟ اصلح نيتك.
وقفة
[35] ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾ صدق نوايانا أساس نجاح علاقاتنا.
وقفة
[35] غياب صدق اﻹرادة القلبية للإصلاح عند اختلاف الزوجين المتحابين يعد من أهم أسباب النفرة وعدم التوفيق بينهما ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾.
وقفة
[35] قد يكون أحد الزوجين صالحًا في نفسه، لكنه غير صالح لشريك حياته، فالتوجه إلى الله بصدق ويقين من أعظم سبل إصلاح كل منهما لصاحبه: ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا﴾.
وقفة
[35] إصَلاحَ النِّيَّةِ أكْبَرُ مُعِينٍ عَلى بُلُوغِ المَقاصِدِ ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾.
لمسة
[35] يذيل سبحانه الآية بـ ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ أي: بأحوال الزوج، وبأحوال الزوجة، وبأحوال الحكم من أهله، وبأحوال الحكم من أهلها، فهم محوطون بعلمه، وعلى كل واحد أن يحرص على تصرفه؛ لأنه مسئول عن كل حركة من الحركات التي تكتنف هذه القضية؛ فربنا عليم وخبير.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما:
  • الواو: عاطفة. إن: حرف شرط جازم. خفتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. شقاق: مفعول به منصوب بالفتحة. بينهما: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة الميم حرف عماد والألف علامة التثنية وأصله: شقاقا بينهما فأضيف الشقاق الى الظرف عن طريق الاتباع.
  • ﴿ فَابْعَثُوا:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. ابعثوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «فَابْعَثُوا» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. من أهله: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة لحكما. والهاء ضمير متصل في محل جرّ بالاضافة.
  • ﴿ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها:
  • معطوفة بواو العطف على «حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ» وتعرب إعرابها والضمير «ها» مبني على السكون.
  • ﴿ إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً:
  • ان: حرف شرط جازم. يريدا: فعل مضارع مجزوم بإن وهو فعل الشرط وعلامة جزمه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الألف: ألف الاثنين ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. إصلاحا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما:
  • يوفق: فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بإن أيضا وعلامة جزمه السكون حرّك بالكسر لالتقاء الساكنين. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بينهما: بين: ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بيوفق. الهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم: حرف عماد والألف علامة التثنية وجملة «يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً:
  • تعرب إعراب «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً» في الآية الكريمة السابقة. '

المتشابهات :

النساء: 35﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ
الكهف: 61﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَر اللهُ عز وجل عند نُشوزِ المرأة أنَّ الزَّوجَ يعِظُها، ثمَّ يهجُرُها في الفراش، ثمَّ يضربها ضربًا غير شديد؛ بَيَّنَ اللهُ هنا ما يجب عمله إذا ما حدث خلاف بين الزوجين، وهو: التحاكم إلى من ينصف المظلوم من الظالم، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [36] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ ..

التفسير :

[36] واعبدوا الله وانقادوا له وحده، ولا تجعلوا له شريكاً في الربوبية والعبادة، وأحسنوا إلى الوالدين، وأدُّوا حقوقهما، وحقوق الأقربين، والأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ، والمحتاجين الذين لا يملكون ما يكفيهم ويسدُّ حاجتهم، والجار القريب منكم والبع

يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلا وإخلاصا له، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا أصغر ولا أكبر، لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد. ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب. فقال:{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي:أحسنوا إليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة أمرهما واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما وإكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما. وللإحسان ضدان، الإساءةُ وعدمُ الإحسان. وكلاهما منهي عنه.{ وَبِذِي الْقُرْبَى} أيضا إحسانا، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله.{ وَالْيَتَامَى} أي:الذين فقدوا آباءهم وهم صغار، فلهم حق على المسلمين، سواء كانوا أقارب أو غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديبهم، وتربيتهم أحسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم.{ وَالْمَسَاكِين} وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر، فلم يحصلوا على كفايتهم، ولا كفاية من يمونون، فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم، والحض على ذلك، والقيام بما يمكن منه.{ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} أي:الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف.{ و} كذلك{ الْجَارِ الْجُنُبِ} أي:الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.{ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قيل:الرفيق في السفر، وقيل:الزوجة، وقيل الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له؛ والوفاء معه في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.{ وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو:الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج، فله حق على المسلمين لشدة حاجته وكونه في غير وطنه بتبليغه إلى مقصوده أو بعض مقصوده [وبإكرامه وتأنيسه]{ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}:أي:من الآدميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما يتحملون، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم. فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه، المتواضع لعباد الله، المنقاد لأمر الله وشرعه، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل، ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، غير منقاد لأوامره، ولا متواضع للخلق، بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور بقوله، ولهذا قال:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا} أي:معجبا بنفسه متكبرًا على الخلق{ فَخُورًا} يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله، فهؤلاء ما بهم من الاختيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق.

قال القرطبي ما ملخصه: أجمع العلماء على أن هذه الآية- وهي قوله- تعالى- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً- من المحكم المتفق عليه- ليس منها شيء منسوخ. وكذلك هي في جميع الكتب. ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل وإن لم ينزل به الكتاب. والعبودية هي التذلل والافتقار لمن له الحكم والاختيار. فالآية أصل في خلوص الأعمال لله وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره. وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله- تعالى- أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه» .

والمعنى: عليكم أيها الناس أن تخلصوا لله- تعالى- العبادة والخضوع، وأن تتجهوا إليه وحده في كل شئونكم بدون أن تتخذوا معه أى شريك لا في عقيدتكم ولا في عبادتكم ولا في أقوالكم ولا في أعمالكم، كما قال- تعالى- وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ.

وهذه العبادة الخالصة لله- تعالى- هي حقه- سبحانه- علينا، فهو الذي خلقنا وهو الذي رزقنا وهو المتفضل علينا في جميع الحالات.

روى البخاري عن معاذ بن جبل قال: كنت ردف النبي- صلى الله عليه وسلم- على حمار يقال له عفيرة.

فقال: يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: فان حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر به الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) .

وقد صدر- سبحانه- تلك الوصايا الحكيمة التي اشتملت عليها الآية الكريمة بالأمر بعبادته والنهى عن أن نشرك به شيئا، لأن إخلاص العبادة له أساس الدين، ومداره الأعظم الذي بدونه لا يقبل الله من العبد عملاما، ولأن في ذلك إيماء إلى ارتفاع شأن تلك الوصايا التي سيقت بعد ذلك، إذ قرنها بالعبادة والتوحيد يكسبها عظمة وجلالا.

وعطف النهى عن الشرك على الأمر بالعبادة لله- تعالى- من باب عطف الخاص على العام، لأن الإشراك ضد التوحيد فيفهم من النهى عن الإشراك الأمر بالتوحيد.

ثم أوصى- سبحانه- بالإحسان إلى الوالدين فقال: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

أى: عليكم أن تخلصوا لله العبادة ولا تشركوا معه شيئا، وعليكم كذلك أن تحسنوا إلى الوالدين بأن تطيعوهما وتكرموهما وتستجيبوا لمطالبهما التي يرضاها الله، والتي في استطاعتكم أداؤها.

وقد جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين عقب الأمر بتوحيد الله، لأن أحق الناس بالاحترام والطاعة بعد الله- عز وجل- هما الوالدان لأنهما هما السبب المباشر في وجود الإنسان.

ومن الآيات التي قرنت الأمر بالإحسان إلى الوالدين بالأمر بطاعة الله قوله- تعالى-:

وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

وقوله- تعالى-: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

وقوله- تعالى-: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

ومن الأحاديث التي أمرت بالإحسان إلى الوالدين ونهت عن الإساءة إليهما ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين» .

وروى أبو داود والبيهقي عن رجل من بنى سلمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله هل بقي على من بر أبوى شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم. الصلاة عليهما.

والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما» .

وقد جاءت هذه الجملة وهي قوله تعالى وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً في صورة الخبر إلا أن المراد بها الأمر بالإحسان إليهما، ففي الكلام محذوف والتقدير: وأحسنوا بالوالدين إحسانا. فقوله وبالوالدين متعلق بالفعل المقدر.

ثم أمر- سبحانه- بالإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين فقال: وبذي القربى واليتامى والمساكين.

أى وأحسنوا كذلك إلى أقاربكم الذين جمعت بينكم وبينهم رابطة القرابة والنسب، وإلى اليتامى الذين فقدوا الأب الحانى بأن تعطفوا عليهم، وترحموا ضعفهم، وتحسنوا تربيتهم ورعايتهم. وإلى المساكين الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم وضعفهم وعدم وجود ما يقوم بكفايتهم.

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو المسلمين إلى الإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين، ومن ذلك قوله- تعالى- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ.

وقوله- تعالى- وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» ، وروى الشيخان أيضا عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى- أى أشار وفرج بين إصبعيه السبابة والوسطى» .

وروى البخاري وغيره عن صفوان بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل» .

ثم أمر- سبحانه- بالإحسان إلى طائفة أخرى من الناس فقال- تعالى-: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.

والجار ذو القربى: هو الجار الذي قرب جواره. أو هو الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين، فإن له مع حق الجوار حق القرابة.

والجار الجنب: هو الجار الذي بعد جواره عن جوارك من الجنابة ضد القرابة. يقال:

اجتنب فلان فلانا إذا بعد عنه. وقيل هو الجار الذي لا قرابة في النسب بينه وبين جاره، ويقابله الجار ذو القربى.

وقد ساق ابن كثير عند تفسيره لهذه الجملة أكثر من عشرة أحاديث تتعلق بالإحسان إلى الجار ومنها ما رواه الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» .

وروى الترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه. وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» .

والصاحب بالجنب: هو الرفيق في كل أمر حسن: كتعليم أو تجارة أو سفر أو غير ذلك.

قال صاحب الكشاف: «والصاحب بالجنب: هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا في سفر، وإما جارا ملاصقا، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان.

وقيل: الصاحب بالجنب المرأة» وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع عن بلده، ونفد ما في يده من مال يوصله إلى مبتغاه.

والسبيل: الطريق فنسب المسافر إليه لمروره عليه وملابسته له.

ومن الإحسان إليه. إيواؤه وإطعامه ومساعدته بما يوصله إلى موطنه.

والمراد بقوله وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ العبيد الأرقاء الذين ملكت رقابهم، فصاروا ضعاف الحيلة لامتلاك غيرهم لهم.

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم في كثير من الأحاديث ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجة عن على بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل يوصى أمته في مرض موته فيقول:

الصلاة الصلاة. اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» .

وروى الإمام أحمد والنسائي عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة. وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة. وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة. وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة) .

وروى الشيخان عن أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هم إخوانكم خولكم. جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم» وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد أمرت الناس بإخلاص العبادة لله- تعالى-، كما أمرتهم بالإحسان إلى آبائهم وإلى أقاربهم وإلى البائسين والمحتاجين وغيرهم ممن هم في حاجة إلى مدّ يد العون والمساعدة.

وبتنفيذ هذه الوصايا السامية تسعد الإنسانية، وتنال ما تصبو إليه من رقى واستقرار.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً.

والمختال: هو المتكبر المعجب بنفسه: سمى بذلك لأنه يتخيل لنفسه من السجايا والصفات والأفعال ما ليس فيه فيستعلى على الناس ولا يلتفت إليهم.

والفخور: هو الشديد الفخر بما يقول أو يفعل، المكثر من ذكر مزاياه ومناقبه، والمحب لأن يحمد بما لم يفعل.

أى: إن الله لا يحب من كان متكبرا معجبا بنفسه، ومن كان كثير الفخر بما يقول أو يفعل لأن من هذه صفاته لا يقوم برعاية حقوق الناس بل إن غروره ليجعله يستنكف عن الاتصال بهم وإن فخره ليحمله على التطاول عليهم.

والجملة الكريمة علة لكلام محذوف والتقدير: لا تفتخروا ولا تختالوا فإن الله لا يحب من كان متصفا بهذه الصفات القبيحة.

يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له; فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات ، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ، ولا يشركوا به شيئا من مخلوقاته ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " أتدري ما حق الله على العباد ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " ، ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ ألا يعذبهم " ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين ، فإن الله ، سبحانه ، جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود ، وكثيرا ما يقرن الله ، سبحانه ، بين عبادته والإحسان إلى الوالدين ، كقوله : ( أن اشكر لي ولوالديك ) [ لقمان : 14 ] وكقوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] .

ثم عطف على الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء ، كما جاء في الحديث : " الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة " .

ثم قال : ( واليتامى ) وذلك لأنهم قد فقدوا من يقوم بمصالحهم ، ومن ينفق عليهم ، فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم .

ثم قال : ( والمساكين ) وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم ، فأمر الله بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم . وسيأتي الكلام على الفقير والمسكين في سورة براءة .

وقوله : ( والجار ذي القربى والجار الجنب ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( والجار ذي القربى ) يعني الذي بينك وبينه قرابة ، ( والجار الجنب ) الذي ليس بينك وبينه قرابة . وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، وميمون بن مهران ، والضحاك ، وزيد بن أسلم ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة .

وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله : ( والجار ذي القربى ) يعني المسلم ( والجار الجنب ) يعني اليهودي والنصراني رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .

وقال جابر الجعفي ، عن الشعبي ، عن علي وابن مسعود : ( والجار ذي القربى ) يعني المرأة . وقال مجاهد أيضا في قوله : ( والجار الجنب ) يعني الرفيق في السفر .

وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار ، فنذكر منها ما تيسر ، والله المستعان :

الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمر بن محمد بن زيد : أنه سمع أباه محمدا يحدث ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .

أخرجاه في الصحيح من حديث عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، به .

الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .

وروى أبو داود والترمذي نحوه ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن بشير أبي إسماعيل - زاد الترمذي : وداود بن شابور - كلاهما عن مجاهد ، به ثم قال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه وقد روي عن مجاهد عن عائشة وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

الحديث الثالث عنه : قال أحمد أيضا : حدثنا عبد الله بن يزيد ، أخبرنا حيوة ، أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " .

ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله بن المبارك ، عن حيوة بن شريح - به ، وقال : [ حديث ] حسن غريب .

الحديث الرابع : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عباية بن رفاعة عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يشبع الرجل دون جاره " . تفرد به أحمد .

الحديث الخامس : قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري ، سمعت أبا ظبية الكلاعي ، سمعت المقداد بن الأسود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : [ " ما تقولون في الزنا ؟ " قالوا : حرام حرمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لأن يزني الرجل بعشر نسوة ، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره " . قال : ما تقولون في السرقة ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله فهي حرام . قال " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات ، أيسر عليه من أن يسرق من جاره " .

تفرد به أحمد وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " .

الحديث السادس : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا هشام ، عن حفصة ، عن أبي العالية ، عن رجل من الأنصار قال : خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه ، فظننت أن لهما حاجة - قال الأنصاري : لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول القيام ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ، لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام . قال : " ولقد رأيته ؟ " قلت : نعم . قال : " أتدري من هو ؟ " قلت : لا . قال : " ذاك جبريل ، ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه . ثم قال : أما إنك لو سلمت عليه ، رد عليك السلام " .

الحديث السابع : قال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا أبو بكر - يعني المدني - عن جابر بن عبد الله قال : جاء رجل من العوالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يصليان حيث يصلى على الجنائز ، فلما انصرف قال الرجل : يا رسول الله ، من هذا الرجل الذي رأيت معك ؟ قال : " وقد رأيته ؟ " قال : نعم . قال : " لقد رأيت خيرا كثيرا ، هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رئيت أنه سيورثه " .

تفرد به من هذا الوجه وهو شاهد للذي قبله .

الحديث الثامن : قال أبو بكر البزار : حدثنا عبيد الله بن محمد أبو الربيع الحارثي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، أخبرني عبد الرحمن بن الفضل عن عطاء الخراساني ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجيران ثلاثة : جار له حق واحد ، وهو أدنى الجيران حقا ، وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق ، وهو أفضل الجيران حقا ، فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له ، له حق الجوار . وأما الذي له حقان فجار مسلم ، له حق الإسلام وحق الجوار ، وأما الذي له ثلاثة حقوق ، فجار مسلم ذو رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم " .

قال البزار : لا نعلم أحدا روى عن عبد الرحمن بن الفضيل إلا ابن أبي فديك .

الحديث التاسع : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي عمران ، عن طلحة بن عبد الله ، عن عائشة; أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال : " إلى أقربهما منك بابا " .

ورواه البخاري من حديث شعبة ، به .

وقوله : ( والصاحب بالجنب ) قال الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن الشعبي ، عن علي وابن مسعود قالا هي المرأة .

وقال ابن أبي حاتم : وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وإبراهيم النخعي ، والحسن ، وسعيد بن جبير - في إحدى الروايات - نحو ذلك .

وقال ابن عباس ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة : هو الرفيق في السفر . وقال سعيد بن جبير : هو الرفيق الصالح . وقال زيد بن أسلم : هو جليسك في الحضر ، ورفيقك في السفر .

وأما ) ابن السبيل ) فعن ابن عباس وجماعة هو : الضيف .

4

وقال مجاهد ، وأبو جعفر الباقر ، والحسن ، والضحاك ، ومقاتل : هو الذي يمر عليك مجتازا في السفر .

وهذا أظهر ، وإن كان مراد القائل بالضيف : المار في الطريق ، فهما سواء . وسيأتي الكلام على أبناء السبيل في سورة براءة ، وبالله الثقة وعليه التكلان .

وقوله : ( وما ملكت أيمانكم ) وصية بالأرقاء ; لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس ، ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول : " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " . فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا بقية ، حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقه " .

ورواه النسائي من حديث بقية ، وإسناده صحيح ولله الحمد .

وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له : هل أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال : لا . قال : فانطلق فأعطهم ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم " رواه مسلم .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " . رواه مسلم أيضا .

وعنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين ، فإنه ولي حره وعلاجه " .

أخرجاه ولفظه للبخاري ولمسلم فليقعده معه فليأكل ، فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده أكلة أو أكلتين " .

وعن أبي ذر ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هم إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم ، فأعينوهم " . أخرجاه .

وقوله : ( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) أي : مختالا في نفسه ، معجبا متكبرا ، فخورا على الناس ، يرى أنه خير منهم ، فهو في نفسه كبير ، وهو عند الله حقير ، وعند الناس بغيض .

قال مجاهد في قوله : ( إن الله لا يحب من كان مختالا ) يعني : متكبرا ( فخورا ) يعني : يعد ما أعطي ، وهو لا يشكر الله ، عز وجل . يعني : يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه ، وهو قليل الشكر لله على ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي قال : لا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالا فخورا - وتلا ( وما ملكت أيمانكم [ إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ] ) ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا - وتلا ( وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) [ مريم : 32 ] .

وروى ابن أبي حاتم ، عن العوام بن حوشب ، مثله في المختال الفخور . وقال :

حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأسود بن شيبان ، حدثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير قال : قال مطرف : كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه ، فلقيته فقلت : يا أبا ذر ، بلغني أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم : " إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة " ؟ قال : أجل ، فلا إخالني أكذب على خليلي ، ثلاثا . قلت : من الثلاثة الذين يبغض الله ؟ قال : المختال الفخور ، أوليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل ؟ ثم قرأ الآية : ( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) [ النساء : 36 ] .

وحدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب عن خالد ، عن أبي تميمة عن رجل من بلهجيم قال : قلت يا رسول الله ، أوصني . قال : " إياك وإسبال الإزار ، فإن إسبال الإزار من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة " .

القول في تأويل قوله جل ذكره : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وذِلُّوا لله بالطاعة، واخضعوا له بها، وأفردوه بالربوبية، وأخلصوا له الخضوع والذلة، بالانتهاء إلى أمره، والانـزجار عن نهيه، ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكًا تعظمونه تعظيمكم إياه. (98)

=" وبالوالدين إحسانًا "، يقول: وأمركم بالوالدين إحسانًا = يعني برًّا بهما = ولذلك نصب " الإحسان "، لأنه أمر منه جل ثناؤه بلزوم الإحسان إلى الوالدين، على وجه الإغراء. (99)

* * *

وقد قال بعضهم: معناه: " واستوصوا بالوالدين إحسانًا "، وهو قريب المعنى مما قلناه.

* * *

وأما قوله: " وبذي القربى "، فإنه يعني: وأمرَ أيضًا بذي القربى = وهم ذوو قرابة أحدنا من قبل أبيه أو أمه، ممن قربت منه قرابته برحمه من أحد الطرفين (100) إحسانًا بصلة رحمه.

* * *

وأما قوله: " واليتامى "، فإنهم جمع " يتيم "، وهو الطفل الذي قد مات والده وهلك. (101)

* * *

=" والمساكين " وهو جمع " مسكين "، وهو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة، فتمسكن لذلك. (102)

* * *

يقول تعالى ذكره: استوصوا بهؤلاء إحسانًا إليهم، وتعطفوا عليهم، والزموا وصيتي في الإحسان إليهم.

* * *

القول في تأويل قوله : وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار ذي القرابة والرحم منك.

*ذكر من قال ذلك:

9437 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " والجار ذي القربى "، يعني: الذي بينك وبينه قرابة.

9438 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والجار ذي القربى "، يعني: ذا الرَّحم.

9439 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " والجار ذي القربى "، قال: جارك، هو ذو قرابتك.

9440 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله: " والجار ذي القربى "، قالا القرابة.

9441 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " والجار ذي القربى "، قال: جارك الذي بينك وبينه قرابة.

9442 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والجار ذي القربى "، جارك ذو القرابة.

9443 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والجار ذي القربى "، إذا كان له جار له رحم، فله حقَّان اثنان: حق القرابة، وحق الجار.

9444 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " والجار ذي القربى "، قال: الجار ذو القربى، ذو قرابتك.

* * *

وقال آخرون: بل هو جارُ ذي قرابتك.

*ذكر من قال ذلك:

9445 - حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن ميمون بن مهران في قوله: " والجار ذي القربى " قال: الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول قولٌ مخالفٌ المعروفَ من كلام العرب. وذلك أن الموصوف بأنه " ذو القرابة " في قوله: " والجار ذي القربى "،" الجار " دون غيره. فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة. ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل: " وجار ذي القربى "، ولم يُقَل: " والجار ذي القربى ". فكان يكون حينئذ = إذا أضيف " الجار " إلى " ذي القرابة " = الوصية ببرّ جار ذي القرابة، (103) دون الجار ذي القربى. وأما و " الجار " بالألف واللام، فغير جائز أن يكوى " ذي القربى " إلا من صفة " الجار ". وإذا كان ذلك كذلك، كانت الوصية من الله في قوله: " والجار ذي القربى " ببرّ الجار ذي القربى، (104) دون جار ذي القرابة. وكان بينًا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: والجار ذي القربى منكم بالإسلام.

*ذكر من قال ذلك:

9446 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن نَوْف الشامي: " والجار ذي القربى "، المسلم. (105)

* * *

قال أبو جعفر: وهذا أيضًا مما لا معنى له. وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى، غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب الذين نـزل بلسانهم القرآن، المعروفِ فيهم، (106) دون الأنكر الذي لا تتعارفه، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها. وإذا كان ذلك كذلك = وكان معلومًا أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل: " فلان ذو قرابة "، إنما يعني به: إنه قريب الرحم منه، دون القرب بالدين = كان صرفه إلى القرابة بالرحم، أولى من صرفه إلى القرب بالدين.

* * *

القول في تأويل قوله : وَالْجَارِ الْجُنُبِ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه.

*ذكر من قال ذلك:

9447 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " والجار الجنب "، الذي ليس بينك وبينه قرابة.

9448 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والجار الجنب "، يعني: الجار من قوم جنب.

9449 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والجار الجنب "، الذي ليس بينهما قرابة، وهو جار، فله حق الجوار.

9450 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " والجار الجنب "، الجار الغريب يكون من القوم.

9451 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والجار الجنب "، جارك من قوم آخرين.

9452 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والجار الجنب "، جارك لا قرابة بينك وبينه، البعيد في النسب وهو جار.

9453 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله: " والجار الجنب "، قال: المجانب.

9454 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " والجار الجنب "، الذي ليس بينك وبينه رَحمٌ ولا قرابة. (107)

9455 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: " والجار الجنب "، قال: من قوم آخرين.

* * *

وقال آخرون: هو الجار المشرك.

*ذكر من قال ذلك:

9456 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي: " والجار الجنب "، قال: اليهوديّ والنصرانيّ. (108)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: " معنى، الجنب، في هذا الموضع: الغريبُ البعيد، مسلمًا كان أو مشركًا، يهوديًا كان أو نصرانيًا "، لما بينا قبل من أن " الجار ذي القربى "، هو الجار ذو القرابة والرحم. والواجب أن يكون " الجار ذو الجنابة "، الجار البعيد، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم.

* * *

وبعد، فإن " الجُنب "، في كلام العرب: البعيد، كما قال أعشى بني قيس:

أَتَيْــتُ حُرَيْثًـا زَائِـرًا عَـنْ جَنَابَـةٍ

فَكـانَ حُـرَيْثٌ فِـي عَطَـائِي جَـامِدَا (109)

يعني بقوله: " عن جنابة "، عن بعد وغُربة. ومنه، قيل: " اجتنب فلان فلانًا "، إذا بعد منه =" وتجنّبه "، و " جنَّبه خيره "، إذا منعه إياه. (110) ومنه قيل للجنب: " جُنُب "، لاعتزاله الصلاة حتى يغتسل.

فمعنى ذلك: والجار المجانب للقرابة.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى : وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك.

فقال بعضهم: هو رفيق الرجل في سَفره.

*ذكر من قال ذلك:

9457 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني &; 8-341 &; معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " والصاحب بالجنب "، الرفيق.

9458 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان، عن أبي بكير قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: " والصاحب بالجنب "، الرفيق في السفر. (111)

9459 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " والصاحب بالجنب "، صاحبك في السفر.

9460 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والصاحب بالجنب "، وهو الرفيق في السفر.

9461 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والصاحب بالجنب "، الرفيق في السفر، منـزله منـزلك، وطعامه طعامك، ومسيره مسيرك.

9462 - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد: " والصاحب بالجنب "، قالا الرفيق في السفر.

9463 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن جابر، عن عامر، عن علي وعبد الله قالا " الصاحب بالجنب "، الرفيق الصالح.

9464 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني سليم، عن مجاهد قال: " الصاحب بالجنب "، رفيقك في السفر، الذي يأتيك ويده مع يدك.

9465 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، قراءة على ابن جريج قال، أخبرنا سليم: أنه سمع مجاهدًا يقول: " والصاحب بالجنب "، فذكر مثله.

9466 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " والصاحب بالجنب "، الصاحب في السفر.

9467 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو دكين قال، حدثنا سفيان، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير،" والصاحب بالجنب "، الرفيق الصالح.

9468 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير مثله.

9469 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " والصاحب بالجنب "، قال: الرفيق في السفر.

9470 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك مثله.

* * *

وقال آخرون: بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه.

*ذكر من قال ذلك:

9471- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر = أو القاسم = عن علي وعبد الله رضوان الله عليهما: " والصاحب بالجنب "، قالا هي المرأة. (112)

9472 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن جابر، عن علي وعبد الله مثله.

9473 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والصاحب بالجنب "، يعني: الذي معك في منـزلك.

9474 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن هلال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنه قال في هذه الآية: " والصاحب بالجنب "، قال: هي المرأة.

9475 - حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم: " والصاحب بالجنب "، قال: المرأة.

9476 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال الثوري، قال أبو الهيثم، عن إبراهيم: هي المرأة.

9477 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله.

9478 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله.

9479 - حدثني عمرو بن بَيْذَق قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله. (113)

* * *

وقال آخرون: هو الذي يلزمك ويصحبك رَجاء نفعك.

*ذكر من قال ذلك:

9480 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " الصاحب بالجنب "، الملازم = وقال أيضًا: رفيقك الذي يرافقك.

9481 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: " والصاحب بالجنب "، الذي يلصق بك، وهو إلى جنبك، ويكون معك إلى جنبك رجاءَ خيرك ونفعك.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي: أن معنى: " الصاحب بالجنب "، الصاحب إلى الجنب، كما يقال: " فلان بجَنب فلان، وإلى جنبه "، وهو من قولهم: " جَنَب فلانٌ فلانًا فهو يجنُبُه جَنْبًا "، إذا كان لجنبه. (114) ومن ذلك: " جَنَب الخيل "، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض. وقد يدخل في هذا: الرفيقُ في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاءَ نفعه، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريبٌ منه. وقد أوصى الله تعالى بجميعهم، لوجوب حق الصاحب على المصحوب، وقد:-

9482 - حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك، عن فلان بن عبد الله، عن الثقة عنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وسلم في غَيْضِة طرفاء، (115) فقطع قَصِيلين، أحدهما معوجٌّ، والآخر معتدل، (116) فخرج بهما، &; 8-345 &; فأعطى صاحبه المعتدل، وأخذ لنفسه المعوج، فقال الرجل: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أنت أحق بالمعتدل مني! فقال: " كلا يا فلان، إن كل صاحب يصحب صاحبًا، مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهار. (117)

9483 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة قال، حدثني شرحبيل بن شريك، عن أبي عبد الرحمن الحُبُليّ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خير الأصحاب عند الله تبارك وتعالى، خيرهم لصاحبه. وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره. (118)

* * *

قال أبو جعفر: فإذ كان " الصاحب بالجنب "، محتملا معناه ما ذكرناه: (119) من أن يكون داخلا فيه كل من جَنَب رجلا بصحبةٍ في سفر، (120) أو نكاح، أو انقطاع إليه واتصال به = (121) ولم يكن الله جل ثناؤه خصّ بعضَهم مما احتمله ظاهر التنـزيل &; 8-346 &; = (122) فالصواب أن يقال: جميعهم معنيّون بذلك، وكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه. (123)

* * *

القول في تأويل قوله : وَابْنِ السَّبِيلِ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: " ابن السبيل "، هو المسافر الذي يجتاز مارًا.

*ذكر من قال ذلك:

9484 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة = وابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وابن السبيل "، هو الذي يمر عليك وهو مسافر.

9484م - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقتادة مثله.

9485 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " وابن السبيل "، قال: هو المارُّ عليك، وإن كان في الأصل غنيًّا.

* * *

وقال آخرون: هو الضيف.

*ذكر من قال ذلك:

9486 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن &; 8-347 &; ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وابن السبيل "، قال: الضيف، له حق في السفر والحضر.

9487 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وابن السبيل "، وهو الضيف.

9488 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: " وابن السبيل "، قال: الضيف.

9489 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك مثله.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن " ابن السبيل "، هو صاحب الطريق = و " السبيل ": هو الطريق، وابنه: صاحبه الضاربُ فيه (124) = فله الحق على من مرّ به محتاجًا منقطَعًا به، إذا كان سفره في غير معصية الله، أن يعينه إن احتاج إلى معونة، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة، وأن يحمله إن احتاج إلى حُمْلان. (125)

* * *

القول في تأويل قوله : وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والذين ملكتموهم من أرقائكم = فأضاف " الملك " إلى " اليمين "، كما يقال: " تكلم فوك "، و " مشَتْ رجلك "، و " بطشت يدك "، بمعنى: تكلمتَ، ومشيتَ، وبطشتَ. غير أن ما وصف به كل &; 8-348 &; عضو من ذلك، فإنما أضيف إليه ما وُصف به (126) لأنه بذلك يكون، في المتعارف في الناس، دون سائر جوارح الجسد. فكان معلومًا = بوصف ذلك العضو بما وصف به من ذلك = المعنى المراد من الكلام. فكذلك قوله: " وما ملكت أيمانكم "، لأن مماليك أحدنا تحت يديه، (127) إنما يَطعم ما تُناوله أيماننا، ويكتسي ما تكسوه، (128) وتصرِّفه فيما أحبَّ صرفه فيه بها. فأضيف ملكهم إلى " الأيمان " لذلك.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9490 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وما ملكت أيمانكم "، ممّا خوّلك الله. كل هذا أوصى الله به.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما يعني مجاهد بقوله: " كل هذا أوصى الله به "، الوالدين، وذا القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذا القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل. فأوصى ربنا جل جلاله بجميع هؤلاء عبادَه إحسانًا إليهم، وأمر خلقه بالمحافظة على وصيته فيهم. فحقٌّ على عباده حفظ وصية الله فيهم، ثم حفظ وصية رسوله صلى الله عليه.

* * *

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا (36)

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " إن الله لا يحبّ من كان مختالا "، إن الله لا يحب من كان ذا خُيَلاء.

و " المختال: " المفتعل "، من قولك: " خال الرجل فهو يخول خَوْلا وخَالا "، (129) ومنه قول الشاعر: (130)

فَـــإنْ كُــنْتَ سَــيِّدَنَا سُــدْتَنَا

وإنْ كُــنْتَ لِلْخَــالِ فَـاذْهَبْ فَخُـلْ (131)

ومنه قول العجاج:

وَالْخَالُ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْجُهَّالْ (132)

وأما " الفخور "، فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما أتاه من طَوْله، ولكنه به مختال مستكبر، وعلى غيره به مُسْتطيل مفتخر. كما:-

9491 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " إن الله لا يحب من كان مختالا "، قال: متكبرًا، =" فخورا "، قال: يعدّ ما أُعطي، وهو لا يشكر الله.

9492 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهرويّ قال: لا تجد سيِّئ الملِكة إلا وجدته مختالا فخورًا. (133) وتلا " وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا " = ولا عاقًّا إلا وجدته جبارًا شقيًا. وتلا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [سورة مريم: 32]

---------------------

الهوامش :

(98) انظر تفسير"عبد" فيما سلف 1: 160 ، 161 ، 362 / 3: 120 ، 317 / 6: 488.

(99) انظر تفسير"وبالوالدين إحسانًا" فيما سلف 2: 290-292.

(100) انظر تفسير"ذي القربى" فيما سلف 2: 292 / 3: 344.

(101) انظر تفسير"اليتامى" فيما سلف 2: 292 / 3: 345 / 4: 295 / 7: 524 ، 541.

(102) انظر تفسير"المساكين" فيما سلف 2: 137 ، 293 / 3: 345 / 4: 295 / 7: 116.

(103) في المخطوطة والمطبوعة: "الوصية بين جار ذي القرابة" ، وهو كلام لا معنى له ، وهو تصحيف وتحريف ، صوابه ما أثبت.

(104) في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا: "بين الجار ذي القربى" ، وهو خطأ وتصحيف كما أسلفت.

(105) الأثر: 9446 -"نوف الشامي" ، هو: نوف بن فضالة الحميري البكالي ، مضت ترجمته برقم: 3965 ، وسيأتي في رقم: 9456.

(106) "المعروف" بالكسر ، صفة لقوله: "إلى الأغلب". وفي المطبوعة: "المعروف وفيهم" ، وهو خطأ في الطباعة ولا شك.

(107) في المطبوعة: "... وجه ولا قرابة" ، وهو لا معنى له ، والصواب من المخطوطة.

(108) الأثر: 9456 -"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، مضت ترجمته برقم: 5796 ، وهو يروي عن سفيان الثوري ، وعن شيبان بن عبد الرحمن التميمي. وقد جاء في هذا الإسناد في المطبوعة"شيبان ، عن أبي إسحاق" ، وكذلك هو في المخطوطة ، ولكنه كتب"شيبان" كتابة سيئة ، كتابة شاك في قراءتها. وقد سلف في الإسناد رقم: 9446 قريبًا"سفيان ، عن أبي إسحاق" واضحة جدًا في المخطوطة ، فرجحتها لذلك ، وأثبتها هنا. وانظر التعليق على الأثر: 9446.

(109) ديوانه: 49 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 126 ، الكامل 2: 26 ، وسيأتي في التفسير 20: 26 (بولاق) من قصيدة هجا فيها الحارث بن وعلة بن مجالد بن زبان الرقاشي ، وكان جاء يسأله فقال له: "ولا كرامة!! ألست القائل:

أَلا مَــنْ مُبْلِــغٌ عَنِّــي حُرَيْثًــا

مُغَلْغَلَـــةً? أَحَـــانَ أَمِ ادَّرَانَــا?

تهجوني وتصغرني ، ثم تسألني!! = فكان مما قال له بعد البيت السالف ، فأوجعه:

لَعَمْـرُكَ مَـا أَشْـبَهْتَ وَعْلَةَ فَي النَّدَى

شَـــمَائِلَهُ، وَلا أَبـــاهُ المُجَــالِدَا

إذَا زَارَهُ يَوْمًــا صَــدِيقٌ، كأنَّمــا

يَــرَى أُسُــدًا فِـي بَيْتِـهِ وَأَسَـاوِدَا

في شعر كثير ، و"حريث" تصغير"الحارث" ، تصغير ترخيم ، وقياسه"حويرث". ورجل"جامد الكف ، وجماد الكف": بخيل لا تلين صفاته. وكان في المطبوعة هنا: "جاهدا" وهو خطأ ، وفي الموضع الآخر من التفسير: "جاحدا" وهو خطأ أيضًا. وروى هنا: في عطائي" ، وروايته في التفسير 20: 26"عن عطائي" وهي المطابقة لرواية المراجع السالفة جميعًا ، ولا بأس بها.

(110) في المطبوعة: "وتجنبه خيره" ، أسقط: "وجنبه" بين الكلامين ، ففسد السياق ، والصواب من المخطوطة.

(111) الأثر: 9458 -"أبو بكير التيمي" ، مؤذن لتيم ، واسمه"مرزوق". روى عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد. وروى عنه ليث بن أبي سليم ، وإسرائيل ، وسفيان الثوري ، وشريك. مترجم في التهذيب.

وكان في المطبوعة: "أبو بكر" وهو خطأ ، صوابه ما أثبت من المخطوطة. وسيأتي على الصواب في رقم: 9467 ، 9468.

(112) قوله: "رضوان الله عليهما" ، زيادة من المخطوطة.

(113) الأثر: 9479 -"عمرو بن بيذق" (بالذال المعجمة) هكذا في المخطوطة ، شيخ الطبري ، لم أعرف له ترجمة ، وقد روى عنه في كتاب تاريخ الصحابة والتابعين ، الملحق بالتاريخ ص: 86 ، وكتبه هناك"عمرو بين بيدق" بالدال المهملة ، وكأن الأول أصح.

(114) هذا النص من تفسير اللغة ، قلما تجده في كتاب من كتب اللغة.

(115) "الغيضة" ، مكان يجتمع فيه الماء ويفيض ، فينبت فيه الشجر ويلتف ، والجمع"غياض". و"الطرفاء" من شجر العضاء ، وهدبه مثل هدب الأثل ، وليس له خشب ، إنما يخرج عصيًا سمحة في السماء ، وقد تتحمض به الإبل ، إذا لم تجد حمضًا غيره.

(116) في المطبوعة: "فصيلين" بالفاء ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة: "فصيلين" غير منقوطة ، وفي الدر المنثور: "فصلين" وليس لها معنى. و"القصيل" بالقاف: ما اقتصل (أي: اقتطع) من الزرع أخضر ، ومنه: "القصيل" وهو الذي تعلف به الدواب. يقال: "قصل الدابة" ، أي: علفها القصيل.

(117) الأثر: 9482 -"سهل بن موسى الرازي" انظر ما كتبت عنه برقم: 4319 ، وقبله رقم: 180. وأما "ابن أبي فديك" فهو: محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ، مضت ترجمته برقم: 4319. وهذا الأثر على إرساله ضعيف ، لجهالة من روى عنهم ابن أبي فديك. ولم أجده إلا في الدر المنثور 2: 159 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.

(118) الأثر: 9483 - رواه أحمد في مسنده رقم: 6566 من طريق عبد الله بن يزيد ، عن حيوة وابن لهيعة ، بمثله ، والحاكم في المستدرك 4: 164 ، والترمذي: 3: 129 ، من طريق عبد الله بن المبارك ، كرواية الطبري. قال أخي السيد أحمد: "إسناده صحيح".

و"أبو عبد الرحمن الحبلي" ، هو: عبد الله بن يزيد المعافري ، مضت ترجمته برقم: 6657.

(119) في المطبوعة: "وإن كان الصاحب بالجنب معناه ما ذكرناه" ، أسقط"محتملا" ، لأنها كتبت في المخطوطة"متصلا" مختلطة الكتابة ، فلم يحسن قراءتها فحذفها ، مع أن الكلام لا يستقيم إلا بها. أما ما كان في المطبوعة والمخطوطة من قوله: "وإن كان" ، فهو خطأ محض لا تستقيم به الجملة ، صوابه ما أثبت: "فإذ كان".

(120) في المطبوعة: "يصحبه في سفر" ، وهو خطأ معرق يختل به سياق الكلام. وهو في المخطوطة غير منقوط ، وصواب قراءته ما أثبت.

(121) قوله: "ولم يكن الله" معطوف على قوله: "فإذ كان الصاحب".

(122) قوله"فالصواب" ، جواب قوله: "فإذ كان الصاحب... فالصواب أن يقال".

(123) في المطبوعة: "وبكلهم قد أوصى..." ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب ما أثبت.

(124) انظر تفسير"ابن السبيل" فيما سلف 3: 345-347 / 4: 295 = وتفسير"السبيل" في 2: 497 ، وسائر فهارس اللغة.

(125) "الحملان" (بضم الحاء وسكون الميم): ما يحمل عليه من الدواب.

(126) في المطبوعة: "ما وصفت به" في الموضعين ، والصواب من المخطوطة.

(127) في المطبوعة: "يده" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(128) في المطبوعة: "ونكسي ما يكسوه" ، وهو خطأ صوابه من المخطوطة ، وأفعال هذه الجملة إلى آخرها غير منقوطة في المخطوطة ، فأساء ناشر المطبوعة وضع النقط عليها ، فاختل معناها ، فقد كان فيها: " ... نطعم ... ونكسي ... ونصرفه" ، والصواب ما أثبت.

(129) هذا أحد وجهي الكلام ، والآخر: "خال يخال خيلا وخالا" ، بالياء ، ورجحه بعضهم لأنه من"الخيلاء".

(130) هو أنس بن مساحق العبدي ، رجل من عبد القيس.

(131) حماسة أبي تمام 1: 133 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 127 ، واللسان (خيل). وقبل البيت:

أَلا أبْلِغَــــا خُـــلَّتِي رَاشِـــدًا

قَدِيمًــا، وصِنْــوِي إذَا مـا تَصِـلْ

بِــأَنَّ الــدَّقِيقَ يَهِيــجُ الْجَــلِيلَ

وَأَنَّ الْعَزِيــــزَ لإذا سَــــاءَ ذَلْ

وَأَنَّ الْحَزَامَــــةَ أَنْ تَصْرِفُـــوا

لِحَــيٍّ سِــوَانَا صُــدُورَ الأسَـلْ

وتقول في البيت"فخل" بضم الخاء وبفتحها ، أي: اذهب فاختل ما شاءت لك الخيلاء.

(132) وَالدَّهْــرُ فِيــهِ غَفْلَــةٌ لِلْغُفَّــالْ

وَالْمَــرْءُ يُبْلِيــهِ بَــلاء السِّـرْبالْ

كَــرُّ الَّليَـالِي وَاخْـتِلافُ الأحْـوَالْ

وكان في المطبوعة: "ثياب الجمال" ، وهو تصحيف ، صوابه في المخطوطة.

(133) "الملكة" (بفتح الميم واللام) و(بكسر الميم وسكون اللام) ، وهو الذي يسيء إذا ملك شيئًا ، فتجبر وتغطرس ، وفي الحديث: "لا يدخل الجنة سيئ الملكة" ، وهو الذي يسيء إلى مماليكه أو إلى ما يقع تحت سلطانه.

التدبر :

وقفة
[36] جاءت عقود كثيرة في سورة النساء منها: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [4]، ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [33]، ﴿وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ﴾ [43]، ثم قال جلَّ شأنه في مستهل سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]؛ تناسب بديع.
لمسة
[36] ﴿وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (شَيْئًا) فيها دلالتان: إما (شَيْئًا) من الشرك؛ لأن الشرك هو درجات، هناك شرك أصغر وشرك أكبر كما أن الإيمان درجات، أو (شَيْئًا) من الأشياء، كل شيء سواء كان أحدًا من الناس أو الأصنام أو غيره.
وقفة
[36] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان، والتزام البر والطاعة له والإذعان؛ من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره؛ وهما الوالدان.
وقفة
[36] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ من أعظم الحقوق في هذه الدنيا: حق الوالدين؛ فالإحسان إليهما يعني الجنة بفضل الله ورحمته، فهنيئًا هنيئًا لمن أدرك والديه وأحسن برَّهما.
لمسة
[36] الفعل أحسن ومصدره الإحسان يتعدَّى بحرف الجر (إلى)، فنقول: أحسن إلى فلان، ولكن عبَّر هنا بالباء في قوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، فالإحسان إذا عُدِّي بالباء كان متعلقًا بمعاملة الذات، أي ذات الأبوين روحًا وجسدًا، وتوقيرهما، واحترامهما، والنزول عند رغبتهما، وامتثال أمرهما، وكأنه يقول: بِرّ بوالديك، وهذا ما نوَّهت له الآية، أما تعديته بـ (إلى) فذاك يكون عند قصد إيصال النفع المالي، ولذلك قال تعالى لقارون: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: 77].
عمل
[36] وَصَّاك الله بجمعٍ من الناس؛ فاحرص على تنفيذ وصية الله فيهم ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾.
عمل
[36] ادع الله تعـالى لـوالديك وجيرانـك؛ فهو من أعظـم الإحسـان إليـهم ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ ...﴾.
اسقاط
[36] أبعد الناس عن الصلة والرحمة: أهل الكبر، تأمل قوله: ﴿وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ﴾، وختم الآية بقوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾.
وقفة
[36] ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ قال السعدي: يعم كل الأصحاب.
وقفة
[36] ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ على الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه من: مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له، والوفاء معه في السر والعسر، وأن يحب له ما يحب لنفسه.
وقفة
[36] ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ حين نحسن لأصدقائنا فنحن في عبادة لله.
وقفة
[36] ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.
وقفة
[36] ذكر الله المأمورين بالإحسان إليهم، وقال: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ ، وهذا يعم كل مصاحب، وفسره طائفة بالرفيق في السفر، ولم يريدوا إخراج الصاحب الملازم في الحضر، وإنما أرادوا أن مجرد صحبة السفر -على قصرها- تكفي؛ فالصحبة الدائمة في الحضر أولى.
وقفة
[36] أمَرَ اللهُ في كتابه بالإحسان إلى: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ وهو: الرفيق الذي يلازم الإنسان ويكون إلى جنبه، مثل: رفيق السفر، وزميل العمل، والصاحب في طلب العلم، وهذا تأكيدٌ لحقِّ الصاحب على المصحوب.
لمسة
[36] ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ سمي المسافر البعيد عن منزله الذي ضاقت به السبل (ابن السبيل)؛ لأنه لازم الطريق سائرًا مسافرًا فنُسب إليه، وإذا ما دخل قبيلة عرفوه أنه ابن السبيل؛ لأن الطريق رمى به إليهم.
اسقاط
[36] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ هب أن العالم كله ضج بامتيازاتك ومفاخرك التي تتغنى بها، ماذا إن كان الله لا يحبك؟!
وقفة
[36] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ والفخر: المدح للنفس والتطاول وتعديد المناقب.
تفاعل
[36] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
عمل
[36] الفخر والخيلاء ليسا من أوصاف المسلمين؛ فابتعد عنهما ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾.
وقفة
[36] ﴿مُخْتَالًا﴾ معجبًا بنفسه متكبرًا على الخلق، ﴿فَخُورًا﴾ يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله.
وقفة
[36، 37] التحذير من ذميم الأخلاق، كالكبر والتفاخر والبخل وكتم العلم وعدم تبيينه للناس.
وقفة
[36، 37] ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُختالًا فَخورًا * الَّذينَ يَبخَلونَ﴾ فخور متكبر على شحه وبخله؟! شاهت الوجوه.

الإعراب :

  • ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ:
  • الواو: عاطفة. اعبدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً:
  • الواو: حرف عطف. لا: ناهية جازمة. تشركوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة. به: جار ومجرور متعلق بلا تشركوا شيئا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً:
  • الواو: عاطفة بالوالدين جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره «أحسنوا» وعلامة جر الاسم: الياء لأنه مثنى والنون عوض عن تنوين المفرد. إحسانا: مصدر الفعل المقدر «أحسنوا» مفعول مطلق منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَبِذِي الْقُرْبى:
  • معطوف بواو العطف على «الوالدين» مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الخمسة. القربى: مضاف اليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ:
  • أسماء معطوفة بواوات العطف على «الوالدين» مجرورة بالكسرة ومنع من ظهور الكسرة على «الْيَتامى» التعذر.
  • ﴿ ذِي الْقُرْبى:
  • ذي صفة للجار مجرورة بالياء لأنها من الاسماء الخمسة القربى: سبق إعرابها.
  • ﴿ وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ:
  • أسماء معطوفة بواوات العطف على «الوالدين» مجرورة بالكسرة. الجنب: صفة للجار مجرورة مثله بالكسرة. بالجنب: جار ومجرور متعلق بالصاحب أو بصفة محذوفة منه. السبيل: مضاف اليه مجرور بالكسرة أي الجار القريب والجار البعيد.
  • ﴿ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:
  • الواو: عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بحرف جرّ مقدر. ملكت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة. أيمانكم: فاعل مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وجملة «مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» صلة الموصول لا محل لها و «ما مَلَكَتْ» بتقدير وأحسنوا بما ملكت أيمانكم أي الأرقاء.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. لا: نافية لا عمل لها. يحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «لا يُحِبُّ وما تلاها» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً:
  • اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مفعول به. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. مختالا: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة. فخورا: صفة لمختالا منصوبة مثلها بالفتحة وجملة «كانَ مُخْتالًا فَخُوراً» صلة الموصول لا محل لها. '

المتشابهات :

البقرة: 83﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
النساء: 36﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى والجار الجنب والصاحب
الأنعام: 151﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ
الإسراء: 23﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     ولَمَّا أمرَ اللهُ عز وجل كلَّ واحدٍ من الزَّوجينِ بالمعامَلةِ الحسَنةِ معَ الآخَرِ؛ نبَّه هنا على الإحسانِ إلى الوالدينِ والأقاربِ واليتامى والمساكينِ والجيرانِ، والأرقَّاءِ، بعد الأمر بتوحيد الله، قال تعالى:
﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا

القراءات :

وبالوالدين إحسانا:
قرئ:
وبالوالدين إحسان، بالرفع، مبتدأ وخبر، فيه ما فى المنصوب من معنى الأمر، وهى قراءة ابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [37] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ..

التفسير :

[37] الذين يمتنعون عن الإنفاق والعطاء مما رزقهم الله، ويأمرون غيرهم بالبخل، ويجحدون نِعَمَ الله عليهم، ويخفون فضله وعطاءه. وأعددنا للجاحدين عذاباً مخزياً.

{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} أي:يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة.{ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} بأقوالهم وأفعالهم{ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي:من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين، فلهذا قال تعالى:{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} أي:كما تكبروا على عباد الله ومنعوا حقوقه وتسببوا في منع غيرهم من البخل وعدم الاهتداء، أهانهم بالعذاب الأليم والخزي الدائم. فعياذًا بك اللهم من كل سوء.

وقوله الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ يدل من قوله مُخْتالًا فَخُوراً أى: أن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ولا يحب الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل.

ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله مبغضون من الله أو أحقاء لكل ما ينزل بهم من عذاب.

وحذف لتذهب نفس السامع فيه كل مذهب. ودل على هذا الخبر المحذوف قوله: وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.

ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا على الذم. إلى غير ذلك مما ذكروه في وجوه إعراب هذه الآية الكريمة.

والمعنى: أن الله- تعالى- لا يحب هؤلاء المختالين والفخورين، ولا يحب كذلك الذين لا يكتفون بالبخل بأموالهم عن إنفاق شيء منها في وجوه الخير مع أن بخلهم هذا مفسدة عظيمة. بل يأمرون غيرهم بأن يكونوا بخلاء مثلهم، وأن يسلكوا مسلكهم الذميم.

قال صاحب الكشاف: أى يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدى غيرهم. فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد منه السخاء. وفي أمثال العرب أبخل من الضنين بنائل غيره.

ثم قال: ولقد رأينا ممن بلى بداء البخل، من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد، شخص به، أى قلق وضجر، وحل حبوته واضطرب ودارت عيناه في رأسه. كأنما نهب رحله، وكسرت خزائنه ضجرا من ذلك وحسرة على وجوده» .

وقوله: وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم الكثيرة أى:

أنهم يبخلون بما في أيديهم ويأمرون غيرهم بذلك، ويكتمون ويخفون نعم الله التي أعطاها لهم فلا يظهرونها سواء أكانت هذه النعم نعما مالية أم علمية أم غير ذلك من نعم الله عليهم.

وقوله- تعالى- وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً بيان للمصير السيئ الذي يصيرون إليه بسبب أفعالهم القبيحة.

أى: وهيأنا لهؤلاء الجاحدين لنعم الله الكافرين بوحيه عذابا يهينهم ويذلهم وينسيهم ما كانوا فيه من فخر وخيلاء وغرور.

قال الآلوسى ما ملخصه: ووضع- سبحانه- المظهر موضع المضمر للإشعار بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله، ومن كان كافرا لنعمه فله عذاب يهينه كما أهان النعم بالبخل والإخفاء.

وسبب نزول هذه الآية أن جماعة من اليهود كانوا يأتون رجالا من الأنصار فيقولون لهم:

لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون. فأنزل الله قوله- تعالى- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ إلى قوله: وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً.

وقيل نزلت في الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبخلوا بحق الله عليهم وهم أعداء الله- تعالى- أهل الكتاب .

يقول تعالى ذاما الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به - من بر الوالدين ، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين ، والجار ذي القربى ، والجار الجنب ، والصاحب بالجنب ، وابن السبيل ، وما ملكت أيمانكم من الأرقاء - ولا يدفعون حق الله فيها ، ويأمرون الناس بالبخل أيضا . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأي داء أدوأ من البخل ؟ " . وقال : " إياكم والشح ، فإنه أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا " .

وقوله : ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) فالبخيل جحود لنعمة الله عليه لا تظهر عليه ولا تبين ، لا في أكله ولا في ملبسه ، ولا في إعطائه وبذله ، كما قال تعالى : ( إن الإنسان لربه لكنود . وإنه على ذلك لشهيد ) [ العاديات : 6 ، 7 ] أي : بحاله وشمائله ، ( وإنه لحب الخير لشديد ) [ العاديات : 8 ] وقال هاهنا : ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) ولهذا توعدهم بقوله : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) والكفر هو الستر والتغطية ، فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها ، فهو كافر لنعم الله عليه .

وفي الحديث : " إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه " وفي الدعاء النبوي : " واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك قابليها - ويروى : قائليها - وأتممها علينا " .

وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم ، من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك ; ولهذا قال : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) رواه ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . وقاله مجاهد وغير واحد .

ولا شك أن الآية محتملة لذلك ، والظاهر أن السياق في البخل بالمال ، وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى ; فإن سياق الكلام في الإنفاق على الأقارب والضعفاء ،وكذا الآية التي بعدها ، وهي قوله :

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لا يحب المختال الفخور، الذي يبخل ويأمر الناسَ بالبخل.

= فـ" الذين " يحتمل أن يكون في موضع رفع، ردًّا على ما في قوله: " فخورًا "، من ذِكرٍ = (134) ويحتمل أن يكون نصبًا على النعت ل " مَنْ".

و " البخل " في كلام العرب: منع الرجل سائله ما لديه وعنده ما فضل عنه، (135) كما:-

9493 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل "، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه =" والشح ": أن يشٍح على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحِلِّ والحرام، لا يقنع.

واختلفت القرأة في قراءة قوله: " ويأمرون الناس بالبخل ".

* * *

فقرأته عامة قرأة أهل الكوفة: " بِالْبَخَلِ" بفتح " الباء " و " الخاء ".

وقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين بضم " الباء ": " بِالْبُخْلِ".

قال أبو جعفر: وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد، وقراءتان معروفتان غير مختلفتي المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في قراءته.

* * *

وقد قيل إن الله جل ثناؤه عنى بقوله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل "، الذين كتموا اسمَ محمد صلى الله عليه وسلم وصفته من اليهود ولم يبينوه للناس، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.

*ذكر من قال ذلك:

9494 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم &; 8-352 &; الله من فضله "، قال: هم اليهود، بخلوا بما عندهم من العلم وكَتَموا ذلك.

9495 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " إلى قوله: وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا ، ما بين ذلك في يهود.

9496 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

9497 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل "، وهم أعداءُ الله أهلُ الكتاب، بخلوا بحقّ الله عليهم، وكتموا الإسلام ومحمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.

9498 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل "، فهم اليهود =" ويكتمون ما آتاهم الله من فضله "، اسمَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم = (136) وأما: " يبخلون ويأمرون الناس بالبخل "، يبخلون باسم محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرُ بعضهم بعضًا بكتمانه.

9499 - حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال، حدثني أبو جعفر الرازي قال، حدثنا يحيى، عن عارم، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، في قوله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل "، قال: هذا للعلم، ليس للدنيا منه شيء.

9500 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل "، قال: هؤلاء يهود. وقرأ: " ويكتمون ما آتاهم الله من فضله "، قال: يبخلون بما آتاهم الله من الرزق، ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب. إذا سئلوا عن الشيء وما أنـزل الله كتموه. وقرأ: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [سورة النساء: 53] من بخلهم.

9501 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان كَرْدَم بن زيد، حليفُ كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبَحْريّ بن عمرو، وحُيَيّ بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالا من الأنصار، = وكانوا يخالطونهم، ينتصحون لهم = من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون! فأنـزل الله فيهم: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله "، أي: من النبوة، (137) التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم =" وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا "، إلى قوله: وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا . (138)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الآية على التأويل الأول: والله لا يحبّ ذوي الخُيلاء &; 8-354 &; والفخر، الذين يبخلون بتبيين ما أمرهم الله بتبيينه للناس، من اسم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته التي أنـزلها في كتبه على أنبيائه، وهم به عالمون = ويأمرون الناس الذين يعلمون ذلك مثل علمهم، بكتمان ما أمرهم الله بتبيينه له، ويكتمون ما آتاهم الله من علم ذلك ومعرفته مَنْ حرّم الله عليه كتمانه إيّاه.

* * *

وأما على تأويل ابن عباس وابن زيد: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا ، الذين يبخلون على الناس بفضل ما رزقهم الله من أموالهم، ثم سائر تأويلهما وتأويل غيرهما سواء.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما قاله الذين قالوا: إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية، بالبخل بتعريف من جهل أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم أنه حقّ، وأنّ محمدًا لله نبيّ مبعوث، وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بيّنه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه. فبخل بتبيينه للناس هؤلاء، وأمروا من كانت حاَله حالَهم في معرفتهم به: أن يكتموه من جَهِل ذلك، ولا يبيِّنوه للناس.

وإنما قلنا: هذا القول أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل، ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمرُ الناس بالبخل ديانةً ولا تخلُّقًا، بل ترى ذلك قبيحًا وتذمَّ فاعله؛ (139) وَتمتدح - وإن هي تخلَّقَت بالبخل واستعملته في أنفسها - بالسخاء والجود، (140) وتعدُّه من مكارم &; 8-355 &; الأفعال وتحثُّ عليه. ولذلك قلنا: إنّ بخلهم الذي وصفهم الله به، إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه، دون البخل بالأموال = إلا أن يكون معنى ذلك: الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وُسُبله، ويأمرون الناس من أهل الإسلام بترك النفقة في ذلك. فيكون بخلهم بأموالهم، وأمرهم الناس بالبخل، بهذا المعنى (141) - على ذكرنا من الرواية عن ابن عباس - فيكون لذلك وجه مفهومٌ في وصفهم بالبخل وأمرِهم به.

* * *

القول في تأويل قوله : وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)

قال أبو جعفر: يعني: بذلك جل ثناؤه: " وأعتدنا "، وجعلنا للجاحدين نعمة الله التي أنعم بها عليهم، (142) من المعرفة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، المكذبين به بعد علمهم به، الكاتمين نعته وصفته مَنْ أمرَهم الله ببيانه له من الناس =" عذابًا مهينًا "، يعني: العقابَ المذلّ مَن عُذِّب بخلوده فيه، (143) عَتادًا له في آخرته، إذا قَدِم على ربه وَجدَه، بما سلف منه من جحوده فرضَ الله الذي فرضَه عليه. (144)

* * *

---------------

(134) في المطبوعة: "من ذم" ، ولا معنى له البتة. والصواب من المخطوطة ، والمراد بقوله: "ذكر" ، الضمير ، وقد رد هذا الوجه أبو حيان في تفسيره 3: 247 ، ولم ينسبه للطبري.

(135) في المطبوعة والمخطوطة: "من فضل عنه" ، وكأن الصواب المحض ما أثبت. وتفسير"البخل" هذا قلما تصيبه في كتب اللغة.

(136) في المطبوعة: "أو: يبخلون..." ، وأثبت ما في المخطوطة.

(137) في ابن هشام: "أي: من التوراة" ، وهي أجود الروايتين ، إن لم تكن هذه التي هنا من سهو الناسخ. ولكني خشيت أن يكون لها وجه ، فتركتها.

(138) الأثر: 9501 - رواه ابن هشام عن ابن إسحاق في سيرته 2: 208 ، 209 ، وهو تابع الآثار التي آخرها: 8338 فيما مضى قديمًا.

أما "كردم بن زيد" فإنه في سيرة ابن هشام: "كردم بن قيس" ، وهو المذكور في سيرة ابن هشام 2: 160 ، أيضًا أنه حليف كعب بن الأشرف ، من بني النضير. أما "كردم بن زيد" في رواية الطبري عن ابن إسحاق ، فقد ذكره ابن هشام في سيرته 2: 162 ، وعده من بني قريظة. هذا ، والذين ذكرهم في هذا الأثر من اليهود منسوبون في سيرة ابن هشام ، وهذه نسبتهم: "كردم بن قيس" و"حيي بن أخطب" من بني النضير = و"كردم بن زيد" ، وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، من بني قريظة = وبحري بن عمرو ، ورفاعة بن زيد بن التابوت ، من بني قينقاع.

(139) في المطبوعة: "ويذم فاعله" بالياء ، وهو خطأ في قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة ، واستتبع هذا الخطأ من ناشر المطبوعة أن يغير ما كان في المخطوطة ، إذا اختلطت معاني الكلام عليه ، كما سترى.

(140) في المطبوعة: "ولا يمتدح... فالسخاء ، تعده..." ، لما أخطأ في قراءة الكلمة السالفة ، غير ما في المخطوطة كل التغيير زاد"لا" في"ويمتدح" ، وجعل"بالسخاء""فالسخاء" ، وجعل"وتعده" ، "تعده" بحذف الواو = أراد أن تستقيم العبارة ففسدت فسادًا مطلقًا بلا قيد ولا شرط!!

هذا ، وسياق الجملة: "بل ترى ذلك قبيحًا وتذم فاعله ، وتمتدح... بالسخاء والجود ، وتعده من مكارم الأخلاق" ، وأتى بقوله: "وإن هي تخلقت بالبخل ، واستعملته في أنفسها" ، اعتراضًا.

(141) في المطبوعة والمخطوطة"فهذا المعنى" ، والصواب ما أثبته ، وسياقه: فيكون بخلهم بأموالهم... بهذا المعنى...

(142) انظر تفسير: "أعتدنا" فيما سلف 8: 103.

(143) انظر تفسير: "المهين" فيما سلف 2: 347 ، 348 / 7: 423 / 8: 72.

(144) في المطبوعة: "وآخذه بما سلف..." والصواب ما في المخطوطة ، فإن أول هذه الجملة"إذا قدم على ربه ، وجد..." ، وهو تفسير"العتاد".

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[37] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ فيه تحريم البخل وهو منع أداء الواجب, وتحريم كتم العلم وما أنعم الله به على العبد، وتحريم الرياء.
وقفة
[37] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ أي يحضون الناس عليه، وهذا أشد البخل، وهؤلاء هم المنافقون، ويحتمل أن يراد به كتمان التوراة بما فيها من صفة النبي ﷺ ، وعلى هذا يكون المراد هنا اليهود، وهو المأثور عن ابن عباس.
وقفة
[37] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ عجبًا ممن لم يكتفِ بالبخل على نفسه، بل يأمر الناس بالبخل!
وقفة
[37] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ قد تأولت في البخل بالمال والبخل بالعلم ونحوه، وهي تعم البخل بكل ما ينفع في الدين والدنيا من علم ومال وغير ذلك، كما تأولوا قوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الأنفال: 3]، النفقة من المال والنفقة من العلم، والنفقة من العلم هي صدقة الأنبياء وورثتهم من العلماء.
وقفة
[37] ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ البخل لا يقتصر بالمال، بل بالعلم والنصح، وبكل ما ينفع؛ فلا تبخل بشيء.
وقفة
[37] البخل من الصفات المذمومة في المرء، وتزداد المذمة إذا كان البخيل آمرًا لغيره بالبخل ﴿ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ﴾.
عمل
[37] لا تبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا تكون من ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾.
اسقاط
[37] يا من أكرمك الله بعلم أو رزق: احذر أن تكون ممن قيل فيهم: ﴿ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾.
تفاعل
[37] ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ استعذ بالله من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدل من قوله تعالى «مَنْ كانَ» في الآية الكريمة السابقة. يبخلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَبْخَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها ويجوز ان تكون «الَّذِينَ» في محل رفع مبتدأ وخبره محذوفا تقديره: الذين يبخلون جديرون بكل ملامة.
  • ﴿ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ:
  • ويأمرون: معطوفة بواو العطف على «يَبْخَلُونَ» وتعرب مثلها. الناس: مفعول به منصوب بالفتحة. بالبخل: جار ومجرور متعلق بيأمرون.
  • ﴿ يَكْتُمُونَ ما:
  • أي يخفون: معطوفة بواو العطف على «يَبْخَلُونَ» وتعرب مثلها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ آتاهُمُ اللَّهُ:
  • الجملة: صلة الموصول. آتى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ مِنْ فَضْلِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بآتى والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة
  • ﴿ وَأَعْتَدْنا:
  • الواو: استئنافية. اعتدنا: أي «أعددنا» فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم للتفخيم والتعظيم. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً:
  • جار ومجرور متعلق باعتدنا وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. عذابا: مفعول به منصوب بالفتحة مهينا صفة لعذابا منصوبة مثله. '

المتشابهات :

النساء: 37﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا
النساء: 54﴿يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا
آل عمران: 170﴿فَرِحِينَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ
آل عمران: 180﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     وبعد أن دعانا اللهُ عز وجل إلى الإحسان إلى الوالدين والأقربين وغيرهم، ولَمَّا كان الإحسان يعتمد على الكرم والجود؛ جاء هنا ذم البخل، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف