71158159160161162163164165

الإحصائيات

سورة آل عمران
ترتيب المصحف3ترتيب النزول89
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات27.00
عدد الآيات200عدد الأجزاء1.30
عدد الأحزاب2.60عدد الأرباع10.60
ترتيب الطول3تبدأ في الجزء3
تنتهي في الجزء4عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 2/29آلم: 2/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (158) الى الآية رقم (161) عدد الآيات (4)

لمَّا عفا عمَّا حدثَ من الصحابةِ في أُحدٍ أمرَ نبيَّه ﷺ هنا أن يعاملَهم بالرفقِ ويعفوَ عنهم ويستشيرَهم، 11- من نصَرَه اللهُ فلا غالبَ له، 12- تحريمُ الغُلُولِ: السَّرِقَة من الغَنِيمةِ قبلَ القِسْمةِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (162) الى الآية رقم (165) عدد الآيات (4)

13- لا يَستوي مَن كان قَصْدُه رِضا ربِّه ومَن ليس كذلك، ثُمَّ بيانُ امتنانِ اللهِ على المؤمنينَ ببعثتِه ﷺ ، وتذكيرُهم بنصْرِ بَدرٍ، 14- الخِذلانُ والانهزامُ إنَّما يَحصُلُ بشُؤمِ المعصيةِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة آل عمران

إثبات الوحدانية لله تعالى/ الثبات أمام أهل الباطل في ميدان الحجة والبرهان وفي ميدان المعركة والقتال

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هم آل عمران؟:   آل عمران أسرة كريمة اصطفاها الله لما أخلصت له العبادة وتوجهت إليه بالطاعة. هذه الأسرة تتكون من: عمران، وزوجته (امرأة عمران: حَنَّةُ بنت فاقوذا التي نذرت ما في بطنها لله)، وابنتهما: مريم، وابنها: عيسى عليهم السلام. وهذا الاسم (آل عمران) فيه إشارة عظيمة في الرد على النصارى الذين ألّهوا عيسى عليه السلام ، فهو يشير إلى أصل عيسى البشري، فهو من (آل عمران). هذا الاسم (آل عمران) نداء للنصارى للاقتداء بهم في الطاعة، والتشبه بهم في اتباع الدين الحق.
  • • علاقة سورة آل عمران بسورة البقرة، ثم علاقتهما بالفاتحة::   تحدَّثت سورة البقرة عن النصف الأول من حياة أُمَّة بني إسرائيل، وهم اليهود قوم موسى عليه السلام ومَن جاء بعده من الأنبياء، ثم تتحدَّث سورة آل عمران عن النصف الثاني من هذه الأُمَّة، ألا وهم النصارى قوم عيسى عليه السلام ، فتحدَّثت البقرة عن اليهود (المغضوب عليهم)، وتحدَّثت آل عمران عن النصارى (الضالين)، وهما ما حذرت الفاتحة من طريقهما.
  • • جو السورة::   أجمع علماء التفسير والسيرة على أن صدر هذه السورة نزل بسبب قدوم وفد نصارى نجران على النبي ﷺ في المدينة، 60 راكبًا، فيهم 14 رجلًا من أشرافهم، وكانوا قد وفدوا إثر صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات ، وجُبب وأردية، فقال بعض الصحابة: ما رأينا وفدًا مثلهم جمالًا وجلالة. وأقاموا أيامًا يناظرون رسول اللّه ﷺ في شأن عيسى، ورسول اللّه ﷺ يرد عليهم بالبراهين الساطعة، ودعاهم رسول اللّه ﷺ إلى المباهلة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «آل عمران»، وتسمى مع سورة البقرة بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم ::   آل عمران: أي أهل عمران، وعمران: هو والد مريم (أم عيسى عليه السلام)، وليس المراد هنا عمران والد موسى وهارون عليهما السلام، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية ::   تسمى آل عمران لورود قصة هذه الأسرة المباركة فيها، وتسمى مع سورة البقرة بـ (الزَّهراوَين) لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «طيبة»، و«الكنز»، و«الاستغفار»، و«المجادلة».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الطريق إلى الله مأهولة بالسالكين من النبيين والصالحين الذين آثروا الله على كل شيء، وضحوا في سبيله بكل غال ونفيس، وثبتوا على طريق الله، وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان.
  • • علمتني السورة ::   كيف أرد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى بن مريم عليه السلام : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن نهاية القصة هي في يوم: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ، وليس في أيام عابرة مهما كانت مؤلمة.
  • • علمتني السورة ::   أن الله لن يسألنا لماذا لم ننتصر؟ لكنه سيسألنا لماذا لم نجاهد؟ لأن النصر من عنده يؤيد به من يشاء: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ، الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا».ففي حرَّ يوم القيامة الشديد، عندما تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، تأتي سورة البقرة لتظلل على صاحبها.تأمل كيف أنّ سورتي البقرة وآل عمران تحاجان -أي تدافعان- عن صاحبهما.
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة آل عمران من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي فيها قصة أم مريم، فقصتها ليست مذكورة حتى في سورة مريم.
    • تحتوى على آية المباهلة (آية 61).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقتدي بآل عمران في عبادتهم لله.
    • ألا ننسى الدروس التي تعلمناها من غزوةِ أُحدٍ.
    • أن نراقب الله دومًا: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ (5).
    • أن نكثر من سؤال الله الثبات على الهداية والحق: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ (8).
    • ألا نقول: (الديانات السماوية)، بل نقول: (الشرائع السماوية)؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ (19).
    • ألا نتكبر بما لدينا من الملك والغنى؛ فالله يبدل من حال إلى حال: ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ...﴾ (26، 27).
    • أن نبتعد عن موالاة الكفار: ﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ...﴾ (28).
    • أن نحرص على عمل الخير مهما قل؛ من إطعام جائع، أو مساعدة محتاج، أو أي خير؛ فسوف تجده حاضرًا أمام عينيك: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا﴾ (30).
    • أن نبتعد عن السيئات وأماكنها قبل أن نتمنى ذلك ولا نستطيعه: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ (30).
    • أن نجتهد في اتباع السنة: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (31).
    • أن نبيع أغلى ما نملك وكل ما نملك ونشتري قربه وحبه عز وجل، فلقد وهبت امرأة عمران ما في بطنها لربها، فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبت مريم نباتًا حسنًا، وجعلها وابنها آية للعالمين: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ (35).
    • أن نفرح عند رؤية النعم على غيرنا ونتفاءل بها: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ (38). • أن نختار الأسماء ذات المعاني الحسنة لنسم بها أبناءنا وبناتنا؛ وندع الأسماء المستغربة: ﴿أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ﴾ (39).
    • أن نكثر من ذكر الله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾ (41).
    • أن نبحث عن الرفيق الصادق عندما تشتد علينا الأمور: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ﴾ (52).
    • ألا تحملنا الخصومة على سلب حق نعرفه في خصومنا: ﴿هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ﴾ (66).
    • ألا نجعل أيماننا وحلفنا بالله سببًا لبيعنا وربحنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ...﴾ (77).
    • أن ننفق من أفضل ما نملك: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (92).
    • أن نحرص دومًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...﴾ (110).
    • ألا نطلب النصيحة ولا نستشير إلا المؤمنين الصادقين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾ (118).
    • أن نحذر الربا، ونحذِّر من حولنا من هذا الذنب العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾ (130).
    • أن نسارع بـ: الإنفاق في الشدة والرخاء، كظم الغيظ، العفو عند المقدرة، التوبة والاستغفار، التوبة وعدم الإصرار على الذنب ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ ...﴾ (133-136).
    • أن نحقق هذه الآية في حياتنا: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (134). • ألا نشمت بغيرنا: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (140).
    • ألا نأمن على أنفسنا الفتنة والوقوع في المعصية؛ فقد قال تعالى عن الصحابة: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ (152).
    • أن نتشاور مع غيرنا ممن نثق في رأيهم، فقد أمر الله نبيه ﷺ بالشورى مع أن الوحي ينزل ويحسم الأمر: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (159).
    • أن نستجيب لأوامر الله ورسولهr : ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (172).
    • ألا نخاف إلا الله، فليس في الوجود من يستحق الخشية سواه: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ﴾ (175).
    • أن نكثر من الذكر والتفكر: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (190-191).
    • أن نجاهد أنفسنا على: الصبر على فعل الطاعات، والصبر على ما نبتلى به، والمداومة على العبادة، وتقوى الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (200).

تمرين حفظ الصفحة : 71

71

مدارسة الآية : [158] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ..

التفسير :

[158] ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا، فمتم على فُرُشكم، أو قتلتم في ساحة القتال، لإلى الله وحده تُحشرون، فيجازيكم بأعمالكم.

ثم أخبر تعالى أن القتل في سبيله أو الموت فيه، ليس فيه نقص ولا محذور، وإنما هو مما ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنه سبب مفض وموصل إلى مغفرة الله ورحمته، وذلك خير مما يجمع أهل الدنيا من دنياهم، وأن الخلق أيضا إذا ماتوا أو قتلوا بأي حالة كانت، فإنما مرجعهم إلى الله، ومآلهم إليه، فيجازي كلا بعمله، فأين الفرار إلا إلى الله، وما للخلق عاصم إلا الاعتصام بحبل الله؟"

ثم بين- سبحانه- أن مصير العباد جميعا إليه وحده فقال: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ.

أى ولئن متم- أيها المؤمنون- وأنتم في بيوتكم أو في أى مكان، أو قتلتم بأيدى أعدائكم وأنتم تجاهدون في سبيل الله، فعلى أى وجه من الوجوه كان انقضاء حياتكم فإنكم إلى الله وحده جميعا تعودون وتحشرون فيجازيكم على أعمالكم.

فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على أبلغ ألوان الترغيب في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله، لأنها قد بينت أن الحياة والموت بيد الله وحده وأنه سبحانه قد يكتب الحياة للمسافر والغازي مع اقتحامهما لموارد الحتوف، وقد يميت المقيم والقاعد في بيته مع حيازته لأسباب السلامة.

وأن الذين يموتون على الإيمان الحق، أو يقتلون وهم يجاهدون في سبيل الله فإن لهم من مغفرة الله ورحمته ما هو خير مما يجمعه الكافرون من حطام الدنيا.

وأن جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم سيعودون إلى الله ليجازيهم على أعمالهم يوم الدين.

قال الفخر الرازي: واعلم أن في قوله: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ دقائق:

إحداها: أنه لم يقل: تحشرون إلى الله، بل قال: لإلى الله تحشرون، وهذا يفيد الحصر، وهذا يدل على أنه لا حاكم في ذلك اليوم ولا نافع ولا ضار إلا هو.

وثانيهما: أنه ذكر من أسمائه هذا الاسم، وهذا الاسم أعظم الأسماء وهو دال على كمال الرحمة. وكمال القهر، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد.

وثالثها: أن قوله تُحْشَرُونَ فعل لم يسم فاعله، مع أن فاعلى ذلك الحشر هو الله وإنما لم يقع التصريح به لأنه- تعالى- هو العظيم الكبير الذي شهدت العقول بأنه هو الذي يبدئ ويعيد، ومنه الإنشاء والإعادة فترك التصريح في مثل هذا الموضع أدل على العظمة.

ورابعها: أن قوله تُحْشَرُونَ خطاب مع الكل فهو يدل على أن جميع العاملين، يحشرون إلى الله فيجتمع المظلوم مع الظالم والمقتول مع القاتل، والله- تعالى- هو الذي يتولى الحكم بينهم .

وقبل أن تتمم السورة حديثها مع الذين آمنوا عن أحداث غزوة أحد وما دار فيها من نصر وهزيمة، وعن الأسباب الظاهرة والخفية لذلك. أخذت في بيان حال النبي صلّى الله عليه وسلّم وما كان عليه من قيادة حكيمة وأخلاق كريمة، وأنه صلّى الله عليه وسلّم لم يقابل مخالفة المخالفين له والفارين عنه بالانتقام منهم وإنزال العقوبات بهم وإنما قابل ذلك بالحلم واللين والسياسة الرشيدة. فقال- تعالى-:

ثم أخبر بأن كل من مات أو قتل فمصيره ومرجعه إلى الله ، عز وجل ، فيجزيه بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر فقال : ( ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون )

القول في تأويل قوله : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولئن متم أو قتلتم، أيها المؤمنون، فإن إلى الله مرجعكم ومحشركم، فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقرّبكم من الله ويوجب لكم رضاه، ويقربكم من الجنة، من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته، على الركون إلى الدنيا وما تجمعون فيها من حُطامها الذي هو غير باقٍ لكم، بل هو زائلٌ عنكم، وعلى ترك طاعة الله والجهاد، فإن ذلك يبعدكم عن ربكم، ويوجب لكم سخطه، ويقرِّبكم من النار.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق:

8118- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولئن متم أو قتلتم "، أيُّ ذلك كان =" لإلى الله تحشرون "، أي: أن إلى الله المرجع، فلا تغرنَّكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه، آثر عندكم منها. (1)

* * *

وأدخلت " اللام " في قوله: " لإلى الله تحشرون "، لدخولها في قوله: " ولئن ". ولو كانت " اللام " مؤخرة إلى قوله: " تحشرون "، لأحدثت " النون " الثقيلة فيه، كما تقول في الكلام: " لئن أحسنتَ إليّ لأحسننَّ إليك " بنون مثقّلة. فكان كذلك قوله: ولئن متم أو قتلتم لتحشرن إلى الله، ولكن لما حِيل بين " اللام " وبين " تحشرون " بالصفة، (2) أدخلت في الصفة، وسلمت " تحشرون "، فلم تدخلها " النون " الثقيلة، كما تقول في الكلام: " لئن أحسنتَ إليّ لإليك أحسن "، بغير " نون " مثقلة.

----------------

الهوامش :

(1) الأثر: 8118- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8117.

(2) في المطبوعة: "لما حيز بين اللام. . ." ، وفي المخطوطة: "ولما حين. . ." ، وصواب قراءتها ما أثبت. و"الصفة" حرف الجر ، انظر ما سلف 1: 299 ، تعليق: 1 ، وسائر فهارس المصطلحات في الأجزاء السالفة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[158] قدَّم القتل على الموت في الآية السابقة لأنه أكثر ثوابًا، فترتُّب المغفرة والرحمة عليه أقوى، وعَكَسَ ذلك في هذه الآية لأن الموت أكثر من القتل، وكلاهما يقود إلى الحشر.
وقفة
[158] ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ إذا كان إلى الله المصير؛ طاب والله المسير.
وقفة
[158] ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ في كل أمر؛ ما دامت الغاية واحدة فاختر أشرف الوسائل.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ:
  • معطوفة بواو العطف على «لئن قتلتم أو متّم» في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها والمضارع مؤكد باللام والمضارع مقدم المعمول اي لتحشرون الى الله. وجملة «لتحشرون» جواب القسم لا محل لها وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم المعمول اي لتحشرون الى الله. وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم.
  • ﴿ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ:
  • اللام: واقعة في جواب قسم محذوف. إلى الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بتحشرون. تحشرون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. '

المتشابهات :

آل عمران: 157﴿ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ
آل عمران: 158﴿ وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّـهِ تُحْشَرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [158] لما قبلها :     ولَمَّا رغَّب اللهُ عز وجل المجاهدِينَ بمغفرتِه ورحمتِه؛ زادَ هنا في ترغيبهم ببيان أن مصير العباد جميعًا إليه وحده، قال تعالى:
﴿ وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ

القراءات :

متم:
قرئ:
1- بالضم، وهى قراءة الابنين والأبوين، (انظر: الآية السابقة) ، وقراءة حفص هنا.
2- بالكسر، وهى قراءة الباقين.

مدارسة الآية : [159] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ ..

التفسير :

[159] فبرحمة من الله لك ولأصحابك - أيها النبي - منَّ الله عليك فكنت رفيقاً بهم، ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانصَرَفَ أصحابك من حولك، فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة «أُحد»، واسأل الله -أيها النبي- أن يغفر لهم، وشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة

أي:برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك.{ ولو كنت فظا} أي:سيئ الخلق{ غليظ القلب} أي:قاسيه،{ لانفضوا من حولك} لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ. فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله. ثم أمره الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله، فيجمع بين العفو والإحسان.{ وشاورهم في الأمر} أي:الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:منها:أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله. ومنها:أن فيها تسميحا لخواطرهم، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي:والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة. ومنها:أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول. ومنها:ما تنتجه الاستشارة من الرأي:المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا، وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-:{ وشاورهم في الأمر} فكيف بغيره؟! ثم قال تعالى:{ فإذا عزمت} أي:على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة{ فتوكل على الله} أي:اعتمد على حول الله وقوته، متبرئا من حولك وقوتك،{ إن الله يحب المتوكلين} عليه، اللاجئين إليه.

فالخطاب في قوله- تعالى- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.. ألخ للنبي صلّى الله عليه وسلّم.

والفاء لترتيب مضمون الكلام على ما ينبئ عنه السياق من استحقاق الفارين والمخالفين للملامة والتعنيف منه. صلّى الله عليه وسلّم بمقتضى الجبلة البشرية.

والباء هنا للسببية، و «ما» مزيدة للتأكيد ولتقوية معنى الرحمة «لنت» من لان يلين لينا وليانا بمعنى الرفق وسعة الخلق و «الفظ» الغليظ الجافي في المعاشرة قولا وفعلا.

وأصل الفظ- كما يقول الراغب- ماء الكرش وهو مكروه شربه بمقتضى الطبع ولا يشرب إلا في أشد حالات الضرورة.

وغلظ القلب عبارة عن قسوته وقلة تأثره من الغلظة ضد الرقة، وتنشأ عن هذه الغلظة الفظاظة والجفاء.

والمعنى: فبسبب رحمة عظيمة فياضة منحك الله إياها يا محمد كنت لينا مع أتباعك في كل أحوالك، ولكن بدون إفراط أو تفريط، فقد وقفت من أخطائهم التي وقعوا فيها في غزوة أحد موقف القائد الحكيم الملهم فلم تعنفهم على ما وقع منهم وأنت تراهم قد استغرقهم الحزن والهم.. بل كنت لينا رفيقا معهم.

وهكذا القائد الحكيم لا يكثر من لوم جنده على أخطائهم الماضية، لأن كثرة اللوم والتعنيف قد تولد اليأس، وإنما يلتفت إلى الماضي ليأخذ منه العبرة والعظة لحاضره ومستقبله ويغرس في نفوس الذين معه ما يحفز همتهم ويشحذ عزيمتهم ويجعلهم ينظرون إلى حاضرهم ومستقبلهم بثقة وإطمئنان وبصيرة مستنيرة.

وإن الشدة في غير موضعها تفرق ولا تجمع وتضعف ولا تقوى، ولذا قال- تعالى- وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.

أى ولو كنت- يا محمد- كريه الخلق، خشن الجانب، جافيا في أقوالك وأفعالك، قاسى القلب لا تتأثر لما يصيب أصحابك.. ولو كنت كذلك لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أى لتفرقوا عنك ونفروا منك ولم يسكنوا إليك.

فالجملة الكريمة تنفى عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يكون فظا أو غليظا، لأن «لو» تدل على نفى الجواب لنفى الشرط. أى أنك لست- يا محمد- فظا ولا غليظ القلب ولذلك التف أصحابك من حولك يفتدونك بأرواحهم وبكل مرتخص وغال، ويحبونك حبا يفوق حبهم لأنفسهم ولأولادهم ولآبائهم ولأحب الأشياء إليهم.

وقال- سبحانه- وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لينفى عنه صلّى الله عليه وسلّم القسوة والغلظة في الظاهر والباطن: إذ القسوة الظاهرية تبدو أكثر ما تبدو في الفظاظة التي هي خشونة الجانب، وجفاء الطبع، والقسوة الباطنية تكون بسبب يبوسة القلب، وغلظ النفس وعدم تأثرها بما يصيب غيرها. والرسول صلّى الله عليه وسلّم كان مبرأ من كل ذلك، ويكفى أن الله- تعالى- قد قال في وصفه:لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ .

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إنى أرى صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكتب المتقدمة. إنه ليس بفظ، ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح،.

ولقد كان من أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم مداراة الناس إلا أن يكون في المداراة حق مضيع فعن عائشة رضى الله عنها، قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله أمرنى بمداراة الناس كما أمرنى بإقامة الفرائض».

ثم أمر الله تعالى، نبيه صلّى الله عليه وسلّم، بما يترتب على الرفق والبشاشة فقال: فَاعْفُ عَنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.

فالفاء هنا تفيد ترتيب ما بعدها على ما قبلها، أى أنه يترتب على لين جانبك مع أصحابك، ورحمتك بهم، أن تعفو عنهم فيما وقعوا فيه من أخطاء تتعلق بشخصك أو ما وقعوا فيه من مخالفات أدت إلى هزيمتهم في أحد، فقد كانت زلة منهم وقد أدبهم الله عليها.

وأن تلتمس من الله تعالى، أن يغفر لهم ما فرط منهم، إذ في إظهارك ذلك لهم تأكيد لعفوك عنهم. وتشجيع لهم على الطاعة والاستجابة لأمرك. وأن تشاورهم في الأمر أى في أمر الحرب ونحوه مما تجرى فيه المشاورة في العادة من الأمور التي تهم الأمة.

وقد جاءت هذه الأوامر للنبي صلّى الله عليه وسلّم، على أحسن نسق، وأحكم ترتيب، لأن الله تعالى أمره أولا بالعفو عنهم فيما يتعلق بخاصة نفسه، فإذا ما انتهوا إلى هذا المقام، أمره بأن يستغفر لهم ما بينهم وبين الله تعالى، لتنزاح عنهم التبعات، فإذا صاروا إلى هذه الدرجة، أمره بأن يشاورهم في الأمر لأنهم قد أصبحوا أهلا لهذه المشاورة.

ولقد تكلم العلماء كلاما طويلا عن حكم المشورة وعن معناها، وعن فوائدها، فقد قال القرطبي ما ملخصه: والاستشارة مأخوذة من قول العرب: شرت الدابة وشوّرتها، إذا علمت خبرها وحالها يجرى أو غيره.. وقد يكون من قولهم: شرت العسل واشترته، إذا أخذته من موضعه.

ثم قال: واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يشاور فيه أصحابه فقالت طائفة: ذلك في مكائد الحروب، وعند لقاء العدو، تطييبا لنفوسهم ورفعا لأقدارهم وإن كان الله- تعالى- قد أغناه عن رأيهم بوحيه.

وقال آخرون: ذلك فيما لم يأته فيه وحى. فقد قال الحسن: ما أمر الله- تعالى- نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل وليقتدى به أمته من بعده.

ثم قال: والشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، والذي لا يستشير أهل العلم والدين- والخبرة- فعزله واجب وهذا لا خلاف فيه.

وقد استشار النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في كثير من الأمور، وقال «المستشار مؤتمن» وقال «ما ندم من استشار ولا خاب من استخار» وقال: «ما شقي قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأى» .

وقال البخاري: «وكانت الأمة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها» .

وقال الفخر الرازي ما ملخصه: «اتفقوا على أن كل ما نزل فيه وحى من عند الله لم يجز للرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يشاور فيه الأمة، لأنه إذا جاء النص بطل الرأى والقياس، فأما مالا نص فيه فهل تجوز المشاورة فيه في جميع الأشياء أولا؟

قال بعضهم: هذا الأمر مخصوص بالمشاورة في الحروب، لأن الألف واللام في لفظ «الأمر» تعود على المعهود السابق وهو ما يتعلق بالحروب- إذ الكلام في غزوة أحد-.

وقال آخرون: اللفظ عام خص منه ما نزل فيه وحي فتبقى حجته في الباقي وظاهر الأمر في قوله وَشاوِرْهُمْ للوجوب وحمله الشافعى على الندب.. .

والحق أن الشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، وقد استشار النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في غزوات بدر وأحد والأحزاب وفي غير ذلك من الأمور التي تتعلق بمصالح المسلمين، وسار على هذا المنهج السلف الصالح من هذه الأمة.

ولقد كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- يكتب لعماله يأمرهم بالتشاور ويتمثل لهم في كتبه بقول الشاعر:

خليلي ليس الرأى في صدر واحد ... أشيرا على بالذي تريان

وقد تمدح الحكماء والشعراء بفضيلة الشورى وما يترتب عليها من خير ومنفعة ومن ذلك قول بشار بن برد:

إذا بلغ الرأى المشورة فاستعن ... برأى نصيح أو نصيحة حازم

ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم

والحكام العقلاء المنصفون المتحرون للحق والعدل هم الذين يقيمون حكمهم على مبدأ الشورى ولا يعادى الشورى من الحكام إلا أحد اثنين:

إما رجل قد أصيب بداء الغرور والتعالي، فهو يتوهم أن قوله هو الحق الذي لا يخالطه باطل، وأنه ليس محتاجا إلى مشورة غيره وإما رجل ظالم مستبد مجانب للحق، فهو ينفذ ما يريده بدون مشورة أحد لأنه يخشى إذا استشار غيره أن يطلع الناس على ظلمه وجوره وفجوره.

هذا ومتى تمت المشورة على أحسن الوجوه وأصلحها واستقرت الأمور على وجه معين، فعلى العاقل أن يمضى على ما استقر عليه الرأى بدون تردد أو تخاذل، ولذا قال- سبحانه- فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.

أى فإذا عقدت نيتك على إتمام الأمر وإمضائه بعد المشاورة السليمة وبعد أن تبين لك وجه السداد فيما يجب أن تسلكه فبادر بتنفيذ ما عقدت العزم على تنفيذه، وفَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أى اعتمد عليه في الوصول إلى غايتك، فإن الله- تعالى- يحب المعتمدين عليه، المفوضين أمورهم إليه مع مباشرة الأسباب التي شرعها لهم لكي يصلوا إلى مطلوبهم.

فالجملة الكريمة تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم وتأمر كل من يتأتى له الخطاب بأن يبذل أقصى جهده لمعرفة ما هو صواب بأن يستشير أهل الخبرة كل في مجال تخصصه فإذا ما استقر رأيه على وجهة نظر معينة- بعد أن درسها دراسة فاحصة واستشار العقلاء الأمناء فيها- فعليه أن يبادر إلى تنفيذها بدون تردد فإن التردد يضيع الأوقات والتأخر كثيرا ما يحول الحسنات إلى سيئات وعليه مع حسن الاستعداد أن يكون معتمدا على الله، مظهرا العجز أمام قدرته- سبحانه- لأنه هو الخالق للأسباب والمسببات وهو القادر على تغييرها.

وكم من أناس اعتمدوا على قوتهم وحدها، أو على مباشرتهم للأسباب وحدها دون أن يجعلوا للاعتماد على الله مكانا في نفوسهم، فكانت نتيجتهم الفشل والخذلان وكانت الهزيمة المنكرة المرة التي اكتسبوها بسبب غرورهم وفجورهم وفسوقهم عن أمر الله. ورحم الله القائل

إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجنى عليه اجتهاده

يقول تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ممتنا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته ، المتبعين لأمره ، التاركين لزجره ، وأطاب لهم لفظه : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) أي : أي شيء جعلك لهم لينا لولا رحمة الله بك وبهم .

قال قتادة : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) يقول : فبرحمة من الله لنت لهم . و " ما " صلة ، والعرب تصلها بالمعرفة كقوله : ( فبما نقضهم ميثاقهم ) [ النساء : 155 ، المائدة : 13 ] وبالنكرة كقوله : ( عما قليل ) [ المؤمنون : 40 ] وهكذا هاهنا قال : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) أي : برحمة من الله .

وقال الحسن البصري : هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به .

وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ التوبة : 128 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حيوة ، حدثنا بقية ، حدثنا محمد بن زياد ، حدثني أبو راشد الحبراني قال : أخد بيدي أبو أمامة الباهلي وقال : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أبا أمامة ، إن من المؤمنين من يلين لي قلبه " . انفرد به أحمد .

ثم قال تعالى : ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) الفظ : الغليظ ، [ و ] المراد به هاهنا غليظ الكلام ، لقوله بعد ذلك : ( غليظ القلب ) أي : لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك ، ولكن الله جمعهم عليك ، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم ، كما قال عبد الله بن عمرو : إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة : أنه ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح .

وروى أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، أنبأنا بشر بن عبيد الدارمي ، حدثنا عمار بن عبد الرحمن ، عن المسعودي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض " حديث غريب .

ولهذا قال تعالى : ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث ، تطييبا لقلوبهم ، ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم [ كما ] شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير فقالوا : يا رسول الله ، لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك ، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب ، فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن [ شمالك ] مقاتلون .

وشاورهم - أيضا - أين يكون المنزل ؟ حتى أشار المنذر بن عمرو المعنق ليموت ، بالتقدم إلى أمام القوم ، وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو ، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم ، فخرج إليهم .

وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ ، فأبى عليه ذلك السعدان : سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، فترك ذلك .

وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين ، فقال له الصديق : إنا لم نجئ لقتال أحد ، وإنما جئنا معتمرين ، فأجابه إلى ما قال .

وقال عليه السلام في قصة الإفك : " أشيروا علي معشر المسلمين في قوم أبنوا أهلي ورموهم ، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء ، وأبنوهم بمن - والله - ما علمت عليه إلا خيرا " . واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة ، رضي الله عنها .

فكان [ صلى الله عليه وسلم ] يشاورهم في الحروب ونحوها . وقد اختلف الفقهاء : هل كان ذلك واجبا عليه أو من باب الندب تطييبا لقلوبهم ؟ على قولين .

وقد قال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي ، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف بمصر ، حدثنا سعيد بن [ أبي ] مريم ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس في قوله : ( وشاورهم في الأمر ) قال : أبو بكر وعمر ، رضي الله عنهما . ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

وهكذا رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : نزلت في أبي بكر وعمر ، وكانا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وأبوي المسلمين .

وقد روى الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الحميد ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر : " لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما " .

وروى ابن مردويه ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم ؟ قال " مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم " .

وقد قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير عن شيبان عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المستشار مؤتمن " .

ورواه أبو داود والترمذي ، وحسنه [ و ] النسائي ، من حديث عبد الملك بن عمير بأبسط منه .

ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أسود بن عامر ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المستشار مؤتمن " . تفرد به .

[ وقال أيضا ] وحدثنا أبو بكر ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وعلي بن هاشم ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه . تفرد به أيضا .

وقوله : ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) أي : إذا شاورتهم في الأمر وعزمت عليه فتوكل على الله فيه ( إن الله يحب المتوكلين )

القول في تأويل قوله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " فبما رحمة من الله "، فبرحمة من الله، و " ما " صلة. (3) وقد بينت وجه دخولها في الكلام في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [سورة البقرة: 26]. (4) والعرب تجعل " ما " صلة في المعرفة والنكرة، كما قال: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [سورة النساء: 155 سورة المائدة: 13]، والمعنى: فبنقضهم ميثاقهم. وهذا في المعرفة. وقال في النكرة: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ [سورة المؤمنون: 40]، والمعنى: عن قليل. وربما جعلت اسما وهي في مذهب صلة، فيرفع ما بعدها أحيانًا على وجه الصلة، ويخفض على إتباع الصلة ما قبلها، كما قال الشاعر: (5)

فَكَـفَى بِنَـا فَضْـلا عَـلَى مَنْ غَيْرِنَا

حُـــبُّ النَّبــيِّ مُحَــمَّدٍ إِيَّانَــا (6)

إذا جعلت غير صلة رفعتَ بإضمار " هو "، وإن خفضت أتبعت " من "، (7) فأعربته. فذلك حكمه على ما وصفنا مع النكرات.

فأما إذا كانت الصلة معرفة، كان الفصيح من الكلام الإتباع، كما قيل: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ، والرفع جائز في العربية. (8)

* * *

وبنحو ما قلنا في قوله: " فبما رحمة من الله لنت لهم "، قال جماعة من أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

8119- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " فبما رحمة من الله لنت لهم "، يقول: فبرحمة من الله لنت لهم.

* * *

وأما قوله: " ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك "، فإنه يعني بـ" الفظ " الجافي، وبـ" الغليظ القلب "، القاسي القلب، غير ذي رحمة ولا رأفة. وكذلك كانت صفته صلى الله عليه وسلم، كما وصفه الله به: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [سورة التوبة: 128].

* * *

فتأويل الكلام: فبرحمة الله، يا محمد، ورأفته بك وبمن آمن بك من أصحابك =" لنت لهم "، لتبَّاعك وأصحابك، فسُهلت لهم خلائقك، وحسنت لهم أخلاقك، حتى احتملت أذى من نالك منهم أذاه، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمَه، وأغضيت عن كثير ممن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك ولم يتَّبعك ولا ما بُعثت به من الرحمة، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم، فبرحمة من الله لنت لهم. كما:-

8120- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك "، إي والله، لطهَّره الله من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبًا رحيما بالمؤمنين رءوفًا = وذكر لنا أن نعت محمد صلى &; 7-342 &; الله عليه وسلم في التوراة: " ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح ".

8121- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، بنحوه.

8122- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك "، قال: ذكر لينه لهم وصبره عليهم = لضعفهم، وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه = في كل ما خالفوا فيه مما افترض عليهم من طاعة نبيِّهم. (9)

* * *

وأما قوله: " لانفضوا من حولك "، فإنه يعني: لتفرقوا عنك. كما:-

8123- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريح قال، قال ابن عباس: قوله: " لانفضوا من حولك "، قال: انصرفوا عنك.

8124- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " لانفضوا من حولك "، أي: لتركوك. (10)

* * *

القول في تأويل قوله : فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فاعف عنهم "، فتجاوز، يا محمد، عن تُبَّاعك وأصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي، ما نالك من أذاهم ومكروهٍ في نفسك =" واستغفر لهم "، وادع ربك لهم بالمغفرة لما أتوا من جُرْم، واستحقوا عليه عقوبة منه. كما:-

8125- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " فاعف عنهم "، أي: فتجاوز عنهم =" واستغفر لهم "، ذنوبَ من قارف من أهل الإيمان منهم. (11)

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه؟

فقال بعضهم: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: " وشاورهم في الأمر "، بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدو، تطييبًا منه بذلك أنفسَهم، وتألّفًا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان الله عز وجل قد أغناه = بتدبيره له أمورَه، وسياسته إيّاه وتقويمه أسبابه = عنهم.

*ذكر من قال ذلك:

8126- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين "، &; 7-344 &; أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم = وأنّ القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله، عزم لهم على أرشدِه.

8127- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وشاورهم في الأمر "، قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء، لأنه أطيب لأنفسهم.

8128- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وشاورهم في الأمر "، أي: لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم، و إن كنت عنهم غنيًّا، تؤلفهم بذلك على دينهم. (12)

* * *

وقال آخرون: بل أمره بذلك في ذلك. ليبين له الرأي وأصوبَ الأمور في التدبير، (13) لما علم في المشورة تعالى ذكره من الفضْل.

*ذكر من قال ذلك:

8129- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم قوله: " وشاورهم في الأمر "، قال: ما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشورة، إلا لما علم فيها من الفضل.

8130- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن إياس بن دغفل، عن الحسن: ما شاور قوم قط إلا هُدُوا لأرشد أمورهم. (14)

* * *

وقال آخرون: إنما أمره الله بمشاورة أصحابه فيما أمرَه بمشاورتهم فيه، مع &; 7-345 &; إغنائه بتقويمه إياه وتدبيره أسبابه عن آرائهم، ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم، ويستنُّوا بسنَّته في ذلك، ويحتذوا المثالَ الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورتَه في أموره = مع المنـزلة التي هو بها من الله = أصحابَهُ وتبَّاعَهُ في الأمر ينـزل بهم من أمر دينهم ودنياهم، (15) فيتشاوروا بينهم ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملؤهم. لأن المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك، لم يُخْلهم الله عز وجل من لطفه وتوفيقه للصواب من الرأي والقول فيه. قالوا: وذلك نظير قوله عز وجل الذي مدح به أهل الإيمان: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [سورة الشورى: 38].

*ذكر من قال ذلك:

8131- حدثنا سوَّار بن عبد الله العنبري قال، قال سفيان بن عيينة في قوله: " وشاورهم في الأمر "، قال: هي للمؤمنين، أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمرَ نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألُّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرةَ التي يُؤْمَنُ عليه معها فتنة الشيطان = وتعريفًا منه أمته مأتى الأمور التي تحزُبهم من بعده ومطلبها، (16) ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنـزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله. فأما النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله كان يعرِّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صوابَ ذلك. وأما أمته، فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادُقٍ وتأخٍّ للحق، (17) وإرادةِ &; 7-346 &; جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حَيْد عن هدى، فالله مسدِّدهم وموفِّقهم.

* * *

وأما قوله: " فإذا عزمت فتوكل على الله "، فإنه يعني: فإذا صحِّ عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك، أو خالفها =" وتوكل "، فيما تأتي من أمورك وتدع، وتحاول أو تزاول، على ربك، فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم =" فإن الله يحب المتوكلين "، وهم الراضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه. كما:-

8132- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " فإذا عزمت فتوكل على الله إنّ الله يحب المتوكلين " =" فإذا عزمت "، أي: على أمر جاءك مني، أو أمر من دينك في جهاد عدوك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك، فامض على ما أمرتَ به، على خلاف من خالفك وموافقة من وافقك = و " توكل على الله "، (18) أي: ارضَ به من العباد =" إن الله يحب المتوكلين ". (19)

8133- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " فإذا عزمت فتوكل على الله "، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه، ويستقيمَ على أمر الله، ويتوكل على الله.

8134- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " فإذا عزمت فتوكل على الله "، الآية، أمره الله إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل عليه.

-------------------

الهوامش :

(3) "الصلة" ، الزيادة ، انظر ما سلف 1: 190 / 405 ، تعليق: 4 / 406 / 548 ، ثم فهرس المصطلحات في سائر الأجزاء.

(4) انظر ما سلف 1: 404 ، 405.

(5) هو حسان بن ثابت ، أو كعب بن مالك ، أو غيرهما ، انظر ما سلف 1: 404 تعليق: 5.

(6) سلف تخريج البيت في 1: 404 ، تعليق: 5.

(7) وذلك أن"من" و"ما" حكمهما في هذا واحد ، كما سلف في 1: 404.

(8) انظر مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 244 ، 245.

(9) الأثر: 8122- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو من تتمة الآثار التي آخرها: 8118 ، وهو في السيرة تال للأثر الآتي رقم: 24 : 8.

(10) الأثر: 8124- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8122 ، ولكنه سابق له في سيرة ابن هشام.

(11) الأثر: 8125- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8124 ، ولكنه تال للأثر رقم: 8122 في سياق السيرة. وفي سيرة ابن هشام: "ذنوبهم من قارف" ، ولكن طابع السيرة جعل"ذنوبهم" من الآية ، فحصرها بين أقواس مع لفظ الآية!! وهو عجب!

(12) الأثر: 8128- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8125.

(13) في المطبوعة: "بل أمره بذلك في ذلك وإن كان له الرأي وأصوب الأمور. . ." ، لم يستطع الناشر أن يحسن قراءة المخطوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(14) الأثر: 8130-"إياس بن دغفل الحارثي ، أبو دغفل" ، روي عن الحسن ، وأبي نضرة وعطاء وغيرهم ، وروى عنه معتمر بن سليمان ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو عامر العقدي. وهو ثقة. مترجم في التهذيب.

(15) قوله: "أصحابه وتباعه" منصوب مفعول لقوله: "من مشاورته في أموره. . ."

(16) في المطبوعة: "ما في الأمور" ، والصواب ما في المخطوطة ، ولكن الناشر الأول لم يحسن قراءتها. يريد: الوجه الذي تؤتى منه الأمور وتطلب.

(17) "توخى الأمر": تحراه وقصده ويممه ، ثم تقلب واوه ألفًا فيقال"تأخيت الأمر" ، والشافعي رضي الله عنه يكثر من استعمالها في كتبه كذلك. ثم انظر تعليق أخي السيد أحمد ، على رسالة الشافعي ص: 504 ، تعليق: 2.

(18) هكذا ثبت في المخطوطة والمطبوعة وسيرة ابن هشام: "وتوكل" بالواو ، وهو جائز ، لأنه في سياق التفسير ، وأما الآية فهي"فتوكل" بالفاء ، فلذلك جعلت الواو خارج القوس.

(19) الأثر: 8132- سيرة ابن هشام 3: 123 ، 124 ، وهو من تمام الآثار التي آخرها: 8128.

التدبر :

وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ كل هذه الرحمة التي ملأ بها رسول الله ﷺ العالم بسبب نفحة واحدة من رحمات الله.
وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ اللين رحمة من الله، فلا تحرم الناس رحمة الله بلين تقدمه لهم.
وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ الأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه.
وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ فيه الحث عن اللين في القول.
لمسة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ عبَّر سبحانه عن رحمته على المؤمنين بتقديم الجار والمجرور (مِّنَ اللّهِ) على الفعل (لِنتَ)، ولم تأتِ: (لنت لهم برحمة من الله)؛ وذلك للحصر والقصر، أي برحمة الله لا بغير ذلك، وللدلالة على أن أحوالهم كانت مستوجبة غِلظة، ولكن الله تعالى ألان خُلُق رسوله رحمة بهم لحكمة في سياسة الأمة وأكّد ذلك بـ(ما) بعد باء الجرّ.
وقفة
[159] القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع القسوة؛ فهي أبدًا إلى الصفح واللين والرحمة أدنى منها إلى الغلظة والأضغان ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ﴾.
وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ الدعاة إلى الله هم أحوج الناس إلى هذا الخلق؛ فهو الطريق إلى محبة الكبير والصغير والنظير لإرشادهم.
وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ عجيب أن آية الرفق هذه نزلت بين آيات القتال والقروح.
وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله يدعي اتباعه والاقتداء به أن يكون غليظ القلب، شديد الشكيمة على المسلمين، شرس الأخلاق، فظ القول؟!
وقفة
[159] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ تشخيص لصفات القائد الذي تجتمع حوله القلوب.
وقفة
[159] لطف الناصح للناس أعظم نفعًا من قوة حجته، فالنبي أقوى الناس حجة، وقد قال له ربه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
وقفة
[159] الرحمة، والعفو، والتواضع، ولين الجانب، من أهم صفات الداعية ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
وقفة
[159] ليس بناجح من يدير المشروع وقد خسر قلوب الناس، أكسير النجاح الرفق ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
عمل
[159] اسأل الله سبحانه أن يرزقك الرحمة بإخوانك، واللين لهم، وشاورهم ببعض أمورك، ودرب نفسك على هذه الصفات ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ قرن بين فظاظة اللسان وغلظة القلب! كن عذب الألفاظ تكن رقيق القلب.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا﴾ أحب الناس ينفض عنك حين تكون فظًّا غليظ القلب، وأبغض الناس وأبعدهم نسبًا منك ليتقرب إليك حينما تكون صادقًا ودودًا.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ من (تفرق) عنه الناس فليراجع (تعامله وفظاظته).
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ من لوازمها أن: القلب (الرقيق) هو الذي ﻻ يطرد ويبعد (الصديق).
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ قرن بين الفضاضة في القول والغلظة في القلب، لمعرفة حجم قلبك: استمع للفظك.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ مهما أوتيت علمًا وفهمًا وحفظًا وفقهًا إن لم يكن مصحوبًا بحسن الخلق فلن يتعدى علمك عتبة بابك!
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ النفوس المتوترة المشدودة ربما تصلح لأي شيء إلا :الدعوة إلى الله.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ الخواطر القاسية تنفض عنها عيون القارئين.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ حتى ولو كان خطابك مقنعًا وحجتك ظاهرة ومعك الحق، الأخلاق أولًا.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ أليس من أوجب الواجبات الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما عاملهم به ﷺ من اللين؟!
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ لا يجمع الناس حول الداعية بلاغة لسانه ولا غزارة علمه، إنما يجمعهم حسن خلقه.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ إن كنت ذا حق فلابد أن تكون ذا خلق لقبول ما معك من الحق.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ سبحان من رزقه لين النفس فتهافتت القلوب من حوله!
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ مهما بلغتَ من العلم والزهد والتقى، أسلوبك في الدعوة قد يحكم علاقاتك مع الناس.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ كل من (انفض) الناس من حوله، فعليه أن يراجع (فظاظته).
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ قرن بین فظاظة القول وغلظة القلب، فتعرف على طبيعة قلبك عن طريق ومراقبة لفظك.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ لو جمعت علوم أهل الأرض وذكاءهم، فلن تدخل القلوب إلا بطرق أبوابها بالكلمة الطيبة والمعاملة الهينة.
اسقاط
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ قيلت في محمد ﷺ وهو المؤيد بالوحي وصاحب النبوة، فكيف بمن دونه؟!
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ قليل من (سوء الخلق) يفسد كثيرًا من (العلم).
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ في الدعوة إلى الله: سوء الخلق (منفر) أكثر من كون العلم (جاذبًا).
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ النفوس تنفر من الغليظ القاسي مهما بلغ من العلم والحكمة والخبرة.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ ليعتبر بهذه الآية من يتولى أمرًا يستدعي أن يكون بجانبه أصحاب يظاهرونه عليه حتى يعلم يقينًا أن قوة الذكاء وغزارة العلم وسعة الحياة وعظم الثراء لا تكسبه أنصارًا مخلصين ولا تجمع عليه من فضلاء الناس من يثق بصحبتهم إلا أن يكون صاحب خلق كريم، من اللين والصفح والاحتمال.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ الأخلاقُ أمضى إلى القلوب من السُّيُوف، فإن الخُلُقَ إذا دخل القلبَ سَكنَه، والسَّيفَ إذا دخل القلب مزَّقة، فللّهِ كم من أفئدةٍ جُمِعَت بالرأفة! وكم من أفئدةٍ فُرِّقَت بالغِلظة!
عمل
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ لا يكفي أن ترسم البسمات على الشفاه لابد من قلوب طيبة رحيمة حقًا.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ جاذبية الأخلاق أعظم من جاذبية الحق.
وقفة
[159] ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ اللهم ارزقنا صفاء القلوب وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وقفة
[159] بيان مضار الغلظة، وأن من أعظم مضارها نفور الناس عن الإنسان إذا كان فظًّا غليظًا؛ لقوله تعالى لرسوله: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، هذا مع أنهم يرجون من قربهم من الرسول ما يرجون، فكيف إذا كان الإنسان لا يُرجى منه ما يُرجى من الرسول؟!
وقفة
[159] المواقف في أثناء الامتحانات لا تنسى، ولها أثرها على مستقبل الطالب، فاحرص أخي المربي على أن تكون مواقفك مع أبنائك وطلابك إيجابية، ولك في رسول الله ﷺ أسوة حسنة في رفقه وحسن تعامله مع أصحابه في الأزمات، دون مجاملة في الحق: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
عمل
[159] لا تكن فظًّا فيهجرك بعضهم: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، ولا تكن ضعيفًا فيزدريك آخرون: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» [مسلم 2664].
وقفة
[159] مهما يكن معك من حق وحجج شرعية وعقلية فإن لطفك هو سر تقبل الناس منك ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ قالها الله ﻷحلم الناس، فكيف بمن هو دونه؟
وقفة
[159] قوة الحجة لا تكفي لانقياد الناس، ولكنها تحتاج إلى لين، فحجة النبي القرآن ومؤيده جبريل، ومع هذا قيل له: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
وقفة
[159] قال الله لسيد الخلق المؤيد بالوحي الذي أُنزل عليه القرآن: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ فكيف بك أنت؟
وقفة
[159] صاحب الحق يدعو الناس إليه ويحرص على هدايتهم ولا يشتم مخالفيه أو يسبهم ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
وقفة
[159] الإنسان قد يعذر في الابتعاد عن أهل الخير إذا كانوا جفاة غلاظ القلوب ﴿لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
وقفة
[159] للقائد الناجح خمس صفات وهي: عفوه عن تابعيه، ودعاؤه لهم، ومشورتهم، وعزيمته، وتوكله ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ أمر الله نبيه ﷺ بالشورى مع أن الوحي ينزل ويحسم الأمر.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ تتعجب ممن يستبد برأيه ولا يعطي الشورى حقها! وقد أنزل الله سورة كاملة اسمها (الشورى)، وقال فيها: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38].
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ إشعار بمنزلة الصحابة، وأنهم كلهم أهل اجتهاد، وأن باطنهم مرضي عند الله تعالى.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ أمر الله نبيه بالتشاور، فوالله ما تشاور قوم بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما بحضرتهم.
عمل
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ توجيه رباني ومنهج محمدي، أما ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ [غافر: 29] فأسلوب فرعوني لا يستخدمه إلا الطغاة! لا تنفرد برأيك!
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ الشورى توجيه رباني ومنهج محمدي.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ ما أبعدها عن قول: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ [غافر: 29]، وهو أسلوب فرعوني ومنهج استبدادي! لا تتفرعن ولا تستبد!
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ فيه الحث على المشاورة.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ المشورة تلقيح الرأي بآراء أخرى كما قال الشاعر: شاورْ سواكَ إذا نابتكَ نائبةٌ يومًا ... وإن كنتَ من أهل المَشورَاتِ فالعينُ تلقى كفاحًا ما نأى ودنا ... ولا ترى نفسَهَا إلا بمِرْآةٍ
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ أمر الله نبيه ﷺ -وهو أكمل الناس عقلًا- أن يشاور، إذ الحقيقة أن الإنسان -وإن بلغ عقله الغاية- لا يستغني عن الاستعان في مشكلات الأمور بآراء الرجال؛ إذ العقول قد تكون نافذة في ناحية من الأمر، واقفة عند الظاهر في ناحية أخرى.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ اتفق العقلاء أن الطريق الوحيد للصلاح الديني والدنيوي هو طريق الشورى.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ قد تستشير من هو أقل منك سنًّا وعلمًا في أمور خاصة يخبرونها، ولذلك استشار النبي ﷺ أصحابه في أمور كثيرة.
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: «بَلَغَنِي أَنَّهَا نِصْفُ الْعَقْلِ»، ويُقَالُ: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُشَاوِرُ حَتَّى الْمَرْأَةِ».
وقفة
[159] ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم؛ وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أُمته.
اسقاط
[159] أكمل الخلق عقلًا قيل له: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، فكيف بغيره؟!
وقفة
[159] عزيمة المرء الموفقة هي تلك التي توسطت أمرين، هما: الاستشارة والتوكل، فلن يندم من استشار فعزم فتوكل ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾.
وقفة
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ إذا قرَّرت شيئًا بعد الاستخارة والمشورة، ثـق بربك بأنه سيوفقك ويكتب لك الخيرة.
عمل
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ إذا صح عزمك على أمر من الأمور؛ فامض فيه معتمدًا على حول الله تعالى وقوته، واثقًا به فحسب.
وقفة
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله.
عمل
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ اتخذ القرارت الشجاعة فهي التي ستصنع الفرق في حياتك.
عمل
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ لا تكن مترددًا متخوفًا، فمتى عزمت وصممت فتوكل على الله، وثق أنه لن يتركك ولن يخيبك.
عمل
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ متى عزمت وصممت فتوكل على الله، وامض نحو هدفك بلا تتردد، وثق أن الله لن يخذلك.
وقفة
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ قال القشيري: «وحقيقة التوكل: شهود التقدير، واستراحة القلوب عن كد التدبير».
وقفة
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ فيه الحث على التوكل.
وقفة
[159] ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ بعد (العزم والحزم) الله يتولى الأمر.
عمل
[159] حدد اليوم الأمور التي تسبب لك قلقًا في حياتك، ثم تأمل كثيرًا في صفات الله المناسبة لها؛ لتكون حافزًا لك للتوكل على الله سبحانه، ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ﴾.
وقفة
[159] ﴿إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ هب أن كل أمانيك ضاعت، ألا يكفيك هذا الحب، توكل على الله.
وقفة
[159] من أعظم ثمار التوكل على الله أن الله يحب المتوكلين، وإذا أحب الله عبده أدرك سعادة الدارين ﴿إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.
وقفة
[159] التوكل هو الاعتماد على الله في تحصيل المنافع، أو حفظها بعد حصولها، وفي دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها، وهو من أعلى المقامات لوجهين: أحدهما قوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾, والآخر: الضمان الذي في قوله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3].
تفاعل
[159] ﴿إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك منهم.

الإعراب :

  • ﴿ فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ:
  • الفاء: استئنافية. الباء: حرف جرّ. ما: زائدة للتوكيد. رحمة: اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة. والجار والمجرور متعلق بلنت. من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة محذوفة من رحمة.
  • ﴿ لِنْتَ لَهُمْ:
  • لنت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. اللام: حرف جر. هم: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بلنت.
  • ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم. كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب والتاء ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» فظا خبر «كان» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ غَلِيظَ الْقَلْبِ:
  • غليظ: صفة- نعت- لفظا ويجوز أن تعرب خبرا ثانيا لكنت. القلب: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ:
  • اللام: واقعة في جواب الشرط. انفضوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة .. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة من حولك: جار ومجرور متعلق بانفضوا والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة وجملة «انفضوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ:
  • الفاء استئنافية. اعف: فعل أمر مبني على حذف آخره حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. عنهم: جار ومجرور متعلق باعف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن.
  • ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ:
  • واستغفر: معطوفة بواو العطف على «اعف» وتعرب إعرابها والفعل مبني على السكون. لهم: تعرب إعراب «عَنْهُمْ» وهو متعلق باستغفر.
  • ﴿ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ:
  • وشاور: فعل أمر معطوف بواو العطف على «اعف» ويعرب إعراب استغفر. هم: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في الأمر: جار ومجرور متعلق بشاور.
  • ﴿ فَإِذا عَزَمْتَ:
  • الفاء: استئنافية. إذا: ظرف زمان مبني على السكون متضمن معنى الشرط. عزمت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «عَزَمْتَ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. توكل: تعرب إعراب «اسْتَغْفِرْ» وجملة «توكل» جواب شرط غير جازم لا محل لها. على: حرف جر. الله لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم بعلى وعلامة الجر الكسرة. والجار والمجرور متعلق بتوكل.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة يحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «يُحِبُّ» في محل رفع خبر «إِنَّ». المتوكلين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 159﴿فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ
النمل: 79﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِينِ
النساء: 81﴿وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا
الأنفال: 61﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ
الأحزاب: 3﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا
الأحزاب: 48﴿وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [159] لما قبلها :     ولَمَّا عفا اللهُ عز وجل عمَّا حدثَ من الصحابةِ في أُحدٍ؛ أمرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم هنا أن يعاملَهم بالرفقِ ويعفوَ عنهم ويستشيرَهم، قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ

القراءات :

فى الأمر:
1- وهى قراءة الجمهور، وليس على العموم، إذ لا يشاور فى التحليل والتحريم، و «الأمر» اسم جنس يقع للكل والبعض.
وقرئ:
2- فى بعض الأمر، وهى قراءة ابن عباس.
عزمت:
قرئ:
1- بفتح التاء، على الخطاب، وهى قراءة الجمهور.
2- بضم التاء، على أنها ضمير لله تعالى، والمعنى: فإذا عزمت لك على شيء أي: أرشدتك إليه وجعلتك تقصده، وهى قراءة عكرمة، وجابر بن زيد، وأبى نهيك، وجعفر الصادق.

مدارسة الآية : [160] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ ..

التفسير :

[160] إن يمددكم الله بنصره ومعونته فلا أحد يستطيع أن يغلبكم، وإن يخذلكم فمن هذا الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خِذْلانه لكم؟ وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون.

أي:إن يمددكم الله بنصره ومعونته{ فلا غالب لكم} فلو اجتمع عليكم من في أقطارها وما عندهم من العدد والعُدد، لأن الله لا مغالب له، وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه، ولا تسكن إلا بإذنه.{ وإن يخذلكم} ويكلكم إلى أنفسكم{ فمن ذا الذي ينصركم من بعده} فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق. وفي ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله والاعتماد عليه، والبراءة من الحول والقوة، ولهذا قال:{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون} بتقديم المعمول يؤذن بالحصر، أي:على الله توكلوا لا على غيره، لأنه قد علم أنه هو الناصر وحده، فالاعتماد عليه توحيد محصل للمقصود، والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه، بل ضار. وفي هذه الآية الأمر بالتوكل على الله وحده، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله.

ولقد أكد الله- تعالى- وجوب التوكل عليه بعد ذلك في قوله:إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ. وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ؟

والمراد بالنصر هنا العون الذي يسوقه لعباده حتى ينتصروا على أعدائهم. والمراد بالخذلان ترك العون. والمخذول، هو المتروك الذي لا يعبأ به.

يقال: خذلت الوحشية إذا أقامت على ولدها في المرعى وتركت صواحباتها.

والمعنى: إن يرد الله- تعالى- نصركم كما نصركم يوم بدر- فَلا غالِبَ لَكُمْ أى فإنه لا يوجد قوم يستطيعون قهركم، لأن الله معكم، ومن كان الله معه فلن يغلبه أحد من الخلق.

وإن يرد أن يخذلكم ويمنع عنكم عونه كما حدث لكم يوم أحد، فلن يستطيع أحد أن ينصركم من بعد خذلانه، لأنه لا يوجد أحد عنده قدرة تقف أمام قدرة الله- تعالى- ومشيئته.

والاستفهام هنا إنكارى بمعنى النفي، أى لا أحد يستطيع نصركم إن أراد الله خذلانكم، وهو جواب للشرط الثاني.

وفيه لطف بالمؤمنين، حيث صرح لهم بعدم الغلبة في الأول، ولم يصرح لهم بأنهم لا ناصر لهم في الثاني، بل أتى به في صورة الاستفهام وإن كان معناه نفيا ليكون أبلغ، إذ في مجيئه على هذه الصورة الاستفهامية توجيه لأنظار المخاطبين إلى البحث عن قوى تكون قدرته كافية للوقوف أمام إرادة الله- تعالى- ولا شك أنهم لن يجدوه، وعندئذ سيعتقدون عن يقين بأن الله وحده هو الكبير المتعال، وأنه لا ناصر لهم سواه.

وقوله وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أى وعلى الله وحده لا على أحد سواه. فليجعل المؤمنون اعتمادهم واتكالهم عليه، لأن الذين يعتمدون على أن قوة سوى الله- تعالى- لن يصلوا إلى العاقبة الطيبة التي أعدها- سبحانه- لعباده المتقين.

فالآية الكريمة كلام مستأنف، وقد سيق بطرق تلوين الخطاب، تشريفا للمؤمنين لإيجاب التوكل عليه والترغيب في طاعته التي تؤدى إلى النصر، وتحذيرا لهم من معصيته التي تفضى إلى الخسران والخذلان.

وقوله : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) وهذا كما تقدم من قوله : ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) [ آل عمران : 126 ] ثم أمرهم بالتوكل عليه فقال : ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )

القول في تأويل قوله : إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " إن ينصركم الله "، أيها المؤمنون بالله ورسوله، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه والكافرين به =" فلا غالب لكم " من الناس، يقول: فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد، ولو اجتمع عليكم مَن بين أقطارها من خلقه، فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم، ما كنتم على أمره واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله، فإن الغلبة لكم والظفر، دونهم =" وإن يخذُلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده "، يعني: إن يخذلكم ربكم بخلافكم أمره وترككم طاعته وطاعة رسوله، فيكلكم إلى أنفسكم =" فمن ذا الذي ينصركم من بعده "، يقول: فأيسوا من نصرة الناس، (20) فإنكم لا تجدون [ناصرًا] من بعد خذلان الله إياكم إن خذلكم، (21) يقول: فلا تتركوا أمري وطاعتي وطاعة رسولي فتهلكوا بخذلاني إياكم =" وعلى الله فليتوكل المؤمنون "، يعني: ولكن على ربكم، أيها المؤمنون، فتوكلوا دون سائر خلقه، وبه فارضوا من جميع من دونه، ولقضائه فاستسلموا، وجاهدوا فيه أعداءه، يكفكم بعونه، ويمددكم بنصره. كما:-

8135- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إن ينصركم &; 7-348 &; الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون "، أي: إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس = لن يضرك خذلان من خذلك، و إن يخذلك فلن ينصرك الناس =" فمن الذي ينصركم من بعده "، أي: لا تترك أمري للناس، وارفض [أمر] الناس لأمري، وعلى الله، [لا على الناس]، فليتوكل المؤمنون. (22)

----------------

الهوامش :

(20) أيست من الشيء آيس يأسًا ، لغة في"يئست منه أيأس يأسًا" ، وقد سلف مثل ذلك في موضع آخر لم أجده الآن.

(21) في المطبوعة: "فإنكم لا تجدون امرءًا من بعد خذلان الله" ، وفي المخطوطة: "لا تجدون أمرًا" ، ولم أجد لهما معنى أرتضيه ، فوضعت"ناصرًا" مكان"أمرًا" بين القوسين ، استظهارًا من معنى الآية ، وإن كنت أخشى أن يكون قد سقط من الناسخ شيء ، أو كتبت شيئًا مصحفًا لم أهتد لأصله. وانظر سهو الناسخ في التعليق التالي.

(22) الأثر: 8135- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8132 ، بيد أنه في سيرة ابن هشام مختصر. لم يرو ابن هشام صدر هذا الخبر ، بل بدأ من قوله: "أي: لا تترك" ، وقد أخطأ الناسخ فيما أرجح فسقط منه ما أثبت من سيرة ابن هشام بين الأقواس.

التدبر :

وقفة
[160] عجبًا لمن يطلب العون والنصر من غير الله بعد هذه الآية!
وقفة
[160] ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ لأن الله لا مغالب له، وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه، ولا تسكن إلا بإذنه.
تفاعل
[160] ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ سَل الله أن يُعجل نصر المؤمنين.
وقفة
[160] ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾ النصر الحقيقي من الله تعالى، فهو القوي الذي لا يُحارَب، والعزيز الذي لا يُغالَب.
تفاعل
[160] تذكر أن طلب النصر من غير الله خذلان، والمنصور من نصره الله، والمخذول من خذله الله عز وجل ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾.
وقفة
[160] ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾ الخذلان: أن يكلك الله إلى نفسك، والتوفيق ضده: أن لا يدعه ونفسك، ولا يكلك إليها.
وقفة
[160] ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾ وفي الحديث قال ﷺ: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». [أحمد 5/42، وحسنه الألباني].
وقفة
[160] ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾ قال ابن القيم: «فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس، فإن تولاه الله لم يظفر به عدوه، وإن خذله وأعرض عنه افترسه الشيطان، كما يفترس الذئب الشاة».
وقفة
[160] ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ﴾ وَيَكِلْكُم إلى أنفسكم ﴿فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾ فلابد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق.
وقفة
[160] سبب كل خذلان في الأمة أنها ضيَّعت حق الله فضيَّع الله حقها ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد: 7]، ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾.
وقفة
[160] ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الله يريد منا أن نشعر بـ(السلام الداخلي)، فلا ضجيج أفكار يقلقنا، وﻻ خوف يستنزف طاقتنا.
لمسة
[160] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ تقديم (على الله) على عامله يدل على الحصر والقصر، فليس هنالك اعتماد ولجوء إلا على الله سبحانه.

الإعراب :

  • ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ:
  • إن: حرف شرط جازم يجزم فعلين مضارعين. الأول: فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه. ينصركم: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه سكون آخره. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ فَلا غالِبَ لَكُمْ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. لا: نافية للجنس تعمل عمل «إن» غالب: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر «لا» المحذوف. والميم علامة جمع الذكور. وجملة «فَلا غالِبَ لَكُمْ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء السابقة للنفي في محل جزم.
  • ﴿ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ:
  • الجملة معطوفة بواو العطف على «إِنْ يَنْصُرْكُمُ» وتعرب إعرابها والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.
  • ﴿ فَمَنْ ذَا الَّذِي:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. من: إسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة- نعت- لاسم الاشارة أو بدل منه. وجملة «من ذا الذي» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ:
  • ينصر: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والميم علامة جمع الذكور. من بعده: جار ومجرور متعلق بينصركم. والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجملة «يَنْصُرْكُمُ» صلة الموصول.
  • ﴿ وَعَلَى اللَّهِ:
  • الواو: استئنافية. على الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيتوكل.
  • ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ:
  • الفاء: زائدة. اللام: لام الأمر. يتوكل: فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه السكون حرّك بالكسر لالتقاء الساكنين. المؤمنون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. '

المتشابهات :

ابراهيم: 12﴿وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
آل عمران: 122﴿إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
آل عمران: 160﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
المائدة: 11﴿فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
التوبة: 51﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
ابراهيم: 11﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
المجادلة: 10﴿وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
التغابن: 13﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [160] لما قبلها :     من نصَرَه اللهُ فلا غالبَ له، قال تعالى:
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ

القراءات :

يخذلكم:
قرئ:
1- يخذلكم، من خذل، وهى قراءة الجمهور.
2- يخذلكم، من أخذل، رباعيا، والهمزة فيه للجعل أي: يجعلكم، وهى قراءة عبيد بن عمير.

مدارسة الآية : [161] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ..

التفسير :

[161] وما كان لنبيٍّ أن يَخُونَ أصحابه بأن يأخذ شيئاً من الغنيمة غير ما اختصه الله به، ومن يفعل ذلك منكم يأت بما أخذه حاملاً له يوم القيامة؛ ليُفضَح به في الموقف المشهود، ثم تُعطى كل نفس جزاءَ ما كسبت وافياً غير منقوص دون ظلم.

الغلول هو:الكتمان من الغنيمة، [والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان] وهو محرم إجماعا، بل هو من الكبائر، كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص، فأخبر الله تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل، لأن الغلول -كما علمت- من أعظم الذنوب وأشر العيوب. وقد صان الله تعالى أنبياءه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم، وجعلهم أفضل العالمين أخلاقا، وأطهرهم نفوسا، وأزكاهم وأطيبهم، ونزههم عن كل عيب، وجعلهم محل رسالته، ومعدن حكمته{ الله أعلم حيث يجعل رسالته}. فبمجرد علم العبد بالواحد منهم، يجزم بسلامتهم من كل أمر يقدح فيهم، ولا يحتاج إلى دليل على ما قيل فيهم من أعدائهم، لأن معرفته بنبوتهم، مستلزم لدفع ذلك، ولذلك أتى بصيغة يمتنع معها وجود الفعل منهم، فقال:{ وما كان لنبي أن يغل} أي:يمتنع ذلك ويستحيل على من اختارهم الله لنبوته. ثم ذكر الوعيد على من غل، فقال:{ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} أي:يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة،{ ثم توفى كل نفس ما كسبت} الغال وغيره، كل يوفى أجره ووزره على مقدار كسبه،{ وهم لا يظلمون} أي:لا يزاد في سيئاتهم، ولا يهضمون شيئا من حسناتهم، وتأمل حسن هذا الاحتراز في هذه الآية الكريمة. لما ذكر عقوبة الغال، وأنه يأتي يوم القيامة بما غله، ولما أراد أن يذكر توفيته وجزاءه، وكان الاقتصار على الغال يوهم -بالمفهوم- أن غيره من أنواع العاملين قد لا يوفون -أتى بلفظ عام جامع له ولغيره.

ثم نهى- سبحانه- عن الغلول ونزه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال- تعالى- وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ وقوله يَغُلَّ من الغلول وهو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها. يقال: غل فلان شيئا من المغنم يغل غلولا إذا أخذه خفية. ويقال: أغل الجازر أو السالخ إذا أبقى في الجلد شيئا من اللحم على طريق الخفية.

وأصله من الغلل وهو دخول الماء في خلل الشجر خفية. والغل: الحقد الكامن في الصدر وسميت هذه الخيانة غلولا، لأنها تجرى في المال على خفاء من وجه لا يحل.

والمعنى: ما صح ولا استقام لنبي من الأنبياء أن يخون في المغنم، لأن الخيانة تتنافى مع مقام النبوة الذي هو أشرف المقامات وَمَنْ يَغْلُلْ أى ومن يرتكب شيئا من ذلك، يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ أى يأت بما غله يوم القيامة حاملا إياه ليكون فضيحة له يوم الحشر، ليؤخذ بإثم غلوله وخيانته.

وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية» وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر.

فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخذها، وأكثروا في ذلك فأنزل الله الآية» .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضا أن المنافقين اتهموا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء فقد، فأنزل الله- تعالى- وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ.

قال ابن كثير- بعد أن ساق هاتين الروايتين- وهذا تنزيه له صلّى الله عليه وسلّم من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسمة الغنيمة وغير ذلك .

وفي ورود هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن غزوة أحد، حكمة عظيمة، وتأديب من الله للمؤمنين، وتحذير لهم من الغلول، ذلك أن الرماة الذين تركوا أماكنهم مخالفين أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد دفعهم لذلك خشيتهم من أن ينفرد المقاتلون بالغنائم، ففعلوا ما فعلوا، ولقد روى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال للرماة: «أظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم» .

وقد نهى صلّى الله عليه وسلّم في كثير من الأحاديث عن الغلول ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: «قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثنى، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثنى فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثنى فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثنى فأقول: لا أملك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق- أى ثياب- فيقول يا رسول الله أغثنى فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت- أى ذهب وفضة- فيقول: يا رسول الله أغثنى فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك» .

هذا، وجمهور العلماء على أن الغال يأتى بما غله يوم القيامة بعينه على سبيل الحقيقة لأن ظواهر النصوص من الكتاب والسنة نؤيد ذلك. ولأنه لا موجب لصرف الألفاظ عن ظواهرها.

ومن العلماء من جعل الإتيان بالغلول يوم القيامة مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيرا بما غل عما لزمه من الإثم مجازا.

قال الفخر الرازي: «واعلم أن هذا التأويل- المجازى- يحتمل، إلا أن الأصل المعتبر في علم القرآن أنه يجب إجراء اللفظ على الحقيقة إلا إذا قام دليل يمنع منه. وهنا لا مانع من هذا الظاهر فوجب إثباته».

ومن المفسرين الذين حملوا الإتيان على ظاهره الإمام القرطبي فقد قال عند تفسيره لقوله- تعالى- وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ أى يأتى به حاملا له على ظهره ورقبته معذبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رءوس الاشهاد.

وقال بعد إيراده للحديث السابق الذي رواه مسلم عن أبى هريرة: قيل الخبر محمول على شهرة الأمر. أى يأتى يوم القيامة قد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيرا له رغاء أو فرسا له حمحمة.

قلت: وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه، وإذا دار الكلام بين الحقيقة والمجاز فالحقيقة الأصل- كما في كتب الأصول- وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالحقيقة ولا عطر بعد عروس» .

ثم نبه- سبحانه- على العقوبة التي ستحل بالخائن، بعد أن بين ما سيناله من فضيحة وخزي فقال: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

أى: ثم تعطى كل نفس يوم القيامة جزاء ما كسبت من خير أو شر وافيا تاما، وهم لا يظلمون شيئا، لأن الحاكم بينهم هو ربك الذي لا يظلم أحدا.

وهذه الجملة معطوفة على ما قبلها وقوله وَمَنْ يَغْلُلْ وجاء العطف بثم المفيدة للتراخي، للإشعار بالتفاوت الشديد بين حمله ما غل وبين جزائه وسوء عاقبته يوم القيامة.

وقال- سبحانه- ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ.. بصيغة العموم، ولم يقل ثم يوفى الغال مثلا- لأن من فوائد ذكر هذا الجزاء بصيغة العموم، الإعلام والإخبار للغال وغيره من جميع الكاسبين

بأن كل إنسان سيجازى على عمله سواء أكان خيرا أو شرا. فيندرج الغال تحت هذا العموم أيضا فكأنه قد ذكر مرتين.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: فإن قلت: هلا قيل ثم يوفى ما كسب ليتصل به؟ قلت: جيء بعام دخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى، وهو أبلغ وأثبت، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيرا أو شرا مجزى فموفى جزاءه، علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب .

وقوله : ( وما كان لنبي أن يغل ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد : ما ينبغي لنبي أن يخون .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيب بن واضح ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان [ عن ] خصيف ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها . فأنزل الله : ( وما كان لنبي أن يغل ) أي يخون .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا خصيف ، حدثنا مقسم حدثني ابن عباس أن هذه الآية : ( وما كان لنبي أن يغل ) نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : أخذها قال فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله : ( وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة )

وكذا رواه أبو داود ، رحمه الله ، والترمذي جميعا ، عن قتيبة ، عن عبد الواحد بن زياد ، به . وقال الترمذي : حسن غريب . ورواه بعضهم عن خصيف ، عن مقسم - يعني مرسلا .

وروى ابن مردويه من طريق أبي عمرو بن العلاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : اتهم المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فقد ، فأنزل الله ، عز وجل : ( وما كان لنبي أن يغل )

وقد روي من غير وجه عن ابن عباس نحو ما تقدم . وهذا تبرئة له ، صلوات الله وسلامه عليه ، عن جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك .

وقال العوفي عن ابن عباس : ( وما كان لنبي أن يغل ) أي : بأن يقسم لبعض السرايا ويترك بعضا وكذا قال الضحاك .

وقال محمد بن إسحاق : ( وما كان لنبي أن يغل ) بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه أمته .

وقرأ الحسن البصري وطاوس ، ومجاهد ، والضحاك : ( وما كان لنبي أن يغل ) بضم الياء أي : يخان .

وقال قتادة والربيع بن أنس : نزلت هذه الآية يوم بدر ، وقد غل بعض أصحابه . رواه ابن جرير عنهما ، ثم حكى عن بعضهم أنه قرأ هذه القراءة بمعنى يتهم بالخيانة .

ثم قال تعالى : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد . وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك ، حدثنا زهير - يعني ابن محمد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي مالك الأشجعي [ رضي الله عنه ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض ، تجدون الرجلين جارين في الأرض - أو في الدار - فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا ، فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة " .

[ " وفي الصحيحين عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين " ] .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة والحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير . قال : سمعت المستورد بن شداد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا ، أو ليست له زوجة فليتزوج ، أو ليس له خادم فليتخذ خادما ، أو ليست له دابة فليتخذ دابة ، ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال " .

هكذا رواه الإمام أحمد ، وقد رواه أبو داود بسند آخر وسياق آخر فقال :

حدثنا موسى بن مروان الرقي ، حدثنا المعافى ، حدثنا الأوزاعي ، عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير ، عن المستورد بن شداد . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة ، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما ، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا " . قال : قال أبو بكر : أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اتخذ غير ذلك فهو غال ، أو سارق " .

قال شيخنا الحافظ المزي [ رحمه الله ] رواه جعفر بن محمد الفريابي ، عن موسى بن مروان فقال : عن عبد الرحمن بن جبير بدل جبير بن نفير ، وهو أشبه بالصواب .

حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا حفص بن بشر ، حدثنا يعقوب القمي حدثنا حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ، فينادي : يا محمد ، يا محمد ، فأقول : لا أملك [ لك ] من الله شيئا ، قد بلغتك . ولا أعرفن أحدكم [ يأتي ] يوم القيامة يحمل جملا له رغاء ، فيقول : يا محمد ، يا محمد . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغتك . ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ، ينادي : يا محمد ، يا محمد . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغتك . ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل [ قشعا ] من أدم ، ينادي : يا محمد ، يا محمد . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغتك " .

لم يروه أحد من أهل الكتب الستة .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، سمع عروة يقول : أخبرنا أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له : ابن اللتبية على الصدقة ، فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : " ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول : هذا لكم وهذا أهدي لي . أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته إن كان بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر " ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال : " اللهم هل بلغت " ثلاثا .

وزاد هشام بن عروة : فقال أبو حميد : بصر عيني ، وسمع أذني ، وسلوا زيد بن ثابت .

أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة وعند البخاري : وسلوا زيد بن ثابت . ومن غير وجه عن الزهري ، ومن طريق عن هشام بن عروة ، كلاهما عن عروة ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هدايا العمال غلول " .

وهذا الحديث من أفراد أحمد وهو ضعيف الإسناد ، وكأنه مختصر من الذي قبله ، والله أعلم .

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو أسامة ، عن داود بن يزيد الأودي ، عن المغيرة بن شبل ، عن قيس بن أبي حازم ، عن معاذ بن جبل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فلما سرت أرسل في أثري فرددت ، فقال : " أتدري لم بعثت إليك ؟ لا تصيبن شيئا بغير إذني فإنه غلول ، ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) لهذا دعوتك ، فامض لعملك " .

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي الباب عن عدي بن عميرة ، وبريدة ، والمستورد بن شداد ، وأبي حميد ، وابن عمر .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ابن علية ، حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي ، عن أبي زرعة بن عمر بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغتك " .

أخرجاه من حديث أبي حيان ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، حدثني قيس ، عن عدي بن عميرة الكندي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس ، من عمل لنا [ منكم ] عملا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة " قال : فقال رجل من الأنصار أسود - قال مجالد : هو سعد بن عبادة - كأني أنظر إليه ، فقال : يا رسول الله ، اقبل عني عملك . قال : " وما ذاك ؟ " قال : سمعتك تقول كذا وكذا . قال : " وأنا أقول ذاك الآن : من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره ، فما أوتي منه أخذه . وما نهي عنه انتهى " . وكذا رواه مسلم ، وأبو داود ، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن ابن جريج ، حدثني منبوذ ، رجل من آل أبي رافع ، عن الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي رافع قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب ، قال أبو رافع : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال : " أف لك . . أف لك " مرتين ، فكبر في [ ذرعي ] وتأخرت وظننت أنه يريدني ، فقال : " ما لك ؟ امش " قال : قلت : أحدثت حدثا يا رسول الله ؟ قال : " وما ذاك ؟ " قلت : أففت بي ، قال : " لا ، ولكن هذا قبر فلان ، بعثته ساعيا على آل فلان ، فغل نمرة فدرع الآن مثله من نار " .

حديث آخر : قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج - وكان بمكة - حدثنا عبيدة بن الأسود ، عن القاسم بن الوليد ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، عن عبادة بن الصامت ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ، ثم يقول : " ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم ، إياكم والغلول ، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة ، أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك ، وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد ، في الحضر والسفر ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة ، إنه لينجي الله به من الهم والغم ، وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ، ولا تأخذكم في الله لومة لائم " . وقد روى ابن ماجه بعضه عن المفلوج ، به .

حديث آخر : عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ردوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة " .

حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن مطرف ، عن أبي الجهم ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيا ثم قال : " انطلق - أبا مسعود - لا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته " . قال : إذا لا أنطلق . قال : إذا لا أكرهك " . تفرد به أبو داود .

حديث آخر : قال أبو بكر بن مردويه : أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا عبد الحميد بن صالح أنبأنا أحمد بن أبان ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الحجر ليرمى به [ في ] جهنم فيهوي سبعين خريفا ما يبلغ قعرها ، ويؤتى بالغلول فيقذف معه " ، ثم يقال لمن غل ائت به ، فذلك قوله : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثني سماك الحنفي أبو زميل ، حدثني عبد الله بن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، وفلان شهيد . حتى أتوا على رجل فقالوا : فلان شهيد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا إني رأيته في النار في بردة غلها - أو عباءة " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس : إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " . قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون .

وكذا رواه مسلم ، والترمذي من حديث عكرمة بن عمار به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة مصدقا ، فقال : " إياك يا سعد أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء " قال : لا آخذه ولا أجيء به . فأعفاه . ثم رواه من طريق عبيد الله عن نافع ، به ، نحوه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا صالح بن محمد بن زائدة ، عن سالم بن عبد الله ، أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الروم ، فوجد في متاع رجل غلول . قال : فسأل سالم بن عبد الله فقال : حدثني أبي عبد الله ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه " : قال : وأحسبه قال : واضربوه ، قال : فأخرج متاعه في السوق ، فوجد فيه مصحفا ، فسأل سالما ، فقال : بعه وتصدق بثمنه .

وهكذا رواه علي بن المديني ، وأبو داود ، والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي - زاد أبو داود : وأبو إسحاق الفزاري - كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة ، به .

وقد قال علي بن المديني ، رحمه الله ، والبخاري وغيرهما : هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا . وقال الدارقطني : الصحيح أنه من فتوى سالم فقط ، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام [ أحمد ] بن حنبل ، رحمه الله ، ومن تابعه من أصحابه ، وخالفه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والجمهور ، فقالوا : لا يحرق متاع الغال ، بل يعزر تعزير مثله . وقال البخاري : وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ، ولم يحرق متاعه ، والله أعلم .

طريق أخرى عن عمر : قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن موسى بن جبير حدثه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه : أن عبد الله بن أنيس حدثه : أنه تذاكر هو وعمر بن الخطاب يوما الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة : " من غل منها بعيرا أو شاة ، فإنه يحمله يوم القيامة " ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى .

ورواه ابن ماجه ، عن عمرو بن سواد ، عن عبد الله بن وهب ، به .

ورواه الأموي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : عقوبة الغال أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه .

ثم روي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن علي [ رضي الله عنه ] قال : الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد [ المملوك ، ويحرم نصيبه ، وخالفه أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا : لا يحرق متاع الغال ، بل يعزر تعزير مثله ، وقد قال البخاري : وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ولم يحرق متاعه ، والله أعلم ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن خمير بن مالك قال : أمر بالمصاحف أن تغير قال : فقال ابن مسعود : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغله ، فإنه من غل شيئا جاء به يوم القيامة ، ثم قال قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

وروى وكيع في تفسيره عن شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم ، قال : لما أمر بتحريق المصاحف قال عبد الله : يا أيها الناس ، غلوا المصاحف ، فإنه من غل يأت بما غل يوم القيامة ، ونعم الغل المصحف . يأتي به أحدكم يوم القيامة .

وقال [ أبو ] داود عن سمرة بن جندب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالا فينادي في الناس ، فيجيئون بغنائمهم يخمسه ويقسمه ، فجاء رجل يوما بعد النداء بزمام من شعر فقال : يا رسول الله ، هذا كان مما أصبنا من الغنيمة . فقال : " أسمعت بلالا ينادي ثلاثا ؟ " ، قال : نعم . قال : " فما منعك أن تجيء به ؟ " فاعتذر إليه ، فقال : " كلا أنت تجيء به يوم القيامة ، فلن أقبله منك " .

القول في تأويل قوله : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ

اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته جماعة من قرأة الحجاز والعراق: ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ )، بمعنى: أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم. واحتجَّ بعض قارئي هذه القراءة: أنّ هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطيفة فُقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم: " لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها!"، ورووا في ذلك روايات، فمنها ما:-

8136- حدثنا به محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا خصيف قال، حدثنا مقسم قال، حدثني ابن عباس: أن هذه الآية: " وما كان لنبيّ أن يغل "، نـزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، قال: فقال بعض الناس: أخذها! قال: فأكثروا في ذلك، فأنـزل الله عز وجل: " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلُل يأت بما غل يوم القيامة ". (23)

8137- حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا &; 7-349 &; خصيف قال، سألت سعيد بن جبير: كيف تقرأ هذه الآية: " وما كان لنبي أن يغُل " أو: " يُغَل "؟ قال: لا بل " يَغُل "، فقد كان النبي والله يُغَل ويقتل.

8138- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس: " وما كان لنبي أن يغل "، قال: كان ذلك في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر، فقال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " فلعل النبي أخذها "! فأنـزل الله عز وجل: " وما كان لنبي أن يغُل " = [قال سعيد: بلى والله، إنّ النبي ليُغَلّ ويُقتل]. (24)

8139- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خلاد، عن زهير، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت قطيفة فقدت يوم بدر، فقالوا: " أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم!". فأنـزل الله عز وجل: " وما كان لنبيّ أن يغُلّ".

8140- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مالك بن إسماعيل قال، حدثنا زهير قال، حدثنا خصيف، عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله: " وما كان لنبي أن يغل "، قالا يغُل = قال قال عكرمة أو غيره، عن ابن عباس، قال = كانت قطيفة فقدت يوم بدر، فقالوا: أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: فأنـزل الله هذه الآية: " وما كان لنبي أن يغل ".

8141- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا قزعة بن سويد الباهلي، عن حميد الأعرج، عن سعيد بن جبير قال: نـزلت هذه الآية: " وما كان لنبي أن يغل "، في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة. (25)

8142- حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال، حدثنا معتمر، عن أبيه، عن سليمان الأعمش قال: كان ابن مسعود يقرأ: ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ )، فقال ابن عباس: بلى، ويُقْتَل = قال: فذكر ابن عباس أنه إنما كانت في قطيفة قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَلَّها، يوم بدر. فأنـزل الله: " وما كان لنبيّ أن يَغُل ".

* * *

وقال آخرون ممن قرأ ذلك كذلك، بفتح " الياء " وضم " الغين ": إنما نـزلت هذه الآية في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجَّههم في وجه، ثم غنم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقسم للطلائع، فأنـزل الله عز وجل هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم، يعلمه فيها أن فعله الذي فعله خطأ، وأنّ الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قسم لغيرهم، ويعرِّفه الواجبَ عليه من الحكم فيما &; 7-351 &; أفاء الله عليه من الغنائم، وأنه ليس له أن يخصّ بشيء منها أحدًا ممن شهد الوقعة - أو ممن كان رِدْءًا لهم في غزوهم - دون أحد. (26)

*ذكر من قال ذلك:

8143- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة "، يقول: ما كان للنبي أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القَسْم، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر الله، ويحكم فيه بما أنـزل الله. يقول: ما كان الله ليجعل نبيًّا يغلُّ من أصحابه، فإذا فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استنُّوا به. (27)

8144- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: أنه كان يقرأ: " ما كان لنبي أن يغلَّ"، قال: أن يعطي بعضًا، ويترك بعضًا، إذا أصاب مغنمًا.

8145- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقسم للطلائع، فأنـزل الله عز وجل: " وما كان لنبيّ أن يغل ".

8146- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: " ما كان لنبي أن يغل "، يقول: ما كان لنبيّ أن يقسم لطائفة من أصحابه ويترك طائفة، ولكن يعدل ويأخذ في ذلك بأمر الله عز وجل، ويحكم فيه بما أنـزل الله.

8147- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا &; 7-352 &; جويبر، عن الضحاك في قوله: " ما كان لنبي أن يغل "، قال: ما كان له إذا أصاب مغنمًا أن يقسم لبعض أصحابه ويدع بعضًا، ولكن يقسم بينهم بالسوية.

* * *

وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح " الياء " وضم " الغين ": إنما أنـزل ذلك تعريفًا للناس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يكتم من وحي الله شيئًا.

*ذكر من قال ذلك:

8148- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وما كان لنبيّ أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون "، أي: ما كان لنبيّ أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس ولا رغبة، ومن يعمل ذلك يأت به يوم القيامة. (28)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل قراءة من قرأ ذلك كذلك: ما ينبغي لنبي أن يكون غالا - بمعنى أنه ليس من أفعال الأنبياء خيانة أممهم.

* * *

يقال منه: " غلّ الرجل فهو يغُلُّ"، إذا خان،" غُلولا ". ويقال أيضًا منه: " أغلَّ الرجل فهو يُغِلُّ إغلالا "، كما قال شريح: " ليس على المستعير غير المغِلِّ ضمَان "، يعني: غير الخائن. ويقال منه: " أغلّ الجازر "، إذا سرق من اللحم شيئا مع الجلد. (29)

* * *

وبما قلنا في ذلك جاء تأويل أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

8149- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا &; 7-353 &; أسباط، عن السدي: " ما كان لنبي أن يغل "، يقول: ما كان ينبغي له أن يخون، فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تخونوا.

8150- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ما كان لنبي أن يغل "، قال: أن يخون.

* * *

وقرأ ذلك آخرون: ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ ) بضم " الياء " وفتح " الغين "، وهي قراءة عُظم قرأة أهل المدينة والكوفة.

* * *

واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله.

فقال بعضهم: معناه: ما كان لنبي أن يَغُلّه أصحابه، ثم أسقط" الأصحاب "، فبقي الفعل غير مسمًّى فاعله. وتأويله: وما كان لنبيّ أن يُخان.

*ذكر من قال ذلك:

8151- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عوف، عن الحسن أنه كان يقرأ: " وما كان لنبيّ أن يُغَل " قال عوف، قال الحسن: أن يخان.

8152- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وما كان لنبي أن يغل "، يقول: وما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه من المؤمنين - ذكر لنا أن هذه الآية نـزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد غَلَّ طوائف من أصحابه.

8153- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: " وما كان لنبي أن يُغَل "، قال: أن يغله أصحابه.

8154- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " وما كان لنبي أن يُغَلَّ"، قال &; 7-354 &; الربيع بن أنس، يقول: ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه - قال: ذكر لنا، والله أعلم: أن هذه الآية أنـزلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد غَلّ طوائف من أصحابه.

* * *

وقال آخرون منهم: معنى ذلك: وما كان لنبي أن يتهم بالغلول فيخوَّن ويسرَّق. وكأن متأولي ذلك كذلك، وجَّهوا قوله: " وما كان لنبي أن يغل " إلى أنه مراد به: " يغَلَّل "، ثم خففت " العين " من " يفعَّل "، فصارت " يفعل " كما قرأ من قرأ قوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [سورة الأنعام: 33] بتأوُّل: يُكَذِّبُونَك.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي، قراءة من قرأ: ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء، ولا يكون نبيًّا من غلَّ.

وإنما اخترنا ذلك، لأن الله عز وجل أوعد عقيب قوله: " وما كان لنبي أن يغل " أهلَ الغلول فقال: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الآية والتي بعدها. فكان في وعيده عقيب ذلك أهلَ الغلول، الدليلُ الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: " وما كان لنبيّ أن يغلّ". لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغلول، لعقَّب ذلك بالوعيد على التُّهَمة وسوء الظن برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بالوعيد على الغلول. وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول، بيانٌ بيِّنٌ، أنه إنما عرّف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتفٍ من صفة الأنبياء وأخلاقهم، لأنّ ذلك جرم عظيم، والأنبياء لا تأتي مثله.

* * *

فإن قال قائل ممن قرأ ذلك كذلك: فأولى منه (30) " وما كان لنبي أن يخونه أصحابه "، إن كان ذلك كما ذكرت، (31) ولم يعقّب الله قوله: " وما كان لنبي أن يغل " إلا بالوعيد على الغلول، ولكنه إنما وجب الحكمُ بالصحة لقراءة من قرأ: " يغل " بضم " الياء " وفتح " الغين "، لأن معنى ذلك: وما كان للنبي أن يغله أصحابه، فيخونوه في الغنائم؟

قيل له: أفكان لهم أن يغلوا غير النبي صلى الله عليه وسلم فيخونوه، حتى خُصوا بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم؟

فإن قالوا: " نعم "، خرجوا من قول أهل الإسلام. لأن الله لم يبح خيانة أحد في قول أحد من أهل الإسلام قط.

وإن قال قائل: لم يكن ذلك لهم في نبيّ ولا غيره.

قيل: فما وجه خصوصهم إذًا بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم، وغُلوله وغُلول بعض اليهود بمنـزلةٍ فيما حرم الله على الغالِّ من أموالهما، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما؟

وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن معنى ذلك هو ما قلنا، من أن الله عز وجل نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه، ناهيًا بذلك عبادَه عن الغلول، وآمرًا لهم بالاستنان بمنهاج نبيهم، كما قال ابن عباس في الرواية التي ذكرناها من رواية عطية، (32) ثم عقَّب تعالى ذكره نهيَهم عن الغلول بالوعيد عليه فقال: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الآيتين معًا.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ومن يخُن من غنائم المسلمين شيئًا وفيئهم وغير ذلك، يأت به يوم القيامة في المحشر. كما:-

8155- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد أبي حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قام خطيبًا فوعظ وذكَّر ثم قال: ألا عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثُغاء، (33) يقول: يا رسول الله، أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ لها حمحمة، (34) يقول: يا رسول الله، أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ، (35) يقول: يا رسول الله، أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته بقرة لها خوار (36) ، يقول: يا رسول الله، أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك! ألا عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته رِقاع تخفِق &; 7-357 &; يقول: (37) يا رسول الله، أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك! (38)

8156- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحمن، عن أبي حيّان، عن أبى زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل هذا = زاد فيه &; 7-358 &; " لا ألفين أحدكم على رقبته نفسٌ لها صياح ". (39)

8157- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو حيّان، عن أبي زرعة، بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا يومًا، فذكر الغُلول، فعظَّمه وعظَّم أمره فقال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني = (40) ثم ذكر نحو حديث أبي كريب، عن عبد الرحمن. (41)

8158- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حفص بن بشر، عن يعقوب القمي قال، حدثنا حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أعرفَنّ أحدَكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء، ينادي: يا محمد! يا محمد! (42) فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد بلغتك! ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا له رُغاء يقول: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلغتك! ولا أعرفنَّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسًا له حمحمة ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلغتك! ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قِشْعًا من أَدَمٍ، (43) &; 7-359 &; ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلغتك ". (44)

8159- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أسباط بن محمد قال، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن عبد الله بن ذكوان، عن عروة بن الزبير، عن أبي حميد قال، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا فجاء بسوادٍ كثير، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقبضه منه. فلما أتوه جعل يقول: هذا لي، وهذا لكم. قال فقالوا: من أين لك هذا؟ قال: أهدي إليّ! فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، فخرج فخطب فقال: " أيها الناس، ما بالي أبعث قومًا إلى الصدقة، فيجيء أحدهم بالسواد الكثير، (45) فإذا بعثت من يقبضه قال:هذا لي، وهذا لكم! فإن كان صادقًا أفلا أهدي له وهو في بيت أبيه أو في بيت أمه؟" ثم قال: " أيها الناس، من بعثناه على عمل فغَلَّ شيئًا، جاء به يوم القيامة على عنقه يحمله، فاتقوا الله أن يأتي أحدكم يوم القيامة على عنقه بعير له رغاء، أو بقرة تخور، أو شاة تثغو ". (46)

8160- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو معاوية وابن نمير وعبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له " ابن الأتْبِيَّة " على صدقات &; 7-360 &; بني سليم، فلما جاء قال: " هذا لكم، وهذا هدية أهديت لي". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا يجلس أحدكم في بيته فتأتيه هديته! ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيقول أحدهم: هذا الذي لكم، وهذا هدية أهديت إليّ! أفلا يجلس في بيت أبيه أو في بيت أمه فتأتيه هديته؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدكم من ذلك شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، فلا أعرفنَّ ما جاء رجل يحمل بعيرًا له رغاء، (47) أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر! (48) ثم رفع يده فقال:ألا هل بلغت "؟

8161- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميد، حدثه بمثل هذا الحديث = قال: أفلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك؟ ثم رفع يده حتى إني لأنظر إلى بياض إبطيه، ثم قال: " اللهم هل بلغت؟"= قال أبو حميد: بَصَرُ عيني وسَمْعُ أذني. (49)

8162- حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وقال، حدثني عمي عبد الله بن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث: أن موسى بن جبير حدثه: أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه: أن عبد الله بن أنيس حدثه: أنه تذاكر هو وعمر يومًا الصدقة فقال: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر &; 7-361 &; غلول الصدقة: " من غل منها بعيرًا أو شاة، فإنه يحمله يوم القيامة "؟ قال عبد الله بن أنيس: بلى. (50)

8163- حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة مصدِّقًا، فقال: إياك، يا سعد، أنْ تجيء يوم القيامة ببعير تحمله رغاء! قال: لا آخذه ولا أجيء به! فأعفاه. (51)

8164- حدثنا أحمد بن المغيرة الحمصي أبو حميد قال، حدثنا الربيع بن روح قال، حدثنا ابن عياش قال، حدثني عبيد الله بن عمر بن حفص، عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استعمل سعد بن عبادة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إياك، يا سعد، أن تجيء يوم القيامة تحمل على عنقك بعيرًا له رغاء! فقال سعد: فإن فعلتُ يا رسول الله، إن ذلك لكائن! قال: نعم! قال سعد: قد علمت يا رسول الله أني أُسأَل فأعْطِى! فأعفنى. فأعفاه. (52)

8165- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن حبان قال، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث قال، حدثني جدي عبيد بن أبي عبيد - وكان أول مولود &; 7-363 &; بالمدينة - قال: استعملت على صدقة دَوْس، فجاءني أبو هريرة في اليوم الذي خرجت فيه، فسلَّم، فخرجت إليه فسلمت عليه فقال: كيف أنت والبعير؟ كيف أنت والبقر؟ كيف أنت والغنم؟ ثم قال: سمعت حبِيِّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أخذ بعيرًا بغير حقه جاء به يوم القيامة له رغاء، ومن أخذ بقرة بغير حقها جاء بها يوم القيامة لها خوار، ومن أخذ شاة بغير حقها جاء بها يوم القيامة على عنقه لها يعار، (53) فإياك والبقر فإنها أحدُّ قرونًا وأشدُّ أظلافًا ". (54)

8166- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثني محمد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن جده عبيد بن أبي عبيد قال: استعملت على صدقة دوس، فلما قضيت العمل قدمت، فجاءني أبو هريرة فسلم علي فقال: أخبرني كيف أنت والإبل = ثم ذكر نحو حديثه عن زيد، إلا أنه قال: جاء به يوم القيامة على عنقه له رُغاء. (55)

8167- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم &; 7-364 &; القيامة "، قال قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم مغنمًا بعث مناديًا: " ألا لا يغلَّن رجلٍ مخْيَطًا فما دونه، (56) ألا لا يغلّنّ رجل بعيرًا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء، ألا لا يغلنّ رجل فرسًا، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حَمْحمة ".

* * *

القول في تأويل قوله : ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه (57) : " ثم توفى كل نفس "، ثم تعطى كل نفس جزاء ما كسبت بكسبها، وافيًا غير منقوص ما استحقه واستوجبه من ذلك (58) =" وهم لا يظلمون "، يقول: لا يفعل بهم إلا الذي ينبغي أن يفعل بهم، من غير أن يعتدي عليهم فينقصوا عما استحقوه. كما:-

8168- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون "، ثم يُجزى بكسبه غير مظلوم ولا متعدًّى عليه. (59)

------------------

الهوامش :

(23) الأثر: 8136-"محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي الأموي" ، روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ، قال النسائي: "لا بأس به" ، وهو ثقة جليل صدوق. و"عبد الواحد بن زياد العبدي" أحد الأعلام سلفت ترجمته في: 2616. و"خصيف بن عبد الرحمن الجزري" ، رأى أنسًا ، وروي عن عطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومقسم وغيرهم. قال أحمد"ضعيف الحديث" ، وقال: "شديد الاضطراب في المسند". وقال ابن عدي: "إذا حدث عن خصيف ثقة ، فلا بأس بحديثه". وقال ابن حبان: "تركه جماعة من أئمتنا واحتج به آخرون ، وكان شيخًا صالحًا فقيهًا عابدًا ، إلا أنه كان يخطئ كثيرًا فيما يروى ، وينفرد عن المشاهير بما لا يتابع عليه ، وهو صدوق في روايته ، إلا أن الإنصاف فيه ، قبول ما وافق الثقات ، وترك ما لم يتابع عليه". مترجم في التهذيب.

والحديث رواه الترمذي في باب تفسير القرآن ، من طريق قتيبة ، عن عبد الواحد بن زياد ، بمثله وقال: "هذا حديث حسن غريب" ، وقد روى عبد السلام بن حرب عن خصيف نحو هذا ، وروى بعضهم هذا الحديث عن خصيف عن مقسم ، ولم يذكر فيه ابن عباس" - يعني مرسلا. ونسبه ابن كثير في تفسيره 2: 279 ، إلى أبي داود أيضًا ، ونسبه السيوطى في الدر المنثور 2: 91 إلى أبي داود ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والترمذي ، وابن جرير.

(24) الأثر: 8138-"عتاب بن بشير الجزري". روي عن خصيف وغيره. قال أحمد: "أرجو أن لا يكون به بأس ، روى بأخرة أحاديث منكرة ، وما أرى إلا أنها من قبل خصيف". مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة: "بل والله" ، والصواب ما أثبت من المخطوطة ، وأما قوله في آخر الأثر: "قال سعيد: . . ." ، فإني تركته مكانه هنا ، ولكني أرجح أنه من تمام الأثر التالي رقم: 8140 ، فوضعته بين القوسين. هذا ، إذا لم يكن قد سقط من الناسخ أثر آخر من رواية سعيد بن جبير.

(25) الأثر: 8141-"قزعة بن سويد بن حجير الباهلي" ، روى عن أبيه ، وحميد بن قيس الأعرج ، وابن أبي مليكة ، وابن أبي نجيح وغيرهم. قال أحمد: "مضطرب الحديث ، وهو شبه المتروك". وقال أبو حاتم: "ليس بذاك القوى" ، وقال ابن حبان: "كان كثير الخطأ فاحش الوهم ، فلما كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بأخباره". وقال البزار: "لم يكن بالقوي ، حدث عنه أهل العلم". مترجم في التهذيب.

(26) الردء (بكسر فسكون): الناصر والمعين.

(27) الأثر: 8143- هذا إسناد دائر في التفسير ، وانظر الكلام فيه برقم: 305.

(28) الأثر: 8148- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8135 ، وفي بعض لفظه اختلاف يسير.

(29) يعني عند سلخ الذبيحة ، يسلخها فيترك شيئًا من اللحم ملتزقًا بإهابها.

(30) قوله: "فأولى منه" ، أي فأولى من المذهب الذي ذهبت إليه في قراءة الآية وتفسيرها = يقوله هذا القائل ، ردًا على أبي جعفر.

(31) في المطبوعة والمخطوطة: "إن ذلك كما ذكرت" سقط من الناسخ"كان" فأثبتها ، لأن هذا هو حق المعنى الذي أراده أبو جعفر في سياق قول من رد عليه قوله.

(32) يعني الأثر: 8143 ، "وعطية" المذكور ، هو"عطية بن سعد بن جنادة العوفي" ، الذي روى عن ابن عباس ، وهو المذكور في الإسناد السالف"عن أبيه". وقد أشكل ذلك على بعض من علق على التفسير ، فقال: لم يمض لعطية هذا ذكر!! ولكنه مذكور كما ترى.

(33) "الثغاء": صوت الشاء والمعز والظباء وما شاكلها."ثغت الشاة تثغو": صاحت. يقال: "ماله ثاغية ولا راغية" ، الثاغية: الشاء: والراغية: الإبل.

(34) الحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل ، كالذي يكون منه إذا طلب العلف ، أو رأى صاحبه الذي كان ألفه ، فاستأنس إليه.

(35) الصامت هو الذهب والفضة ، أو ما لا روح فيه من أصناف المال. يقال: "ما له صامت ولا ناطق". فالناطق: الحيوان ، كالإبل والغنم وغيرها.

(36) "الخوار": صوت الثور ، وما اشتد من صوت البقرة والعجل."خار الثور يخور".

(37) "الرقاع" جمع رقعة: وهو الخرقة ، و"تخفق" تضطرب وتلمع إذا حركتها الرياح ، أو إسراع حاملها. يريد الثياب التي يغلها الغال مما يختطفه من الغنائم. وقد فسره كثير من الشراح بأنه أراد الرقاع المكتوبة التي تكون فيها الحقوق والديون ، وخفوقها حركتها ، وأرجح القولين ما قدمت منهما.

(38) الحديث: 8155- أبو حيان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء التحتية- يحيى بن سعيد ابن حيان التيمي: مضت ترجمته: 5382. ووقع في المطبوعة في الإسنادين التاليين لهذا"أبو حبان" بالباء الموحدة ، وهو خطأ.

ووقع هنا في المخطوطة: "عن يحيى بن سعيد ، عن أبي حيان". وهو خطأ. فإن"أبا حيان": اسمه"يحيى بن سعيد" - كما ذكرنا. ومحمد بن فضيل بن غزوان سمع منه ، ويروى عنه مباشرة ، كما هو ثابت في ترجمتهما.

نعم: إن"يحيى بن سعيد القطان" روى هذا الحديث عن"أبي حيان يحيى بن سعيد التيمي" ، كما سيأتي في التخريج - ولكن ليس في هذا الإسناد.

أبو زرعة - بضم الزاي وسكون الراء: هو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي. وهو تابعي ثقة ، من علماء التابعين. مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 2 / 243 - 244 ، فيمن اسمه"هرم" ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 265 - 266 ، فيمن اسمه"عبد الرحمن" ، لاختلافهم في اسمه. والظاهر أن اسمه كنيته. ووقع في المطبوعة ، في الرواية الآتية: 8157-"عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير" ، وهو تحريف ، صوابه"بن" بدل"عن".

والحديث سيأتي عقب هذا بإسنادين: من طريق عبد الرحمن ، عن أبي حيان ، ومن طريق ابن علية ، عن أبي حيان.

ورواه أحمد في المسند: 9499 (ج2: ص: 426 حلبي). عن إسماعيل -وهو ابن علية- عن أبي حيان.

ورواه مسلم 2: 83 ، عن زهير بن حرب ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، وهو ابن علية ، به.

ورواه البخاري 6: 129 (فتح) ، عن مسدد ، عن يحيى - وهو ابن سعيد القطان ، عن أبي حيان وهو يحيى بن سعيد التيمي.

ورواه مسلم أيضا بأسانيد. وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى 9: 101 بأسانيد.

وروى البخاري قطعة منه ، ضمن حديث ، من وجه آخر 3: 213 (فتح). وذكره ابن كثير 2: 281 ، من رواية المسند ، ثم قال: "أخرجاه من حديث أبي حيان ، به" يريد الشيخين. وذكره السيوطى 2: 92 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، والبيهقي في الشعب.

(39) الحديث: 8156- هو تكرار للحديث السابق. ولكن"عبد الرحمن" - في هذا الإسناد: لم أستطع أن أجزم فيه بشيء. وأخشى أن يكون محرفًا عن"عبد الرحيم" ، فيكون: "عبد الرحيم بن سليمان الأشل" ، فهو الذي يروى عن أبي حيان ، ويروى عنه"أبو كريب". وهو راوي هذا الحديث - رواه مسلم 2: 83 ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الرحمن بن سليمان.

قوله: "نفس لها صياح" ، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "وكأنه أراد بالنفس ، ما يغله من الرقيق ، من امرأة أو صبي".

(40) "الرغاء": صوت ذوات الخف كالإبل ، وقد يستعار لغيره: "رغا البعير يرغو".

(41) الحديث: 8157- هو تكرار للحديثين قبله. وقوله في آخره"ثم ذكر نحو حديث أبي كريب عن عبد الرحمن" أخشى أن يكون محرفًا ، وأن صوابه"عن عبد الرحيم" ، كما بينا من قبل.

(42) قوله: "لا أعرفن" قد سلف أن بينت في التعليق على الأثر: 8011 ، ص: 286 تعليق: 4 ، والأثر: 8025 ، أنها كلمة تقال عند التهديد والوعيد والزجر الشديد ، وستأتي أيضًا في رقم: 8160 بعد.

(43) "القشع": هو النطع الخلق من الجلد ، وهو الفرو الخلق أيضًا. وقال ابن الأثير: أراد القربة البالية. و"الأدم" جمع أديم: وهو الجلد. وفي المطبوعة والمخطوطة وابن كثير"قسما" ، خطأ محض.

(44) الحديث: 8158- حفص بن بشر ، ويعقوب بن عبد الله القمي ، مضيا في: 4842. حفص بن حميد القمي أبو عبيد: مترجم في التهذيب ، وعند ابن أبي حاتم 1 / 2 / 171. وهو ثقة ، وثقه النسائي وغيره. وقال ابن معين: "صالح". وجهله ابن المديني ، ولئن جهله لقد عرفه غيره. وهذا إسناد صحيح. والحديث ذكره ابن كثير 2: 280 ، عن هذا الموضع من الطبري. وقال: "لم يروه أحد من أهل الكتب الستة". ولم أجده في موضع آخر مما بين يدي من المراجع ، حتى السيوطي لم يذكره في الدر المنثور.

(45) "السواد" العدد الكثير من المال ، سمى بذلك لأن الإبل والغنم وغيرها إذا جاءت كثيرة مجتمعة ، ترى كأنها سواد في خافق الأرض. يقال: "لفلان سواد كثير" ، أي مال كثير من إبل وغنم وغيرها. ويقال للشخص الذي يرى من بعيد"سواد" ، وفي الحديث: "إذا رأى أحدكم سوادًا بليل ، فلا يكن أجبن السوادين ، فإنه يخافك كما تخافه" ، يعني بالسواد الشخص.

(46) انظر التعليق على رقم: 8161 .

(47) قوله: "فلا أعرفن" ، انظر التعليق السالف ص: 358 تعليق: 4.

(48) يعرت العنـز تيعر (مثل فتح يفتح) يعارًا (بضم الياء): صوتت صوتًا شديدًا. وكان في المطبوعة: "تثغو" ، وهو وإن كان صوابًا في المعنى ، فهو خطأ في الرواية ، صوابه من المخطوطة ، ومن رواية الحديث كما ترى في التخريج.

(49) الأحاديث: 8159 - 8161 ، هي ثلاثة أسانيد لحديث واحد. وعبد الرحيم - في ثالثها هو ابن سليمان الأشل. والحديث رواه أحمد في المسند 5: 423 - 424 (حلبي) ، عن سفيان ، وهو ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد الساعدي ، بنحوه. وكذلك رواه البخاري 13: 144 - 146 ، ومسلم 2: 83 - 84 ، من طريق سفيان بن عيينة. ورواه البخاري أيضًا في مواضع أخر.

ورواه مسلم -عقب تلك الرواية- من أوجه أخر ، منها من طريق عبد الرحيم بن سليمان. وذكره ابن كثير: 2: 280 - 281 ، من رواية المسند ، ثم قال: "أخرجاه (يعني الشيخين) ، من حديث سفيان بن عيينة. . . ومن غير وجه عن الزهري ، ومن طرق عن هشام بن عروة - كلاهما عن عروة ، به".

قوله: "بصر عيني ، وسمع أذني" اختلفوا في ضبطه ، فروى على أنه فعل"بصر" (بفتح الباء وضم الصاد""وسمع" فعل. وروى"بصر ، وسمع" اسمان. يراد به: "أعلم هذا الكلام يقينًا ، أبصرت عيني النبي صلى الله عليه وسلم حين تكلم به ، وسمعته أذني فلا شك في علمي به" ، كما قال النووي في شرح مسلم 12: 220 ، 221.

(50) الحديث: 8162- موسى بن جبير الأنصاري المدني: مضت ترجمته وتوثيقه في: 2941. عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري المدني: تابعي ثقة. ترجمه ابن أبي حاتم 2 / 2 / 96. ونقل الحافظ في التهذيب أن البخاري صرح بأنه"سمع عبد الله بن أنيس". عبد الله بن أنيس -بالتصغير- الجهني المدني ، حليف الأنصار: صحابي معروف ، مترجم في التهذيب ، والإصابة.

وهذا الحديث من مسند عمر ، ومن مسند عبد الله بن أنيس ، لتصريح كل منهما بأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن الإمام أحمد لم يذكره في مسند عمر ، وذكره في مسند عبد الله بن أنيس فقط.

فرواه أحمد: 16131 (ج 3 ص 498 حلبي) ، عن هارون بن معروف ، عن عمرو بن الحارث - بهذا الإسناد. وكذلك رواه ابنه عبد الله بن أحمد ، عن هارون بن معروف.

ورواه ابن ماجه: 1810 ، من طريق عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، به. وقال البوصيري في زوائده: "في إسناده مقال ، لأن موسى بن جبير ذكره ابن حبان في الثقات وقال: إنه يخطئ. وقال الذهبي في الكاشف: ثقة ، ولم أر لغيرهما فيه كلامًا وعبد الله بن عبد الرحمن: ذكره ابن حبان في الثقات. وباقي رجاله ثقات". ونقله ابن كثير 2: 283 ، عن هذا الموضع من تفسير الطبري ، ثم نسبه أيضًا لابن ماجه ، ولم يزد! ففاته أن ينسبه للمسند ، وهو أهم.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير: 8882 ، ونسبه لأحمد ، والضياء المقدسي ، عن عبد الله بن أنيس فقط. وهو عنه وعن عمر ، كما بينا.

(51) الحديث: 8163- سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي: مضيا في: 2255 يحيى بن سعيد الأنصاري النجاري: مضى مرارًا ، آخرها: 4809. وهذا إسناد صحيح ، رجاله رجال الصحيح. وسيأتي تخريج الحديث في الذي بعده.

(52) الحديث: 8164- أحمد بن المغيرة ، شيخ الطبري: مضى في: 3473 أني لم أعرفه. وقد زادنا أبو جعفر هنا تعريفًا به ، فنسبه"الحمصي" ، وأن كنيته"أبو حميد". ولا يزال مع هذا غير معروف لنا. الربيع بن روح الحمصي ، أبو روح الحضرمي. ثقة ، روى عنه أيضًا أبو حاتم ، وقال: "وكان ثقة خيارًا". مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 2 / 1 / 255 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 461. ابن عياش: هو إسماعيل بن عياش الحمصي ، مضى توثيقه في: 5445.

وهذا إسناد صحيح أيضًا ، لكن إسماعيل بن عياش لم يخرج له شيء في الصحيحين. والحديث في معنى الذي قبله ، أطول في اللفظ قليلا. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3: 86 ، من حديث ابن عمر ، بنحو اللفظ السابق. وقال: "رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح".

وذكره ابن كثير 2: 283 ، عن الرواية الماضية من الطبري. ثم قال: "ثم رواه من طريق عبيد الله ، عن نافع ، به. نحوه". ولم يروه أحمد في المسند في مسند عبد الله بن عمر ، ولكن رواه في مسند"سعد بن عبادة" ، من حديثه 5: 285 (حلبي) ، بنحوه -بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب ، عن سعد بن عبادة. وهو إسناد منقطع بين ابن المسيب وابن عبادة. فإن سعد بن عبادة توفي سنة 15 ، وقيل: سنة 11. وسعيد بن المسيب ولد سنة 15 ، فلم يدركه يقينًا. وكذلك ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3: 85 ، من حديث سعد بن عبادة. وقال: "رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات ، إلا أن سعيد بن المسيب لم ير سعد بن عبادة".

(53) في المطبوعة: "لها ثغاء" ، وأثبت ما في المخطوطة. قد سلف"اليعار" ص: 360 ، تعليق: 2.

(54) الحديث: 8165- أبو كريب: هو محمد بن العلاء ، الحافظ الثقة. زيد بن حبان: هكذا ثبت في الطبري. وأكاد أجزم بأنه محرف. فليس في الرواة -فيما نعلم- إلا زيد بن حبان الرقى ، وهو قديم ، مات سنة 158. فلم يدركه أبو كريب المتوفي سنة 248. والراجح عندي أنه محرف عن"زيد بن الحباب العكلي" ، الذي يروي عنه كريب كثيرًا. وهو ثقة ، مضت ترجمته: 2185.

عبد الرحمن بن الحارث بن عبيد بن أبي عبيد: ثقة. قال أبو زرعة: "لا بأس به". وهو مترجم عند ابن أبي حاتم 2 / 2 / 224 ، باسم"عبد الرحمن بن الحارث بن أبي عبيد". فقصر في نسبه ، إذ حذف اسم جده الأدنى. وقد ثبت نسبه على الصواب في ترجمة جده في التهذيب. ولم أجد لعبد الرحمن هذا ترجمة غيرها. عبيد بن أبي عبيد الغفاري ، مولى بني رهم: تابعي ثقة. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 411 ، وثقات ابن حبان ، ص: 269 (مخطوط مصور). وقد خلط ابن أبي حاتم في اسم حفيده"عبد الرحمن بن الحارث" فذكره في ترجمة جده ، في الرواة عنه ، باسم"عبد الرحمن بن عبيد بن الحارث". والحديث سيأتي عقبه بإسناد آخر.

(55) الحديث: 8166- خالد بن مخلد: هو القطواني البجلي. مضت ترجمته في: 2206.

وقوله"حدثني محمد" - هكذا ثبت في الطبري. وأكاد أجزم أنه خطأ ، زيادة من الناسخين. فإن"خالد بن مخلد" يروي عن"عبد الرحمن بن الحارث بن عبيد" مباشرة ، كما ثبت في ترجمة"عبد الرحمن" عند ابن أبي حاتم. وفيه: "سئل أبو زرعة عن عبد الرحمن بن الحارث الذي يحدث عنه خالد بن مخلد القطواني".

ولو كان هذا الراوي"محمد" ثابتا في الإسناد ، لبين نسبه أو نحو ذلك ، فإن اسم"محمد" أكثر الأسماء دورانًا ، فلا يذكر هكذا مجهلا ، دون قرينة ترشد عن شخصه. والحديث مكرر ما قبله.

وقد مضى معناه من حديث أبي هريرة ، من رواية أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عنه: 8155 - 8157. وأما من هذا الوجه ، من رواية عبيد بن أبي عبيد ، عنه -: فإني لم أجده في موضع آخر.

(56) "المخيط" (بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء): ما يخاط به ، كالإبرة ونحوها.

(57) في المطبوعة والمخطوطة"يعني بذلك جل ثناؤه" ، والصواب يقتضي ما أثبت.

(58) انظر تفسير"وفي" فيما سلف 6: 465 - وتفسير"كسب" فيما سلف ص: 327 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(59) الأثر: 8168- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8148 ، وفي المطبوعة: "معتدى عليه" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو موافق لما في السيرة.

التدبر :

وقفة
[161] فيه تحريم الغلول، وبيان عصمة الأنبياء.
وقفة
[161] ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ﴾ كلما كان العبد أشرف وأعظم درجة؛ كانت الخيانة في حقه أفحش، ورسول الله ﷺ أفضل البشر، فكانت الخيانة في حقه مستبعدة؛ ولذا جاءت الآية بصيغة الجحود التي تفيد المبالغة في النفي.
وقفة
[161] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ فِي النَّارِ، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. [البخاري 3074، الثقل: الغنيمة].
وقفة
[161] ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك، وقد قال ﴿وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَ ٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ﴾ [الأنعام: ٩٤]؟ قلتُ: معناه يأتي به مكتوباً في ديوانه، أو يأتي به حاملًا إثمه.

الإعراب :

  • ﴿ وَما كانَ لِنَبِيٍّ:
  • الواو: استئنافية: ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لنبي: جار ومجرور متعلق بخبر «كانَ» المحذوف ويجوز أن تكون «كانَ» تامة بمعنى: وما صحّ فيتعلق الجار والمجرور بكان.
  • ﴿ أَنْ يَغُلَّ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يغلّ: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وأن وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع اسم «كانَ» مؤخر أو فاعلها اذا عدّت تامة. وجملة «يَغُلَّ» صلة «أَنْ» لا محل لها بمعنى يخون في الغنائم.
  • ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يغلل: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى ومن يخن.
  • ﴿ يَأْتِ:
  • فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف آخره حرف العلة والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يَأْتِ» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. وجملتا فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ».
  • ﴿ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بيأتي و «ما» إسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. غلّ: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «غَلَّ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: بما غلّه: أي بما أخذه. يوم: ظرف زمان متعلق بغلّ منصوب بالفتحة. القيامة: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ:
  • حرف عطف. توفى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. كل: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ:
  • مضاف اليه مجرور بالكسرة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. كسبت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء: تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره هي وجملة «كَسَبَتْ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب. المحل لأنه مفعول به. التقدير: ما كسبته أو تكون «ما» مصدرية فتكون «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعولا به التقدير. كسبها. أي جزاءها.
  • ﴿ وَهُمْ لا:
  • الواو: حالية. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لا: نافية.
  • ﴿ يُظْلَمُونَ:
  • فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «لا يُظْلَمُونَ» في محل رفع خبر المبتدأ «هُمْ» والجملة الاسمية «هُمْ لا يُظْلَمُونَ» في محل نصب حال. '

المتشابهات :

البقرة: 281﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
آل عمران: 25﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
آل عمران: 161﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ابراهيم: 51﴿لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: نزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) في قطيفة حمراء فُقدت يوم بدر، فقال بعض الناس لعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) إلى آخر الآية. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، لكن منهم من تعقّبه كالطبري وابن عاشور ومنهم من سكت عنه وهم الباقون.وقد قال الطبري معقباًوَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء ولا يكون نبياً من غلَّ، وإنما اخترنا ذلك لأن الله - عَزَّ وَجَلَّ - أوعد عقيب قولهوَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) أهلَ الغلول، فقالوَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... ) الآية والتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقولهوَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتهموا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغلول لعقّب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بيّن، أنه إنما عرّف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأن ذلك جرم عظيم والأنبياء لا تأتي مثله).وقد أجاد وأفاد الطاهر بن عاشور حين أشار إلى أن هذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآية إذ كيف تفقد القطيفة يوم بدر ولا تنزل الآية لأجل هذا إلا يوم أحد مع أن بين الغزوتين سنة وشهراً إذ كانت بدر في رمضان من السنة الثانية، وأحد في شوال من الثالثة، والآية إنما جاءت في سياق الحديث عن غزوة أحد، فهل يمكن أن يتأخر الجواب عن الحدث هذه المدة؟ هذا ما لم يقع والعلم عند الله تعالى.فإن قال قائل: إن فقد القطيفة إنما كان يوم أحد فنزلت الآية جواباً لهذا. فالجواب: أن هذا لا يستقيم أيضاً لأن غزوة أحد لم يقع فيها غلول ولم يكن للمسلمين فيها غنيمة. اهـ بتصرف.وهذا القول هو الراجح ويعضده من جهة السند أنه مضطرب، فهاتان علتان في المتن والإسناد. * النتيجة: أن هذا الحديث المذكور لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآية الكريمة لما تقدم فإما أن تكون الآية لم تنزل على سبب أصلاً، أو كان لها سبب لا يندرج ضمن نطاق البحث فالله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [161] لما قبلها :     ولَمَّا حثَّ اللهُ عز وجل على الجهادِ؛ أتْبَعَه بذِكرِ أحكامِ الجهاد، ومِن جملتها: المنعُ من الغُلولِ، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ

القراءات :

أن يغل:
قرئ:
1- يفتح الياء، من غل، مبنيا للفاعل، وهى قراءة ابن عباس، وابن كثير، وأبى عمرو، وعاصم أي:
لا يمكن أن يقع فى شيء منها لأنه معصوم، فهو على النفي.
2- بضم الياء وفتح الغين، مبنيا للمفعول، وهى قراءة ابن مسعود، وباقى السبعة أي: ليس لأحد أن يخونه فى الغنيمة، فهو على النهى للناس عن الغلول فى المغانم.

مدارسة الآية : [162] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن ..

التفسير :

[162] لا يستوي من كان قصده رضوان الله ومن هو مُكِبٌّ على المعاصي، مسخط لربه، فاستحق بذلك سكنَ جهنم، وبئس المصير.

يخبر تعالى أنه لا يستوي من كان قصده رضوان ربه، والعمل على ما يرضيه، كمن ليس كذلك، ممن هو مكب على المعاصي، مسخط لربه، هذان لا يستويان في حكم الله، وحكمة الله، وفي فطر عباد الله.{ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ولهذا قال هنا:

ثم أكد- سبحانه- نفى الظلم عن ذاته فقال: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ بأن واظب على ما يرضيه، والتزم طاعته، وترك كل ما نهى عنه من غلول وغيره كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ أى كمن رجع بغضب عظيم عليه من الله بسبب غلوله وخيانته وارتكابه لما نهى الله عنه من أقوال وأفعال؟

فالآية الكريمة تفريع على قوله- تعالى- قبل ذلك ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وتأكيد لبيان أنه لا يستوي المحسن والمسيء والأمين والخائن.

والاستفهام إنكارى بمعنى النفي، أى لا يستوي من اتبع رضوان الله مع من باء بسخط منه.

وقد ساق- سبحانه- هذا الكلام الحكيم بصيغة الاستفهام الإنكارى، للتنبيه على أن عدم المساواة بين المحسن والمسيء أمر بدهى واضح لا تختلف فيه العقول والأفهام، وأن أى إنسان عاقل لو سئل عن ذلك لأجاب بأنه لا يستوي من اتبع رضوان الله مع من رجع بسخط عظيم منه بسبب كفره أو فسقه وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً. لا يَسْتَوُونَ.

وقوله أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ؟

والفاء في قوله أَفَمَنِ اتَّبَعَ للعطف على محذوف والتقدير، أمن اتقى فاتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله؟

ثم أعقب- سبحانه- ذكر سخطه بذكر عقوبته فقال: وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أى أن هذا الذي رجع بغضب عظيم عليه من الله- تعالى- بسبب كفره أو فسوقه أو خيانته، سيكون مثواه ومصيره إلى النار وبئس ذلك المصير الذي صار إليه وكان له مرجعا ونهاية.

وقوله : ( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) أي : لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه ، فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأجير من وبيل عقابه ، ومن استحق غضب الله وألزم به ، فلا محيد له عنه ، ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير .

وهذه لها نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ) [ الرعد : 19 ] وكقوله ( أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا [ ثم هو يوم القيامة من المحضرين ] ) [ القصص : 61 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:

فقال بعضهم: معنى ذلك: أفمن اتبع رضوان الله في ترك الغلول، كمن باء بسخَط من الله بغلوله ما غلّ؟

*ذكر من قال ذلك:

8169- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن مطرف، عن الضحاك في قوله: " أفمن اتبع رضوان الله "، قال: من لم يغلّ =" كمن باء بسخط من الله "، كمن غل.

8170- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني سفيان بن عيينة، عن مطرف بن طريف، عن الضحاك قوله: " أفمن اتبع رضوان الله "، قال: من أدَّى الخمُس =" كمن باء بسخط من الله "، فاستوجب سخطًا من الله.

* * *

وقال آخرون في ذلك بما:-

8171- حدثني به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " أفمن &; 7-366 &; اتبع رضوان الله "، على ما أحب الناس وسخطوا =" كمن باء بسخط من الله "، لرضى الناس وسخطهم؟ يقول: أفمن كان على طاعتي فثوابه الجنة ورضوانٌ من ربه، كمن باء بسخط من الله، فاستوجب غضبه، وكان مأواه جهنم وبئس المصير؟ أسَواءٌ المثلان؟ أي: فاعرفوا (60) .

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل الآية عندي، قولُ الضحاك بن مزاحم. لأن ذلك عَقيب وعيد الله على الغلول، ونهيه عباده عنه. ثم قال لهم بعد نهيه عن ذلك ووعيده: أسواءٌ المطيع لله فيما أمره ونهاه، والعاصي له في ذلك؟ أي: إنهما لا يستويان، ولا تستوي حالتاهما عنده. لأن لمن أطاع الله فيما أمره ونهاه، الجنةُ، ولمن عصاه فيما أمره ونهاه النار.

* * *

فمعنى قوله: " أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله " إذًا: أفمن ترك الغلول وما نهاه الله عنه عن معاصيه، وعمل بطاعة الله في تركه ذلك، وفي غيره مما أمره به ونهاه من فرائضه، متبعًا في كل ذلك رضا الله، ومجتنبًا سخطه =" كمن باء بسخط من الله "، يعني: كمن انصرف متحمِّلا سخط الله وغضبه، فاستحق بذلك سكنى جهنم، يقول: ليسا سواءً. (61)

* * *

وأما قوله: " وبئس المصير "، فإنه يعني: وبئس المصير = الذي يصير إليه ويئوب إليه من باء بسخط من الله = جهنم. (62)

التدبر :

وقفة
[162] الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا يستوي من اتبع رضوان الله مع من باء بسخطه، وهو أمر بدهي لا يختلف عليه اثنان، ولا تتعدد فيه الآراء والأفهام، وإن كان الأمر كذلك فما لكم تتعرضون لسخط الله بسيئاتكم مع معرفتكم بحسن ثواب من اتبع رضوانه؟!
تفاعل
[162] ﴿اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ سَل الله من فضله.
تفاعل
[162] ﴿بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ﴾ استعذ بالله من جهنم.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ:
  • الهمزة: حرف استفهام. الفاء: عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون بمعنى «الذي» في محل رفع مبتدأ. اتبع: فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «اتَّبَعَ» صلة الموصول لا محل لها. ويجوز أن تكون الفاء زائدة. تزيينية.
  • ﴿ رِضْوانَ اللَّهِ:
  • رضوان: مفعول به منصوب بالفتحة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة
  • ﴿ كَمَنْ باءَ:
  • الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ. من: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل جر بالاضافة. باء: تعرب إعراب «اتَّبَعَ» بمعنى «رجع.
  • ﴿ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة أي مشمولا بسخط أو راجعا لأن «باءَ» بمعنى «رجع». من الله: جار ومجرور متعلق بصفة لسخط.
  • ﴿ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ:
  • الواو: عاطفة. مأواه: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. جهنم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:
  • الواو: استئنافية. بئس: فعل ماض جامد لإنشاء الذم مبني على الفتح. المصير: فاعل مرفوع بالضمة وحذف المخصوص بالذم لأن ما قبله يدل عليه وهو جهنم. '

المتشابهات :

آل عمران: 162﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّـهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّـهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
الأنفال: 16﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [162] لما قبلها :     وبعد التحذير من الغلول والوعيد الشديد لمن غل يوم القيامة؛ جاء هنا الترغيب في اتباع رضوان الله والترهيب من التعرض لغضبه وسخطه، قال تعالى:
﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [163] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ ..

التفسير :

[163] أصحاب الجنة المتبعون لما يرضي الله متفاوتون في الدرجات، وأصحاب النار المتبعون لما يسخط الله متفاوتون في الدركات، لا يستوون. والله بصير بأعمالهم لا يخفى عليه منها شيء.

{ هم درجات عند الله} أي:كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم بحسب تفاوتهم في أعمالهم. فالمتبعون لرضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات، والمنازل والغرفات، فيعطيهم الله من فضله وجوده على قدر أعمالهم، والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدركات إلى أسفل سافلين، كل على حسب عمله، والله تعالى بصير بأعمالهم، لا يخفى عليه منها شيء، بل قد علمها، وأثبتها في اللوح المحفوظ، ووكل ملائكته الأمناء الكرام، أن يكتبوها ويحفظوها، ويضبطونها.

ثم بين- سبحانه- النتيجة التي ترتبت على عدم تساوى المحسن والمسيء فقال هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

والضمير هُمْ يعود على من في قوله أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ وقوله كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ أى على الفريقين. وبعضهم جعل مرجعه إلى الفريق الأول فقط.

والدرجات: جمع درجة وهي الرتبة والمنزلة، ومنه الدرج بمعنى السلم لأنه يصعد عليه درجة بعد درجة.

وأكثر ما تستعمل الدرجة في القرآن في المنزلة الرفيعة، كما في قوله- تعالى- وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ . بخلاف الدركة فإنها تستعمل في عكس ذلك، كما في قوله- تعالى- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ .

ولذا قال الراغب: «الدرك كالدرج لكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود، والدرك اعتبارا بالحدور، ولهذا قيل: درجات الجنة ودركات النار ولتصور الحدور في النار سميت هاوية..».

والمعنى: هم أى الأخيار الذين اتبعوا رضوان الله، والأشرار الذين رجعوا بسخط منه متفاوتون في الثواب والعقاب على حسب أعمالهم كما تتفاوت الدرجات وإطلاق الدرجات على الفريقين من باب التغليب للأخيار على الأشرار والمراد إن الذين اتبعوا رضوان الله يتفاوتون في الثواب الذي يمنحهم الله إياه على حسب قوة إيمانهم، وحسن أعمالهم.

كما أن الذين باءوا بسخط منه يتفاوتون في العقاب الذي ينزل بهم على حسب ما اقترفوه من شرور وآثام، فمن أوغل في الشرور والآثام كان عقابه أشد من عقاب من لم يفعل فعله وهكذا.

والذين قالوا إن الضمير هُمْ يعود على الطريق الأول فقط احتجوا بأن التعبير بالدرجات يستعمل في الغالب في الثواب، وبأن الله قد أضاف هذه الدرجات لنفسه فدل ذلك على أن المقصود بقوله: هم الذين اتبعوا رضوان الله. وبأن هؤلاء الذين اتبعوا رضوان الله قد فضل الله بعضهم على بعض كما جاء في بعض الآيات ومنها قوله:

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا . والذي نراه أن عودة الضمير «هم» على الفريقين أقرب إلى الحق، لأن تفاوت الدرجات موجود بين الأخيار كما أن تفاوت العقوبات موجود بين الأشرار، فالذين أدوا جميع ما كلفهم الله به من طاعات ليسوا كالذين اكتفوا بأداء الفرائض. والذين انحدروا في المعاصي إلى النهاية ليسوا كالذين وقعوا في بعضها.

وقوله عِنْدَ اللَّهِ أى في حكمه وعلمه وهو تشريف لهم والظرف متعلق بدرجات على المعنى، أو متعلق بمحذوف وقع صفة لها. أى درجات كائنة عند الله.

وقوله وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أى مطلع على أعمال العباد صغيرها وكبيرها ظاهرها وخفيها، لا يغيب عنه شيء، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه على حسب عمله، بمقتضى علمه الكامل، وعدله الذي لا ظلم معه.

وبعد أن نزه الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلّم عن الغلول وعن كل نقص، وبين أن الناس متفاوتون في الثواب والعقاب على حسب أعمالهم..

ثم قال : ( هم درجات عند الله ) قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق : يعني : أهل الخير وأهل الشر درجات ، وقال أبو عبيدة والكسائي : منازل ، يعني : متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة ودركاتهم في النار ، كما قال تعالى : ( ولكل درجات مما عملوا ) الآية [ الأنعام : 132 ] ، ولهذا قال : ( والله بصير بما يعملون ) أي : وسيوفيهم إياها ، لا يظلمهم خيرا ولا يزيدهم شرا ، بل يجازي كلا بعمله .

القول في تأويل قوله تعالى : هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أنّ من اتبع رضوان الله ومن باء بسخَط من الله، مختلفو المنازل عند الله. فلمن اتبع رضوان الله، الكرامةُ والثواب الجزيل، ولمن باء بسخط من الله، المهانةُ والعقاب الأليم، كما:-

8172- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون "، أي: لكلٍّ درجات مما عملوا في الجنة والنار، إنّ الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته. (63) .

8173- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " هم درجات عند الله "، يقول: بأعمالهم.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: لهم درجات عند الله، يعني: لمن اتبع رضوان الله منازلُ عند الله كريمة.

*ذكر من قال ذلك:

8174- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " هم درجات عند الله "، قال: هي كقوله: ( " لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ " ).

8175- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " هم درجات عند الله "، يقول: لهم درجاتٌ عند الله.

* * *

وقيل: قوله " هم درجات " كقول القائل: " هم طبقات "، (64) كما قال ابن هَرْمة:

أرَجْمًــا لِلْمَنُــونِ يَكُــونُ قَـوْمي

لِــرَيْبِ الدَّهْــرِ أَمْ دَرَجُ السّــيولِ (65)

* * *

وأما قوله: " والله بصير بما يعملون "، فإنه يعني: والله ذو علم بما يعمل أهل طاعته ومعصيته، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء، يحصى على الفريقين جميعًا أعمالهم، حتى توفى كل نفس منهم جزاء ما كسبت من خير وشر، كما:-

8176- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " والله بصير بما يعملون "، يقول: إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته. (66) .

-------------------

الهوامش :

(60) الأثر: 8171- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8168 ، وفي بعض لفظه اختلاف يسير.

(61) انظر تفسير"باء" فيما سلف 2: 138 ، 345 / ثم 7: 116.

(62) انظر تفسير"المصير" فيما سلف 3: 56 / 6 : 128 ، 317. وسياق الجملة: "وبئس المصير. . . جهنم" وما بينهما تفسير"المصير".

(63) الأثر: 8172- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8171.

(64) انظر تفسير درجة فيما سلف 4: 533 - 536.

(65) مضى تخريجه وشرحه فيما سلف 2:547 ، 548 ، والاستشهاد بهذا البيت لمعنى الدفع ، غريب من مثل أبي جعفر ، فراجع شرح البيت هناك.

(66) الأثر: 8176- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8172 ، وجزء منه.

التدبر :

وقفة
[163] على قدر أعمالك تكون درجتك عند الله.
وقفة
[163] ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّـهِ﴾ على قَدْر السّبْق في الطاعات والمسارعة بالصالحات تكون منزلتك عند الله وقربك منه.
اسقاط
[163] ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَاللَّـهِ﴾ المؤمنون يتفاوتون فيما بينهم في تحقيق التوحيد الخالص، وصدق التوكل، وقوة اليقين، وحسن الظن، فاختر درجتك.
وقفة
[163] كلما فترت همتك عن المسابقة في الخيرات فتذكر هذهِ اﻵية العظيمة: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّـهِ﴾ ودرجات الجنة كما بين السماء واﻷرض، بقدر ما تعمل ترقى.
وقفة
[163] كلما كسلت عن الطاعات فتذكر قوله: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّـهِ﴾، فدرجتك يوم الجزاء غداً بحسب نصيبك من الاجتهاد اليوم.
وقفة
[163] لا تستوي في الدنيا حال من اتبع هدى الله وعمل به، وحال من أعرض وكذب به، كما لا تستوي منازلهم في الآخرة ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[163] ليس المهم من أنت بين الناس، ولكن الأهم ما درجتكَ عند الله؟ ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّـهِ﴾.
عمل
[163] كلَّما خبت همَّتك أوقدها بـ ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّـهِ﴾، وكلَّما تراخت عزيمتك شدَّها بآيات الجزاء والثواب ﴿وأُزلفت الجنّة للمتقين﴾ [الفرقان: 90].
وقفة
[163] التسابق للحصول على أعلى الدرجات في الامتحانات، واستغلال الأوقات، وحفز الهمم لبلوغ أعلى المناصب والمراتب، لا بدَّ أن يدفعنا لتنافس أكبر لنيل درجات أعظم، ثمرتها ليست شهادة على ورق، بل جنة عرضها السماوات والأرض، بل لا ينبغي أن تقف آمالنا إلا عند الفردوس الأعلى، تأمل: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[163] ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي ذوو درجات، فإِن قلتُ: الضميرُ في (هم) يعودُ على الفريقينِ، وأهلُ النَّار لهم دركاتٌ لا درجات؟ قلتُ: الدَّرجات تُستعملُ في الفريقين، قال تعالى: ﴿ولكلٍ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأنعام: 132]، وإِنِ افترقتا عند المقابلة فـ: المؤمنون في درجاتٍ، والكفَّارُ في دركاتٍ.
وقفة
[163] سئلت أختٌ أسلمت قريبًا عن أعظم آية تستوقفها بعد هدايتها للإسلام؟ فقالت: هي الآية (١٦٣) من سورة آل عمران: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾، نسأل الله لنا ولها الثبات على دينه.

الإعراب :

  • ﴿ هُمْ دَرَجاتٌ:
  • هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. درجات: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ عِنْدَ اللَّهِ:
  • ظرف مكان متعلق بدرجات بمعنى «هم متفاوتون عند الله كما تتفاوت الدرجات» ويجوز أن يتعلق بصفة محذوفة من «دَرَجاتٌ». الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. بصير: خبر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ بِما يَعْمَلُونَ:
  • جار ومجرور متعلق ببصير. ما: إسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. يعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد- الراجع- الى الموصول: ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: بما يعملونه. '

المتشابهات :

البقرة: 96﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
آل عمران: 163﴿هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
المائدة: 71﴿وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةٞ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
الأنفال: 39﴿فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [163] لما قبلها :     وبعد الترغيب في اتباع رضوان الله؛ جاء هنا الترغيب في التنافس في السعي إلى مرضاته، قال تعالى:
﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [164] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ ..

التفسير :

[164] لقد أنعم الله على المؤمنين من العرب؛ إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، يتلو عليهم آيات القرآن، ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة، ويعلمهم القرآن والسنة، وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل ظاهر.

هذه المنة التي امتن الله بها على عباده، أكبر النعم، بل أصلها، وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة، وعصمهم به من الهلكة، فقال:{ لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} يعرفون نسبه، وحاله، ولسانه، من قومهم وقبيلتهم، ناصحا لهم، مشفقا عليهم، يتلو عليهم آيات الله، يعلمهم ألفاظها ومعانيها.{ ويزكيهم} من الشرك، والمعاصي، والرذائل، وسائر مساوئ الأخلاق. و{ يعلمهم الكتاب} إما جنس الكتاب الذي هو القرآن، فيكون قوله:{ يتلو عليهم آياته} المراد به الآيات الكونية، أو المراد بالكتاب -هنا- الكتابة، فيكون قد امتن عليهم، بتعليم الكتاب والكتابة، التي بها تدرك العلوم وتحفظ،{ والحكمة} هي:السنة، التي هي شقيقة القرآن، أو وضع الأشياء مواضعها، ومعرفة أسرار الشريعة. فجمع لهم بين تعليم الأحكام، وما به تنفذ الأحكام، وما به تدرك فوائدها وثمراتها، ففاقوا بهذه الأمور العظيمة جميع المخلوقين، وكانوا من العلماء الربانيين،{ وإن كانوا من قبل} بعثة هذا الرسول{ لفي ضلال مبين} لا يعرفون الطريق الموصل إلى ربهم، ولا ما يزكي النفوس ويطهرها، بل ما زين لهم جهلهم فعلوه، ولو ناقض ذلك عقول العالمين.

بعد أن بين ذلك أتبعه ببيان فضله- سبحانه- على عباده في أن بعث فيهم رسولا منهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور فقال- تعالى-: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

قال الرازي: قال الواحدي: «لمن في كلام العرب معان:

أحدها: الذي يسقط من السماء، وهو قوله: وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى.

وثانيها: أن تمن بما أعطيت كما في قوله لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى.

وثالثها: القطع كما في قوله وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ورابعها الإنعام والإحسان إلى من لا تطلب الجزاء منه- وهو المراد هنا» .

والمعنى: لقد أنعم الله على المؤمنين، وأحسن إليهم إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى بعث فيهم رسولا عظيم القدر، هو من العرب أنفسهم، وهم يعرفون حسبه ونسبه وشرفه وأمانته صلى الله عليه وسلّم.

وعلى هذا المعنى يكون المراد بقوله مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى من نفس العرب، ويكون المراد بالمؤمنين مؤمنى العرب، وقد بعثه الله عربيا مثلهم، ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع بتوجيهاته.

ويصح أن يكون معنى قوله مِنْ أَنْفُسِهِمْ أنه بشر مثل سائر البشر إلا أن الله- تعالى- وهبه النبوة والرسالة، ليخرج الناس- العربي منهم وغير العربي- من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، وجعل رسالته عامة فقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

وخص الله- تعالى- منته وفضله بالمؤمنين، لأنهم هم الذين انتفعوا بنعمة الإسلام، الذي لن يقبل الله دينا سواه والذي جاء به محمد- عليه الصلاة والسلام.

والجملة الكريمة جواب قسم محذوف والتقدير: والله لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

ثم بين- سبحانه- مظاهر هذه المنة والفضل ببعثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ والتلاوة: هي القراءة المتتابعة المرتلة التي يكون بعضها تلو بعض.

والتزكية: هي التطهير والتنقية.

أى لقد أعطى الله- تعالى- المؤمنين من النعم ما أعطى، لأنه قد بعث فيهم رسولا من جنسهم يقرأ عليهم آيات الله التي أنزلها لهدايتهم وسعادتهم، وَيُزَكِّيهِمْ أى يطهرهم من الكفر والذنوب. أو يدعوهم إلى ما يكونون به زاكين طاهرين مما كانوا عليه من دنس الجاهلية والاعتقادات الفاسدة.

وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ بأن يبين لهم المقاصد التي من أجلها نزل القرآن الكريم، ويشرح لهم أحكامه، ويفسر لهم ما خفى عليهم من ألفاظه ومعانيه التي قد تخفى على مداركهم.

فتعليم الكتاب غير تلاوته: لأن تلاوته قراءته مرتلا مفهوما أما تعليمه فمعناه بيان أحكامه وما اشتمل عليه من تشريعات وآداب.

ويعلمهم كذلك الْحِكْمَةَ أى الفقه في الدين ومعرفة أسراره وحكمه ومقاصده التي يكمل بها العلم بالكتاب.

وهذه الآية الكريمة قد اشتملت على عدة صفات من الصفات الجليلة التي منحها الله تعالى- لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم.

ثم بين- سبحانه- حال الناس قبل بعثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.

أى: إن حال الناس وخصوصا العرب أنهم كانوا قبل بعثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم في ضلال بين واضح لا يخفى أمره على أحد من ذوى العقول السليمة والأذواق المستقيمة.

وحقا لقد كان الناس قبل أن يبزغ نور الإسلام الذي جاء به صلّى الله عليه وسلّم من عند ربه في ضلال واضح، وظلام دامس، فهم من ناحية العبادة كانوا يشركون مع الله آلهة أخرى، ومن ناحية الأخلاق تفشت فيهم الرذائل حتى صارت شيئا مألوفا، ومن ناحية المعاملات كانوا لا يلتزمون الحق والعدل في كثير من شئونهم.

والخلاصة أن الضلال والجهل وغير ذلك من الرذائل، كانت قد استشرت في العالم بصورة لا تخفى على عاقل.

فكان من رحمة الله بالناس ومنته عليهم أن أرسل فيهم نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم لكي يخرجهم من ظلمات الكفر والفسوق والعصيان إلى نور الهداية والاستقامة والإيمان.

ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن غزوة أحد فحكت ما قاله ضعاف الإيمان في أعقابها، وردت عليهم بما يبطل مقالتهم، وبما يزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم فقال- تعالى:

وقوله : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) أي : من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به ، كما قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) [ الروم : 21 ] أي : من جنسكم . وقال تعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) [ الكهف : 110 ] وقال تعالى : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) [ الفرقان : 20 ] وقال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] وقال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) [ الأنعام : 130 ] فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسل إليهم منهم ، بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه ، ولهذا قال : ( يتلو عليهم آياته ) يعني : القرآن ) ويزكيهم ) أي : يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) يعني : القرآن والسنة ( وإن كانوا من قبل ) أي : من قبل هذا الرسول ( لفي ضلال مبين ) أي : لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد .

القول في تأويل قوله : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)

قال أبو جعفر: يعني بذلك: لقد تطوّل الله على المؤمنين =" إذ بعث فيهم رسولا "، حين أرسل فيهم رسولا =" من أنفسهم "، نبيًّا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول =" يتلو عليهم آياته "، يقول: يقرأ عليهم آي كتابه وتنـزيله (67) =" ويزكيهم "، يعني: يطهّرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم (68) =" ويعلمهم الكتاب والحكمة "، يعني: ويعلمهم كتاب الله الذي أنـزله عليه، ويبين لهم تأويله ومعانيه =" والحكمة "، ويعني بالحكمة، السُّنةَ التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيانَه لهم (69) =" وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين "، يعني: وإن كانوا من قبل أن يمنّ الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته =" لفي ضلال مبين "، يقول: في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقًّا، ولا يبطلون باطلا.

* * *

وقد بينا أصل " الضلالة " فيما مضى، وأنه الأخذ على غير هدى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (70) .

* * *

= و " المبين "، الذي يبَين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه، أنه على غير استقامة ولا هدى (71) .

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

8177- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم "، منّ الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة، جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم = قوله: " ويعلمهم الكتاب والحكمة "، الحكمة، السنة =" وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين "، ليس والله كما تقول أهل حروراء: " محنة غالبة، من أخطأها أهَريق دمه "، (72) ولكن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلمون فعلَّمهم، وإلى قوم لا أدب لهم فأدَّبهم.

8178- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،" لقد منّ الله على المؤمنين "، إلى قوله: " لفي ضلال مبين "، أي: لقد منّ الله عليكم، يا أهل الإيمان، إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم فيما أحدثتم وفيما عملتم، (73) ويعلمكم الخير والشر، لتعرفوا الخير فتعملوا به، والشر فتتقوه، ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه، لتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته، فتتخلصوا بذلك من نقمته، وتدركوا بذلك ثوابه من جنته =" وإن كنتم من قبل لفي ضلال مبين "، أي: في عمياء من الجاهلية، لا تعرفون حسنة ولا تستغفرون من سيئة، (74) صُمٌّ عن الحق، عُمْيٌ عن الهدى. (75)

--------------------

الهوامش :

(67) انظر تفسير"يتلو" فيما سلف 2: 411 ، 569 / 6 : 466 ، تعليق: 3 ، وفهارس اللغة"تلا".

(68) انظر تفسير"يزكي" فيما سلف 1: 573 ، 574 / 3 : 88 / 5 : 29 / 6 : 528.

(69) انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف 3: 87 ، 88 / 5 : 15 ، 371 ، 576 - 579.

(70) انظر تفسير"الضلالة" فيما سلف 1: 195 / 2: 495 ، 496.

(71) انظر تفسير"مبين" فيما سلف 3: 300 / 4 : 258.

(72) أهل حروراء: هم الخوارج ، وهذا مذهبهم.

(73) في المطبوعة: "فيما أخذتم وفيما عملتم" لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب منها ومن سيرة ابن هشام.

(74) في المطبوعة: "تستغيثون من سيئة" ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة "يستغيثون" غير منقوطة ، والأرجح أنه خطأ ، صوابه ما في سيرة ابن هشام.

(75) الأثر: 8178- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8172 ، 8176. والجملة الأخيرة في ابن هشام: "صم عن الخير ، بكم عن الحق ، عمى عن الهدى".

التدبر :

وقفة
[164] تقديم «التلاوة» لأنها من باب التمهيد، ثم «التزكية» لأنها بعده؛ وهي أول أمر يحصل منه صفة يتلبس بها المؤمنون، وهي من قبيل التخلية المقدمة على التحلية؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، ثم «التعليم» لأنه إنما يحتاج إليه بعد الإيمان.
وقفة
[164] ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ﴾ اســم الله (الـمنان): يمن على عباده، ولا يحب من عباده أن يمنوا على بعضهم.
وقفة
[164] ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ درس عظیم: تطييب نفس المحزون وتعزيته بتذكيره ما هو فيه من النعم منهج قرآني ودواء سماوي نغفل كثيرًا عنه.
لمسة
[164] ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ وردت في القرآن الكريم مثل هذه الآيات أربع مرات، ثلاث منها عن الله تعالى، ومرة على لسان إبراهيم عليه السلام، وهي: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٥١]، ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة 2]، وعلى لسان إبراهيم: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٩]، فالتقديم والتأخير يعود إلى ترتيب الأولويات والأهمية في الخطابين، فعندما دعا إبراهيم ربه أن يرسل رسولًا أخّر جانب تزكية الأخلاق إلى آخر مرحلة بعد تلاوة الآيات وتعليمهم الكتاب والحكمة، أما في آية سورة الجمعة وسورة البقرة [١٥١] وسورة آل عمران فالخطاب من الله تعالى بأنه بعث في الأميين رسولًا يتلو عليهم آياته ويزكيهم قبل مرحلة يعلمهم الكتاب والحكمة؛ لأن الجانب الخُلُقي يأتي قبل الجانب التعليمي، ولأن الإنسان إذا كان غير مزكَّى في خلقه لن يتلقى الكتاب والحكمة على مُراد الله تعالى، والرسول من أهم صفاته أنه على خلق عظيم كما شهد له رب العزة.
عمل
[164] حدد لك وردًا يوميًا من القرآن الكريم ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾.
وقفة
[164] إنما السعيد من أكرمه الله بالاشتغال بالقرآن الكريم، تلاوة وتزكية وتعلمًا وتعليمًا؛ إذ هو مجمل وظائف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم رسولنا محمد ﷺ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾.
وقفة
[164] ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ الآية: هي النهاية في الكمال، فيقال آية في الجمال، آية في الذكاء، والآيات نوعان: 1- آيات مقروءة وهي القرآن الكريم. 2- آيات منظورة وهي هذا الكون بكل ما فيه. وأنزل الله تعالى كتابه، وأمر بقراءة وفهم آياته المقروءة، لتفهم بها الآيات المنظورة، فبقراءة الكون يفهم الكون، ويعرف المراد من خلقه، وخلق ما فيه، ومن فيه.
وقفة
[164] خير تزكية للنفوس الإقبال على كتاب الله وتعلمه وتدبر معانيه ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾.
وقفة
[164] ﴿وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ بعث الله الأنبياء ومعهم أدلة صدقهم ليجيبوا عن أسئلة الوجود الكبرى (الله، الكون، الإنسان، الحياة).

الإعراب :

  • ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ:
  • اللام. لام الابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. منّ: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بمنّ وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين في المفرد.
  • ﴿ إِذْ بَعَثَ:
  • ظرف زمان متعلق بمنّ مبني على السكون في محل نصب. بعث: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «بَعَثَ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «إِذْ».
  • ﴿ فِيهِمْ رَسُولًا:
  • جار ومجرور متعلق ببعث و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بفي. رسولا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مِنْ أَنْفُسِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رَسُولًا» و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ:
  • يتلو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «يَتْلُوا» في محل نصب صفة لرسول. عليهم: تعرب إعراب «فِيهِمْ» وهو متعلق بيتلو. آياته: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة ويجوز أن تكون جملة «يَتْلُوا» في محل نصب حالا من «رَسُولًا» لأنه وصف.
  • ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ:
  • يزكي. يعلّم: معطوفان بواوي عطف على «يَتْلُوا» ويعربان إعرابه وعلامة رفع الفعل «يعلم» الضمة الظاهرة في آخره و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أول. الكتاب: مفعول به ثان منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره. والحكمة: اسم معطوف بواو العطف على «الْكِتابَ» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَإِنْ كانُوا:
  • الواو: حالية. إن: وصلية. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة .. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. وجملة «كانُوا» مع خبرها في محل نصب حال.
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
  • من: حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بحرف الجر. والجار والمجرور متعلق بخبر «كان» المحذوف. لفي ضلال: اللام للمجهول ويجوز أن تكون اللام المزحلقة. في ضلال: جار ومجرور متعلق بخبر «كان» المحذوف. بمعنى «سادرين» في ضلال واضح بيّن. مبين: صفة- نعت- لضلال مجرور مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

البقرة: 129﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
البقرة: 151﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
آل عمران: 164﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
الجمعة: 2﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [164] لما قبلها :     ولَمَّا فصَّل اللهُ عز وجل أحوالَ النَّاسِ؛ بدأ هنا بالمؤمنين بذِكْرِ ما امتَنَّ اللهُ عز وجل عليهم به، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ

القراءات :

لقد من:
وقرئ شاذا:
لمن من، ب «من» الجارة، و «من» مجرور بها، وهو على أحد تقديرين، أن يراد:
1- لمن من الله على المؤمنين منه أو بعثه إذا بعث فيهم، فحذف لقيام الدلالة.
2- أو يكون «إذ» فى محل الرفع، والمعنى: لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه.
من أنفسهم:
قرئ:
1- بضم الفاء، جمع نفس، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتح الفاء من النفاسة، وهى قراءة فاطمة، وعائشة، والضحاك، وأبى الجوزاء.

مدارسة الآية : [165] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم ..

التفسير :

[165] أو لما أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة، وهي ما أُصيب منكم يوم «أُحد» قد أصبتم مثليها من المشركين في يوم «بدْر»، قلتم متعجبين:كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فينا وهؤلاء مشركون؟ قل لهم -أيها النبي-:هذا الذي أصابكم هو من عند أ

هذا تسلية من الله تعالى لعباده المؤمنين، حين أصابهم ما أصابهم يوم "أحد"وقتل منهم نحو سبعين، فقال الله:إنكم{ قد أصبتم} من المشركين{ مثليها} يوم بدر فقتلتم سبعين من كبارهم وأسرتم سبعين، فليهن الأمر ولتخف المصيبة عليكم، مع أنكم لا تستوون أنتم وهم، فإن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.{ قلتم أنى هذا} أي:من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟{ قل هو من عند أنفسكم} حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية.{ إن الله على كل شيء قدير} فإياكم وسوء الظن بالله، فإنه قادر على نصركم، ولكن له أتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم.{ ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}

فقوله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا إلخ كلام مستأنف مسوق لإبطال بعض ما نشأ من الظنون الفاسدة، إثر إبطال بعض آخر تقدم الحديث عنه من فوائد غزوة أحد أنها كشفت عن قوى الإيمان من ضعيفه، ميزت الخبيث من الطيب.

وإذا كان انتصار المسلمين في بدر جعل كثيرا من المنافقين يدخلون في الإسلام طمعا في الغنائم.. فإن عدم انتصارهم في أحد قد أظهر المنافقين على حقيقتهم، ويسر للمؤمنين معرفتهم والحذر منهم.

والهمزة في قوله أَوَلَمَّا للاستفهام الإنكارى التعجيبى. و «الواو» للعطف على محذوف و «لما» ظرف بمعنى حين مضافة إلى ما بعدها مستعملة في الشرط. والمصيبة: أصلها في اللغة الرمية التي تصيب الهدف ولا تخطئه، ثم أطلقت على ما يصيب الإنسان في نفسه أو أهله أو ما له أو غير ذلك من مضار. وقوله مِثْلَيْها أى ضعفها، فإن مثل الشيء ما يساويه. ومثليه ضعفه.

والمعنى: أفعلتم ما فعلتم من أخطاء، وحين أصابكم من المشركين يوم أحد نصف ما أصابهم منكم قبل ذلك في بدر تعجبتم وقلتم أَنَّى هذا أى من أين لنا هذا القتل والخذلان ونحن مسلمون نقاتل في سبيل الله، وفينا رسوله صلّى الله عليه وسلّم وأعداؤنا الذين قتلوا منا من قتلوا مشركون يقاتلون في سبيل الطاغوت.

فالجملة الكريمة توبيخ لهم على ما قالوه لأنه ما كان ينبغي أن يصدر عنهم. إذ هم قد قتلوا من المشركين في بدر سبعين من صناديدهم وأسروا منهم قريبا من هذا العدد وفي أحد كذلك كان لهم النصر في أول المعركة على المشركين، وقتلوا منهم قريبا من عشرين إلا أنهم حين خالفوا وصية رسولهم صلّى الله عليه وسلّم وتطلعوا إلى الغنائم، منع الله عنهم نصره، فقتل المشركون منهم قريبا من سبعين.

وقوله قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها في محل رفع صفة «لمصيبة» . وفائدة هذا القول التنبيه على أن أمور الدنيا لا تبقى على حال واحدة، وإن من شأن الحرب أن تكون سجالا، إلا أن العاقبة جعلها الله للمتقين.

وقوله قُلْتُمْ أَنَّى هذا هو موضع التوبيخ والتعجيب من شأنهم، لأن قولهم هذا يدل على أنهم لم يحسنوا وضع الأمور في نصابها حيث ظنوا أن النصر لا بد أن يكون حليفهم حتى ولو خالفوا أمر قائدهم ورسولهم صلّى الله عليه وسلّم ولذا فقد رد الله- تعالى- عليهم بما من شأنه أن يعيد إليهم صوابهم وبما يعرفهم السبب الحقيقي في هزيمتهم فقال: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.

أى قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا ما قالوا: إن ما أصابكم في أحد سببه أنتم لا غيركم.

فأنتم الذين أبيتم إلا الخروج من المدينة مع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أشار عليكم بالبقاء فيها. وأنتم الذين خالفتم وصيته بترككم أماكنكم التي حددها لكم وأمركم بالثبات فيها. وأنتم الذين تطلعت أنفسكم إلى الغنائم فاشتغلتم بها وتركتم النصيحة، وأنتم الذين تفرقتم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ساعة الشدة والعسرة فلهذه المخالفات التي نبعت من أنفسكم أصابكم ما أصابكم في أحد، وكان الأولى بكم أن تعرفوا ذلك وأن تعتبروا وأن تقلعوا عن هذا القول التي لا يليق بالعقلاء، إذ العاقل هو الذي يحاسب نفسه عند ما يفاجئه المكروه ويعمل على تدارك أخطائه ويقبل على حاضره ومستقبله بثبات وصبر مستفيدا بماضيه ومتعظا بما حدث له فيه.

وما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى الأخذ بهذا الدرس فإن كثيرا منهم يقصرون في حق الله وفي حق أنفسهم وفي حق غيرهم، ولا يباشرون الأسباب التي شرعها الله للوصول إلى النصر.. بل يبنون حياتهم على الغرور والإهمال، فإذا ما أصابتهم الهزيمة مسحوا عيوبهم في القضاء والقدر، أو في غيرهم من الناس، أو شهدوا لهول ما أصابهم- بسبب تقصيرهم- ثم قالوا: أنى هذا؟ وما دروا لجلهلهم وغرورهم- أن الله- تعالى- قد جعل لكل شيء سببا.

فمن باشر أسباب النجاح وصل إليها بإذن الله ومن أعرض عنها حرمه الله- تعالى- من عونه ورعايته.

ولقد أكد- سبحانه قدرته على كل شيء فقال: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى إن الله تعالى- قدرته فوق كل شيء فهو القدير على نصركم وعلى خذلانكم وبما أنكم قد خالفتم نبيكم صلّى الله عليه وسلّم فقد حرمكم الله نصره، وقرر لكم الخذلان، حتى تعتبروا ولا تعودوا إلى ما حدث من بعضكم في غزوة أحد، ولتذكروا دائما قوله- تعالى- وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ .

قول تعالى : ( أولما أصابتكم مصيبة ) وهي ما أصيب منهم يوم أحد من قتل السبعين منهم ( قد أصبتم مثليها ) يعني : يوم بدر ، فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلا وأسروا سبعين أسيرا ( قلتم أنى هذا ) أي : من أين جرى علينا هذا ؟ ( قل هو من عند أنفسكم )

قال ابن أبي حاتم : ذكره أبي ، أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا قراد أبو نوح ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا سماك الحنفي أبو زميل ، حدثني ابن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم أحد من العام المقبل ، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فأنزل الله عز وجل : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) بأخذكم الفداء .

وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غزوان ، وهو قراد أبو نوح ، بإسناده ولكن بأطول منه ، وكذا قال الحسن البصري .

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون ، عن محمد عن عبيدة ( ح ) قال سنيد - وهو حسين - : وحدثني حجاج عن جرير ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : جاء جبريل ، عليه السلام ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين ، إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء ، على أن يقتل منهم عدتهم . قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر ذلك لهم ، فقالوا : يا رسول الله ، عشائرنا وإخواننا ، ألا نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا ، ويستشهد منا عدتهم ، فليس في ذلك ما نكره ؟ قال : فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر .

وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث أبي داود الحفري ، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن سفيان بن سعيد ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، به . ثم قال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة . وروى أبو أسامة عن هشام نحوه . وروى عن ابن سيرين عن عبيدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .

وقال محمد بن إسحاق ، وابن جريج ، والربيع بن أنس ، والسدي : ( قل هو من عند أنفسكم ) أي : بسبب عصيانكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم ، يعني بذلك الرماة ( إن الله على كل شيء قدير ) أي : ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أوَحين أصابتكم، أيها المؤمنون، =" مصيبة "، وهي القتلى الذين قتلوا منهم يوم أحد، والجرحى الذين جرحوا منهم بأحد، وكان المشركون قتلوا منهم يومئذ سبعين نفرًا =" قد أصبتم مثليها "، يقول: قد أصبتم، أنتم أيها المؤمنون، من المشركين مثلي هذه المصيبة التي أصابوا هم منكم، وهي المصيبة التي أصابها المسلمون من المشركين ببدر، وذلك أنهم قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين =" قلتم أنى هذا "، يعني: قلتم لما أصابتكم مصيبتكم بأحد =" أنى هذا "، من أيِّ وجه هذا؟ (76) ومن أين أصابنا هذا الذي أصابنا، ونحن مسلمون وهم مشركون، وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من السماء، وعدوُّنا أهل كفر بالله وشرك؟ =" قل " يا محمد للمؤمنين بك من أصحابك =" هو من عند أنفسكم "، يقول: قل لهم: أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم، بخلافكم أمري وترككم طاعتي، لا من عند غيركم، ولا من قبل أحد سواكم =" إن الله على كل شيء قدير "، يقول: إن الله على جميع ما أراد بخلقه من عفو وعقوبة، وتفضل وانتقام =" قدير "، يعني: ذو قدرة. (77) .

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " قل هو من عند أنفسكم "، بعد إجماع جميعهم على أن تأويل سائر الآية على ما قلنا في ذلك من التأويل.

فقال بعضهم: تأويل ذلك: " قل هو من عند أنفسكم "، بخلافكم على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، إذْ أَشار عليكم بترك الخروج إلى عدوكم والإصحار لهم حتى يدخلوا عليكم مدينتكم، ويصيروا بين آطامكم، (78) فأبيتم ذلك عليه، وقلتم: " اخرج بنا إليهم حتى نصْحر لهم فنقاتلهم خارج المدينة ".

*ذكر من قال ذلك:

8179- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا " أصيبوا يوم أحد، قُتل منهم سبعون يومئذ، وأصابوا مثليها يوم بدر، قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين =" قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم "، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم أحد، حين قدم أبو سفيان والمشركون، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " أنا في جُنَّة حصينة "، يعني بذلك المدينة،" فدعوا القوم أن يدخلوا علينا نقاتلهم " (79) فقال له ناس من أصحابه من الأنصار: يا نبي الله، إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه! (80) فابرز بنا إلى القوم. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم &; 7-373 &; فلبس لأمته، فتلاوم القوم فقالوا: عرَّض نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرَّضتم بغيره! اذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم: " أمرُنا لأمرك تبعٌ". فأتى حمزة فقال له: يا نبي الله، إن القوم قد تلاوموا وقالوا: " أمرنا لأمرك تبع ". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز، (81) وإنه ستكون فيكم مصيبة. قالوا: يا نبي الله، خاصة أو عامةً؟ قال: سترونها = ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن بقرًا تُنحر، فتأولها قتلا في أصحابه = ورأى أن سيفه ذا الفقار انقصم، فكان قتل عمه حمزة، قتل يومئذ، وكان يقال له: أسد الله = ورأى أن كبشًا عُتِر، (82) . فتأوّله كبش الكتيبة، عثمان بن أبي طلحة، أصيب يومئذ، وكان معه لواء المشركين.

8180- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بنحوه = غير أنه قال: " قد أصبتم مثليها "، يقول: مثليْ ما أصيب منكم =" قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم "، يقول: بما عصيتم.

8181- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: أصيب المسلمون يوم أحد مصيبة، وكانوا قد أصابوا مثليها يوم بدر ممن قَتلوا وأسروا، فقال الله عز وجل: " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها ".

8182- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن &; 7-374 &; ابن جريج، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة قال: قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين، فذلك قوله: " قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا " إذ نحن مسلمون، نقاتل غضبًا لله وهؤلاء مشركون =" قل هو من عند أنفسكم "، عقوبة لكم بمعصيتكم النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين قال ما قال.

8183- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن مبارك، عن الحسن: " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم "، قالوا: فإنما أصابنا هذا لأنا قبلنا الفداء يوم بدر من الأسارى، وعصينا النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فمن قتل منا كان شهيدًا، ومن بقي منا كان مطهَّرًا، رضينا ربَّنا!. (83)

8184- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن وابن جريج قالا معصيتهم أنه قال لهم: " لا تتبعوهم "، يوم أحد، فاتبعوهم.

8185- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، ثم ذكر ما أصيب من المؤمنين -يعني بأحد- وقتل منهم سبعون إنسانًا =" أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها "، كانوا يوم بدر أسروا سبعين رجلا وقتلوا سبعين =" قلتم أنى هذا "، أن: من أين هذا =" قل هو من عند أنفسكم "، أنكم عصيتم.

8186- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها " يقول: إنكم أصبتم من المشركين يوم بدر مثليْ ما أصابوا منكم يوم أحد.

8187- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ثم ذكر المصيبة التي أصابتهم فقال: " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم "، أي: إن تك قد أصابتكم مصيبة في إخوانكم، فبذنوبكم قد أصبتم مثليها قبلُ من عدوكم، (84) في اليوم الذي كان قبله ببدر، قتلى وأسرى، ونسيتم معصيتكم وخلافكم ما أمركم به نبيّكم صلى الله عليه وسلم. أنتم أحللتم ذلك بأنفسكم. (85) =" إن الله على كل شيء قدير "، أي: إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو، قدير. (86) .

8188- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها "، الآية، يعني بذلك: أنكم أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد.

* * *

وقال بعضهم: بل تأويل ذلك: " قل هو من عند أنفسكم "، بإساركم المشركين يوم بدر، (87) وأخذكم منهم الفداء، وترككم قتلهم.

*ذكر من قال ذلك:

8189- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال، أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتتقوَّوْا به على &; 7-376 &; عدوكم، وإن قبلتموه قتل منكم سبعون = أو تقتلوهم. فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم ويُقتل منا سبعون. قال: فأخذوا الفدية منهم، وقتلوا منهم سبعين = قال عبيدة: وطلبوا الخيرتين كلتيهما.

8190- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة: أنه قال في أسارى بدر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم. قالوا: بل نأخذ الفداء فنستمتع به، ويستشهد منا بعدتهم.

8191- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني إسماعيل، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة السلماني = وحدثني حجاج، عن جرير، عن محمد، عن عبيدة السلماني = عن علي قال: جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد، إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أمرين: أن يقدَّموا فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يُقتل منهم عدتهم. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر ذلك لهم، فقالوا: يا رسول الله، عشائرنا وإخواننا!! لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا، ويستشهد منا عِدَّتهم، فليس في ذلك ما نكره! قال: فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر.

* * *

---------------

الهوامش :

(76) انظر تفسير"أني" فيما سلف 4: 398 - 416 / 5 : 12 ، 447 / 6 : 358 ، 420.

(77) انظر تفسير"قدير" في فهارس اللغة فيما سلف من الأجزاء.

(78) "أصحر القوم": برزوا إلى الصحراء. و"أصحروا لأعدائهم": برزوا إلى فضاء لا يواريهم ، لكي يقاتلوهم في الصحراء. و"الآطام" جمع أطم (بضم الهمزة والطاء): وهو حصن مبني بالحجارة ، كان أهل المدينة يتخذونها ويسكنونها يحتمون بها.

(79) "الجنة" (بضم الجيم وتشديد النون): هو ما وراك من السلاح واستترت به ، كالدروع والبيضة ، وكل وقاية من شيء فهو جنة.

(80) في المطبوعة: "وقد كنا نمتنع في الغزو. . . أن نمتنع فيه" ، وفي المخطوطة: "قد كنا نمتنع من الغزو. . . أن نمتنع فيه" ، والصواب فيها ما أثبت ، كما في الدر المنثور 2: 94.

(81) "اللأمة": الدرع الحصينة ، وسائر أداة الحرب.

(82) في المخطوطة والمطبوعة: "أن كبشًا أغبر" ، ولا معنى له ، ولا هو يستقيم. واستظهرت صوابها كما ترى ، وأن الناسخ صحفها. يقال: "عتر الشاة والظبية يعترها عترًا ، وهي عتيرة" ، ذبحها. ومنه"العتيرة" ، وهي أول نتاج أنعامهم ، كانوا يذبحونه لآلهتهم في الجاهلية. هذا على أنى لم أجد هذا الخبر بلفظه في مكان آخر ، ولكن المروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أنه مردف كبشًا ، فقال: أما الكبش ، فإني أقتل كبش القوم ، أي حاميهم وحامل لوائهم.

(83) في المطبوعة: "رضينا بالله ربا" ، غير ما في المخطوطة ، كأنه لم يفهمه!!

(84) في المطبوعة: "قتلا من عدوكم" وقبلها رقم (3) لشك المصحح في صحتها. وفي المخطوطة مثل ذلك غير منقوط ، والصواب من سيرة ابن هشام.

(85) في المخطوطة والمطبوعة: "إنكم أحللتم. . ." ، ورجحت رواية ابن هشام ، فهي أجود في السياق.

(86) الأثر: 8187- سيرة ابن هشام 3: 125 ، هو تتمة الآثار التي آخرها: 8178.

(87) في المطبوعة: "بإسارتكم" وهو خطأ ، أوقعه فيه ناسخ المخطوطة ، لأن كتب (تكم) ، ولكنه أدخل الراء على التاء ، فاختلطت كتابته. والصواب ما أثبت.

التدبر :

وقفة
[165] لعل مصيبتك من سوء فعلك؛ فلا تلم إﻻ نفسك.
وقفة
[165] ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا﴾ عند الألم والانكسار علينا أن تنشط ذاكرة الأفراح والمكاسب في حياتنا.
وقفة
[165] ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا﴾ أليس بها إشارة إلى أن الله يعفو عن الأولى والثانية ويؤاخذ العبد على الثالثة؟ الجواب: المقصود بمثليها في الآية: أي أصبتم من المشركين مثلي ما أصابوا منكم، يعني بذلك يوم بدر.
عمل
[165] ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ لا تلومن إلا نفسك، وفتش عن تقصيرك قبل أن تتهم غيرك، هذه وصية القرآن.
وقفة
[165] ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ قيلت الآية الكريمة للصحابة المجاهدين الكرام؛ ففي مصائبك لا تفكر خارج نفسك.
وقفة
[165] ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ ... قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ عدل فينا قضاؤك.
وقفة
[165] إن عبدًا وقر الإيمان في قلبه لا يمكن أن يتَّهم الله سبحانه وتعالى في عدله، وإن الله عزَّ وجلَّ يسلط الأشرار على الأخيار إذا هم عصوه، كما سلط كفار قريش على المؤمنين يوم أحد، فلما استغربوا قيل لهم: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] لو أن من أصيب بمصيبة أو همٍّ أو حزن فتش في نفسه عن أسبابها لصلحت أحوالنا: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] لا ينتصر أهلُ الباطل على أهل الحق إلا بسبب ذنوبهم، قال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] ما يحصل لنا من مصيبة انتصار العدو علينا إنما هو بذنوبنا، قال تعالى في يوم أحد: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] ما سُلط علينا أعدائنا ويُسر لهم مخططاتهم ضدنا إلا بذنوبنا ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] المعصية زمن السلم سببٌ لوقوع البلاء، وفي زمن الحرب سببٌ للهزيمة ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ .
وقفة
[165] القرآن يفتح عينيك على ما تريد إغلاقهما عنه: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
وقفة
[165] النصر الكبير يبدأ من الانتصار على النفس ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
عمل
[165] لا تنس دائمًا أن الذنوب والمعاصي هي سبب الخسران والهزيمة وعدم التوفيق ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
وقفة
[165] يخطئ كثير من الناس في فهم الإيمان بالقضاء والقدر، فكلما أصابتهم مصيبة قالوا: (قضاء وقدر) فيغفلون عن الأسباب البشرية، وما يجب تجاه ذلك، ومنهج القرآن يربي على النظر في الأسباب لمعالجتها، مع الإيمان بقضاء الله وقدره، تدبر: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فبدأ بالسبب قبل بيان قدر الله.
وقفة
[165] من أعظم ما يزيد مصائب المجتمعات بحثها المتكرر عن الحلول وتجاهلها للسبب الرئيس، وبهذه المكابرة تزيد الهوة ﴿قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ نقضت هذه الآية -في وقت مبكر- المبالغة في نظرية المؤامرة.
وقفة
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ أول خلاصك: التفتيش بذاتك.
وقفة
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ لا يوجد في الدنيا ما يُسمَّى بالحظ السيء، بل يوجد ذنبًا ساء الحال بسببه!
وقفة
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾لم يكن على الأرض أحب إلى الله من هذه الثلة المؤمنة وخاطبهم بهذا الخطاب، الذين يحبونك يضعونك أمام مسؤوليتك دون خداع.
وقفة
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ ما ينزل بالعبد من البلاء والمحن هو بسبب ذنوبه، وقد يكون ابتلاءً ورَفْع درجات، والله يعفو ويتجاوز عن كثير منها.
اسقاط
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ قالها الله لأطهر أهل الأرض بعد الأنبياء، ونحن نأنف من أن يذكرنا أحد بعواقب ذنوبنا.
وقفة
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ لم یکن على وجه الأرض أحب إلى الله من الصحابة، ومع هذا خاطبهم بهذا الخطاب؛ لأن من يحبك يضعك أمام مسؤولياتك دون مواربة، ولا يحابيك على حساب الحق.
اسقاط
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ كم فاتتنا من أعمال صالحة بسبب قولنا: (هذا غير واجب، بل مستحب) حتى تدرجنا للتقصير ببعض الواجبات! وكم يسارع بعضنا لأعمال مكروهة شرعًا بحجة أنها (غير محرمة) حتى جرَّته للمحرم الصريح! ثم نتساءل بعد ذلك: لماذا قست قلوبنا؟ وقحطت عيوننا؟ ونزعت البركة من أوقاتنا.
وقفة
[165] ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ حكم إلهي قاطع مهما تعددت الأسباب وكثرة التعليلات، لكنه لا يقع محل الاعتماد والاعتبار إلا عند النفوس المؤقنة بكلام الله.
وقفة
[165] من أجل أن نعرف كيف يتحقق النصر، لابد أن نفهم كيف وقعت الهزيمة، ولمعرفة طريق النجاة لابد أن ندرك كيف حدثت المعاناة ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] إذا نظرنا إلى تسليط اليهود على العرب، وجدناه من عند أنفسهم كما أجيب المصابون يوم أحد: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾، ولو تصورنا حال العرب اليوم، لوجدنا فيهم ما هو من أكبر أسباب الخذلان والهزيمة، ففيهم من يدعو غير الله، وفيهم من لا يقيم الصلاة ولا يؤتي الزكاة، وفيهم من يعطل الشريعة، فإذا كانت معصية واحدة من أسباب الهزيمة، فما بالكم بهذه الفظائع التي توجد في بعض البلاد العربية اليوم؟!
وقفة
[165] التجربة الحقة تؤكد أن الذي يؤثر في الإنسان ليس ما يفعله الآخرون أو يقولونه عنه، بل رد فعله تجاه ما يقوله أو يفعله الآخرون ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾.
وقفة
[165] ﴿هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾، ﴿ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [182] راجع نفسك واحذر أن تسيء الظن بربك، فهو سبحانه ليس بظلام للعبيد، إنما هي أعمالك يحصيها عليك ويجزيك بها.

الإعراب :

  • ﴿ أَوَلَمَّا :
  • الهمزة: حرف استفهام. الواو: استئنافية. لمّا: أداة شرط غير جازمة مبنية على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية بمعنى- حين- متعلقة بالجواب.
  • ﴿ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ:
  • الجملة في محل جر بالاضافة وهي فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. مصيبة: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها:
  • قد: حرف تحقيق. أصبتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم: علامة جمع الذكور. مثليها: مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة وجملة «أَصَبْتُمْ» في محل رفع صفة لمصيبة.
  • ﴿ قُلْتُمْ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم للجمع.
  • ﴿ أَنَّى هذا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول» أنّى: إسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف مكان متعلق بخبر مقدم محذوف. هذا: الهاء: للتنبيه. ذا: إسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. وجملة «قُلْتُمْ» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وحذفت الواو تخفيفا.
  • ﴿ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول» هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. من عند: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ. انفسكم: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبّه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
  • جار ومجرور متعلق بقدير. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة. قدير: خبر «إِنَّ» مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

آل عمران: 165﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا
النساء: 72﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا
المائدة: 106﴿إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ الْمَوْتِ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم بدر قال: نظر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيِّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلة، ثم مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قالاللهم أين ما وعدتني؟ اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً) قال: فما زال يستغيث ربه - عَزَّ وَجَلَّ -، ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فردَّاه ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله، كذاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك وأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).فلما كان يومئذٍ والتقوا فهزم الله - عَزَّ وَجَلَّ - المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً وأُسر منهم سبعون رجلاً فاستشار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر وعلياً وعمر فقال أبو بكر: يا نبي الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوةً لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم فيكونون لنا عَضُداً، فقال رسول اللّّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ما ترى يا ابن الخطاب؟) قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلانٍ - قريباً لعمر - فأضربَ عنقه وتمكّن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلانٍ، أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد، قال عمر: غدوت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو قاعد وأبو بكر وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبَك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، قال: فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الذي عرض عليَّ أصحابك من الفداء، لقد عُرِض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة) - لشجرة قريبة - وأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلىلَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ) من الفداء ثم أحل لهم الغنائم فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسأل الدم على وجهه وأنزل الله تعالىأَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بأخذكم الفداء. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد ابن كثير - رحمه الله - هذا في تفسيره لكنه لم يتعقبه.والصحيح والله أعلم أن هذا لا يصح سببًا لنزول الآية الكريمة، لأمرين: الأول: أنه قد تبين أن هذه الزيادة في قصة أحد مما انفرد بها عبد الرحمن بن غزوان الملقب (بقراد) وخالف فيها الثقات فهي شاذة لا تصح.الثاني: قوله: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فيقال: سبحان الله وهل يمكن أن يؤاخذ الله أحداً بذنب قد عفا عنه وغفر لصاحبه؟ فإن قيل: وكيف كان هذا؟فالجواب: ما أنزله الله تعالى فِي سورة الأنفال في قولهمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69). فانظر قولهلَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68). فالكتاب الذي سبق من الله منع من عذابهم وحال دونه.وانظر قولهفَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) فقد أحلَّ ذلك لهم وأذن لهم فيه، وختم ذلك بالمغفرة والرحمة. فهل يصح أن يُقال بعد ذلك إن ما أصابكم يوم أحد عقوبة على أخذكم الفداء يوم بدر؟ * النتيجة:أن ما ذكر هنا واعتبر سببًا لنزول الآية لا يصح لشذوذ الزيادة وخلو الأحاديث الصحيحة منها مع ما فيها من مخالفة سياق القرآن، والآية إنما نزلت تتحدث عن قصة أحد وما جرى فيها من هزيمة المسلمين وأسباب ذلك ودواعيه ...'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [165] لما قبلها :     ولَمَّا تعجب البعض: كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا وهؤلاء مشركون؟ جاء الرد هنا: هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم، قال تعالى:
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف