9180818283848586

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (80) الى الآية رقم (83) عدد الآيات (4)

لمَّا ذكرَ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رسولٌ من عندِ اللهِ بَيَّنَ هنا أن مَنْ أطاعَه فقد أطاعَ اللهَ، ثُمَّ بَيَّنَ أن مراوغةَ المنافقينَ مكشوفةٌ، ودعاهم لتدبُّرِ القرآنِ المُظْهرِ لخفاياهم، والتثبُّتِ من الأخبارِ قبلَ حكايتِها.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (84) الى الآية رقم (87) عدد الآيات (4)

بعدَ الأمرِ بالجِهادِ وبيانِ تثبيطِ المنافقينَ للمؤمنين عادَ هنا إلى الأمرِ بحضَّ المؤمنينَ على الجهادِ، وأنَّ من يشجِّعْ غيرَه على الخيرِ يكنْ له نصيبٌ من الثَّوابِ، وردّ السَّلام.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 91

91

مدارسة الآية : [80] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ..

التفسير :

[80] من يستجب للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويعمل بهديه، فقد استجاب لله تعالى وامتثل أمره، ومن أعرض عن طاعة الله ورسوله فما بعثناك -أيها الرسول- على هؤلاء المعرضين رقيباً تحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها، فحسابهم علينا.

أي:كل مَنْ أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه{ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله وشرعه ووحيه وتنزيله، وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا، فلولا أنه معصوم في كل ما يُبَلِّغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا، ويمدح على ذلك. وهذا من الحقوق المشتركة فإن الحقوق ثلاثة:حق لله تعالى لا يكون لأحد من الخلق، وهو عبادة الله والرغبة إليه، وتوابع ذلك. وقسم مختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير والنصرة. وقسم مشترك، وهو الإيمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما، كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله:{ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فمَنْ أطاع الرسول فقد أطاع الله، وله من الثواب والخير ما رتب على طاعة الله{ وَمَنْ تَوَلَّى} عن طاعة الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئًا{ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي:تحفظ أعمالهم وأحوالهم، بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا، وقد أديت وظيفتك، ووجب أجرك على الله، سواء اهتدوا أم لم يهتدوا. كما قال تعالى:{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} الآية.

ثم بين- سبحانه- أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هي طاعة له فقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.

أى: من يستجب لما يدعوه إليه محمد صلى الله عليه وسلم ويذعن لتعاليمه، فإنه بذلك يكون مطيعا لله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ لأمر الله ونهيه.

وقوله وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً بيان لوظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم.

أى: من أطاعك يا محمد فقد أطاع الله، ومن أعرض عن طاعتك وعصى أمرك، فعلى نفسه يكون جانيا، لأننا ما أرسلناك على الناس حافظا ورقيبا لأعمالهم، وإنما أرسلناك مبلغا ومنذرا.

وجواب الشرط في قوله وَمَنْ تَوَلَّى محذوف. أى ومن تولى فأعرض عنه فإنا ما أرسلناك عليهم حفيظا.

قال الآلوسى: وقوله- تعالى- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ بيان لإحكام رسالته إثر بيان تحققها. وإنما كان الأمر كذلك لأن الآمر والناهي في الحقيقة هو الحق- سبحانه- والرسول إنما هو مبلغ للأمر والنهى فليست الطاعة له بالذات إنما هي لمن بلغ عنه. وفي بعض الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: من أحبنى فقد أحب الله، ومن أطاعنى فقد أطاع الله. فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل؟ لقد قارف الشرك، وهو نهى أن يعبد غير الله. ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى- عليه السلام- فنزلت » .

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك جانبا آخر من صفات المنافقين ومن على شاكلتهم من ضعاف الإيمان حتى يحذرهم المؤمنون الصادقون فقال- تعالى-:

يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ، وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ، ومن عصى الأمير فقد عصاني " .

وهذا الحديث ثابت في الصحيحين ، عن الأعمش به

وقوله : ( ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ) أي : لا عليك منه ، إن عليك إلا البلاغ فمن تبعك سعد ونجا ، وكان لك من الأجر نظير ما حصل له ، ومن تولى عنك خاب وخسر ، وليس عليك من أمره شيء ، كما جاء في الحديث : " من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه " .

القول في تأويل قوله : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)

قال أبو جعفر: وهذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى ذكره لهم: من يطع منكم، أيها الناس، محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي، فلا يقولنَّ أحدكم: " إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا "!

* * *

ثم قال جل ثناؤه لنبيه: ومن تولى عن طاعتك، يا محمد، فأعرض عنك، (1) فإنا لم نرسلك عليهم " حفيظًا "، يعني: حافظًا لما يعملون محاسبًا، بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نـزل إليهم، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ولهم عليها محاسبين.

* * *

ونـزلت هذه الآية، فيما ذكر، قبل أن يؤمر بالجهاد، كما:-

9979 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألت ابن زيد عن قول الله: " فما أرسلناك عليهم حفيظًا " قال: هذا أول ما بعثه، قال: إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ [سورة الشورى: 48]. قال: ثم جاء بعد هذا بأمره بجهادهم والغلظة عليهم حتى يسلموا.

----------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"تولى" فيما سلف 7: 326 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

التدبر :

وقفة
[80] هذه الآية من أقوى الأدلة على عصمة النبي ﷺ في كل ما يبلغه عن ربه؛ لأنه لو أخطأ في شيء منها لم تكن طاعته طاعةً لله.
وقفة
[80] من اتَّبع السُّنة فقد اتَّبع دين الله الحق؛ لأن اتباع السُّنة اقتداء بمن أرسله الله مبلِّغًا عنه، وهو نبينا ﷺ، وهو مقتضى شهادة التوحيد، والسلامة من الشرك، قال الله تعالى: ﴿من يُطعِ الرسولَ فقد أطاعَ اللهَ﴾، وقال سبحانه: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ﴾ [31].

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ:
  • من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يطع: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره وقد حرّك بالكسر لالتقاء الساكنين وحذفت ياؤه تخفيفا والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الرسول: مفعول به منصوب بالفتحة وجملتا فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. قد: حرف تحقيق. أطاع: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة وجملة «فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن.
  • ﴿ وَمَنْ تَوَلَّى:
  • الواو: حرف عطف. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. تولى: فعل ماض في محل جزم فعل الشرط مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.
  • ﴿ فَما أَرْسَلْناكَ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. ما: نافية لا عمل لها. أرسلناك: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم سبحانه و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة «فَما أَرْسَلْناكَ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً:
  • على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى. حفيظا: حال منصوب بالفتحة. و «عَلَيْهِمْ» متعلق بأرسلناك أو بحال مقدم من «حَفِيظاً». '

المتشابهات :

النساء: 80﴿وَمَن تَوَلَّىٰ فَـ مَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا
الإسراء: 54﴿إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
الشورى: 48﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَـ مَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [80] لما قبلها :     وبعد الرد على المنافقين لمَّا زعموا أنَّ الرَّسولَ مصدرُ السَّيِّئات الَّتي تُصيبُهم، ثم بيان أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رسولٌ من عندِ اللهِ؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن مَنْ أطاع الرسول ﷺ فقد أطاعَ اللهَ، قال تعالى:
﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [81] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ ..

التفسير :

[81] ويُظْهر هؤلاء المعرضون -وهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم- طاعتهم للرسول وما جاء به، فإذا ابتعدوا عنه وانصرفوا عن مجلسه، دبَّر جماعة منهم ليلاً غير ما أعلنوه من الطاعة، وما علموا أن الله يحصي عليهم ما يدبِّرون، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء، فتولّ

ولا بد أن تكون طاعة الله ورسوله ظاهرًا وباطنًا في الحضرة والمغيب. فأما مَنْ يظهر في الحضرة والطاعة والالتزام فإذا خلا بنفسه أو أبناء جنسه ترك الطاعة وأقبل على ضدها، فإن الطاعة التي أظهرها غير نافعة ولا مفيدة، وقد أشبه من قال الله فيهم:{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي:يظهرون الطاعة إذا كانوا عندك.{ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ} أي:خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم.{ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} أي:بيتوا ودبروا غير طاعتك ولا ثَمَّ إلا المعصية. وفي قوله:{ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} دليل على أن الأمر الذي استقروا عليه غير الطاعة؛ لأن التبييت تدبير الأمر ليلا على وجه يستقر عليه الرأي، ثم توعدهم على ما فعلوا فقال:{ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} أي:يحفظه عليهم وسيجازيهم عليه أتم الجزاء، ففيه وعيد لهم. ثم أمر رسوله بمقابلتهم بالإعراض وعدم التعنيف، فإنهم لا يضرونه شيئا إذا توكل على الله واستعان به في نصر دينه، وإقامة شرعه. ولهذا قال:{ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}

والضمير في قوله وَيَقُولُونَ للمنافقين ومن يلفون لفهم.

أى: أن هؤلاء المنافقين إذا أمرتم يا محمد بأمر وهم عندك يقولون طاعة أى أمرنا وشأننا طاعة. يقولون ذلك بألسنتهم أما قلوبهم فهي تخالف ألسنتهم.

وقوله طاعَةٌ خبر لمبتدأ محذوف وجوبا أى: أمرنا طاعة. ويجوز النصب على معنى:

أطعناك طاعة. كما يقول المأمور لمن أمره: سمعا وطاعة، وسمع وطاعة.

قال صاحب الكشاف: ونحوه قول سيبويه: سمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له:

كيف أصبحت؟ فيقول: حمد الله وثناء عليه، كأنه قال: أمرى وشأنى حمد الله. ولو نصب «حمد الله» كان على الفعل. والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها.

ثم حكى- سبحانه- ما يكون عليه أمر هؤلاء المنافقين بعد خروجهم من عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ.

وقوله بَيَّتَ من التبييت واشتقاقه- كما يقول الفخر الرازي- من البيتوتة، لأن أصلح الأوقات للفكر أن يجلس الإنسان في بيته بالليل، فهناك تكون الخواطر أخلى، والشواغل أقل.

لا جرم سمى الفكر المستقصى مبيتا. أو من بيت الشعر، لأن العرب إذا أرادوا قرض الشعر بالغوا في التفكر فيه ...

والمراد: زوّر وموّه ودبّر.

والمعنى: أن هؤلاء المنافقين إذا كانوا عندك- يا محمد- وأمرتهم بأمر قالوا: طاعة، فإذا ما خرجوا من عندك وفارقوك دبر وأضمر طائفة منهم وهم رؤساؤهم «غير الذي تقول» أى خلاف ما قلت لتلك الطائفة أو قالت لك من ضمان الطاعة. فهم أمامك يظهرون الطاعة المطلقة، ومن خلفك يدبرون ويضمرون ما يناقض هذه الطاعة ويخالفها.

والتعبير عن الخروج بالبروز للإشارة إلى تفاوت ما بين أحوالهم، وتناقض مظهرهم مع خبيئتهم.

وإسناد هذا التبييت إلى طائفة منهم، لبيان أنهم هم المتصدون له بالذات، أما الباقون فتابعون لهم في ذلك، لا أنهم ثابتون على الطاعة.

وقوله وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ أى يثبته في صحائف أعمالهم. وبفضحهم بسبب سوء أعمالهم في الدنيا، ثم يجازيهم على هذا النفاق بما يستحقون في الآخرة، فالجملة الكريمة تهديد لهم على سوء صنيعهم، لعلهم يكفون عن هذا النفاق، وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه- سبحانه- سيطلعه على مكرهم السيئ لكي يتقى شرهم، ولذا فقد أمره- سبحانه- بعدم الالتفات إليهم، وبالتوكل عليه- تعالى- وحده فقال:

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا. أى: إذا كان هذا هو شأنهم يا محمد.

فلا تكثرت بهم، ولا تلتفت إليهم، وسر في طريقك متوكلا على الله، ومعتمدا على رعايته وحفظه، وكفى بالله وكيلا وكفيلا لمن توكل عليه، واتبع أمره ونهيه. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد كشفت عن جانب من صفات المنافقين وأحوالهم، ثم هددتهم على جرائمهم، ورسمت للنبي صلى الله عليه وسلم الخطة الحكيمة لعلاجهم واتقاء شرهم.

وقوله : ( ويقولون طاعة ) يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة ( فإذا برزوا من عندك ) أي : خرجوا وتواروا عنك ( بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) أي : استسروا ليلا فيما بينهم بغير ما أظهروه . فقال تعالى : ( والله يكتب ما يبيتون ) أي : يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين ، الذين هم موكلون بالعباد . يعلمون ما يفعلون . والمعنى في هذا التهديد ، أنه تعالى أخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم ، وما يتفقون عليه ليلا من مخالفة الرسول وعصيانه ، وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة ، وسيجزيهم على ذلك . كما قال تعالى : ( ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا [ ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ] ) [ النور : 47 ] .

وقوله : ( فأعرض عنهم ) أي : اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم ، ولا تكشف أمورهم للناس ، ولا تخف منهم أيضا ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) أي : كفى به وليا وناصرا ومعينا لمن توكل عليه وأناب إليه .

القول في تأويل قوله : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه بقوله: " ويقولون طاعة "، يعني: الفريق الذي أخبر الله عنهم أنهم لما كتب عليهم القتال خَشُوا الناس كخشية الله أو أشد خشية، يقولون لنبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بأمر: أمرك طاعة، ولك منا طاعة فيما تأمرنا به وتنهانا عنه =" وإذا برزوا من عندك "، يقول: فإذا خرجوا من عندك، (2) يا محمد =" بيّت طائفة منهم غير الذي تقول "، يعني بذلك جل ثناؤه: غيَّر جماعة منهم ليلا الذي تقول لهم.

وكل عمل عُمِل ليلا فقد " بُيِّت "، ومن ذلك " بيَّت " العدو، وهو الوقوع &; 8-563 &; بهم ليلا ومنه قول عبيدة بن همام: (3)

أَتَــوْنِي فَلَــمْ أَرْضَ مَــا بَيَّتُـوا,

وَكَــانُوا أَتَــوْنِي بِشَــيْءٍ نُكُــرْ (4)

لأنْكِــــحَ أَيِّمَهُــــمْ مُنْـــذِرًا,

وَهَــلْ يُنْكِـحَ الْعَبْـدَ حُـرٌّ لِحُـرْ?! (5)

يعني بقوله: " فلم أرض ما بيتوا "، ليلا أي: ما أبرموه ليلا وعزموا عليه،

ومنه قول النمر بن تولب العُكْليّ:

هَبَّـتْ لِتَعْـذُلَنِي مِـنَ اللَّيْـل اسْـمَعِ!

سَــفَهًا تُبَيِّتُــكِ المَلامَـةُ فَـاهْجَعِي (6)

يقول الله جل ثناؤه: " والله يكتب ما يبيتون "، يعني بذلك جل ثناؤه: والله يكتب ما يغيِّرون من قولك ليلا في كُتب أعمالهم التي تكتبها حَفَظته.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9980 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيَّت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: يغيِّرون ما عهد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم:

9981 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف بن خالد قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " بيّت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: غيَّر أولئك ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

9982 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: غيّر أولئك ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

9983 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون)، قال: هؤلاء المنافقون الذين يقولون إذا حضروا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأمر قالوا: " طاعة "، فإذا &; 8-565 &; خرجوا من عنده، غيّرت طائفة منهم ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم =" والله يكتب ما يبيتون "، يقول: ما يقولون.

9984 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: يغيرون ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

9985 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، وهم ناس كانوا يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمنا بالله ورسوله "، ليأمنوا على دمائهم وأموالهم. وإذا برزوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، (7) خالفوا إلى غير ما قالوا عنده، فعابهم الله، فقال: " بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، يقول: يغيرون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

9986 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، هم أهل النفاق.

* * *

وأما رفع " طاعة "، فإنه بالمتروك الذي دلّ عليه الظاهر من القول وهو: أمرُك طاعة، أو: منا طاعة. (8) وأما قوله: " بيت طائفة "، فإن " التاء " من " بيّت " تحرِّكها بالفتح عامة قرأة المدينة والعراق وسائر القرأة، لأنها لام " فَعَّل ".

* * *

وكان بعض قرأة العراق يسكّنها، ثم يدغمها في" الطاء "، لمقاربتها في المخرج (9) .

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك ترك الإدغام، لأنها = أعني" التاء " و " الطاء " = من حرفين مختلفين. وإذا كان كذلك، كان ترك الإدغام أفصح اللغتين عند العرب، واللغة الأخرى جائزةٌ = أعني الإدغام في ذلك = محكيّةٌ.

* * *

القول في تأويل قوله : فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (81)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: " فأعرض "، يا محمد، عن هؤلاء المنافقين الذين يقولون لك فيما تأمرهم: " أمرك طاعة "، (10) فإذا برزوا من عندك خالفوا ما أمرتهم به، وغيَّروه إلى ما نهيتهم عنه، وخلّهم وما هم عليه من الضلالة، وارض لهم بي منتقمًا منهم =" وتوكل " أنت يا محمد =" على الله "، يقول: وفوِّض أنت أمرك إلى الله، وثق به في أمورك، وولِّها إياه (11) =" وكفى بالله وكيلا "، يقول: وكفاك بالله = أي: وحسبك بالله =" وكيلا "، أي: فيما يأمرك، ووليًّا لها، ودافعًا عنك وناصرًا. (12)

----------------

الهوامش :

(2) انظر تفسير"برز" فيما سلف 5: 354 / 7: 324.

(3) عبيدة بن همام ، أخو بني العدوية ، من بني مالك بن حنظلة ، من بني تميم ، وظنه ناشر مجاز القرآن لأبي عبيدة"عبيدة بن همام التغلبي" ، وكلا ، فهذا إسلامي ، وذلك جاهلي! واستظهرت من نسب"يعلى بن أمية" في جمهرة الأنساب: 217 ، وغيرها أنه"عبيدة بن همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وخبر هذا الشعر دال على أنه جاهلي ، فقد ذكر الجاحظ في الحيوان 4: 376 خبر هذه الأبيات ، في خبر للنعمان بن المنذر ومثالبه ، وذلك أن أخاه المنذر بن المنذر خطب إلى عبيدة بن همام ، فرده أقبح الرد ، وذكر الأبيات.

(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 133 ، الحيوان 4: 376 ، الكامل 2: 35 ، 106 ، الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1: 263 ، ديوان الأسود بن يعفر لنهشلي ، أعشى بني نهشل ، في ديوان الأعشين: 298 ، اللسان (نكر). وروى: "فقد طرقوني بشيء".

"طرقوني": أتوني ليلا. و"نكر" بضمتين ، مثل"نكر" بضم فسكون: الأمر المنكر الذي تنكره. والبيت يتممه الذي بعده.

(5) "الأيم" من النساء ، التي لا زوج لها ، بكرًا كانت أو ثيبًا. و"رجل أيم" ، لا زوجة له. و"منذر" يعني: المنذر بن المنذر ، أخا النعمان بن المنذر. وقوله: "هل ينكح العبد حر لحر" أي: هل ينكح الحر الذي ولدته الأحرار ، عبدًا من العبيد ، وذلك تعريض منه بالمنذر وأخيه النعمان ، الذي جعل امرأته ظئرًا لبعض ولد كسرى ، وسماه كسرى"عبدًا". وقوله: "حر لحر" ، أي: حر قد ولدته الأحرار ، كما تقول: "هو كريم لكرام ، وحر لأحرار" ، اللام فيه للنسب ، كأنه قال: كريم ينسب إلى آباء كرام ، وحر ينسب إلى آباه أحرار. وهذا الذي قلته لا تجده في كتاب ، فاحفظه.

وكان في المخطوطة: "لأنكح إليهم منذرًا" ، وهو فاسد جدًا كما ترى ، وفيها أيضًا: "حر بحر" ، والصواب ما أثبت.

(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 133 ، والخزانة 1: 153 ، والعيني (بهامش الخزانة) 2: 536 ، وشرح شواهد المغني: 161 ، وغيرها. وكان في المطبوعة: "بليل اسمع" ، وهو خطأ ، ومثله في المخطوطة: "بليل اسمع" ، ولكني أثبت رواية أبي عبيدة فهي أجود الروايات.

وقوله: "اسمع" ، هذا قول امرأته أو أمه التي كانت تلومه على الكرم والسخاء. ويعني بذلك أنها كانت تكثر من مقالة"اسمع ، واسمع مني". وقوله: "سفها" ، أي باطلا وخفة عقل. وقوله"تبيتك الملامة" ليس من معنى ما أراد الطبري ، وإن كان الشراح قد فسروه كذلك. وهو عندي من قولهم: "بات الرجل" إذا سهر ، ومنه: "بت أراعي النجوم" ، أي سهرت أنظر إليها ، فقوله: "تبيتك الملامة" ، أي تسهرك ملامتي وعتابي ، يقول: سهرك المضني هذا من السفه ، فنامى واهجعي ، فهو أروح لك!

فاستشهاد أبي عبيدة ، والطبري على أثره ، بهذا البيت ، ليس في تمام موضعه ، وإن كان الأمر قريب بعضه من بعض.

(7) في المطبوعة: "فإذا برزوا" بالفاء ، وأثبت ما في المخطوطة.

(8) انظر معاني القرآن للفراء 1: 378.

(9) انظر معني القرآن للفراء 1: 379.

(10) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف 2: 298 ، 299 / 6: 291 / 8: 88.

(11) انظر تفسير"التوكل" فيما سلف: 7: 346.

(12) انظر تفسير"الوكيل" فيما سلف 7: 405.

التدبر :

وقفة
[81] مؤامرات الأعداء لا تخفى على الله، فأعرض عنها بقلبك، فلا خوف ولا حزن، وأحسن التوكل على ربك.
وقفة
[81] ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ دليل على أن الأمر الذي استقروا عليه غير الطاعة، لأن التبييت تدبير الأمر ليلًا على وجه يستقر عليه الرأي.
وقفة
[81] ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ يحرص المنافقون على إخفاء أعمالهم وكيدهم؛ ولذا يوقعونها ليلًا.
وقفة
[81] ضيق الصدر من أذية المخالفين أمر فطري، قال موسى: ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ [الشعراء: 13]، وقال الله عن محمد: ﴿نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ﴾ [الحجر: 97]، وعلاج ذلك: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾.
وقفة
[81] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾ ما خاب قلب استشعر درب ربه، سبحانك ربي سبحانك.
وقفة
[81] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾ تستيقظ الهموم معك، يقترح الخاطر أسماء ليساعدوك، امح كل تلك الأسماء، الله وحده يكفيك.
تفاعل
[81] ﴿وكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾ قل الآن: اللهم لا تجعل قلوبنا متعلقة إلا بك، ولا منقطعة إلا إليك، ولا متوكلة إلا عليك.
وقفة
[81] ﴿وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾ المتوكل حقًا: يسلم أمره إلى الله ليفعل به ما يشاء، كالطفل الرضيع تمامًا؛ يسلم نفسه لأمه تفعل به ماتشاء، فكيف لا يطمئن !
وقفة
[81] ﴿وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾ إذا فوض العبد أمره إلى ربه وتوكل عليه حق التوكل؛ تيسر له كل عسير، وتنزلت عليه البركات، ودفعت عنه الكربات، ويكفي في أثر التوكل أنك ترى العبد الضعيف الذي فوّض أمره إلى سيده سبحانه وتعالى، قد قام بأعمال عظيمة يعجز عنها كثير من الرجال.
تفاعل
[81] ﴿وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾ قل: «اللهم لا تجعل قلوبنا متعلقة إلا بك، ولا منقطعة إلا إليك، ولا متوكلة إلا عليك».
عمل
[81] ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك ﴿وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾.
وقفة
[81] قال الله في خمس مواضع في القرآن: ﴿وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾، هل امتلأت قلوبنا فعلاً بحقيقة هذا المعنى ونحن نعارك تصاريف الحياة؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَيَقُولُونَ طاعَةٌ:
  • الواو: استئنافية. يقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. طاعة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أمرنا وشأننا طاعة أو تكون مبتدأ مؤخرا والخبر المقدم محذوفا تقديره: منّا طاعة والجملة الاسمية: أمرنا طاعة: في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ:
  • الفاء: استئنافية. إذا: ظرف زمان مبني على السكون أداة شرط غير جازم. برزوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. وجملة «بَرَزُوا» في محل جر بالاضافة. من عندك: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الضمير في «بَرَزُوا» والكاف ضمير متصل «ضمير المخاطب» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ:
  • بيت: فعل ماض مبني على الفتح. طائفة: فاعل مرفوع بالضمة. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من طائفة. ومن: حرف جرّ بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جرّ بمن والجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها. وذكر الفعل لأن «الطائفة» مؤنث غير حقيقي ولأنها بمعنى: الفريق والفوج.
  • ﴿ غَيْرَ الَّذِي:
  • غير: مفعول به منصوب بالفتحة. الذي اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ تَقُولُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وجملة «تَقُولُ» صلة الموصول.
  • ﴿ وَاللَّهُ يَكْتُبُ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يكتب: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يَكْتُبُ» في محل رفع خبر.
  • ﴿ ما يُبَيِّتُونَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يبيتون: صلة الموصول لا محل لها وتعرب إعراب «يَقُولُونَ» والعائد الى الموصول الذي «ما» ضمير محذوف منصوب بالمحل لأنه مفعول به التقدير: تقوله ويبيتونه.
  • ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ:
  • الفاء: استئنافية. أعرض: فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. عنهم: جار ومجرور متعلق بأعرض و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن.
  • ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ:
  • معطوفة بواو العطف على «أعرض» وتعرب إعرابها. على الله: جار ومجرور متعلق بتوكل.
  • ﴿ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا:
  • الواو: عاطفة. أو استئنافية. كفى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر بالله: الباء: حرف جر زائد لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل. وكيلا: تمييز منصوب بالفتحة أو حال من لفظ الجلالة منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 81﴿وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
الأحزاب: 3﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
الأحزاب: 48﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [81] لما قبلها :     وبعد الرد على المنافقين؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا مَكرَهم وكيدَهم، يُظهرون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعتهم للرسول، فإذا انصرفوا عن مجلسه؛ دبَّر جماعة منهم ليلًا غير ما أعلنوه من الطاعة، وذلك حتى يحذرهم المؤمنون الصادقون، قال تعالى:
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً

القراءات :

بيت طائفة:
قرئ:
1- بالإدغام، وهى قراءة حمزة، وأبى عمرو.
2- بالإظهار، وهى قراءة الباقين.
تقول:
وقرئ:
بالياء، وهى قراءة يحيى بن يعمر، ويكون الضمير للرسول، أو يعود على «لطائفة» ، لأنها فى معنى القوم، أو الفريق.

مدارسة الآية : [82] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ ..

التفسير :

[82] أفلا ينظر هؤلاء في القرآن، وما جاء به من الحق، نظر تأمل وتدبر، حيث جاء على نسق محكم يقطع بأنه من عند الله وحده؟ ولو كان مِن عند غيره لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.

يأمر تعالى بتدبر كتابه، وهو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم، ذلك فإن تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته. فإنه يعرِّف بالرب المعبود، وما له من صفات الكمال; وما ينزه عنه من سمات النقص، ويعرِّف الطريق الموصلة إليه وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه، ويعرِّف العدو الذي هو العدو على الحقيقة، والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب. وكلما ازداد العبد تأملا فيه ازداد علما وعملا وبصيرة، لذلك أمر الله بذلك وحث عليه وأخبر أنه [هو] المقصود بإنزال القرآن، كما قال تعالى:{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} وقال تعالى:{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ومن فوائد التدبر لكتاب الله:أنه بذلك يصل العبد إلى درجة اليقين والعلم بأنه كلام الله، لأنه يراه يصدق بعضه بعضا، ويوافق بعضه بعضا. فترى الحكم والقصة والإخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع، كلها متوافقة متصادقة، لا ينقض بعضها بعضا، فبذلك يعلم كمال القرآن وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور، فلذلك قال تعالى:{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} أي:فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف أصلاً.

ثم أنكر- سبحانه- على هؤلاء المنافقين وأشباههم عدم تدبرهم للقرآن وحضهم على تأمل حكمه وأحكامه وهداياته فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.

وقوله يَتَدَبَّرُونَ من التدبر، وتدبر الأمر- كما يقول الزمخشري- تأمله والنظر في أدباره وما يئول اليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تأمل فمعنى تدبر القرآن: تأمل معانيه وتبصر ما فيه.

والاستفهام لإنكار عدم تدبرهم، والتعجيب من استمرارهم في جهلهم ونفاقهم مع توفر الأسباب التي توصلهم إلى الهداية وعلى رأسها تدبر القرآن وتفهم معانيه.

والفاء للعطف على مقدر. أى: أيعرضون عن القرآن فلا يتأملون فيه.

والمعنى: إن هؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض قد خيب الله سعيهم، وكشف خباياهم، ورأوا بأعينهم سوء عاقبة الكافرين وحسن عاقبة المؤمنين، فهلا دفعهم ذلك إلى الإيمان وإلى تدبر القرآن وما اشتمل عليه من هدايات وإرشادات وأخبار صادقة، وأحكام حكيمة.. تشهد بأنه من عند الله- تعالى-، ولو كان هذا القرآن من عند غير الله أى من إنشاء البشر لوجدوا في أخباره وفي نظمه وفي أسلوبه وفي معانيه اختلافا كثيرا فضلا عن الاختلاف القليل، ولكن القرآن لأنه من عند الله وحده قد تنزه عن كل ذلك وخلا من كل اختلاف سواء أكان كثيرا أم قليلا.

فالمراد بالاختلاف: تباين النظم، وتناقض الحقائق، وتعارض الأخبار وتضارب المعاني، وغير ذلك مما خلا منه القرآن الكريم لأنه يتنافى مع بلاغته وصدقه.

وفي ذلك يقول صاحب الكشاف: قوله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً أى: لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه، فكان بعضه بالغا حد الإعجاز. وبعضه قاصرا عنه تمكن معارضته، وبعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه، وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم.

فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائقة لقوى البلغاء، وتناصر معان، وصدق أخبار، دل على أنه ليس إلا من عند قادر على ما لم يقدر عليه غيره، عالم بما لا يعلمه أحد سواه».

فالآية الكريمة تدعو الناس في كل زمان ومكان إلى تدبر القرآن الكريم وتأمل أحكامه، والانقياد لما اشتمل عليه من توجيهات وإرشادات وأوامر ونواه، ليسعدوا في دنياهم وآخرتهم.

يقول تعالى آمرا عباده بتدبر القرآن ، وناهيا لهم عن الإعراض عنه ، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ، ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، ولا تضاد ولا تعارض ; لأنه تنزيل من حكيم حميد ، فهو حق من حق ; ولهذا قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن [ أم على قلوب أقفالها ] ) [ محمد : 24 ] ثم قال : ( ولو كان من عند غير الله ) أي : لو كان مفتعلا مختلقا ، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم ( لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) أي : اضطرابا وتضادا كثيرا . أي : وهذا سالم من الاختلاف ، فهو من عند الله . كما قال تعالى مخبرا عن الراسخين في العلم حيث قالوا : ( آمنا به كل من عند ربنا ) [ آل عمران : 7 ] أي : محكمه ومتشابهه حق ; فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا ، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه ; ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين .

قال الإمام أحمد : حدثنا أنس بن عياض ، حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم ، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من أبوابه ، فكرهنا أن نفرق بينهم ، فجلسنا حجرة ، إذ ذكروا آية من القرآن ، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى احمر وجهه ، يرميهم بالتراب ، ويقول : " مهلا يا قوم ، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم ، وضربهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل بعضه بعضا ، بل يصدق بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه إلى عالمه " .

وهكذا رواه أيضا عن أبي معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، والناس يتكلمون في القدر ، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، فقال لهم : " ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم " . قال : فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس ، أني لم أشهده .

ورواه ابن ماجه من حديث داود بن أبي هند ، به نحوه .

وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أبي عمران الجوني قال : كتب إلي عبد الله بن رباح ، يحدث عن عبد الله بن عمرو قال : هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فإنا لجلوس إذ اختلف اثنان في آية ، فارتفعت أصواتهما فقال : " إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب " ورواه مسلم والنسائي ، من حديث حماد بن زيد ، به .

القول في تأويل قوله : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (82)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " أفلا يتدبرون القرآن "، أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم، يا محمد كتاب الله، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنـزيل من عند ربهم، لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضًا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض، كما:-

9987 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا " أي: قول الله لا يختلف، وهو حق ليس فيه باطل، وإنّ قول الناس يختلف.

9988 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: إن القرآن لا يكذّب بعضه بعضًا، ولا ينقض بعضه بعضًا، ما جهل الناس من أمرٍ، (13) فإنما هو من تقصير عقولهم وجهالتهم! وقرأ: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا ". قال: فحقٌّ على المؤمن أن يقول: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، ويؤمن بالمتشابه، ولا يضرب بعضه ببعض= وإذا جهل أمرًا ولم يعرف أن يقول: (14) " الذي قال الله حق "، ويعرف أن الله تعالى لم يقل قولا وينقضه، (15) ينبغي أن يؤمن بحقيقة ما جاء من الله. (16)

9989 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: " أفلا يتدبرون القرآن "، قال: " يتدبرون "، النظر فيه.

-----------------

الهوامش :

(13) في المطبوعة: "من أمره" ، وهو خطأ محض ، والصواب ما أثبت من المخطوطة.

(14) في المطبوعة والمخطوطة: "إذا جهل أمرًا" بإسقاط الواو ، وهو لا يستقيم. وهو معطوف على قوله: "فحق على المؤمن أن يقول...".

(15) في المطبوعة: "وينقض" والصواب من المخطوطة.

(16) في المطبوعة: "بحقية ما جاء من الله" ، وأثبت ما في المخطوطة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ تدعوك الآية إلى تدبر القرآن.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير، وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ تدبر القرآن الكريم يورث اليقين بأنه تنزيل من الله؛ لسلامته من الاضطراب، ويظهر عظيم ما تضمنه من الأحكام.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وهذه كانت عادة السلف، يردد أحدهم الآية إلى الصباح.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ من المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل فيه الناس، فالقرآن يقرؤه الناس بالليل والنهار لكن يتفاضلون في فهمه تفاضلًا عظيمًا، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ لو تدبروه؛ لدلهم على كل خير، ولحذرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ وإذا كان من لا يتدبر القرآن يوبخ؛ فمن يتدبره يثنى عليه ويمدح إذًا، ففيه الحث على تدبر القرآن.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ العيش مع القرآن وتدبره هو مفتاح استقامة القلب وثباته وراحته وطمأنيته.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾، ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون: 68] لفظ القرآن يعم القول وأكثر فهو أوسع، لذا جاء مع القرآن بالصيغة الأطول، وقال: ﴿يَتَدَبَّرُونَ﴾، وجاء مع القول بالصيغة المناسبة للسياق، وقال: ﴿يَدَّبَّرُوا﴾، والزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى.
وقفة
[82] فكما أن من تعامى في حياته ﷺ عن نبع الماء بين أصابعه وغير ذلك من معجزاته ملوم مدحور، ومأزور غير مأجور، فكذلك من تعامى عن آيات الكتاب، وكأن لم يقرع أذنه قارع، فهو من هذا الباب؛ ولهذا نبه تعالى بقوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾.
وقفة
[82] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾، ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون: 68]، ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: 29] ورد التدبر بصيغة المضارع للدلالة على أنه فعل يتعين على الإنسان القيام به بإستمرار.
عمل
[82] تدبر آية من كتاب الله؛ وذلك بفهم معناها، ثم بإعمال الفكر والتأمل في مراد الله تعالى منها، ثم اعمل بها، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾.
وقفة
[82] ملحظ دقيق: قال بعض الصالحين في قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ «جرأك على تلاوة خطابه، ولولا ذاك لكلَّت الألسن عن تلاوته».
وقفة
[82] الهدف من القرآن: التدبر ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾؛ فتدبر.
وقفة
[82] القرآن معيار كاشف للأفكار الباطلة لا يفهمه إلا المتدبرون ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[82] كل شيء في القرآن تظن فيه التناقض-فيما يبدو لك- فتدبره حتى يتبين لك؛ لقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾، فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: 7]، واعلم أن القصور في علمك، أو في فهمك.
وقفة
[82] ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ أي: تناقضًا كما في كلام البشر، أو تفاوتًا في الفصاحة، لكن القرآن منزَّه عن ذلك؛ فدل على أنه كلام الله، وإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافًا في شيء من القرآن، فالواجب أن يتهم نظره ويسأل أهل العلم، ويطالع تآليفهم حتى يعلم أن ذلك ليس باختلاف.
وقفة
[82] ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ من التزم الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم لم يختلف كلامُه وعقائِدُه؛ لأن ذلك غير مختلف، بخلاف من تعصَّب لطائفةٍ من الطوائف.
وقفة
[82] ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ مهما تأنق الإنسان في تحبير العبارات -وهو يوضح معاني كلام الله- فما هو إلا كالشرح لشذرة من معانيه الظاهرة،و كالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة، إذ لا قدرة لأحد على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب، وما تضمنه من لب اللباب.
وقفة
[82] ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ التناقض حتم في كلامنا، اللهم اغفر لنا واهدنا.
وقفة
[82] ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ اطراد تناقضنا من دلائل إعجاز القرآن، ومن زعم أنه لا يتناقض فقد كذبه القرآن.
وقفة
[82] القوانين الوضعية مهما كبرت عقول واضعيها واتسعت مداركهم وامتدت أنظارهم، فهي تختلف فيما بينها، وأوضاع الناس وأعرافهم تتبدل دائمًا، فتختلف القوانين عن مسايرة أوضاع الناس، فتحتاج إلى تعديل: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[82] كل فكرة إنسانية مهما كانت مثيرة ومبهجة في ظرفها لا تستند إلى الوحي فهي إلى التناقض والزوال ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[82] اختلاف الغلاة وتكفير بعضهم لبعض نتيجة حتمية؛ فكل ما لم يكن على منهج الله كان كذلك قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[82] قمة التحدي: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[82] يعترضون على الوحي بالرأي، وإذا أردت أن تجمعهم على رأي واحد ما اجتمعوا عليه! ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ:
  • الألف: ألف توبيخ في لفظ استفهام. الفاء: زائدة تزيينية. لا: نافية لا عمل لها. يتدبرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. القرآن: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر فيها جوازا تقديره هو من عند: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كانَ».
  • ﴿ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا:
  • غير: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. لوجدوا: اللام: واقعة في جواب «لَوْ» وجدوا فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «لَوَجَدُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً:
  • جار ومجرور متعلق بوجدوا. اختلافا: مفعول به منصوب بالفتحة. كثيرا: صفة- نعت- للموصوف «اخْتِلافاً» منصوبة مثله بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 82﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
محمد: 24﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [82] لما قبلها :     وبعد أن حَكَى اللهُ عز وجل عن المنافقين أنواعَ مَكرِهم وكيدِهم؛ دعاهم هنا إلى تدبر القرآن؛ لتطهير قلوبهم من الشك والنفاق والعناد، وهي أمراض تحول دون الاستجابة للحق، قال تعالى:
﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا

القراءات :

يتدبرون:
قرئ:
1- بياء وتاء بعدها، على الأصل، وهى قراءة الجمهور.
2- بإدغام التاء فى الدال، وهى قراءة ابن محيصن.

مدارسة الآية : [83] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ ..

التفسير :

[83] وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه، متعلقاً بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان، أفشَوْه وأذاعوا به في الناس، ولو ردَّ هؤلاء ما جاءهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم

هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي:والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال:{ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي:يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا،فيحجم عنه؟ ثم قال تعالى:{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي:في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون،{ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر. فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم.

ثم حكى القرآن بعد ذلك مسلكا آخر من المسالك الذميمة التي عرفت عن المنافقين وضعفاء النفوس فقال- تعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ.

والمراد بالأمر هنا: الخبر الذي يكون له أثر إذا أشيع وأذيع.

وقوله أَذاعُوا بِهِ أى نشروه وأشاعوه. يقال: أذاع الخبر وأذاع به إذا أفشاه وأعلنه.

والمعنى: أن هؤلاء الذين في قلوبهم مرض إذا سمعوا شيئا من الأخبار التي تتعلق بأمن المسلمين أو خوفهم أذاعوها وأظهروها قبل أن يقفوا على حقيقتها.

قال الآلوسى: والكلام مسوق لبيان جناية أخرى من جنايات المنافقين، أو لبيان جناية الضعفاء أثر بيان جناية المنافقين، وذلك أنهم كانوا إذا غزت سرية من المسلمين قالوا عنها:

أصاب المسلمون من عدوهم كذا. وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم به. وقيل: كان الضعفاء يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنون غير معلوم الصحة فيذيعونه قبل أن يحققوه فيعود ذلك وبالا على المؤمنين».

ثم بين- سبحانه- ما كان يجب عليهم فعله فقال-: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.

والمراد بأولى الأمر: كبار الصحابة البصراء بالأمور. وقيل المراد بهم: الولاة وأمراء السرايا.

ويستنبطونه أى يستخرجونه. والاستنباط- كما يقول القرطبي- مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته. والنبط: الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر أول ما تحفر. وسمى النبط نبطا لأنهم يستخرجون ما في الأرض».

والمعنى: أن هؤلاء المنافقين وضعاف الإيمان كان من شأنهم وحالهم أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن أو خوف يتعلق بالمؤمنين أشاعوه وأظهروه بدون تحقق أو تثبت، بقصد بلبلة الأفكار، واضطراب حال المؤمنين، ولو أن هؤلاء المنافقين ومن يستمعون إليهم ردوا ذلك الخبر الذي جاءهم والذي أشاعوه بدون تثبت، لو أنهم ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى كبار الصحابة البصراء في الأمور: لَعَلِمَهُ أى لعلم حقيقة ذلك الخبر الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ أى: الذين يستخرجونه ويستعملونه ويتطلبونه وهم المنافقون المذيعون للأخبار مِنْهُمْ أى: من الرسول وأولى الأمر.

أى: لو أن أولئك المنافقين وأشباههم الذين يستخرجون الأخبار ويذيعونها بغير تثبت سكتوا عن إذاعتها وردوا الأمر في شأنها إلى الرسول وإلى كبار أصحابه، لو أنهم فعلوا ذلك لعلموا من جهة الرسول ومن جهة كبار أصحابه حقيقة تلك الأخبار، وما يجب عليهم نحوها من كتمان أو إذاعة.

وعلى هذا يكون الضمير في قوله مِنْهُمْ في الموضعين يعود إلى الرسول وإلى أولى الأمر.

ويكون المراد بالذين يستنبطونه: المنافقون وضعاف الإيمان الذين يذيعون الأخبار ويكون في الكلام إظهار في مقام الإضمار حيث قال: سبحانه- لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولم يقل لعلموه منهم، وذلك لزيادة تقرير الغرض المسوق له الكلام، وللمبالغة في ذمهم على بجثهم وراء الأخبار الخفية الهامة واستنباطها وتطلبها ثم إذاعتها بقصد الإضرار بمصلحة المسلمين.

وقد ذكر الفخر الرازي في المراد بالذين يستنبطونه وجها آخر فقال:

وفي قوله الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قولان:

الأول: أنهم أولئك المنافقون المذيعون.

والتقدير: لو أن هؤلاء المنافقين المذيعين للأخبار ردوا أمر الأمن والخوف إلى الرسول وإلى أولى الأمر، وطلبوا معرفة الحال فيه من جهتهم، لعلمه الذين يستنبطونه وهم هؤلاء المنافقون المذيعون مِنْهُمْ أى من جانب الرسول ومن جانب أولى الأمر.

والقول الثاني: أنهم طائفة من أولى الأمر. والتقدير: ولو أن المنافقين ردوا إلى الرسول وإلى أولى الأمر لكان علمه حاصلا عند من يستنبط هذه الوقائع من أولى الأمر، وذلك لأن أولى الأمر فريقان: بعضهم من يكون مستنبطا، وبعضهم من لا يكون كذلك. فقوله مِنْهُمْ يعنى لعلمه الذين يستنبطون المخفيات من طوائف أولى الأمر.

فإن قيل: إذا كان الذين أمرهم الله برد هذه الاخبار إلى الرسول وإلى المؤمنين هم المنافقون فكيف جعل أولى الأمر منهم في قوله وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؟ قلنا: إنما جعل أولى الأمر منهم على حسب الظاهر. لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون. ونظيره قوله- تعالى-:

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ.

ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان فضله على عباده فقال وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا.

أى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم- أيها المؤمنون- بتوفيقه إياكم إلى الخير والطاعة، لوقعتم في إغواء الشيطان كما وقع هؤلاء المنافقون وأشباههم، إلا عددا قليلا منكم وهم الذين أخلصوا دينهم لله واعتصموا به فصاروا لا سبيل للشيطان عليهم كما قال- تعالى- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.

هذا. ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب عدم إذاعة الأخبار- خصوصا في حالات الحرب- إلا بعد التأكد من صحتها ومن عدم إضرارها بمصلحة المسلمين.

وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير: قوله- تعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة. وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» .

وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال. أى: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين.

وفي الصحيح «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» .

وفي سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا».

وقد عدد الفخر الرازي المضار التي تعود على الأمة بسبب إذاعة الأخبار بدون تثبت فقال:

وكان سبب الضرر من إذاعة هذه الأخبار من وجوه:

الأول: أن مثل هذه الإرجافات لا تنفك عن الكذب الكثير.

الثاني: أنه إذا كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا فيه زيادات كثيرة. فإذا لم توجد فيه تلك الزيادات، أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لأن المنافقين كانوا يروون هذه الإرجافات عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإن كان ذلك في جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه.

الثالث: أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام. وذلك سبب لظهور الأسرار. وذلك مما لا يوافق المصلحة.

الرابع: أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين والكفار. فكل ما كان أمنا لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني. فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم. أرجف المنافقون بذلك، فوصل الخبر إلى الكفار فأخذوا في التحصن من المسلمين. وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك وزادوا فيه. فظهر من ذلك أن ذلك الإرجاف كان منشأ للفتن والآفات من كل الوجوه. ولما كان الأمر كذلك ذم الله- تعالى- تلك الإذاعة وذلك التشهير ومنعهم منه).

وقال الشيخ محمد المنير- الذي عاصر الحروب الصليبية- معلقا على هذه الآية: (في هذه الآية تأديب لمن يحدث بكل ما يسمع وكفى به كذبا وخصوصا عن مثل السرايا والمناصبين الأعداء العداوة، والمقيمين في نحر العدو. وما أعظم المفسدة في لهج العامة بكل ما يسمعون من أخبارهم خيرا أو غيره. ولقد جربنا ذلك في زماننا هذا منذ طرق العدو المخذول البلاد- طهرها الله منه وصانها من رجسه ونجسه، وعجل للمسلمين الفتح وأنزل عليهم السكينة والنصر) .

والخلاصة، أن إذاعة الأخبار بدون تثبت- خصوصا في أوقات الحروب تؤدى إلى أعظم المفاسد والشرور، لأنها إن كانت تتعلق بالأمن فإنها قد تحدث لونا من التراخي وعدم أخذ الحذر، وإن كانت تتعلق بالخوف فإنها قد تحدث بلبلة واضطرابا في الصفوف.

والمجتمع الذي يكثر فيه العقلاء الفطناء هو الذي تقل فيه إذاعة الأخبار إلا من مصادرها الأصيلة، وهو الذي يرجع أفراده في معرفة الحقائق إلى العلماء المتخصصين.

وهكذا نرى الآية الكريمة تغرس في نفوس المؤمنين أسمى ألوان الإخلاص لدينهم ودولتهم وقيادتهم، فهي في مطلعها تنكر عليهم إذاعة الاخبار بدون تحقق من صدقها ومن فائدتها، وفي وسطها تأمرهم بأن يرجعوا إلى حقائق دينهم وإلى الحكام العادلين، والعلماء المخلصين الذين يعرفون الأمور على وجهها ليسألوهم عما يريدون معرفته، وفي آخرها تذكرهم بفضل الله عليهم ورحمته بهم حتى يداوموا على طاعته، ويشكروه على نعمه.

وبعد هذا الحديث الحكيم عن أحوال المنافقين وضعفاء الإيمان، وعن تباطئهم عن الجهاد وإشاعتهم للأخبار بدون تثبت، بعد كل ذلك أمر الله- تعالى- نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يستمر في قتاله للمشركين، وأن يحرض أصحابه على ذلك، كما أرشد- سبحانه- المؤمنين إلى طائفة من مكارم الأخلاق التي تقوى رابطتهم فقال- تعالى-:

وقوله : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها ، فيخبر بها ويفشيها وينشرها ، وقد لا يكون لها صحة .

وقد قال مسلم في " مقدمة صحيحه " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن حفص ، حدثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء أن يحدث بكل ما سمع " وكذا رواه أبو داود في كتاب " الأدب " من سننه ، عن محمد بن الحسين بن إشكاب ، عن علي بن حفص ، عن شعبة ورواه مسلم أيضا من حديث معاذ بن هشام العنبري ، وعبد الرحمن بن مهدي . وأخرجه أبو داود أيضا من حديث حفص بن عمر النمري ، ثلاثتهم عن شعبة ، عن خبيب عن حفص بن عاصم ، به مرسلا .

وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال أي : الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ، ولا تدبر ، ولا تبين .

وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بئس مطية الرجل زعموا عليه " .

وفي الصحيح : " من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " . ويذكر هاهنا حديث عمر بن الخطاب المتفق عليه ، حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه ، فجاءه من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك ، فلم يصبر حتى استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهمه : أطلقت نساءك ؟ قال : " لا " . فقلت : الله أكبر . وذكر الحديث بطوله .

وعند مسلم : فقلت : أطلقتهن ؟ فقال : " لا " فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه . ونزلت هذه الآية : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر .

ومعنى قوله : ( يستنبطونه ) أي : يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه ، يقال : استنبط الرجل العين ، إذا حفرها واستخرجها من قعورها .

ومعنى قوله : ( لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المؤمنين .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ) يعني : كلكم . واستشهد من نصر هذا القول . بقول الطرماح بن حكيم ، في مدح يزيد بن المهلب :

أشم كثير يدي النوال قليل المثالب والقادحة

يعني : لا مثالب له ، ولا قادحة فيه .

القول في تأويل قوله : وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به "، وإذا جاء هذه الطائفة المبيّتة غير الذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم=" أمرٌ من الأمن "، فالهاء والميم في قوله: " وإذا جاءهم "، من ذكر الطائفة المبيتة= يقول جل ثناؤه: وإذا جاءهم خبرٌ عن سريةٍ للمسلمين غازية بأنهم قد أمِنوا من عدوهم بغلبتهم إياهم=" أو الخوف "، يقول: أو تخوّفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم=" أذاعوا به "، يقول: أفشوه وبثّوه في الناس قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل مأتَى سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم (17) = و " الهاء " في قوله: " أذاعوا به "، من ذكر " الأمر ". وتأويله أذاعوا بالأمر من الأمن أو الخوف الذي جاءهم.

* * *

يقال منه: " أذاع فلان بهذا الخبر، وأذاعه "، ومنه قول أبي الأسود:

أَذَاعَ بِــهِ فِـي النَّـاسِ حَـتَّى كَأَنَّـهُ

بِعَلْيَــاءَ نَــارٌ أُوقِــدَتْ بِثَقُــوبِ (18)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9990 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به "، يقول: سارعوا به وأفشوه.

9991 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به "، يقول: إذا جاءهم أمر أنهم قد أمنوا من عدوهم، أو أنهم خائفون منهم، أذاعوا بالحديث حتى يبلغ عدوَّهم أمرُهم.

9992 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به "، يقول: أفشوه وسعَوْا به. (19)

9993 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به "، قال هذا في الأخبار، إذا غزت سريّة من المسلمين تخبَّر الناس بينهم فقالوا (20) " أصاب المسلمون من عدوهم كذا وكذا "،" وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا "، فأفشوه بينهم، من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبرهم (21) = قال ابن جريج: قال ابن عباس قوله: " أذاعوا به "، قال: أعلنوه وأفشوه.

9994 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أذاعوا به "، قال: نشروه. قال: والذين أذاعوا به، قوم: إمّا منافقون، وإما آخرون ضعفوا. (22)

9995 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: أفشوه وسَعَوْا به، (23) وهم أهل النفاق.

* * *

القول في تأويل قوله : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ولو ردوه "، الأمر الذي نالهم من عدوهم [والمسلمين]، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أولي أمرهم (24) = يعني: وإلى أمرائهم = وسكتوا فلم يذيعوا ما جاءهم من الخبر، حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ذو وأمرهم، هم الذين يتولّون الخبر عن ذلك، (25) بعد أن ثبتت عندهم صحته أو بطوله، (26) فيصححوه إن كان صحيحًا، أو يبطلوه إن كان باطلا =" لعلمه الذين يستنبطونه منهم "، يقول: لعلم حقيقة ذلك الخبر الذي جاءهم به، الذين يبحثون عنه ويستخرجونه =" منهم "، يعني: أولي الأمر =" والهاء "" والميم " في قوله: " منهم "، من ذكر أولي الأمر = يقول: لعلم ذلك من أولي الأمر من يستنبطه.

* * *

وكل مستخرج شيئًا كان مستترًا عن أبصار العيون أو عن معارف القلوب، فهو له: " مستنبط"، يقال: " استنبطت الركية "، (27) إذا استخرجت ماءها،" ونَبَطتها أنبطها "، و " النَّبَط"، الماء المستنبط من الأرض، ومنه قول الشاعر: (28)

قَــرِيبٌ ثَــرَاهُ, مـا يَنَـالُ عَـدُوُّه

لَــهُ نَبَطًـا, آبِـي الهَـوَانِ قَطُـوبُ (29)

يعني: ب " النبط"، الماء المستنبط.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9996 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم "، يقول: ولو سكتوا وردوا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أولي أمرهم حتى يتكلم هو به =" لعلمه الذين يستنبطونه "، يعني: عن الأخبار، وهم الذين يُنَقِّرون عن الأخبار.

9997 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم "، يقول: إلى علمائهم =(لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، لعلمه الذين يفحصون عنه ويهمّهم ذلك. (30)

9998 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " ولو ردوه إلى الرسول "، حتى يكون هو الذي يخبرهم =" وإلى أولي الأمر منهم "، الفقه في الدين والعقل. (31)

9999 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم "، العلم (32) =" الذين يستنبطونه منهم "، يتتبعونه ويتحسسونه.

10000 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا ليث، عن مجاهد: " لعلمه الذين يستنبطونه منهم "، قال: الذين يسألون عنه ويتحسسونه.

10001 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، &; 8-573 &; عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " يستنبطونه "، قال: قولهم: " ما كان "؟" ماذا سمعتم "؟

10002 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

10003 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " الذين يستنبطونه "، قال: يتحسسونه.

10004 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " لعلمه الذين يستنبطونه منهم "، يقول: لعلمه الذين يتحسسونه منهم.

10005 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " يستنبطونه منهم "، قال، يتتبعونه.

10006 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ حتى بلغ " وإلى أولي الأمر منهم "، قال: الولاة الذين يَلُون في الحرب عليهم، (33) الذين يتفكرون فينظرون لما جاءهم من الخبر: أصدق، أم كذب؟ أباطل فيبطلونه، أو حق فيحقونه؟ قال: وهذا في الحرب، وقرأ: أَذَاعُوا بِهِ ، ولو فعلوا غير هذا: وردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، الآية.

* * *

القول في تأويل قوله : وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا (83)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولولا إنعام الله عليكم، أيها المؤمنون، بفضله وتوفيقه ورحمته، (34) فأنقذكم مما ابتلى به هؤلاء المنافقين = الذين يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بأمر: طَاعَةٌ ، فإذا برزوا من عنده بيت طائفة منهم غير الذي يقول = لكنتم مثلهم، فاتبعتم الشيطان إلا قليلا كما اتبعه هؤلاء الذين وصف صفتهم.

* * *

وخاطب بقوله تعالى ذكره: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان "، الذين خاطبهم بقوله جل ثناؤه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا [سورة النساء: 71].

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في" القليل "، الذين استثناهم في هذه الآية: من هم؟ ومن أيّ شيء من الصفات استثناهم؟

فقال بعضهم: هم المستنبطون من أولي الأمر، استثناهم من قوله: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، ونفى عنهم أن يعلموا بالاستنباط ما يعلم به غيرهم من المستنبطين من الخبر الوارد عليهم من الأمن أو الخوف. (35)

*ذكر من قال ذلك:

10007 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، &; 8-575 &; عن قتادة قال: إنما هو: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ = إلا قليلا منهم =" ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ".

10008 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا "، يقول: لاتبعتم الشيطان كلّكم = وأما قوله: " إلا قليلا "، فهو كقوله: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، إلا قليلا.

10009 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة، عن سعيد، عن قتادة: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا "، قال يقول: لاتبعتم الشيطان كلكم. وأما " إلا قليلا "، فهو كقوله: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا.

10010 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج نحوه = يعني نحو قول قتادة = وقال: لعلموه إلا قليلا.

وقال آخرون: بل هم الطائفة الذين وصفهم الله أنهم يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: طَاعَةٌ ، فإذا برزوا من عنده بيتوا غير الذي قالوا. ومعنى الكلام: وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به = إلا قليلا منهم.

*ذكر من قال ذلك:

10011 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا "، فهو في أول الآية لخبر المنافقين، قال: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ، يعني بـ " القليل "، المؤمنين، كقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا [سورة الكهف: 1 - 2] يقول الحمد لله الذي أنـزل الكتاب عدلا قيّما، ولم يجعل له عوجًا. (36)

10012 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: هذه الآية مقدَّمة ومؤخرة، إنما هي: أذاعوا به إلا قليلا منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لم ينج قليل ولا كثير.

* * *

وقال آخرون: بل ذلك استثناء من قوله: " لاتبعتم الشيطان ". وقالوا: الذين استثنوا هم قوم لم يكونوا همّوا بما كان الآخرون همّوا به من اتباع الشيطان. فعرَّف الله الذين أنقذهم من ذلك موقع نعمته منهم، واستثنى الآخرين الذين لم يكن منهم في ذلك ما كان من الآخرين.

*ذكر من قال ذلك:

10013 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: في قوله: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا "، قال: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا حدّثوا أنفسهم بأمور من أمور الشيطان، إلا طائفة منهم.

* * *

وقال آخرون معنى ذلك: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان جميعًا. &; 8-577 &; قالوا: وقوله: " إلا قليلا "، خرج مخرج الاستثناء في اللفظ، وهو دليل على الجميع والإحاطة، وأنه لولا فضل الله عليهم ورحمته لم ينج أحدٌ من الضلالة، فجعل قوله: " إلا قليلا "، دليلا على الإحاطة، (37) واستشهدوا على ذلك بقول الطرِمّاح بن حكيم، في مدح يزيد بن المهلب:

أَشَـــمُّ كَثِــيرُ يُــدِيِّ النَّــوَالِ,

قَلِيـــلُ المَثَـــالِبِ وَالقَادِحَـــةْ (38)

قالوا: فظاهر هذا القول وصف الممدوح بأن فيه المثالب والمعايب، ومعلوم أن معناه أنه لا مثالب فيه ولا معايب. لأن من وصف رجلا بأنّ فيه معايب، وإن وصف الذي فيه من المعايب بالقلة، فإنما ذمَّه ولم يمدحه. ولكن ذلك على ما وصفنا من نفي جميع المعايب عنه. قالوا: فكذلك قوله: " لاتبعتم الشيطان إلا قليلا "، إنما معناه: لاتبعتم جميعكم الشيطان.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قولُ من قال: عنى باستثناء " القليل " من " الإذاعة "، وقال: معنى الكلام: وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به إلا قليلا ولو ردوه إلى الرسول.

* * *

وإنما قلنا إن ذلك أولى بالصواب، لأنه لا يخلو القولُ في ذلك من أحد الأقوال التي ذكرنا، وغير جائز أن يكون من قوله: " لاتبعتم الشيطان "، لأن من تفضل الله عليه بفضله ورحمته، فغير جائز أن يكون من تُبَّاع الشيطان.

* * *

وغير جائز أن نحمل معاني كتاب الله على غير الأغلب المفهوم بالظاهر من الخطاب في كلام العرب، ولنا إلى حمل ذلك على الأغلب من كلام العرب، سبيل، فنوجِّهه إلى المعنى الذي وجهه إليه القائلون (39) " معنى ذلك: لاتبعتم الشيطان جميعًا "، ثم زعم أن قوله: " إلا قليلا "، دليل على الإحاطة بالجميع. هذا مع خروجه من تأويل أهل التأويل. (40)

* * *

وكذلك لا وجه لتوجيه ذلك إلى الاستثناء من قوله: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، لأن علم ذلك إذا رُدَّ إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، فبيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولو الأمر منهم بعد وضوحه لهم، استوى في علم ذلك كلّ مستنبطٍ حقيقتَه، (41) فلا وجه لاستثناء بعض المستنبطين منهم، وخصوص بعضهم بعلمه، مع استواء جميعهم في علمه.

وإذْ كان لا قول في ذلك إلا ما قلنا، ودخَل هذه الأقوال الثلاثة ما بيّنا من الخلل، (42) فبيِّنٌ أن الصحيح من القول في ذلك هو الرابع، وهو القول الذي قضينا له بالصواب من الاستثناء من " الإذاعة ". (43)

----------------

الهوامش :

(17) في المطبوعة: "وقبل أمراء سرايا رسول الله" وفي المخطوطة: "وقبل أمانا" وجر مع الميم شبه الراء ، فاختلطت الكلمة ، ورجحت صواب قراءتها ما أثبت.

(18) ديوانه (في نفائس المخطوطات: 2): 44 ، والأغاني 12: 305 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 133 ، اللسان (ذيع) ، من أبيات قالها أبو الأسود الدؤلي لما خطب امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد ، فأسر أمرها إلى صديق له ، فحدث الصديق ابن عم لها كان يخطبها ، فمشى ابن عمها إلى أهلها وسألهم أن يمنعوها من نكاحه ، ففعلوا ، وضاروها حتى تزوجت ابن عمها ، فقال أبو الأسود:

أَمِنْـتُ امْـرءَا فِي السَّرِّ لَمْ يَكُ حَازِمًا

ولكِنَّـهُ فِـي النُّصْـحِ غَـيْرُ مُـرِيبِ

أَذَاعَ بِـهِ فِـي النَّـاسِ، حَـتَّى كأنَّـهُ

بِعَلْيَــاءَ نَــارٌ أُوقِــدَتْ بِثُقـوبِ

وَكُـنْتَ مَتَـى لَـمْ تَـرْعَ سِرَّكَ تَلْتَبِسْ

قَوَارِعُــهُ مِـنْ مُخْـطِئٍ وَمُصِيـبِ

فَمَـا كُـلُّ ذِي نُصْـحٍ بِمُؤْتِيكَ نُصْـحَهُ

وَمَــا كُـلُّ مُـؤْتٍ نُصْحَـهُ بِلَبِيـبِ

وَلكِـنْ إِذَا مَـا اسْـتُجْمِعَا عِنْـدَ وَاحِدٍ،

فَحُـقَّ لــهُ مِـنْ طَاعَـةٍ بِنَصِيـبِ

وهي أبيات حسان كما ترى ، و"الثقوب": ما أثقبت به النار ، أي أوقدتها.

(19) في المطبوعة: "وشنعوا به" ، والصواب من المخطوطة."سعى بفلان إلى الوالي" ، وشى به إليه ، وهذا من مجازه: أي: مشى بالخبر حتى يبلغ العدو ، فكأنه وشى بالسرايا إلى عدوهم. وانظر التعليق التالي رقم: 4.

(20) في المطبوعة: إذا غزت سرية من المسلمين خبر الناس عنها" غير ما في المخطوطة إذ لم يفهمه! وقوله: "تخبر الناس بينهم" ، أي تساءلوا عن أخبارهم بينهم: يقال: "تخبر الخبر واستخبر" ، إذا سأل عن الأخبار ليعرفها.

(21) في المطبوعة: "هو الذي يخبرهم به" ، لا أدري لم غير ما في المخطوطة.

(22) في المطبوعة: "وإما آخرون ضعفاء" وأثبت ما في المخطوطة.

(23) في المطبوعة: "وشنعوا به" كما سلف في ص569 تعليق: 1.

(24) قوله: "والمسلمين" هكذا في المخطوطة والمطبوعة ، ولم أدر ما هو ، فتركته على حاله ، ووضعته بين القوسين ، وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء. وبحذف ما بين القوسين يستقيم الكلام على وجهه.

(25) في المطبوعة والمخطوطة: "هم الذين يقولون الخبر عن ذلك" وهو كلام مريض ، صوابه ما أثبت ، وهو تصحيف ناسخ.

(26) في المطبوعة: "ثبتت عندهم" أساء قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة. و"البطول" مصدر"بطل الشيء" ومثله"البطلان".

(27) "الركية": البئر تحفر.

(28) هو كعب بن سعد الغنوي ، أو: غريقة بن مسافع العبسي ، وانظر تفصيل ذلك في التعليق على الأصمعيات ، وتخريج الشعر هناك.

(29) الأصمعيات: 103 ، وتخريجه هناك. وقوله: "قريب الثرى" ، يريدون كرمه وخيره. و"الثرى": التراب الندي ، كأنه خصيب الجناب. وقوله: "ما ينال عدوه له نبطًا" ، أي لا يرد ماءه عدو ، من عزه ومنعته ، / إذا حمى أرضًا رهب عدوه بأسه."آبى الهوان" لا يقيم على ذل. و"قطوب": عبوس عند الشر

(30) في المخطوطة: "يفصحون عنه" ، وهو تصحيف ، قدم وأخر.

(31) في المطبوعة: "أولى الفقه" زاد"أولى" ، والذي في المخطوطة صواب أيضًا ، على طريقة قدماء المفسرين في الاختصار ، كما سلف آلافًا من المرات.

(32) في المطبوعة: "لعلمه" مكان"العلم" ، والذي في المخطوطة صواب ، كما سلف في التعليق السابق ، وهو طريقتهم في الاختصار ، ويعني"أولي العلم".

(33) في المطبوعة: "الذين يكونون في الحرب عليهم" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فغير وبدل.

(34) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف: 535 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.

(35) انظر معاني القرآن للفراء 1: 279 ، ويعني أن الاستثناء من"الاستنباط" لا من"الإذاعة".

(36) الأثر: 10011- نص هذا الأثر في المطبوعة: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان- فانقطع الكلام ، وقوله: "إلا قليلا" ، فهو في أول الآية يخبر عن المنافقين ، قال: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به- إلا قليلا. يعني بالقليل المؤمنين كقول الحمد لله..." إلى آخر الأثر. وهو منقول من الدر المنثور 2: 187. أما في المخطوطة ، فهو كمثل الذي أثبته ، إلا أنه قال في آخره: "يقول الحمد لله الذي أنزل الكتاب عدلا قيما..." إلى آخر الكلام.

وقد رجحت أن الذي في المخطوطة من صدر الكلام هو الصواب ، وأن آخر الخبر قد سقط منه ذكر نص الآية من سورة الكهف ، فأثبتها بين الكلامين.

وقوله: "فهو في أول الآية لخبر المنافقين" ، يعني أنه مردود إلى أول الآية في خبرهم. ثم عقب على ذلك بذكر آية سورة الكهف ، وبين ما فيها من التقديم والتأخير. وكأن الذي رجحت هو الصواب.

(37) انظر ما قاله في معنى"القليل" فيما سلف 2: 331 / 8: 439 ، وما كتبته في الجزء الأول: 554 ، تعليق: 1.

(38) ديوانه: 139."الأشم": السيد ذو الأنفة والكبرياء ، من"الشمم" وهو ارتفاع في قصبة الأنف ، مع استواء أعلاه ، وإشراف الأرنبة قليلا. وهو من صفات الكرم والعتق. وقوله"يدي" (بضم الياء وكسر الدال ، والياء المشددة) أو (بفتح الياء وكسر الدال وتشديد الياء) ، جمع"يد" الأول جمعها على وزن"فعول" ، مثل فلس وفلوس ، والثاني جمعها على وزن"فعيل" مثل عبد وعبيد. كأنه قال: كثير أيدي النوال. وفي ديوانه: "يدي" بفتح الياء والدال وهو خطأ. وفي المخطوطة: "برى النوادي" ، وهو خطأ لا معنى له. و"المثالب" جمع"مثلبة" ، وهي العيوب الجارحة. و"القادحة" يعني بها: العيوب التي تقدح في أصله وخلائقه ، سماها بالقادحة ، وهي الدودة التي تأكل الأسنان ، أو الأشجار ، ووضعها اسما للجمع.

(39) في المطبوعة: "فتوجيهه إلى المعنى" ، كأنه ابتداء كلام ، وهو فساد في القول ، والصواب ما في المخطوطة. ومن أجل هذا الخطأ في قراءة المخطوطة ، زاد الناشر: "لا وجه له" كما سترى في التعليق التالي. وهو عمل غير حسن.

(40) في المطبوعة: "... من تأويل أهل التأويل ، لا وجه له" ، فحذفت هذه الكلمة التي زادها الناشر ، ليستقيم له قراءة الكلام. وانظر التعليق السالف.

(41) في المطبوعة والمخطوطة: "كل مستنبط حقيقة" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(42) في المطبوعة والمخطوطة: "فدخل" ، ولا معنى للفاء هنا ، والصواب ما أثبته.

(43) انظر معاني القرآن للفراء 1: 279 ، 280.

التدبر :

وقفة
[83] من صفات المنافقين إشاعة الأخبار بلا تثبُّت ليضطرب الناس، وهذا حال من نشرها فكيف بحال من لفَّقها ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾.
وقفة
[83] ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ تأمل كيف قدم في الإنكار أخبار الأمن السارة، التسرع في خبر البشائر أخطر منه في المخاطر.
وقفة
[83] ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.
وقفة
[83] ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ لا يجوز نشر الأخبار التي تنشأ عنها زعزعة أمن المؤمنين، أو دب الرعب بين صفوفهم.
وقفة
[83] التريث وعدم العجلة في نقل الأخبار من صفات المؤمنين ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾.
وقفة
[83] تناقل الأخبار العامة المصيرية وتداولها من غير تثبُّت منها من صفات المنافقين إرجافًا وفتنة ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾.
وقفة
[83] تتلاعب بعض الوسائل اﻹخبارية في رصدها، فتجنح عن المصداقية والدقة واﻹنصاف، فلا تنظر إلا بمنظار فكرها ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾.
وقفة
[83] ابتُلينا اليوم بكثرة من ينشر الخبر قبل التثبت من صحته، وهذا الفعل من صفات أهل النفاق: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾.
وقفة
[83] من صفات المنافقين إشاعة الأخبار بلا تثبّت ليضطرب الناس، وهذا حال من نشرها؛ فكيف بحال من لفّقها ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾.
عمل
[83] زر أحد العلماء، واسأله عن بعض النوازل التي تعيشها ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.
وقفة
[83] ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ اللسان في الفتن وقعه کوقع السيف، ومنهج المؤمن في الفتن إمساك اللسان، واستشارة العلماء الثقات.
وقفة
[83] ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ التحدث بقضايا المسلمين والشؤون العامة المتصلة بهم يجب أن يصدر من أهل العلم وأولي الأمر منهم.
وقفة
[83] ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ هذا أصل عظيم في الاستنباط والاجتهاد.
وقفة
[83] اللسان في الفتن كوقع السيف، ومنهج المؤمن فيها إمساك اللسان، والإحالة على العلماء ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.
وقفة
[83] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ من تأمل تكررها في الإفك أدرك يقينًا أن في ثنايا البلاء والمصاب ألطاف ورحمات، وأن مع المحن منحًا.
وقفة
[83] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ التوفيق للطاعه فضل من الله.
وقفة
[83] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ ... لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ هدايتك ليست بعقلك، وإنما بفضل الله عليك ورحمته، فكم من عاقل غرَّه عقله فأورده المهالك!
وقفة
[83] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ قد تزل قدمك وتوشك على السقوط، لكن في آخر لحظة هنالك يد تمسكك، هذه هي عناية ربك.
عمل
[83] إذا أعجبتك نفسك لأجل ما قمت به من عبادات في هذا شهر رمضان، فامسح لوثة العُجب بهذه الآية: ﴿وَلَولا فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لَاتَّبَعتُمُ الشَّيطانَ إِلّا قَليلًا﴾، وبهذه الآية: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَن هَداكُم لِلإيمانِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ [الحجرات: 17].
عمل
[83] لا تعجب كثيرًا بعقلك وعلمك وشهادتك، وتدبر قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[83] توفيق أن يتفضل الله عليك بالهداية ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ:
  • الواو: استئنافية. إذا: ظرف زمان مبني على السكون أداة شرط غير جازمة. جاء: فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. أمر: فاعل مرفوع بالضمة وجملة «جاءَهُمْ أَمْرٌ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «أَمْرٌ» أو الخوف: معطوف بأو على «الْأَمْنِ» مجرور مثله.
  • ﴿ أَذاعُوا بِهِ:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها. اذاعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة. به: جار ومجرور متعلق بأذاعوا والمعنى: أذاعوه لأن الفعل يتعدى بالباء وبنفسه.
  • ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ:
  • الواو: عاطفة. لو: حرف شرط غير جازم. ردوه: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بردوه وإلى. الواو: عاطفة إلى: حرف جر. أولي: اسم مجرور بإلى وعلامة جرّه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم و «الْأَمْرِ» مضاف اليه مجرور بالكسرة. منهم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «أُولِي الْأَمْرِ».
  • ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ:
  • اللام: واقعة في جواب «لَوْ». علمه: فعل ماض مبني على الفتح والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. وجملة «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ:
  • الجملة: صلة الموصول. يستنبطونه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. منهم: سبق اعرابها.
  • ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ:
  • الواو: استئنافية. لولا: حرف امتناع لوجود حرف شرط غير جازم. فضل: مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره: محذوف وجوبا تقديره: كائن. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «لَوْلا» والكاف ضمير متصل- ضمير المخاطبين- في محل جرّ بعلى والميم علامة جمع الذكور ورحمته: معطوفة بواو العطف على «فَضْلُ» مرفوعة مثله بالضمة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. ولاتبعتم: اللام: واقعة في جواب «لَوْلا». اتبعتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور وجملة «لَاتَّبَعْتُمُ» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا:
  • الشيطان: مفعول به منصوب بالفتحة. إلّا: أداة استثناء تعود إلى جملة «من الذين يستنبطونه منهم». قليلا: مستثنى بإلّا منصوب بالفتحة أي: يعلمه الذين بستنبطونه منهم إلّا قليلا منهم. '

المتشابهات :

البقرة: 64﴿فَـ لَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ
النساء: 83﴿وَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا
النور: 10﴿وَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ
النور: 14﴿وَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
النور: 20﴿وَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ
النور: 21﴿وَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج مسلم عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: لما اعتزل نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه قال: دخلت المسجد. فإذا الناس يَنْكُتون بالحصى ويقولون: طلَّق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه. وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب. فقال عمر فقلت: لأعلمن ذلك اليومَ. قال: فدخلت على عائشة. فقلت: يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلت على حفصة بنت عمر. وقلت لها: يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ والله لقد علمتِ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحبكِ ولولا أنا لطلقك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبكت أشد البكاء. فقلت لها: أين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: هو في خزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعدًا على أُسْكُفَّةِ المشربة مُدلِّ رجليه على نقير من خشب. وهو جِذع يرقى عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إليَّ فلم يقل شيئاً. ثم قلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إليَّ فلم يقل شيئاً. ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإني أظن أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظن أني جئت من أجل حفصة. والله لئن أمرني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بضرب عنقها لأضربن عنقها. ورفعت صوتي فأومأ إليَّ أن ارقه. فدخلت على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مضطجع على حصير. فجلست. فأدنى عليه إزاره. وليس عليه غيره. وإذا الحصير قد أثَّر في جنبه. فنظرت ببصري في خزانة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع. ومثلها قَرَظاً في ناحية الغرفة. وإذا أفِيقٌ معلق.قال: فابتدرت عينايَ. قالما يبكيك يا ابن الخطاب؟) قلت: يا نبي الله وما لي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثرَّ في جنبك. وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار. وأنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصفوته. وهذه خزانتك فقاليا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟) قلت: بلى. قال: ودخلت عليه حين دخلتُ وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكونَ الله يصدق قولي الذي أقول. ونزلت هذه الآية. آية التخييرعَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ قاللا) قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى. يقولون: طلق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه. أفأنزل فأُخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قالنعم إن شئت) فلم أزل أحدثه حتى تحسَّر الغضب عن وجهه. وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرًا. ثم نزل نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونزلت. فنزلت أتشبث بالجذع، ونزل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده. فقلت: يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قالإن الشهر يكون تسعاً وعشرين) فقمت على باب المسجد. فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه. ونزلت هذه الآيةوَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - آية التخيير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة واختار هذا من المفسرين ابن كثير - رحمه الله - فقد قال بعد إنكار المبادرة إلى الأمور قبل تحققهاولنذكر هاهنا حديث عمر بن الخطاب حين بلغه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق نساءه فذكر الحديث مختصراً وفيه نزول هذه الآية الكريمة) اهـ.وأما ابن عطية فقد جعل الأمر محتملاً فقال عن السببفإما أن يكون ذلك في أمر السرايا وإما أن يكون ذلك في سائر الأمور الواقعة، كالذي قاله عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه .. ) اهـ.وذهب بعض العلماء إلى أن المقصود بهذه الآية هم المنافقون الذينتحدث الله عنهم بقولهوَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا (81).قال الطبريوإذا جاء هذه الطائفة المبيتة غير الذي يقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من الأمن، فالهاء والميم في قولهوَإِذَا جَاءَهُمْ) من ذكر الطائفة المبيتة. يقول جل ثناؤهوَإِذَا جَاءَهُمْ) خبر عن سرية للمسلمين غازية بأنهم قد أمنوا من عدوهم بغلبتهم إياهم، أو الخوف يقول: أو تخوفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم أذاعوا به يقول أفشوه وبثوه في الناس قبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبل أمراء سرايا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.وقال البغويقوله تعالىوَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ) وذلك أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبعث السرايا فإذا غلبُوا أو غُلبُوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل اللهوَإِذَا جآءَهُمْ) يعني المنافقين) اهـ. وقال ابن عطيةقوله تعالىوَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) قال جمهور المفسرين: الآية في المنافقين حسبما تقدم من ذكرهم، والآية نازلة في سرايا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعوثه، والمعنى: أن المنافقين كانوا يشرهون إلى سماع ما يسوء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سراياه، فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا بذلك التحقير والتصغير، وإذا طرأت لهم شبهة خوف للمسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا بذلك التعظيم) اهـ.وقال ابن عاشوروَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) عطف على جملة (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ) فضمير الجمع راجع إلى الضمائر قبله العائدة إلى المنافقين وهو الملائم للسياق .. إلى أن قال: والكلام مسوق مساق التوبيخ للمنافقين، واللوم لمن يقبل مثل تلك الإذاعة من المسلمين الأغرار) اهـ.فإن قال قائل: إذا كان الله يتحدث عن المنافقين كما تقدم فكيف وصف أُولي الأمر بأنهم منهم؟ فالجواب: قد قال الزجاجوكان ضعفة المسلمين يشيعون ذلك معهم من غير علم بالضرر في ذلك، فقال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوه من قبل الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن قبل أُولي الأمر منهم، أي من قِبل ذوي العلم والرأي منهم لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضَعَفِة المسلمين من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذوي العلم، وكان يعلمون مع ذلك هل ينبغي أن يذل أو لا يذل) اهـ.وقال ابن عاشوروصف أُولي الأمر بأنهم منهم جارٍ على ظاهر الأمر وإرخاءِ العنان، أي أولو الأمر الذين يجعلون أنفَسَهم بعضَهم، وإن كان المتحدث عنهم المؤمنين فالتبعيض ظاهر) اهـ.قلت: قوله فالتبعيض ظاهر يريد به (وَلَوْ رَدُّوهُ) وما بعدها أنها في المؤمنين الضعفاء وما قبلها في المنافقين، ولم يُرِد أن الآية بكمالها في المؤمنين في قوله: وإن كان المتحدث عنهم المؤمنين لأن التبعيض ينتفي حينئذٍ. * النتيجة:أن الآية الكريمة لم تنزل بسبب قصة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين آلى من نسائه لأن زيادة السبب لم تثبت من حيث السند فقد تبين أنها شاذة، وكذلك سياق الآيات لا يؤيد نزولها في قصة الإيلاء وإنما السياق ظاهر في توبيخ المنافقين ولوم من يتابعهم من المؤمنين، وذلك لأن السياق نصٌّ في أن الذي يأتي أمرٌ من الأمن أو الخوف. وأين هذان من قضية الإيلاء؟ فليس فيها أمن أو خوف. وعلى هذا جرى جمهور المفسرين والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [83] لما قبلها :     وبعد دعوة المنافقين إلى تدبر القرآن؛ دعاهم اللهُ عز وجل هنا إلى التثبت من الأخبار قبل حكايتها، ثم بَيَّنَ اللهُ عز وجل ما ينبغى أن يُفعلَ في مثل هذه الحال، فقال تعالى:
﴿ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً

القراءات :

لعلمه:
وقرئ:
بسكون اللام، وهى قراءة أبى السمال.

مدارسة الآية : [84] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ ..

التفسير :

[84] فجاهد -أيها النبي- في سبيل الله وإعلاء كلمته، لا تُلْزَم فِعْلَ غيرك ولا تؤاخذ به، وحُضَّ المؤمنين على القتال والجهاد، ورغِّبهم فيه، لعل الله يمنع بك وبهم بأس الكافرين وشدتهم. والله تعالى أشد قوة وأعظم عقوبة للكافرين.

هذه الحالة أفضل أحوال العبد، أن يجتهد في نفسه على امتثال أمر الله من الجهاد وغيره، ويحرض غيره عليه، وقد يعدم في العبد الأمران أو أحدهما فلهذا قال لرسوله:{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} أي:ليس لك قدرة على غير نفسك، فلن تكلف بفعل غيرك.{ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} على القتال، وهذا يشمل كل أمر يحصل به نشاط المؤمنين وقوة قلوبهم، من تقويتهم والإخبار بضعف الأعداء وفشلهم، وبما أُعد للمقاتلين من الثواب، وما على المتخلفين من العقاب، فهذا وأمثاله كله يدخل في التحريض على القتال.{ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي:بقتالكم في سبيل الله، وتحريض بعضكم بعضًا.{ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا} أي:قوة وعزة{ وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} بالمذنب في نفسه، وتنكيلا لغيره، فلو شاء تعالى لانتصر من الكفار بقوته ولم يجعل لهم باقية. ولكن من حكمته يبلو بعض عباده ببعض ليقوم سوق الجهاد، ويحصل الإيمان النافع، إيمان الاختيار، لا إيمان الاضطرار والقهر الذي لا يفيد شيئا.

والفاء في قوله فَقاتِلْ للإفصاح عن جواب شرط مقدر. أى: إذا كان الأمر كما حكى- سبحانه- عن المنافقين وكيدهم ... فقاتل أنت يا محمد من أجل إعلاء كلمة الله ولا تلتفت إلى أفعالهم وأقوالهم.

وقوله لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أى: قاتل- يا محمد- في سبيل إعلاء كلمة الله، والله- تعالى- لا يكلفك إلا فعل نفسك، فتقدم للجهاد ولا تلتفت إلى تباطؤ المتباطئين، أو تخذيل المخذلين، فإن الله هو ناصرك لا الجنود، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف.

وجملة لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ في محل نصب على الحال من فاعل فقاتل. أى: فقاتل حال كونك غير مكلف إلا نفسك وحدها.

قال صاحب الكشاف: قيل: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس في بدر الصغرى إلى الخروج، وكان أبو سفيان قد واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها. فكره بعضهم أن يخرجوا فنزلت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا سبعون لم يعولوا على أحد. ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده، وقرئ لا تُكَلَّفُ بالجزم على النهى. ولا نكلف: بالنون وكسر اللام.

أى: لا نكلف نحن إلا نفسك وحدها».

وقوله وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أى: حثهم على القتال ورغبهم فيه، حتى ينفروا معك خفافا وثقالا من أجل نصرة الحق والدفاع عن المظلومين.

ولقد استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأوامر، وأعد نفسه لقتال أعدائه، ورغب أتباعه في ذلك، ولذا قال صلى الله عليه وسلم عند ما أذن الله له في القتال «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي»أى: حتى أموت.

ولقد اقتدى به أبو بكر الصديق في حروب الردة فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. ولو خالفتني يميني لجاهدتهم بشمالي.

ولقد استفاضت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ترغيب أمته في الجهاد، ومن ذلك قوله لأصحابه يوم بدر وهو يسوى الصفوف: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض.

قال الفخر الرازي: دلت الآية الكريمة على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق وأعرفهم بكيفية القتال، لأنه- تعالى- ما كان يأمره بذلك إلا وهو صلى الله عليه وسلم موصوف بهذه الصفات. ولقد اقتدى به أبو بكر- رضى الله عنه- حيث حاول الخروج وحده لقتال ما نعى الزكاة، ومن علم أن الأمر كله بيد الله، وأنه لا يحصل أمر من الأمور إلا بقضاء الله سهل عليه ذلك. ودلت الآية على أنه صلى الله عليه وسلم لو لم يساعده على القتال غيره لم يجز له التخلف عن الجهاد».

وقوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا بشارة للمؤمنين، ووعد منه- سبحانه- بحسن عاقبتهم وسوء عاقبة الكافرين. وعَسَى حرف ترج. وهو هنا يفيد التحقق واليقين، لأنه صادر عن الله- تعالى-، الذي لا يخلف وعده. وفي التعبير بها تعليم للمؤمنين الأدب في القول حتى لا يجزمون بأمر يتعلق بالمستقبل، بل يسددون ويقاربون ويباشرون الأسباب ثم بعد ذلك يتركون النتائج لله- تعالى- والمعنى: قاتل يا محمد في سبيل الله وحرض المؤمنين على ذلك، عسى الله- تعالى- أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا أى يمنع قتالهم وصولتهم وطغيانهم وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أى أشد صولة وأعظم سلطانا، وأقدر بأسا على ما يريده وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أى أشد عقوبة وتعذيبا.

والتنكيل: مصدر من قول القائل نكلت بفلان فأنا أنكل به تنكيلا إذا أوجعته عقوبة، وجعلته عبرة لغيره. وأصله التعذيب بالنكل وهو القيد، ثم استعمل في كل تعذيب بلغ الغاية في الشدة والألم.

وأفعل التفضيل أَشَدُّ ليس على بابه، لأن بأس المشركين لا قيمة له بجانب بأس الله- تعالى- وقوته ونفاذ أمره. وعذابهم لغيرهم من الضعفاء لا وزن له بجانب عذابه- سبحانه- للظالمين، لأن عذابهم لغيرهم يمكن التخلص منه أما عذابه- سبحانه- فلا يمكن التخلص منه ولأن عذابهم لغيرهم سينتهي مهما طال، أما عذابه- سبحانه- للكافرين الظالمين فهو باق دائم لا ينتهى ولا يزول.

والمقصود من هذا التذييل تهديد الكافرين بسوء المصير وتشجيع المؤمنين على قتالهم، وبشارتهم النصر عليهم:

قال القرطبي: قوله- تعالى- عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا إطماع، والإطماع من الله- تعالى- واجب لأن إطماع الكريم إيجاب..

فإن قال قائل: نحن نرى الكفار في بأس وشدة، وقلتم: إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد؟ قيل له: قد وجد هذا الوعد ولا يلزم وجوده على الاستمرار والدوام. فمتى وجد ولو لحظة مثلا فقد صدق الوعد فقد كف الله بأس المشركين في بدر الصغرى. وفي الحديبية وفي

غزوة الأحزاب حيث ألقى الله- تعالى- في قلوب الأحزاب الرعب فانصرفوا دون أن ينالوا خيرا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ. فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين.

يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يباشر القتال بنفسه ، ومن نكل عليه فلا عليه منه ; ولهذا قال : ( لا تكلف إلا نفسك )

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح ، حدثنا حكام ، حدثنا الجراح الكندي ، عن أبي إسحاق قال : سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى مائة من ، فيقاتل ، أيكون ممن يقول الله : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) [ البقرة : 195 ] قال : قد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين )

ورواه الإمام أحمد ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : قلت للبراء : الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال : لا ; لأن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وقال : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) إنما ذلك في النفقة .

وكذا رواه ابن مردويه ، من طريق أبي بكر بن عياش ، وعلي بن صالح ، عن أبي إسحاق ، عن البراء به .

ثم قال ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن النضر العسكري ، حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي ، حدثنا محمد بن حمير ، حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين [ عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ] ) الآية ، قال لأصحابه : " قد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا " حديث غريب .

وقوله : ( وحرض المؤمنين ) أي : على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عنده كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وهو يسوي الصفوف : " قوموا إلى جنة عرضها " .

وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك ، فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها " قالوا : يا رسول الله ، أفلا نبشر الناس بذلك ؟ فقال : " إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة . وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة " .

وروي من حديث معاذ وأبي الدرداء وعبادة نحو ذلك .

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا سعيد ، من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وجبت له الجنة " قال : فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله . ففعل . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " قال : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " رواه مسلم .

وقوله : ( عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ) أي : بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء ، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله ، ومقاومتهم ومصابرتهم .

وقوله : ( والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) أي : هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة ، كما قال [ تعالى ] ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ] ) [ محمد : 4 ] .

القول في تأويل قوله : فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا (84)

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (44) " فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك "، فجاهد، يا محمد، أعداء الله من أهل الشرك به =" في سبيل الله "، يعني: في دينه الذي شرعه لك، وهو الإسلام، وقاتلهم فيه بنفسك. (45)

* * *

فأما قوله: " لا تكلف إلا نفسك " فإنه يعني: لا يكلفك الله فيما فرض عليك من جهاد عدوه وعدوك، إلا ما حمَّلك من ذلك دون ما حمَّل غيرك منه، أي: أنك إنما تُتَّبع بما اكتسبته دون ما اكتسبه غيرك، وإنما عليك ما كُلِّفته دون ما كُلِّفه غيرك. (46)

* * *

ثم قال له: " وحرض المؤمنين "، يعني: وحضهم على قتال من أمرتك بقتالهم معك =" عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا "، يقول: لعل الله أن يكف قتال من كفر بالله وجحد وحدانيته وأنكر رسالتك، عنك وعنهم، ونكايتهم. (47)

* * *

وقد بينا فيما مضى أن " عسى " من الله واجبة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (48)

=" والله أشد بأسًا وأشد تنكيلا "، يقول: والله أشد نكاية في عدوه، من أهل الكفر به = منهم فيك يا محمد وفي أصحابك، فلا تنكُلَنَّ عن قتالهم، (49) فإني راصِدُهم بالبأس والنكاية والتنكيل والعقوبة، لأوهن كيدهم، وأضعف بأسهم، وأعلي الحق عليهم.

و " التنكيل " مصدر من قول القائل: " نكلت بفلان "، فأنا أنكّل به تنكيلا "، إذا أوجعته عقوبة، (50) كما:-

10014 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وأشد تنكيلا "، أي عقوبة.

-------------------------

الهوامش :

(44) في المطبوعة والمخطوطة: "يعني بذلك جل ثناؤه" ، والسياق ما أثبت.

(45) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف 8: 3470 ، 546 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(46) انظر تفسير"التكليف" فيما سلف 5: 45.

(47) سياق الكلام"أن يكف... عنك وعنهم" ثم عطف"ونكايتهم" على قوله: "قتال من كفر بالله".

(48) لم أجد هذا الموضع الذي أشار الطبري ، وأخشى أن لا يكون مضى شيء من ذلك ، وأنه قد وهم.

(49) "نكل عن الشيء": أحجم وارتد عنه من الفرق. والمعنى: أشد نكاية في عدوه... من نكاية عدوه فيك يا محمد.

(50) انظر تفسير"النكال" و"التنكيل" فيما سلف 2: 176 ، 177.

التدبر :

وقفة
[84] ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ المسؤولية فردية، والمحاسبة ليست جماعية، فينبغي لكل مؤمن أن يعمل ولو خذله الجميع، واسمع قول النبي ﷺ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي». [البخاري 1694].
عمل
[84] ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ تقدم ولا تلتفت لتباطئ المتباطئين، أو تخذيل المتخاذلين، فإن الله ناصرك لا الجنود، ولو شاء لنصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف.
وقفة
[84] ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ تنشيط أهل الحق وترغيبهم في قتال عدوهم مهمة الأنبياء وأتباعهم.
وقفة
[84] ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يقتضي الأمر بكل ما فيه حث وتحريض، وما يتبع ذلك من الاستعداد والتمرن على أسباب الشجاعة والسعي في القوة المعنوية.
وقفة
[84] ﴿وَاللَّـهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا﴾ بَأْسًا: العذاب المدمر، تَنكِيلًا: العذاب المتدرج، بعض الأمم أهلكت بالبأس والأخرى بالتدرج، فمن الذي يقف بوجه عذاب الله إذا حل؟!

الإعراب :

  • ﴿ فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • الفاء: سببية. قاتل: فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. في سبيل: جار ومجرور متعلق بقاتل. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ لا تُكَلَّفُ:
  • لا: نافية لا عمل لها. تكلف: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت.
  • ﴿ إِلَّا نَفْسَكَ:
  • إلّا: أداة استثناء نفسك مستثنى بإلا منصوب بالفتحة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة أي لا تكلف إلّا عمل نفسك. محذوف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه.
  • ﴿ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ:
  • وحرض: معطوفة بواو العطف على «قاتل» وتعرب اعرابها وحرك آخر الفعل بالكسرة لالتقاء الساكنين. المؤمنين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون: عوض عن التنوين في المفرد.
  • ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ:
  • عسى: فعل ماض ناقص. الله لفظ الجلالة: اسم «عَسَى» مرفوع للتعظيم بالضمة. أن: حرف مصدري ونصب. يكفّ: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل خبر الفعل الناقص «عَسَى» وهو من أفعال الرجاء وهناك آراء متعددة حول تقدير الخبر أي خبر «عَسَى» وجملة «يَكُفَّ» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • بأس: مفعول به منصوب بالفتحة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «كَفَرُوا» صلة الموصول
  • ﴿ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة الظاهرة. أشد: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بأسا: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا:
  • معطوفة بواو العطف على «أَشَدُّ بَأْساً» وتعرب اعرابها. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [84] لما قبلها :     وبعدَ أن أمرَ اللهُ عز وجل بالجِهادِ، ورغب فيه أشد الترغيب، وذكر قلة رغبة المنافقين فيه، وسعيهم في تثبيط المسلمين عنه؛ عاد هنا مرة أخرى إلى الأمرِ بحضَّ المؤمنينَ على الجهادِ، قال تعالى:
﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً

القراءات :

لا تكلف:
وقرئ:
1- لا نكلف، بالنون وكسر اللام.
2- لا تكلف، بالتاء وفتح اللام، والجزم على جواب الأمر، وهى قراءة عبد الله بن عمر.

مدارسة الآية : [85] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن ..

التفسير :

[85] من يَسْعَ لحصول غيره على الخير يكن له بشفاعته نصيب من الثواب، ومن يَسْعَ لإيصال الشر إلى غيره يكن له نصيب من الوزر والإثم. وكان الله على كل شيء شاهداً وحفيظاً.

المراد بالشفاعة هنا:المعاونة على أمر من الأمور، فمن شفع غيره وقام معه على أمر من أمور الخير -ومنه الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم- كان له نصيب من شفاعته بحسب سعيه وعمله ونفعه، ولا ينقص من أجر الأصيل والمباشر شيء، ومَنْ عاون غيره على أمر من الشر كان عليه كفل من الإثم بحسب ما قام به وعاون عليه. ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر والتقوى، والزجر العظيم عن التعاون على الإثم والعدوان، وقرر ذلك بقوله:{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} أي:شاهدًا حفيظًا حسيبًا على هذه الأعمال، فيجازي كُلًّا ما يستحقه.

ثم رغب- سبحانه المؤمنين في التوسط في الخير، وحذرهم من التوسط في الشر، فقال:

مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها والشفاعة: هي التوسط بالقول في وصول إنسان إلى منفعة دنيوية أو أخروية، أو إلى إنقاذه من مضرة. وهي مأخوذة من الشفع وهو الزوج في العدد ضد الوتر. فكأن المشفوع له كان وترا فجعله الشفيع شفعا.

والنصيب: الحظ من كل شيء. والكفل: الضعف والنصيب والحظ.

قال الجمل: واستعمال الكفل في الشر أكثر من استعمال النصيب فيه وإن كان كل منهما قد يستعمل في الخير كما قال- تعالى- يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ولقلة استعمال النصيب في الشر وكثرة استعمال الكفل فيه غاير بينهما في الآية الكريمة حيث أتى بالكفل مع السيئة وبالنصيب مع الحسنة».

والمعنى: من يشفع شفاعة حسنة، أى يتوسط في أمر يترتب عليه خير يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها أى: يكن له ثواب هذه الشفاعة الحسنة. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً وهي ما كانت في غير طريق الخير يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها أى: يكن له نصيب من وزرها وإثمها، لأنه سعى في الفساد ولم يسع في الخير.

وإطلاق الشفاعة على السعى في الشر من باب المشاكلة، لأن الشفاعة لا تطلق إلا على الوساطة في الخير.

والآية الكريمة وإن كانت واردة على سبيل التعميم في بيان جزاء كل شفاعة حسنة أو كل شفاعة سيئة، إلا أن المقصود بها قصدا أوليا ترغيب المؤمنين في أن يعاون بعضهم بعضا على الجهاد في سبيل الله، وفي انضمام بعضهم إلى بعض من أجل نصرة الحق، وتهديد المنافقين الذين كان يشفع بعضهم لبعض لكي يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجهاد. وقد رجح هذا الاتجاه الإمام ابن جرير فقال ما ملخصه:

يعنى- سبحانه- بقوله مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها من يصر يا محمد شفعا لوتر أصحابك، فيشفعهم في جهاد عدوهم وقتالهم في سبيل الله، وهو الشفاعة الحسنة يكن له نصيب منها، أى يكن له من شفاعته تلك نصيب، وهو الحظ من ثواب الله وجزيل كرامته. ومن يشفع وتر أهل الكفر بالله على المؤمنين به، فيقاتلهم وذلك هو الشفاعة السيئة يكن له كفل منها. يعنى بالكفل: النصيب والحظ من الوزر والإثم، وهو مأخوذ من كفل البعير والمركب، وهو الكساء أو الشيء يهيأ عليه شبيه بالسرج على الدابة. يقال: جاء فلان مكتفلا: إذا جاء على مركب قد وطئ له ... وقد قيل: إن الآية عنى بها شفاعة الناس بعضهم لبعض. وغير مستنكر أن تكون الآية نزلت فيما ذكر، ثم عم بذلك كل شافع بخير أو شر.

وإنما اخترنا ما قلنا من القول في ذلك لأنه في سياق الآية التي أمر الله نبيه فيها بحض المؤمنين على القتال. فكان ذلك بالوعد لمن أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوعيد لمن أبى إجابته أشبه منه من الحث على شفاعة الناس بعضهم لبعض التي لم يجر لها ذكر قبل. ولا لها ذكر بعد.

وقوله وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً تذييل قصد به تعريف الناس أنه- سبحانه- سيجازى كل إنسان بعمله، حتى يكثروا من فعل الخير ويقلعوا عن فعل الشر.

ومقيتا: أى مقتدرا. من أقات على الشيء اقتدر عليه. ومنه قول الزبير ابن عبد المطلب:

وذي ضغن كففت النفس عنه ... وكنت على مساءته مقيتا

أى: وكنت على رد إساءته مقتدرا.

أو مقيتا: معناها حفيظا من القوت وهو ما يمسك الرمق من الرزق وتحفظ به الحياة:

والمعنى: وكان الله تعالى- وما زال على كل شيء مقتدرا لا يعجزه شيء، وحفيظا على أحوال الناس لا يغيب عنه شيء من ذلك، وسيجازيهم بما يستحقون من ثواب أو عقاب.

هذا وقد وردت أحاديث متعددة في الحض على الشفاعة الحسنة، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبى موسى الأشعرى قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: «اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب» .

قال صاحب الكشاف: والشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير، وابتغى بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله ولا في حق من الحقوق- يعنى الواجبة عليه- والسيئة ما كانت بخلاف ذلك.

وعن مسروق: أنه شفع شفاعة. فأهدى إليه المشفوع له جارية. فغضب وردها. وقال:

لو علمت ما في قلبك ما تكلمت في حاجتك. ولا أتكلم فيما بقي منها».

وقوله : ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ) أي : من سعى في أمر ، فترتب عليه خير ، كان له نصيب من ذلك ( ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ) أي : يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته ، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء " .

وقال مجاهد بن جبر : نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض .

وقال الحسن البصري : قال الله تعالى : ( من يشفع ) ولم : من يشفع .

وقوله : ( وكان الله على كل شيء مقيتا ) قال ابن عباس ، وعطاء ، وعطية ، وقتادة ، ومطر الوراق : ( مقيتا ) أي : حفيظا . وقال مجاهد : شهيدا . وفي رواية عنه : حسيبا . وقال سعيد بن جبير ، والسدي ، وابن زيد : قديرا . وقال عبد الله بن كثير : المقيت : الواصب وقال الضحاك : المقيت : الرزاق .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن مطرف ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن عبد الله بن رواحة ، وسأله رجل عن قول الله : ( وكان الله على كل شيء مقيتا ) قال : يقيت كل إنسان على قدر عمله .

القول في تأويل قوله : مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها "، من يَصِرْ، يا محمد، شفعًا لوتر أصحابك، فيشفعهم في جهاد عدوهم وقتالهم في سبيل الله، وهو " الشفاعة الحسنة " (51) =" يكن له نصيب منها "، يقول: يكن له من شفاعته تلك نصيب - وهو الحظ (52) - من ثواب الله وجزيل كرامته =" ومن يشفع شفاعة سيئة، يقول: ومن يشفع وتر أهل الكفر بالله على المؤمنين به، فيقاتلهم معهم، وذلك هو " الشفاعة السيئة " =" يكن له كِفل منها ".

يعني: بـ " الكفل "، النصيب والحظ من الوزر والإثم. وهو مأخوذ من " كِفل البعير والمركب "، وهو الكساء أو الشيء يهيأ عليه شبيه بالسرج على الدابة. يقال منه: " جاء فلان مكتَفِلا "، إذا جاء على مركب قد وطِّئَ له -على ما بيّنا- لركوبه. (53)

* * *

وقد قيل إنه عنى بقوله: " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها " الآية، شفاعة الناس بعضهم لبعض. وغير مستنكر أن تكون الآية نـزلت فيما ذكرنا، ثم عُمَّ بذلك كل شافع بخير أو شر.

* * *

وإنما اخترنا ما قلنا من القول في ذلك، لأنه في سياق الآية التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها بحضّ المؤمنين على القتال، فكان ذلك بالوعد لمن أجاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، والوعيد لمن أبى إجابته، أشبه منه من الحثّ على شفاعة الناس بعضهم لبعض، التي لم يجر لها ذكر قبل، ولا لها ذكرٌ بعد.

ذكر من قال ذلك في شفاعة الناس بعضهم لبعض.

10015 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة "، قال: شفاعة بعض الناس لبعض.

10016 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

10017 - حدثت عن ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال: من يُشَفَّع شفاعة حسنة كان له فيها أجران، ولأن الله يقول: " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها "، ولم يقل " يشفَّع ". (54)

10018 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن قال: " من يشفع شفاعة حسنة "، كتب له أجرها ما جَرَت منفعتها.

10019 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سئل ابن زيد عن قول الله: " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها "، قال: الشفاعة الصالحة التي يشفع فيها وعمل بها، هي بينك وبينه، هما فيها شريكان=" ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها "، قال: هما شريكان فيها، كما كان أهلها شريكين.

ذكر من قال: " الكفل ": النصيب.

10020 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها "، أي حظ منها=" ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها "، و " الكفل " هو الإثم.

10021 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " يكن له كفل منها "، أما " الكفل "، فالحظ.

10022 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " يكن له كفل منها "، قال: حظ منها، فبئس الحظ.

10023 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " الكفل " و " النصيب " واحد. وقرأ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [سورة الحديد: 28].

* * *

القول في تأويل قوله : وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " وكان الله على كل شيء مقيتًا ".

فقال بعضهم تأويله: وكان الله على كل شيء حفيظًا وشهيدًا.

*ذكر من قال ذلك:

10024 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " وكان الله على كل شيء مقيتًا " يقول: حفيظًا.

10025 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " مقيتًا " شهيدًا.

10026 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل اسمه مجاهد، عن مجاهد مثله.

10027 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " مقيتًا " قال: شهيدًا، حسيبًا، حفيظًا.

10028 - حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم قال، حدثنا عبد الرحمن بن شريك قال، حدثنا أبي، عن خصيف، عن مجاهد أبي الحجاج: " وكان الله على كل شيء مقيتًا "، قال: " المقيت "، الحسيب.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: القائم على كل شيء بالتدبير.

*ذكر من قال ذلك:

10029 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: " وكان الله على كل شيء مقيتًا "، قال: " المقيت "، الواصب. (55)

وقال آخرون: هو القدير.

*ذكر من قال ذلك:

10030 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وكان الله على كل شيء مقيتًا "، أما " المقيت "، فالقدير.

10031 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وكان الله على كل شيء مقيتًا " قال: على كل شيء قديرًا،" المقيت " القدير.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من هذه الأقوال، قولُ من قال: معنى " المقيت "، القدير. وذلك أن ذلك فيما يُذكر، كذلك بلغة قريش، وينشد للزبير بن عبد المطلب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (56)

وَذِي ضِغْــنٍ كَــفَفْتُ النَّفْسَ عَنْـهُ

وَكُــنْتُ عَــلَى مَسَــاءتِهِ مُقِيتَـا (57)

أي: قادرًا. وقد قيل إن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم:-

10032 -" كفى بالمرء إثما أن يُضِيعَ من يُقيت ". (58)

في رواية من رواها: " يُقيت "، يعني: من هو تحت يديه وفي سلطانه من أهله وعياله، فيقدّر له قوته. يقال= منه." أقات فلان الشيء يقتيه إقاتة " و " قاته يقوته قياتةً وقُوتًا "، و " القوت " الاسم. وأما " المقيت " في بيت اليهوديّ الذي يقول فيه: (59)

لَيْــتَ شِــعْرِي, وَأَشْـعُرَنَّ إِذَا مَـا

قَرَّبُوهَـــا مَنْشُـــورَةً وَدُعِيــتُ (60) !

أَلِـيَ الْفَضْـلُ أَمْ عَـلَيَّ إذا حُوسِـبْتُ?

إِنِّــي عَــلَى الْحِسَــابِ مُقِيــتُ (61)

= فإن معناه: فإنّي على الحساب موقوف، وهو من غير هذا المعنى. (62)

----------------------

الهوامش :

(51) انظر تفسير"الشفاعة" فيما سلف 2: 31 ، 32 / 5: 382- 384 ، 395.

(52) انظر تفسير"النصيب" فيما سلف: 472 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(53) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 135.

(54) الأثر: 10016- كان في المطبوعة: "كان له أجرها وإن لم يشفع ، لأن الله يقول: .." وهو نص ما في الدر المنثور 2: 187. وأثبت ما في المخطوطة. والظاهر أنه تصرف من السيوطي ، وتبعه ناشر المطبوعة الأولى. والصواب ما في المخطوطة ، إلا أنه ينبغي أن تقرأ"يشفع" الأولى في قول الحسن مشددة الفاء بالبناء للمجهول. ويعني الحسن: أن الشافع لأخيه إذا استجيبت شفاعته كان له أجران ، أجر عن الخير الذي ساقه إلى أخيه ، وأجر آخر هو مثل أجر المشفوع إليه في فعله ما فعل من الخير.

(55) يقال: "وصب الرجل على ماله يصب" (مثل: وعد يعد): إذا لزمه وأحسن القيام عليه.

(56) لم أجده للزبير ، بل وجدته لأبي قيس بن رفاعة ، مرفوع القافية في طبقات فحول الشعراء لابن سلام: 243 ، ومراجعه هناك. ونسبه في الدر المنثور 2: 187 ، 188 إلى أحيحة ابن الجلاح الأنصاري.

(57) اللسان (قوت) ، وانظر طبقات فحول الشعراء: 242 ، 243 والتعليق عليه هناك.

(58) الحديث: 10032- رواه أحمد في مسنده ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رقم: 6495 ، 6819 ، 6828 ، 6842 ، والحاكم في المستدرك 1: 415 ، وهو حديث صحيح ، وروايته"يقوت".

(59) هو السموأل بن عادياء اليهودي.

(60) ديوانه: 13 ، 14 ، والأصمعيات: 85 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 135 ، وطبقات فحول الشعراء للجمحي: 236 ، 237 ، اللسان (قوت) وغيرها. وقوله: "ليت شعري": أي ليتني أعلم ما يكون. وقوله: "وأشعرن" استفهام ، أي: وهل أشعرن. وقوله: "قربوها منشورة" يعني: صحف أعماله يوم يقوم الناس لرب العالمين. وفي البيت روايات أخر.

(61) يعني بالفضل: الخير والجزاء الحسن والإنعام من الله."أم على": أم على الإثم المستحق للعقوبة.

(62) هذا المعنى الذي قاله أبو جعفر ، هو قول أبي عبيدة ، وهو أحسن ما قيل في معنى"المقيت" في هذا البيت. وانظر اعتراض المعترضين على البيت ، واختلافهم في تفسيره في مادة (قوت) من لسان العرب.

التدبر :

وقفة
[85] الشفاعة هي الوساطة في إيصال خير أو دفع شر، سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا، وتكون بلا مقابل، ومنها الشفاعة للمظلومين، قال النبي ﷺ: «اشفعوا تؤجروا». [البخاري 1432].
وقفة
[85] ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً﴾ الشفاعة الحسنة: الإصلاح بين الناس.
وقفة
[85] ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ بعضنا يتردد في الشفاعة لأنه يخاف على مكانته، ويرى أنه لن يستفيد من الشفاعة شيئًا، فوعده الله بنصيب منها.
وقفة
[85] ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ كلما كانت الشفاعة أعظم مشقة ولمن هو أشد ضعفًا كان نصيبك بقدرها.
وقفة
[85] ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ بعضهم يتردد في الشفاعة يخاف على مكانته، ويظنها خيرًا لمن شفع له وحده، فوعده الله بالنصيب منها دنيا وآخرة.
عمل
[85] ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ تذكر محتاجًا تستطيع مساعدته بعلاقاتك، واشفع له لتنال الأجر من الله.
وقفة
[85] ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ وقوله ﷺ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» [البخاري ١٤٣٢] حصول الأجر يكون بمجرد الشفاعة، حتى لو لم يحصل المشفوع فيه؛ لأنه تعالىٰ قال: (مَّن يَشْفَعْ)، ولم يقل: (يُشَفَّع).
وقفة
[85] ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ عبر بالنصيب؛ لأنه -غالبًا- في الربح والخير، وبالكفل؛ لأن الأغلب استعماله في الشر والخسارة، فهل يدرك من يتوسطون لأناس على حساب حقوق الآخرين، أي جرم يرتكبون؟! وأي غرم يتحملون؟!
وقفة
[85] ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾ مشروعية الشفاعة الحسنة التي لا إثم فيها ولا اعتداء على حقوق الناس، وتحريم كل شفاعة فيها إثم أو اعتداء.
وقفة
[85] فضل الشفاعة في الخير، وسوء الشفاعة في الشر ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾.
وقفة
[85] ﴿شَفَاعَةً حَسَنَةً ... شَفَاعَةً سَيِّئَةً﴾ الشفاعة الحسنة هي: الشفاعة في مسلم لتفرج عنه كربة، أو تدفع عنه مظلمة، أو تجلب إليه خيرًا، والشفاعة السيئة بخلاف ذلك.
وقفة
[85] ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً﴾ الشفاعة السيئة: المشي بالنميمة بين الناس.
وقفة
[85] ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾ شفاعة الباطل شؤم على الشافع والمشفوع.
وقفة
[85] ﴿وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾ الآية الوحيدة في القرآن التي ورد فيها اسم الله المقيت.
عمل
[85] ﴿وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾ فلا تحمل الهم؛ إنما أنت شيء من الأشياء، فلن يعجز المقيت أن يدبر لك (قوتك).

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً:
  • من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ يشفع فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه: سكون آخره وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. شفاعة: مصدر- مفعول مطلق سدّ مسدّ المفعول به و «حَسَنَةً» صفة- نعت- لشفاعة منصوبة مثلها بالفتحة والجملة من فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر «مَنْ».
  • ﴿ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها:
  • الجملة: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. يكن: فعل مضارع ناقص جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. له: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «يَكُنْ» مقدم. نصيب: اسم «يَكُنْ» مؤخر مرفوع بالضمة. منها: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من نصيب.
  • ﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها:
  • معطوفة بواو العطف على «مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح الله لفظ الجلالة: اسم «كانَ» مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً:
  • جار ومجرور متعلق بمقيتا. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة مقيتا خبر «كانَ» منصوب بالفتحة. «ومُقِيتاً» بمعنى: مقتدرا. '

المتشابهات :

النساء: 85﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء مُّقِيتًا
الكهف: 45﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء مُّقْتَدِرًا
الأحزاب: 27﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء قَدِيرًا
الأحزاب: 52﴿وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء رَّقِيبًا
الفتح: 21﴿وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّـهُ بِهَا ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء قَدِيرًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [85] لما قبلها :     وبعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحريض المؤمنين على الجهاد؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنَّ من يشجِّعْ غيرَه على الخيرِ يكنْ له نصيبٌ من الثَّوابِ، قال تعالى:
﴿ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [86] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ ..

التفسير :

[86] وإذا سلَّم عليكم المسلم فردُّوا عليه بأفضل مما سلَّم لفظاً وبشاشة، أو ردُّوا عليه بمثل ما سلَّم ، ولكلٍّ ثوابه وجزاؤه. إن الله تعالى كان على كل شيء مجازياً.

التحية هي:اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا. فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة، أو مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها. ويؤخذ من الآية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين أحدهما:أن الله أمر بردها بأحسن منها أو مثلها، وذلك يستلزم أن التحية مطلوبة شرعًا. الثاني:ما يستفاد من أفعل التفضيل وهو "أحسن"الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن، كما هو الأصل في ذلك. ويستثنى من عموم الآية الكريمة من حيَّا بحال غير مأمور بها، كـ "على مشتغل بقراءة، أو استماع خطبة، أو مصلٍ ونحو ذلك"فإنه لا يطلب إجابة تحيته، وكذلك يستثنى من ذلك من أمر الشارع بهجره وعدم تحيته، وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر، فإنه يهجر ولا يُحيّا، ولا تُرد تحيته، وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى. ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس وهي غير محظورة شرعًا، فإنه مأمور بردّها وبأحسن منها، ثم أوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله:{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} فيحفظ على العباد أعمالهم، حسنها وسيئها، صغيرها وكبيرها، ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود.

وبعد أن أمر الله- تعالى- عباده بالشفاعة الحسنة ونهاهم عن الشفاعة السيئة، أتبع ذلك بتعليمهم أدب اللقاء والمقابلة حتى تزيد المودة والمحبة بينهم فقال- تعالى-: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها.

والتحية: تفعلة من حييت والأصل تحيية مثل ترضية وتسمية فأدغموا الياء في الياء. قال الراغب: أصل التحية من الحياة، بأن يقال حياك الله، أى: جعل لك حياة، وذلك إخبار ثم جعل دعاء تحية. يقال: حيا فلان فلانا تحية إذا قال له ذلك.

وكان من عادة العرب إذا لقى بعضهم بعضا أن يقولوا على سبيل المودة: حياك الله فلما جاء الإسلام أبدل ذلك بالسلام والأمان بأن يقول المسلم لأخيه المسلم: السلام عليكم وأضيف إليها الدعاء برحمة الله وبركاته.

قال ابن كثير: قوله- تعالى- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها أى: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه بأفضل مما سلم، أوردوا عليه بمثل ما سلم. فالزيادة مندوبة والمماثلة مفروضة. فعن سلمان الفارسي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم يا رسول الله. فقال «وعليك السلام ورحمة الله» ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم جاء ثالث فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال له: (وعليك) فقال له الرجل:

يا رسول الله، بأبى أنت وأمى أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت على.

فقال (إنك لم تترك لنا شيئا) قال الله- تعالى-: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها فرددناها عليك. وفي الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأنت ترى أن الآية الكريمة تدعو المؤمنين إلى أن يردوا التحية على من يحيونهم وأن يفشوا هذه التحية بينهم، لأن إفشاءها يؤدى إلى توثيق علاقات المحبة والمودة بين المسلمين.

وقد ورد في الحض على إفشاء السلام أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.

ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» .

وقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً تذييل قصد به بعث الناس على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

أى: إن الله- تعالى- كان وما زال مهيمنا على عباده، بصيرا بكل أقوالهم وأعمالهم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وسيحاسب الناس يوم القيامة على أفعالهم، وسيجازيهم عليها بما يستحقون فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.

وإذا كان الأمر كذلك فالعاقل هو الذي يفعل ما أمره الله- تعالى- بفعله، ويجتنب ما أمره الله- تعالى- باجتنابه.

هذا وقد تكلم العلماء هنا كلاما طويلا في كيفية السلام وفي فضله، وفي بعض أحكامه المأثورة، فارجع إلى كلامهم إن شئت.

وقوله : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) أي : إذا سلم عليكم المسلم ، فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم [ به ] فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة .

قال ابن جرير : حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي ، حدثنا هشام بن لاحق ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله . فقال : " وعليك السلام ورحمة الله " . ثم أتى آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته " . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال له : " وعليك " فقال له الرجل : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي . فقال : " إنك لم تدع لنا شيئا ، قال الله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) فرددناها عليك " .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقا فقال : ذكر عن أحمد بن الحسن الترمذي ، حدثنا عبد الله بن السري - أبو محمد الأنطاكي - قال أبو الحسن : وكان رجلا صالحا - حدثنا هشام بن لاحق ، فذكر بإسناده مثله .

ورواه أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان ، فذكره بمثله ، ولم أره في المسند والله أعلم .

وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذ لو شرع أكثر من ذلك ، لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير - أخو سليمان بن كثير - حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عوف ، عن أبي رجاء العطاردي ، عن عمران بن حصين ; أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم فرد عليه ثم جلس ، فقال : " عشر " . ثم جاء آخر فقال : " السلام عليكم ورحمة الله . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال : " عشرون " . ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال : " ثلاثون " .

وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير ، وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه ، ثم قال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه ، وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف [ رضي الله عنهم ] .

وقال البزار : قد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ، هذا أحسنها إسنادا وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : من يسلم عليك من خلق الله ، فاردد عليه وإن كان مجوسيا ; ذلك بأن الله يقول : ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها )

وقال قتادة : ( فحيوا بأحسن منها ) يعني : للمسلمين ( أو ردوها ) يعني : لأهل الذمة .

وهذا التنزيل فيه نظر ، بل كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به ، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام ; رد عليه مثل ما قال ، فأما أهل الذمة فلا يبدءون بالسلام ولا يزادون ، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم : السام عليك فقل : وعليك " .

وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " .

وقال سفيان الثوري ، عن رجل ، عن الحسن البصري قال : السلام تطوع ، والرد فريضة .

وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أن الرد واجب على من سلم عليه ، فيأثم إن لم يفعل ; لأنه خالف أمر الله في قوله : ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) وقد جاء في الحديث الذي رواه

أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".

القول في تأويل قوله : وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وإذا حييتم بتحية "، إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة. (63) =" فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها "، يقول: فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم=" أو ردوها " يقول: أو ردّوا التحية.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في صفة " التحية " التي هي أحسن مما حُيِّيَ به المُحَّيي، والتي هي مثلها.

فقال بعضهم: التي هي أحسن منها: أن يقول المسلَّم عليه إذا قيل: " السلام عليكم "، : " وعليكم السلام ورحمة الله "، ويزيد على دعاء الداعي له. والرد أن يقول: " السلام عليكم " مثلها. كما قيل له، (64) أو يقول: " وعليكم السلام "، فيدعو للداعي له مثل الذي دعا له. (65)

*ذكر من قال ذلك:

10033 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها "، يقول: إذا سلم عليك أحد فقل أنت: " وعليك السلام ورحمة الله "، أو تقطع إلى " السلام عليك "، كما قال لك.

10034 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء قوله: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها "، قال: في أهل الإسلام.

10035 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج فيما قرئ عليه، عن عطاء قال: في أهل الإسلام.

10036 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن شريح أنه كان يرد: " السلام عليكم "، كما يسلم عليه.

10037 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن عون وإسماعيل بن أبي خالد، عن إبراهيم أنه كان يرد: " السلام عليكم ورحمة الله ".

10038 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عطية، عن ابن عمر: أنه كان يرد: " وعليكم ".

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فحيوا بأحسن منها أهلَ الإسلام، أو ردوها على أهل الكفر.

*ذكر من قال ذلك:

10039 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: من سلَّم عليك من خلق الله، فاردُدْ عليه وإن كان مجوسيًّا، فإن الله يقول: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ".

10040 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سالم بن نوح قال، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها "، للمسلمين=" أو ردوها "، على أهل الكتاب.

10041 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها "، للمسلمين=" أو ردوها "، على أهل الكتاب.

10042 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها "، يقول: حيوا أحسن منها، أي: على المسلمين=" أو ردوها "، أي: على أهل الكتاب.

10043 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، ابن زيد في قوله: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها "، قال: قال أبي: حق على كل مسلم حيِّي بتحية أن يحيِّي بأحسن منها، وإذا حياه غير أهل الإسلام، أن يرد عليه مثل ما قال.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل الآية، قولُ من قال: ذلك في أهل الإسلام، ووجّه معناه إلى أنه يرد السلام على المسلم إذا حياه تحية أحسن من تحيته أو مثلها. وذلك أن الصِّحاح من الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم ردُّ تحية كل كافر بأخَسَّ من تحيته. وقد أمر الله بردِّ الأحسن والمثل في هذه الآية، من غير تمييز منه بين المستوجب ردَّ الأحسن من تحيته عليه، والمردودِ عليه مثلها، بدلالة يعلم بها صحة قولُ من قال: " عنى برد الأحسن: المسلم، وبرد المثل: أهل الكفر ".

والصواب= إذْ لم يكن في الآية دلالة على صحة ذلك، ولا صحة أثر لازم عن الرسول صلى الله عليه وسلم (66) = أن يكون الخيار في ذلك إلى المسلَّم عليه: بين رد الأحسن، أو المثل، إلا في الموضع الذي خصَّ شيئًا من ذلك سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون مسلَّمًا لها. وقد خَصّت السنة أهل الكفر بالنهي عن رد الأحسن من تحيتهم عليهم أو مثلها، إلا بأن يقال: " وعليكم "، فلا ينبغي لأحد أن يتعدَّى ما حدَّ في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما أهل الإسلام، فإن لمن سلَّم عليه منهم في الردّ من الخيار، ما جعل الله له من ذلك.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل ذلك بنحو الذي قلنا، خَبَرٌ. وذلك ما:-

10044 - حدثني موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي قال، حدثنا هشام بن لاحق، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله. فقال: وعليك ورحمة الله. ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله. فقال له رسول الله: وعليك ورحمة الله وبركاته. ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال له: وعليك. فقال له الرجل: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، أتاك فلان وفلان فسلَّما عليك، فرددتَ عليهما أكثر مما رددت عليّ! فقال: إنك لم تدع لنا شيئًا، قال الله: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها "، فرددناها عليك. (67)

* * *

فإن قال قائل: أفواجب رد التحية على ما أمر الله به في كتابه؟

قيل: نعم، وبه كان يقول جماعة من المتقدمين.

*ذكر من قال ذلك:

10045 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قال، أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ما رأيته إلا يوجبه، قوله: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ". (68)

10046 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن قال: السلام: تطوُّع، والرد فريضة.

* * *

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله كان على كل شيء مما تعملون، أيها الناس، من الأعمال، من طاعة ومعصية، حفيظًا عليكم، حتى يجازيكم بها جزاءه، كما:-

10047 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " حسيبًا "، قال: حفيظًا.

10048 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

* * *

وأصل " الحسيب " في هذا الموضع عندي،" فعيل " من " الحساب " الذي هو في معنى الإحصاء، (69) يقال منه: " حاسبت فلانًا على كذا وكذا "، و " فلان حاسِبُه على كذا "، و " هو حسيبه "، وذلك إذا كان صاحبَ حِسابه.

* * *

وقد زعم بعض أهل البصرة من أهل اللغة: أن معنى " الحسيب " في هذا الموضع، الكافي. يقال منه: " أحسبني الشيء يُحسبني إحسابًا "، بمعنى كفاني، من قولهم: " حسبي كذا وكذا ". (70)

وهذا غلط من القول وخطأ. وذلك أنه لا يقال في" أحسبني الشيء "، (71) &; 8-592 &; " أحسبَ على الشيء، فهو حسيب عليه "، (72) وإنما يقال: " هو حَسْبه وحسيبه "= والله يقول: " إن الله كان على كل شيء حسيبًا ".

* * *

---------------

الهوامش :

(63) وذلك لأن معنى"التحية": البقاء والسلامة من الآفات.

(64) في المخطوطة ، مكان قوله: "كما قيل له"="قال قيل له" ، ولا أدري ما هو ، وتصرف الطابع الأول لا بأس به.

(65) في المطبوعة: "فيدعو الداعي له" ، والصواب من المخطوطة ، ولكن أوقعه في الخطأ ، أن الناسخ كتب: "فيدعوا" بالألف بعد الواو.

(66) في المطبوعة: "ولا بصحته أثر لازم" ، وفي المخطوطة: "ولا بصحة أثر لازم" ، وكلتاهما غير مستقيمة ، فرجحت أن يكون ما أثبت أقرب إلى حق السياق.

(67) الحديث: 10044- عبد الله بن السري المدائني الأنطاكي: ضعيف ، وكان رجلا صالحًا ، كما قالوا. وقال أبو نعيم: "يروى المناكير ، لا شيء". وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء: "روى عن أبي عمران العجائب التي لا يشك أنها موضوعة". مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 78. ولكنه لم ينفرد برواية هذا الحديث عن هشام بن لاحق ، كما سيأتي.

هشام بن لاحق ، أبو عثمان المدائني: مختلف فيه ، قال أحمد: "يحدث عن عاصم الأحول ، وكتبنا عنه أحاديث ، لم يكن به بأس ، ورفع عن عاصم أحاديث لم ترفع ، أسندها هو إلى سلمان". وأنكر عليه شبابة حديثًا. وهذا خلاصة ما في ترجمته عند البخاري في الكبير 4 / 2 / 200- 201 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 69- 70. وفي لسان الميزان أن النسائي قواه ، وأن ابن حبان ذكره في الثقات وفي الضعفاء. وقال ابن عدي: "أحاديثه حسان ، وأرجو أنه لا بأس به". فيبدو من كل هذا أن الكلام فيه ليس مرجعه الشك في صدقه ، بل إلى وهم أو خطأ منه- فالظاهر أنه حسن الحديث.

والحديث ذكره ابن كثير 2: 526- 527 ، عن هذا الموضع من الطبري. ثم نقل عن ابن أبي حاتم أنه رواه معلقًا من طريق عبد الله بن السري الأنطاكي ، بهذا الإسناد ، مثله.

ثم قال ابن كثير: "ورواه أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان -فذكر مثله. ولم أره في المسند".

وهو كما قال ابن كثير ، ليس في المسند.

ولكن السيوطي ذكره في الدر المنثور 2: 188 ، وأنه رواه أحمد"في الزهد". وزاد نسبته أيضًا لابن المنذر ، والطبراني ، وأنه"بسند حسن".

وقد ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 33 ، وقال: "رواه الطبراني. وفيه هشام بن لاحق ، قواه النسائي ، وترك أحمد حديثه ، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وإطلاقه أن أحمد ترك حديث هشام- ليس بجيد ، فإن النص الثابت عن أحمد عند البخاري وابن أبي حاتم ، لا يدل على ذلك.

(68) أي: يوجب رد السلام.

(69) انظر تفسير"الحسيب" فيما سلف 7: 596 ، 597. = وتفسير"الحساب" فيما سلف 4: 207 ، 274 ، 275 / 6: 279.

(70) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 135 ، وانظر ما سلف 7: 596 ، 597.

(71) في المطبوعة والمخطوطة: "أحسبت" ، والصواب"أحسبني" كما دل عليه السياق.

(72) في المطبوعة والمخطوطة: "أحسبت على الشيء" ، والصواب ما أثبت.

التدبر :

وقفة
[86] ما أحسن جعلها تالية لآية الجهاد؛ إشارة إلى أن من بذل السلام وجب الكف عنه، ولو كان في الحرب, وأن من مقتضيات هاتين الآيتين أن مبنى هذه السورة على الندب إلى الإحسان والتعاطف والتواصل, ومن أعظمه القول اللين؛ لأنه ترجمان القلب الذي به العطف, ومن أعظم ذلك الشفاعة والتحية.
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ﴾ التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها.
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا﴾ (بِأَحْسَنَ) دین یعلمنا الإحسان في كل شيء حتى في التحية.
عمل
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ حتى في التحية: أَحْسِن.
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ تشمل الحسن في لغة الوجه، فمن سلم عليك مبتسمًا، فابتسم له، ومن لم يبتسم فابتسم له تكن أحسن منه.
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ فيها مشروعية السلام، ووجوب رده فقيل: عينًا, وقيل: كفاية.
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ الرد على التحية بمثلها واجب، والزيادة في الرد مستحبة.
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ من اعتاد الإحسان إلى الخلق في التحية أحسن فيما هو أعظم (التربية القرآنية).
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ أحييك ربى كل صلاة (التحيات لله) وظني فيك أن تحييني بأحسن منها، فبحسن الظن فيك إلهى يبلغ القلب مناه.
لمسة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ يعلّم الله تعالى الناس التسابق إلى الخيرات ويخلّقهم بأخلاق الإسلام، فقال: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾، فقدم الرد بالأحسن، وعطف عليه ما يماثله؛ ليعلمنا أن رد السلام بالأفضل هو المقدم، ألا ترى أنك تقول لمن سلم عليك: (وعليكم السلام)، فقدمت عليكم على المبتدأ (السلام)، وهذا تقديم يفيد التخصيص للمخاطب، فكان أحسن من (السلام عليكم).
وقفة
[86] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ تعليم لنوع من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال؛ فالمعنى: إذا مَنَّ الله تعالى عليكم بعطية فابذلوا الأحسن من عطاياه، أو تصدقوا بما أعطاكم، وردوه إلى الله تعالى على يد المستحقين، والله تعالى خير الموفقين.
وقفة
[86] ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا﴾ ما أجمل (الكرم) ولو (بالتحية)!
وقفة
[86] ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ يدخل فيه أن من سلّم مبتسمًا؛ فابتسم له، ومن لم يبتسم فابتسم في وجهه تكن أحسن منه.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ:
  • الواو: استئنافية. إذا: ظرف زمان مبني على السكون أداة شرط غير جازمة خافض لشرطه متعلق بجوابه. حييتم: فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل والميم علامة الجمع وجملة «حُيِّيتُمْ» في محل جر بالاضافة و «بِتَحِيَّةٍ» جار ومجرور متعلق بحييتم.
  • ﴿ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. حيوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الألف فارقة. بأحسن: جار ومجرور متعلق بحيوا وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف صيغة تفضيل على وزن «افعل». منها: جار ومجرور متعلق بأحسن.
  • ﴿ أَوْ رُدُّوها:
  • معطوفة بحرف العطف «أَوْ» للتخيير على «حيوا» وتعرب اعرابها و «ها» ضمير متصل في محل نصب مفعول به وحذف الموصوف المجرور وحلت الصفة محله بتقدير: فحيوا بتحية أحسن منها وجملة «فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها» جواب شرط غير جازم لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ كانَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «كانَ مع اسمها وخبرها» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً:
  • جار ومجرور متعلق بحسيبا. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة حسيبا خبر «كانَ» منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 86﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
النساء: 33﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
الأحزاب: 55﴿وَاتَّقِينَ اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [86] لما قبلها :     وبعد أن عَلًّمَ اللهُ عز وجل المؤمنين الشفاعة الحسنة، وهي من أسباب التواصل بَيَّنَ الناس؛ علًّمهم هنا سنة التحية بينهم وبين إخوانهم؛ ليؤدبهم بأدب دينه، ويزكيهم، ويطهر نفوسهم من الغل والحسد، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف