ترتيب المصحف | 42 | ترتيب النزول | 62 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 6.30 |
عدد الآيات | 53 | عدد الأجزاء | 0.34 |
عدد الأحزاب | 0.67 | عدد الأرباع | 2.70 |
ترتيب الطول | 34 | تبدأ في الجزء | 25 |
تنتهي في الجزء | 25 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 23/29 | الحواميم: 3/7 |
= عندَ رؤيةِ عذابِ النَّارِ، يقفُونَ أمامَ النَّارِ ذليلينَ خائفينَ، دونَ أن يجدُوا أنصارًا يخلصُونَهم من العذابِ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ وعدِ المؤمنينَ ووعيدِ الكافرينَ، ذكرَ اللهُ هنا المقصودَ وهو الاستجابةُ لأوامرِ اللهِ، ثُمَّ بيانُ أنَّ مهمةَ النَّبي البلاغُ، وتصرُّفُ اللهِ في ملكِه يهبُ ويمنعُ كيفَ يشاءُ.
قريبًا إن شاء الله
ختامُ السُّورةِ بالحديثِ عن الوحي، فبَيَّنَ اللهُ هنا أنواعَ وحيهِ إلى أنبيائِه، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي:على النار{ خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} أي:ترى أجسامهم خاشعة للذل الذي في قلوبهم،{ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي:ينظرون إلى النار مسارقة وشزرا، من هيبتها وخوفها.
{ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} حيث ظهرت عواقب الخلق، وتبين أهل الصدق من غيرهم:{ إِنَّ الْخَاسِرِينَ} على الحقيقة{ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} حيث فوتوا أنفسهم جزيل الثواب، وحصلوا على أليم العقاب وفرق بينهم وبين أهليهم، فلم يجتمعوا بهم، آخر ما عليهم.{ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ} أنفسهم بالكفر والمعاصي{ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} أي:في سوائه ووسطه، منغمرين لا يخرجون منه أبدا، ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون.
وقوله- سبحانه- وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ بيان لحالهم عند ما يعرضون على النار بعد بيان ما يقولونه عند رؤيتهم لها.
أى: أنهم عند رؤيتهم لجهنم يقولون هل من طريق للهرب من هذا العذاب لكي نرجع إلى الدنيا فنؤمن بالله- تعالى- ونعمل صالحا، فلما وجدوا أنه لا طريق إلى ذلك زاد انكسارهم وذلهم وتراهم- أيها العاقل- يعرضون على النار عرضا مؤلما، فهم خاضعون متضائلون من شدة ما أصابهم من ذل، يسترقون النظر إلى النار من طرف خفى، أى: من عين لا تكاد تتحرك من شدة ضعفها وهوانها ...
قال صاحب الكشاف: خاشِعِينَ متضائلين متقاصرين بما يلحقهم، وقوله مِنَ الذُّلِّ متعلق بخاشعين- يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ أى: يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفى بمسارقته كما ترى المصبور- أى المحبوس للقتل- ينظر إلى السيف، وهكذا نظر الناظر إلى المكاره، لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها، ويملأ عينيه منها، كما يفعل الناظر إلى الشيء المحبوب ... ».
ثم بين- سبحانه- ما يقوله المؤمنون الفائزون برضا الله- تعالى- بعد رؤيتهم لأحوال هؤلاء الظالمين فقال: وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ.
أى: وقال المؤمنون- على سبيل التحدث بنعمة الله عليهم- بعد أن رأوا انكسار الظالمين وذلتهم ... قالوا هؤلاء هم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم يوم القيامة بتعريضها للعذاب المهين، وخسروا أهليهم لأنهم إن كانوا معهم في النار فلن ينفعوهم بشيء، وإن كانوا في الجنة فلن يستطيعوا الوصول إليهم ...
ألا إن ذلك العذاب المقيم الذي حل بهؤلاء الظالمين هو الخسران التام الكامل الذي لا خسران أفظع منه.
وقوله : ( وتراهم يعرضون عليها ) أي : على النار ( خاشعين من الذل ) أي : الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله ، ( ينظرون من طرف خفي ) قال مجاهد : يعني ذليلا ، أي ينظرون إليها مسارقة خوفا منها ، والذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة ، وما هو أعظم مما في نفوسهم ، أجارنا الله من ذلك .
( وقال الذين آمنوا ) أي : يقولون يوم القيامة : ( إن الخاسرين ) أي : الخسار الأكبر ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) أي : ذهب بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد ، وخسروا أنفسهم ، وفرق بينهم وبين أصحابهم وأحبابهم وأهاليهم وقراباتهم ، فخسروهم ، ( ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ) أي : دائم سرمدي أبدي ، لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها .
القول في تأويل قوله تعالى : وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد الظالمين يعرضون على النار ( خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ) يقول: خاضعين متذللين.
كما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الخشوع: الخوف والخشية لله عزّ وجلّ, وقرأ قول الله عزّ وجلّ: لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ... إلى قوله: ( خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ) قال: قد أذلهم الخوف الذي نـزل بهم وخشعوا له.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( خَاشِعِينَ ) قال: خاضعين من الذلّ.
وقوله: ( يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) يقول: ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفي.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) فقال بعضهم: معناه: من طرف ذليل. وكأن معنى الكلام: من طرف قد خَفِيَ من ذلَّةٍ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ )... إلى قوله: ( مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) يعني بالخفيّ: الذليل.
حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله عز وجل: ( مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) قال: ذليل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يسارقون النظر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) قال: يسارقون النظر.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) قال: يسارقون النظر.
واختلف أهل العربية في ذلك, فقال بعض نحويي البصرة في ذلك: جعل الطرف العين, كأنه قال: ونظرهم من عين ضعيفة, والله أعلم. قال: وقال يونس: إن ( مِنْ طَرْفٍ ) مثل بطرف, كما تقول العرب: ضربته في السيف, وضربته بالسيف.
وقال آخر منهم: إنما قيل: ( مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) لأنه لا يفتح عينيه, إنما ينظر ببعضها.
وقال آخرون منهم: إنما قيل: ( مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم, لأنهم يُحشرُون عُميا.
والصواب من القول في ذلك, القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد, وهو أن معناه: أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل, وصفه الله جلّ ثناؤه بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم, حتى كادت أعينهم أن تغور, فتذهب.
وقوله: ( وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يقول تعالى ذكره: وقال الذين آمنوا بالله ورسوله: إن المغبونين الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة في الجنة.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة.
وقوله: ( أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ) يقول تعالى ذكره: ألا إن الكافرين يوم القيامة في عذاب لهم من الله مقيم عليهم, ثابت لا يزول عنهم, ولا يَبيد, ولا يخفّ.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الزمر: 15 | ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ |
---|
الشورى: 45 | ﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الذل:
1- بضم الذال، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسر الذال، وهى قراءة طلحة.
التفسير :
{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} كما كانوا في الدنيا يمنون بذلك أنفسهم، ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم أن أسبابهم التي أملوها تقطعت، وأنه حين جاءهم عذاب الله لم يدفع عنهم.{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} تحصل به هدايته، فهؤلاء ضلوا حين زعموا في شركائهم النفع ودفع الضر، فتبين حينئذ ضلالهم.
وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ.. أى: لم يكن لهؤلاء الظالمين من نصراء أو شفعاء يحولون بينهم وبين العذاب الذي أعده- سبحانه- لهم بسبب ظلمهم وكفرهم.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ أى: ومن يضله الله- تعالى- عن طريق الهداية والرشاد فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ أى فما له من طريق إلى الهدى أو النجاة.
وقوله : ( وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ) أي : ينقذونهم مما هم فيه من العذاب والنكال ، ( ومن يضلل الله فما له من سبيل ) أي : ليس له خلاص .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
يقول تعالى ذكره: ولم يكن لهؤلاء الكافرين حين يعذبهم الله يوم القيامة أولياء يمنعونهم من عذاب الله ولا ينتصرون لهم من ربهم على ما نالهم به من العذاب من دون الله.( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ) يقول: ومن يخذله عن طريق الحق فما له من طريق إلى الوصول إليه, لأن الهداية والإضلال بيده دون كلّ أحد سواه.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يأمر تعالى عباده بالاستجابة له، بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وبالمبادرة بذلك وعدم التسويف، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده واستدراك الفائت، وليس للعبد في ذلك اليوم ملجأ يلجأ إليه، فيفوت ربه، ويهرب منه.
بل قد أحاطت الملائكة بالخليقة من خلفهم، ونودوا{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} وليس للعبد في ذلك اليوم نكير لما اقترفه وأجرمه، بل لو أنكر لشهدت عليه جوارحه.
وهذه الآية ونحوها، فيها ذم الأمل، والأمر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد، فإن للتأخير آفات.
ثم يوجه- سبحانه- أمره إلى هؤلاء المعاندين، يدعوهم إلى الاستجابة للحق من قبل أن يأتى يوم القيامة الذي لا شك في مجيئه.. فيقول: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ...
أى استجيبوا- أيها الناس- لدعوة الحق التي دعاكم إليها ربكم وخالقكم، عن طريق الرسول الذي أرسله- سبحانه- إليكم، ولتكن استجابتكم عاجلة في هذه الدنيا، من قبل أن يأتى يوم القيامة الذي لن يستطيع أحد أن يرده أو يدفعه، بعد أن حكم- سبحانه- بمجيئه، وجعل له أجلا محددا لا يتخلف عنه.
ثم بين- سبحانه- حالهم عند مجيء هذا اليوم فقال: ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ.
والملجأ: هو المكان الذي يلجأ إليه الإنسان عند الشدائد والكروب لاتقائها، والنكير بمعنى الإنكار.
أى: ليس لكم في هذا اليوم ملجأ تلتجئون إليه من العذاب، وليس لكم القدرة على إنكار شيء مما اجترحتموه في الدنيا من الكفر والعصيان، لأنه مسجل عليكم، فما نزل بكم من عذاب بسبب كفركم وإعراضكم عن الحق، وشيء أنتم تستحقونه، ولن تجدوا يوم القيامة من ينكر استحقاقكم لهذا العذاب.
قال الآلوسى: قوله- تعالى- وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ أى: إنكار على أنه مصدر أنكر على غير القياس. ونفى ذلك مع قوله- تعالى- حكاية عنهم وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ تنزيلا لما يقع من إنكارهم منزلة العدم، لعدم نفعه وقيام الحجة، وشهادة الجوارح عليهم، أو يقال: إن الأمرين باعتبار تعدد الأحوال والمواقف..» .
لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة حذر منه وأمر بالاستعداد له ، فقال : ( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ) أي : إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون ، وليس له دافع ولا مانع .
وقوله : ( ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير ) أي : ليس لكم حصن تتحصنون فيه ، ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه ، فتغيبون عن بصره ، تبارك وتعالى ، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته ، فلا ملجأ منه إلا إليه ، ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر . كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ) [ القيامة : 10 - 12 ] .
وقوله: ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ ) يقول تعالى ذكره للكافرين به: أجيبوا أيها الناس داعي الله وآمنوا به واتبعوه على ما جاءكم به من عند ربكم.( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ) يقول: لا شيء يرد مجيئه إذا جاء الله به, وذلك يوم القيامة.( مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذ ) يقول جلّ ثناؤه: ما لكم أيها الناس من معقل تحترزون فيه, وتلجئون إليه, فتعتصمون به من النازل بكم من عذاب الله على كفركم به, كان في الدنيا( وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ) يقول: ولا أنتم تقدرون لما يحلّ بكم من عقابه يومئذ على تغييره, ولا على انتصار منه إذا عاقبكم بما عاقبكم به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ ) قال: من مَحْرَز.
وقوله: ( مِنْ نَكِيرٍ ) قال: ناصر ينصركم.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذ ) تلجئون إليه ( وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ) يقول: من عز تعتزون.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 254 | ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ |
---|
ابراهيم: 31 | ﴿قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾ |
---|
الشورى: 47 | ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّـهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَإِنْ أَعْرَضُوا} عما جئتهم به بعد البيان التام{ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تحفظ أعمالهم وتسأل عنها،{ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} فإذا أديت ما عليك، فقد وجب أجرك على اللّه، سواء استجابوا أم أعرضوا، وحسابهم على اللّه الذي يحفظ عليهم صغير أعمالهم وكبيرها، وظاهرها وباطنها.
ثم ذكر تعالى حالة الإنسان، وأنه إذا أذاقه الله رحمة، من صحة بدن، ورزق رغد، وجاه ونحوه{ فَرِحَ بِهَا} أي:فرح فرحا مقصورا عليها، لا يتعداها، ويلزم من ذلك طمأنينته بها، وإعراضه عن المنعم.
{ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي:مرض أو فقر، أو نحوهما{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} أي:طبيعته كفران النعمة السابقة، والتسخط لما أصابه من السيئة.
ثم بين- سبحانه- وظيفة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فقال: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ...
أى: فإن أعرض هؤلاء الظالمون عن دعوتك- أيها الرسول الكريم-، فلا تحزن لذلك، فإننا ما أرسلناك لتكون رقيبا على أعمالهم، ومكرها لهم على الإيمان، وإنما أرسلناك لتبلغ دعوة ربك إليهم، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر.
والمراد بالإنسان في قوله- سبحانه-: وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها جنسه الشامل للجميع والمراد بالرحمة: ما يشمل الغنى والصحة وغيرهما من النعم.
أى: وإنا إذا أعطينا ومنحنا الإنسان بفضلنا وكرمنا نعمة كالمال والولد والجاه. فرح بها وانشرح لها.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ أى: الناس سَيِّئَةٌ من بلاء أو مرض أو خوف أو فقر بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أى: بسبب ما اكتسبته أيديهم من المعاصي والسيئات حزنوا وامتعضوا.
وقوله: فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ تعليل لجواب الشرط المحذوف، أى: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم نسوا نعمنا وقنطوا، فإن الإنسان الكافر كثير الكفر والجحود لنعم خالقه- عز وجل- أما من آمن وعمل صالحا فإنه يشكر ربه عند النعم، ويصبر عند البلاء والنقم.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالحديث عن مظاهر قدرته التي لا يعجزها شيء، وعن نفاذ مشيئته وحكمته، وعن فضله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم حيث أوحى إليه بما أوحى، من هدايات للناس. فقال- تعالى-:
وقوله : ( فإن أعرضوا ) يعني : المشركين ( فما أرسلناك عليهم حفيظا ) أي : لست عليهم بمصيطر . وقال تعالى : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] ، وقال تعالى : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] وقال هاهنا : ( إن عليك إلا البلاغ ) أي : إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم .
ثم قال تعالى : ( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ) أي : إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك ، ( وإن تصبهم ) يعني الناس ( سيئة ) أي : جدب ونقمة وبلاء وشدة ، ( فإن الإنسان كفور ) أي : يجحد ما تقدم من النعمة ولا يعرف إلا الساعة الراهنة ، فإن أصابته نعمة أشر وبطر ، وإن أصابته محنة يئس وقنط ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ للنساء ] يا معشر النساء ، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة : ولم يا رسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاية ، وتكفرن العشير ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت : ما رأيت منك خيرا قط " وهذا حال أكثر الناس إلا من هداه الله وألهمه رشده ، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فالمؤمن كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " .
القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
يقول تعالى ذكره: فإن أعرض هؤلاء المشركون يا محمد عما أتيتهم به من الحق, ودعوتهم إليه من الرشد, فلم يستجيبوا لك, وأبوا قبوله منك, فدعهم, فإنا لن نرسلك إليهم رقيبا عليهم, تحفظ عليهم أعمالهم وتحصيها.( إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ ) يقول: ما عليك يا محمد إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم من الرسالة, فإذا بلغتهم ذلك, فقد قضيت ما عليك. يقول تعالى ذكره: فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة, وذلك هو الرحمة التي ذكرها جلّ ثناؤه, فرح بها: يقول: سر بما أعطيناه من الغنى, ورزقناه من السعة وكثرة المال.( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) يقول: وإن أصابتهم فاقة وفقر وضيق عيش.( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) يقول: بما أسلفت من معصية الله عقوبة له على معصيته إياه, جحد نعمة الله, وأيس من الخير ( فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ ) يقول تعالى ذكره: فإن الإنسان جحود نعم ربه, يعدد المصائب ويجحد النعم. وإنما قال: ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور, وقد ذكر الإنسان قبل ذلك بمعنى الواحد, لأنه بمعنى الجمع.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 21 | ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾ |
---|
الروم: 36 | ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ |
---|
هود: 9 | ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ |
---|
الشورى: 48 | ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ﴾ |
---|
فصلت: 50 | ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذه الآية فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى، ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، حتى إن تدبيره تعالى، من عمومه، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد، فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد، فاللّه تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء.
وقوله- تعالى- لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ.. بيان لكمال قدرته- سبحانه-، ولنفاذ مشيئته. والملك- بضم الميم- الاستيلاء على الشيء والتمكن من التصرف فيه.
أى: لله- تعالى- وحده ملك جميع ما في السموات والأرض، وليس لأحد معه شيء لا اشتراكا ولا استقلالا، وهو- سبحانه- «يخلق ما يشاء» أن يخلقه، من غير أن يكون لأحد وصاية عليه، أو اختيار لشيء معين..
يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما ، وأنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، وأنه يخلق ما يشاء ، و ( يهب لمن يشاء إناثا ) أي : يرزقه البنات فقط - قال البغوي : ومنهم لوط ، عليه السلام ( ويهب لمن يشاء الذكور ) أي : يرزقه البنين فقط . قال البغوي : كإبراهيم الخليل ، عليه السلام - لم يولد له أنثى ، .
القول في تأويل قوله تعالى : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
يقول تعالى ذكره: لله سلطان السموات السبع والأرضين, يفعل في سلطانه ما يشاء, ويخلق ما يحبّ خلقَه, يهب لمن يشاء من خلقه من الولد الإناث دون الذكور, بأن يجعل كل ما حملت زوجته من حمل منه أنثى (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) يقول: ويهب لمن يشاء منهم الذكور, بأن يجعل كل حمل حملته امرأته ذكرا لا أنثى فيهم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 17 | ﴿وَ لِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ |
---|
الشورى: 49 | ﴿ لِّلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فمن الخلق من يهب له إناثا، ومنهم من يهب له ذكورا، ومنهم من يزوجه، أي:يجمع له ذكورا وإناثا، ومنهم من يجعله عقيما لا يولد له.
{ إِنَّهُ عَلِيمٌ} بكل شيء{ قَدِيرٌ} على كل شيء، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء، وبقدرته في مخلوقاته.
ثم فصل- سبحانه- بعض مظاهر هذه القدرة التامة، والإرادة النافذة فقال: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فهذه الجملة الكريمة بدل مفصل من مجمل، أو بدل بعض من كل. وأحوال الناس بالنسبة للذرية لا تخلو عن هذه الأقسام الأربعة فهو- سبحانه- إما أن يهب لمن يشاء من عباده إناثا لا ذكور معهن، وإما أن يهب لهم ذكورا لا إناث معهم، وإما أن يهب لبعضهم الإناث والذكور معا وهذا معنى قوله- تعالى- أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً إذ التزويج معناه الجمع بين البنين والبنات.
وإما أن يجعل بعضهم عقيما، أى: لا ذرية له، ذكرا كان أو أنثى. يقال رجل عقيم وامرأة عقيم، إذا كانا لا ذرية لهما.
وهذه الأحوال الأربعة كلها مشاهدة في حياة الناس، فمنهم من معه الإناث فقط، ومنهم من معه الذكور فقط ومنهم من معه الذكور والإناث ومنهم من ليس معه منهما شيء وهذا كله يدل على كمال قدرته- سبحانه-، وعلى نفاذ إرادته وحكمته، إذ أعطى من يشاء إعطاءه بفضله، ومنع من يشاء منعه لحكمة يعلمها، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
فالآية الكريمة مسوقة لبيان أن العطاء والمنع بيد الله- تعالى- وحده، وأن أحوال البشر بالنسبة للذرية خاضعة لمشيئته وحده، وهو- سبحانه- يقدرها وفق علمه وإرادته وحكمته ليس لأحد مدخل في اختيار نوع معين من الذرية، وليس عند أحد القدرة على إنجاب شيء منها، إذا أراد الله منعه من ذلك.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: «فإن قلت: لم قدم الإناث أولا على الذكور مع تقدمهم عليهن، ثم رجع فقدمهم؟ ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث؟
قلت: قدم الإناث لبيان أنه- سبحانه- يفعل ما يشاء، لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم واجب التقديم ...
وأخر- سبحانه- الذكور، فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم، لأن التعريف تنويه وتشهير، فكأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم أعطى بذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير، وعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن، ولكن لمقتض آخر، فقال: ذُكْراناً وَإِناثاً، كما قال:
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى...
وقوله- تعالى- إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ تذييل قصد به تأكيد قدرته وحكمته. أى: إنه- سبحانه- واسع العلم بأحوال عباده وبما يصلحهم، قدير على كل شيء، فهو يفعل ما يفعله عن قدرة واختيار، لا مكره له ولا معقب لحكمه.
( أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ) أي : ويعطي من يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى ، أي : من هذا وهذا . قال البغوي : كمحمد ، عليه الصلاة والسلام ( ويجعل من يشاء عقيما ) أي : لا يولد له . قال البغوي : كيحيى وعيسى ، عليهما السلام ، فجعل الناس أربعة أقسام ، منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ، ومنهم من يمنعه هذا وهذا ، فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له ، ( إنه عليم ) أي : بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام ، ( قدير ) أي : على من يشاء ، من تفاوت الناس في ذلك .
وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى : ( ولنجعله آية للناس ) [ مريم : 21 ] أي : دلالة لهم على قدرته ، تعالى وتقدس ، حيث خلق الخلق على أربعة أقسام ، فآدم ، عليه السلام ، مخلوق من تراب لا من ذكر ولا أنثى ، وحواء عليها السلام ، [ مخلوقة ] من ذكر بلا أنثى ، وسائر الخلق سوى عيسى [ عليه السلام ] من ذكر وأنثى ، وعيسى ، عليه السلام ، من أنثى بلا ذكر فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم ، عليهما السلام ; ولهذا قال : ( ولنجعله آية للناس ) ، فهذا المقام في الآباء ، والمقام الأول في الأبناء ، وكل منهما أربعة أقسام ، فسبحان العليم القدير .
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) قال: يخلط بينهم يقول: التزويج: أن تلد المرأة غلاما, ثم تلد جارية, ثم تلد غلاما, ثم تلد جارية.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) قادر والله ربنا على ذلك أن يهب للرجل ذكورا ليست معهم أنثى, وأن يهب للرجل ذكرانا وإناثا, فيجمعهم له جميعا,( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ) لا يولد له.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قول الله عزّ وجلّ: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) ليست معهم إناث ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) قال: يهب لهم إناثا وذكرانا, ويجعل من يشاء عقيما لا يُولَد له.
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ) يقول: لا يُلْقِح.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ) لا يلد واحدا ولا اثنين.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد الله, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) ليس فيهم أنثى ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) تلد المرأة ذكرا مرّة وأنثى مرّة ( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ) لا يولد له.
وقال ابن زيد: في معنى قوله: ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) قال: أو يجعل في الواحد ذكرا وأنثى توأما, هذا قوله: ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ).
وقوله: ( إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما يخلق, وقدرة على خلق ما يشاء لا يعزب عنه علم شيء من خلقه, ولا يعجزه شيء أراد خلقه.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما قال المكذبون لرسل الله، الكافرون بالله:{ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} من كبرهم وتجبرهم، رد الله عليهم بهذه الآية الكريمة، وأن تكليمه تعالى لا يكون إلا لخواص خلقه، للأنبياء والمرسلين، وصفوته من العالمين، وأنه يكون على أحد هذه الأوجه.
إما أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ وَحْيًا بأن يلقي الوحي في قلب الرسول، من غير إرسال ملك، ولا مخاطبة منه شفاها.
{ أَوْ} يكلمه منه شفاها، لكن{ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} كما حصل لموسى بن عمران، كليم الرحمن.
{ أَوْ} يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي، فـ{ يُرْسِلَ رَسُولًا} كجبريل أو غيره من الملائكة.
{ فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} أي:بإذن ربه، لا بمجرد هواه،{ إِنَّهُ} تعالى علي الذات، علي الأوصاف، عظيمها، علي الأفعال، قد قهر كل شيء، ودانت له المخلوقات. حكيم في وضعه كل شيء في موضعه، من المخلوقات والشرائع.
ثم بين- سبحانه- الطرق التي بها يقع التكليم منه- تعالى- للمختارين من عباده فقال:
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً، أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ...
فهذه الآية الكريمة قد دلت على أن تكليم الله- تعالى- للبشر وقع على ثلاثة أوجه:
الأول: عن طريق الوحى، وهو الإعلام في خفاء وسرعة عن طريق الإلقاء في القلب يقظة أو مناما، ويشمل الإلهام والرؤيا المنامية.
والوحى مصدر أوحى، وقد غلب استعماله فيما يلقى للمصطفين الأخيار من الكلمات الإلهية.
والثاني: عن طريق الإسماع من وراء حجاب، أى حاجز، بأن يسمع النبي كلاما دون أن يرى من يكلمه، كما حدث لموسى. عليه السلام- عند ما كلمه ربه- عز وجل-، وهذا الطريق هو المقصود بقوله- تعالى-: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ.
والثالث: عن طريق إرسال ملك، وظيفته أن يبلغ الرسول ما أمره الله بتبليغه له، وهو المقصود بقوله- تعالى- أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ.
وهذا الطريق الثالث قد وضحه الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن عائشة- رضى الله عنها- أن الحارث بن هشام، سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحى؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس- وهو أشده على- أى: أحيانا يأتينى مشابها صوته وقوع الحديد بعضه على بعض- فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعى ما يقول.
قالت عائشة: ولقد رأيته صلّى الله عليه وسلّم ينزل عليه الوحى في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه،وإن جبينه ليتفصد عرقا.
والمعنى: وما صح وما استقام لبشر أن يكلمه الله- تعالى- في من حال الأحوال إلا موحيا إليه، أو مسمعا إياه ما يريد إسماعه له من وراء حجاب أو يرسل إليه ملكا ليبلغه ما يريده- سبحانه- منه.
وقوله- تعالى- إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ تعليل لما قبله، أى: إنه- سبحانه- متعال عن صفات النقص، حكيم في كل أقواله وأفعاله.
هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله ، عز وجل ، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل ، كما جاء في صحيح ابن حبان ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن روح القدس نفث في روعي : أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " .
وقوله : ( أو من وراء حجاب ) كما كلم موسى ، عليه السلام ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم ، فحجب عنها .
وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر بن عبد الله : " ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا " الحديث ، وكان [ أبوه ] قد قتل يوم أحد ، ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار الدنيا .
وقوله : ( أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) كما ينزل جبريل [ عليه السلام ] وغيره من الملائكة على الأنبياء ، عليهم السلام ، ( إنه علي حكيم ) ، فهو علي عليم خبير حكيم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا وحيا يوحي الله إليه كيف شاء, أو إلهاما (1) وإما غيره ( أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) يقول: أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه, كما كلم موسى نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا ) يقول: أو يرسل الله من ملائكته رسولا إما جبرائيل, وإما غيره ( فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) يقول: فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء, يعني: ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي, وغير ذلك من الرسالة والوحي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله عز وجل: ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا ) يوحي إليه ( أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) موسى كلمه الله من وراء حجاب,( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) قال: جبرائيل يأتي بالوحي.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا ) فيوحي, فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( فَيُوحِيَ ) بنصب الياء عطفا على ( يُرْسِلَ ), ونصبوا( يُرْسِلَ ) عطفا بها على موضع الوحي, ومعناه, لأن معناه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل إليه رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. وقرأ ذلك نافع المدني" فَيُوحِي" بإرسال الياء بمعنى الرفع عطفا به على ( يُرْسِلَ ), وبرفع ( يُرْسِلُ ) على الابتداء.
وقوله: ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) يقول تعالى ذكره إنه يعني نفسه جلّ ثناؤه: ذو علو على كل شيء وارتفاع عليه, واقتدار. حكيم: يقول: ذو حكمة في تدبيره خلقه.
------------------------
الهوامش:
(1) كذا في الخط ، ولعله إما إلقاء أو إلهاما الخ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 79 | ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ﴾ |
---|
الشورى: 51 | ﴿وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
حجاب:
1- مفردا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- حجب، جمعا، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
أو يرسل ... فيوحى:
1- بالنصب، فيهما، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع فيهما، وهى قراءة نافع، وأهل المدينة.