ترتيب المصحف | 33 | ترتيب النزول | 90 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 73 | عدد الأجزاء | 0.56 |
عدد الأحزاب | 1.12 | عدد الأرباع | 4.50 |
ترتيب الطول | 15 | تبدأ في الجزء | 21 |
تنتهي في الجزء | 22 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 4/10 | يا أيها النبي: 1/3 |
= ثُمَّ أثنى على الصَّحَابةِ، وبَيَّنَ حكمةَ الابتلاءِ، ونهايةَ المعركةِ بردِّ الأحزابِ خائبينَ، وتأديبِ من عاونَهم (يهودُ بَنِي قُرَيْظَة)، فمَلكَ المؤمنونَ أرضَهم وأموالَهم، ثُمَّ البشري بفتحِ خَيْبرٍ.
قريبًا إن شاء الله
لمَّا غَنِمَ المسلمُونَ أموالَ بني قريظةَ وما قبلها من الغنائمِ، طلبَ أزواجُ النَّبيِّ ﷺ التَّوسعةَ في النفقةِ، فخَيَّرَهُنَّ بينَ متاعِ الدُّنيا فيفَارقْهُنَّ أو الآخرةِ فَيَصْبِرْن.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
ولما ذكر أن المنافقين، عاهدوا اللّه، لا يولون الأدبار، ونقضوا ذلك العهد، ذكر وفاء المؤمنين به، فقال:{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ} أي:وفوا به، وأتموه، وأكملوه، فبذلوا مهجهم في مرضاته، وسبَّلوا أنفسهم في طاعته.
{ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي:إرادته ومطلوبه، وما عليه من الحق، فقتل في سبيل اللّه، أو مات مؤديًا لحقه، لم ينقصه شيئًُا.
{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} تكميل ما عليه، فهو شارع في قضاء ما عليه، ووفاء نحبه ولما يكمله، وهو في رجاء تكميله، ساع في ذلك، مجد.
{ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} كما بدل غيرهم، بل لم يزالوا على العهد، لا يلوون، ولا يتغيرون، فهؤلاء، الرجال على الحقيقة، ومنعداهم، فصورهم صور رجال، وأما الصفات، فقد قصرت عن صفات الرجال.
ثم أضاف- سبحانه- إلى هذا المديح لهم، مديحا آخر فقال: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا والنحب: النذر، وهو أن يلتزم الإنسان الوفاء بأمر تعهد به.
وقضاؤه: الفراغ منه، والوفاء به على أكمل وجه.
وكان رجال من الصحابة قد نذروا، أنهم إذا صاحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرب، أن يثبتوا معه، وأن لا يفروا عنه.
والمعنى: من المؤمنين رجال كثيرون، وفوا أكمل وفاء بما عاهدوا الله- تعالى- عليه، من التأييد لرسوله صلّى الله عليه وسلّم ومن الثبات معه في كل موطن.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أى: فمنهم من وفى بوعده حتى أدركه أجله فمات شهيدا-كحمزة بن عبد المطلب، ومصعب ابن عمير وغيرهما- رضى الله عنهم أجمعين-.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ أى: ومنهم من هو مستمر على الوفاء، وينتظر الشهادة في سبيل الله- تعالى- في الوقت الذي يريده- سبحانه- ويختاره، كبقية الصحابة الذين نزلت هذه الآية وهم ما زالوا على قيد الحياة.
قال الامام ابن كثير: قال الامام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال أنس: غاب عمى أنس بن النضر- سمّيت به- لم يشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر، فشق عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غبت عنه، لئن أرانى الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليريّن الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. فشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد.
فاستقبل سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو، أين واها لريح الجنة أجده دون أحد.
قال: فقاتلهم حتى قتل: قال: فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية.
فقالت أخته- عمتي الرّبيّع ابنة النضر- فما عرفت أخى إلا ببنانه.
قال: فنزلت هذه الآية: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه- رضى الله عنهم، ورواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة .
وقوله- تعالى-: وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا معطوف على صَدَقُوا أى: هؤلاء الرجال صدقوا صدقا تاما في عهودهم مع الله- تعالى- حتى آخر لحظة من لحظات حياتهم، وما غيروا ولا بدلوا شيئا مما عاهدوا الله- تعالى- عليه.
لما ذكر عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار ، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق و ( صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ) ، قال بعضهم : أجله .
وقال البخاري : عهده . وهو يرجع إلى الأول .
( ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) أي : وما غيروا عهد الله ، ولا نقضوه ولا بدلوه .
قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه قال : لما نسخنا الصحف ، فقدت آية من " سورة الأحزاب " كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري - الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين - : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .
انفرد به البخاري دون مسلم . وأخرجه أحمد في مسنده ، والترمذي والنسائي - في التفسير من سننيهما - من حديث الزهري ، به . وقال الترمذي : " حسن صحيح " .
وقال البخاري أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثني أبي ، عن ثمامة ، عن أنس بن مالك قال : نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .
انفرد به البخاري من هذا الوجه ، ولكن له شواهد من طرق أخر . قال الإمام أحمد :
حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال : قال أنس : عمي أنس بن النضر سميت به ، لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، فشق عليه وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه ، لئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع . قال : فهاب أن يقول غيرها ، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يوم ] أحد ، فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس يا أبا عمرو ، أبن . واها لريح الجنة أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قتل قال : فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ، فقالت أخته - عمتي الربيع ابنة النضر - : فما عرفت أخي إلا ببنانه . قال : فنزلت هذه الآية : ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) . قال : فكانوا يرون أنها نزلت فيه ، وفي أصحابه .
ورواه مسلم والترمذي والنسائي ، من حديث سليمان بن المغيرة ، به . ورواه النسائي أيضا وابن جرير ، من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، به نحوه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حميد ، عن أنس أن عمه - يعني : أنس بن النضر - غاب عن قتال بدر ، فقال : غيبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين ، لئن الله أشهدني قتالا للمشركين ، ليرين الله ما أصنع . قال : فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون ، فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما جاء هؤلاء - يعني : المشركين - ثم تقدم فلقيه سعد - يعني : ابن معاذ - دون أحد ، فقال : أنا معك . قال سعد : فلم أستطع أن أصنع ما صنع . قال : فوجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف ، وطعنة رمح ، ورمية سهم . وكانوا يقولون : فيه وفي أصحابه [ نزلت ] : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد ، والنسائي فيه أيضا ، عن إسحاق بن إبراهيم ، كلاهما ، عن يزيد بن هارون ، به ، وقال الترمذي : حسن . وقد رواه البخاري في المغازي ، عن حسان بن حسان ، عن محمد بن طلحة بن مصرف ، عن حميد ، عن أنس ، به ، ولم يذكر نزول الآية . ورواه ابن جرير ، من حديث المعتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس ، به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن الفضل العسقلاني ، حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه طلحة قال : لما أن رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد ، صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعزى المسلمين بما أصابهم ، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر ، ثم قرأ هذه الآية : ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) . فقام إليه رجل من المسلمين فقال : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ فأقبلت وعلي ثوبان أخضران حضرميان فقال : " أيها السائل ، هذا منهم " .
وكذا رواه ابن جرير من حديث سليمان بن أيوب الطلحي ، به . وأخرجه الترمذي في التفسير والمناقب أيضا ، وابن جرير ، من حديث يونس بن بكير ، عن طلحة بن يحيى ، عن موسى وعيسى ابني طلحة ، عن أبيهما ، به . وقال : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يونس .
وقال أيضا : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا أبو عامر - يعني العقدي - حدثني إسحاق - يعني ابن طلحة بن عبيد الله - عن موسى بن طلحة قال : [ دخلت على معاوية ، رضي الله عنه ، فلما خرجت ، دعاني فقال : ألا أضع عندك يا ابن أخي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " .
ورواه ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة الطلحي ، عن موسى بن طلحة قال ] : قام معاوية بن أبي سفيان فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " .
ولهذا قال مجاهد في قوله : ( فمنهم من قضى نحبه ) قال : عهده ، ( ومنهم من ينتظر ) قال : يوما . وقال الحسن : ( فمنهم من قضى نحبه ) يعني موته على الصدق والوفاء . ( ومنهم من ينتظر ) الموت على مثل ذلك ، ومنهم من لم يبدل تبديلا . وكذا قال قتادة ، وابن زيد .
وقال بعضهم : ( نحبه ) نذره .
وقوله : ( وما بدلوا تبديلا ) أي : وما غيروا عهدهم ، وبدلوا الوفاء بالغدر ، بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه ، وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا : ( إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ) ، ( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ) .
القول في تأويل قوله تعالى : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23)
يقول تعالى ذكره (مِنَ المُؤْمِنِينَ) بالله ورسوله ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) يقول: أوفوا بما عاهدوه عليه من الصبر على البأساء والضرّاء، وحين البأس (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره الله وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أُحد، وبعض في غير ذلك من المواطن (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده، والنصر من الله، والظفر على عدوّه. والنحب: النذر في كلام العرب. وللنحب أيضا في كلامهم وجوه غير ذلك، منها الموت، كما قال الشاعر:
قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى القَوْمِ هَوْبَرُ (1)
يعني: منيته ونفسه؛ ومنها الخطر العظيم، كما قال جرير:
بِطَخْفَــةَ جالَدْنــا المُلُـوكَ وَخَيْلُنَـا
عَشِـيَّةَ بِسْـطامٍ جَـرَيْنَ عَـلى نَحْـبِ (2)
أي على خطر عظيم؛ ومنها النحيب، يقال: نحب في سيره يومه أجمع: إذا مدّ فلم ينـزل يومه وليلته؛ ومنها التنحيب، وهو الخطار، كما قال الشاعر:
وإذْ نَحَّـبَتْ كَـلْبٌ عـلى النَّـاس أيُّهُمْ
أحَــقُّ بِتــاجِ المَــاجِدِ المُتَكَـوِّم? (3)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) : أي: وفوا الله بما عاهدوه عليه (فمنهم من قَضَى نَحْبَهُ) أي فرغ من عمله، ورجع إلى ربه، كمن استشهد يوم بدر ويوم أُحد (ومنهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) ما وعد الله من نصره والشهادة على ما مضى عليه أصحابه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال: عهده فقتل أو عاش (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يوما فيه جهاد، فيقضي (نحبه) عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال: عهده (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) قال: يوما فيه قتال، فيصدق في اللقاء.
قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال: مات على العهد.
قال: ثنا أبو أُسامة، عن عبد الله بن فلان -قد سماه، ذهب عني اسمه- عن أبيه (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال: نذره.
حدثنا ابن إدريس، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة: أن أعرابيا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسأله: من الذين قضوا نحبهم؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ودخل طلحة من باب المسجد وعليه ثوبان أخضران، فقال: " هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ".
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال: موته على الصدق والوفاء.(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الموت على مثل ذلك، ومنهم من بدّل تبديلا (4) .
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن مجاهد ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) قال: النحب: العهد.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ) على الصدق والوفاء (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) من نفسه الصدق والوفاء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال: مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) ذلك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي بكير، قال شريك بن عبد الله، أخبرناه عن سالم، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال: الموت على ما عاهد الله عليه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الموت على ما عاهد الله عليه.
وقيل: إن هذه الآية نـزلت في قوم لم يشهدوا بدرا، فعاهدوا الله أن يفوا قتالا للمشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أوفى فقضى نحبه، ومنهم من بدّل، ومنهم من أوفى ولم يقض نحبه، وكان منتظرا، على ما وصفهم الله به من صفاتهم في هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن أنس بن النضر تغيب عن قتال بدر، فقال: تغيبت عن أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئن رأيت قتالا ليرين الله ما أصنع؛ فلما كان يوم أُحُد، وهُزم الناس، لقي سعد بن معاذ فقال: والله إني لأجدُ ريح الجنة، فتقدم فقاتل حتى قُتل، فنـزلت فيه هذه الآية: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ).
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الله بن بكير، قال: ثنا حميد، قال: زعم أنس بن مالك قال: غاب أنس بن النضر، عن قتال يوم بدر، فقال: غبت عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله قتالا ليرينّ الله ما أصنع؛ فلما كان يوم أُحُد، انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، فمشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقال سعد: يا رسول الله، فما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة، بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه، قال أنس: فكنا نتحدّث أن هذه الآية ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ) نـزلت فيه، وفي أصحابه.
حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت حميدا يحدّث، عن أنس بن مالك، أن أنس بن النضر: غاب عن قتال بدر، ثم ذكر نحوه.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى بن طلحة عن طلحة أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانوا لا يجرءون على مسألته، فقالوا للأعرابي: سله (مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) من هو؟ فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم دخلت من باب المسجد وعليّ ثياب خُضر؛ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيْنَ السَّائِل عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ؟" قال الأعرابيّ: أنا يا رسول الله قال: " هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ".
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الحميد الحِمَّاني، عن إسحاق بن يحيى الطَّلْحِي، عن موسى بن طلحة، قال: قام معاوية بن أبي سفيان، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ".
حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي، قال: ثنا سليمان بن أيوب، قال: ثني أبي، عن إسحاق، عن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة قال: لما قدمنا من أُحُد وصرنا بالمدينة، صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم المنبر، فخطب الناس &; 20-241 &; وعزّاهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر، ثم قرأ: (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ...) الآية، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، من هؤلاء؟ فالتفت وعليّ ثوبان أخضران، فقال: " أيُّها السَّائِلُ هَذَا مِنْهُمْ".
وقوله: (وَما بَدَّلًوا تَبْديلا) : وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييرا، كما غيره المعوّقون القائلون لإخوانهم: هلمّ إلينا، والقائلون: إن بيوتنا عورة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَما بَدَّلُوا تَبْديلا) يقول: ما شكُّوا وما تردّدوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَما بَدَّلُوا تَبْديلا) : لم يغيروا دينهم كما غير المنافقون.
------------------------
الهوامش:
(1) هذا عجز بيت لذي الرمة وصدره * عيشـة فـر الحـارثيون بعدمـا *
وهوبر: اسم رجل، أراد ابن هوبر (اللسان: هبر). وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن، عند قوله تعالى: (فمنهم من قضى نحبه): أي نذره الذي كان. والنحب أيضًا النفس: أي الموت. قال ذو الرمة: "قضى نحبه ..." أي نفسه، وإنما هو أيضًا يزيد بن هوبر، ا هـ . وفي الديوان (طبعة كمبردج سنة 1919 ص 235) أراد يزيد بن هوبر، وهو رجل من بني الحارث بن كعب.
(2) البيت لجرير بن عطية بن الخطفي (أبو عبيدة، مجاز القرآن، الورقة 174 - ب) و (اللسان: نحب) قال: وجعله جرير بن الخطفي: الخطر العظيم، قال "بطخفة ..." البيت، أي خطر عظيم. وطخفة، بفتح الطاء، وكسرها: جبل أحمر طويل في ديار بني تميم. كانت به وقعة بين بني يربوع، وقابوس بن النعمان، وكان النعمان قد بعث إليهم جيشًا، وأمر عليه ابنه قابوس وأخاه حسان، فهزمتهم بنو يربوع بطخفة، وأسروهما حتى منوا عليهما، فذلك الذي أراد جرير (انظر معجم ما ستعجم للبكري طخفة).
(3) البيت للفرزدق (ديوانه طبعة الصاوي بالقاهرة ص 759) والتنحيب هنا مصدر نحب، بشد الحاء أي صاح أو نادى بشدة. وأصل التنحيب: الدأب على الشيء، والإكباب عليه لا يفارقه (اللسان: نحب). وجعله المؤلف بمعنى الخطار، ولعله يريد المخاطرة بالنفس.
(4) الذي في الدر المنثور بدله: وآخرون ما بدلوا تبديلا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} أي:بسبب صدقهم، في أقوالهم، وأحوالهم، ومعاملتهم مع اللّه، واستواء ظاهرهم وباطنهم، قال اللّه تعالى:{ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} الآية.
أي:قدرنا ما قدرنا، من هذه الفتن والمحن، والزلازل، ليتبين الصادق من الكاذب، فيجزي الصادقين بصدقهم{ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} الذين تغيرت قلوبهم وأعمالهم، عند حلول الفتن، ولم يفوا بما عاهدوا اللّه عليه.
{ إِنْ شَاءَ} تعذيبهم، بأن لم يشأ هدايتهم، بل علم أنهم لا خير فيهم، فلم يوفقهم.
{ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بأن يوفقهم للتوبة والإنابة، وهذا هو الغالب، على كرم الكريم، ولهذا ختم الآية باسمين دالين على المغفرة، والفضل، والإحسان فقال:{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رحيمًا} غفورًا لذنوب المسرفين على أنفسهم، ولو أكثروا من العصيان، إذا أتوا بالمتاب.{ رَحِيمًا} بهم، حيث وفقهم للتوبة، ثم قبلها منهم، وستر عليهم ما اجترحوه.
ثم بين- سبحانه- الحكمة من هذا الابتلاء والاختبار فقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ.
أى: فعل- سبحانه- ما فعل في غزوة الأحزاب من أحداث، ليجزي الصادقين في إيمانهم الجزاء الحسن الذي يستحقونه بسبب صدقهم ووفائهم.
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أى: إن شاء تعذيبهم بسبب موتهم على نفاقهم.
أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ من نفاقهم بفضله وكرمه فلا يعذبهم.
قال الجمل: وقوله: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ جوابه محذوف، وكذلك مفعول شاءَ محذوف- أيضا- أى: إن شاء تعذيبهم عذبهم.
والمراد بتعذيبهم إماتتهم على النفاق، بدليل العطف في قوله أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ .
إِنَّ اللَّهَ- تعالى- كانَ وما زال غَفُوراً رَحِيماً أى: واسع المغفرة والرحمة لمن يشاء من عباده.
وقوله : ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم ) أي : إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز الخبيث من الطيب ، فيظهر أمر هذا بالفعل ، وأمر هذا بالفعل ، مع أنه تعالى يعلم الشيء قبل كونه ، ولكن لا يعذب الخلق بعلمه فيهم ، حتى يعملوا بما يعلمه فيهم ، كما قال تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) [ محمد : 31 ] ، فهذا علم بالشيء بعد كونه ، وإن كان العلم السابق حاصلا به قبل وجوده . وكذا قال تعالى : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) [ آل عمران : 179 ] . ولهذا قال هاهنا : ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ) أي : بصبرهم على ما عاهدوا الله عليه ، وقيامهم به ، ومحافظتهم عليه . ( ويعذب المنافقين ) : وهم الناقضون لعهد الله ، المخالفون لأوامره ، فاستحقوا بذلك عقابه وعذابه ، ولكن هم تحت مشيئته في الدنيا ، إن شاء استمر بهم على ما فعلوا حتى يلقوه به فيعذبهم عليه ، وإن شاء تاب عليهم بأن أرشدهم إلى النزوع عن النفاق إلى الإيمان ، وعمل الصالح بعد الفسوق والعصيان . ولما كانت رحمته ورأفته بخلقه هي الغالبة لغضبه قال : ( إن الله كان غفورا رحيما ) .
وقوله: (ليَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بصِدْقهِمْ) يقول تعالى ذكره (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ .... لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بصِدْقِهِمْ) : يقول: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به (وَيُعَذِّبَ المُنافِقِينَ إنْ شاءَ) بكفرهم بالله ونفاقهم (أوْ يَتُوبَ عَليهِمْ) من نفاقهم، فيهديهم للإيمان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) يقول: إن شاء أخرجهم من النفاق إلى الإيمان.
إن قال قائل: ما وجه الشرط في قوله: (وَيُعَذِّبَ المُنافِقِينَ) بقوله: (إنْ شاءَ) والمنافق كافر وهل يجوز أن لا يشاء تعذيب المنافق، فيقال: ويعذّبه إن شاء؟ قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي توهمته. وإنما معنى ذلك: ويعذّب المنافقين بأن لا يوفقهم للتوبة من نفاقهم حتى يموتوا على كفرهم إن شاء، فيستوجبوا بذلك العذاب، فالاستثناء إنما هو من التوفيق لا من العذاب إن ماتوا على نفاقهم.
وقد بين ما قلنا في ذلك قوله: (أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) فمعنى الكلام إذن: ويعذّب المنافقين إذ لم يهدهم للتوبة، فيوفقهم لها، أو يتوب عليهم فلا يعذّبهم.
وقوله: (إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيما) يقول: إن الله كان ذا ستر على ذنوب التائبين، رحيما بالتائبين أن يعاقبهم بعد التوبة.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 8 | ﴿ لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ |
---|
الأحزاب: 24 | ﴿ لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} أي:ردهم خائبين، لم يحصل لهم الأمر الذي كانوا حنقين عليه، مغتاظين قادرين]عليه[جازمين، بأن لهم الدائرة، قد غرتهم جموعهم، وأعجبوا بتحزبهم، وفرحوا بِعَدَدِهمْ وعُدَدِهِمْ.
فأرسل اللّه عليهم، ريحًا عظيمة، وهيريح الصبا، فزعزعت مراكزهم، وقوَّضت خيامهم، وكفأت قدورهم وأزعجتهم، وضربهم اللّه بالرعب، فانصرفوا بغيظهم، وهذا من نصر اللّه لعباده المؤمنين.
{ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بما صنع لهم من الأسباب العادية والقدرية،{ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} لا يغالبه أحد إلا غُلِبَ، ولا يستنصره أحد إلا غَلَبَ، ولا يعجزه أمر أراده، ولا ينفع أهل القوة والعزة، قوتهم وعزتهم، إن لم يعنهم بقوته وعزته.
ثم بين- سبحانه- المصير السيئ الذي انتهى إليه الكافرون فقال: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً.
أى: ورد الله- تعالى- بفضله وقدرته الذين كفروا عنكم- أيها المؤمنون- حالة كونهم متلبسين بغيظهم وحقدهم. دون أن ينالوا أى خير من إتيانهم إليكم، بل رجعوا خائبين خاسرين.
فقوله بِغَيْظِهِمْ حال من الموصول، والباء للملابسة، وجملة لَمْ يَنالُوا خَيْراً حال ثانية من الموصول أيضا.
وقوله: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بيان للمنة العظمى التي امتن بها- سبحانه- عليهم.
أى: وأغنى الله- تعالى- بفضله وإحسانه المؤمنين عن متاعب القتال وأهواله بأن أرسل على جنود الأحزاب ريحا شديدة، وجنودا من عنده.
وَكانَ اللَّهُ- تعالى- قَوِيًّا على إحداث كل أمر يريده عَزِيزاً أى:
غالبا على كل شيء.
قال ابن كثير: وفي قوله وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش. وهكذا وقع بعدها، لم يغزهم المشركون، بل غزاهم المسلمون في بلادهم.
قال محمد بن إسحاق: لما انصرف أهل الخندق عن الخندق، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما بلغنا: «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم» فلم تغز قريش بعد ذلك المسلمين، وكان صلّى الله عليه وسلّم هو الذي يغزوهم بعد ذلك، حتى فتح الله عليه مكة.
وروى الإمام أحمد عن سليمان بن صرد قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا يغزونا» .
يقول تعالى مخبرا عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة ، بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية ، ولولا أن جعل الله رسوله رحمة للعالمين ، لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم على عاد ، ولكن قال الله تعالى : ( وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) [ الأنفال : 33 ] ، فسلط عليهم هواء فرق شملهم ، كما كان سبب اجتماعهم من الهوى ، وهم أخلاط من قبائل شتى ، أحزاب وآراء ، فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرق جماعتهم ، وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم ، لم ينالوا خيرا لا في الدنيا ، مما كان في أنفسهم من الظفر والمغنم ، ولا في الآخرة بما تحملوه من الآثام في مبارزة الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، بالعداوة ، وهمهم بقتله ، واستئصال جيشه ، ومن هم بشيء وصدق همه بفعله ، فهو في الحقيقة كفاعله .
وقوله : ( وكفى الله المؤمنين القتال ) أي : لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم ، بل كفى الله وحده ، ونصر عبده ، وأعز جنده; ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، فلا شيء بعده " . أخرجاه من حديث أبي هريرة .
وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال : " اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب . اللهم اهزمهم وزلزلهم " . وفي قوله : ( وكفى الله المؤمنين القتال ) : إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش ، وهكذا وقع بعدها ، لم يغزهم المشركون ، بل غزاهم المسلمون في بلادهم .
قال محمد بن إسحاق : لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا : " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ، ولكنكم تغزونهم " فلم تغز قريش بعد ذلك ، وكان هو يغزوهم بعد ذلك ، حتى فتح الله عليه مكة .
وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق حديث صحيح ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثني أبو إسحاق قال : سمعت سليمان بن صرد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " الآن نغزوهم ولا يغزونا " .
وهكذا رواه البخاري في صحيحه ، من حديث الثوري وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، به .
وقوله تعالى : ( وكان الله قويا عزيزا ) أي : بحوله وقوته ، ردهم خائبين ، لم ينالوا خيرا ، وأعز الله الإسلام وأهله وصدق وعده ، ونصر رسوله وعبده ، فله الحمد والمنة .
القول في تأويل قوله تعالى : وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
يقول تعالى ذكره (ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفُروا) به وبرسوله من قُرَيش وغطفان (بغَيْظِهِمْ) يقول: بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أمَّلوا من الظفر، وخيبتهم مما كانوا طَمِعوا فيه من الغَلَبة (لَمْ ينَالوا خَيْرًا) يقول: لم يصيبوا من المسلمين مالا ولا إسارا(وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنينَ القِتالَ) بجنود من الملائكة والريح التي بعثها عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) الأحزاب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب، ردّ الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيرا(وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنينَ القِتالَ) بالجنود من عنده، والريح التي بعث عليهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) : أي: قريش وغطفان.
حدثني الحسين بن عليّ الصُّدائي، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: حُبسنا يوم الخندق عن الصلاة، فلم نصلّ الظهر، ولا العصر، ولا المغرب، ولا العشاء، حتى كان بعد العشاء بهويّ كفينا، وأنـزل الله (وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنينَ القِتالَ وكان اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الصلاة، وصلى الظهر، فأحسن صلاتها، كما كان يصليها في وقتها، ثم صلى العصر كذلك، ثم صلى المغرب كذلك، ثم صلى العشاء كذلك، جعل لكل صلاة إقامة، وذلك قبل أن تنـزل صلاة الخوف فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال: حُبسنا يوم الخندق، فذكر نحوه.
وقوله: (وكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) يقول: وكان الله قويا على فعل ما يشاء فعله بخلقه، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالب؛(عزيزا): يقول: هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وكانَ اللَّهُ قَويًّا عَزيزًا) : قويا في أمره، عزيزا في نقمته.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ} أي عاونوهم{ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أي:اليهود{ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} أي:أنزلهم من حصونهم، نزولاً مظفورًا بهم، مجعولين تحت حكم الإسلام.
{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} فلم يقووا على القتال، بل استسلموا وخضعوا وذلوا.{ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ} وهم الرجال المقاتلون{ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} مَنْ عداهم من النساء والصبيان.
ثم ختم- سبحانه- الحديث عن غزوة الأحزاب، ببيان ما حل ببني قريظة من عذاب مهين، بسبب نقضهم لعهودهم فقال: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ.
والصياصي: جمع صيصية وهي كل ما يتحصن به من الحصون وغيرها. ومنه قيل لقرن الثور صيصية لأنه يدفع به عن نفسه.
أى: وبعد أن رحلت جيوش الأحزاب عنكم أيها المؤمنون- أنزل الله- تعالى- بقدرته الذين ظاهروهم وناصروهم عليكم، وهم يهود بنى قريظة، أنزلهم من حصونهم، ومكنكم من رقابهم.
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ الشديد منكم، بحيث صاروا مستسلمين لكم، ونازلين على حكمكم.
فَرِيقاً منهم تَقْتُلُونَ وهم الرجال. وتأسرون فريقا آخر وهم الذرية والنساء.
قد تقدم أن بني قريظة لما قدمت جنود الأحزاب ، ونزلوا على المدينة ، نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد ، وكان ذلك بسفارة حيي بن أخطب النضري - لعنه الله - دخل حصنهم ، ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد ، وقال له فيما قال : ويحك ، قد جئتك بعز الدهر ، أتيتك بقريش وأحابيشها ، وغطفان وأتباعها ، ولا يزالون هاهنا حتى يستأصلوا محمدا وأصحابه . فقال له كعب : بل والله أتيتني بذل الدهر . ويحك يا حيي ، إنك مشئوم ، فدعنا منك . فلم يزل يفتل في الذروة والغارب حتى أجابه ، واشترط له حيي إن ذهب الأحزاب ، ولم يكن من أمرهم شيء ، أن يدخل معهم في الحصن ، فيكون له أسوتهم . فلما نقضت قريظة ، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ساءه ، وشق عليه وعلى المسلمين جدا ، فلما أيد الله ونصر ، وكبت الأعداء وردهم خائبين بأخسر صفقة ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤيدا منصورا ، ووضع الناس السلاح . فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة إذ تبدى له جبريل معتجرا بعمامة من إستبرق ، على بغلة عليها قطيفة [ من ] ديباج ، فقال : أوضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال : " نعم " . قال : لكن الملائكة لم تضع أسلحتها ، وهذا الآن رجوعي من طلب القوم . ثم قال : إن الله يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة . وفي رواية فقال له : عذيرك من مقاتل ، أوضعتم السلاح ؟ قال : " نعم " . قال : لكنا لم نضع أسلحتنا بعد ، انهض إلى هؤلاء . قال : " أين ؟ " . قال : بني قريظة ، فإن الله أمرني أن أزلزل عليهم . فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوره ، وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة ، وكانت على أميال من المدينة ، وذلك بعد صلاة الظهر ، وقال : " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " . فسار الناس ، فأدركتهم الصلاة في الطريق ، فصلى بعضهم في الطريق وقالوا : لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل السير ، وقال آخرون : لا نصليها إلا في بني قريظة . فلم يعنف واحدا من الفريقين . وتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب . ثم نازلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما طال عليهم الحال ، نزلوا على حكم سعد بن معاذ - سيد الأوس - لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية ، واعتقدوا أنه يحسن إليهم في ذلك ، كما فعل عبد الله بن أبي ابن سلول في مواليه بني قينقاع ، حين استطلقهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظن هؤلاء أن سعدا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبي في أولئك ، ولم يعلموا أن سعدا ، رضي الله عنه ، كان قد أصابه سهم في أكحله أيام الخندق ، فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكحله ، وأنزله في قبة في المسجد ليعوده من قريب . وقال سعد فيما دعا به : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها . وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة . فاستجاب الله دعاءه ، وقدر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلبا من تلقاء أنفسهم ، فعند ذلك استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ليحكم فيهم ، فلما أقبل وهو راكب [ على حمار ] قد وطئوا له عليه ، جعل الأوس يلوذون به ويقولون : يا سعد ، إنهم مواليك ، فأحسن فيهم . ويرققونه عليهم ويعطفونه ، وهو ساكت لا يرد عليهم . فلما أكثروا عليه قال : لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم . فعرفوا أنه غير مستبقيهم ، فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوموا إلى سيدكم " . فقام إليه المسلمون ، فأنزلوه إعظاما وإكراما واحتراما له في محل ولايته ، ليكون أنفذ لحكمه فيهم . فلما جلس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هؤلاء - وأشار إليهم - قد نزلوا على حكمك ، فاحكم فيهم بما شئت " . قال : وحكمي نافذ عليهم ؟ قال : " نعم " . قال : وعلى من في هذه الخيمة ؟ قال : " نعم " . قال : وعلى من هاهنا . - وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو معرض بوجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا وإكراما وإعظاما - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " . فقال : إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذريتهم وأموالهم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " . وفي رواية : " لقد حكمت بحكم الملك " . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخاديد فخدت في الأرض ، وجيء بهم مكتفين ، فضرب أعناقهم ، وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة ، وسبى من لم ينبت منهم مع النساء وأموالهم ، وهذا كله مقرر مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة ، الذي أفردناه موجزا ومقتصا . ولله الحمد والمنة .
ولهذا قال تعالى : ( وأنزل الذين ظاهروهم ) أي : عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أهل الكتاب ) يعني : بني قريظة من اليهود ، من بعض أسباط بني إسرائيل ، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديما ، طمعا في اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) [ البقرة : 89 ] ، فعليهم لعنة الله .
وقوله : ( من صياصيهم ) يعني : حصونهم . كذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم ومنه سميت صياصي البقر ، وهي قرونها; لأنها أعلى شيء فيها .
( وقذف في قلوبهم الرعب ) : وهو الخوف; لأنهم كانوا مالئوا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس من يعلم كمن لا يعلم ، فأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليعزوا في الدنيا ، فانعكس عليهم الحال ، وانقلب الفال ، انشمر المشركون ففازوا بصفقة المغبون ، فكما راموا العز ذلوا ، وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا ، وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة ، فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة; ولهذا قال تعالى : ( فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ) ، فالذين قتلوا هم المقاتلة ، والأسراء هم الأصاغر والنساء .
قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم بن بشير ، أخبرنا عبد الملك بن عمير ، عن عطية القرظي قال : عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا في ، فأمر بي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظروا : هل أنبت بعد ؟ فنظروا فلم يجدوني أنبت ، فخلى عني وألحقني بالسبي .
وكذا رواه أهل السنن كلهم من طرق ، عن عبد الملك بن عمير ، به . وقال الترمذي : " حسن صحيح " . ورواه النسائي أيضا ، من حديث ابن جريج ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن عطية ، بنحوه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
يقول تعالى ذكره: وأنـزل الله الذين أعانوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك هو مظاهرتهم إياه، وعنى بذلك بني قريظة، وهم الذين ظاهروا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله: (مِنْ أهْلِ الكتاب) يعني: من أهل التوراة، وكانوا يهود: وقوله: (منْ صيَاصِيهمْ) يعني: من حصونهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَأَنـزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) قال: قريظة، يقول: أنـزلهم من صياصيهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَأَنـزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) وهم: بنو قُرَيظة، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، فنكثوا العهد الذي بينهم وبين نبيّ الله، قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه، وقد غسلت شقه، إذ أتاه جبرائيل صلى الله عليه وسلم، فقال: عفا الله عنك؛ ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة، فانهض إلى بني قريظة، فإني قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال وبلبال؛ قال: فاستلأم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سلك سكة بني غنم، فاتبعه الناس وقد عصب حاجبه بالتراب؛ قال: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصروهم وناداهم: " يا إخوان القردة "، فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فحاشا، فنـزلوا على حكم ابن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف، فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة، وأومأ إليهم أبو لبابة إنه الذبح، فأنـزل الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار، فقال قومه وعشيرته: آثرت المهاجرين بالعقار علينا قال: فإنكم كنتم ذوي عقار، وإن المهاجرين كانوا لا عقار لهم. وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر وقال: " قَضَى فِيكُمْ بِحُكْمِ اللهِ".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري: " معتجرا بعمامة من إستبرق، على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج؛ فقال: أقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، ما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إلى بني قريظة "، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا، فأذّن في الناس: " إن من كان سامعا مطيعا فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة "، وقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه برايته إلى بني قريظة، وابتدرها الناس، فسار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال: يا رسول الله، لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث، قال: " لِمَ؟ أَظُنُّكَ سَمِعْتَ لي مِنْهُمْ أذًى " قال: نعم يا رسول الله، قال: " لَوْ قَدْ رأونِي لَمْ يقُولُوا مِنْ ذلكَ شَيْئا " فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: " يا إخْوَانَ القِرَدَة هَلْ أخْزَاكُمُ اللهُ وأنـزلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟" قالُوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولا؛ ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: " هل مَرَّ بِكُمْ أحَدٌ؟ " فقالوا: يا رسول الله، قد مرّ بنا دِحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذَاك جبْرَائيلُ بُعِثَ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ في قُلُوبهِمْ"؛ فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة، نـزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها: بئر أنا، فتلاحق به الناس، فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله.
والحديث عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري، قال: وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب. وقد كان حُيَيّ بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه؛ فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم؛ قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنه قد نـزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها؛ قالوا: وما هنّ؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدّقه، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبيّ مرسل، وأنه الذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره؛ قال: فإذا أبيتم هذه عليّ، فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف، ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذنّ النساء والأبناء، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم؛ قال: فإذا أبيتم هذه عليّ، فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا، فانـزلوا لعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرّة، قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا؟ أما من قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما، قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف، -وكانوا من حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننـزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح؛ قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خُنت الله ورسوله؛ ثم انطلق أبو لبابة على وجهه. ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عُمده وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله عليّ مما صنعت وعاهد الله لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وكان قد استبطأه، قال: " أما إنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، أمَّا إذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أنا بالَّذي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكانِه حتى يَتُوبَ اللهُ عَلَيْه "؛ ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عمّ القوم، أسلموا تلك الليلة التي نـزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فمرّ بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة؛ فلما رآه قال: مَنْ هَذَا؟ قال: عمرو بن سعدى؛ وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا أغدر بمحمد أبدا، فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله، فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب، فلا يُدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا؛ فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال: " ذَاكَ رَجُلٌ نَجَّاهُ اللهُ بِوَفائِه ". قال: وبعض الناس كان يزعم أنه كان أُوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نـزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصبحت رمته مُلقاة، ولا يُدرى أين ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة، فالله أعلم.
فلما أصبحوا، نـزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنـزلوا على حكمه، فسأله إياهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، فوهبهم له؛ فلما كلَّمته الأوس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تَرْضَوْنَ يا مَعْشَرَ الأوْسِ أنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ " قالوا: بلى، قال: " فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ"، وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده، كانت تداوي الجَرْحَى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق " اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حتى أعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ" فلما حكَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة، أتاه قومه فاحتملوه على حمار، وقد وطئوا له بوسادة من أدم، وكان رجلا جسيما، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاك ذلك لتُحسن فيهم، فلما أكثروا عليه قال: قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ؛ من كلمته التي سمع منه؛ فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، قال: " قوموا إلى سيدكم " فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاك مواليَك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، إن الحكم فيهم كما حكمت؟ قال: نعم، قال: وعلى من هاهنا؟ في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إجلالا له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ"، قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تُقتل الرجال، وتقسّم الأموال، وتُسبى الذراري والنساء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَقَدْ حَكَمْتُ فِيهِمْ بحُكمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أرْقِعَةٍ"، ثم استنـزلوا، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار ابنة الحارث امرأة من بني النَّجار، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالا وفيهم عدوّ الله حُيَيّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ستّ مئة أو سبعمائة، والمكثر منهم يقول: كانوا من الثمانمائة إلى التسعمائة، وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يُذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يا كعب، ما ترى ما يُصنع بنا؟ فقال كعب: أفي كلّ موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينـزع، وإنه من يُذهب به منكم فما يرجع، هو والله، القتل، فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُتي بحُييّ بن أخطب عدو الله، وعليه حلة له فُقَّاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة، أنملة أنملة؛ لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله، ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يُخْذَل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب الله وقدره، وملحمة قد كُتبت على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه، فقال جبل بن جوّال الثعلبي:
لعَمـرُكَ مَـا لامَ ابـنُ أخْـطَبَ نَفْسه
ولكنَّــهُ مَــنْ يَخْـذُل اللـه يُخْـذَلِ
لجَـاهَدَ حـتى أبْلـغَ النَّفْسَ عُذْرَهـا
وقَلْقَــلَ يَبغـي العِـزَّ كـلَّ مُقَلْقَـلِ (5)
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: والله إنها لعندي تحدّث معي وتضحك ظهرا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسوق، إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة؟ قالت: أنا والله. قالت: قلت: ويلك ما لك؟ قالت: أقتل؟ قلت: ولِمَ؟ قالت: لحدث أحدثته، قال: فانطلق بها، فضُربت عنقها، فكانت عائشة تقول: ما أنسى عجبي منها، طيب نفس، وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تُقتل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني زيد بن رومان ( وَأَنـزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ) والصياصي: الحصون والآطام التي كانوا فيها(وَقَذَفَ في قُلُوبَهَمُ الرُّعْبَ).
حدثنا عمرو بن مالك البكري، قال: ثنا وكيع بن الجرّاح، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة (مِنْ صيَاصِيهِمْ) قال: من حصونهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مِنْ صيَاصِيهِمْ) يقول: أنـزلهم من صياصيهم، قال: قصورهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (مِنْ صيَاصيهِمْ) : أي من حصونهم وآطامهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَأَنـزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ) قال: الصياصي: حصونهم التي ظنوا أنها مانعتهم من الله تبارك وتعالى، وأصل الصياصي: جمع صيصة، يقال: وعنى بها هاهنا: حصونهم، والعرب تقول لطرف الجبل: صيصة، ويقال لأصل الشيء: صيصة، يقال: جزّ الله صيصة فلان أي: أصله، ويقال لشوك الحاكة: صياصي، كما قال الشاعر:
كوَقْعِ الصَّياصِي فِي النَّسِيجِ المُمَدَّدِ (6)
وهي شوكتا الديك.
وقوله: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) يقول: وألقى في قلوبهم الخوف منكم (فَريقا تَقْتُلُونَ) يقول: تقتلون منهم جماعة، وهم الذين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم حين ظهر عليهم (وَتَأسِرُونَ فَرِيقًا) يقول: وتأسرون منهم جماعة، وهم نساؤهم وذراريهم الذين سبوا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَرِيقا تَقْتُلُون) الذين ضربت أعناقهم (وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) الذين سبوا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) أي قتل الرجال وسبي الذراري والنساء.
------------------------
الهوامش:
(5) البيتان لجبل بن جوال الثعلبي، من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وكان يهوديًّا فأسلم، وكانت له صحبة (عن الروض الأنف للسهيلي، والاستيعاب لابن عبد البر. وانظر سيرة بن هشام طبعة الحلبي: 3 : 252) ومعنى قلقل: أي تحرك. وقد قال البيتين عند مقتل حيي بن أخطب رأس بني قريظة.
(6) هذا عجز بيت لدريد بن الصمة، وصدره * فجـئت إليـه والرمـاح تنوشـه *
(لسان العرب: صيص) قال أبو عبيدة في (مجاز القرآن، الورقة 194 - أ) عند قوله تعالى: (من صياصيهم): أي من حصونهم وأصولهم. وهي أيضًا شوكة الحاكة، قال: * كوقع الصياصي في النسيج الممدد *
وهي شوكتا الديك، وهي قرن للبقرة أيضا. ا هـ. وفي (اللسان: صيص): والصيصة: شوكة الحائك التي يسوى بها السداة واللحمة، قال دريد بن الصمة: "فجئت إليه ..." البيت. ومنه: صيصة الديك التي في رجله وصياصي البقر: قرونها. وربما كانت تركب في الرماح مكان الأسنة. والصياصي: الحصون وكل شيء امتنع به وتحصن به فهو صيصية. ومنه قيل للحصون: الصياصي.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 26 | ﴿وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ |
---|
الحشر: 2 | ﴿فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وتأسرون:
1- بتاء الخطاب، وكسر السين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمها، وهى قراءة أبى حيوة.
3- بياء الغيبة، وهى قراءة اليماني.
التفسير :
{ وَأَوْرَثَكُمْ} أي:غنَّمكم{ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} أي:أرضا كانت من قبل، من شرفها وعزتها عند أهلها، لا تتمكنون من وطئها، فمكنكم اللّه وخذلهم، وغنمتم أموالهم، وقتلتموهم، وأسرتموهم.
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} لا يعجزه شيء، ومن قدرته، قدَّر لكم ما قدر.
وكانت هذه الطائفة من أهل الكتاب، هم بنو قريظة من اليهود، في قرية خارج المدينة، غير بعيدة، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم، [حين]هاجر إلى المدينة، وادعهم، وهادنهم، فلم يقاتلهم ولم يقاتلوه، وهم باقون على دينهم، لم يغير عليهم شيئًا.
فلما رأوا يوم الخندق، الأحزاب الذين تحزبوا على رسول اللّه وكثرتهم، وقلة المسلمين، وظنوا أنهم سيستأصلون الرسول والمؤمنين، وساعد على ذلك، [تدجيل]بعض رؤسائهم عليهم، فنقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومالؤوا المشركين على قتاله.
فلما خذل اللّه المشركين، تفرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لقتالهم، فحاصرهم في حصنهم، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي اللّه عنه، فحكم فيهم، أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم.
فأتم اللّه لرسوله والمؤمنين، المنة، وأسبغ عليهم النعمة، وأَقَرَّ أعينهم، بخذلان من انخذل من أعدائهم، وقتل من قتلوا، وأسر من أسروا، ولم يزل لطف اللّه بعباده المؤمنين مستمرًا.
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ أى: وأورثكم الله- تعالى- أرض هؤلاء اليهود وزروعهم كما أورثكم دِيارَهُمْ أى حصونهم وَأَمْوالَهُمْ التي تركوها من خلفهم، كنقودهم ومواشيهم.
كما أورثكم أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها بعد يقصد القتال وهي أرض خيبر، أو أرض فارس والروم.
وفي هذه الجملة الكريمة وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها بشارة عظيمة للمؤمنين، بأن الله- تعالى- سينصرهم على أعدائهم.
وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء.
أخرج الشيخان عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: «لما رجع النبي صلّى الله عليه وسلّم من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل فقال: يا محمد قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه فاخرج إليهم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: فإلى أين؟ قال: هاهنا. وأشار إلى بنى قريظة. فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهم» .
وعن ابن عمر- رضى الله عنهما- قال: قال النبي- صلّى الله عليه وسلّم- يوم الأحزاب، لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلّى حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلّى، فذكر ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يعنف أحدا .
وبعد أن حاصر المسلمون بنى قريظة خمسا وعشرين ليلة، نزلوا بعدها على حكم سعد بن معاذ- رضى الله عنه- فحكم بقتل رجالهم، وتقسيم أموالهم، وسبى نسائهم وذراريهم.
وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم له: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات» .
وإلى هنا نجد السورة الكريمة قد حدثتنا حديثا جامعا حكيما عن غزوة الأحزاب، فقد ذكرت المؤمنين- أولا- بنعم الله- تعالى- عليهم، ثم صورت أحوالهم عند ما أحاطت بهم جيوش الأحزاب من فوقهم ومن أسفل منهم.
ثم حكت ما قاله المنافقون في تلك الساعات العصيبة، وما أشاروا به على أشباههم في النفاق، وما اعتذروا به من أعذار باطلة، وما جبلوا عليه من أخلاق قبيحة، على رأسها الجبن والخور وضعف العزيمة وفساد النية.
ثم انتقلت إلى الحديث عن المواقف المشرقة الكريمة التي وقفها المؤمنون الصادقون عند ما رأوا الأحزاب، وكيف أنهم ازدادوا إيمانا على إيمانهم، ووفوا بعهودهم مع الله- تعالى- دون أن يبدلوا تبديلا.
وكما بدئت الآيات بتذكير المؤمنين بنعم الله- تعالى- عليهم، ختمت- أيضا- بهذا التذكير حيث رد الله أعداءهم عنهم دون أن ينالوا خيرا، ومكنهم من معاقبة الغادرين من اليهود.
ثم عادت السورة الكريمة مرة أخرى- بعد هذا الحديث عن غزوة الخندق- إلى بيان التوجيهات الحكيمة التي وجهها الله- تعالى- إلى نبيه صلّى الله عليه وسلّم وإلى أزواجه، فقال- سبحانه-:
وقوله : ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ) أي : جعلها لكم من قتلكم لهم ( وأرضا لم تطئوها ) قيل : خيبر . وقيل : مكة . رواه مالك ، عن زيد بن أسلم . وقيل : فارس والروم . وقال ابن جرير : يجوز أن يكون الجميع مرادا .
( وكان الله على كل شيء قديرا ) : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده علقمة بن وقاص قال : أخبرتني عائشة قالت : خرجت يوم الخندق أقفو الناس ، فسمعت وئيد الأرض ورائي ، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه ، قالت : فجلست إلى الأرض ، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منه أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، قالت : وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم ، فمر وهو يرتجز ويقول :
لبث قليلا يشهد الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت : فقمت فاقتحمت حديقة ، فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيها عمر بن الخطاب ، وفيهم رجل عليه تسبغة له - تعني المغفر - فقال عمر : ما جاء بك ؟ لعمري والله إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز . قالت : فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت بي ساعتئذ ، فدخلت فيها ، فرفع الرجل التسبغة عن وجهه ، فإذا هو طلحة بن عبيد الله فقال : يا عمر ، ويحك ، إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله تعالى ؟ قالت : ويرمي سعدا رجل من قريش ، يقال له ابن العرقة بسهم ، وقال له : خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعه ، فدعا الله سعد فقال : اللهم ، لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة . قالت : وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية ، قالت : فرقأ كلمه ، وبعث الله الريح على المشركين ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا . فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد ، قالت : فجاءه جبريل ، عليه السلام ، وإن على ثناياه لنقع الغبار ، فقال : أوقد وضعت السلاح ؟ لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم . قالت : فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا ، [ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فمر على بني غنم وهم جيران المسجد حوله فقال : ومن مر بكم ؟ قالوا : مر بنا دحية الكلبي - وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل ، عليه الصلاة والسلام ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصارهم واشتد البلاء قيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر ، فأشار إليهم أنه الذبح . قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انزلوا على حكم سعد بن معاذ " . فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ ] فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه ، وحف به قومه ، فقالوا : يا أبا عمرو ، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ، ومن قد علمت ، قالت : ولا يرجع إليهم شيئا ، ولا يلتفت إليهم ، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال : قد آن لي ألا أبالي في الله لومة لائم . قال : قال أبو سعيد : فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " . فقال عمر : سيدنا الله . قال : " أنزلوه " . فأنزلوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احكم فيهم " . قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبي ذراريهم ، وتقسم أموالهم ، فقال رسول الله : " لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله " . ثم دعا سعد فقال : اللهم ، إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا ، فأبقني لها . وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم ، فاقبضني إليك . قال : فانفجر كلمه ، وكان قد برئ منه إلا مثل الخرص ، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله .
قالت عائشة : فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر قالت : فوالذي نفس محمد بيده ، إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر ، وأنا في حجرتي . وكانوا كما قال الله تعالى : ( رحماء بينهم ) .
قال علقمة : فقلت : أي أمه ، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته .
وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة نحوا من هذا ، ولكنه أخصر منه ، وفيه دعاء سعد ، رضي الله عنه .
( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ) يقول: وملككم بعد مهلكهم أرضهم، يعني مزارعهم ومغارسهم وديارهم، يقول: ومساكنهم وأموالهم، يعني سائر الأموال غير الأرض والدور.
وقوله: (وأرْضًا لَمْ تَطَئوها) اختلف أهل التأويل فيها، أيّ أرض هي؟ فقال بعضهم: هي الروم وفارس ونحوها من البلاد التي فتحها الله بعد ذلك على المسلمين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوها) قال: قال الحسن: هي الروم وفارس، وما فتح الله عليهم.
وقال آخرون: هي مكة.
وقال آخرون: بل هي خيبر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان (وَأَرْضًا لَمْ تَطَئوها) قال: خيبر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ) قال: قُرَيظة والنضير أهل الكتاب (وَأَرْضًا لَمْ تَطَئوها) قال: خيبر.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه أورث المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض بني قريظة وديارهم وأموالهم، وأرضا لم يطئوها يومئذ ولم تكن مكة ولا خَيبر، ولا أرض فارس والروم ولا اليمن، مما كان وطئوه يومئذ، ثم وطئوا ذلك بعد، وأورثهموه الله، وذلك كله داخل في قوله (وأرْضًا لَمْ تَطَئوها) لأنه تعالى ذكره لم يخصص من ذلك بعضا دون بعض.(وكانَ اللَّهُ على كُلّ شَيْء قَديرًا). يقول تعالى ذكره: وكان الله على أن أورث المؤمنين ذلك، وعلى نصره إياهم، وغير ذلك من الأمور ذا قدرة، لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء حاول فعله.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 85 | ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾ |
---|
الكهف: 45 | ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ |
---|
الأحزاب: 27 | ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ |
---|
الأحزاب: 52 | ﴿وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا﴾ |
---|
الفتح: 21 | ﴿وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّـهُ بِهَا ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تطؤوها:
1- بهمزة مضمومة بعدها واو، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- تطوها، بحذف الهمزة، وهى قراءة زيد بن على.
التفسير :
لما اجتمع نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغيرة، وطلبن منه النفقة والكسوة، طلبن منه أمرًا لا يقدر عليه في كل وقت، ولم يزلن في طلبهن متفقات، في مرادهن متعنتات، شَقَّ ذلك على الرسول، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهرًا.
فأراد اللّه أن يسهل الأمر على رسوله، وأن يرفع درجة زوجاته، ويُذْهِبَ عنهن كل أمر ينقص أجرهن، فأمر رسوله أن يخيرهنفقال:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي:ليس لكن في غيرها مطلب، وصرتن ترضين لوجودها، وتغضبن لفقدها، فليس لي فيكن أرب وحاجة، وأنتن بهذه الحال.
{ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} شيئا مما عندي، من الدنيا{ وَأُسَرِّحْكُنَّ} أي:أفارقكن{ سَرَاحًا جَمِيلًا} من دون مغاضبة ولا مشاتمة، بل بسعة صدر، وانشراح بال، قبل أن تبلغ الحال إلى ما لا ينبغي.
ففي هاتين الآيتين يأمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يخير أزواجه بين أن يعشن معه معيشة الكفاف والزهد في زينة الحياة الدنيا وبين أن يفارقهن ليحصلن على ما يشتهينه من زينة الحياة الدنيا.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: قال علماؤنا: هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدم من المنع من إيذاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان قد تأذى ببعض الزوجات. قيل: سألنه شيئا من عرض الدنيا.
وقيل: سألنه زيادة في النفقة.
روى البخاري ومسلم- واللفظ لمسلم- عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبى بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلّى الله عليه وسلّم جالسا حوله نساؤه.
قال: فقال عمر، والله لأقولن شيئا يضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت زيد- زوجة عمر- سألتنى النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «هن حولي كما ترى يسألننى النفقة» .
فقام أبو بكر إلى ابنته عائشة ليضربها، وقام عمر إلى ابنته حفصة ليضربها وكلاهما يقول:
تسألن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما ليس عنده.
فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا أبدا ليس عنده.
ثم نزلت هاتان الآيتان. فبدأ صلّى الله عليه وسلّم بعائشة فقال لها: «يا عائشة، إنى أريد أن أعرض عليك أمرا، أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيرى أبويك» .
قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها هاتين الآيتين. فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوى!! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة.
وفعل أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل ما فعلت عائشة .
وقال الإمام ابن كثير- بعد أن ساق جملة من الأحاديث في هذا المعنى وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش: عائشة وحفصة، وأم حبيبة وسودة، وأم سلمة.
وأربع من غير قريش- وهن: صفية بنت حيي النضرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة- رضى الله عنهن.
وقال الإمام الآلوسى: فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، مدحهن الله- تعالى- على ذلك، إذ قال- سبحانه-: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ.. فقصره الله- تعالى- عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة» .
والمعنى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ اللائي في عصمتك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها.
أى: إن كنتن تردن سعة الحياة الدنيا وبهجتها وزخارفها ومتعها من مأكل ومشرب وملبس، فوق ما أنتن فيه عندي من معيشة مقصورة على ضروريات الحياة، وقائمة على الزهد في زينتها.
إن كنتن تردن ذلك: فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا.
قال الجمل: وقوله: فَتَعالَيْنَ فعل أمر مبنى على السكون، ونون النسوة فاعل.
وأصل هذا الأمر أن يكون الآمر أعلى مكانا من المأمور، فيدعوه أن يرفع نفسه إليه، ثم كثر استعماله حتى صار معناه أقبل. وهو هنا كناية عن الاختيار والإرادة. والعلاقة هي أن المخبر يدنو إلى من يخبره .
وقوله: أُمَتِّعْكُنَّ مجزوم في جواب الأمر. والمتعة: ما يعطيه الرجل للمرأة التي طلقها، زيادة على الحقوق المقررة لها شرعا، وقد جعلها- سبحانه- حقا على المحسنين الذين يبغون رضا الله- تعالى- وحسن ثوابه.
وقوله وَأُسَرِّحْكُنَّ معطوف على ما قبله، والتسريح: إرسال الشيء، ومنه تسريح الشعر ليخلص بعضه من بعض. ويقال: سرح فلان الماشية، إذا أرسلها لترعى.
والمراد به هنا: طلاق الرجل للمرأة، وتركها لعصمته.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها، ولا تستطعن الصبر على المعيشة معى، فلكن أن تخترن مفارقتي، وإنى على استعداد أن أعطيكن المتعة التي ترضينها، وأن أطلقكن طلاقا لا ضرر فيه، ولا ظلم معه، لأنى سأعطيكن ما هو فوق حقكن.
هذا أمر من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن ، فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها ، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ، ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل ، فاخترن ، رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة ، فجمع الله لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة .
قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن عائشة ، رضي الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه ، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك " ، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه . قالت : ثم قال : " وإن الله قال : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) إلى تمام الآيتين ، فقلت له : ففي أي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة .
وكذا رواه معلقا عن الليث : حدثني يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، فذكره وزاد : قالت : ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت .
وقد حكى البخاري أن معمرا اضطرب ، فتارة رواه عن الزهري ، عن أبي سلمة ، وتارة رواه عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال : قالت عائشة : لما نزل الخيار قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أريد أن أذكر لك أمرا ، فلا تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك " . قالت : قلت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : فرده عليها . فقالت : فما هو يا رسول الله ؟ قالت : فقرأ عليها : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ) إلى آخر الآية . قالت : فقلت : بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة . قالت : ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم
وحدثنا ابن وكيع ، حدثنا محمد بن بشر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : لما نزلت آية التخيير ، بدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا عائشة ، إني عارض عليك أمرا ، فلا تفتاتي فيه [ بشيء ] حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان " . فقلت : يا رسول الله ، وما هو ؟ قال : " قال الله عز وجل : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ) قالت : فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، ولا أؤامر في ذلك أبوي أبا بكر وأم رومان ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استقرأ الحجر فقال : " إن عائشة قالت كذا وكذا " فقلن : ونحن نقول مثل ما قالت عائشة ، رضي الله عنهن كلهن
ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الأشج ، عن أبي أسامة ، عن محمد بن عمرو ، به
قال ابن جرير : وحدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى نسائه أمر أن يخيرهن ، فدخل علي فقال : " سأذكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستشيري أباك " فقلت : وما هو يا نبي الله ؟ قال : " إني أمرت أن أخيركن " ، وتلا عليها آية التخيير ، إلى آخر الآيتين قالت : فقلت : وما الذي تقول لا تعجلي حتى تستشيري أباك ؟ فإني اختار الله ورسوله ، فسر بذلك ، وعرض على نسائه فتتابعن كلهن ، فاخترن الله ورسوله
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يزيد بن سنان البصري ، حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني عقيل ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قالت عائشة ، رضي الله عنها : أنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه ، فقال : " إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك " قالت : قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت : ثم قال : " إن الله قال : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) الآيتين قالت عائشة : فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه كلهن ، فقلن مثل ما قالت عائشة ، رضي الله عنهن
وأخرجه البخاري ومسلم جميعا ، عن قتيبة ، عن الليث ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة مثله
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ، فلم يعدها علينا شيئا أخرجاه من حديث الأعمش
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : أقبل أبو بكر ، رضي الله عنه ، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس : فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه ، وهو ساكت ، فقال عمر : لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك ، فقال عمر : يا رسول الله ، لو رأيت ابنة زيد - امرأة عمر - سألتني النفقة آنفا ، فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه وقال : " هن حولي يسألنني النفقة " فقام أبو بكر ، رضي الله عنه ، إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر ، رضي الله عنه ، إلى حفصة ، كلاهما يقولان : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نساؤه : والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده قال : وأنزل الله ، عز وجل الخيار ، فبدأ بعائشة فقال : " إني أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك " قالت : وما هو ؟ قال : فتلا عليها : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) الآية ، قالت عائشة ، رضي الله عنها : أفيك أستأمر أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله ، وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال : " إن الله تعالى لم يبعثني معنفا ، ولكن بعثني معلما ميسرا ، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها "
انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري ، فرواه هو والنسائي ، من حديث زكريا بن إسحاق المكي ، به
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن محمد بن عبيد [ الله بن علي ] بن أبي رافع ، عن عثمان بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي ، رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه الدنيا والآخرة ، ولم يخيرهن الطلاق
وهذا منقطع ، وقد روي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك وهو خلاف الظاهر من الآية ، فإنه قال : ( فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ) أي : أعطكن حقوقكن وأطلق سراحكن
وقد اختلف العلماء في جواز تزويج غيره لهن لو طلقهن ، على قولين ، وأصحهما نعم لو وقع ، ليحصل المقصود من السراح ، والله أعلم
قال عكرمة : وكان تحته يومئذ تسع نسوة ، خمس من قريش : عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة ، وكانت تحته صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي النضرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، رضي الله عنهن وأرضاهن
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا (28)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ) يا محمد، (لأزْواجِكَ إنْ كُنْتنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ) يقول: فإني أمتعكن ما أوجب الله على الرجال للنساء من المتعة عند فراقهم إياهنّ بالطلاق بقوله وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ وقوله (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلا) يقول: وأطلقكنّ على ما أذن الله به، وأدّب به عباده بقوله إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 28 | ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ |
---|
الأحزاب: 59 | ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أمتعكن وأسرحكن:
1- بالتشديد، والجزم على جواب الأمر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتشديد، والرفع على الاستئناف، وهى قراءة حميد الخراز.
3- بالتخفيف، من «أمتع» ، وهى قراءة زيد بن على.
التفسير :
{ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} أي:هذه الأشياء مرادكن، وغاية مقصودكن، وإذا حصل لَكُنَّ اللّه ورسوله والجنة، لم تبالين بسعة الدنيا وضيقها، ويسرها وعسرها، وقنعتن من رسول اللّه بما تيسر، ولم تطلبن منه ما يشق عليه،{ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} رتب الأجر على وصفهن بالإحسان، لأنه السبب الموجب لذلك، لا لكونهن زوجات للرسول فإن مجرد ذلك، لا يكفي، بل لا يفيد شيئًا، مع عدم الإحسان، فخيَّرهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك، فاخترن اللّه ورسوله، والدار الآخرة، كلهن، ولم يتخلف منهن واحدة، رضي اللّه عنهن.
وفي هذا التخيير فوائد عديدة:
منها:الاعتناء برسوله، وغيرته عليه، أن يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية.
ومنها:سلامته صلى اللّه عليه وسلم، بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات، وأنه يبقى في حرية نفسه، إن شاء أعطى، وإن شاء منع{ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}
ومنها:تنزيهه عما لو كان فيهن، من تؤثر الدنيا على اللّه ورسوله، والدار الآخرة، وعن مقارنتها.
ومنها:سلامة زوجاته، رضي اللّه عنهن، عن الإثم، والتعرض لسخط اللّه ورسوله.
فحسم اللّه بهذا التخيير عنهن، التسخط على الرسول، الموجب لسخطه، المسخط لربه، الموجب لعقابه.
ومنها:إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو هممهن، أن كان اللّه ورسوله والدار الآخرة، مرادهن ومقصودهن، دون الدنيا وحطامها.
ومنها:استعدادهن بهذا الاختيار، للأمر الخيار للوصول إلى خيار درجات الجنة، وأن يَكُنَّ زوجاته في الدنيا والآخرة.
ومنها:ظهور المناسبة بينه وبينهن، فإنه أكمل الخلق، وأراد اللّه أن تكون نساؤهكاملات مكملات، طيبات مطيبات{ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}
ومنها:أن هذا التخيير داع، وموجب للقناعة، التي يطمئن لها القلب، وينشرح لها الصدر، ويزول عنهن جشع الحرص، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه، وهمه وغمه.
ومنها:أن يكون اختيارهن هذا، سببًا لزيادة أجرهن ومضاعفته، وأن يَكُنَّ بمرتبة، ليس فيها أحد من النساء، ولهذا قال:
وَإِنْ كُنْتُنَّ لا تردن ذلك، وإنما تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
أى: وإنما تردن ثواب الله- تعالى- والبقاء مع رسوله صلّى الله عليه وسلم، وإيثار شظف الحياة على زينتها، وإيثار ثواب الدار الآخرة على متع الحياة الدنيا.
إن كنتن تردن ذلك فاعلمن أن اللَّهَ- تعالى- أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ، بسبب إيمانهن وإحسانهن أَجْراً عَظِيماً لا يعلم مقداره إلا الله- تعالى-.
وبهذا التأديب الحكيم، والإرشاد القويم، أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يؤدب نساءه، وأن يرشدهن إلى ما فيه سعادتهن، وأن يترك لهن حرية الاختيار.
ثم وجه- سبحانه- الخطاب إلى أمهات المؤمنين، فأدبهن أكمل تأديب وأمرهن بالتزام الفضائل، وباجتناب الرذائل، لأنهن القدوة لغيرهن من النساء، ولأنهن في بيوتهن ينزل الوحى على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى-:
هذا أمر من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن ، فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها ، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ، ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل ، فاخترن ، رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة ، فجمع الله لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة .
قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن عائشة ، رضي الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه ، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك " ، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه . قالت : ثم قال : " وإن الله قال : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) إلى تمام الآيتين ، فقلت له : ففي أي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة .
وكذا رواه معلقا عن الليث : حدثني يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، فذكره وزاد : قالت : ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت .
وقد حكى البخاري أن معمرا اضطرب ، فتارة رواه عن الزهري ، عن أبي سلمة ، وتارة رواه عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال : قالت عائشة : لما نزل الخيار قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أريد أن أذكر لك أمرا ، فلا تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك " . قالت : قلت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : فرده عليها . فقالت : فما هو يا رسول الله ؟ قالت : فقرأ عليها : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ) إلى آخر الآية . قالت : فقلت : بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة . قالت : ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم
وحدثنا ابن وكيع ، حدثنا محمد بن بشر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : لما نزلت آية التخيير ، بدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا عائشة ، إني عارض عليك أمرا ، فلا تفتاتي فيه [ بشيء ] حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان " . فقلت : يا رسول الله ، وما هو ؟ قال : " قال الله عز وجل : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ) قالت : فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، ولا أؤامر في ذلك أبوي أبا بكر وأم رومان ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استقرأ الحجر فقال : " إن عائشة قالت كذا وكذا " فقلن : ونحن نقول مثل ما قالت عائشة ، رضي الله عنهن كلهن
ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الأشج ، عن أبي أسامة ، عن محمد بن عمرو ، به
قال ابن جرير : وحدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى نسائه أمر أن يخيرهن ، فدخل علي فقال : " سأذكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستشيري أباك " فقلت : وما هو يا نبي الله ؟ قال : " إني أمرت أن أخيركن " ، وتلا عليها آية التخيير ، إلى آخر الآيتين قالت : فقلت : وما الذي تقول لا تعجلي حتى تستشيري أباك ؟ فإني اختار الله ورسوله ، فسر بذلك ، وعرض على نسائه فتتابعن كلهن ، فاخترن الله ورسوله
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يزيد بن سنان البصري ، حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني عقيل ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قالت عائشة ، رضي الله عنها : أنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه ، فقال : " إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك " قالت : قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت : ثم قال : " إن الله قال : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) الآيتين قالت عائشة : فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه كلهن ، فقلن مثل ما قالت عائشة ، رضي الله عنهن
وأخرجه البخاري ومسلم جميعا ، عن قتيبة ، عن الليث ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة مثله
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ، فلم يعدها علينا شيئا أخرجاه من حديث الأعمش
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : أقبل أبو بكر ، رضي الله عنه ، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس : فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه ، وهو ساكت ، فقال عمر : لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك ، فقال عمر : يا رسول الله ، لو رأيت ابنة زيد - امرأة عمر - سألتني النفقة آنفا ، فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه وقال : " هن حولي يسألنني النفقة " فقام أبو بكر ، رضي الله عنه ، إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر ، رضي الله عنه ، إلى حفصة ، كلاهما يقولان : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نساؤه : والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده قال : وأنزل الله ، عز وجل الخيار ، فبدأ بعائشة فقال : " إني أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك " قالت : وما هو ؟ قال : فتلا عليها : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) الآية ، قالت عائشة ، رضي الله عنها : أفيك أستأمر أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله ، وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال : " إن الله تعالى لم يبعثني معنفا ، ولكن بعثني معلما ميسرا ، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها "
انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري ، فرواه هو والنسائي ، من حديث زكريا بن إسحاق المكي ، به
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن محمد بن عبيد [ الله بن علي ] بن أبي رافع ، عن عثمان بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي ، رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه الدنيا والآخرة ، ولم يخيرهن الطلاق
وهذا منقطع ، وقد روي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك وهو خلاف الظاهر من الآية ، فإنه قال : ( فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ) أي : أعطكن حقوقكن وأطلق سراحكن
وقد اختلف العلماء في جواز تزويج غيره لهن لو طلقهن ، على قولين ، وأصحهما نعم لو وقع ، ليحصل المقصود من السراح ، والله أعلم
قال عكرمة : وكان تحته يومئذ تسع نسوة ، خمس من قريش : عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة ، وكانت تحته صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي النضرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، رضي الله عنهن وأرضاهن
[ ولم يتزوج واحدة منهن ، إلا بعد أن توفيت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله برسالته فآمنت به ونصرته ، وكانت له وزير صدق ، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين ، رضي الله عنها ، في الأصح ، ولها خصائص منها : أنه لم يتزوج عليها غيرها ، ومنها أن أولاده كلهم منها ، إلا إبراهيم ، فإنه من سريته مارية ، ومنها أنها خير نساء الأمة
واختلف في تفضيلها على عائشة على ثلاثة أقوال ، ثالثها الوقف
وسئل شيخنا أبو العباس بن تيمية عنهما فقال : اختصت كل واحدة منهما بخاصية ، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام ، وكانت تسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبته ، وتسكنه ، وتبذل دونه مالها ، فأدركت غرة الإسلام ، واحتملت الأذى في الله وفي رسوله وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة ، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها وعائشة تأثيرها في آخر الإسلام ، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة ، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ، ما ليس لغيرها هذا معنى كلامه ، رضي الله عنه
ومن خصائصها : أن الله سبحانه بعث إليها السلام مع جبريل ، فبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : أتى جبريل ، عليه السلام ، النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هذه خديجة ، قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فأقرئها السلام من ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة ، من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب وهذه لعمر الله خاصة ، لم تكن لسواها وأما عائشة ، رضي الله عنها ، فإن جبريل سلم عليها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، فروى البخاري بإسناده أن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما : " يا عائشة ، هذا جبريل يقرئك السلام " فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، ترى ما لا أرى ، تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خواص خديجة ، رضي الله عنها : أنه لم تسؤه قط ، ولم تغاضبه ، ولم ينلها منه إيلاء ، ولا عتب قط ، ولا هجر ، وكفى بهذه منقبة وفضيلة
ومن خواصها : أنها أول امرأة آمنت بالله ورسوله من هذه الأمة
فلما توفاها الله تزوج بعدها سودة بنت زمعة ، رضي الله عنها ، وهي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن جبل بن عامر بن لؤي ، وكبرت عنده ، وأراد طلاقها فوهبت يومها لعائشة ، فأمسكها وهذا من خواصها : أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم تقربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحبا له ، وإيثارا لمقامها معه ، فكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ، ويقسم لنسائه ، ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة ، لترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين ، وقيل : بثلاث ، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى ، وهي بنت تسع ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ، وتوفيت بالمدينة ، ودفنت بالبقيع ، وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة سنة ثمان وخمسين ، ومن خصائصها : أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، كما ثبت ذلك عنه في البخاري وغيره ، أنه سئل أي الناس أحب إليك ؟ قال : " عائشة " قيل : فمن الرجال ؟ قال : " أبوها "
ومن خصائصها أيضا : أنه لم يتزوج بكرا غيرها ، ومن خصائصها : أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها
ومن خصائصها : أن الله ، عز وجل ، لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها ، فقال : " ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك " فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة فاستن بها بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم ، وقلن كما قالت .
ومن خصائصها : أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك ، وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين ، وصلواتهم إلى يوم القيامة ، وشهد لها أنها من الطيبات ، ووعدها المغفرة والرزق الكريم ، وأخبر سبحانه ، أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ، ولم يكن بذلك الذي قيل فيها شر لها ، ولا عيب لها ، ولا خافض من شأنها ، بل رفعها الله بذلك ، وأعلى قدرها وعظم شأنها ، وأصار لها ذكرا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء ، فيا لها من منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها ، حيث قالت : ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها ، فهذه صديقة الأمة ، وأم المؤمنين ، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تعلم أنها بريئة مظلومة ، وأن قاذفيها ظالمون مفترون عليها ، قد بلغ أذاهم إلى أبويها ، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها ، فما ظنك بمن قد صام يوما أو يومين ، أو شهرا أو شهرين ، قد قام ليلة أو ليلتين ، فظهر عليه شيء من الأحوال ، ولاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات ، وأنهم ممن يتبرك بلقائهم ، ويغتنم بصالح دعائهم ، وأنهم يجب على الناس احترامهم وتعظيمهم وتعزيزهم وتوقيرهم ، فيتمسح بأثوابهم ، ويقبل ثرى أعتابهم ، وأنهم من الله بالمكانة التي تنتقم لهم لأجلها من تنقصهم في الحال ، وأن يؤخذ من أساء الأدب عليهم من غير إمهال ، وإن إساءة الأدب عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم
ولو كان هذا من وراء كفاية لهان ، ولكن من وراء تخلف ، وهذه الحماقات والرعونات نتاج الجهل الصميم ، والعقل غير المستقيم ، فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه ، غافل عن جرمه وعيوبه وذنوبه ، مغتر بإمهال الله له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والازدراء على من لعله عند الله خير منه ، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة ، وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما ، وهو عند الله حقير ، ومن خصائص عائشة ، رضي الله عنها : أن الأكابر من الصحابة ، رضي الله عنهم ، كان إذا أشكل الأمر عليهم من الدين استفتوها فيجدون علمه عندها
ومن خصائصها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها ومن خصائصها : أن الملك أرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في خرقة حرير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن يكن هذا من عند الله يمضه " ومن خصائصها : أن الناس كانوا يتحرون هداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم تقربا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه ، رضي الله عنهم أجمعين ، وتكنى أم عبد الله ، وروي أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا ، ولا يثبت ذلك
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، وكانت قبله عند حبيش بن حذافة ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرا ، توفيت سنة سبع ، وقيل : ثمان وعشرين ، ومن خواصها : ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها ، فأتاه جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تراجع حفصة ، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة
وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى ، حدثنا جدي حرملة ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن صالح الحضرمي ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، فوضع التراب على رأسه ، وقال : ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا فنزل جبريل ، عليه السلام ، على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة ، فتنصر بالحبشة ، وأتم الله لها الإسلام ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة ، وأصدقها عند النجاشي أربعمائة دينار ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بها إلى أرض الحبشة ، وولى نكاحها عثمان بن عفان ، وقيل : خالد بن سعيد بن العاص ، وهي التي أكرمت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس عليه أبوها لما قدم أبو سفيان المدينة ، وقالت له : إنك مشرك ، ومنعته الجلوس عليه
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد ، توفيت سنة اثنتين وستين ، ودفنت بالبقيع ، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا ، وقيل : بل ميمونة ، ومن خصائصها : أن جبريل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي ففي صحيح مسلم عن أبي عثمان قال : أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده أم سلمة ، فقال : فجعل يتحدث ، ثم قام فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : " من هذا ؟ " أو كما قال قالت : هذا دحية الكلبي قالت : وايم الله ، ما حسبته إلا إياه ، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، يخبر أنه جبريل ، أو كما قال ، قال سليمان التيمي : فقلت لأبي عثمان : ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال : من أسامة بن زيد وزوجها ابنها - عمر - من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردت طائفة ذلك بأن ابنها لم يكن له من السن حينئذ ما يعقد التزويج ، ورد الإمام أحمد ذلك ، وأنكر على من قاله ، ويدل على صحة قول أحمد ما رواه مسلم في صحيحه أن عمر بن أبي سلمة - ابنها - سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم ؟ فقال : " سل هذه " يعني : أم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ، فقال : لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحل الله لرسوله ما شاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أتقاكم لله وأعلمكم به " أو كما قال ومثل هذا لا يقال لصغير جدا ، وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة وقال البيهقي : وقول من زعم أنه كان صغيرا ، دعوى ولم يثبت صغره بإسناد صحيح
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب ، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة ، فطلقها فزوجه الله إياها من فوق سبع سماوات ، وأنزل عليه : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) فقام فدخل عليها بلا استئذان ، وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماواته ، وهذا من خصائصها توفيت بالمدينة سنة عشرين ، ودفنت بالبقيع
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية ، وكانت تحت عبد الله بن جحش ، تزوجها سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت تسمى أم المساكين ، ولم تلبث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا ، شهرين أو ثلاثة ، وتوفيت ، رضي الله عنها
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق ، وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها ، وتزوجها سنة ست من الهجرة ، وتوفيت سنة ست وخمسين ، وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك من بركتها على قومها
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي ، من ولد هارون بن عمران أخي موسى ، سنة سبع ، فإنها سبيت من خيبر ، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق ، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توفيت سنة ست وثلاثين ، وقيل : سنة خمسين ومن خصائصها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها قال أنس : أمهرها نفسها ، وصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة ، ويجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها ، وتصير زوجته على منصوص الإمام أحمد ، رحمه الله قال الترمذي : حدثنا إسحاق بن منصور ، وعبد بن حميد ، قالا حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس قال : بلغ صفية أن حفصة قالت : صفية بنت يهودي ، فبكت ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال : " ما يبكيك ؟ " قالت : قالت لي حفصة : إني ابنة يهودي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنك لابنة نبي وإن عمك لنبي ، وإنك لتحت نبي ، فبما تفخر عليك ؟ " ثم قال : " اتق الله يا حفصة " قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه وهذا من خصائصها ، رضي الله عنها
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهلالية ، تزوجها بسرف وهو على تسعة أميال من مكة ، وهي آخر من تزوج من أمهات المؤمنين ، توفيت سنة ثلاث وستين ، وهي خالة خالد بن الوليد ، وخالة ابن عباس ، فإن أمه أم الفضل بنت الحارث وهي التي اختلف في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم لها هل نكحها حلالا أو محرما ؟ والصحيح إنما تزوجها حلالا كما قال أبو رافع الشفير في نكاحها
قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره : وعقد على سبع ولم يدخل بهن ، فالصلاة على أزواجه تابعة لاحترامهن وتحريمهن على الأمة ، وأنهن نساؤه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، فمن فارقها في حياتها ولم يدخل ، لا يثبت لها أحكام زوجاته اللاتي دخل بهن صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وذريته وسلم تسليما ]
(وَإنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يقول: وإن كنتن تردن رضا الله ورضا رسوله وطاعتهما فأطعنهما.(فَإنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ) وهن العاملات منهنّ بأمر الله وأمر رسوله (أجْرًا عظِيما) .
وذُكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من عرض الدنيا، إما زيادة في النفقة، أو غير ذلك، فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا، فيما ذكر، ثم أمره الله أن يخيرهنّ بين الصبر عليه، والرضا بما قسم لهنّ، والعمل بطاعة الله، وبين أن يمتِّعهنّ ويفارقهنّ إن لم يرضين بالذي يقسم لهن. وقيل: كان سبب ذلك غيرة كانت عائشة غارتها.
ذكر الرواية بقول من قال: كان ذلك من أجل شيء من النفقة وغيرها.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج صلوات، فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر: إن شئتم لأعلمنّ لكم شأنه، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجعل يتكلم ويرفع صوته، حتى أذن &; 20-252 &; له، قال: فجعلت أقول في نفسي أيّ شيء أكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، أو كلمة نحوها، فقلت: يا رسول الله، لو رأيت فلانة وسألتني النفقة فصككتها صكة، فقال: ذلكَ حَبَسَنِي عَنكُمْ. قال: فأتى حفصة، فقال: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما كانت لك من حاجة فإليّ، ثم تتبع نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجعل يكلمهنّ، فقال لعائشة: أيغرّك أنك امرأة حسناء، وأن زوجك يحبك؟ لتنتهينَّ، أو لينـزلنّ فيك القرآن، قال: فقالت أمّ سلمة: يا ابن الخطَّاب، أوَ ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نسائه، ولن تسأل المرأة إلا لزوجها؟ قال: ونـزل القرآن (يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إنْ كُنْتنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا ...) إلى قوله (أجْرًا عَظِيمًا) قال: فبدأ بعائشة فخيرها، وقرأ عليها القرآن، فقالت: هل بدأت بأحد من نسائك قبلي؟ قال: " لا ". قالت: فإني أختار الله ورسوله، والدار الآخرة، ولا تخبرهنّ بذلك. قال: ثم تتبعهنّ. فجعل يخيرهنّ ويقرأ عليهنّ القرآن، ويخبرهن بما صنعت عائشة، فتتابعن على ذلك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا ...) إلى قوله (أجْرًا عَظيمًا) قال: قال الحسن وقَتادة: خيرهنّ بين الدنيا والآخرة والجنة والنار، في شيء كنّ أردنه من الدنيا، وقال عكرمة: في غيرة كانت غارتها عائشة، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قُرَيش: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلمة بنت أبي أميَّة، وكانت تحته صفية ابنة حُييّ الخَيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجُوَيرية بنت الحارث من بني المصطلق، وبدأ بعائشة، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، رُئي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن كلهنّ على ذلك، واخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة، في قول الله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ...) إلى قوله (عَظِيمًا) قالا أمره الله أن يخيرهنّ بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار. قال قتادة: وهي غيرة من عائشة في شيء أرادته من الدنيا، وكان تحته تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلمة بنت أبي أميَّة، وزينب بنت جحش، &; 20-253 &; وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجُوَيرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفية بنت حُييّ بن أخطب، فبدأ بعائشة، وكانت أحبهنّ إليه، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، رئي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن على ذلك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة قال: لما اخترن الله ورسوله شكرهنّ الله على ذلك فقال لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ فقصره الله عليهنّ، وهنّ التسع اللاتي اخترن الله ورسوله.
* ذكر من قال ذلك من أجل الغيرة:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ... الآية، قال: كان أزواجه قد تغايرن على النبي صلى الله عليه وسلم، فهجرهنّ شهرا، نـزل التخيير من الله له فيهنّ(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) فقرأ حتى بلغ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى فخيرهنّ بين أن يخترن أن يخلي سبيلهن ويسرّحهنّ، وبين أن يقمن إن أردْن الله ورسوله على أنهنّ أمَّهات المؤمنين، لا ينكحن أبدا، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهنّ، لمن وهبت نفسها له؛ حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجي من يشاء حتى يكون هو يرفع رأسه إليها ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل، فلا جناح عليه، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ إذا علمن أنه من قضائي عليهن، إيثار بعضهن على بعض، (أَدْنَى أَنْ يَرْضَيْنَ) قال: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه، فخيرهنّ، بين أن يرضين بهذا، أو يفارقهنّ، فاخترن الله ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت، وكان على ذلك وقد شرط له هذا الشرط، ما زال يعدل بينهنّ حتى لقي الله.
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: قالت عائشة: لما نـزل الخيار، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّي أُريدُ أنْ أذْكُرَ لَكِ أمْرًا فَلا تَقْضِي فِيهِ شَيْئا حتى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". قالت: قلت: وما هو يا رسول الله؟ قال: فردّه عليها. فقالت: ما هو يا رسول الله؟ قال: فقرأ عليهنّ(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ...) إلى آخر الآية، قالت: قلت: بل نختار الله ورسوله، قالت: ففرح بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: لما نـزلت آية التخيير، بدأ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعائشة، فقال: " يا عائشة، إنّي عارضٌ عَلَيْكِ أمْرًا، فَلا تَفْتَاتي فِيهِ بشَيء حتى تَعْرِضِيهِ على أبَوَيْكِ أبي بَكْرٍ وأُمّ رُومانَ" فقالت: يا رسول الله وما هو؟ قال: " قال الله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) إلى (عَظِيمًا) فقلت: إني أريد الله ورسوله، والدار الآخرة، ولا أؤامر في ذلك أبويّ أبا بكر وأمّ رومان، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقرأ الحُجَرَ فقال: " إن عائشة قالت كذا "، فقلن: ونحن نقول مثل ما قالت عائشة .
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، لما نـزل إلى نسائه أُمر أن يخيرهنّ، فدخل عليّ فقال: " سأذكر لَكِ أمْرًا وَلا تَعْجَلِي حَتى تَسْتَشِيرِي أباك ". فقلت: وما هو يا نبيّ الله؟ قال: " إنّي أُمِرْتُ أنْ أُخَيِّرَكُنَّ". وتلا عليها آية التخيير، إلى آخر الآيتين، قالت: قلت: وما الذي تقول؟ " لا تعجلي حتى تستشيري أباك؟"، فإني أختار الله ورسوله، فسُرَّ بذلك، وعرض على نسائه، فتتابعن كلهنّ، فاخترن الله ورسوله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني موسى بن عليّ، ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأني، فقال: " إنّي ذَاكِرٌ لَكِ أمْرًا، فَلا عَلَيْكِ ألا تَعْجلِي حتى تَسْتأْمِرِي أبَوَيْكِ" قالت: قد علم أن أبويّ لم يكونا ليأمراني بفراقه. قالت: ثمّ تلا هذه الآية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَميلا) قالت: فقلت: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله، والدار الآخرة. قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت، فلم يكن ذلك حين قاله لهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه طلاقا؛ من أجل أنهنّ اخترنه.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما اخترن اللّه ورسوله والدار الآخرة، ذكر مضاعفة أجرهن، ومضاعفة وزرهن وإثمهن، لو جرى منهن، ليزداد حذرهن، وشكرهن اللّه تعالى، فجعل من أتى منهن بفاحشة ظاهرة، لها العذاب ضعفين.
فقوله- سبحانه- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ.. نداء من الله تعالى- لهن، على سبيل الوعظ والإرشاد والتأديب، والعناية بشأنهن لأنهن القدوة لغيرهن، والفاحشة: ما قبح من الأقوال والأفعال.
والمعنى: يا نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم من يأت منكن بمعصية ظاهرة القبح، يضاعف الله- تعالى- لها العقاب ضعفين، لأن المعصية من رفيع الشأن تكون أشد قبحا، وأعظم جرما.
قال صاحب الكشاف: وإنما ضوعف عذابهن، لأن ما قبح من سائر النساء، كان أقبح منهن وأقبح، لأن زيادة قبح المعصية، تتبع زيادة الفضل والمرتبة.. وليس لأحد من النساء، مثل فضل نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا على أحد منهن مثل ما لله عليهن من النعمة.. ولذلك كان ذم العقلاء للعاصي العالم: أشد منه للعاصي الجاهل، لأن المعصية من العالم أقبح.
وقد روى عن زين العابدين بن على بن الحسين- رضى الله عنهم- أنه قال له رجل:
إنكم أهل بيت مغفور لكم، فغضب، وقال: نحن أحرى أن يجرى فينا، ما أجرى الله- تعالى- على نساء نبيه صلّى الله عليه وسلّم من أن لمسيئنا ضعفين من العذاب، ولمحسننا ضعفين من الأجر.
وقوله- سبحانه-: مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ.. جملة شرطية. والجملة الشرطية لا تقتضي وقوع الشرط، كما في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.. وكما في قوله- سبحانه-: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان أن منزلتهن- رضى الله عنهن- لا تمنع من وقوع العذاب بهن في حالة ارتكابهن لما نهى الله- تعالى- عنه، فقال: وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أى: وكان ذلك التضعيف للعذاب لهن، يسيرا وهينا على الله، لأنه- سبحانه- لا يصعب عليه شيء.
يقول تعالى واعظا نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، واستقر أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهن بحكمهن [ وتخصيصهن ] دون سائر النساء ، بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة - قال ابن عباس : وهي النشوز وسوء الخلق وعلى كل تقدير فهو شرط ، والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ) [ الزمر : 65 ] ، وكقوله : ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ) [ الأنعام : 88 ] ، ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) [ الزخرف : 81 ] ، ( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ) [ الزمر : 4 ] ، فلما كانت محلتهن رفيعة ، ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا ، صيانة لجنابهن وحجابهن الرفيع; ولهذا قال : ( من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين )
قال مالك ، عن زيد بن أسلم : ( يضاعف لها العذاب ضعفين ) قال : في الدنيا والآخرة
وعن ابن أبي نجيح [ عن مجاهد ] مثله
( وكان ذلك على الله يسيرا ) أي : سهلا هينا
القول في تأويل قوله تعالى : يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
يقول تعالى ذكره لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم: (يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) يقول: من يزن منكنّ الزنا المعروف الذي أوجب الله عليه الحدّ، (يُضَاعَفْ لهَا العَذَابُ) على فجورها في الآخرة (ضِعْفَيْنِ) على فجور أزواج الناس غيرهم.
كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ) قال: يعني عذاب الآخرة.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار (يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ) بالألف، غير أبي عمرو، فإنه قرأ ذلك (يُضَعَّفْ) بتشديد العين تأوّلا منه في قراءته ذلك أن يضعَّف، بمعنى: تضعيف الشيء مرّة واحدة، وذلك أن يجعل الشيء شيئين، فكأن معنى الكلام عنده: أن يجعل عذاب من يأتي من نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم بفاحشة مبينة في الدنيا والآخرة، مثلي عذاب سائر النساء غيرهنّ، ويقول: إنَّ(يُضَاعَفْ) بمعنى أنْ يجْعَل إلى الشيء مثلاه، حتى يكون ثلاثة أمثاله فكأن معنى من قرأ (يُضَاعَفْ) عنده كان أن عذابها ثلاثة أمثال عذاب غيرها من النساء من غير أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلذلك اختار (يضعَّف) على (يضاعف)، وأنكر الآخرون الذين قرءوا ذلك (يضاعف) ما كان يقول ذلك، ويقولون: لا نعلم بين: (يُضَاعَفْ) و (يُضَعَّفْ) فرقا.
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك (يُضَاعَفْ) . وأما التأويل الذي ذهب إليه أبو عمرو، فتأويل لا نعلم أحدا من أهل العلم ادّعاه غيره، وغير أبي عُبيدة معمر بن المثنى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجة مجمعة عليه بتأويل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له.
وقوله: (وكانَ ذَلكَ على اللَّهِ يَسِيرًا) يقول تعالى ذكره: وكانت مضاعفة العذاب على من فعل ذلك منهن (عَلَى الله يَسِيرًا) والله أعلم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 30 | ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ |
---|
الأحزاب: 32 | ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يأت:
1- بالياء، حملا على لفظ «من» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتاء التأنيث، حملا على معنى «من» ، وهى قراءة زيد بن على، والجحدري، وعمرو بن فائد الأسوارى، ويعقوب.
يضاعف:
1- بألف وفتح العين، وهى قراءة نافع، وحمزة، وعاصم، والكسائي.
وقرئ:
2- يضعف، بالتشديد وفتح العين، وهى قراءة الحسن، وعيسى، وأبى عمرو.
3- نضعف، بالنون، وشد العين مكسورة، وهى قراءة الجحدري، وابن كثير، وأبى عامر.
4- نضاعف، بالنون والألف والكسر، وهى قراءة زيد بن على، وابن محيصن، وخارجة، عن أبى عمرو.
5- يضاعف، بياء الغيبة والألف والكسر، وهى قراءة فرقة.