ترتيب المصحف | 33 | ترتيب النزول | 90 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 73 | عدد الأجزاء | 0.56 |
عدد الأحزاب | 1.12 | عدد الأرباع | 4.50 |
ترتيب الطول | 15 | تبدأ في الجزء | 21 |
تنتهي في الجزء | 22 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 4/10 | يا أيها النبي: 1/3 |
بعدَ تصحيحِ العاداتِ السَّابقةِ؛ ذَكَّرَ اللهُ نبيَّه ﷺ بالميثاقِ الذي أخذَه على الأنبياءِ أن يُبلِّغُوا الرِّسالةَ ولا يخشَوا فيها أحدًا، ثُمَّ الحديثُ عن غزوةِ الأحزابِ (الخَنْدَق) لمَّا تَجَمَّعتْ قريشٌ ومن معَها للقضاءِ على المؤمنينَ، =
قريبًا إن شاء الله
= ثُمَّ بيانُ موقفِ المُنافقينَ وضِعافِ الإيمانِ لمَّا طلبَ بعضُهم الإذنَ منه ﷺ في العودةِ إلى بيوتِهم، وقد عاهدُوا اللهَ على القتالِ بعدَ فرارِهم يومَ أُحدٍ، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
يخبر تعالى أنه أخذ من النبيين عمومًا، ومن أولي العزم -وهم، هؤلاء الخمسة المذكورون- خصوصًا، ميثاقهم الغليظ وعهدهم الثقيل المؤكد، على القيام بدين اللّه والجهاد في سبيله، وأن هذا سبيل، قد مشى الأنبياء المتقدمون، حتى ختموا بسيدهم وأفضلهم، محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأمر الناس بالاقتداء بهم.
والميثاق: العهد الموثق المؤكد، مأخوذ من لفظ وثق، المتضمن معنى الشد والربط على الشيء بقوة وإحكام.
أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- وقت أن أخذنا من جميع النبيين العهد الوثيق، على أن يبلغوا ما أوحيناه إليهم من هدايات للناس، وعلى أن يأمروهم بإخلاص العبادة لنا، وعلى أن يصدق بعضهم بعضا في أصول الشرائع ومكارم الأخلاق.. كما أخذنا هذا العهد الوثيق منك، ومن أنبيائنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم.
وخص هؤلاء الأنبياء بالذكر، للتنويه بفضلهم، فهم أولو العزم من الرسل، وهم الذين تحملوا في سبيل إعلاء كلمة الله- تعالى- أكثر مما تحمل غيرهم.
وقدم صلّى الله عليه وسلّم عليهم في قوله وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ لمزيد فضله صلّى الله عليه وسلّم على جميع الأنبياء.
قال الآلوسى: ولا يضر تقديم نوح- عليه السّلام- في سورة الشورى، أعنى قوله- تعالى-: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ إذ لكل مقام مقال. والمقام في سورة الشورى وصف دين الإسلام بالأصالة. والمناسب فيه تقديم نوح، فكأنه قيل: شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم، وبعث عليه محمد صلّى الله عليه وسلّم في العهد الحديث، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء .
وقوله- سبحانه-: وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً معطوف على ما قبله وهو أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ، لإفادة تفخيم شأن هذا الميثاق المأخوذ على الأنبياء، وبيان أنه عهد في أقصى درجات الأهمية والشدة.
أى: وأخذنا من هؤلاء الأنبياء عهدا عظيم الشأن، بالغ الخطورة، رفيع المقدار.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فماذا أراد بالميثاق الغليظ؟
قلت: أراد به ذلك الميثاق بعينه. إذ المعنى: وأخذنا منهم بذلك الميثاق ميثاقا غليظا.
والغلظ استعارة في وصف الأجرام. والمراد: عظم الميثاق وجلالة شأنه في بابه.
وقيل: المراد بالميثاق الغليظ: اليمين بالله على الوفاء بما حملوا.
يقول تعالى مخبرا عن أولي العزم الخمسة ، وبقية الأنبياء : أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله ، وإبلاغ رسالته ، والتعاون والتناصر والاتفاق ، كما قال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) [ آل عمران : 81 ] فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم ، وكذلك هذا . ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة ، وهم أولو العزم ، وهو من باب عطف الخاص على العام ، وقد صرح بذكرهم أيضا في هذه الآية ، وفي قوله : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) [ الشورى : 13 ] ، فذكر الطرفين والوسط ، الفاتح والخاتم ، ومن بينهما على [ هذا ] الترتيب . فهذه هي الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها ، كما قال : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم [ وموسى وعيسى ابن مريم ] ) ، فبدأ في هذه الآية بالخاتم; لشرفه - صلوات الله [ وسلامه ] عليه - ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله [ وسلامه ] عليهم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا محمد بن بكار ، حدثنا سعيد بن بشير ، حدثني قتادة ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قول الله تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) الآية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ، [ فبدئ بي ] قبلهم " سعيد بن بشير فيه ضعف .
وقد رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة مرسلا وهو أشبه ، ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا ، والله أعلم .
وقال أبو بكر البزار : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا حمزة الزيات ، حدثنا علي بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : خيار ولد آدم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين . موقوف ، وحمزة فيه ضعف .
وقد قيل : إن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذر من صلب آدم ، كما قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : ورفع أباهم آدم ، فنظر إليهم - يعني ذريته - وأن فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ، ودون ذلك ، فقال : رب ، لو سويت بين عبادك ؟ فقال : إني أحببت أن أشكر . وأرى فيهم الأنبياء مثل السرج ، عليهم كالنور ، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول الله تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ] ) الآية . وهذا قول مجاهد أيضا .
وقال ابن عباس : الميثاق الغليظ : العهد .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)
يقول تعالى ذكره: كان ذلك في الكتاب مسطورا، إذ كتبنا كلّ ما هو كائن في الكتاب (وَإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبيِّينَ مِيثاقَهُمْ) كان ذلك أيضا في الكتاب مسطورا، ويعني بالميثاق: العهد، وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى قبل (وَمِنْكَ) يا محمد ( وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) يقول: وأخذنا من جميعهم عهدا مؤكدا أن يصدّق بعضهم بعضا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) قال: وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " كُنْتُ أوَّلَ الأنْبِياءِ فِي الخَلْقِ، وآخِرَهُمْ فِي البَعْثِ"، ( وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) ميثاق أخذه الله على النبيين، خصوصا أن يصدّق بعضهم بعضا، وأن يتبع بعضهم بعضا.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: كان قتادة إذا تلا هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) قال: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في أوّل النبيين في الخلق.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) قال: في ظهر آدم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) قال: الميثاق الغليظ: العهد.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
وسيسأل اللّه الأنبياء وأتباعهم، عن هذا العهد الغليظ هل وفوا فيه، وصدقوا؟ فيثيبهم جنات النعيم؟ أم كفروا، فيعذبهم العذاب الأليم؟ قال تعالى:{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}
وقوله- سبحانه-: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ متعلق بقوله: أَخَذْنا، أو بمحذوف. والمراد بالصادقين: الأنبياء الذين أخذ الله عليهم الميثاق.
أى: فعل- سبحانه- ذلك ليسأل يوم القيامة أنبياءه عن كلامهم الصادق الذي قالوه لأقوامهم، وعن موقف هؤلاء الأقوام منهم.
والحكمة من هذا السؤال تشريف هؤلاء الرسل وتكريمهم، وتوبيخ المكذبين لهم فيما جاءوهم به من كلام صادق ومن إرشاد حكيم.
وقوله- سبحانه-: وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً معطوف على ما دل عليه قوله، ليسأل الصادقين.
أى: أثاب- عز وجل- الأنبياء الكرام بسبب صدقهم في تبليغ رسالته وأعد للكافرين الذين أعرضوا عن دعوة أنبيائهم عذابا أليما، بسبب هذا الإعراض.
وهكذا جمعت الآية الكريمة بين ما أعده- سبحانه- من ثواب عظيم للصادقين. ومن عذاب أليم للكافرين.
وبعد هذا البيان الحكيم لبعض الأحكام الشرعية. انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن غزوة الأحزاب، وعن فضل الله- تعالى- على المؤمنين فيها، فقال- سبحانه-:
وقوله : ( ليسأل الصادقين عن صدقهم ) ، قال مجاهد : المبلغين المؤدين عن الرسل .
وقوله : ( وأعد للكافرين ) أي : من أممهم ) عذابا أليما ) أي : موجعا ، فنحن نشهد أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم ، ونصحوا الأمم وأفصحوا لهم عن الحق المبين ، الواضح الجلي ، الذي لا لبس فيه ، ولا شك ، ولا امتراء ، وإن كذبهم من كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين والقاسطين ، فما جاءت به الرسل هو الحق ، ومن خالفهم فهو على الضلال .
القول في تأويل قوله تعالى : لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
يقول تعالى ذكره: أخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم كيما أسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، وما فعل قومهم فيما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة.
وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد ( لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) قال: المبلغين المؤدّين من الرسل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) قال: المبلغين المؤدّين من الرسل.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أُسامة، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد (لِيَسْأَلَ الصَّادِقينَ عَنْ صدْقِهِمْ) قال: الرسل المؤدّين المبلغين.
وقوله: ( وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ) يقول: وأعدّ للكافرين بالله من الأمم عذابا موجعا.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 8 | ﴿ لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ |
---|
الأحزاب: 24 | ﴿ لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يذكر تعالى عباده المؤمنين، نعمته عليهم، ويحثهم على شكرها، حين جاءتهم جنود أهل مكة والحجاز، من فوقهم، وأهل نجد، من أسفل منهم، وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة، وذلك في وقعة الخندق.
ومالأتهم [طوائف]اليهود، الذين حوالي المدينة، فجاءوا بجنود عظيمة وأمم كثيرة.
وخندق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، على المدينة، فحصروا المدينة، واشتد الأمر، وبلغت القلوب الحناجر، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ، لما رأوا من الأسباب المستحكمة، والشدائد الشديدة، فلم يزل الحصار على المدينة، مدة طويلة، والأمر كما وصف اللّه:{ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ} أي:الظنون السيئة، أن اللّه لا ينصر دينه، ولا يتم كلمته.
وغزوة الأحزاب، من الغزوات الشهيرة في تاريخ الدعوة الإسلامية، وكانت- على الراجح- في شهر شوال من السنة الخامسة بعد الهجرة.
وملخصها- كما ذكر الإمام ابن كثير- أن نفرا من اليهود- على رأسهم حيي بن أخطب- خرجوا إلى مكة، واجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب المسلمين، فأجابوهم إلى ذلك.
ثم خرجوا إلى قبيلة غطفان فدعوهم لحرب المسلمين، فاستجابوا لهم- ايضا-.
وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها، والجميع في جيش قريب من عشرة آلاف رجل.
وعند ما علم الرسول صلّى الله عليه وسلم بمقدمهم، أمر بحفر خندق حول المدينة.
ووصلت جيوش الأحزاب إلى مشارف المدينة، فوجدوا الخندق قد حفر، وأنه يحول بينهم وبين اقتحامها. كما أن المسلمين كانوا لهم بالمرصاد.
وخلال هذه الفترة العصيبة، نقض يهود بنى قريظة عهودهم مع المسلمين، وانضموا إلى جيوش الأحزاب، فزاد الخطب على المسلمين.
ومكث الأعداء محاصرين للمدينة قريبا من شهر. ثم جاء نصر الله- تعالى-، بأن أرسل على جيوش الأحزاب ريحا شديدة، وجنودا من عنده، فتصدعت جبهات الأحزاب، وانكفأت خيامهم، وملأ الرعب قلوبهم، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ .
وقد ابتدأ الله- تعالى- الحديث عن هذه الغزوة، بنداء وجهه إلى المؤمنين، ذكرهم فيه بفضله عليهم، وبرحمته بهم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها.
والمعنى: يا من آمنتم بالله حق الإيمان، اذْكُرُوا على سبيل الشكر والاعتبار نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورحمته بكم.
إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ كثيرة، هي جنود جيوش الأحزاب فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً شديدة زلزلتهم، وجعلتهم يرحلون عنكم بخوف وفزع.
كما أرسلنا عليهم جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة، الذين ألقوا الرعب في قلوب أعدائكم.
قالوا: روى أن الله- تعالى- بعث عليهم ريحا باردة في ليلة باردة، فألقت التراب في وجوههم، وأمر الملائكة فقلعت أوتاد خيامهم، وأطفأت نيرانهم وقذفت في قلوبهم الرعب..
فقال كل سيد قوم لقومه: يا بنى فلان: النجاء النجاء .
وقوله- سبحانه-: وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً تذييل قصد به بيان مظهر آخر من مظاهر فضله- تعالى- عليهم.
أى: جاءتكم تلك الجنود الكثيرة. فأرسلنا عليهم ريحا شديدة، وأرسلنا عليهم من عندنا جنودا لم تروها، وكنا فوق كل ذلك مطلعين على أعمالكم من حفر الخندق وغيره وسامعين لدعائكم، وقد أجبناه لكم، حيث رددنا أعداءكم عنكم دون أن ينالوا خيرا.
يقول تعالى مخبرا عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين ، في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا وذلك عام الخندق ، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على الصحيح المشهور .
وقال موسى بن عقبة وغيره كانت في سنة أربع .
وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفرا من أشراف يهود بني النضير ، الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر ، منهم : سلام بن أبي الحقيق ، وسلام بن مشكم ، وكنانة بن الربيع ، خرجوا إلى مكة واجتمعوا بأشراف قريش ، وألبوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة . فأجابوهم إلى ذلك ، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضا . وخرجت قريش في أحابيشها ، ومن تابعها ، وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب ، وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر ، والجميع قريب من عشرة آلاف ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق ، وذلك بإشارة سلمان الفارسي ، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا ، ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر ، وكان في حفره ذلك آيات بينات ودلائل واضحات .
وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريبا من أحد ، ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة ،
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
يقول تعالى ذكره: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) التي أنعمها على جماعتكم وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق (إْذ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) : جنود الأحزاب: قريش، وغَطفان، ويهود بني النضير (فأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا) وهي فيما ذكر: ريح الصَّبا.
كما حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، قال: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب: انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الشمال: إن الحرّة لا تسري بالليل، قال: فكانت الريح التي أُرسلت عليهم الصبا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثني الزبير -يعني: ابن عبد الله- قال: ثني ربيح بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد، قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله بلغت القلوب الحناجر، فهل من شيء تقوله؟ قال: " نَعَمْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا "، فَضَرَبَ اللهُ وُجُوهَ أعْدائِهِ بالرِّيحِ، فهَزَمَهُم اللهُ بالرّيحِ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الله بن عمرو، عن نافع، عن عبد الله، قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون ليلة الخندق في برد شديد وريح، إلى المدينة، فقال: ائتنا بطعام ولحاف قال: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذن لي وقال: " مَنْ لَقِيتَ مِنْ أصحَابِي فَمُرْهُمْ يَرْجِعُوا ". قال: فذهبت والريح تسفي كل شيء، فجعلت لا ألقى أحدا إلا أمرته بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: فما يلوي أحد منهم عنقه؛ قال: وكان معي ترس لي، فكانت الريح تضربه عليّ، وكان فيه حديد، قال: فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي، فأنفذها إلى الأرض.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة: قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال فتى من أهل الكوفة لحُذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا بن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، لحملناه على أعناقنا. قال حُذَيفة: يا بن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله هويا من الليل (1) ثم التفت إلينا فقال: " من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم؟ يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يرجع أدخله الله الجنة "، فما قام أحد، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: " مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنا ما فَعَلَ القَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ، يَشْتَرطُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الرَّجْعَةَ، أسألُ الله أنْ يكُونَ رَفِيقي فِي الجَنَّةِ" فما قام رجل من شدّة الخوف، وشدّة الجوع، وشدّة البرد؛ فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني، فقال: " يا حُذيْفَةُ اذْهَبْ فادْخُلْ فِي القَوْمِ فانْظُرْ، وَلا تُحْدِثَنَّ شَيْئا حتى تَأْتينَا ". قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء؛ فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه، فقال حُذَيفة: فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان؛ ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخفّ، واختلفت بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما يطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا تُحدث شيئا حتى تأتيني، لو شئت لقتلته بسهم؛ قال حُذَيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه؛ فلما رآني أدخلني بين رجليه، وطرح عليّ طَرف المِرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه؛ فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غَطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) قال: الأحزاب: عيينة بن بدر، وأبو سفيان، وقريظة.
وقوله: (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا) قال: ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونـزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم. وقوله: (وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْها) قال: الملائكة ولم تقاتل يومئذ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) قال: يعني الملائكة، قال: نـزلت هذه الآية يوم الأحزاب وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا فخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن تبعه من الناس، حتى نـزلوا بعقوة (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عُيينة بن حصن، أحد بني بدر ومن تبعه من الناس حتى نـزلوا بعقوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاتبت اليهود أبا سفيان وظاهروه، فقال حيث يقول الله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فبعث الله عليهم الرعب والريح، فذكر لنا أنهم كانوا كلما أوقدوا نارا أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا أن سيد كلّ حيّ يقول: يا بني فلان هلمّ إليّ، حتى إذا اجتمعوا عنده فقال: النجاء النجاء، أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ...) الآية، قال: كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، في قول الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) والجنود: قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة.
وقوله: (وكانَ اللَّهُ بِمَا تَعْملُونَ بَصِيرًا) يقول تعالى ذكره: وكان الله بأعمالكم يومئذ، وذلك صبرهم على ما كانوا فيه من الجهد والشدّة، وثباتهم لعدوّهم، وغير ذلك من أعمالهم، بصيرا لا يخفى عليه من ذلك شيء، يحصيه عليهم، ليجزيهم عليه.
------------------------
الهوامش :
(1) هويا، بهاء مفتوحة أو مضمومة، وياء مشددة، وهو الساعة الممتدة من الليل (اللسان: هوى).
(2) العقوة: الساحة وما حول الدار. (عن اللسان: عقا).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 11 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ |
---|
الأحزاب: 9 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وجنودا:
1- بضم الجيم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة الحسن.
تروها:
قرئ:
1- بياء الغيبة، وهى قراءة أبى عمرو فى رواية، وأبى بكرة.
2- بتاء الخطاب، وهى قراءة باقى السبعة، والجمهور.
التفسير :
يذكر تعالى عباده المؤمنين، نعمته عليهم، ويحثهم على شكرها، حين جاءتهم جنود أهل مكة والحجاز، من فوقهم، وأهل نجد، من أسفل منهم، وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة، وذلك في وقعة الخندق.
ومالأتهم [طوائف]اليهود، الذين حوالي المدينة، فجاءوا بجنود عظيمة وأمم كثيرة.
وخندق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، على المدينة، فحصروا المدينة، واشتد الأمر، وبلغت القلوب الحناجر، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ، لما رأوا من الأسباب المستحكمة، والشدائد الشديدة، فلم يزل الحصار على المدينة، مدة طويلة، والأمر كما وصف اللّه:{ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ} أي:الظنون السيئة، أن اللّه لا ينصر دينه، ولا يتم كلمته.
ثم فصل- سبحانه- ما حدث للمؤمنين في هذه الغزوة، بعد هذا الإجمال، فقال:
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أى: من أعلى الوادي من جهة المشرق. والجملة بدل من قوله إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ. والمراد بالذين جاءوا من تلك الجهة: قبائل غطفان وهوازن..
وانضم إليهم بنو قريظة بعد أن نقضوا عهودهم.
وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أى: ومن أسفل الوادي من جهة المغرب، وهم قريش ومعهم أحابيشهم وحلفاؤهم.
وقوله: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ معطوف على ما قبله، داخل معه في حيز التذكير.
أى: واذكروا وقت أن زاغت أبصاركم، ومالت عن كل شيء حولها، وصارت لا تنظر إلا إلى أولئك الأعداء. يقال: زاغ البصر يزيغ زيغا وزيغانا إذا مال وانحرف. ويقال- أيضا:
زاغ البصر، إذا مل وتعب بسبب استدامة شخوصه من شدة الهول.
وقوله وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ بيان آخر لما أصاب المسلمين من بلاء بسبب إحاطة جيوش الأحزاب بهم.
والحناجر: جمع حنجرة، وهي جوف الحلقوم، والمراد أن قلوبكم فزعت فزعا شديدا، حتى لكأنها قد انتقلت من أماكنها إلى أعلى، حتى قاربت أن تخرج من أفواهكم.
فالآية تصور ما أصاب المسلمين من فزع وكرب في غزوة الأحزاب، تصويرا بديعا مؤثرا، يرسم حركات القلوب، وملامح الوجوه، وخلجات النفوس.
وقوله- سبحانه- وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا بيان لما دار في عقولهم من أفكار، حين رأوا الأحزاب وقد أحاطوا بالمدينة.
والظنون جمع الظن. وهو مصدر يطلق على القليل والكثير منه. وجاء بصيغة الجمع لتعدد أنواعه، واختلافه باختلاف قوة الإيمان وضعفه.
أى: وتظنون- أيها المؤمنون- بالله- تعالى- الظنون المختلفة، فمنكم من ازداد يقينا على يقينه، وازداد ثقة بوعد الله- تعالى- وبنصره، ومنكم من كان أقل من ذلك في ثباته ويقينه، ومنكم من كان يظهر أمامكم الإيمان والإسلام، ويخفى الكفر والعصيان، وهم المنافقون وهؤلاء ظنوا الظنون السيئة، بأن اعتقدوا بأن الدائرة ستدور عليكم:
قال ابن كثير: قوله وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا قال الحسن: ظنون مختلفة، ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق، وأنه- سبحانه- سيظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
عن أبى سعيد قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقول، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: نعم. قولوا: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.
قال: فضرب الله- تعالى- وجوه أعدائه بالريح فهزمهم .
كما قال الله تعالى : ( إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ) ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن معه من المسلمين ، وهم نحو ثلاثة آلاف ، وقيل : سبعمائة ، وأسندوا ظهورهم إلى سلع ووجوههم إلى نحو العدو ، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الرجالة والخيالة أن تصل إليهم ، وجعل النساء والذراري في آطام المدينة ، وكانت بنو قريظة - وهم طائفة من اليهود - لهم حصن شرقي المدينة ، ولهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم وذمة ، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل فذهب إليهم حيي بن أخطب النضري [ اليهودي ] ، فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ، ومالئوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعظم الخطب واشتد الأمر ، وضاق الحال ، كما قال الله تعالى : ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) .
ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريبا من شهر ، إلا أنهم لا يصلون إليهم ، ولم يقع بينهم قتال ، إلا أن عمرو بن عبد ود العامري - وكان من الفرسان الشجعان المشهورين في الجاهلية - ركب ومعه فوارس فاقتحموا الخندق ، وخلصوا إلى ناحية المسلمين ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل المسلمين إليه ، فلم يبرز إليه أحد ، فأمر عليا فخرج إليه ، فتجاولا ساعة ، ثم قتله علي ، رضي الله عنه ، فكان علامة على النصر .
ثم أرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحا شديدة الهبوب قوية ، حتى لم تبق لهم خيمة ولا شيء ولا توقد لهم نار ، ولا يقر لهم قرار حتى ارتحلوا خائبين خاسرين ، كما قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا ) .
قال مجاهد : وهي الصبا ، ويؤيده الحديث الآخر : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن عكرمة قال : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال : إن الحرة لا تسري بالليل . قال : فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا .
ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الأشج ، عن حفص بن غياث ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، فذكره .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : أرسلني خالي عثمان بن مظعون ليلة الخندق في برد شديد وريح إلى المدينة ، فقال : ائتنا بطعام ولحاف . قال : فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذن لي ، وقال : " من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا " . قال : فذهبت والريح تسفي كل شيء ، فجعلت لا ألقى أحدا إلا أمرته بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فما يلوي أحد منهم عنقه . قال : وكان معي ترس لي ، فكانت الريح تضربه علي ، وكان فيه حديد ، قال : فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي ، فأنفدها إلى الأرض .
وقوله : ( وجنودا لم تروها ) وهم الملائكة ، زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف ، فكان رئيس كل قبيلة يقول : يا بني فلان إلي . فيجتمعون إليه فيقول : النجاء ، النجاء . لما ألقى الله تعالى في قلوبهم من الرعب .
وقال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله ، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ؟ قال : نعم يا ابن أخي . قال : وكيف كنتم تصنعون ؟ قال : والله لقد كنا نجهد . قال الفتى : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا . قال : قال حذيفة : يا ابن أخي ، والله لو رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ، ثم التفت فقال : " من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ؟ - يشرط له النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرجع - أدخله الله الجنة " . قال : فما قام رجل . ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا ، فقال مثله ، فما قام منا رجل . ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال : " من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة - أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة " . فما قام رجل من القوم; من شدة الخوف ، وشدة الجوع ، وشدة البرد . فلما لم يقم أحد ، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال : " يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا " . قال : فذهبت فدخلت [ في القوم ] ، والريح وجنود الله ، عز وجل ، تفعل بهم ما تفعل ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبو سفيان فقال : يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه . قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي ، فقلت : من أنت ؟ فقال : أنا فلان بن فلان ، ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من هذه الريح الذي ترون . والله ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا ، فإني مرتحل ، ثم قام إلى جمله وهو معقول ، فجلس عليه ، ثم ضربه ، فوثب به على ثلاث ، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم . ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي : " ألا تحدث شيئا حتى تأتيني " ثم شئت ، لقتلته بسهم .
قال حذيفة : فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل ، فلما رآني أدخلني بين رجليه ، وطرح علي طرف المرط ، ثم ركع ، وسجد وإني لفيه ، فلما سلم أخبرته الخبر ، وسمعت غطفان بما فعلت قريش ، فانشمروا راجعين إلى بلادهم .
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال : كنا عند حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه ، فقال له رجل : لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاتلت معه وأبليت . فقال له حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك ؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا رجل يأتي بخبر القوم ، يكون معي يوم القيامة ؟ " . فلم يجبه منا أحد ، ثم الثانية ، ثم الثالثة مثله . ثم قال : " يا حذيفة ، قم فأتنا بخبر من القوم " . فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم ، فقال : " ائتني بخبر القوم ، ولا تذعرهم علي " . قال : فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم ، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد قوسي ، وأردت أن أرميه ، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تذعرهم علي " ، ولو رميته لأصبته . قال : فرجعت كأنما أمشي في حمام ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها ، فلم أزل نائما حتى الصبح ، فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قم يا نومان .
ورواه يونس بن بكير ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم : أن رجلا قال لحذيفة ، رضي الله عنه : نشكو إلى الله صحبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم; إنكم أدركتموه ولم ندركه ، ورأيتموه ولم نره . فقال حذيفة : ونحن نشكو إلى الله إيمانكم به ولم تروه ، والله لا تدري يا ابن أخي لو أدركته كيف كنت تكون . لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخندق في ليلة باردة مطيرة . . . ثم ذكر نحو ما تقدم مطولا .
وروى بلال بن يحيى العبسي ، عن حذيفة نحو ذلك أيضا .
وقد أخرج الحاكم والبيهقي في " الدلائل " ، من حديث عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبد الله الدؤلي ، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال : ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال جلساؤه : أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا . فقال حذيفة : لا تمنوا ذلك . لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود ، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا ، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا ، وما أتت علينا قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق ، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه ، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقولون : " إن بيوتنا عورة وما هي بعورة " . فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ، ويأذن لهم فيتسللون ، ونحن ثلاثمائة ونحو ذلك ، إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا حتى أتى علي وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ، ما يجاوز ركبتي . قال : فأتاني صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي فقال : " من هذا ؟ " فقلت : حذيفة . قال : " حذيفة " . فتقاصرت بالأرض فقلت : بلى يا رسول الله ، كراهية أن أقوم . [ قال : قم ] ، فقمت ، فقال : " إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم " - قال : وأنا من أشد [ الناس ] فزعا ، وأشدهم قرا - قال : فخرجت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ، احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته " . قال : فوالله ما خلق الله فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي ، فما أجد فيه شيئا . قال : فلما وليت قال : " يا حذيفة ، لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني " . قال : فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد ، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ، ويمسح خاصرته ، ويقول : الرحيل الرحيل ، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك ، فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش ، فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني " ، [ فأمسكت ] ورددت سهمي إلى كنانتي ، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر ، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون : يا آل عامر ، الرحيل الرحيل ، لا مقام لكم . وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا ، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم ، وفرستهم الريح تضربهم بها ، ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انتصفت في الطريق أو نحوا من ذلك ، إذا أنا بنحو من عشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين ، فقالوا : أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم . فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مشتمل في شملة يصلي ، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف ، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بيده ] وهو يصلي ، فدنوت منه ، فأسبل علي شملته . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى ، فأخبرته خبر القوم ، وأخبرته أني تركتهم يترحلون ، وأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ) .
وأخرج أبو داود في سننه منه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حزبه أمر ، من حديث عكرمة بن عمار ، به .
وقوله : ( إذ جاءوكم من فوقكم ) أي : الأحزاب ( ومن أسفل منكم ) تقدم عن حذيفة أنهم بنو قريظة ، ( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ) أي : من شدة الخوف والفزع ، ( وتظنون بالله الظنون ) .
قال ابن جرير : ظن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدائرة على المؤمنين ، وأن الله سيفعل ذلك .
وقال محمد بن إسحاق في قوله : ( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ) : ظن المؤمنون كل ظن ، ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير - أخو بني عمرو بن عوف - : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط .
وقال الحسن في قوله : ( وتظنون بالله الظنون ) : ظنون مختلفة ، ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون ، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق ، وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عاصم الأنصاري ، حدثنا أبو عامر ( ح ) وحدثنا أبي ، حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا الزبير - يعني : ابن عبد الله ، مولى عثمان بن عفان - عن رتيج بن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله ، هل من شيء نقول ، فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم ، قولوا : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا " . قال : فضرب وجوه أعدائه بالريح ، فهزمهم بالريح .
وكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل ، عن أبي عامر العقدي .
القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
يقول تعالى ذكره: وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاءتكم جنود الأحزاب من فوقكم، ومن أسفل منكم. وقيل: إن الذين أتوهم من أسفل منهم، أبو سفيان في قريش ومن معه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) قال عيينة بن بدر (3) في أهل نجد (ومن أسفل منكم) قال أبو سفيان، قال: وواجهتهم قريظة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ذكرت يوم الخندق وقرأت ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) قالت: هو يوم الخندق.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير، وعمن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن غيرهم من علمائنا أنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود، منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحُييّ بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع (4) بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرجوا حتى قدموا مكة على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقال لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأوّل، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحقّ منه (5) قال: فهم الذين أنـزل الله فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا ... إلى قوله: وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا فلما قالوا ذلك لقريش، سرّهم ما قالوا، ونشطوا لما دعوهم له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من اليهود، حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا فيه، فأجابوهم (6) فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حُذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرّة، ومسعر بن رخيلة بن نُوَيرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان، فيمن تابعه من قومه من أشجع؛ فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، أقبلت قريش حتى نـزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة (7) في عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد، حتى نـزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذّراري والنساء، فرفعوا في الآطام، وخرج عدوّ الله حيي بن أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظيّ، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاهده على ذلك وعاقده، فلما سمع كعب بحييّ بن أخطب، أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ: يا كعب افتح لي، قال: ويحك يا حييّ، إنك امرؤ مشئوم، إني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا؛ قال: ويحك افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلا تخوّفت على جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: يا كعب جئتك بعزّ الدهر، وببحر طمّ، جئتك بقريش على قاداتها وساداتها، حتى أنـزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطَفان على قاداتها وساداتها حتى أنـزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أُحد، قد عاهدوني وعاقدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال له كعب بن أسد: جئتني والله بذلّ الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، فدعني ومحمدا وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء؛ فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاهم عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان عليه، فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وإلى المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس، أحد بني الأشهل، وهو يومئذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة بن ديلم أخي بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحرث بن الخزرج، وخوات بن جُبَير أخو بني عمرو بن عوف، فقال: " انطلقوا حتى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم، فاجهروا به للناس " فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا (8) من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلا فيه حدّة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة: أي (9) كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند ذلك البلاء، واشتدّ الخوف، وأتاهم عدوّهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظنّ المسلمون كلّ ظنّ، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط، وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله إن بيوتنا لعورة من العدوّ، وذلك عن ملإ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا، وإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار (10) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان قوله: ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) فالذين جاءوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم: قريش وغطفان.
وقوله: (وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ) يقول: وحين عدلت الأبصار عن مقرّها، وشخصت طامحة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ) : شخصت.
وقوله: (وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ) يقول: نبت القلوب عن أماكنها من الرعب والخوف، فبلغت إلى الحناجر.
كما حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرِمة: (وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ) قال: من الفزع.
وقوله: ( وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) يقول: وتظنون بالله الظنونَ الكاذبة، وذلك كظنّ من ظنّ منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغلب، وأن ما وعده الله من النصر أن لا يكون، ونحو ذلك من ظنونهم الكاذبة التي ظنها من ظنّ ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكره.
حدثنا بشر، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن الحسن (وَتَظُنُّونَ باللَّه الظُّنُونا ) قال: ظنونا مختلفة: ظنّ المنافقون أن محمدا وأصحابه يُستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حقّ، أنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَتَظُنُّونَ بالله الظُّنُونا ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة، وبعض الكوفيين: (الظُّنُونا) بإثبات الألف، وكذلك وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا في الوصل والوقف وكان اعتلال المعتلّ في ذلك لهم، أن ذلك في كل مصاحف المسلمين بإثبات الألف في هذه الأحرف كلها وكان بعض قرّاء الكوفة يثبت الألف فيهنّ في الوقف، ويحذفها في الوصل اعتلالا بأن العرب تفعل ذلك في قوافي الشعر ومصاريعها، فتلحق الألف في موضع الفتح للوقوف، ولا تفعل ذلك في حشو الأبيات، فإن هذه الأحرف، حسُن فيها إثبات الألفات، لأنهنّ رءوس الآي تمثيلا لها بالقوافي. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة والكوفة بحذف الألف من جميعه في الوقف والوصل، اعتلالا بأن ذلك غير موجود في كلام العرب إلا في قوافي الشعر دون غيرها من كلامهم، وأنها إنما تفعل ذلك في القوافي طلبا لإتمام وزن الشعر، إذ لو لم تفعل ذلك فيها لم يصحّ الشعر، وليس ذلك كذلك في القرآن، لأنه لا شيء يضطرّهم إلى ذلك في القرآن، وقالوا: هنّ مع ذلك في مصحف عبد الله بغير ألف.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأه بحذف الألف في الوصل والوقف، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، مع شهرة القراءة بذلك في قرّاء المصرين: الكوفة، والبصرة، ثم القراءة بإثبات الألف فيهنّ في حالة الوقف والوصل؛ لأن علة من أثبت ذلك في حال الوقف أنه كذلك في خطوط مصاحف المسلمين. وإذا كانت &; 20-222 &; العلة في إثبات الألف في بعض الأحوال كونه مثبتا في مصاحف المسلمين، فالواجب أن تكون القراءة في كل الأحوال ثابتة؛ لأنه مثبت في مصاحفهم. وغير جائز أن تكون العلة التي توجب قراءة ذلك على وجه من الوجوه في بعض الأحوال موجودة في حال أخرى، والقراءة مختلفة، وليس ذلك لقوافي الشعر بنظير؛ لأن قوافي الشعر إنما تلحق فيها الألفات في مواضع الفتح، والياء في مواضع الكسر، والواو في مواضع الضمّ طلبا لتتمة الوزن، وأن ذلك لو لم يفعل كذلك بطل أن يكون شعرا لاستحالته عن وزنه، ولا شيء يضطرّ تالي القرآن إلى فعل ذلك في القرآن.
(3) نسبه إلى أبيه الأعلى.
(4) في بعض نسخ السيرة لابن إسحاق، وكنانة بن أبي الحقيق، وليس فيه ابن الربيع.
(5) كذا في السيرة. (3 : 225) طبعة الحلبي. وفي الأصل: منهم.
(6) في السيرة (الحلبي 3 : 26): فاجتمعوا معهم فيه، وسقط منها قوله: فأجابوهم.
(7) في السيرة (الحلبي 3 : 230) زغابة، بزاي مفتوحة، وغين (وانظر السهيلي 2 : 189).
(8) في إحدى نسخ السيرة (الحلبي 3 : 233): فيما نالوا ... إلخ.
(9) كذا في السيرة (الحلبي 3 : 233). وفي الأصل بدون أي.
(10) في بعض المراجع: والحصا. وكتبها بالألف.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} بهذه الفتنة العظيمة{ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} بالخوف والقلق، والجوع، ليتبين إيمانهم، ويزيد إيقانهم، فظهر -وللّه الحمد- من إيمانهم، وشدة يقينهم، ما فاقوا فيه الأولين والآخرين.
وعندما اشتد الكرب، وتفاقمت الشدائد، صار إيمانهم عين اليقين،{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}
وهنالك تبين نفاق المنافقين، وظهر ما كانوا يضمرون قال تعالى:
ولفظ هُنالِكَ في قوله- تعالى-: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ: ظرف مكان للبعيد، وهو منصوب بقوله ابْتُلِيَ والابتلاء: الاختبار والامتحان بالشدائد والمصائب.
أى: في ذلك المكان الذي أحاط به الأحزاب من كل جانب، امتحن الله- تعالى- المؤمنين واختبرهم، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه.
وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً أى: واضطربوا اضطرابا شديدا، من شدة الفزع، لأن الأعداء حاصروهم، ولأن بنى قريظة نقضوا عهودهم.
ولقد بلغ انشغال المسلمين بعدوهم انشغالا عظيما، حتى أنهم لم يستطيعوا أن يؤدوا بعض الصلوات في أوقاتها، وقال بعض الصحابة: يا رسول الله، ما صلينا، فقال لهم صلّى الله عليه وسلم:
«ولا أنا، والله ما صليت ثم قال: شغلنا المشركون عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقلوبهم نارا» .
وخرجت طليعتان للمسلمين ليلا، فالتقتا- دون أن تعرف إحداهما الأخرى- فتقاتلا.
وحدث بينهم ما حدث من جراح وقتل، ولم يشعروا أنهم من المسلمين، حتى تنادوا بشعار الإسلام: «حم. لا ينصرون» ، فكف بعضهم عن بعض.
فلما بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: «جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد» .
يقول تعالى مخبرا عن ذلك الحال ، حين نزلت الأحزاب حول المدينة ، والمسلمون محصورون في غاية الجهد والضيق ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم : أنهم ابتلوا واختبروا وزلزلوا زلزالا شديدا ، فحينئذ ظهر النفاق ، وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم .
وقوله: (هُنالكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ) يقول: عند ذلك اختبر إيمان المؤمنين، ومُحِّصَ القوم وعرف المؤمن من المنافق.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (هُنالكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ) قال: محصوا.
وقوله: (وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا) يقول: وحرّكوا بالفتنة تحريكا شديدا، وابتلوا وفتنوا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وزلزلوا:
1- بضم الزاى: وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسر الزاى، وهى قراءة أحمد بن موسى، واللؤلئى عن أبى عمرو.
زلزالا:
1- بكسر أوله، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة الجحدري، وعيسى.
التفسير :
وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة، لا يثبت إيمانه، وينظر بعقله القاصر، إلى الحالة القاصرةويصدق ظنه.
ومما زاد في بلاء المسلمين وحزنهم. ما ظهر من أقوال قبيحة من المنافقين. حكاها- سبحانه- في قوله: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً أى: واذكروا- أيضا- أيها المؤمنون- وقت أن كشف المنافقون وأشباههم عن نفوسهم الخبيثة وطباعهم الذميمة، وقلوبهم المريضة، فقالوا لكم وأنتم في أشد ساعات الحرج والضيق: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بالنصر والظفر إِلَّا غُرُوراً أى: إلا وعدا باطلا، لا يطابق الواقع الذي نعيش فيه.
وقال أحدهم: إن محمدا كان يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يستطيع أن يذهب إلى الغائط.
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ...
( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) أما المنافق ، فنجم نفاقه ، والذي في قلبه شبهة أو حسيكة ، ضعف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه; لضعف إيمانه ، وشدة ما هو فيه من ضيق الحال .
وقوله: ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) شكّ في الإيمان وضعف في اعتقادهم إياه: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، وذلك فيما ذكر قول معتب بن قشير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا) يقول: معتب بن قشير، إذ قال ما قال يوم الخندق.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال: تكلمهم بالنفاق يومئذ وتكلم المؤمنون بالحقّ والإيمان قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا ) قال: قال ذلك أُناس من المنافقين، قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: قال رجل يوم الأحزاب لرجل من صحابة النبيّ صلى الله عليه وسلم: يا فلان أرأيت إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُما في سَبِيلِ اللهِ" فأين هذا من هذا، وأحدنا لا يستطيع أن يخرج يبول من الخوف (ما وَعَدَنا اللهُ وَرَسُولُهُ إلا غُرُورا)؟ فقال له: كذبت، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرك، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره، فدعاه فقال: " ما قلت؟" فقال: كذب عليّ يا رسول الله، ما قلت شيئًا، ما خرج هذا من فمي قطّ، قال الله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ... حتى بلغ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ قال: فهذا قول الله: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، قال: ثني أبي، عن أبيه، قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام ذكرت الأحزاب، من أحمر الشيخين (11) طرف بني حارثة، حتى بلغ المذاد، ثم جعل أربعين ذراعا بين كلّ عشرة، فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال الأنصار: سلمان منا، وقال المهاجرون: سلمان منا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " سَلْمانُ منَّا أهْلَ البَيْت ". قال عمرو بن عوف: فكنت أنا وسلمان وحُذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن المزني، وستة من الأنصار، في أربعين ذراعا، فحفرنا تحت دوبار حتى بلغنا (12) الصرى، أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مروة (13) فكسرت حديدنا، وشقّت علينا، فقلنا: يا سلمان، ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحبّ أن نجاوز خطه. فرقي سلمان حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا خرجت صخرة بيضاء من بطن الخندق مروة، فكسرت حديدنا، وشقَّت علينا حتى ما يجيء منها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان في الخندق، ورقينا نحن التسعة على شفة الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان، فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها -يعني لابتي المدينة- حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية، فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون، ثم ضربها وسول الله صلى الله عليه وسلم الثالثة فكسرها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، ثم أخذ بيد سلمان فرقي، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئا ما رأيته قطّ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم، فقال: " هَلْ رأيْتُمْ ما يقُولُ سَلْمانُ؟" قَالُوا: نعم يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا، وقد رأيناك تضرب، فيخرج برق كالموج، فرأيناك تكبر فنكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، قال: " صَدَقْتُمْ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الأولى، فَبَرقَ الَّذِي رأيتم أضَاءَ لي مِنْهُ قُصُورُ الحِيرَة وَمَدَائِنُ كِسْرَى، كأنَّها أنْيابُ الكِلاب، فأخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ أُمَّتِي ظاهِرَةٌ عَلَيْها، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتي الثَّانيَةَ، فَبَرقَ الَّذِي رأيْتُمْ، أضَاءَ لي مِنْهُ قُصُورُ الحُمْر مِنْ أرْضِ الرُّومِ، كأنَّها أنْيابُ الكِلاب، وأخْبَرَنِي جَبْرائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ أُمَّتِي ظاهِرَةٌ عَلَيْها، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّالِثَةَ، وَبَرَقَ مِنْها الَّذِي رأيْتُمْ، أضَاءَتْ لِي مِنْها قُصُورُ صَنْعاءَ، كأنَّها أنْيابُ الكلاب، وأخْبَرَنِي جَبْرائِيلُ عَلَيْه السَّلامُ أنَّ أُمَّتِي ظاهِرَةٌ عَلَيْها، فأبْشِرُوا " يُبَلِّغُهُمُ النَّصْر، " وأبْشرُوا " يُبَلِّغُهُمُ النَّصْر، " وأبْشِرُوا " يُبَلِّغُهُمُ النَّصْر؛ فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعود صدق، بأن وعدنا النصر بعد الحصر، فطبقت الأحزاب، فقال المسلمون هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... الآية، وقال المنافقون: ألا تعجبون يحدّثكم ويمنيكم ويعدكم الباطل، يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون أن تبرزوا وأنـزل القرآن ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا ).
----------------------
الهوامش :
(11) في المواهب اللدنية بشرح الزرقاني (2 : 102) روى الطبراني بسند لا بأس به عن عمرو بن عوف المزني، أنه صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أخمر الشيخين ... وهما أطمان طرف بني حارثة، حتى بلغ المذاد ...
(12) هكذا جاءت هذه العبارة، ولعلها محرفة. و "ذوبار": لفظة فارسية، معناها: مرتين. وقوله: حتى بلغنا: لعلها: حتى إذا بلغنا.
(13) في بعض المراجع: مدورة. والصرى: الماء.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 49 | ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ﴾ |
---|
الأحزاب: 12 | ﴿وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} من المنافقين، بعد ما جزعوا وقلَّ صبرهم، وصاروا أيضًا من المخذولين، فلا صبروا بأنفسهم، ولا تركوا الناس من شرهم، فقالت هذه الطائفة:{ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} يريدون{ يا أهل المدينة} فنادوهم باسم الوطن المنبئ [عن التسمية]فيه إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية، ليس له في قلوبهم قدر، وأن الذي حملهم على ذلك، مجرد الخور الطبيعي.
{ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ} أي:في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة، وكانوا عسكروا دون الخندق، وخارج المدينة،{ فَارْجِعُوا} إلى المدينة، فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد، وتبين أنهم لا قوة لهم بقتال عدوهم، ويأمرونهم بترك القتال، فهذه الطائفة، شر الطوائف وأضرها، وطائفة أخرى دونهم، أصابهم الجبن والجزع، وأحبوا أن ينخزلوا عن الصفوف، فجعلوا يعتذرون بالأعذار الباطلة، وهم الذين قال اللّه فيهم:{ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي:عليها الخطر، ونخاف عليها أن يهجم عليها الأعداء، ونحن غُيَّبٌ عنها، فَأْذَنْ لنا نرجع إليها، فنحرسها، وهم كذبة في ذلك.
{ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ} أي:ما قصدهم{ إِلَّا فِرَارًا} ولكن جعلوا هذا الكلام، وسيلة وعذرًا. [لهم]فهؤلاء قل إيمانهم، وليس له ثبوت عند اشتداد المحن.
أى: واذكروا- كذلك- أيها المؤمنون- وقت أن قالت لكم طائفة من هؤلاء المنافقين:
يا أَهْلَ يَثْرِبَ أى: يا أهل المدينة، لا مقام لكم في هذا المكان الذي تقيمون فيه بجوار الخندق لحماية بيوتكم ومدينتكم، فارجعوا إلى مساكنكم، واستسلموا لأعدائكم.
قال الشوكانى: وذلك أن المسلمين خرجوا في غزوة الخندق، فجعلوا ظهورهم إلى جبل سلع، وجعلوا وجوههم إلى العدو، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم. فقال هؤلاء المنافقون:
ليس ها هنا موضع إقامة وأمروا الناس بالرجوع إلى منازلهم بالمدينة .
ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المنافقين لم يكتفوا بهذا القول الذميم، بل كانوا يهربون من الوقوف إلى جانب المؤمنين، فقال- تعالى-: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ، يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً.
أى: أنهم كانوا يحرضون غيرهم على ترك مكانه في الجهاد، ولا يكتفون بذلك، بل كان كل فريق منهم يذهب إلى النبي- صلى الله عليهم- فيستأذنه في الرجوع إلى بيوتهم، قائلين له: يا رسول الله: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ أى: خالية ممن يحرسها. يقال: دار ذات عورة إذا سهل دخولها لقلة حصانتها.
وهنا يكشف القرآن عن حقيقتهم ويكذبهم في دعواهم فيقول وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ أى:
والحال أن بيوتهم ليست كما يزعمون، وإنما الحق أنهم يريدون الفرار من ميدان القتال، لضعف إيمانهم، وجبن نفوسهم.
روى أن بنى حارثة بعثوا أحدهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليقول له: إن بيوتنا عورة، وليست دار من دور الأنصار مثل دورنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا، فأذن لنا كي نرجع إلى دورنا، فمنع ذرارينا ونساءنا. فأذن لهم صلّى الله عليه وسلم.
فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال: يا رسول الله، لا تأذن لهم، إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا فعلوا ذلك.. فردهم.
وقوم آخرون قالوا كما قال الله : ( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ) يعني : المدينة ، كما جاء في الصحيح : " أريت [ في المنام ] دار هجرتكم ، أرض بين حرتين فذهب وهلي أنها هجر ، فإذا هي يثرب " ، وفي لفظ : " المدينة " .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن مهدي ، حدثنا صالح بن عمر ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سمى المدينة يثرب ، فليستغفر الله ، هي طابة ، هي طابة " .
تفرد به الإمام أحمد ، وفي إسناده ضعف ، والله أعلم .
ويقال : إنما كان أصل تسميتها " يثرب " برجل نزلها من العماليق ، يقال له : يثرب بن عبيل بن مهلابيل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح . قاله السهيلي ، قال : وروي عن بعضهم أنه قال : إن لها [ في التوراة ] أحد عشر اسما : المدينة ، وطابة ، وطيبة ، المسكينة ، والجابرة ، والمحبة ، والمحبوبة ، والقاصمة ، والمجبورة ، والعذراء ، والمرحومة .
وعن كعب الأحبار قال : إنا نجد في التوراة يقول الله للمدينة : يا طيبة ، ويا طابة ، ويا مسكينة [ لا تقلي الكنوز ، أرفع أحاجرك على أحاجر القرى ] .
وقوله : ( لا مقام لكم ) أي : هاهنا ، يعنون عند النبي صلى الله عليه وسلم في مقام المرابطة ، ( فارجعوا ) أي : إلى بيوتكم ومنازلكم . ( ويستأذن فريق منهم النبي ) : قال العوفي ، عن ابن عباس : هم بنو حارثة قالوا : بيوتنا نخاف عليها السرق . وكذا قال غير واحد .
وذكر ابن إسحاق : أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي ، يعني : اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة ، أي : ليس دونها ما يحجبها عن العدو ، فهم يخشون عليها منهم . قال الله تعالى : ( وما هي بعورة ) أي : ليست كما يزعمون ، ( إن يريدون إلا فرارا ) أي : هربا من الزحف .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا (13)
يعني تعالى ذكره بقوله: ( وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ ) وإذ قال بعضهم: يا أهل يثرب، ويثرب: اسم أرض، فيقال: إن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية من يثرب. وقوله: (لا مُقامَ لَكُمْ فارْجِعُوا) بفتح الميم من مقام. يقول: لا مكان لكم، تقومون فيه، كما قال الشاعر:
فــأيِّي مــا وأَيُّــكَ كـانَ شَـرّا
فَقيــدَ إلــى المَقامَــةِ لا يَرَاهــا (14)
قوله: (فارْجِعُوا) يقول: فارجعوا إلى منازلكم، أمرهم بالهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والفرار منه، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن ذلك من قيل أوس بن قيظي ومن وافقه على رأيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان (وَإذْ قَالتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أهل يَثْرِب ...) إلى (فِرَارًا) يقول: أوس بن قيظي ومن كان على ذلك من رأيه من قومه، والقراءة على فتح الميم من قوله: (لا مَقَامَ لَكُمْ) بمعنى: لا موضع قيام لكم، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها، لإجماع الحجة من القرّاء عليها. وذُكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ ذلك (لا مُقامَ لَكُمْ) بضم الميم؛ يعني: لا إقامة لكم.
وقوله: ( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ) يقول تعالى ذكره: ويستأذن بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإذن بالانصراف عنه إلى منـزله، ولكنه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَيَسْتأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيُّ ...) إلى قوله: (إلا فِرَارًا) قال: هم بنو حارثة، قالوا: بيوتنا مخلية نخشى عليها السرق.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) قال: نخشى عليها السرق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ) وإنها مما يلي العدوّ، وإنا نخاف عليها السرّاق، فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلا يجد بها عدوّا، قال الله: (إنْ يُرِيدُونَ إلا فِرَارًا) يقول: إنما كان قولهم ذلك (إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) إنما كان يريدون بذلك الفرار.
حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا عبيد الله بن حمران، قال: ثنا عبد السلام بن شدّاد أبو طالوت عن أبيه في هذه الآية (إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِي بِعَوْرَةٍ) قال: ضائعة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
مقام:
1- بضم الميم، وهى قراءة السلمى، والأعرج، واليماني، وحفص.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة أبى جعفر، وشيبة، وأبى رجاء، والحسن، وقتادة، والنخعي، وعبد الله ابن مسلم، وطلحة، وباقى السبعة.
التفسير :
{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} المدينة{ مِنْ أَقْطَارِهَا} أي:لو دخل الكفار إليها من نواحيها، واستولوا عليها -لا كان ذلك-{ ثُمَّ} سئل هؤلاء{ الْفِتْنَة} أي:الانقلاب عن دينهم، والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين{ لَآتَوْهَا} أي:لأعطوها مبادرين.
{ وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} أي:ليس لهم منعة ولا تَصلُّبٌ على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم.
ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المنافقين جمعوا لأنفسهم كل نقيض، فهم يسرعون إلى ما يؤذى المؤمنين، ويبطئون عما ينفعهم، فقال- تعالى-: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها، وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً.
والضمير في قوله- تعالى- دُخِلَتْ للبيوت أو للمدينة. وفاعل الدخول من يدخل هذه البيوت أو المدينة من أهل الكفر والفساد. وأسند- سبحانه- الدخول إلى بيوتهم، للإشعار بأن الأعداء يدخلونها وهم قابعون فيها.
والأقطار: جمع قطر بمعنى الناحية والجانب والجهة.
والمراد بالفتنة هنا، الردة عن الإسلام أو قتال المسلمين.
وقوله لَآتَوْها قرأه الجمهور بالمد بمعنى لأعطوها. وقرأه نافع وابن كثير لأتوها بالقصر، بمعنى لجاءوها وفعلوها والتلبث: الإبطاء والتأخر.
والمعنى إن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أن بيوتهم عورة، هم كاذبون في زعمهم، وهم أصحاب نيات خبيثة، ونفوس عارية عن كل خير.
والدليل على ذلك، أن بيوتهم هذه التي يزعمون أنها عورة، لو اقتحمها عليهم مقتحم من المشركين وهم قابعون فيها، ثم طلب منهم أن ينضم إليهم في مقاتلة المسلمين، لسارعوا إلى تلبية طلبه، ولكانوا مطيعين له كل الطاعة، وما تأخروا عن تلبية طلبه إلا لمدة قليلة، يعدون العدة خلالها لقتالكم- أيها المسلمون-، وللانسلاخ عن كل رابطة تربطكم بهم. لأن عقيدتهم واهنة، ونفوسهم مريضة خائرة.
قال صاحب الكشاف: قوله: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ أى: المدينة. وقيل: بيوتهم. من قولك: دخلت على فلان داره مِنْ أَقْطارِها أى. من جوانبها. يريد: ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة- التي يفرون منها- مدينتهم من نواحيها كلها وانثالت على أهاليهم وأولادهم ناهبين سابين، ثم سئلوا عند ذلك الفزع وتلك الرجفة، الْفِتْنَةَ أى: الردة والرجعة إلى الكفر، ومقاتلة المسلمين، لأتوها، أى: لجاءوها ولفعلوها. وقرئ. لآتوها، أى لأعطوها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف. أو ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا، فإن الله يهلكهم .
يخبر تعالى عن هؤلاء الذين ( يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ) : أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة ، وقطر من أقطارها ، ثم سئلوا الفتنة ، وهي الدخول في الكفر ، لكفروا سريعا ، وهم لا يحافظون على الإيمان ، ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع .
هكذا فسرها قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد ، وابن جرير ، وهذا ذم لهم في غاية الذم .
وقوله: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِها) يقول: ولو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين (إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) من أقطارها، يعني: من جوانبها ونواحيها، واحدها: قطر، وفيها لغة أخرى: قُتر، وأقتار، ومنه قول الراجز:
إنْ شِـــئْتَ أنْ تــدهن أو تمــرا
فَــــوَلِّهِنَّ قُـــتْرَكَ الأشَـــرَّا (15)
وقوله: (ثُمَّ سُئِلوا الفِتْنَةَ) يقول: ثم سئلوا الرجوع من الإيمان إلى الشرك (لآتَوْها) يقول: لفعلوا ورجعوا عن الإسلام وأشركوا. وقوله: (وَما تَلَبَّثُوا بها إلا يَسِيرًا) يقول: وما احتبسوا عن إجابتهم إلى الشرك إلا يسيرا قليلا ولأسرعوا إلى ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) أي: لو دخل عليهم من نواحي المدينة (ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ) : أي: الشرك (لآتَوْها) يقول: لأعطوها.(وَما تَلَبَّثُوا بِها إلا يَسِيرًا) يقول: إلا أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) يقول: لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها(ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتوْهَا) سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال: وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش، والذين يريدون قتالهم، ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال: والفتنة: الكفر، وهي التي يقول الله: (الفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ) أي: الكفر. يقول: يحملهم الخوف منهم، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفاق على أن يكفروا به.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لآتَوْها) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض قرّاء مكة: (لأتَوْها) بقصر الألف، بمعنى جاءوها. وقرأه بعض المكيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة: (لآتَوْها) بمدّ الألف، بمعنى: لأعطوها، لقوله: (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ). وقالوا: إذا كان سؤال كان إعطاء. والمدّ أعجب القراءتين إليّ لما ذكرت، وإن كانت الأخرى جائزة.
--------------------
الهوامش :
(14) البيت لعباس بن مرداس، وقد سبق الاستشهاد به في (20 : 66) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 193 - ب): عند تفسير قوله تعالى: (لا مقام لكم): مفتوحة الأولى. ومجازها: لا مكان لكم تقومون فيه. ومنه قوله: "فإني ما وأيك كان شرا ... " البيت.
(15) البيتان من مشطور الرجز. ولم أقف على قائلهما. والشاهد فيهما في قوله: "قترك" بضم فسكون بمعنى القطر، وهو الجانب والناحية. قال أبو عبيدة: "من أقطارها" أي من جوانبها ونواحيها. وواحدها قطر، وفي "اللسان: قتر" القتر: بضم فسكون، والفتر: بضمتين: الناحية والجانب لغة: في القطر، وهي: الأقتار. ا هـ. وفي (اللسان: قطر)، وفي التنزيل العزيز: (من أقطار السماوات والأرض): أقطارها: نواحيها: واحدها قطر، وكذلك أقتراها، واحدها قتر. ا هـ.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
سئلوا:
1- بالهمز، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سولوا، بواو ساكنة بعد السنين المضمومة، وهى قراءة الحسن.
3- سيلوا، بكسر السين من غير همز، وهى قراءة عبد الوارث عن أبى عمرو، والأعمش.
4- سويلو، بواو بعد السين المضمومة وياء مكسورة بدلا من الهمزة، وهى قراءة مجاهد.
التفسير :
والحال أنهم قد{ عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} سيسألهم عن ذلك العهد، فيجدهم قد نقضوه، فما ظنهم إذًا، بربهم؟
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك، أن من الصفات اللازمة للمنافقين، نقضهم لعهودهم فقال- تعالى-: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا.
أى: ولقد كان هؤلاء المنافقون قد حلفوا من قبل غزوة الأحزاب، أنهم سيكونون معكم في الدفاع عن الحق وعن المدينة المنورة التي يساكنونكم فيها، ولكنهم لم يفوا بعهودهم.
وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا أى: مسئولا عنه صاحبه الذي عاهد الله- تعالى- على الوفاء، وسيجازى- سبحانه- كل ناقض لعهده، بما يستحقه من عقاب.
ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن هؤلاء المنافقين، فوبختهم على سوء فهمهم، وعلى جبنهم وخورهم، وعلى سلاطة ألسنتهم.. فقال- تعالى-:
ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف ، ألا يولوا الأدبار ولا يفروا من الزحف ، ( وكان عهد الله مسئولا ) أي : وإن الله تعالى سيسألهم عن ذلك العهد ، لا بد من ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا (15)
يقول تعالى ذكره: ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه &; 20-228 &; وسلم في الانصراف عنه، ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ، عاهدوا الله من قبل ذلك، ألا يولوا عدوّهم الأدبار، إن لقولهم في مشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، فما أوفوا بعهدهم (وكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا) يقول: فيسأل الله ذلك من أعطاه إياه من نفسه.
وذُكر أن ذلك نـزل في بني حارثة لما كان من فعلهم في الخندق بعد الذي كان منهم بأحد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا ). وهم بنو حارثة، وهم الذين همّوا أن يفشلوا يوم أُحد مع بني سلمة حين همّا بالفشل يوم أُحد، ثم عاهدوا الله لا يعودون لمثلها، فذكر الله لهم الذي أعطوه من أنفسهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا ) قال: كان ناس غابوا عن وقعة بدر، ورأوا ما أعطى الله أصحاب بدر من الكرامة والفضيلة، فقالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلنّ، فساق الله ذلك إليهم حتى كان في ناحية المدينة.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء