928788899091

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (88) الى الآية رقم (89) عدد الآيات (2)

اختلافُ الصحابةِ إلى فئتينِ في المنافقينَ الذينَ أظهرُوا إسلامَهم ولم يهاجروا، هل نقاتِلهُم (في غزوةِ أُحدٍ) أم لا؟ فجاءَتْ الآياتُ بكفرِهم، ثُمَّ شرحَتْ كيفيَّةَ التعاملِ معَهم.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (90) الى الآية رقم (91) عدد الآيات (2)

لَمَّا أمرَ بِقَتْلِ هؤلاءِ المنافقينَ استثنَى هنا مَن لَجَأ منهم إلى قومٍ بيننا وبينهم عَهْدٌ ومِيثاقٌ بترْكِ القتالِ، وأخبرَ عن صِنفٍ آخَرَ منهم يُظْهِرونَ الإسلامَ لِيَأْمَنوا على دِمَائِهم وأموالِهِم وبَيَّنَ حكمَهم.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 92

92

مدارسة الآية : [87] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ..

التفسير :

[87] الله وحده المتفرد بالألوهية لجميع الخلق، ليجمعنكم يوم القيامة، الذي لا شك فيه؛ للحساب والجزاء. ولا أحد أصدق من الله حديثاً فيما أخبر به.

يخبر تعالى عن انفراده بالوحدانية وأنه لا معبود ولا مألوه إلا هو، لكماله في ذاته وأوصافه ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير، والنعم الظاهرة والباطنة. وذلك يستلزم الأمر بعبادته والتقرب إليه بجميع أنواع العبودية. لكونه المستحق لذلك وحده والمجازي للعباد بما قاموا به من عبوديته أو تركوه منها، ولذلك أقسم على وقوع محل الجزاء وهو يوم القيامة، فقال:{ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} أي:أولكم وآخِركم في مقام واحد. في{ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} أي:لا شك ولا شبهة بوجه من الوجوه، بالدليل العقلي والدليل السمعي، فالدليل العقلي ما نشاهده من إحياء الأرض بعد موتها، ومن وجود النشأة الأولى التي وقوع الثانية أَوْلى منها بالإمكان، ومن الحكمة التي تجزم بأن الله لم يخلق خلقه عبثًا، يحيون ثم يموتون. وأما الدليل السمعي فهو إخبار أصدق الصادقين بذلك، بل إقسامه عليه ولهذا قال:{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} كذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم عليه في غير موضع من القرآن، كقوله تعالى:{ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} وفي قوله:{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} إخبار بأن حديثه وأخباره وأقواله في أعلى مراتب الصدق، بل أعلاها. فكل ما قيل في العقائد [والعلوم] والأعمال مما يناقض ما أخبر الله به، فهو باطل لمناقضته للخبر الصادق اليقين، فلا يمكن أن يكون حقًّا.

ثم بين- سبحانه- أن مصير العباد جميعا إليه يوم القيامة فقال- تعالى- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ.

أى: الله الواحد الأحد الفرد الصمد والذي لا معبود بحق سواه، كتب على نفسه أنه ليبعثنكم من قبوركم وليحشرنكم إلى الحساب في يوم القيامة الذي لا شك في حصوله ووقوعه.

فالجملة الكريمة قررت أن العبادة الحق إنما هي لله رب العالمين، كما قررت أن يوم الحساب آت لا شك فيه مهما أنكره الملحدون، ومارى فيه الممارون.

ولفظ الجلالة مبتدأ، وجملة «لا إله إلا هو» خبر. وقوله لَيَجْمَعَنَّكُمْ جواب قسم محذوف. أى والله ليحشرنكم من قبوركم للحساب يوم القيامة. والجملة القسمية إما مستأنفة لا محل لها من الإعراب، أو هي خبر ثان للمبتدأ أو هي الخبر وجملة لا إله إلا هو معترضة.

وقوله لا رَيْبَ فِيهِ في محل نصب على الحال من يوم إذ الضمير في قوله (فيه) يعود إلى اليوم. ويجوز أن يكون في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف دل عليه ليجمعنكم أى:

ليجمعنكم جمعا لا ريب فيه.

والاستفهام في قوله- تعالى- وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً للإنكار والنفي أى: لا يوجد في هذا الوجود من هو أصدق من الله- تعالى في حديثه وخبره ووعده ووعيده، وذلك لأن الكذب قبيح، والله- تعالى- منزه عن كل قبيح. ولأن الكاذب إنما يكذب لجر منفعة، أو لدفع مضرة، أو لجهله بقبح الكذب.. والله- تعالى- غنى عن كل شيء، وقدير على كل شيء وخالق لكل شيء، ومن كان كذلك لا يصدر عنه كذب وإنما يصدر عنه كل حق وصدق وعدل.

ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن أحوال المنافقين، وبينت حكم الله- تعالى- فيهم، ورسمت للمؤمنين طريق معاملتهم لغيرهم فقال تعالى:

وقوله : ( الله لا إله إلا هو ) إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات ، وتضمن قسما ، لقوله : ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) وهذه اللام موطئة للقسم ، فقوله : ( الله لا إله إلا هو ) خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد فيجازي كل عامل بعمله .

وقوله تعالى : ( ومن أصدق من الله حديثا ) أي : لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ، ووعده ووعيده ، فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

القول في تأويل قوله : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " الله لا إله إلا هو ليجمعنكم "، المعبود الذي لا تنبغي العبودية إلا له، (1) هو الذي له عبادة كل شيء وطاعة كل طائع. (2)

* * *

وقوله: " ليجمعنكم إلى يوم القيامة "، يقول: ليبعثنَّكم من بعد مماتكم، وليحشرنكم جميعًا إلى موقف الحساب الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم، ويقضي فيه بين أهل طاعته ومعصيته، وأهل الإيمان به والكفر (3) =" لا ريب فيه "، (4) يقول: لا شك في حقيقة ما أقول لكم من ذلك وأخبركم من خبري: أنّي جامعكم إلى يوم القيامة بعد مماتكم (5) =" ومن أصدق من الله حديثًا "، يعني بذلك: فاعلموا حقيقة ما أخبركم من الخبر، فإني جامعكم إلى يوم القيامة للجزاء والعرض والحساب والثواب والعقاب يقينًا، فلا تشكوا في صحته ولا تمتروا في حقيقته، (6) فإن قولي الصدق الذي لا كذب فيه، ووعدي الصدق الذي لا خُلْف له-" ومن أصدق من الله حديثًا "، يقول: وأي ناطق أصدق من الله حديثًا؟ وذلك أن الكاذب إنما يكذب ليجتلب بكذبه إلى نفسه نفعًا، أو يدفع به عنها ضرًّا. والله تعالى ذكره خالق الضر والنفع، فغير جائز أن يكون منه كذب، لأنه لا يدعوه إلى اجتلاب نفع إلى نفسه أو دفع ضر عنها [داعٍ. وما من أحدٍ لا يدعوه داعٍ إلى اجتلاب نفع إلى نفسه، أو دفع ضر عنها]، سواه تعالى ذكره، (7) فيجوز أن يكون له في استحالة الكذب منه نظيرًا، [فقال]: " ومن أصدق من الله حديثًا "، وخبرًا.

----------------

الهوامش :

(1) انظر ما كتب عن"العبودة" فيما سلف 6: 271 ، تعليق: 1 404 ، تعليق 2 / 549 ، تعليق: 2 / 565 ، تعليق: 2.

(2) انظر تفسير"لا إله إلا هو" فيما سلف 6: 149.

(3) انظر تفسير"القيامة" فيما سلف 2: 518.

(4) انظر تفسير"لا ريب فيه" 1: 228 ، 378 / 6: 221 ، 294 ، 295.

(5) في المطبوعة: "أي جامعكم" ، أساء قراءة المخطوطة.

(6) في المطبوعة: "في حقيته" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(7) زدت ما بين القوسين على ما جاء في المطبوعة ، لأنه حق الكلام. فإن أبا جعفر قدم الحجة الأولى في الجملة السابقة ، للبيان عن استحالة الكذب على الله سبحانه وتعالى. ثم أتبع ذلك بالبيان عن معنى استعمال التفضيل في قوله تعالى: "ومن أصدق من الله حديثًا" ، وبين أنه ليس لله سبحانه وتعالى نظير في ذلك.

وكان في المطبوعة ، كما أثبته ، خلا ما بين القوسين وهو كلام غير مستقيم. أما المخطوطة ، فقد كان فيها ما نصه: "لأنه لا يدعوه إلى اجتلاب نفع ولا دفع ضر عن نفسه أو دفع ضر عنها؛ سواه تعالى ذكره ، فيجوز أن يكون..." وهو كلام مختلط دال على إسقاط الناسخ من كلام أبي جعفر. فاجتهدت في وضع هذه الزيادة التي أثبتها ، ليستقيم الكلام على وجه يصح. وزدت أيضًا"فقال" بين قوسين ، لحاجة الكلام إليها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

تفاعل
[87] لا شك أنك ستقف يومًا أمام الله سبحانه وتعالى، فماذا أعددت لذلك؟
وقفة
[87] ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ أي: لا تنبغي العبادة والإنابة والذل والحب إلا له؛ لأنه المألوه لما له من الصفات الكاملة والنعم الموجبة لذلك.
وقفة
[87] ﴿اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا﴾ لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره، ووعده ووعيده، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه ﷻ.
تفاعل
[87] ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ قل: «اللهم اجعل خير أعمالي آخرها، وخير أيامي يوم ألقاك».
وقفة
[87] ﴿يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ كيف نفى الله الريبة في يوم القيامة بالكلية مع أن البعض لا يزال مرتابًا فيه؟ والجواب: المقصود ألا ریب حقيقيًّا فيه، أو أن ارتياب المرتابين لوهنه وضعف منطقه هو بمنزلة العدم.
وقفة
[87] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا﴾ الكاذب إنما يكذب ليجتلب بكذبه إلى نفسه نفعًا، أو يدفع به عنها ضرًّا، والله خالق الضر والنفع، فغير جائز أن يكون منه كذب.
وقفة
[87] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا﴾ لا أحد أصدق من الله، لأن الكاذب إنما يكذب لجر منفعة، أو دفع مضرة، أو لجهله بقبح الكذب، والله تعالى منزه عن كل هذا.
وقفة
[87] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا﴾ إخبار بأن حديثه وأخباره وأقواله في أعلى مراتب الصدق، بل أعلاها؛ فكل ما قيل في العقائد والعلوم والأعمال مما يناقض ما أخبر الله به فهو باطل؛ لمناقضته للخبر الصادق اليقيني، فلا يمكن أن يكون حقًّا.
تفاعل
[87] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[87] من صور البلاغة القرآنية: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا﴾ ، فهذا أبلغ مما لو قيل: (لا أحد أصدق من الله حديثًا)؛ لأن الاستفهام يعني التحدي.

الإعراب :

  • ﴿ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ:
  • لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: أداة نافية للجنس تعمل عمل «إن». إله: اسمها مبني على الفتح في محل نصب وخبرها محذوف وجوبا تقديره كائن أو موجود. إلّا: أداة استثناء. هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع بدل من موضع لا إله لأن موضع لا وما عملت فيه رفع بالابتداء والجملة الاسمية «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» في محل رفع خبر المبتدأ «لفظ الجلالة».
  • ﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ:
  • اللام: واقعة في جواب قسم محذوف لأن المعنى: والله ليجمعنكم. و «يجمعنكم» فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور وجملة «لَيَجْمَعَنَّكُمْ» جواب قسم مقدر لا محل لها. وهناك وجه آخر للاعراب وهو أن تكون الجملة الفعلية «لَيَجْمَعَنَّكُمْ» في محل رفع خبرا للمبتدأ «لفظ الجلالة» وجملة «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» اعتراضية لا محل لها.
  • ﴿ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بيجمعنكم القيامة: مضاف اليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة.
  • ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ:
  • الجملة في محل نصب حال من يوم القيامة. لا: نافية للجنس تعمل عمل «إن». ريب: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. فيه: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر «لا» وتقديره: كائن أو موجود.
  • ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أصدق: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بأصدق أو بحديثا: حديثا: '

المتشابهات :

النساء: 87﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا
النساء: 122﴿وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ قِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [87] لما قبلها :     وبعد أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم أمرِهم بالجهاد؛ ذَكَّرَهم اللهُ عز وجل هنا بيوم القيامة، وأنهم مجزيُّون على كل هذا، قال تعالى:
﴿ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا

القراءات :

صدق:
قرئ:
بإشمام الصاد زايا، وهى قراءة حمزة، والكسائي، وكذا فيما كان مثله من صاد ساكنة بعدها دال.

مدارسة الآية : [88] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ ..

التفسير :

[88] فما لكم -أيها المؤمنون- في شأن المنافقين إذ اختلفتم فرقتين:فرقة تقول بقتالهم وأخرى لا تقول بذلك؟ والله تعالى قد أوقعهم في الكفر والضلال بسبب سوء أعمالهم. أتودون هداية مَن صرف الله تعالى قلبه عن دينه؟ ومن خذله الله عن دينه، واتباعِ ما أمره به، فلا طر

المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الآيات:المنافقون المظهرون إسلامهم، ولم يهاجروا مع كفرهم، وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه، فبعضهم تحرج عن قتالهم، وقطع موالاتهم بسبب ما أظهروه من الإيمان، وبعضهم علم أحوالهم بقرائن أفعالهم فحكم بكفرهم.

أورد المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ روايات أهمها روايتان:

أولهما: أن هذه الآية نزلت في شأن المنافقين الذين تخلفوا عن الاشتراك مع المؤمنين في غزوة أحد. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد ومعه المسلمون. وفي الطريق رجع عبد الله بن أبى بن سلول بثلث الناس وقالوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ فاختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شأن هؤلاء المنافقين. فقال بعضهم: نقتلهم فقد كفروا.

وقال آخرون: لم يكفروا. فأنزل الله- تعالى- الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنها طيبة وإنها تنفى الخبث كما ينفى الكير خبث الحديد) :

أما الرواية الثانية: فيؤخذ منها أنها نزلت في قوم كانوا يظهرون الإسلام بمكة إلا أنهم كانوا يظاهرون المشركين. فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس أن قوما كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم. فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس. وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى هؤلاء الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله: - أو كما قالوا- أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به؟ أمن أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين والرسول صلى الله عليه وسلم عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شيء، فنزلت: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ.

وهناك روايات أخرى قريبة من هذه الرواية في معناها قد ذكرها المفسرون .

ويبدو لنا أن الرواية الثانية هي الأقرب إلى سياق الآيات وإلى الواقع التاريخى، لأنه من الثابت تاريخيا أن منافقي المدينة لم يرد أمر بقتالهم، وإنما استعمل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم وسائل أخرى أدت إلى نبذهم وهوان أمرهم، ولأن قوله- تعالى- بعد ذلك فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا يؤيد أنه ليس المقصود بالمنافقين هنا منافقي المدينة، وإنما المقصود بهم جماعة أخرى من المنافقين كانوا خارج المدينة، إذ لا هجرة من المدينة إلى غيرها وإنما الهجرة تكون من غيرها إليها، لأنها دار الإسلام، ولم يكن فتح مكة قد تم عند نزول هذه الآية.

وقد رجح الإمام ابن جرير سبب النزول الذي حكته الرواية الثانية فقال ما ملخصه: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله في قوم كانوا قد ارتدوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن قوله- تعالى- بعد ذلك فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا أوضح دليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة، لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر. فأما من كان من المدينة في دار الهجرة مقيما من المنافقين وأهل الشرك فلم يكن عليه فرض هجرة.

والفاء في قوله فَما لَكُمْ للتفريع على ما تقدم من أخبار المنافقين وأحوالهم أو هي للإفصاح و «ما» مبتدأ و «لكم» خبره.

قال الجمل: وقوله «في المنافقين» فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه متعلق بما تعلق به الخبر وهو «لكم» أى: أى شيء كائن لكم أو مستقر لكم في أمر المنافقين.

والثاني: أنه متعلق بمعنى فئتين، فإنه لي قوة: ما لكم تفترقون في أمر المنافقين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

والثالث: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من فئتين، لأنه في الأصل صفة لها تقديره:

فئتين مفترقتين في المنافقين وصفة النكرة إذا تقدمت عليها انتصبت حالا. وقوله «فئتين» حال من ضمير «لكم» المجرور والعامل فيه الاستقرار أو الظرف لنيابته عنه ... .

والاستفهام لإنكار خلافهم في شأن المنافقين ولوم المؤمنين الذين أحسنوا الظن بالمنافقين مع أن أحوال هؤلاء المنافقين تدعو إلى سوء الظن بهم.

والمعنى: لقد سقت لكم- أيها المؤمنون- من أحوال المنافقين ما يكشف عن خبثهم ومكرهم، وبينت لكم من صفاتهم ما يدعو إلى الحذر منهم وسوء الظن بهم، وإذا كان هذا هو حالهم فما الذي سوغ لكم أن تختلفوا في شأنهم إلى فئتين؟ فئة تحسن الظن بهم وتدافع عنهم، وفئة أخرى صادقة الفراسة، سليمة الحكم لأنها عند ما رأت الشر قد استحوذ على المنافقين أعرضت عنهم، واحتقرتهم، وأخذت حذرها منهم، وحكمت عليهم بالحكم الذي رضيه الله- تعالى.

والآن- أيها المؤمنون- بعد أن ظهر الحق، وانكشف حال أولئك المنافقين، عليكم أن تتركوا الخلاف في شأنهم، وأن تتفقوا جميعا على أنهم قوم بعيدون عن الحق والإيمان.

ومنغمسون في الضلال والبطلان.

وقوله وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا حال من المنافقين مفيد لتأكيد الإنكار السابق أى: لم تختلفون- أيها المؤمنون- في شأن المنافقين هذا الاختلاف والحال أن الله- تعالى- قد ردهم إلى الكفر بعد الإيمان بسبب أقوالهم الأثيمة، وأعمالهم القبيحة.

وقوله أَرْكَسَهُمْ من الركس وهو رد أول الشيء على آخره. يقال: ركس الشيء يركسه ركسا إذا قلبه على رأسه. والركس والنكس بمعنى واحد.

والاستفهام في قوله أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ للإنكار على من أحسن الظن بأولئك المنافقين.

أى: أتريدون أيها المؤمنون الذين أحسنتم الظن بهؤلاء المنافقين أن تعدوهم من جملة المهتدين، مع أن الله- تعالى- قد خلق فيهم الضلال، لأنهم قد استحبوا العمى على الهدى، وآثروا الغي على الرشد.

وقوله وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أى: ومن يكتب الله عليه الضلالة، فلن تجد أحدا يهديه ويرشده، لأن قضاء الله لا يتبدل، وقدره لا يتخلف.

يقول تعالى منكرا على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين ، واختلف في سبب ذلك ، فقال الإمام أحمد :

حدثنا بهز ، حدثنا شعبة ، قال عدي بن ثابت : أخبرني عبد الله بن يزيد ، عن زيد بن ثابت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد ، فرجع ناس خرجوا معه ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين : فرقة تقول : نقتلهم . وفرقة تقول : لا فأنزل الله : ( فما لكم في المنافقين فئتين ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها طيبة ، وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة " .

أخرجاه في الصحيحين ، من حديث شعبة .

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبد الله بن أبي بن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش ، رجع بثلاثمائة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : نزلت في قوم كانوا بمكة ، قد تكلموا بالإسلام ، كانوا يظاهرون المشركين ، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم ، فقالوا : إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس ، وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة ، قالت فئة من المؤمنين : اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم ، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم . وقالت فئة أخرى من المؤمنين : سبحان الله ! أو كما قالوا : أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به ؟ أمن أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم . فكانوا كذلك فئتين ، والرسول عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شيء فأنزل الله : ( فما لكم في المنافقين فئتين )

رواه ابن أبي حاتم ، وقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا .

وقال زيد بن أسلم ، عن ابن لسعد بن معاذ : أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي ، حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك .

وهذا غريب ، وقيل غير ذلك .

وقوله : ( والله أركسهم بما كسبوا ) أي : ردهم وأوقعهم في الخطأ .

قال ابن عباس : ( أركسهم ) أي : أوقعهم . وقال قتادة : أهلكهم . وقال السدي : أضلهم .

وقوله : ( بما كسبوا ) أي : بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل .

( أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) أي : لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه .

القول في تأويل قوله : فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : " فما لكم في المنافقين فئتين "، فما شأنكم، أيها المؤمنون، في أهل النفاق فئتين مختلفتين (8) =" والله أركسَهم بما كسبوا "، يعني بذلك: والله رَدّهم إلى أحكام أهل الشرك، في إباحة دمائهم وسَبْي ذراريهم.

* * *

و " الإركاس "، الردُّ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:

فَأُرْكِسُـوا فِـي حَـمِيمِ النَّـارِ, إِنَّهُـمُ

كَـانُوا عُصَـاةً وَقَـالُوا الإفْكَ وَالزُّورَا (9)

يقال منه: " أرْكَسهم " و " رَكَسَهم ".

* * *

وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله وأبي: ( وَاللَّهُ رَكَسَهُمْ )، بغير " ألف ". (10)

* * *

واختلف أهل التأويل في الذين نـزلت فيهم هذه الآية.

فقال بعضهم :نـزلت في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وانصرفوا إلى المدينة، وقالوا لرسول الله عليه السلام ولأصحابه: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ [سورة آل عمران: 167].

*ذكر من قال ذلك:

10049- حدثني الفضل بن زياد الواسطي قال: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدّث، عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد، رجعت طائفة ممن كان معه، فكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، فرقة تقول: " نقتلهم "، وفرقة تقول: " لا ". فنـزلت هذه الآية: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا " الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة: إنها طَيْبَة، وإنها تَنْفي خَبَثها كما تنفي النار خبثَ الفِضَّة. (11)

10050- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه. (12)

10051- حدثني زريق بن السخت قال، حدثنا شبابة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت قال: ذكروا المنافقين عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال فريق: " نقتلهم "، وقال فريق: " لا نقتلهم ". فأنـزل الله تبارك وتعالى: " فما لكم في المنافقين فئتين " إلى آخر الآية (13)

وقال آخرون: بل نـزلت في اختلاف كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا قدموا المدينة من مكة، فأظهروا للمسلمين أنهم مسلمون، ثم رجعوا إلى مكة وأظهروا لهم الشرك.

*ذكر من قال ذلك:

10052- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فما لكم في المنافقين فئتين "، قال: قوم خرجوا من مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتّجرون فيها. فاختلف فيهم المؤمنون، فقائل يقول: " هم منافقون "، وقائل يقول: " هم مؤمنون ". فبين الله نفاقهم فأمر بقتالهم، فجاؤوا ببضائعهم يريدون المدينة، فلقيهم علي بن عويمر، أو: هلال بن عويمر الأسلمي، (14) وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف= وهو الذي حَصِر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يُقاتل قومه، فدفع عنهم= بأنهم يَؤُمُّون هلالا (15) وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد.

10053- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله بنحوه= غير أنه قال: فبيّن الله نفاقهم، وأمر بقتالهم، فلم يقاتلوا يومئذ، فجاؤوا ببضائعهم يريدون هلالَ بن عويمر الأسلمي، وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حِلْف. (16)

* * *

وقال آخرون: بل كان اختلافهم في قوم من أهل الشرك كانوا أظهروا الإسلام بمكة، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين.

*ذكر من قال ذلك:

10054- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " فما لكم في المنافقين فئتين "، وذلك أن قوما كانوا بمكة قد تكلّموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحابَ محمد " عليه السلام "، فليس علينا منهم بأس! وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من &; 9-11 &; المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم! وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله = أو كما قالوا =، أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلَّمتم به؟ أمن أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارَهم، تستحلّ دماؤهم وأموالهم لذلك! فكانوا كذلك فئتين، والرسول عليه السلام عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شيء، فنـزلت: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله "، الآية.

10055- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فما لكم في المنافقين فئتين " الآية، ذكر لنا أنهما كانا رجلين من قريش كانا مع المشركين بمكة، وكانا قد تكلّما بالإسلام ولم يهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيهما ناس من أصحاب نبي الله وهما مقبلان إلى مكة، فقال بعضهم: إن دماءهما وأموالهما حلال! وقال بعضهم: لا يحلُّ لكم! فتشاجروا فيهما، فأنـزل الله في ذلك: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا " حتى بلغ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ .

10056- حدثنا القاسم قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر بن راشد قال: بلغني أنّ ناسًا من أهل مكة كتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد أسلموا، وكان ذلك منهم كذبا، فلقوهم، فاختلف فيهم المسلمون، فقالت طائفة: دماؤهم حلال! وقالت طائفة: دماؤهم حرام! فأنـزل الله: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ".

* * *

10057- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " فما لكم في المنافقين فئتين "، هم ناس تخلّفوا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا، فاختلف فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ من وَلايتهم آخرون، &; 9-12 &; وقالوا: تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهاجروا! فسماهم الله منافقين، وبرّأ المؤمنين من وَلايتهم، وأمرهم أن لا يتولَّوهم حتى يهاجروا.

* * *

وقال آخرون: بل كان اختلافهم في قوم كانوا بالمدينة، أرادوا الخروج عنها نفاقًا.

* ذكر من قال ذلك:

10058- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا "، قال: كان ناس من المنافقين أرادوا أن يخرجوا من المدينة، فقالوا للمؤمنين: إنّا قد أصابنا أوجاعٌ في المدينة واتَّخَمْناها، (17) فلعلنا أن نخرج إلى الظَّهر حتى نتماثل ثم نرجع، (18) فإنا كنا أصحاب برّيّة. فانطلقوا، واختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت طائفة: أعداءٌ لله منافقون! (19) وددنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا فقاتلناهم! وقالت طائفة: لا بل إخواننا غَمَّتهم المدينة فاتّخموها، (20) فخرجوا إلى الظهر يتنـزهون، (21) فإذا بَرَؤوا رجعوا. فقال الله: " فما لكم في المنافقين فئتين "، يقول: ما لكم تكونون فيهم فئتين =" والله أركسهم بما كسبوا ".

* * *

وقال آخرون: بل نـزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أهل الإفك.

*ذكر من قال ذلك:

10059- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا "، حتى بلغ فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قال: هذا في شأن ابن أُبيّ حين تكلم في عائشة بما تكلم.

10060- وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: إن هذه الآية حين أنـزلت: " فما لكم في المنافقين فئتين "، فقرأ حتى بلغ فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فقال سعد بن معاذ: فإنّي أبرأ إلى الله وإلى رسوله من فئته! = يريد عبد الله بن أبيّ ابن سلول. (22)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك، قول من قال: نـزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا ارتدُّوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأنّ اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على قولين: أحدهما: أنهم قوم كانوا من أهل مكة، على ما قد ذكرنا الرواية عنهم.

والآخر: أنهم قوم كانوا من أهل المدينة.

= وفي قول الله تعالى ذكره: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا ، أوضح الدّليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة. لأنّ الهجرة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر. فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرضُ هجرة، لأنه في دار الهجرة كان وطنُه ومُقامه.

* * *

واختلف أهل العربية في نصب قوله: " فئتين ".

فقال بعضهم: هو منصوب على الحال، كما تقول: " ما لَك قائما "، يعني: ما لك في حال القيام. وهذا قول بعض البصريين.

* * *

وقال بعض نحويي الكوفيين: هو منصوب على فعل " ما لك "، قال: ولا تُبالِ أكان المنصوب في" ما لك " معرفة أو نكرة. (23) . قال: ويجوز في الكلام أن تقول: " ما لك السائرَ معنا "، لأنه كالفعل الذي ينصب بـ" كان " و " أظن " وما أشبههما. قال: وكل موضع صلحت فيه " فعل " و " يفعل " من المنصوب، جاز نصب المعرفة منه والنكرة، كما تنصب " كان " و " أظن "، لأنهن نواقصُ في المعنى، وإن ظننت أنهنّ تَامّاتٍ. (24)

وهذا القول أولى بالصواب في ذلك، لأن المطلوب في قول القائل: " ما لك قائمًا "،" القيام "، فهو في مذهب " كان " وأخواتها، و " أظن " وصواحباتها. (25)

* * *

القول في تأويل قوله عز وجل : وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " والله أركسهم ".

فقال بعضهم: معناه: ردَّهم، كما قلنا.

*ذكر من قال ذلك:

10061- حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: " والله أركسهم بما كسبوا "، ردَّهم.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: والله أوْقَعهم.

*ذكر من قال ذلك:

10062- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " والله أركسهم بما كسبوا "، يقول: أوقعهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: أضلهم وأهلكهم.

*ذكر من قال ذلك:

10063- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: " والله أركسهم "، قال: أهلكهم.

10064- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: " والله أركسهم بما كسبوا "، أهلَكَهم بما عملوا.

10065- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " والله أركسهم بما كسبوا "، أهلكهم.

* * *

وقد أتينا على البيان عن معنى ذلك قبل، بما أغنى عن إعادته. (26)

* * *

القول في تأويل قوله : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا (88)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله " أتريدون أن تهدوا من أضل الله "، أتريدون، أيها المؤمنون، أن تهدوا إلى الإسلام فتوفقوا للإقرار به والدخول فيه، من أضله الله عنه= يعني بذلك: من خَذَله الله عنه، فلم يوفقه للإقرار به؟ (27)

وإنما هذا خطاب من الله تعالى ذكره للفئة التي دافعت عن هؤلاء المنافقين الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية. يقول لهم جل ثناؤه: أتبغون هداية هؤلاء الذين أضلَّهم الله فخذلهم عن الحق واتباع الإسلام، بمدافعتكم عن قتالهم من أراد قتالَهم من المؤمنين؟ =" ومن يُضلل الله فلن تجد له سبيلا "، يقول: ومَن خذله عن دينه واتباع ما أمره به، من الإقرار به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عنده، فأضلَّه عنه=" فلن تجد له "، يا محمد،" سبيلا "، يقول: فلن تجد له طريقًا تهديه فيها إلى إدراك ما خذله الله [عنه]، (28) ولا منهجًا يصل منه إلى الأمر الذي قد حرمه الوصول إليه.

-------------------

الهوامش :

(8) انظر تفسير"فئة" فيما سلف 5 : 352 ، 353 / 6 : 230.

(9) ديوانه: 36 ، وليس هذا البيت بنصه هذا في الديوان ، بل جاء في شعر من بحر آخر ، هو:

أُرْكِسُــوا فِـي جَـهَنَّمٍ، أَنَّهُـمْ كَـانُوا

عُتَـــاةً تَقُـــولُ إفْكًـــا وَزُورَا

ولم أجده برواية أبي جعفر في مكان آخر.

(10) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 281 = ثم انظر تفسير"أركسهم" فيما يلي ص: 15 ، 16

(11) الحديث: 10049 - الفضل بن زياد الواسطي: لا أدري من هو؟ والترجمة الوحيدة التي وجدتها بهذا الاسم هي"الفضل بن زياد الطساس البغدادي". وهو من هذه الطبقة. فلعله هو. مترجم في الجرح 3 / 2 / 62. وتاريخ بغداد 12: 360. وله ترجمة غير محررة ، في لسان الميزان 4: 441.

أبو داود: هو الطيالسي.

وقد روى الطبري هذا الحديث بثلاثة أسانيد ، سيأتي تخريجه في آخرها ، إن شاء الله.

(12) الحديث: 10050 - أبو أسامة: هو حماد بن أسامة.

(13) الحديث: 10051 - زريق- بتقديم الزاي - بن السخت ، شيخ الطبري: لم أجد له ترجمة ولا ذكرا ، إلا في المشتبه للذهبي ، ص: 222 ، قال: "زريق بن السخت ، عن إسحاق الأزرق. وهو الصحيح ، ويقال بتقديم الراء".

شبابة: هو ابن سوار. مضت ترجمته في: 37.

ويجب أن يكون هنا سقط في الإسناد ، بين شبابة وعدي بن ثابت ، لأن شبابة بن سوار مات سنة 204 أو 205 ، أو 206 ، وهو الذي جزم به البخاري في الصغير ، ص: 228. وعدي بن ثابت مات سنة 116 ، فبينهما 90 سنة. والظاهر أنه سقط من الإسناد هنا [عن شعبة].

عدي بن ثابت الأنصاري: ثقة معروف. أخرج له الجماعة. وهو ابن بنت عبد الله بن يزيد - شيخه في هذا الإسناد.

عبد الله بن يزيد الخطمي - بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة: صحابي معروف ، شهد الحديبية صغيرا.

والحديث رواه الإمام أحمد في المسند 5: 184 ، عن بهز ، عن شعبة ، كالرواية الأولى هنا المطولة: 10049.

وكذلك رواه البخاري 4: 83 ، و7: 275 ، و 8 : 193 - من طريق شعبة ، به. ورواه مسلم 1 : 389 - 390 ، من طريق شعبة أيضا ، ولكنه روى آخره: "إنها طيبة..." فقط.

وذكره ابن كثير 2: 529 ، من رواية المسند. ثم قال: "أخرجاه في الصحيحين من طريق شعبة".

وذكره السيوطي 2: 189-190 ، وزاد نسبته للطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في الدلائل.

وليس في مسند الطيالسي المطبوع ، لأنه ناقص كما هو معروف.

(14) أسقط المطبوعة: "علي بن عويمر ، أو: " وساق الخبر"فلقيهم هلال.." وأثبته من المخطوطة. والأثر التالي من رواية أبي جعفر ، هو الذي فيه إسقاط علي بن عويمر" من الخبر.

(15) في المطبوعة: "يؤمنون هلالا" ، والصواب من المخطوطة والدر المنثور 2: 190

(16) الأثران: 10052 ، 10053 - انظر الأثر التالي: 10071.

(17) "اتخمناها" ، "افتعل" من"الوخم" ، يقال: "أرض وخمة ووخيمة" ، وبيئة ، لا يوافق المرء سكنها فيجتويها. و"استوخم القوم المدينة": استثقلوها ، ولم يوافق هواؤها أبدانهم. والذي ذكرته كتب اللغة بناء"استوخم""استفعل" متعديا من"الوخم" ، ولم يذكروا"اتخم""افتعل" ، وهو صحيح في قياس العربية. وهذا شاهده.

(18) "الظهر": ما غلظ وارتفع من الأرض ، و"البطن": ما لان منها وسهل ورق واطمأن. ومثله"ظاهر الأرض" ، فسموا ما بعد عن القرية وارتفع في البرية: "ظهر البلدة وظاهرها".

(19) في المطبوعة: "أعداء الله المنافقون" ، وفي المخطوطة: أعداء الله منافقون" ، والصواب ما أثبت.

(20) في المطبوعة والدر المنثور 2 : 191 : "تخمتهم المدينة فاتخموها" ، وليس صوابا. وفي المخطوطة: "عمهم المدينة" غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها ، من"الغم": وهو الكرب وكل ما يكرهه الإنسان فيورثه الضيق والهم. والدليل على صحة هذه القراءة ما جاء في معاني القرآن 1 : 280"ضجروا منها واستوخموها" وانظر ما سلف تعليق: 1 ، في تفسير"اتخم".

(21) "يتنزهون" أي: يتباعدون عن الأرض التي استوخموها ، حتى يبرأوا. و"التنزه" التباعد عن الأرياف والمياه ، حيث لا يكون ماء ولا ندى ولا جمع ناس ، وذلك شق البادية ، وهو أصح للأبدان.

(22) الأثر: 10059 ، 10060 - في المطبوعة ، ساق هذين الأثرين ، أثرا واحدا ، فجعله هكذا: "حين تكلم في عائشة بما تكلم ، فقال سعد بن معاذ.." وأسقط صدر الأثر: 10060 ، فرددته إلى الصواب من المخطوطة. والذي أوقع الناشر في هذا ، سوء صنيع السيوطي في نقله عن ابن جرير ، وذلك في الدر المنثور 2 : 191 .

(23) في المطبوعة: "ولا تبالي كان المنصوب.." وفي المخطوطة: "ولا تبال كان المنصوب" ورجحت قراءتها كما أثبتها ، استظهارًا من نص الفراء في معاني القرآن.

(24) هذا مختصر نص الفراء في معاني القرآن 1 : 281.

(25) في المخطوطة: "والظن وصواحباتها" ، والصواب ما في المطبوعة.

(26) انظر ما سلف ص: 7

(27) انظر معنى"هدى" ، ومعنى"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة.

التدبر :

وقفة
[88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ خفاء حال بعض المنافقين أوقع الخلاف بين المؤمنين في حكم التعامل معهم.
وقفة
[88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ ليس العجب من مرض المنافقين، ولكن العجب من اختلاف أهل الحق فيهم.
وقفة
[88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ لمَّا كان للمنافق وجهان، كان مفهومًا أن يكون للصالحين فيه رأيان مختلفان، بحسب ما يراه كل واحد منهما.
عمل
[88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ عَتِبَ الله على الصحابة اختلافهم في المنافقين؛ فاحذر أن تختلف مع إخوانك مدافعًا عن منافقين.
وقفة
[88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ أي: فما لكم تفرقتم في أمر المنافقين فِئَتَيْنِ -أي: فرقتين- ولم تتفقوا على التبرؤ منهم؟ والاستفهام للإنكار والنفي، والخطاب لجميع المؤمنين, لكن ما فيه من معنى التوبيخ متوجه إلى بعضهم؛ وذلك أن فرقة من المؤمنين كانت تميل إليهم، وتذب عنهم، وتواليهم, وفرقة منهم تباينهم وتعاديهم, فنهوا عن ذلك، وأمروا بأن يكونوا على نهج واحد في التباين والتبرؤ منهم؛ لأن دلائل نفاقهم وكفرهم ظاهرة جلية.
وقفة
[88] الأصل في موقف أهل الإيمان من المنافقين أن يكون واضحًا وموحدًا وغير متردد ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾.
وقفة
[88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّـهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا﴾ وقد جعل الله ردهم إلى الكفر جزاءً لسوء اعتقادهم، وقلة إخلاصهم مع رسوله؛ فإن الأعمال تتوالد من جنسها؛ فالعمل الصالح يأتي بزيادة الصالحات، والعمل السيئ يأتي بمنتهى المعاصي.
وقفة
[88] تدبر هذه الآية: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّـهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا﴾، ثم تأمل في الجدل الإعلامي حول أشخاص أشربوا الفتنة وأركسوا فيها؛ تدرك مدى البعد عن هدي القرآن ودلالته، وتنزيل واقع الناس عليه.
وقفة
[88] شيء محزن أن ترى عددًا من الرفقاء يصيرون فرقاء؛ لاختلافهم في طريقة التعامل مع الأعداء، والله يقول: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّـهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا﴾.
اسقاط
[88] ﴿وَاللَّـهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا﴾ تذكر عبادة تتمنى عملها ولم تستطع، ثم تذكر ذنبًا فعلته، وأكثر من الاستغفار منه؛ فربما كان هو السبب.
عمل
[88] خفْ من ذنوبك، وخاصة تلك التي تراوحها بين الفينة والأخرى؛ فقد تكون سبب انتكاستك ﴿وَاللَّـهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا﴾.
وقفة
[88] من هم المقصودون في هذه الآية من سورة النساء ﴿وَاللَّـهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا﴾؟ الجواب: هم المنافقون.
عمل
[88] لا تستغرب كثرة الهالكين؛ فالله سبحانه أعلم بمن يستحق الهداية ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.
تفاعل
[88] ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ استعذ بالله الآن.

الإعراب :

  • ﴿ فَما لَكُمْ:
  • الفاء: استئنافية. ما: لفظها لفظ استفهام معناها هنا: التعجب اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فِي الْمُنافِقِينَ:
  • جار ومجرور وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد و «فِي الْمُنافِقِينَ» متعلق بحال محذوفة من الضمير في «لَكُمْ».
  • ﴿ فِئَتَيْنِ:
  • حال منصوب بالياء لأنه مثنى والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. لأن المعنى: تفرقتم الى فئتين لأن الكلمة غير مشتقة
  • ﴿ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ:
  • الواو: حالية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم الضمة. أركسهم: فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة «أَرْكَسَهُمْ» في محل رفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية «اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ» في محل نصب حال.
  • ﴿ بِما كَسَبُوا:
  • الباء: حرف جر. ما: مصدرية. كسبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة و «ما وما تلاها» بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأركسهم.
  • ﴿ أَتُرِيدُونَ:
  • الألف: ألف استفهام معناه هنا التقرير. تريدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أَنْ تَهْدُوا:
  • أن: حرف مصدري ونصب. تهدوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة و «أَنْ تَهْدُوا» بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «تُرِيدُونَ» وجملة «تَهْدُوا» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أضلّ: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة وجملة «أَضَلَّ اللَّهُ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول محذوف التقدير: من أضله الله.
  • ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل «يُضْلِلِ» يضلل: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه: سكون آخره وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وجملة «يُضْلِلِ اللَّهُ» صلة «مَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. لن: حرف نفي ونصب واستقبال. تجد: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والجار والمجرور «لَهُ» متعلق بتجد. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة والجملة جواب شرط جازم جملة فعلية مسبوقة بلن مقترنة بالفاء في محل جزم. '

المتشابهات :

النساء: 52﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
النساء: 88﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
النساء: 143﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
الكهف: 17﴿مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: لما خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أحد، رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلتفَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا) وقال: إنها طيبة، تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الفضة). 2 - أخرج الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف: أن قوماً من العرب أتوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة فأسلموا، وأصابهم وباء المدينة: حُمَّاها فأركسوا، فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحابه - يعني أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة، فاجتوينا المدينة. فقالوا: أما لكم في رسول الله أُسوة؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا، هم مسلمون فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد جمهور المفسرين هذين السببين وأوردوا مع ذلك غيرهما من الأسباب التي سيقت لنزول الآية الكريمة ومن هذه الأسباب ما قال مجاهد - رحمه الله -نزلت في قوم خرجوا من أهل مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا واستأذنوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجوع إلى مكة ليأتوا ببضائع، فاختلف فيهم المؤمنون، ففرقة تقول إنهم منافقون وفرقة تقول هم مؤمنون فبين الله - عَزَّ وَجَلَّ - نفاقهم) اهـ.وقال الضحاكهم ناس تخلفوا عن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا فاختلف فيهم أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتبرأ من ولايتهم آخرون، وقالوا: تخلفوا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يهاجروا فسماهم الله منافقين، وبرأ المؤمنين من ولايتهم وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا) اهـ.هذا خلاصة ما ذُكر في الآية الكريمة من أسباب، ولا بد فيها من تأملٍ ونظر والبداية بحديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فإن الحديث نصٌّ في أن القصة كانت في غزوة أحد وأنها كانت بسبب رجوع رأس المنافقين بثلث الجيش، وإذا نظرتَ إلى مطابقة هذه القصة للآية التي معنا والتي قيل إنها نزلت بسببها وجدتَ أنه لا تعارض بينهما، لكن الآية التي معنا متصلة بما بعدها اتصالاً وثيقاً، فالله - عَزَّ وَجَلَّ - يقول فيهاوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89).وقد نص جماعة من العلماء على أن الضمير في قولهوَدُّوا) يعود على المنافقين، فقد قال الطبريوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا) أي: تمنى هؤلاء المنافقون الذين أنتم أيها المؤمنون فيهم فئتان أن تكفروا) اهـ.وقال القرطبيأي تمنوا أن تكونوا كَهُم في الكفر والنفاق شَرَعٌ سواء) اهـ.وقال ابن عاشورالأظهر أن ضمير (وَدُّوا) عائد إلى المنافقين فى قولهفَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ) اهـ.وإذا كان الأمر كذلك فان الله اشترط لولايتهم أن يهاجروا في سبيل الله في قولهفَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وأمر بأخذهم وقتلهم حيث وجدوا إن هم تولوا عن الهجرة في قولهفَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وهنا ينشأ إشكالات:الأول: اشتراط الهجرة فإن سبب نزول الآية ليس فيه ذكر الهجرة مطلقاً وإنما فيه التخلف عن الجهاد، ولهذا أوّل ابن العربي الهجرة في سبيل الله هنا بهجر الأهل والولد والمال، والجهاد في سبيل الله.الثاني: سبب النزول يتحدث عن منافقي المدينة، والآية تتناول الهجرة في سبيل الله وعلى هذا فإلى أيِّ مكان يهاجر منافقو المدينة إذا كانوا هم مقيمين في بلاد الهجرة، ولهذا قال الطبريفأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيماً من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرض هجرة لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه) اهـ. الثالث: أن الله - عَزَّ وَجَلَّ - أمر بأخذهم وقتلهم حيث وجدوا إذا تولوا عن الهجرة في سبيله والآية تتحدث عن منافقين كما سلف، ومعلوم لكل من شمَّ رائحة العلم فضلاً عمن ذاقه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يقتل المنافقين أو يأذن في قتلهم مع بشاعة ما صنعوا خشية أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.فبأيّ وجه من الوجوه وافقَ سببُ النزول سياقَ الآيات وطابق؟وأما حديث عبد الرحمن بن عوف في القوم الذي اجتووا المدينة فخرجوا منها فاختلف الصحابة فيهم فنزلت الآية فالحديث ضعيف كما تقدم فلا يحتج به على السببية.ثم إن هؤلاء قد هاجروا إلى المدينة، فلا يبقى معنى لقولهحَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ .. ).وعلى هذا فالأمر دائر بين ما ذكره مجاهد والضحاك لموافقته السياق القرآني للآيات وفي الآية الحقائق التالية: 1 - أن هؤلاء منافقون يظهرون الإسلام والإيمان ويبطنون الكفر لقولهفَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ) وقولهوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا). 2 - أن هؤلاء مطالبون بالهجرة في سبيل الله لإثبات إيمانهم، فليسوا من منافقي المدينة في شيء لأنهم غير مطالبين بالهجرة، وسواءٌ كانت هجرتهم من مكة أو غيرها فالآية لم تُعيِّن شيئاً. 3 - أن هؤلاء المنافقين إن لم يهاجروا في سبيل الله إلى مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاز أخذهم وقتلهم حيث وجدوا.وما ذكره مجاهد والضحاك يوافق الحقائق السابقة وإن كنت إلى قول مجاهد أَمْيَل لأن الله قالفَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ) والتعريف بالمنافقين للعهد الذهني أي المعهودون في أذهانكم، وهذا يوافق قول مجاهدحتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا) فالصحابة يعرفونهم، بخلاف من ذكر الضحاك أنهم مقيمون في مكة.فإن قال قائل: عجباً من قولك، كيف تأتي إلى حديث يرويه الشيخان نص على أن سبب نزول الآية كذا، ثم تقول ليس هو سببَ نزولها؟ فالجواب: أن القرآن يحْكُم ولا يُحكَم عليه، ولست أطعن في حديث الشيخين ولكني أُضعّف دلالته على النزول، لأن الله قالوَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا) وقالوَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا قِيلًا) وإذا كان الله قد بيّن صفة من نزلت فيه بيانًا يخالف ما ذكره زيد بن ثابت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فحتمًا ولا بد أن يكون قولُ ربنا هو المقدم على قول كل أحد.وهذا القول عليه أكثر المفسرين كالطبري وابن عطية والقرطبي والسعدي وابن عاشور.أما غيرهم فقد ساق الأسباب وسكت عن الترجيح.أما ابن العربى فمال إلى حديث زيد بن ثابت، فقال بعد سياق الأسبابوالصحيح ما رواه زيد) اهـ.وقال ابن حجرهذا هو الصحيح في سبب نزولها) اهـ يعني حديث زيد. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره مجاهد - رحمه الله - لصحة إسناده إليه وموافقته لسياق الآيات القرآني، وأقوال المفسرين والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [88] لما قبلها :     وبعد الحديث عن أحوال المنافقين، وتحريض المؤمنين على الجهاد؛ ذكر اللهُ هنا اختلاف الصحابةِ إلى فئتينِ في المنافقينَ الذينَ أظهرُوا إسلامَهم ولم يهاجروا، هل نقاتِلهُم (في غزوةِ أُحدٍ) أم لا؟ فجاءَتْ الآياتُ بكفرِهم، قال تعالى:
﴿ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

القراءات :

أركسهم:
وقرئ:
1- ركسهم، ثلاثيا، وهى قراءة عبد الله.
2- ركسوا، بالتشديد.

مدارسة الآية : [89] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ ..

التفسير :

[89] تمنَّى المنافقون لكم -أيها المؤمنون- لو تنكرون حقيقة ما آمنت به قلوبكم، مثلما أنكروه بقلوبهم، فتكونون معهم في الإنكار سواء، فلا تتخذوا منهم أصفياء لكم، حتى يهاجروا في سبيل الله، برهاناً على صدق إيمانهم، فإن أعرضوا عما دُعُوا إليه، فخذوهم أينما كانوا

فأخبرهم الله تعالى أنه لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ولا تشكوا، بل أمرهم واضح غير مشكل، إنهم منافقون قد تكرر كفرهم، وودوا مع ذلك كفركم وأن تكونوا مثلهم. فإذا تحققتم ذلك منهم{ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} وهذا يستلزم عدم محبتهم لأن الولاية فرع المحبة. ويستلزم أيضا بغضهم وعداوتهم لأن النهي عن الشيء أمر بضده، وهذا الأمر موقت بهجرتهم فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري أحكام الإسلام لكل مَنْ كان معه وهاجر إليه، وسواء كان مؤمنا حقيقة أو ظاهر الإيمان. وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنها{ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} أي:في أي وقت وأي محل كان، وهذا من جملة الأدلة الدالة على نسخ القتال في الأشهر الحرم، كما هو قول جمهور العلماء، والمنازعون يقولون:هذه نصوص مطلقة، محمولة على تقييد التحريم في الأشهر الحرم.

وقوله- تعالى- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً كلام مستأنف مسوق لبيان غلوهم وتماديهم في الكفر وتصديهم لإضلال غيرهم إثر بيان كفرهم وضلالهم في أنفسهم.

أى: أن هؤلاء المنافقين الذين يحسن الظن بهم بعضكم- أيها المؤمنون- لا يكتفون بكفرهم في أنفسهم بل هم يتمنون ويودون كفركم مثلهم بحيث تكونون أنتم وهم متساوين في الكفر والنفاق، وإذا كان هذا هو حالهم فكيف تطمعون في إيمانهم؟ وكيف تحسنون الظن بهم؟

ولَوْ في قوله وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ مصدرية. أى تمنوا كفركم. وقوله كَما كَفَرُوا نعت لمصدر محذوف: أى تمنوا أن تكفروا كفرا مثل كفرهم.

وقوله فَتَكُونُونَ سَواءً معطوف على قوله لَوْ تَكْفُرُونَ ومفرع عليه. أى: ودوا لو تكفرون فتكونون مستوين معهم في الضلال والكفر والنفاق.

وما أبلغ التعبير في جانب محاولة المؤمنين بالإرادة في قوله أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وفي جانب محاولة المنافقين بالود لأن الإرادة ينشأ عنها الفعل. فالمؤمنون يستقربون حصول الإيمان من المنافقين، لأن الإيمان قريب من فطرة الناس وعقولهم. والمنافقون يعلمون أن المؤمنين لا يرتدون عن دينهم، ويرونهم متمسكين به غاية التمسك، فلم يكن طلبهم تكفير المؤمنين إلا كلون من التمني الذي لا أمل في تحققه، فعبر عنه بالود المجرد، أى ودوا ذلك ولكنه ود بعيد التحقق.

وقوله فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ نهى من الله- تعالى- للمؤمنين عن موالاة المنافقين حتى يصدر منهم ما يدل على إقلاعهم عن النفاق والضلال.

والفاء في قوله: فَلا تَتَّخِذُوا للإفصاح عن شرط مقدر. والتقدير إذا كان هذا هو شأن المنافقين فلا يصح لكم- أيها المؤمنون- أن تتخذوا منهم أولياء أو نصراء أو أصدقاء حتى تتحقوا من إسلامهم بأن يهاجروا من أجل إعلاء كلمة الله من دار الكفر التي يقيمون فيها ويناصرون أهلها إلى دار الإيمان التي تقيمون فيها، وينضمون إليكم لنصرة الحق، ودفع الظلم.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: (دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة لأن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين، لأنه هو الأمر الذي به يتقرب إلى الله، ويتوسل به إلى السعادة ... وإذا كان الأمر كذلك، امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه ودلت على إيجاب الهجرة بعد الإسلام- أى فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يسلموا ويهاجروا- وأنهم إن أسلموا لم يكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة. ونظيره قوله- تعالى- ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا.

واعلم أن هذا التكليف إنما كان لازما حال ما كانت الهجرة مفروضة ففي الحديث الشريف: «أنا برىء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين. وأنا برىء من كل مسلم مع مشرك» . فكانت الهجرة واجبة إلى أن فتحت مكة. ثم نسخ فرض الهجرة بما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» . وروى عن الحسن أن حكم الآية ثابت في كل من أقام في دار الحرب فرأى فرض الهجرة إلى دار الإسلام قائما) .

وقوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً بيان لحكم الله- تعالى- في هؤلاء المنافقين إذا ما استمروا في غيهم وضلالهم.

والمعنى: فإن أعرض هؤلاء المنافقون عن الهجرة في سبيل الله- تعالى- فلا تعتبروا إسلامهم، بل خذوهم في الأسر، وضيقوا عليهم (واقتلوهم حيث وجدتموهم) لأنهم أعداء لكم وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ في هذه الحالة وَلِيًّا توادونه وتصادقونه وَلا نَصِيراً تنتصرون به على أعدائكم، لأن ولاية هؤلاء المنافقين محادة لله ولرسوله، والتناصر بهم يؤدى إلى الخذلان كما قال- تعالى- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا.

فالجملة الكريمة تأمر المؤمنين بقتل أولئك المنافقين الذين ظهر الكفر منهم وتنهاهم عن اتخاذهم أولياء أو أصدقاء وعن الاستنصار بهم.

ثم قال : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) أي : هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها ، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم ; ولهذا قال : ( فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا ) أي : تركوا الهجرة ، قاله العوفي عن ابن عباس . وقال السدي : أظهروا كفرهم ( فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ) أي : لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على الأعداء ما داموا كذلك .

القول في تأويل قوله : وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ودوا لو تكفرون كما كفروا "، تمنَّى هؤلاء المنافقون (29) = الذين أنتم، أيها المؤمنون، فيهم فئتان= أن تكفروا فتجحدوا وحدانية ربكم، وتصديقَ نبيِّكم محمد صلى الله عليه وسلم=" كما كفروا "، يقول: كما جحدوا هم ذلك=" فتكونون سواء "، يقول: فتكونون كفّارًا مثلهم، وتستوون أنتم وهم في الشرك بالله (30) =" فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله "، يقول (31) حتى يخرجوا من دار الشرك ويفارقوا أهلها الذين هم بالله مشركون، إلى دار الإسلام وأهلها=" في سبيل الله "، يعني: في ابتغاء دين الله، وهو سبيله، (32) فيصيروا عند ذلك مثلكم، ويكون لهم حينئذ حكمكم، كما:-

10066- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا "، يقول: حتى يصنعوا كما صنعتم= يعني الهجرةَ في سبيل الله.

* * *

القول في تأويل قوله : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (89)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أدبر هؤلاء المنافقون عن الإقرار بالله ورسوله، وتولوا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام ومن الكفر إلى الإسلام (33) =" فخذوهم " أيها المؤمنون=" واقتلوهم حيث وجدتموهم "، من بلادهم وغير بلادهم، أين أصبْتموهم من أرض الله =" ولا تتخذوا منهم وليَّا "، يقول: ولا تتخذوا منهم خليلا يواليكم على أموركم، ولا ناصرًا ينصركم على أعدائكم، (34) فإنهم كفار لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ .

* * *

وهذا الخبر من الله جل ثناؤه، إبانةٌ عن صحة نِفاق الذين اختلف المؤمنون في أمرهم، وتحذيرٌ لمن دفع عنهم عن المدافعة عنهم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10067- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم "، فإن تولوا عن الهجرة =" فخذوهم واقتلوهم ".

10068- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم "، يقول: إذا أظهروا كُفرهم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم.

--------------------

الهوامش :

(28) هذه الزيادة بين القوسين ، يقتضيها السياق اقتضاء. وانظر تفسير"السبيل" فيما سلف. من فهارس اللغة.

(29) انظر تفسير"ود" فيما سلف 2 : 470 / 5 : 542 / 8 : 371 .

(30) انظر تفسير"سواء" فيما سلف 1 : 256 / 2 : 495 - 497 / 6 : 483 ، 486 ، 487 / 7 : 118

(31) انظر تفسير"ولي" و"أولياء" فيما سلف: 8 : 430 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(32) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف: 8 : 579 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(33) انظر تفسير"تولى" فيما سلف 8 : 562 تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(34) انظر تفسير"ولي" فيما سلف ص 17 ، تعليق: 3= و"نصير" فيما سلف 8 : 472 تعليق 1 ، والمراجع هناك.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[89] ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان: «وَدَّتْ الزَّانِيَةُ لَوْ زَنَى النِّسَاءُ كُلُّهُنَّ».
وقفة
[89] ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ الآية تثبت مودة الكافرين لئن نكفر مثلهم, وهذا الود له: خططه ووسائله ومكره، ومع التطور أيضًا يتطور, فيتعين الحذر والحيطة.
وقفة
[89] غاية أهل النفاق والكفر: ضلال المؤمنين وكفرهم ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾.
وقفة
[89] ليس لمطالب أهل النفاق سقفٌ دون الكفر ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾.
وقفة
[89] الضال يريد أن يكون الناس مثله؛ حتى لا يشعر بوحشة الانحراف ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾، ﴿يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ [النساء 44].
عمل
[89] أرسل رسالة تبين وتحذر فيها مما يدور في قلوب المنافقين تجاه المؤمنين ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾.
وقفة
[89] ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ وهذا يستلزم عدم محبتهم؛ لأن الولاية فرع المحبة, ويستلزم أيضًا بغضهم وعداوتهم؛ لأن النهي عن الشيء أمر بضده.
وقفة
[89] ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ بيان كيفية التعامل مع المنافقين بحسب أحوالهم ومقتضى المصلحة معهم.
وقفة
[89] ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ الآية ترسخ عقيدة: الولاء والبراء, وهي قضية يؤمن بها الكاتب والمثقف والصحفي والمفكر وغيرهم, ومع الفتن لا يثبت عليها إلا العلماء ورثة إبراهيم عليه السلام.

الإعراب :

  • ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ:
  • ودوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. لو: حرف مصدري لا عمل لها. تكفرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و «لَوْ» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «ود» التقدير: ودوا كفركم. وجملة «تَكْفُرُونَ» صلة «لَوْ» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ كَما كَفَرُوا:
  • الكاف: حرف جر للتشبيه. ما: مصدرية. كفروا: تعرب اعراب «وَدُّوا» و «ما» المصدرية وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق محذوف التقدير: ودوا كفركم كفرا ككفرهم وجملة «كَفَرُوا» صلة «ما» لا محل لها. ويجوز أن تعرب الكاف: اسما بمعنى «مثل» في محل نصب نائبا عن مصدر محذوف أو صفة له.
  • ﴿ فَتَكُونُونَ سَواءً:
  • فتكونون: معطوفة بالفاء على «تَكْفُرُونَ» وتعرب اعرابها سواء خبر «تكونون» منصوب بالفتحة المنونة.
  • ﴿ فَلا تَتَّخِذُوا:
  • الفاء: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تتخذوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ مِنْهُمْ أَوْلِياءَ:
  • جار ومجرور متعلق بتتخذوا و «هم» ضمير الغائبين في محل جرّ بمن أو بحال محذوفة لأنها متعلقة بصفة مقدمة لأولياء. أولياء: مفعول به منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعلاء».
  • ﴿ حَتَّى يُهاجِرُوا:
  • حرف غاية وجر. يهاجروا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حَتَّى» وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل فاعل في محل رفع والألف فارقة و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بتتخذوا وجملة «يُهاجِرُوا» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيهاجروا. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. تولوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة والفعل «تولى» في محل جزم بإن «فعل الشرط».
  • ﴿ فَخُذُوهُمْ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. خذوهم: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به وجملة «فَخُذُوهُمْ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ:
  • معطوفة بواو العطف على «خذوهم» وتعرب اعرابها. حيث: اسم مبني على الضم في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق باقتلوهم وهو مضاف.
  • ﴿ وَجَدْتُمُوهُمْ:
  • الجملة: في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «حَيْثُ» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. الواو بعد الميم جاءت لاشباع الميم. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً:
  • الجملة معطوفة بواو العطف على جملة «لا تتخذوا منهم أولياء» وتعرب اعرابها وعلامة نصب «وَلِيًّا» الفتحة المنونة و «وَلا نَصِيراً». الواو: عاطفة. لا: زائدة لتأكيد الطلب «النهي» نصيرا معطوف على «وَلِيًّا» منصوب مثله بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 89﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً
البقرة: 191﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ
النساء: 91﴿فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَأُوْلَٰٓئِكُمۡ جَعَلۡنَا لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [89] لما قبلها :     وبعد عتاب الله للمؤمنين بسبب اختلافهم في المنافقين، والإنكار على الذين ترددوا في أخذ موقف الحزم تجاههم؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا سبب ضرورة اتخاذ الموقف الحازم ضد أهل النفاق، وهو حرصهم على جر أهل الإيمان ناحية الكفر، وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل للمؤمنينَ حرص المنافقين على جر أهل الإيمان ناحية الكفر؛ بَيَّنَ للمؤمنين هنا كيفيَّةَ التعاملِ معهم، قال تعالى:
﴿ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [90] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ ..

التفسير :

[90] لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فلا تقاتلوهم، وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم، كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم، فلم يكونوا معكم ولا مع قومهم، فلا تقاتلوهم، ولو شاء الله تعالى لسلَّطهم عليكم، فلقاتلوكم مع أعدائكم من

ثم إن الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فِرَق:فرقتين أمر بتركهم وحتَّم [على] ذلك، إحداهما من يصل إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال فينضم إليهم، فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال. والفرقة الثانية قوم{ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} أي:بقوا، لا تسمح أنفسهم بقتالكم، ولا بقتال قومهم، وأحبوا ترك قتال الفريقين، فهؤلاء أيضا أمر بتركهم، وذكر الحكمة في ذلك في قوله:{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام:إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم، وهذا متعذر من هؤلاء، فدار الأمر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين، وهو أهون الأمرين عليكم، والله قادر على تسليطهم عليكم، فاقبلوا العافية، واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم مع التمكن من ذلك. فـهؤلاء{ إن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} الفرقة الثالثة:قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظر عن احترامكم، وهم الذين قال الله فيهم:

وقوله: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ استثناء من الضمير المنصوب في قوله فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ.

وقوله يَصِلُونَ بمعنى يلتجئون ويتصلون. الميثاق العهد الموثق.

والمعنى: أن الله- تعالى- يأمركم- أيها المؤمنون- أن تأخذوا وتقتلوا أولئك المنافقين الذين أظهروا كفرهم وتمنوا أن تكونوا مثلهم، وامتنعوا عن الهجرة إلى دياركم، وينهاكم عن موالاتهم وعن الاستعانة بهم، لكنه- سبحانه- قد استثنى من هؤلاء الذين أمركم بأخذهم وقتلهم أناسا التجأوا واستندوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان، لأنهم بهذا الالتجاء قد صار حكمهم كحكم من لجئوا إليهم من حيث الأمان وعدم الاعتداء.

وقد ذكر العلماء أقوالا في المراد من القوم الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد أمان، فقيل:

هم الأسلميون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقت خروجه إلى مكة قد وادع هلال بن عويمر الأسلمى على أن لا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال. وقيل هم بنو بكر بن زيد. وقيل هم خزاعة .

وقوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ عطف على صلة الذين وهو قوله يَصِلُونَ.

ومعنى حصرت: ضاقت وانقبضت ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم.

ويقال حصر صدره يحصر أى ضاق.

أى: خذوا واقتلوا- أيها المؤمنون- المنافقين الذين أعلنوا كفرهم، ولا تأخذوا ولا تقتلوا الذين التجأوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان، ولا تأخذوا ولا تقتلوا كذلك الذين جاءوا إليكم وقد ضاقت نفوسهم، وانقبضت صدورهم عن قتالكم لأنكم مسلمون كما أنهم قد ضاقت نفوسهم عن قتال قومهم لأنهم منهم، أو لأنهم يخشون قتالهم خوفا على أموالهم أو على ذريتهم أو ذوى أرحامهم.

فأنت ترى أن الاستثناء في قوله إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ قد أخرج من الأخذ والقتل فريقين من الناس:

الفريق الأول: هو الذي ترك المحاربين من الأعداء، والتجأ إلى القوم الذين بينهم وبين المسلمين عهد أمان، فإنه بهذا الالتجاء قد صار حكمه كحكم من التجأ إليهم في الأمان.

والفريق الثاني: هو الذي جاء إلى المؤمنين، مسالما وترك قومه، إلا أنه في الوقت نفسه يكره أن يقاتل المسلمين لحبه لهم. ويكره أن يقاتل قومه لأنهم قومه وعشيرته وأهله أو لأنه لو قاتلهم للحقه الضرر في ماله أو ذريته.

وقوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ في موضع نصب على الحال بتقدير قد كما يرى بعضهم.

وبعضهم لا يرى حاجة لتقديرها، لأنه قد جاء الفعل الماضي حالا بغيرها كثيرا.

وقيل هو صفة لموصوف محذوف هو حال من فاعل جاؤ أى: جاءوكم حالة كونهم حصرت صدورهم.

وقوله: أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ مجرور بحرف جر مقدر أى: حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم. أو هو في محل نصب على أنه مفعول لأجله. أى حصرت صدورهم كراهة قتالكم أو قتال قومهم.

والمراد بالفريق الثاني بنو مدلج فقد أخرج ابن أبى حاتم عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم فقال: لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأسلم من حولهم، قال: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بنى مدلج. فأتيته فقلت: أنشدك النعمة. بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي. وأنا أريد أن توادعهم. فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام. وإن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال: اذهب معه فافعل ما يريد. فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم، فأنزل الله الآية .

وقوله وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ بيان لمظهر من مظاهر فضل الله ورعايته للمؤمنين.

أى: ولو شاء الله لسلط جميع المشركين عليكم بأن قوى قلوبهم، وجرأهم عليكم، وجعلهم يبرزون لقتالكم صفا واحدا، ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، بل ألقى الرعب في صفوف أعدائكم، وجعل منهم من يسالمكم ويأتى إليكم موادعا.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين؟ قلت:

ما كانت مكافتهم إلا لقذف الرعب في قلوبهم. ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه. فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين فذلك معنى التسليط .

وقال القرطبي: قوله- تعالى- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ تسليط الله المشركين على المؤمنين هو بأن يقدرهم على ذلك، ويقويهم إما عقوبة ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي.

وإما ابتلاء واختبارا كما قال- تعالى- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ وإما تمحيصا للذنوب كما قال- تعالى- وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا. ولله أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء.

ووجه النظم والاتصال بما قبل. أى: اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إلا أن يهاجروا وإلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق فيدخلوا فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم، وإلا الذين جاءوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فلا تقتلوهم» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا.

أى: أن هؤلاء الذين استثناهم الله- تعالى- من الأخذ والقتل، اقبلوا مسالمتهم إن اعتزلوا قتالكم فلم يتعرضوا لكم بسوء، وكفوا عن قتالهم إذا ألقوا إليكم السلم، أى: إذا انقادوا للصلح والأمان ورضوا به. وهم متى فعلوا ذلك فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا أى:

فما أذن الله لكم في أخذهم وقتلهم بأى طريق من الطرق التي توصل إلى العدوان عليهم.

وعبر بقوله وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ بدل السلام، للإشارة إلى معنى التسليم لا مجرد الأمن والسلام، لأن السلم يفيد معنى التسليم، فهم ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لأمركم، ودخلوا في طاعتكم.

وفي نفى أن يكون هناك سبيل عليهم، مبالغه في عدم التعرض لهم بسوء لأنه إذا انتفى الوصول إليهم انتفى الاعتداء عليهم من باب أولى.

هذا، ويرى جمهور المفسرين أن الأحكام التي اشتملت عليها هذه الآية الكريمة منسوخة بآية سورة التوبة وهي قوله- تعالى- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ.

قال الجمل: معاهدة المشركين وموادعتهم في هذه الآية منسوخة بآية السيف- وهي قوله «فإذا انسلخ الأشهر الحرم. الآية» وذلك لأن الله- تعالى- لما أعز الإسلام وأهله أمر أن لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو القتال» .

ثم استثنى الله ، سبحانه من هؤلاء فقال : ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) أي : إلا الذين لجئوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة أو عقد ذمة ، فاجعلوا حكمهم كحكمهم . وهذا قول السدي ، وابن زيد ، وابن جرير .

وقد روى ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن : أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال : لما ظهر - يعني صلى الله عليه وسلم - على أهل بدر وأحد ، وأسلم من حولهم قال سراقة : بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي - بني مدلج - فأتيته فقلت : أنشدك النعمة . فقالوا : صه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوه ، ما تريد ؟ " . قال : بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي ، وأنا أريد أن توادعهم ، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد بن الوليد فقال : " اذهب معه فافعل ما يريد " . فصالحهم خالد على ألا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم ، [ ومن وصل إليهم من الناس كانوا على مثل عهدهم ] فأنزل الله : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء )

ورواه ابن مردويه من طريق حماد بن سلمة ، وقال فأنزل الله : ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) فكان وصل إليهم كانوا معهم على عهدهم وهذا أنسب لسياق الكلام .

وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية فكان من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم ، ومن أحب أن يدخل في صلح محمد وأصحابه وعهدهم .

وقد روي عن ابن عباس أنه قال : نسخها قوله : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين [ حيث وجدتموهم ] ) [ التوبة : 5 ] .

وقوله : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم [ أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ] ) الآية ، هؤلاء قوم آخرون من المستثنين عن الأمر بقتالهم ، وهم الذين يجيئون إلى المصاف وهم حصرة صدورهم أي : ضيقة صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم ، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم ، بل هم لا لكم ولا عليكم . ( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ) أي : من لطفه بكم أن كفهم عنكم ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم ) أي : المسالمة ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) أي : فليس لكم أن تقتلوهم ، ما دامت حالهم كذلك ، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين ، فحضروا القتال وهم كارهون ، كالعباس ونحوه ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره .

القول في تأويل قوله : إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، فإن تولىَّ هؤلاء المنافقون الذين اختلفتم فيهم عن الإيمان بالله ورسوله، وأبوا الهجرة فلم يهاجروا في سبيل الله، فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، سوى من وَصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم مُوادعة وعهد وميثاق، (35) فدخلوا فيهم، وصاروا منهم، ورضوا بحكمهم، فإن لمن وصل إليهم فدخل فيهم من أهل الشرك راضيًا بحكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم: أن لا تسبى نساؤهم وذراريهم، ولا تغنم أموالهم، كما: -

10069- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، يقول: إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتموهم، فإن أحدٌ منهم دخل في قوم بينكم وبينهم ميثاق، فأجروا عليه مثل ما تجرُون على أهل الذمة.

10070- حدثني يونس، عن ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، يصلون إلى هؤلاء الذين بينكم وبينهم ميثاق من القوم، لهم من الأمان مثل ما لهؤلاء.

10071- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، قال نـزلت في هلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك بن جعشم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف. (36)

* * *

وقد زعم بعض أهل العربية، (37) أن معنى قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم "، إلا الذين يتَّصلون في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاق، من قولهم: " اتّصل الرجل "، بمعنى: انتمى وانتسب، كما قال الأعشى في صفة امرأة انتسبت إلى قوم:

إذَا اتَّصَلَـتْ قَـالَتْ: أَبَكْـرَ بنَ وَائِلٍ!

وَبَكْــرٌ سَـبَتْهَا وَالأنُـوفُ رَوَاغِـمُ! (38)

يعني بقوله: " اتصلت "، انتسبت.

* * *

قال أبو جعفر: ولا وجه لهذا التأويل في هذا الموضع، لأن الانتساب إلى قوم من أهل الموادعة أو العهد، لو كان يوجب للمنتسبين إليهم ما لهم، إذا لم يكن لهم من العهد والأمان ما لهم، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيقاتل قريشًا وهم أنسباءُ السابقين الأوَّلين. ولأهل الإيمان من الحق بإيمانهم، أكثر مما لأهل العهد بعهدهم. وفي قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي قريش= بتركها الدخول فيما دخل فيه أهل الإيمان منهم، مع قرب أنسابهم من أنساب المؤمنين منهم - الدليلُ الواضح أنّ انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم، لم يكن موجبا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه.

فإن ظن ذو غفلة أن قتال النبيّ صلى الله عليه وسلم من قاتل من أنسباء المؤمنين من مشركي قريش، إنما كان بعد ما نُسخ قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، فإن أهل التأويل أجمعوا على أن ناسخ ذلك " براءة "، و " براءة " نـزلت بعد فتح مكة ودخول قريش في الإسلام. (39)

* * *

القول في تأويل قوله : أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " أو جاءوكم حَصِرَت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم "، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ = إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ = أو: إلا الذين جاءوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم.

ويعني بقوله: " حصرت صدورهم "، ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم.

والعرب تقول لكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام: " قد حَصِرَ"، ومنه " الحَصَرُ" في القراءة. (40)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10072- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أو جاءوكم حصرت صدورهم "، يقول: رجعوا فدخلوا فيكم=" حصرت صدورهم "، يقول: ضاقت صدورهم=" أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ".

* * *

وفي قوله: " أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم "، متروكٌ، ترك ذكره لدلالة الكلام عليه. وذلك أن معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، فترك ذكر " قد "، لأن من شأن العرب فعل مثل ذلك: تقول: " أتاني فلان ذَهَب عقله "، بمعنى: قد ذهب عقله. ومسموع منهم: " أصبحت نظرتُ إلى ذات التَّنانير "، بمعنى: قد نظرت. (41) ولإضمار " قد " مع الماضي، جاز وضع الماضي من الأفعال في موضع الحال، لأن " قد " إذا دخلت معه أدْنته من الحال، وأشبهت الأسماء. (42)

* * *

وعلى هذه القراءة= أعني" حَصِرَت "، قراءة القرأة في جميع الأمصار، وبها يقرأ لإجماع الحجة عليها.

* * *

وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: ( أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَةً صُدُورُهُمْ )، نصبًا، (43) وهي صحيحة في العربية فصيحة، غير أنه غير جائزة القراءة بها عندي، لشذوذها وخروجها عن قراءة قرأة الإسلام.

* * *

القول في تأويل قوله : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا (90)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: " ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم "، ولو شاء الله لسلّط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون في جوارهم وذمتهم، والذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم= عليكم، (44) أيها المؤمنون، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى ذكره كفَّهم عنكم. يقول جل ثناؤه: فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفِّهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم، فيما أمركم به من الكفِّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاؤوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم. ثم قال جل ثناؤه: " فإن اعتزلوكم "، يقول: فإن اعتزلكم هؤلاء الذين أمرتكم بالكف عن قتالهم من المنافقين، بدخولهم في أهل عهدكم، أو مصيرهم إليكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم=" فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَم "، يقول: وصالحوكم.

* * *

و " السَّلَم "، هو الاستسلام. (45) وإنما هذا مثلٌ، كما يقول الرجل للرجل: " أعطيتك قِيادي"، و " ألقيت إليك خِطَامي"، إذا استسلم له وانقاد لأمره. فكذلك قوله: " وألقوا إليكم السلم "، إنما هو: ألقوا إليكم قيادَهم واستسلموا لكم، صلحًا منهم لكم وسَلَمًا. ومن " السَّلم " قول الطرمَّاح:

وَذَاكَ أَنَّ تَمِيمًــا غَــادَرَتْ سَــلَمًا

لِلأسْــدِ كُـلَّ حَصَـانٍ وَعْثَـةِ اللِّبَـدِ (46)

يعني بقوله: " سلمًا "، استسلامًا.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10073- حدثني المثنى قال، حدثنا ابن أبي جعفر: عن أبيه، عن الربيع: " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم "، قال: الصلح.

* * *

وأما قوله: " فما جعل الله لكم عليهم سبيلا "، فإنه يقول: إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم، صلحًا منهم لكم=" فما جعل الله لكم عليهم سبيلا "، أي: فلم يجعل الله لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقًا إلى قتل أو سباء أو غنيمة، بإباحةٍ منه ذلك لكم ولا إذْنٍ، فلا تعرَّضوا لهم في ذلك= إلا سبيل خير

* * *

ثم نسخ الله جميع حكم هذه الآية والتي بعدها بقوله تعالى ذكره:

فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلى قوله: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة التوبة: 5].

ذكر من قال في ذلك مثل الذي قلنا:

10074- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن قالا قال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ إلى قوله: وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا وقال في" الممتحنة ": لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، وقال فيها: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ إلى فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة الممتحنة: 8 ، 9]. فنسخ هؤلاء الآيات الأربعة في شأن المشركين فقال: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ [سورة التوبة: 1، 2]. فجعل لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض، وأبطل ما كان قبل ذلك. وقال في التي تليها: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، ثم نسخ واستثنى فقال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ إلى قوله: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [سورة التوبة: 5 ، 6].

10075- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " فإن اعتزلوكم "، قال: نسختها: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .

10076- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال، سمعت قتادة: يقول في قوله: إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ إلى قوله: " فما جعل الله لكم عليهم سبيلا "، ثم نسخ ذلك بعد في براءة، وأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقاتل المشركين بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ .

10077- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال، قال ابن زيد في قوله: إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ، الآية، قال: نسخ هذا كله أجمع، نسخه الجهاد، ضرب لهم أجل أربعة أشهر: إما أن يسلموا، وإما أن يكون الجهاد.

التدبر :

وقفة
[90] هذه أخلاق الإسلام! أرشد الله لقتل المنافقين الذين أعلنوا كفرهم وعادوا المسلمين، لكنه استثنی فريقين: الأول: من لجأ إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد؛ لأنه لا غدر في الإسلام، والثاني: من ضاقت صدورهم عن قتال المسلمين لحبهم لهم، أو كراهية قتال قومهم؛ لأن المؤمن يقابل الإحسان بالإحسان.
وقفة
[90] ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ تسليط الله تعالى المشركين على المؤمنين هو بأن يقدرهم على ذلك، ويقويهم؛ إما عقوبة ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي، وإما ابتلاء واختبارًا، وإما تمحيصًا للذنوب.
وقفة
[90] ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ عدل الإسلام في الكف عمَّن لم تقع منه أذية متعدية من المنافقين.
وقفة
[90] ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ تسليط الكافرين على المؤمنين؛ إما عقوبة على شیوع المنكرات بين المسلمين، أو ابتلاء واختبارًا حتى يعلم الله المجاهدين والصابرين، أو تمحيصًا لذنوب الصالحين.
وقفة
[90] ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ ليس الإسلام دين عدوان ولا تعطش لسفك الدماء، فمن سالمنا سالمناه، ومن حاربنا حاربناه.
وقفة
[90] ما الفرق بين السّلْم والسَّلَم؟ السِلم: الإسلام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾ [البقرة: 208]، و﴿وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ السلام في الحرب.

الإعراب :

  • ﴿ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ:
  • إلّا: أداة استثناء. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مستثنى بإلّا من قوله تعالى: فخذوهم واقتلوهم. يصلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يَصِلُونَ» صلة الموصول
  • ﴿ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيصلون. بين: ظرف مكان منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. الميم: علامة جمع الذكور وجملة «بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ» في محل جر صفة لقوم وشبه الجملة «بَيْنَكُمْ» في محل رفع متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ:
  • معطوفة بواو العطف على «بَيْنَكُمْ» وتعرب اعرابها ميثاق مبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ أَوْ جاؤُكُمْ:
  • الجملة معطوفة بأو على صفة لقوم مقدرة كأنه قيل: إلّا الذين يصلون الى قوم معاهدين أو على صلة «الَّذِينَ» بتقدير: الّا الذين يصلون بالمعاهدين ويجوز أن تكون في محل جرّ صفة ثانية لقوم وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الوا ضمير متصل في محل رفع فاعل الكاف ضمير متصل «ضمير المخاطبين» في محل نصب مفعول به والميم للجمع.
  • ﴿ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ:
  • الجملة في محل نصب حال باضمار «قد» أي جاءوكم وقد حصرت صدورهم بمعنى: ضيقة صدورهم ويجوز أن تكون في محل جر صفة- نعتا- لقوم. حصرت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة. صدورهم: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يقاتلوكم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور و «أَنْ وما تلاها» بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر. أي: عن أن يقاتلوكم وجملة «يُقاتِلُوكُمْ» صلة «أَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ:
  • أو: عاطفة. يقاتلوا: معطوفة على «يُقاتِلُوا» الأولى وتعرب مثلها و «قَوْمَهُمْ» مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم. شاء: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ:
  • اللام: واقعة في جواب «لَوْ». سلط: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «هم» ضمير الغائبين المتصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. عليكم: جار ومجرور متعلق بسلط والميم علامة جمع الذكور وجملة «لتسلطهم عليكم» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ فَلَقاتَلُوكُمْ:
  • معطوفة بالفاء على «لَسَلَّطَهُمْ». اللام: واقعة في جواب «لَوْ». قاتلوكم: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم للجمع.
  • ﴿ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. اعتزلوكم: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة في محل جزم بإن وهو فعل الشرط. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ:
  • الفاء: عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يقاتلوكم: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ:
  • الواو: عاطفة. ألقوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. اليكم: جار ومجرور متعلق بألقوا والميم علامة جمع الذكور. السلم: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَما جَعَلَ اللَّهُ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. ما: نافية لا عمل لها جعل الله تعرب اعراب: شاء الله.
  • ﴿ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا:
  • جار ومجرور متعلق بجعل أو هو في مقام مفعول «جَعَلَ» الثاني. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة «فَما جَعَلَ وما تلاها» جواب شرط جازم جملة فعلية مسبوقة بما المقترنة بالفاء في محل جزم أما الجار والمجرور «لَكُمْ» فمتعلق بجعل. '

المتشابهات :

النساء: 90﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَـ مَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا
المائدة: 103﴿ مَا جَعَلَ اللَّـهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ
الأحزاب: 4﴿ مَا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [90] لما قبلها :     ولَمَّا أمرَ اللهُ عز وجل بِقَتْلِ هؤلاءِ المنافقينَ؛ استثنى هنا حالتين من القتل وعدم الموالاة، وهي: الحالة الأولى: من يستجير بأهل الذمة؛ لأن حكمه صار كحكم من التجأ إليهم في الأمان (حالة المستجير). الحالة الثانية: من يكره أن يقاتل المسلمين؛ لحبه لهم، ويكره أن يقاتل قومه؛ لأنهم قومه وعشيرته وأهله (حالة المحايد)، قال تعالى:
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً

القراءات :

حصرت:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- حصرة، على وزن «تبعة» ، وهى قراءة الحسن، وقتادة، ويعقوب.
3- حصرات، وحكيت عن الحسن.
4- حاصرات، وهى قراءة.
5- حصرة، بالرفع، على أنه خبر مقدم أي: صدورهم حصرة.
فلقاتلوكم:
1- فلقاتلوكم، بألف المفاعلة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- فلقتلوكم، على وزن ضربوكم، وهى قراءة مجاهد.
3- فلقتلوكم، بالتشديد، وهى قراءة الحسن، والجحدري.

مدارسة الآية : [91] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ ..

التفسير :

[91] ستجدون قوماً آخرين من المنافقين يودون الاطمئنان على أنفسهم من جانبكم، فيظهرون لكم الإيمان، ويودون الاطمئنان على أنفسهم من جانب قومهم الكافرين، فيظهرون لهم الكفر، كلما أعيدوا إلى موطن الكفر والكافرين، وقعوا في أسوأ حال. فهؤلاء إن لم ينصرفوا عنكم، ويقد

{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} أي:من هؤلاء المنافقين.{ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ} أي:خوفا منكم{ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} أي:لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم، وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن أعماهم ونكسهم على رءوسهم، وازداد كفرهم ونفاقهم، وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية، وفي الحقيقة مخالفة لها. فإن الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احترامًا لهم لا خوفا على أنفسهم، وأما هذه الفرقة فتركوه خوفا لا احتراما، بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين، فإنهم مستعدون لانتهازها، فهؤلاء إن لم يتبين منهم ويتضح اتضاحًا عظيمًا اعتزال المؤمنين وترك قتالهم، فإنهم يقاتلون، ولهذا قال:{ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أي:المسالمة والموادعة{ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} أي:حجة بينة واضحة، لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة، فلا يلوموا إلا أنفسهم.

ثم بين- سبحانه- صنفا آخر غير هؤلاء المسالمين، وهم قوم من المنافقين المخادعين، الذين لا يضمرون للمؤمنين إلا شرا، ولا يمدون أيديهم إلى أهل الحق إلا بالسوء فقال- تعالى-:

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها.

أى: ستجدون- أيها المؤمنون- قوما من المنافقين آخرين غير الذين وصفتهم لكم، يُرِيدُونَ بإظهارهم للإسلام أَنْ يَأْمَنُوكُمْ على أنفسهم، ويريدون بإظهارهم للكفر أن يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ من الأذى، ومن صفات هؤلاء المخادعين أنهم كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها أى: كلما دعوا إلى الردة وإلى العصبية البغيضة وقعوا فيها أشنع وقوع، ورجعوا إليها منكوسين على رءوسهم.

قال ابن جرير: عن مجاهد قال: هم ناس كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان. يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا» .

ثم بين- سبحانه- ما يجب على المؤمنين نحو هؤلاء المنافقين المخادعين فقال: فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ. وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً.

أى: أن هؤلاء المنافقين إن لم يعتزلوا قتالكم والتعرض لكم بسوء، ويلقوا إليكم الأمان والانقياد، ويمتنعوا عن العدوان عليكم، إن لم يفعلوا ذلك فخذوهم أسرى، واقتلوهم حيث ثَقِفْتُمُوهُمْ أى: وجدتموهم وظفرتم بهم. يقال ثقفت الرجل في الحرب اثقفه، إذا أدركته وظفرت به وقوله وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً أى أولئك الذين وصفتهم لكم جعل الله لكم حجة واضحة في أخذهم وقتلهم، بسبب ظهور عداوتهم، وانكشاف غدرهم، وتذبذبهم بين الإسلام والكفر تبعا لشهوات نفوسهم المريضة.

هذا، والمتأمل في هذه الآيات الأربعة الكريمة يراها قد رسمت للمؤمنين كيف تكون علاقتهم بغيرهم من المنافقين والمشركين.

فهي تأمرهم- أولا- بأن يقفوا من المنافقين الذين أركسهم الله بما كسبوا صفا واحدا ورأيا واحدا، فلا يدافعوا عنهم ولا يحسنوا الظن بهم، ولا يولوهم ولا يستعينوا بهم، حتى يهاجروا في سبيل الله، فإن امتنعوا عن الهجرة حل أخذهم وقتلهم.

وتأمرهم- ثانيا- بأن يسالموا- إلى حين- قوما التجأوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وأمان، وأن يسالموا كذلك أولئك الذين يأتون إليهم وهم يكرهون قتالهم أو قتال قومهم، وأظهروا الانقياد والاستسلام للمؤمنين.

وتأمرهم- ثالثا- بأن يأخذوا ويقتلوا أولئك المتلاعبين بالعقيدة والدين والذين بلغ بهم الغدر والخداع أنهم إذا قدموا المدينة أظهروا الإسلام، فإذا ما عادوا إلى مكة أو إلى قومهم أظهروا الكفر، وكانوا مع قومهم ضد المسلمين.

وإنها لتوجيهات حكيمة تبصر المؤمنين بما يجب عليهم نحو غيرهم من الناس الذين يخالفونهم في عقيدتهم.

وبعد هذا الحديث الحكيم الذي بين الله- تعالى- فيه أحوال المنافقين، وصفاتهم الذميمة، وموقف المؤمنين ممن يخالفونهم في العقيدة، بعد كل ذلك أخذت السورة الكريمة في بيان حكم القتل الخطأ، وحكم القتل العمد فقال- تعالى-:

وقوله : ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم [ كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها ] ) الآية ، هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم ، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك ، فإن هؤلاء منافقون يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الإسلام ; ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ويصانعون الكفار في الباطن ، فيعبدون معهم ما يعبدون ، ليأمنوا بذلك عندهم ، وهم في الباطن مع أولئك ، كما قال تعالى : ( وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم [ إنما نحن مستهزئون ] ) [ البقرة : 14 ] وقال هاهنا : ( كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها ) أي : انهمكوا فيها .

وقال السدي : الفتنة هاهنا : الشرك . وحكى ابن جرير ، عن مجاهد : أنها نزلت في قوم من أهل مكة ، كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان ، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا ، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا ; ولهذا قال تعالى : ( فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم ) أي : عن القتال ( فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) أي : أين لقيتموهم ( وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ) أي : بينا واضحا .

القول في تأويل قوله : سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا

قال أبو جعفر: وهؤلاء فريق آخر من المنافقين، كانوا يظهرون الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليأمنوا به عندهم من القتل والسباء وأخذ الأموال وهم كفار، يعلم ذلك منهم قومهم، إذا لقوهم كانوا معهم وعبدوا ما يعبدونه من دون الله، ليأمنوهم على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم. يقول الله: " كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها "، يعني: كلما دعاهم [قومهم] إلى الشرك بالله، (47) ارتدُّوا فصاروا مشركين مثلهم.

* * *

واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية.

فقال بعضهم: هم ناس كانوا من أهل مكة أسلموا -على ما وصفهم الله به من التقيَّة- وهم كفار، ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم. يقول الله: " كلما ردُّوا إلى الفتنة أركسوا فيها "، يعني كلما دعاهم [قومهم] إلى الشرك بالله، (48) ارتدوا فصاروا مشركين مثلهم، ليأمنوا عند هؤلاء وهؤلاء.

*ذكر من قال ذلك:

10078- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم "، قال: ناس كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا. فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويُصلحوا.

10079- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

10080- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها "، يقول: كلما أرادوا أن يخرجوا من فتنة أركسوا فيها. وذلك أن الرجل كان يوجد قد تكلم بالإسلام، فيقرَّب إلى العُود والحجَر وإلى العقرب والخنفساء، فيقول المشركون لذلك المتكلِّم بالإسلام: " قل: هذا ربي"، للخنفساء والعقرب.

* * *

وقال آخرون: بل هم قوم من أهل الشرك كانوا طلبوا الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليأمنوا عنده وعند أصحابه وعند المشركين.

*ذكر من قال ذلك:

10081- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم "، قال: حيٌّ كانوا بتهامة، قالوا: " يا نبيّ الله، لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا "، وأرادوا أن يأمنوا نبيَّ الله ويأمنوا قومهم، فأبى الله ذلك عليهم، فقال: " كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها "، يقول: كلما عرض لهم بلاء هلكوا فيه.

* * *

وقال آخرون: نـزلت هذه الآية في نعيم بن مسعود الأشجعي.

*ذكر من قال ذلك:

10082- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم ذكر نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمن في المسلمين والمشركين، ينقل الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين، فقال: " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة "، يقول: إلى الشرك.

* * *

وأما تأويل قوله: " كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها "، فإنه كما:-

10083- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: " كلما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها "، قال: كلما ابتلُوا بها، عَمُوا فيها.

10084- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: كلما عرَض لهم بلاء، هلكوا فيه.

* * *

والقول في ذلك ما قد بينت قبلُ، وذلك أن " الفتنة " في كلام العرب، الاختبار، و " الإركاس " الرجوع. (49) .

* * *

فتأويل الكلام: كلما ردوا إلى الاختبار ليرجعوا إلى الكفر والشرك، رجعوا إليه.

* * *

القول في تأويل قوله : فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن لم يعتزلكم، (50) أيها المؤمنون، هؤلاء الذين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، وهم كلما دعوا إلى الشرك أجابوا إليه =" ويلقوا إليكم السلم "، ولم يستسلموا إليكم فيعطوكم المقادَ ويصالحوكم، (51) . كما:-

10085- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم "، قال: الصلح.

* * *

=" ويكفوا أيديهم "، يقول: ويكفوا أيديهم عن قتالكم، (52) =" فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم "، يقول جل ثناؤه: إن لم يفعلوا، فخذوهم أين أصبتموهم من الأرض ولقيتموهم فيها، (53) فاقتلوهم، فإن دماءهم لكم حينئذ حلال=" وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا "، يقول جل ثناؤه: وهؤلاء الذين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، وهم على ما هم عليه من الكفران، ولم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم، (54) جعلنا لكم حجة في قتلهم أينما لقيتموهم، بمقامهم على كفرهم، وتركهم هجرة دار الشرك=" مبينًا " يعني: أنها تبين عن استحقاقهم ذلك منكم، وإصابتكم الحق في قتلهم. وذلك قوله: " سلطانًا مبينًا "، و " السلطان " هو الحجة، (55) . كما:-

10086- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة قال، حدثنا سفيان، عن رجل، عن عكرمة قال: ما كان في القرآن من " سلطان "، فهو: حجّة.

10087- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " سلطانًا مبينًا " أما " السلطان المبين "، فهو الحجة.

* * *

---------------

الهوامش :

(35) انظر تفسير"الميثاق" فيما سلف: 8 : 127 تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(36) الأثر: 10071 - انظر الأثرين السالفين: 10052 ، 10053.

(37) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 136 ، وفي المطبوع من مجاز القرآن تأخير وتقديم لم يمسسه بالتحرير ناشر الكتاب ، فليحرر مكانه.

(38) ديوانه: 59 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 136 والناسخ والمنسوخ: 109 واللسان (وصل) ، وغيرهما. وفي اللسان"لبكر بن وائل" ، وفسرها"اتصلت": انتسبت. وفسرها شارح شعر الأعشى: إذا دعت ، يعني دعت بدعوى الجاهلية ، وهو الاعتزاء. وهذا البيت آخر بيت في قصيدة الأعشى تلك. يقول: تدعى إليهم وتنتسب ، وهي من إمائهم اللواتي سبين وقد رغمت أنوفهن وأنوف رجالهن الذي كانوا يدافعون عنهن ، ثم انهزموا عنهن وتركوهن للسباء.

(39) في المخطوطة والمطبوعة: "فإن أهل التأويل أجمعوا على أن ذلك نسخ قراءة نزلت بعد فتح مكة ودخول قريش في الإسلام" ، وهو خطأ لا معنى له ، وخلط فاحش. واستظهرت أن ما كتبته هو الصواب وأنه عنى"سورة براءة" ، من الناسخ والمنسوخ: 109 ، ومن تفسير أبي حيان 3: 315 ، وتفسير القرطبي 5: 308 ، وقد نسبوه جميعًا إلى الطبري أيضا.

(40) انظر تفسير"الحصر" فيما سلف 6: 376 ، 377 وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 136 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 282.

(41) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 282 . و"ذات التنانير": أرض بين الكوفة وبلاد غطفان ، وقال ياقوت في معجمه: "عقبة بحذاء زبالة".

(42) في المطبوعة: "وأشبه الأسماء" ، وما في المخطوطة صواب ، يعني وأشبهت الأفعال الماضية الأسماء.

(43) انظر معاني القرآن للفراء 1: 282.

(44) السياق: ولو شاء الله لسلط هؤلاء ... عليكم".

(45) انظر تفسير"الإسلام" أيضًا فيما سلف من فهارس اللغة"سلم".

(46) ديوانه: 145 ، من قصيدته التي هجا بها الفرزدق وبيوت بني دارم وبني سعد فقال قبله:

وَدَارِمٌ قــد قَذَفْنَــا مِنْهُــمُ مِئَــةً

فِـي جَـاحِمِ النَّـارِ، إِذْ يُلْقَوْنَ فِي الخُدَدِ

يَـنْزُونَ بالْمُشْـتَوَى مِنْهَـا، ويُوقِدُهَـا

عَمْـرٌو، وَلَـوْلا لُحُـومُ الْقَـوْمِ لَمْ تَقِدِ

وَذَاكَ أنَّ تَمِيمًــــــا ............

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فزعم أن عمرو بن المنذر اللخمي ، أحرق بني دارم رهط الفرزدق ، قال أبو عبيدة: ولم يكن للطرماح بهذا الحديث علم. يعني حديث يوم أوارة ، وهو يوم غزا عمرو بن المنذر بني دارم ، فقتل منهم تسعة وتسعين رجلا.

و"الأسد" يعني عمرو بن المنذر ومن معه. و"الحصان" المرأة العفيفة. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "كل مصان وعثه اللبد" وهو خطأ لا معنى له. وامرأة"وعثة": كثيرة اللحم ، كأن الأصابع تسوخ فيها من كثرة لحمها ولينها."وامرأة وعثه الأرداف" ، كذلك. و"اللبد" جمع لبدة (بكسر فسكون): وهي كساء ملبس يفرش للجلوس عليه. وعنى بذلك أنها وعثة الأرداف ، حيث تجلس على اللبد. فسمي الأرداف لبدًا.

يقول: أسلمت تميم نساءها لنا ولجيش عمرو بن المنذر ، وفروا عن أعراضهم ، لم يلفتهم إليهن ضعفهن عن الدفع عن أنفسهن ، وأنساهم الروع كرائم نسائهم ومترفاتهن.

(47) الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام.

(48) الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام.

(49) انظر"تفسير الفتنة" فيما سلف 2: 444 / 3 : 565 ، 566 ، 570 ، 571 / 4: 301 / 6 : 196 ، 197= وانظر تفسير"الإركاس" فيما سلف ص: 7 ، 15 ، 16.

(50) في المطبوعة والمخطوطة: "فإن لم يعتزلوكم" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(51) انظر تفسير"ألقوا السلم" فيما سلف ص23 ، 24.

(52) انظر تفسير"الكف" فيما سلف 8: 548.

(53) انظر تفسير"ثقف" فيما سلف 3 : 564.

(54) في المطبوعة والمخطوطة: "لم يعتزلوكم" ، بإسقاط الواو ، والأصح إثباتها.

(55) انظر تفسير"السلطان" فيما سلف 7: 279 = وتفسير"المبين" فيما سلف 8: 124 تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

التدبر :

وقفة
[91] هم قوم من أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا قومهم، وما هم بمخلصين الود لأي من الفريقين، ففيهم نزلت هذه الآية.
وقفة
[91] ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ المؤمن حازم صارم، فأمر الله المؤمنين أن يأخذوا ويقتلوا المتلاعبين بالدين، الذين يظهرون الإسلام مع المسلمين، فإذا ما عادوا إلى قومهم كانوا معهم ضد المسلمين.
وقفة
[91] أكثر الناس تذبذبًا الذين يبحثون عن أمان أنفسهم قبل مبادئهم ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾.
وقفة
[91] أول من يغدر بأهل الحق في الفتن هم أهل النفاق تبعًا لمصالحهم! ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾.
وقفة
[91] ﴿يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ يظنون الحياد بين الحق والباطل کافيًا، وأنه الطريق الأسلم، وما علموا أن هذا أول خطوة في طريق السقوط.
وقفة
[91] يظنون الوسطية أن يقفوا بين الحقِّ والباطل ويسلموا من نقد الجميع ﴿يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾.
وقفة
[91] يكشف الجهاد في سبيل الله أهل النفاق بسبب تخلفهم عنه وتكلف أعذارهم ﴿يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾.
وقفة
[91] ﴿كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ بعض مرضى القلوب يتحسن حاله ما دام في عافية، حتى تأتي فتنة فيرتكس ويستبد به مرضه القديم من جديد.

الإعراب :

  • ﴿ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ:
  • السين: حرف استقبال- تسويف- للقريب. تجدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. آخرين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. يريدون: جملة فعلية في محل نصب حال وتعرب إعراب «تجدون» والنون في «آخَرِينَ» عوض من حركة المفرد.
  • ﴿ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يأمنوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم: علامة جمع الذكور. و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «يريد».
  • ﴿ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ:
  • معطوفة بواو العطف على «يَأْمَنُوا» الأولى وتعرب اعرابها قومهم: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كُلَّما:
  • كل: اسم منصوب على نيابة الظرفية الزمانية متعلق بشبه جواب الشرط وهو مضاف. ما: مصدرية و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف: فارقة. الى الفتنة: جار ومجرور متعلق بردوا. وجملة «رُدُّوا» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ أُرْكِسُوا فِيها:
  • تعرب اعراب «رُدُّوا». فيها: جار ومجرور متعلق بأركسوا وجملة «أُرْكِسُوا فِيها» لا محل لها من الاعراب لأنها مشبهة لجواب الشرط بمعنى قلبوا فيها.
  • ﴿ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. لم: حرف نفي وجزم وقلب يعتزلوكم «قلبته» لم الى معنى الماضي اي اعتزلوكم: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور وجملة «لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ» في محل جزم بإن لأنها فعل الشرط.
  • ﴿ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ:
  • معطوفة بالواو على «يعتزلوا» وتعرب اعرابها. إليكم: جار ومجرور متعلق بيلقوا والميم للجمع.
  • ﴿ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا:
  • السلم: مفعول به منصوب بالفتحة. ويكفوا: معطوفة بواو العطف على «يُلْقُوا» وتعرب مثلها.
  • ﴿ أَيْدِيَهُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. خذوهم: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين المتصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. واقتلوهم: معطوفة بواو العطف على «خذوهم» وتعرب إعرابها وجملة «فَخُذُوهُمْ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ:
  • حيث: اسم مبني على الضم في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق باقتلوهم وهو مضاف وهي هنا بمعنى: أين ثقفتموهم. ثقفتموهم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل الميم علامة جمع الذكور والواو لاشباع الميم وجملة «ثَقِفْتُمُوهُمْ» في محل جر بالاضافة بمعنى «صادفتموهم».
  • ﴿ وَأُولئِكُمْ:
  • الواو: استئنافية. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. الكاف: حرف خطاب والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ جَعَلْنا لَكُمْ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع. نا: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. لكم: جار ومجرور متعلق بجعل. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً:
  • على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. سلطانا: مفعول به أول منصوب بالفتحة. مبينا: صفة- نعت- لسلطانا منصوبة مثله وشبه الجملة من الجار والمجرور «عَلَيْهِمْ» في محل نصب بمنزلة مفعول «جَعَلْنا» الثاني. '

المتشابهات :

النساء: 91﴿وَأُولَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا
النساء: 144﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّـهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا
النساء: 153﴿وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [91] لما قبلها :     ولَمَّا ذكر اللهُ عز وجل صفة المحقين في المتاركة، المجدِّين في إلقاء السلم؛ نبَّه هنا على طائفة أخرى مخادعة، يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم يقولون لهم: نحن معكم وعلى دينكم، ويقولون للمسلمين كذلك إذا وجدوا، كلما دُعُوا إلى الكفر بالله وقعوا فيه أشد الوقوع، ثم بَيَّنَ اللهُ حكمَهم، قال تعالى:
﴿ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا

القراءات :

أركسوا:
وقرئ:
1- ركسوا، بضم الراء من غير ألف، مخففا، وهى قراءة عبد الله.
2- ركسّوا، بتشديد الكاف، عن ابن جنى عن عبد الله.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف